الشيخ محمد تقي سبحاني(*)
د. محمد جعفر رضائي(**)
ضرورة التعرّف على التراث الكلامي
ينطوي تراثنا الكلامي على أهمية بالغة بوصفه من أهم المصادر للتعرّف على آراء وأفكار المتكلِّمين المتقدّمين، وتتبع المسار التطوري للفكر الإمامي. ومع ذلك قلّما يتم الاهتمام بموضوع التراث في مجال علم الكلام. إن وجود بعض الرواسب والمسلَّمات الذهنية ساعد بالتدريج على نسيان تراثنا الكلامي، وتبعاً لذلك عرّض تاريخنا الكلامي إلى العزلة والهجران. وربما تبلور هذا الارتكاز الذهني بمرور الزمن باعتبار أن علم الكلام من العلوم العقلية، وأن المصدر الرئيس للكلام هو العقل والتفكير؛ وعليه ليس هناك من تأثير كبير لآراء المتقدّمين في معرفة هذا العلم، خلافاً للفقه والعلوم النقلية، حيث تكون هناك موضوعية لذات النصّ والتراث المنقول إلينا. إن هذا التصوّر الخاطئ حال بالتدريج بيننا وبين المعرفة الدقيقة لتراث أسلافنا الكلامي. وهكذا نسب المخالفون ـ من جهةٍ ـ آراء خاطئة إلى أعلامنا، كما أننا ـ من جهةٍ أخرى ـ قلّما تعرّفنا في قراءاتنا التاريخية على تنوّع الأفكار الكلامية؛ بسبب غفلتنا عن هذه الخلفيات التاريخية. ونتيجةً لذلك كان التصوّر الذهني لدى الكثير من كتّابنا عن الكلام هو ذلك الشيء الذي كان سائداً في عصرهم، ولم يخطر في بالهم أن ما يتصوّرونه فكراً شيعياً قد مرّ بتطوّرات ومراحل، وكانت له رواسب وجذور، ولا يمكن لنا أن نرسم صورةً جامعة وشاملة عن الفكر الإمامي والشيعي إلاّ من خلال التعرّف على تلك المراحل والخلفيات.
أوجه البحث في التراث الكلامي: الإطار والأسلوب والمحتوى
إذا أردنا أن ندرس تراثاً كلامياً وجب علينا أن نبحث على الأقلّ في ثلاثة من وجوهه، أو بعبارةٍ أخرى: علينا أن ندرس ذلك التراث من ثلاث زوايا، وهي: الإطار، والأسلوب، والمحتوى أو المضمون.
إن كلّ واحد من هذه الموارد يقدّم لنا علامات تساعد على إدراك وفهم مرحلة وأجواء ذلك التراث. ومن ناحيةٍ أخرى فإن معرفة مرحلة وفضاء الأثر تساعدنا في الوصول إلى عمق أفكار صاحب ذلك الأثر. فعلى سبيل المثال: هناك العديد من علمائنا ومفكِّرينا الذين لم يصلنا عنهم سوى مؤلَّف وأثر واحد، وعلينا الوصول إلى مختلف جوانبه الفكرية من خلال هذا الأثر الوحيد فقط، لنجيب عن أسئلةٍ من قبيل: «كيف كان يفكر؟»، و«من أيّ زاوية كان ينظر إلى المسائل الكلامية؟»، و«ما هي مصادر تفكيره؟». إن تحليل الأثر والكتاب من الناحية التاريخية إذا تمّ على الوجه الصحيح فإنه يعرِّفنا على أبعادٍ من تفكير صاحب الأثر، وجوانب من تاريخ الكلام لا نمتلك عنها أيَّ تقرير تاريخي مباشر. إن التراث الكلامي يمثّل قنطرة تعبر بنا إلى الدهاليز المستترة من تاريخ الكلام.
1ـ إطار الأثر
إن معرفة إطار الأثر يعني تحديد القوالب الكلامية التي تناولها المؤلّف في كتابه. ومن بين تلك القوالب: المؤلّفات المفردة، أو الردود، أو المناظرات، أو الشروح، أو المؤلّفات الموسوعية.
