تحليل كتاب، وإعادة صياغة نظريّة
د. أحمد باكتجي(*)
داوود بن المحبِّر(206هـ / 821م) عالمٌ غير ذائع الصيت، من القرن الهجري الثاني، يُعْرَف من خلال تأليفه الوحيد، بعنوان «العقل».
وقد كان هذا المؤلَّف موضع جدل بيت المحدِّثين طوال القرون المنصرمة([1]).
وأما ما هي مصادر داوود بن المحبِّر؟ وما هي مبانيه في اختيار الأحاديث؟ وما هي الدوافع التي دفعته إلى تأليف هذا الكتاب؟ أسئلةٌ لم تحصل على إجاباتٍ شافية حتّى الآن.
ولا بُدَّ من إضافة أن داوود بن المحبِّر لم يذكر في كتاب (العقل) سوى الأحاديث النبوية في باب العقل، إلاّ أن اتجاهه في مبحث العقل قد تخطّى ذلك، حيث شاع عنه الكثير من كلمات الصحابة والتابعين في باب العقل، وتمّ ضبطها في مختلف المصادر([2]).
إن المعلومات بشأن داوود بن المحبِّر ليست وفيرة. وكلّ ما نعرفه عنه أنه عالمٌ كبير، من أهل البصرة، من أصول إيرانية. وكان أبوه من رواة الحديث أيضاً([3]).
لقد استمع داوود بن المحبِّر إلى الحديث سنوات طويلة، من علماء ـ غالبيّتهم من البصرة ـ من أمثال: إسماعيل بن عيّاش، والحسن بن دينار، وشعبة بن الحجّاج، وحمّاد بن زيد، وحمّاد بن سلمة، ومقاتل بن سليمان([4]).
جولةٌ على التوجُّهات الشخصية لداوود بن المحبِّر ــــــ
لقد ورد الحديث في مختلف مصادر السِّيَر حول علاقة داوود بن المحبِّر مع جماعتين من أصحاب الفكر: الصوفية؛ والمعتزلة.
وإن المصدر الرئيس لهذا الكلام عبارة مقتضبة عن يحيى بن معين ـ من العلماء وأصحاب الحديث في القرن الهجري الثالث ـ، حيث تحدَّث عن مراحل حياة داوود، قائلاً: «كان داوود ثقةً، ولكنه جفا الحديث، وكان يتنسَّك، وجالس الصوفيين بعبادان، وكان يعمل الخوص، ثم قدم بغداد بعد ذلك. فلما أسنّ وكبر أتاه أصحاب الحديث، فكان يحدِّثهم»([5]).
هذا، في حين أننا نجد هذه العبارة التي رواها يحيى بن معين في روايةٍ أخرى تستبدل الصوفية بالمعتزلة([6]).
وبالالتفات إلى أن المصادر الأقدم التي نقلت العبارة المذكورة عن يحيى بن معين، من أمثال: العقيلي وابن عديّ، قد أثبتت كلمة «الصوفية»، وإنّ استبدالها بـ «المعتزلة» في تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي، والمصادر اللاحقة قد حدث في فترةٍ متأخِّرة، يمكن لنا أن نستنتج أن كلمة «الصوفية» أكثر أصالةً، وأنه يمكن التشكيك في ضبط كلمة «المعتزلة».
وبغضّ النظر عن عبارة يحيى بن معين لا نرى علاقة واضحة بين داوود بن المحبِّر وبين محافل المعتزلة.
بل نجد بعض مضامين روايات داوود ـ مثل إثبات القَدَر ـ تتجلى بوضوح في مقابل الأفكار الغالبة لدى المعتزلة([7]).
والأهمّ من ذلك أن المنهج الروائي لداوود بن المحبِّر في بيان أفكاره تبتعد عن المنهج والأسلوب الكلامي للمعتزلة.
كما يُضاف إلى ذلك أن أصحاب الحديث عندما ينسبون عقائدهم في الفهرست الرجالي يأتون على ذكر داوود بن المحبِّر أيضاً([8]).
وفي ما يتعلق بالصلة التي تربط بين داوود بن المحبِّر والمحافل الصوفية لا بُدَّ من الإشارة أوّلاً إلى أن هذه الصلة يمكن أن تكون ذات جذور تاريخية في أسرته، فهناك شواهد تثبت أن والده المحبِّر كان مصاحباً لبعض الزهّاد من أبناء جيله([9]).
ومضافاً إلى والده علينا أن نعلم أن من بين أساتذته رجالاً من أمثال: صالح المري، وعباد بن كثير الثقفي، وعبد الواحد بن زياد، وميسرة بن عبد ربّه([10])، من الذين لم يشتهروا بوصفهم من المحدِّثين، وإنما كانت تغلب عليهم صفة العلماء من أهل الزهد والأخلاق.
ومضافاً إلى كلّ ذلك لا بُدَّ من الإشارة إلى الكلمات القصار وقصص الزهد التي يرويها داوود بن المحبِّر، عن أساتذته، عن بعض زهّاد البصرة، من أمثال: الحسن البصري، ومالك بن دينار، ومحمد بن واسع، وعطاء السليمي، وزياد النميري، وكان لها انعكاسٌ على صفحات كتب «الأولياء»([11]).
وفي الختام لا بُدَّ من الإشارة إلى أن محمد بن الحسين البرجلاني ـ من كتّاب أهل الزهد ـ يُعَدّ من خاصّة تلاميذ داوود بن المحبِّر، وقد روى عنه في كتبه الكثير من المسائل([12]).
كتاب العقل من وجهة نظر المحدِّثين والأخلاقيين ــــــ
من ناحية النقد الرجالي نجد حتّى أكثر النقّاد تفاؤلاً في إثبات وثاقة شخص داوود بن المحبِّر لم يتمكَّنوا من التغطية على حقيقة أن كتاب «العقل» يمثِّل الأسوأ من بين مرويّاته من ناحية ضعف السند([13]).
وفي ما يتعلَّق بكتاب «العقل» يذهب حتّى أكثر أصحاب الاختصاص تسامحاً إلى اتخاذ مواقف انتقادية سلبية. ومن هؤلاء: الحاكم النيسابوري، الذي يقول بأن أكثر أحاديثه من الموضوعات([14]). وذهب أبو نعيم الإصفهاني إلى اعتباره مجموعة من الأخبار «المنكرة»([15]).
ومع ذلك يبدو أن المحدِّثين في القرون الأولى ـ بغضّ النظر عن النقد السندي ـ كانوا ينظرون إلى كتاب العقل، لداوود بن المحبِّر، بعيداً عن السند. وهناك رواية تقول: «إنّ داوود بن المحبِّر لما صنَّف كتاب العقل جاء أحمد بن حنبل فطلبه منه، فنظر فيه أحمد صفحاً، ثمّ ردَّه إليه، فقال: ما لك؟ فقال: فيه أسانيد ضعفاء، فقال له داوود: أنا لم أخرِّجه على أسانيد، فأنظر فيه بعين الخبر، إنما نظرت بعين العمل، فانتفعت به. قال أحمد: رُدَّه عليَّ حتّى أنظر فيه بالعين التي نظرْتَ بها، فردَّه عليه؛ فمكث الكتاب عنده طويلاً، حتّى اقتضاه إيّاه ابن المحبِّر، ثمّ ردَّه عليه، وقال: جزاك الله خيراً، قد انتفعْتُ به منفعةً بيِّنة»([16]).