ونعني بالمؤلَّفات المفردة الكتب التي تناولت موضوعاً كلامياً خاصاً. ونذكر من بين الذين كتبوا في هذا النوع ـ على سبيل المثال ـ هشام بن الحكم، وهو من أوائل متكلِّمي الشيعة، فقد ألَّف ـ بحسب تقرير النجاشي ـ رسائل مستقلّة بعنوان: «الجبر» و«القدر»، و«التوحيد» و«الاستطاعة»، حيث يعدّ كلّ واحدٍ منها مؤلفاً مفرداً ومستقلاًّ([1]). وقد استمرت كتابة المؤلفات المفردة في المراحل اللاحقة أيضاً. ويمكن الإشارة من بينها ـ على سبيل المثال ـ إلى: «رسالة في الغيبة»، للشيخ المفيد؛ أو «رسالة إنقاذ البشر عن الجبر والقدر»، للسيد المرتضى؛ أو «رسالة استقصاء النظر في القضاء والقدر»، للعلاّمة الحلّي.
وأما كتب الردود فهي الكتب المصنَّفة في الردّ على نظرية أو مذهب آخر، من قبيل: كتاب «الردّ على المعتزلة في إمامة المفضول»، لمؤمن الطاق([2])؛ وكتاب «الردّ على أبي عليّ الجبائي»، لابن قبة الرازي([3])؛ وكتاب «الشافي في الإمامة»، الذي كتبه السيد المرتضى في الردّ على جزء من كتاب «المغني»، للقاضي عبد الجبّار المعتزلي. ومن بين أوسع كتب الردود في المرحلة القريبة من عصرنا كتاب «عبقات الأنوار»، للمير حامد حسين، الذي ألَّفه في الرد على كتاب «التحفة الاثني عشرية»، لمؤلِّفه عبد العزيز الدهلوي.
وأما كتب المناظرات فهي تلك المؤلَّفات التي ترصد تقرير المناظرات التي تقام بين العلماء من المذاهب المختلفة. ويمكن لنا أن نشير ـ على سبيل المثال ـ إلى كتاب «المجالس في التوحيد»، وكتاب «المجالس في الإمامة»، لهشام بن الحكم، حيث قام تلميذه بكتابة تقريره([4]).
والمراد من كتب الشروح هي تلك التي قام مؤلِّفوها بشرح الكتب الكلامية الهامة. وهو تقليدٌ شائع ومتواصل في تاريخ الكلام عند الإمامية. ويمكن لنا أن نشير ـ مثلاً ـ إلى كتاب «تمهيد الأصول»، للشيخ الطوسي، في «شرح جمل العلم والعمل» للسيد المرتضى؛ أو «كشف المراد»، للعلاّمة الحلّي، في شرح «تجريد الاعتقاد» للخواجة نصير الدين الطوسي.
وأما الكتب الموسوعية فتطلق على الدورات الكاملة للعقائد، ولا نجد شيئاً منها في مرحلة حضور الأئمة^ في الكوفة والمدينة المنوّرة. وإنما بدأ هذا التقليد في علم الكلام ـ على ما سيأتي ـ من مدرسة قم، على يد الشيخ الصدوق، من خلال تأليفه «رسالة الاعتقادات» و«الهداية». كما يعتبر كتاب «النكت في مقدّمات الأصول» للشيخ المفيد، و«جمل العلم والعمل» للشريف المرتضى، و«الاقتصاد في ما يتعلق بالاعتقاد» للشيخ الطوسي، من الكتب الموسوعية أيضاً. ولا يزال هذا النوع من الكتب الموسوعية الجامعة في الكلام الشيعي مستمرّاً حتى يومنا هذا.
كما أن لكتابة وتأليف الموسوعات أقسام وأنواع مختلفة، حيث يتمّ الخوض أحياناً بشرح وبسط وبيان العقائد على سبيل المثال، وأحياناً يتمّ الاكتفاء بفهرسة العقائد فقط. وإن كتابَيْ «الإلهيات» و«منشور عقائد الإمامية»، للشيخ جعفر السبحاني، من بين أحدث النماذج والأمثلة على كلا هذين النوعين من الكتابات الموسوعية.
2ـ معرفة أسلوب الأثر
بالإضافة إلى الإطار يمكن دراسة الأثر الكلامي بلحاظ الأسلوب أيضاً. والأسلوب هنا يشير إلى الاتجاه والمنهج الكلامي للمؤلِّف. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ أن أسلوب المحدّثين، من أمثال: الشيخ الصدوق والشيخ الحُرّ العاملي؛ إذ يعمدان إلى بيان البحوث الكلامية من خلال النصوص الدينية، يختلف عن أسلوب المتكلِّمين العقلانيين، من أمثال: السيد المرتضى، الذين يبتعدون عن ألفاظ النصوص، ويتحدّثون بالمصطلحات الكلامية السائدة.
يُضاف إلى ذلك أن المتكلِّمين العقلانيين بالقياس إلى المتكلِّمين الذين يجمدون على النصوص يمنحون العقل في مقام فهم النصوص منزلةً أكبر.
ومن الواضح أن اختلاف هذين الطيفين من المتكلِّمين يمهِّد الطريق لاختلافهما أو تمايزهما في آرائهم الكلامية. وربما أمكن إلى حدٍّ ما تفسير التقابل بين «تصحيح الاعتقاد» للشيخ المفيد وكتاب «الاعتقادات» للشيخ الطوسي ضمن هذا الإطار.
كما أن أسلوب المتكلِّمين من ذوي النزعة الفلسفية يختلف عن كلا هذين الأسلوبين المتقدّمين. ويمكن تقسيم هذا الأسلوب إلى ثلاثة فروع، وهي: الأسلوب المشّائي، والإشراقي، والحكمة المتعالية.
إن دراسة الأثر بلحاظ الأسلوب الحاكم عليه تعمّق رؤيتنا بالنسبة إليه.
3ـ معرفة مضمون الأثر
إن تحليل الأثر الكلامي بلحاظ المضمون والمحتوى يجيب عن الأسئلة التالية:
ما هي الموضوعات والنظريات الكلامية التي يبحثها هذا الأثر؟
وما هي المفاهيم والمصطلحات الكلامية التي يعمل على توظيفها؟
وما هو الاتجاه الفكري الذي تنتمي إليه هذه الأدبيات الكلامية؟
لو أن شخصاً كان ـ من ناحيةٍ ـ على معرفة بأسلوب ومضمون أثر كلامي لا تتوفر معلومات تاريخية قطعية بشأن مؤلِّفه وفترة تأليفه، وكان ـ من ناحيةٍ أخرى ـ على درايةٍ بمراحل تاريخ الكلام، أمكن له أن يحدّد المكانة التاريخية لذلك الأثر، ومن خلال وضعه ذلك الأسلوب والأثر في مرحلته التاريخية يستطيع أن يستنتج ما إذا كانت نسبة ذلك الأثر إلى مؤلّف خاص صحيحة أم لا. إن الكثير من الأخطاء التاريخية تنشأ من عدم امتلاك المعرفة بالأساليب والمضامين. يمكن للتعرُّف على الأسلوب والمضمون ـ على سبيل المثال ـ أن يرشدنا إلى أن نسبة كتاب «النكت الاعتقادية» إلى الشيخ المفيد لا يمكن أن تكون صحيحةً، بل إنه ينتمي إلى حقبة متأخِّرة عنه؛ إذ إن مؤلفه قد استعمل فيه مصطلحات من قبيل: «الواجب» و«الممكن»، وهي مصطلحاتٌ لا يستعملها الشيخ المفيد في أيٍّ من كتبه الأخرى، بل لا نجدها مستعملةً لدى أيّ شخصٍ من المعاصرين له([5]).