وفي روايةْ أخرى نجد هذا المضمون قد نقل بشكلٍ آخر، يجعل أبا عبد الله بن الجرّاح هو الذي يعرض الكتاب على أحمد بن حنبل، ويدور بينهما ذات الحوار المتقدِّم في الرواية الأولى بين داوود بن المحبِّر وأحمد بن حنبل([17]). ومع الأخذ بنظر الاعتبار تأخُّر أحمد بن حنبل عن عصر داوود بن المحبِّر بجيلٍ واحد تبدو الرواية الثانية أكثر صدقية. ولكنْ بغضّ النظر عن التقدير التاريخي لهذه الحكاية فإن الوجه المشترك بين هذين النقلين يثبت تداول هذه الحكاية بين أهل الزهد، وروايتها من قبل أمثال: أبي سعيد الخزّاز، وأبي طالب المكّي([18]).
كما أن التوظيف الواسع لبعض العرفاء الكبار، من أمثال: الحكيم الترمذي، لكتاب «العقل»، دون الإشارة إليه وإلى مؤلِّفه، يحكي عن أن العلماء من أهل الزهد والطريقة كانوا يركنون إلى هذا الكتاب، دون أن يجدوا حاجةً إلى نقد أخباره من الناحية السندية؛ لاعتبارهم مضامينه مقرونةً بالحقّ، فوجدوا ذلك كافياً في الاستفادة منه والانتفاع به.
فعلى سبيل المثال: نجد الحكيم الترمذي ينقل الكثير من أحاديث كتاب «العقل» في مؤلَّفاته ـ ولا سيَّما منها «نوادر الأصول» ـ مجرَّدةً من السند([19]).
إن الوثائق التي ترصد تداول كتاب «العقل» في القرون التالية تثبت اهتماماً وإقبالاً متزايداً عليه من قبل الصوفية والأخلاقيين([20]).
وبالالتفات إلى الجذور التاريخية، وما تقدّم في القسم السابق، يمكن لنا من خلال الاستناد إلى دور أشخاص من أمثال: مالك بن دينار، وعباد بن كثير، الحصول على صورةٍ واضحة عن علاقة داوود بن المحبِّر بمذهب الخوف في البصرة، ومقدّمات الصوفية، وتتبّع صلة داوود بن المحبِّر بفرع مالك بن دينار من المذهب الأخلاقي للحسن البصري([21]).
وفي الوقت نفسه يجب الالتفات إلى أن داوود بن المحبِّر قد ذهب ـ بالنظر إلى اتّساع رقعة الحديث في عصره، وانتشاره في الأمصار ـ إلى ما هو أبعد من مدرسة الحسن البصري ومدينة البصرة، حيث نجده متأثِّراً في كتاب «العقل» ـ إلى حدٍّ ما ـ بكبار مدرسة ابن سيرين، وكذلك شخصيات أخرى من سائر الحواضر، مثل: الكوفة، ومكّة المكرّمة، والمدينة المنوَّرة أيضاً.
وعلى أيّ حال هناك في كتاب «العقل» والروايات المنقولة فيه مضامين تؤكِّد العلاقة الخاصة القائمة بينه وبين مدرسة الحسن البصري ومالك بن دينار.
ففي تتبُّع جذور هذه الصلة يجب القول: إن تأكيد مالك بن دينار على أن «معرفة الله من أهمّ ما يشغل النفس»([22]) قد انعكست بوضوحٍ على مضامين كتاب «العقل».
وفي الحقيقة إن الذي جعل داوود بن المحبِّر يهيم بالعقل هو دوره في اكتساب المعرفة الإلهية.
ولا بُدَّ من الالتفات ـ على أيّ حال ـ إلى أن العلاقة بين العقل والمعرفة الإلهية سرعان ما حظيَتْ بالاهتمام من قبل العرفاء من مختلف المذاهب والمدارس، حيث قام بتناوله وتفصيل أبحاثه أشخاص من أمثال: ذي النون المصري، والحارث بن أسد المحاسبي، وسهل التستري، والحكيم الترمذي.
تحليل مضامين كتاب العقل ــــــ
هناك الكثير ممّا قيل بشأن ظهور التفكير الفلسفي في العالم الإسلامي، إلاّ أن الأكثر شهرة هو القول بأن المؤرِّخين للفلسفة الإسلامية يرجعون تاريخ ظهور الفلسفة في العالم الإسلامي إلى بداية حركة الترجمة ونقل التراث الفلسفي اليوناني والإيراني. ولكنْ قلَّما تمّ البحث في تاريخ التفكير الفلسفي في العالم الإسلامي قبل الفيلسوف الأول ـ ونعني به الكندي(259هـ) ـ، بل وحتّى قبل تأسيس دار الحكمة (سنة 215هـ).
وإنما المقدار الواضح هو أن الحوارات المتبادلة بين المسلمين وأتباع الأديان الأخرى قد خلقت مناخاً صالحاً لانتقال الأفكار الفلسفية الهلسينية والإيرانية أيضاً.
ولكنْ بالالتفات إلى أن تاريخ هذا التحاور قد حظي باهتمام الباحثين منذ فترةٍ ليست ببعيدة لا بُدَّ من الاعتراف بأن الوقت لا يزال مبكِّراً لمعرفة الجذور الزمنية والتاريخية لوصول الأفكار الفلسفية الهلسينية ـ الإيرانية إلى العالم الإسلامي.
وعليه من الواضح أننا إذا درسنا كتاباً مثل: كتاب «العقل»، لمؤلِّفه داوود بن المحبِّر، وعثرنا في أثناء تحليل الأفكار على نظائر بين مضامينه وبين الأفكار الهلسينية ـ الإيرانية، يكون الوقت لا يزال مبكِّراً لإثبات إمكانية التأثير، أو كيفية هذا التأثير (على فرض وجوده).
وعليه لا بُدَّ من تجنُّب التسرُّع في الخوض في مثل هذه الاستنتاجات، والاكتفاء ـ في حدود الإمكانات الراهنة ـ برؤيةٍ معرفية لا ترقى إلى البحث في الجذور والأصول.
وبطبيعة الحال لا بُدَّ من الالتفات إلى أن مضامين هذا الكتاب لو أمكن تحليلها، وبيان صلتها بالأفكار الفلسفية الأخرى ـ وإنْ على مستوى التعرُّف على تناغمها مع الأنواع المعرفية التي لا ترقى إلى مستوى البحث في سنخية مناشئها ـ سيكون ذلك في حدّ ذاته أداةً للدراسات اللاحقة حول تاريخ التفكير الفلسفي في القرن الثاني الهجري.
العقل هبةٌ إلهية ــــــ
علينا أن لا نتوقَّع الحصول منذ البداية على تعريف لـ «العقل» من كتاب «العقل»، الذي ألَّفه داوود بن المحبِّر؛ لأن ابن المحبِّر لم يكن بصدد تقديم تعريف سابق للعقل وماهيته، وإنما علينا التوصُّل إلى تعريف العقل بشكلٍ لاحق، من خلال تحليل المعطيات التي يقدِّمها داوود بن المحبِّر بشأن العقل.
إن من أبرز خصائص العقل في كتاب «العقل»، لداوود بن المحبِّر، تقديم العقل بوصفه «عطاءً» و«هبةً» إلهية. فبغضّ النظر عن سابقتها في الأفكار العريقة ـ ولا سيَّما الأفكار الإيرانية([23]) ـ لا بُدَّ من ملاحظة جذرها التاريخية التي تعود إلى القرن الأول الهجري بين علماء المسلمين.
فعلى سبيل المثال: يشير (غيلان الدمشقي) إلى العقل بوصفه عطيةً إلهية([24])؛ ويعتبره (عطاء بن أبي رباح) ـ العالم المكي ـ من أفضل هبات الله سبحانه للإنسان([25]).