كما يمكن من خلال اتباع هذا المنهج أن نثبت على نحو الاحتمال المتاخم للقطع واليقين أن كتاب «الياقوت» لا ينتمي إلى القرن الثالث أو الرابع الهجري([6]).
المراحل التاريخية لكلام الإمامية
لقد طوى تاريخ الكلام الشيعي مراحل مختلفة، وهي:
1ـ مرحلة التأسيس.
2ـ مرحلة التعاطي والتنافس مع الفلسفة.
3ـ مرحلة الكلام الفلسفي.
4ـ مرحلة الكلام المعاصر.
والمرحلة الأولى تبدأ منذ النشوء إلى عصر الشيخ الطوسي(460هـ).
والمرحلة الثانية تستمرّ إلى عصر الخواجة نصير الدين الطوسي(672هـ)، والعلاّمة الحلي(726هـ)، وصولاً إلى الفاضل المقداد السيوري(876هـ).
والمرحلة الثالثة تبدأ من ابن أبي جمهور الأحسائي(حيٌّ حتّى عام 904هـ)، والميرداماد(1041هـ)، والدشتكيين في فارس، وتبلغ ذروتها بواسطة صدر المتألِّهين(1050هـ). وإن جميع الشرّاح والمفسِّرين المعاصرين للحكمة المتعالية يُعتبرون امتداداً تاريخياً لهذه المرحلة.
ويكمن الاختلاف بين المرحلة الثانية والثالثة في أن المرحلة الثانية لم تشهد سوى تسلُّل الأدبيات الفلسفية إلى كلام الإمامية. ويمكن لنا الحديث هنا ـ في الحدّ الأقصى ـ عن تأثُّر المتكلِّمين في هذه المرحلة بالفلاسفة في اللاهوت بالمعنى الأعمّ. إن هؤلاء المتكلِّمين في ما يتعلق بالمسائل الاعتقادية الجوهرية واصلوا إصرارهم على مواقفهم في مواجهة الفلسفة، في حين أن كلام الإمامية في الإلهيات بالمعنى الأخصّ خلال المرحلة الثالثة قد تأثَّر بالفلسفة، وشهد تحوُّلاً بلحاظ المضمون والمحتوى.
وأما المرحلة المعاصرة فقد بدأت منذ ما يقرب من قرنٍ ونصف. وهي تشتمل على خصوصيتين: الأولى: انهماك كلام الإمامية في التعاطي وتحديد الموقف مقابل الفكر الغربي والعلوم الحديثة؛ والثانية: لقد شهدت هذه المرحلة إحياءً لجميع التيارات الكلامية السابقة تقريباً، فهي تسعى إلى إعادة صياغة وتحديث نفسها.
أدوار المرحلة التأسيسية
تنقسم المرحلة الأولى (أي مرحلة التأسيس) بدورها إلى ثلاث مراحل.
في المرحلة الأولى ـ التي هي مرحلة التبلور والظهور ـ نشهد طرح المباحث الكلامية، ولكنها لم تكن بَعْدُ قد بلغت مستوى التنظير.
والمرحلة الثانية هي مرحلة التنظير الكلامي. وإنّ تراث الكلام الشيعي في هذه المرحلة ـ كما سيأتي ـ غنيٌّ جدّاً وشديد النضج والازدهار.
وأما المرحلة الثالثة فهي مرحلة تدوين الكلام، حيث تمّ فيها تدوين الكلام في إطار علمٍ له قواعده وأساليبه الخاصة.
يمكن تشخيص هذه المراحل المتمايزة في القرون الإسلامية الخمسة الأولى في أكثر أو جميع الطوائف التي تمتلك كلاماً. فقد طوى المعتزلة والخوارج والزيدية، مع اختلافٍ بسيط، جميع هذه المراحل.
ويعود الاختلاف بين الفرق المتعدّدة إلى التقدُّم والتأخُّر أو نوعية وحجم الآثار المنجزة.
بالنسبة إلى كلام الشيعة تبدأ المرحلة الأولى منذ ما بعد السقيفة، وتستمر إلى ما يقرب من نهاية القرن الأول (أي إلى العقدين الثامن والتاسع تقريباً).
وتبدأ المرحلة الثانية من فترة إمامة الإمام الباقر× (حوالي العقدين الثامن والتاسع)، ويستمرّ إلى حدود عام 250هـ (أي نهاية عصر الحضور).
والمرحلة الثالثة تبدأ بُعَيْد الغيبة الصغرى، وتبلغ ذروتها في كلام الشيخ المفيد، وتختتم بالشيخ الطوسي.
وفي المرحلة الثالثة ـ حيث تغيّرت الظروف السياسية، وتسلَّلت الأسر الشيعية إلى أجهزة السلطة والخلافة ـ توفّرت الأرضية المناسبة لظهور وإظهار آراء ونظريات المتكلِّمين من الإمامية. ففي عام 296هـ تمكّنت أسرة آل فرات الشيعية من الوصول إلى السلطة. كما عملت هذه الأسرة على تمهيد الأرضية لأسرة آل نوبخت الشيعية لاستلام المناصب الحكومية([7]). يُضاف إلى ذلك وصول آل بويه، وهم الذين يعرفون بميولهم الشيعية، حيث وفَّر الحرّية اللازمة لعلماء الإمامية في تلك الحقبة([8]).
وقد استفاد المتكلِّمون الإمامية من هذا الفضاء الثقافي المفتوح، وأخذوا يمارسون نشاطهم الكلامي. ويمكن لنا أن نشير من بينهم إلى المجموعات التالية، التي ظهرت قبل عصر الشيخ المفيد، وهم: الفقهاء المتكلِّمون، من أمثال: ابن الجنيد([9])، وابن أبي عقيل([10]). والمعتزلة المتشيِّعون، من أمثال: ابن قبة الرازي، وابن الراوندي، وأبي عيسى الورّاق، والنوبختيين([11]).
أـ مرحلة التبلور والظهور
في المرحلة الأولى التي هي مرحلة ظهور الكلام الشيعي ـ وكذلك كلام سائر الفِرَق والمذاهب الإسلامية الأخرى ـ لا نعثر على آثار كلامية مدوّنة ومنتظمة، ومع ذلك لا تخلو هذه المرحلة من الأفكار الكلامية في مسائل الاعتقاد، من قبيل: الكفر والإيمان([12])، والقضاء والقدر([13])، والتوحيد([14])، وحتّى المعاد، وعلى حدّ تعبير المتكلِّمين: «بحث الوعد والوعيد» أيضاً. وربما كان الأكثر مثاراً للجدل من بين المسائل الكلامية في هذه المرحلة هو موضوع الإمامة([15]).
أنواع التراث في مرحلة الظهور
إن النشاط الكلامي في هذه المرحلة يتّسم في الأصل بالمشافهة؛ إذ لم يتمّ تدوينه ضمن نصوص مكتوبة. وإذا تم تدوينه فقد تمّ نقله من المنقولات الشفهية إلى شكله المكتوب. وفي هذه المرحلة يمكن أن نذكر عدّة أنواع من الآثار الكلامية:
1ـ الجدل الكلامي([16]): بمعنى أن يتناقش شخصان حول مسألةٍ كلامية معيّنة. وعلى الرغم من ضبط بعض هذه النقاشات الحوارية في التاريخ، وتحوّلت إلى صيغتها المكتوبة، بَيْدَ أن أصل هذا النشاط إنما هو نشاطٌ كلامي شفاهي.
2ـ المناشدة: بأن يعمد صاحب الرأي بعد إقامة أدلته على إثبات رأيه إلى مناشدة الآخرين بالاعتراف بمدَّعاه. وبعبارةٍ أخرى: إن المناشدة نوعٌ من المطالبة بالاعتراف في الأبحاث الكلامية([17]).