إن من بين الأحاديث الأكثر تعبيراً في كتاب «العقل» هو الحديث المشتمل على حوارٍ يدور بين الله سبحانه وتعالى بشأن العقل؛ إذ يصف الله العقل بأنه أفضل من العرش من بين سائر مخلوقاته، وهو أمرٌ لم يكن في علم الملائكة. ثم تمّ التعريف بالعقل ـ في هذا الحديث ـ بأنه نعمةٌ كبيرة، تمّ توزيعه على الناس بنِسَب متفاوتة، وقد تمّ تشبيه هذا التفاوت في القلّة والكثرة بالقول: إن الله سبحانه وتعالى قد خلق العقل بأعداد وأنواع كثيرة بعدد الرمل والحصى([26])، وإن من الناس مَنْ يأخذ منه سهماً، ومنهم مَنْ يأخذ أكثر من سهم، ومنهم مَنْ يمنحه الله ما لا يُحصى من الأسهم([27]).
كما انعكست بعض عناصر هذا الحديث، من قبيل: «إعطاء العقل» لمَنْ يستحقّه([28])، و«تقسيم العقل»([29])، و«حرمان» بعض الناس من نعمة العقل([30])، وزيادة العقل ونقصانه لدى بعض الناس، في أحاديث أخرى من الكتاب بتعبيرات متفاوتة، من قبيل: «وفرة العقل»([31])، أو «كمال العقل»([32]).
وقد روى داوود بن المحبِّر في رواياته خارج كتاب «العقل»، عن وهب بن منبّه، أن الله سبحانه وتعالى منذ بداية العالم إلى نهايته لم يهَبْ أحداً من مخلوقاته من العقل بمقدار ما وهبه للنبيّ الأكرم‘([33]).
العقل أداة المعرفة ــــــ
يمكن اعتبار هذا الفهم القائل بأن العقل أداةٌ لمعرفة الحقائق ـ على نحو الإجمال ـ بوصفه الفهم السائد في مختلف الثقافات. ومن الجدير بحث ما هو طيف الحقائق الذي يمكن للعقل التعرُّف عليه بوصفه أداة للمعرفة، وما إذا أمكن تقسيمه على أساس المساحات المعرفية إلى مختلف الأقسام.
وعلى سبيل المثال: يمكن لنا أن نشير إلى تقسيم أرسطوطاليس، حيث أطلق على العقل من حيث العلم بعلل الأشياء مصطلح العقل النظري (Nous)، وأطلق على العقل من حيث معرفة الأدوات والغايات مصطلح العقل العملي (Phronesis). ولا بُدَّ من الإشارة ـ عرضاً ـ إلى أننا نشاهد في الترجمات العربية الأولى أن بعض الأشخاص، من أمثال: أسطاث الراهب، قد اعتبر العقل مرادفاً لـ (Phronesis)، بمعنى «العقل العملي»، وإسحاق بن حنين، ومتّى بن يونس، وأبي عثمان الدمشقي، قد اعتبروه مرادفاً لـ (Nous)، بمعنى «العقل النظري»([34]).
وفي ما يتعلَّق بالجذور التاريخية لاعتبار العقل بوصفه أداة معرفية في التفكير الإسلامي في القرن الثاني الهجري يجب القول: هناك أدلة وشواهد تحكي عن محورية العقل وسيادته في اكتساب المعرفة والهداية منذ نهاية القرن الأول الهجري بين بعض الجماعات الفكرية بين المسلمين. وكنموذجٍ بارز لا بُدَّ من الإشارة إلى الروايات المستفيضة المأثورة عن الإمامين الصادق والكاظم’([35])، التي تشبه ـ إلى حدٍّ كبير ـ المضامين الواردة في كتاب «العقل»، لداوود بن المحبِّر([36]).
كما يجب التذكير بأننا نجد الاهتمام بالعقل ـ بوصفه أداة للمعرفة بشكلٍ عامّ، وبوصفه أداة للوصول إلى الأحكام الشرعية والتعاليم الدينية من ناحيةٍ أخرى بشكلٍ خاصّ ـ منذ القرن الثاني الهجري في إطار نظريات تقريرية.
ولا بُدَّ من الإشارة ـ في إطار النظرية الأولى ـ إلى روايةٍ مقتضبة، ولكنها في غاية الأهمّية، عن واصل بن عطاء، بشأن طرق الوصول إلى أحكام الشريعة، والتي على أساسها يجب على الفقيه عند الافتقار إلى دليلٍ من الكتاب و«الخبر الحجّة» أن يسلك طريق «العقل السليم»([37]).
الرأي الآخر الملفت للانتباه في هذا الشأن ـ والذي حظي باهتمامٍ كبير، حتّى من قبل المحافل غير الكلامية ـ هو رأي الشافعي بشأن العلاقة بين الرأي والقياس؛ إذ أنه لم يُجِزْ القياس إلاّ للشخص «صحيح العقل»، واعتبر العقل أداةً ضرورية للقياس([38]).
وعطفاً على المنزلة المعرفية للعقل في كتاب «العقل»، لداوود بن المحبِّر، يجب القول: إن هذا الكتاب وإنْ لم يَخْلُ من الحديث عن العقل النظري، إلاّ أن الحديث في هذه الناحية لا يرقى إلى حجم الخوض في العقل العملي، وربما عاد السبب في ذلك إلى غَلَبة الاتجاه الأخلاقي في هذا الكتاب.
والشاخص الوحيد في الاهتمام بالعقل النظري في كتاب «العقل» يتمثَّل بحديث نبوي مضمونه أن الله سبحانه وتعالى قسَّم العقل إلى ثلاثة أقسام، وهي: حسن معرفة الله؛ وحسن طاعته؛ وحسن الصبر على أمره([39]). وعلى أيّ حال فإن هذا الحديث يعبِّر بوضوحٍ عن الرأي القائل بأن العقل هو الأداة المعرفية الوحيدة التي توصل الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى. بَيْدَ أن نظرة داوود بن المحبِّر إلى العقل النظري قد اقتصرت على معرفة علة العلل (دون أن يطلق مثل هذا الوصف على الله)، ولم يُبْدِ اهتماماً بالمعارف الأخرى لأبعاد النظام العلّي في العالم.
وخلافاً للعقل النظري، كان العقل العملي هو الذي حظي بالحجم الأكبر من اهتمام داوود بن المحبِّر؛ حيث نجد في كتاب «العقل» الكثير من الروايات التي تتحدَّث عن هذه المضامين. وفي هذا الشأن لا بُدَّ أوّلاً من الإشارة إلى الحديث المتقدِّم ذكره بشأن تقسيم العقل إلى ثلاثة أقسام، والذي على أساسه يندرج قسمان من تلك الأقسام الثلاثة ـ وهما: حُسْن الطاعة لله، وحُسْن الصبر على أوامره ـ ضمن دائرة العقل العملي. وأما في سائر الروايات الأخرى فلم يَرِدْ ذكر للدور الجوهري للصبر على أوامره إلاّ على نحوٍ عابر([40])، في حين تمّ التأكيد على العلاقة بين العقل والطاعة([41]).
وفي ما يتعلق بدائرة حُسْن الطاعة، وحُسْن الصبر على أمر الله، ربما أمكن لنا أن نفترض أن الطاعة إشارة إلى دائرة الأحكام التشريعية، والصبر على الأمر إشارة إلى دائرة الأحكام التكوينية لله عزَّ وجلَّ. وبعبارةٍ أخرى: إن دائرة حُسْن الطاعة تتعلَّق بالشريعة، ودائرة حُسْن الصبر تتعلَّق بالسلوك.
وعلى أيّ حال ففي القسم الآخر من أحاديث كتاب «العقل» تمّ التركيز في دائرة العقل العملي على مجال الشريعة، بحيث ورد الكلام في روايةٍ عن العقل بوصفه أداةً لمعرفة الأوامر والنواهي([42])، وفي روايةٍ أخرى بوصفه أداة لمعرفة الحلال والحرام([43]). وفي بعض روايات كتاب «العقل» تمّ التعبير ـ لإظهار الدَّوْر المعرفي للعقل ـ بعباراتٍ من قبيل: «الحجّة الواضحة»([44])، و«الهداية»([45]).
وفي ختام الكلام بشأن العقل بوصفه أداة للمعرفة لا بُدَّ من الاهتمام بالعلاقة بين العقل والعلم من جهةٍ، والعلاقة بين العقل والجهل من جهةٍ أخرى.
ففي بعض أحاديث كتاب «العقل» تمّ السعي إلى بيان صورةٍ عن العلاقة القائمة بين العلم والعقل، حيث نجد التعبير بـ «العقلاء أعلم الناس» تارةً([46])، واعتبار العلماء هم المصداق الوحيد لأهل التعقُّل تارةً أخرى([47]).
ومن خلال الجمع بين هاتين الروايتين يتَّضح أن العقل هو أداة معرفة الحقائق، وأن العلماء الحقيقيين هم العقلاء.
ومن خلال الالتفات إلى هذه العلاقة بين العقل والعلم، يكون للجهل معنىً بوصفه مفهوماً مخالفاً للعقل.
وإنّ هذا التضادّ قد تكرَّر في جميع مواضع كتاب «العقل»، لداوود بن المحبِّر([48]).
العقل والإيمان ــــــ
إن العلاقة بين العقل والإيمان من الموضوعات التي حظيَتْ باهتمام المحافل التي تسعى إلى البحث عن إيجاد نوع من الألفة بين العقل ومقتضياته، من خلال التمسّك بالدين.
ففي الدوائر المسيحية في العصور الوسطى ـ رغم التأثيرات الموروثة من الفلسفة اليونانية ـ كان العقل قد فقد ما كان عليه من المكانة المحورية السابقة. وفي أفضل الحالات يمكن العثور على العقل ـ في كتابات آباء الكنيسة الأوائل ـ بوصفه دعامة للإيمان، وعاضداً للديانة المسيحية([49]).
هذا، في حين نجد تأكيداً واضحاً في الكتابات الإيرانية القديمة على العلاقة بين العقل والدين، حيث اعتبر العقل لازماً لصحة التديُّن والسعادة والفلاح([50]).
أما في المحافل الإسلامية في القرن الثاني الهجري ففي الحدّ الأدنى يمكن العثور على بعض الجماعات التي يتمتَّع العقل عندها بمنزلةٍ مرموقة في معاضدة الإيمان.
إن هذه الجماعات ـ على الرغم من الدور الذي يلعبه العقل عندها في الهداية ـ لم تكن تقتصر على اعتبار العقل مجرَّد داعم، بل تراه قواماً للدين، واعتباره شرطاً لازماً للتديُّن الصحيح.
وهذا الرأي هو الذي نجده واضحاً على نحوٍ بارز في كتاب «العقل»، لداوود بن المحبِّر.
وفي حديث من كتاب «العقل» ـ بعد بيان خصائص العقل ـ ورد الكلام عن أن إيمان العبد لا يكتمل، ودينه لا يستقيم، إلاّ بعد أن يكتمل عقله([51]). وعليه يعتبر كمال العقل شرطاً في كمال الدين والإيمان.
وفي حديثٍ آخر ـ بعد بيان أن قوام الرجل في عقله ـ تمّ التأكيد على الاعتقاد القائل: «مَنْ لا عقل له لا دين له»([52]).
وعلى الرغم من أن الروايات المتقدِّمة في ما يتعلَّق بعلاقة العقل والدين لم تقتصر على دائرةٍ خاصّة من الدوائر النظرية أو العملية، ولكنْ يمكن العثور في المضامين الأخرى لكتاب «العقل» على تعاليم تؤكِّد بشكلٍ خاصّ على علاقة العقل (العملي بطبيعة الحال) بالدوائر العملية للدين.
وفي تضاعيف تعاليم كتاب العقل، دون أن يكون هناك ذكرٌ للدين أو الإيمان، يتمّ ربط العقل بمفهوم التقوى، الذي يمثِّل واحداً من أهم المفاهيم القرآنية المحورية الناظرة إلى الدائرة العملية للدين. ومن ذلك يمكن الإشارة إلى الرواية التي تتحدّث عن المواءمة بين «العاقل» و«المتَّقي»([53])، والرواية الأخرى التي تعتبر أتقى أصحاب النبيّ‘ أكثرهم عقلاً([54]).
وقد اتّخذت علاقة العقل بالدوائر العملية للدين في بعض الأحيان صورةً أكثر وضوحاً.
فعلى سبيل المثال: ورد الكلام على لسان النبيّ الأكرم‘، في حديثٍ من كتاب «العقل» تحدَّث فيه عن ارتباط العقل بالتدبير في مسألة المعاش، ثم عمد أبو الدرداء ـ وهو الصحابيّ الذي يروي الحديث ـ إلى تفسير كلام النبيّ من خلال الربط بين تدبير المعاش والعقل من جهةٍ، وبين صلاح الدين والعقل من جهةٍ أخرى([55]). وبعبارةٍ أخرى: إن الحديث النبوي لم يشتمل على غير الحديث عن عقل المعاش، حيث أثنى على هذا العقل. ويبدو أن أبا الدرداء قد سعى ـ من خلال الاستناد إلى عدم إمكان فصل عقل المعاش عن عقل المعاد ـ إلى اعتبار العقل وسيلةً وقوّة للهداية في مختلف أبعاد حياة الإنسان([56]).
وفي حديثٍ آخر تمّ الخوض في ناحيةٍ أخرى من أنحاء العقل العملي، حيث تمّ بيان العلاقة القائمة بين العقل والأخلاق والدين، من خلال اجتياز بعض الخطوات؛ إذ تم التأكيد في هذا الحديث أوّلاً على إمكانية الحصول على الدرجات والمراتب الدينية العالية من خلال «حُسْن الخُلُق»، ثمّ قيل: إن كمال حُسْن خُلُق الفرد إنما يكون بكمال عقله، وفي الختام سيكتمل إيمان الفرد بذلك، كما جاء في نهاية هذا الحديث([57]).
وفي الختام لا بُدَّ من الإشارة إلى الروايات التي تتحدَّث عن العلاقة القائمة بين العقل والدين في كتاب «العقل»، حيث عُدَّ العقل فيها بوصفه «رسولاً»([58])، والقول بأن زيادة العقل تستوجب زيادة القرب من الله([59]).
العلاقة التعاضدية بين العقل والعمل ــــــ
بالالتفات إلى أن كتاب «العقل»، لداوود بن المحبِّر، يركِّز على محور العمل فقد اشتملت أغلب مضامين الكتاب على بيان العلاقة بين العقل والعمل، ومن هنا فقد تناول هذ الكتاب بيان العلاقة الوجودية بين هذين المفهومين من مختلف الزوايا.
وإذا أردنا الخروج بنظرية جامعة بشأن العلاقة الوجودية بين العقل والعمل في كتاب «العقل»، لداوود بن المحبِّر، تحتَّم علينا أن نفترض أن المؤلِّف كان يسعى من وراء هذا الكتاب إلى تقديم علاقة تعاضدية بين العقل والعمل في مراتب التحقُّق. وإن هذه العلاقة التعاضدية تعني أن العقل يعمل من جهةٍ على خلق الحوافز والدوافع لدى الإنسان العاقل إلى العمل، ويشجِّعه باستمرار على الطاعة والقيام بصالح الأعمال. ومن جهةٍ أخرى فإن المداومة على الطاعة وصالح الأعمال تؤدّي بدورها إلى اكتمال عقل الإنسان وزيادته.
وعلى الرغم من وجود جذور في كلمات العلماء المسلمين المتقدِّمين على داوود بن المحبِّر بشأن هذه العلاقة التعاضدية بين العقل والعمل، بل يمكن العثور على هذه الجذور حتّى في القرآن الكريم، إلاّ أن هذه النظرية لم تتبلور في كتاب «العقل» بشكلٍ منسجم.
وفي الحقيقة إنّ هذا الكتاب تناول كلّ واحد من هذين الركنين المكوِّنين لهذه النظرية على انفرادٍ.
وفي ما يتعلَّق بمسألة اكتمال العقل من خلال العمل يجب أن نشير إلى حديثٍ من كتاب «العقل» بشكلٍ محدَّد، حيث أمر أحد الصحابة بالعمل على زيادة عقله، وقد طلب منه في بيان كيفية العمل على هذه الزيادة بتجنُّب المحارم، وأداء الفرائض، والإقبال على صالح الأعمال تطوُّعاً([60]).
ويبدو من هذا الحديث أن هذه الطاعات والأعمال تمثِّل أرضيةً خصبة لزيادة العقل([61]).
وفي حديثٍ آخر من كتاب «العقل» عُدَّ العقل من أسمى النِّعَم التي يكتسبها الإنسان([62])، الأمر الذي يُشير إلى أن للإنسان دوراً ما في زيادة عقله، وأن هناك طريقاً لاكتساب هذه النعمة الإلهية([63])، ويتمثَّل ذلك الطريق بعمل الإنسان نفسه، وهو العمل الذي يكتسب قيمته من العقل السابق للفرد، وإلاّ فإنه من دونه يكون فاقداً للقيمة بالكامل.
إذن يمكن لنا أن نتصوَّر تأثير العمل في زيادة العقل في كتاب «العقل»، لداوود بن المحبِّر، والتأثير الثانوي والسابق للعقل على العمل، بوصف ذلك ضرورةً لا يمكن إنكارها أو اجتنابها([64]).
وفي ما يتعلَّق بمسألة اعتبار العقل دافعاً إلى العمل هناك الكثير من الأحاديث، كلّها تصبّ في القول بأن دافع كلّ فرد إلى العمل يعود إلى عقله، وإلى مقدار هذا العقل.
وقبل كلّ شيء لا بُدَّ من الإشارة إلى حديثٍ طال فيه كلام الأصحاب مع النبيّ الأكرم‘، بعد الانتهاء من معركة بدر، بشأن ثبات بعض الصحابة، فنبَّه النبي إلى أنهم لم يدركوا عمق المسألة، ثم قال لهم: إن كلّ واحد حصل من الأجر في القتال بحسب ما يمتلك من العقل، وإن النصر يأتيهم على مقدار عقولهم… وسوف تكون منازلهم يوم القيامة بمقدار نيّاتهم وعقولهم([65]).
وفي حديثٍ آخر، في تفسير قوله تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ (هود: 7؛ الملك: 2)، ورد أن العقل الوفير يؤدّي إلى مزيدٍ من الخوف والخشية من الله، وهذا الأمر يدعو بدوره إلى المزيد من العمل([66]).
كما تمّ تصوير اعتبار العقل مقدّمة للعمل، في موضعٍ آخر من كتاب «العقل»، على شكل حثّ الإنسان إلى المسارعة والسبق إلى العمل([67]).
وفي موضعٍ آخر من كتاب «العقل» تمّ اعتبار السعي في الطاعة بمقدار العقل([68]).
هل العلاقة بين زيادة العقل وزيادة العمل هي علاقة كمّية، بمعنى أنه كلما كان عقل الفرد أكثر كانت كمية طاعاته وأعماله الصالحة أكثر؟
يبدو من مختلف مواضع كتاب «العقل» أن داوود بن المحبِّر لم يكن بوارد البحث عن مثل هذه العلاقة الكمّية بين العقل والعمل، بمقدار ما كان يسعى إلى التعاطي مع الأمر على المستوى الكيفي، دون الكمّي. فقد أبرز المضمون القائل بترجيح العمل القليل مع العقل على العمل الكثير دون عقل في الكثير من مواضع كتابه([69]).
وقد تجلّى هذا المفهوم بشكلٍ أوضح في حديثٍ عن النبيّ الأكرم‘ بشأن المقارنة بين شخصين كانا يصلِّيان في المسجد، وعلى الرغم من وجود التكافؤ بين صلاتَيْهما بحَسَب الظاهر، تمّ ترجيح صلاة الشخص الأعقل على صلاة الشخص الأقلّ عقلاً. وقد تمّت الإشارة في توضيح ذلك إلى حالة الوَرَع عن المحرَّمات، والوَلَع بالخيرات التي يتَّصف بها العاقل، واعتبرت صلاة الفرد العاقل المتَّصف بهذه الصفات أفضل من صلاة الشخص الآخر، حتّى إذا كانت صلاته من باب «التطوُّع» (استحباباً) مع عدم اتّصافه بهذه الصفة القيِّمة الناشئة عن العقل([70]).
وعلى هذا الأساس فإن ما ورد في كتاب العقل من القول بأن «أعبد» الناس هم العقلاء([71]) إنما هو تفضيلٌ غير كمّي. وإن ذروة هذا التفكير حيث يُعَدّ «العقل غاية [وقمّة] العبادة»([72])، في حين أن العقل في حدِّ ذاته «لا غاية [ونهاية] له»، وأنه يرفع الإنسان إلى أعلى درجات العبودية([73]).
ومن بين المسائل التي نطالعها في كتاب «العقل» في دائرة العلاقة الوجودية بين العقل والعمل مسألة «الذنوب»، حيث كانت مثاراً للمعارك الكلامية والاعتقادية، ولا سيَّما في القرون الهجرية الأولى.
وقد عمد داوود بن المحبِّر ـ من خلال الاستناد إلى المكانة الرئيسة للعقل في الإيمان ـ إلى ذكر حديثين نبويّين للدفاع عن هذا الموقف، قائلاً: إن الشخص الذي يكون العقل لديه سجية لا يستبعد صدور المعاصي والذنوب عنه، بَيْدَ أن هذه الأعمال لن تضرّ بتديُّنه؛ إذ إنه سرعان ما يندم على ما صدر عنه، ويبادر إلى التكفير عن ذنبه، ويزيل أثر المعصية بعمل الخير([74])؛ أما الجاهل فلا يبدي خوفاً من صدور المعاصي عنه، وليس هناك من رادعٍ يحول دون تكرار الذنب منه في ما تبقّى من عمره([75]).
فضيلة العقل وتقييم العمل ــــــ
كان العقل عند اليونانيين قديماً يُعَدّ بوصفه واحداً من بين الفضائل الرئيسة الأربعة، ضمن: العدالة، والشجاعة، والاعتدال (والعفّة أحياناً)، بل هو على رأسها([76]). هذا في حين يعتبر العقل غالباً في الفكر الإيراني فضيلةً لا مثيل لها([77]).
وفي المحافل الإسلامية في القرن الثاني الهجري ـ كما تقدَّم أن أشرنا إلى نماذج من ذلك ـ عُدَّ العقل من قبل بعض العلماء فضيلةً خاصّة.
وقد تمّ تصوير هذه الفضيلة الخاصّة في كتاب «العقل»، لداوود بن المحبِّر، بشكلٍ جيد.
إن العقل بوصفه فضيلة لا مثيل لها، بحيث يبدو عدم إمكان مقارنة أيّ فضيلة أخرى له، قد انعكس في العديد من روايات كتاب «العقل». ومن بين ما قيل في بيان هذه الفضيلة: إن الفرد العاقل، أو بتعبيرٍ أدقّ: إن أعقل الأفراد، هو «أكثر الناس فضيلة»([78]).
إن العقل بوصفة الفضيلة الأسنى يعمل على اجتذاب سائر الفضائل الأخرى إليه، بحيث قيل: إن العاقل لا يرى فضيلة إلاّ ويغتنمها، والجاهل لا يرى فضيلة إلاّ ويعرض عنها([79]). وبالتالي فإن العاقل هو الذي لا يُظهر من نفسه سوى الفضائل([80]).
وفي بعض أحاديث الكتاب تمّ التصريح بهذه المسألة القائلة بأن العقل يعدّ الفضيلة الأسمى للإنسان في الدنيا والآخرة([81]).
إن القول بضرورة الجمع بين العقل والعمل، والاستناد إلى أن العمل المنفصل عن العقل لا قيمة له، نجد له جذوراً في تعاليم إيران القديمة. كما كانوا يذهبون إلى الاعتقاد بأن «المكافأة [إنما] ينالها صاحب العقل»([82]).
وفي دائرة العالم الإسلامي ـ مضافاً إلى النصوص الروائية ـ نجد هذا الفكر في تعاليم بعض المتقدِّمين على داوود بن المحبِّر، من أمثال: عامر الشعبي، عالم الكوفة الشهير([83]). وهي رؤية تُعَدّ من الناحية التاريخية على الطرف المقابل لطريقة الناسكين من ذوي الرؤية السطحية.
إن اتساع رقعة الرؤى الظاهرية في تقييم الأعمال الدينية في محافل القرن الثاني الهجري قد شكَّلت حافزاً قوياً لدى بعض العلماء كي لا يعتبروا مجرَّد التنسُّك والتعبُّد علامةً على علوّ الدرجات، وأخذوا يبحثون عن معيارٍ لقياس صالح الأعمال.
وكان داوود بن المحبِّر من بين العلماء الذين اعتبروا العقل بوصفه معياراً في البتّ بهذا الشأن. ولكنّه لم يستدلّ على ذلك بالأدلة العقلية، وإنما تمسَّك بالأحاديث النبوية؛ كي يكون بذلك حجّةً على أولئك الذين لا يؤمنون بأحكام العقل، أو يشكِّكون بها في الحد الأدنى.
إن أغلب الأحاديث التي ضمَّنها داوود بن المحبِّر في كتابه قد عملت على تصوير العلاقة القيِّمة بين العقل والعمل في ساحة القيامة أو حياة الخلود بعد القيامة.
فقد ورد الكلام في الكثير من مواضع الكتاب عن يوم القيامة، حيث يؤتى بالميزان العدل والقسطاس لقياس أعمال الناس، عن عدم قيام هذه المحاسبة على أساس قلّة الأعمال أو كثرتها، بل على أساس قيام تلك الأعمال على العقل. وسيكون الشكل الأخير للفكر على أن الحساب في يوم القيامة لن يقوم على أساس حجم الأعمال، وإنما على أساس ظرفية عقل الأشخاص([84]).
وهناك عددٌ أكبر من روايات هذا الكتاب تتحدَّث عن مكافأة أخروية على الأعمال، وقد ربطت هذه المكافأة بمقدار ومقتضى العقل، وليس بحجم العمل([85]).
كما يجب التذكير هنا بأن داوود بن المحبِّر في كتابه «العقل» عمد ـ مضافاً إلى بيان المنزلة الرفيعة للعقل ـ إلى نقد بعض التصوُّرات السطحية بشأن العقل لدى الناس في عصره. ومن هنا فقد أورد الكثير من الأحاديث منتقداً توهُّم العامة بأن الفصاحة وحلاوة اللسان أو الوقار والسكينة ورَوْعة المنظر تشكِّل دليلاً على اكتمال عقل الفرد([86]).
الهوامش
(*) أستاذٌ مساعد في جامعة الإمام الصادق×، في طهران، وباحثٌ معتمد في عددٍ من الموسوعات الكبرى في إيران في مجال علوم الحديث. له عشرات المؤلَّفات.
([1]) إن النصّ المعتمد لـ (كتاب العقل) في مقالنا هذا هو النصّ الذي عمد تلميذه (الحارث بن أبي أسامة) إلى إدراجه ضمن كتابه (المسند)، وإن هذا (المسند) بدوره عبارةٌ عن نسخة مستصلحة على أساس كتاب (الزوائد)، لمؤلِّفه: نور الدين الهيثمي. كما أن أغلب أحاديث هذا النصّ تقوم على أساس منقولات مسند الحارث في كتاب (المطالب العالية)، لابن حجر العسقلاني أيضاً. (انظر: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المطالب العالية 3: 13 ـ 23، إعداد: حبيب الرحمن الأعظمي، الكويت، 1393هـ).
والنقص الوحيد الملحوظ عن الحارث في نقل كتاب (العقل) حديث ديباجة الكتاب؛ إذ يبدو أنه سقط من نسخة الحارث، وقد ضبطه ابن الأبار في (المعجم). (انظر: محمد بن عبد الله بن الأبار، المعجم: 60، إعداد: كودرا، مدريد، 1885م).
وقد نقلت بعض أحاديث هذا الكتاب بشكلٍ منفرد في ثنايا الكتب الروائية الأخرى بأسانيد متنوّعة، وقد تمّت الإشارة لها في الإحالات.
ويجب التذكير بأن الحديث القائل: (أول ما خلق الله العقل، فقال له: أقبل، فأقبل…) لم يُنْقَل في أيّ من المصادر الروائية بوصفه واحداً من روايات كتاب (العقل)، لداوود بن المحبِّر، باستثناء ابن تيمية في كتابه (منهاج السنّة). (انظر: عبد الحليم بن تيمية، منهاج السنّة 8: 15 ـ 17، 1406هـ)، حيث تحدَّث بشكلٍ يوهم بأنه قد نقل هذا الحديث عن الكتاب المذكور (انظر: ابن تيمية، منهاج السنّة 8: 336، 1400هـ)؛ إذ إن تعبيره هناك أقل إيهاماً بهذا المعنى.
([2]) انظر مثلاً: عبد الله بن محمد ابن أبي الدنيا، العقل وفضله: 42 ـ 49، إعداد: لطفي محمد الصغير، الرياض، 1409هـ؛ وله أيضاً: الهواتف: 29، إعداد: مصطفى عبد القادر عطاء، بيروت 1413هـ؛ وله أيضاً: الأولياء: 23 ـ 24، إعداد: محمد السعيد بسيوني زغلول، بيروت، 1413هـ؛ أحمد بن عبد الله أبو نعيم الإصفهاني، حلية الأولياء 4: 13، 26 ـ 27، 40 ـ 41؛ 6: 5 ـ 6، القاهرة، 1351هـ؛ عليّ بن الحسن ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق 31: 395 ـ 398؛ 37: 214؛ 63: 395، إعداد: علي شيري، بيروت ـ دمشق، 1415هـ.
([3]) انظر بشأن أرومته الإيرانية: أبو نعيم الإصفهاني، ذكر أخبار إصبهان 2: 165، إعداد: ددرينغ، ليدن، 1353هـ.
([4]) انظر بشأن شيوخه: أحمد بن علي الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد 8: 359، القاهرة، 1349هـ؛ يوسف بن عبد الرحمن المزّي، تهذيب الكمال 8: 444، إعداد: بشّار عواد معروف، بيروت، 1400هـ.
([5]) انظر: محمد بن عمرو العقيلي، الضعفاء 2: 35، إعداد: عبد المعطي أمين قلعجي، بيروت، 1404هـ؛ عبد الله بن عدي، الكامل 3: 99، إعداد: يحيى مختار الغزاوي، بيروت، 1409؛ يوسف بن عبد الرحمن المزّي، تهذيب الكمال 8: 443 ـ 448؛ يحيى بن معين، التاريخ برواية الدوري 4: 388، إعداد: أحمد محمد نور يوسف، مكة، 1399.
([6]) انظر: أحمد بن علي الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد 8: 359؛ عبد الكريم بن محمد السمعاني، الأنساب 4: 38، إعداد: عبد الله عمر البارودي، بيروت، 1408هـ؛ يوسف بن عبد الرحمن المزّي، تهذيب الكمال 8: 443 ـ 448؛ محمد بن أحمد الذهبي، ميزان الاعتدال 2: 20، إعداد: علي محمد البجاوي، القاهرة، 1382هـ.
([7]) انظر على سبيل المثال رواية عن داوود بن المحبِّر في إثبات القَدَر: الحارث بن أبي أسامة، المسند (إعادة صياغة على أساس زوائد نور الدين الهيثمي) 2: 748 ـ 749، إعداد: حسين أحمد الباكري، المدينة المنوّرة، 1413هـ؛ وفي باب خلق الجنة والنار: المصدر ذاته 1: 309 فما بعد.
([8]) انظر على سبيل المثال: هبة الله بن حسن لالكائي، اعتقاد أهل السنّة: 287 ـ 288، الرياض، 1402؛ محمد بن عكاشة الكرماني، نقلاً عن: ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق 54: 229 ـ 230، 1415هـ.
([9]) انظر على سبيل المثال: عبد الرحمن بن محمد بن أبي حاتم، الجرح والتعديل 8: 419، حيدر آباد دكن، 1371هـ؛ أحمد بن عبد الله أبو نعيم الإصفهاني، حلية الأولياء 6: 297، القاهرة، 1351هـ.
([10]) انظر: أحمد بن علي الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد 8: 359؛ يوسف بن عبد الرحمن المزّي، تهذيب الكمال 8: 444.
([11]) انظر مثلاً: عبد الله بن محمد ابن أبي الدنيا، الأولياء: 23 ـ 24؛ وله أيضاً: التهجّد وقيام الليل: 197 ـ 198، إعداد: مصلح بن جزاء الحارثي، الرياض، 1419هـ؛ هبة الله بن حسن لالكائي، كرامات الأولياء: 224 ـ 225، و227، الرياض، 1412هـ؛ أحمد بن عبد الله أبو نعيم الإصفهاني، حلية الأولياء 6: 233، 236، 267 ـ 268، القاهرة، 1351هـ؛ علي بن الحسن ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق 47: 68؛ 58: 149 ـ 150.
([12]) انظر مثلاً: البرجلاني، رسالة في الزهد: 48، 53، 55؛ وانظر أيضاً إلى روايات في: علي بن الحسن ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق 37: 214، 226.
([13]) للوقوف على وضع داوود بن المحبِّر من الناحية الرجالية انظر: أحمد بن حنبل، العلل ومعرفة الرجال 1: 388، إعداد: وصي الله عباس، بيروت، 1408هـ؛ محمد بن إسماعيل البخاري، التاريخ الكبير 2: 243، حيدر آباد دكن، 1398هـ؛ عبد الرحمن بن محمد بن أبي حاتم، الجرح والتعديل 3: 424؛ أبو عبيد الآجري، سؤالات لأبي داوود: 232، إعداد: محمد علي قاسم العمري، المدينة المنوّرة، 1399هـ؛ سعيد بن عمرو البرذعي، سؤالات عن أبي زرعة الرازي: 509، إعداد: سعدي الهاشمي، المنصورة، 1409هـ؛ الجوزجاني: 198؛ ابن شاهين، تاريخ أسماء الثقات: 82؛ ابن عدي، الكامل 3: 98 ـ 100؛ محمد بن عمرو العقيلي، الضعفاء 2: 35؛ محمد بن أحمد الذهبي، ميزان الاعتدال 2: 20.
([14]) انظر: محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، المدخل: 135، إعداد: ربيع هادي المدخلي، بيروت، 1404هـ.
([15]) انظر: أبو نعيم الإصفهاني، الضعفاء: 78، إعداد: فاروق حمادة، الدار البيضاء، 1405هـ.
([16]) انظر: أبو طالب محمد المكي، قوت القلوب 2: 256، إعداد: باسل عيون السود، بيروت، 1417هـ؛ محمد بن محمد الغزالي، إحياء علوم الدين، إعداد: حسين خديو جم، انتشارات بنياد فرهنگ إيران، طهران، 1359هـ.
([17]) انظر: علي بن محمد أبو حيان التوحيدي، البصائر والذخائر 2 (2): 506 ـ 507، إعداد: إبراهيم الجيلاني، 1385هـ.
([18]) انظر: أبو طالب محمد المكي، قوت القلوب 2: 256.
([19]) انظر: محمد بن علي الحكيم الترمذي، نوادر الأصول 2: 357 ـ 359، إعداد: عبد الرحمن عميرة، بيروت، 1413هـ. وانظر أيضاً شاهداً لذلك في: محيي الدين محمد بن علي ابن عربي، الفتوحات المكية 1: 591، بولاق، 1293هـ.
([20]) انظر مثلاً: عبد الكريم بن محمد الرافعي، التدوين في أخبار قزوين 2: 62 ـ 63، حيدر آباد دكن، 1405؛ محمد بن سليمان الروداني، صلة الخلف: 305، إعداد: محمد حجي، بيروت، 1408؛ محمد بن عبد الله بن الأبار، المعجم: 60.
([21]) انظر: أحمد باكتجي، أخلاق ديني (ضمن دائرة المعارف بزرگ إسلامي 7: 230، طهران، 1377هـ.
([22]) انظر: أبو نعيم الإصفهاني، حلية الأولياء 8: 23.
([23]) انظر مثلاً: إشارة في سيروزه كوجك: 2، ضمن مختصر الأفستا، 1931؛ وانظر أيضاً: مقدمه برزويه على كليلة ودمنة: 31، ضمن آثار ابن المقفَّع، 1409 هـ.
([24]) انظر: أبو نعيم الإصفهاني، حلية الأولياء 3: 93.
([25]) انظر: المصدر السابق 3: 315.
([26]) انظر بشأن كثرة العقول على أساس الرؤية الإيرانية العريقة: شهاب الدين يحيى السهروردي، حكمة الإشراق، ضمن مجموعة مصنَّفات شيخ الإشراق 2: 155، إعداد: هنري كوربان، طهران، 1355هـ.
([27]) انظر: الحارث بن أبي أسامة، المسند (تصحيح على أساس كتاب الزوائد لنور الدين الهيثمي)، رقم 826، إعداد: حسين أحمد باكري، المدينة المنورة، 1413هـ.
([28]) انظر: المصدر السابق، رقم 823.
([29]) انظر: المصدر السابق، رقم 815.
([30]) انظر: المصدر السابق، رقم 847.
([31]) انظر: المصدر السابق، رقم 819.
([32]) انظر: المصدر السابق، رقم 813.
([33]) نقلاً عن: أبو نعيم الإصفهاني، حلية الأولياء 4: 26 ـ 27؛ وبهذا المضمون أيضاً ما نقله: محمد بن علي الحكيم الترمذي، نوادر الأصول 2: 357.
([34]) انظر: سهيل محسن أفنان، واژه نامه فلسفي: 179، طهران، 1363هـ.ش.
([35]) انظر: محمد بن يعقوب الكليني، الكافي 1: 10 ـ 29، إعداد: علي أكبر غفاري، طهران، 1377هـ.
([36]) كما تظهر بعض النماذج الأخرى لدى أشخاص آخرين، من أمثال: غيلان الدمشقي، وعطاء، والشعبي أيضاً، حيت تظهر في المقاطع اللاحقة.
([37]) انظر: القاضي عبد الجبار المعتزلي، فضل الاعتزال (ضمن فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة): 234 ـ 236، إعداد: فؤاد سيد، تونس، 1393هـ؛ ولمزيدٍ من الاطاع حول رؤية تفسيرية لإبراهيم النظام انظر: محمد بن عبد الرحمن ابن قبة الرازي، نقض الأشهاد (أجزاء من الكتاب ضمن كمال الدين، لابن بابويه الصدوق): 120 ـ 122، إعداد: علي أكبر غفاري، طهران، 1390هـ.
([38]) انظر: محمد بن إدريس الشافعي، الرسالة: 510 ـ 511، إعداد: أحمد محمد شاكر، القاهرة، 1358هـ.
([39]) انظر: الحارث بن أبي أسامة، المسند (تصحيح على أساس كتاب الزوائد لنور الدين الهيثمي)، رقم 810؛ عبد الله بن محمد ابن أبي الدنيا، العقل وفضله: 68؛ وقد نقل هذا الحديث من غير طريق داوود بن المحبِّر أيضاً؛ إذ نقله عطاء بن رباح، وأبو نعيم الإصفهاني في حلية الأولياء 3: 323.
([40]) المصدر الوحيد: الحارث بن أبي أسامة، المسند (تصحيح على أساس كتاب الزوائد لنور الدين الهيثمي)، رقم 844.
([41]) انظر مثلاً: المصدر السابق، رقم 819.
([42]) انظر: المصدر السابق، رقم 845.
([43]) انظر: المصدر السابق، رقم 842.
([44]) انظر: المصدر السابق، رقم 811.
([45]) انظر: المصدر السابق، رقم 813.
([46]) انظر: المصدر السابق، رقم 833.
([47]) انظر: المصدر السابق، رقم 837.
([48]) انظر: المصدر السابق، رقم 825، 830، 841، 843، 847.
([49]) see: Augustine, st. 1968, City of God, Books VIII-XI, Tr. David S. Wiesen, in: The Loeb Classical Library, vol. III, Cambridge/ MA. 8: 8.
([50]) انظر أيضاً، مضافاً إلى: مينوي خرد، ترجمه إلى الفارسية: أحمد تفضلي، طهران، 1354هـ.ش، أندرز بهزاد فرّخ بيروز (1897 ـ 1913)، متن أصلي ضمن متن بهلوي، الفقرة 1 ـ 5: 73 ـ 74، إعداد: جاماسب آسانا، بمبعي، والترجمة الفارسية لذلك صفحة 537 ـ 538، 1371هـ.ش؛ خيم وخرد، فرّخ مرد (1897 ـ 1913)، عموم الكتاب: 162 ـ 167؛ وترجمته الإنجليزية أيضاً.
([51]) انظر: الحارث بن أبي أسامة، المسند (تصحيح على أساس كتاب الزوائد لنور الدين الهيثمي)، رقم 813.
([52]) انظر: المصدر السابق، رقم 816.
([53]) انظر: المصدر السابق، رقم 833.
([54]) انظر: المصدر السابق، رقم 846.
([55]) انظر: المصدر السابق، رقم 834. مع شيءٍ من الاضطراب في أصل العبارة.
([56]) انظر للوقوف على رؤية قريبة من هذا المضمون في إيران القديمة: مينوي خرد، ترجمه إلى الفارسية: أحمد تفضُّلي، طهران، 1354هـ.ش، متن أصلي ضمن متن بهلوي، والترجمة الفارسية لذلك وترجمته الإنجليزية أيضاً.
([57]) انظر: الحارث بن أبي أسامة، المسند (تصحيح على أساس كتاب الزوائد لنور الدين الهيثمي)، رقم 835.
([58]) انظر: المصدر السابق، رقم 832.
([59]) انظر: المصدر السابق، رقم 829.
([61]) بهذا المضمون على نحو الإجمال انظر: المصدر السابق، رقم 841.
([62]) انظر: المصدر السابق، رقم 813.
([63]) أما غيلان الدمشقي فقد اختار السكوت بشأن إمكان اكتساب العقل. انظر: أبو نعيم الإصفهاني، حلية الأولياء 3: 93.
([64]) يمكن مقارنة ذلك بعبارة للحكيم برزويه في مقدمة كتاب (كليلة ودمنة): 31، القائل بأن العقل أمر غريزي وطبيعي [أو بعبارةٍ أخرى: فطري]، يمكن العمل على زيادته من خلال التجربة والأدب.
([65]) انظر: الحارث بن أبي أسامة، المسند (تصحيح على أساس كتاب الزوائد لنور الدين الهيثمي)، رقم 815.
([66]) انظر: المصدر السابق، رقم 820.
([67]) انظر: المصدر السابق، رقم 844.
([68]) انظر: المصدر السابق، رقم 819.
([69]) انظر: المصدر السابق، رقم 821؛ محمد بن عبد الله بن الأبار، المعجم: 60.
([70]) انظر: الحارث بن أبي أسامة، المسند (تصحيح على أساس كتاب الزوائد لنور الدين الهيثمي)، رقم 821.
([71]) انظر: المصدر السابق، رقم 833.
([72]) انظر: المصدر السابق، رقم 824.
([73]) انظر: المصدر السابق، رقم 832.
([74]) انظر: المصدر السابق، رقم 818.
([75]) انظر: المصدر السابق، رقم 847.
([76]) انظر في هذا الشأن: أحمد بن محمد أبو علي مسكويه، تهذيب الأخلاق: 40، إعداد: حسن تميم، بيروت، 1398هـ.ش. انظر أيضاً:
– Plato, 1991 a, The Republic, tr. Benjamin Jowett, in: World’s Greatest Classic Books, e- publication p. 217; 1991 b, “Sikand – gumanig Vizar”, in: Pahlavi Taxts translated, vol. III, Sacred Books of the East, Oxford, p. 157.
([77]) انظر: مينوي خرد، ترجمه إلى الفارسية: أحمد تفضلي، طهران، 1354هـ.ش، جميع الكتاب، حيث عدّ العقل بوصفه فضيلة لا مثيل لها؛ مردان فرّخ، شِكند گُمانيك وچار، (West, 1885 b, “Sikand-gumanig Vizar”, in: Pahlavi Taxts translated, vol. III, Sacred Books of the East, Oxford , 25 : 1)، حيث ذكرت فيه الفضائل الأربعة بشكلٍ مغاير لما ورد من قبل اليونان، وعلى أيّ حال كان العقل واحداً منها على جميع الصور.
([78]) انظر: الحارث بن أبي أسامة، المسند (تصحيح على أساس كتاب الزوائد لنور الدين الهيثمي)، رقم 833، 837.
([79]) انظر: المصدر السابق، رقم 847.
([80]) انظر: المصدر السابق، رقم 843.
([81]) انظر: محمد بن عبد الله بن الأبار، المعجم: 60؛ الحارث بن أبي أسامة، المسند (تصحيح على أساس كتاب الزوائد لنور الدين الهيثمي)، رقم 823، 828.
([82]) انظر: مينوي خرد، ترجمه إلى الفارسية: أحمد تفضلي، المقدّمة: 8 ـ 9، طهران، 1354هـ.ش.
([83]) انظر: عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، سنن الدارمي 1: 116، دمشق، 1349هـ.ش؛ أبو نعيم الإصفهاني، حلية الأولياء 4: 323.
([84]) انظر: الحارث بن أبي أسامة، المسند (تصحيح على أساس كتاب الزوائد لنور الدين الهيثمي)، رقم: 822، 832.
([85]) انظر: المصدر السابق، رقم 815، 817، 828، 844.
([86]) انظر: المصدر السابق، رقم 812، 825، 833، 836، 838، 843، 845.