3ـ الرسائل: إن الرسائل الكلامية المتبقّية من المرحلة الأولى هي مزيجٌ من الأبحاث الكلامية وغير الكلامية. إن الرسائل المتبادَلة بين أمير المؤمنين× ومعاوية بن أبي سفيان خيرُ مثالٍ على هذا النوع من الرسائل الكلامية([18]).
4ـ الخُطَب: وهي في الأصل كانت كلمات شفهية، ثم تمّ تدوينها في الكتب.
ولا نعثر في هذه المرحلة على شخصٍ ألّف رسالةً مستقلّة في مجال الكلام. ويعود هذا الأمر إلى سببين رئيسين، وهما:
أوّلاً: العامل المضموني. ففي هذه المرحلة لم يكن الجدل الكلامي من السعة والتخصص بحيث تكون هناك حاجة إلى تأليف رسائل كلامية مستقلّة بهذا الموضوع الخاص. وفي هذه المرحلة كانت المسائل الكلامية تطرح بتأثير من القرآن والسنّة. نعم، كان هناك نزاع اعتقادي أيضاً، ولكنّ الوقت لم يتّسع للبحث والحوار بشأنه، ليتحوَّل بعد ذلك إلى موضوعٍ مستقلّ أو رسالة علمية.
أما السبب الثاني الذي يؤكّد عليه المؤرّخون والمستشرقون فهو أن الثقافة العربية في الأساس ثقافة شفهية، وليست ثقافة مكتوبة، ولم يؤسّس لثقافة الكتابة بين العرب غير الإسلام والقرآن، لتنضم بعد ذلك بفترة الثقافات الخارجية، ليكتمل التأصيل والتأسيس للكتابة بوصفها حلقة وصلٍ بين الأجيال السابقة واللاحقة.
من الطبيعي عندما نكون أمام مجرّد رأي كلامي في إطار شفهي أو رسالة أو خطبة أن لا نتوقّع صياغة بحث كلامي منتظم، ومحكوم للضوابط والقواعد. ولو أننا أجرينا مقارنة بين التراث الكلامي للشيعة وغير الشيعة في هذه المرحلة، وجعلناه معياراً لما هو الموجود لدينا، يمكن لنا أن ندّعي أن الكلام الشيعي من حيث الحجم والمحتوى من المجادلات والمناشدات والرسائل والخُطَب أكثر غنىً ونضجاً من سائر الفِرَق الكلامية الأخرى([19]).
ب ـ مرحلة التنظير
كما تقدَّم أن أشرنا فإن هذه المرحلة الثانية تبدأ من مستهلّ العقد التاسع الهجري. وبشكل عامّ دخل الكلام الإسلامي في هذه المرحلة دائرة التدوين الكلامي. ومن الناحية التراثية حدث في هذه المرحلة أمران هامّان في التاريخ:
الأمر الأوّل: إن الأبحاث الشفهية المتفرّقة التي كانت تحدث ضمن إطار الجدل بدأت تنحسر تدريجياً، لتحلّ محلها مجالس المناظرات الرسمية. وقد بدأ هذا الأمر منذ بداية عصر الخلافة العباسية، وفي عهد هارون الرشيد اكتسب شكله المنظم. وربما كان هناك تدخُّل من قبل وزراء الخلفاء العباسيين، مثل: البرامكة، في تنظيم هذه المجالس والحوارات العلمية([20]). وكان أصحاب الآراء في هذه المجالس يتجاوزون حدود المجادلة. كانت المجالس الخاصة للمناظرات تعقد طبقاً لموعد مقرَّر مسبقاً، وبحضورٍ من طرفي البحث (وطبقاً لبعض الروايات التاريخية كانت هذه المجالس تعقد بحضور حكم بين الطرفين أو لجنة من الحكّام)([21]). وكانت المناظرة تستمرّ إلى الوقت الذي يتمكّن الحاضرون أو الحكم في هذا المجلس من إبداء الرأي حول نقاش الطرفين. وقد عرفت هذه الحوارات في التاريخ بـ «المجالس»؛ فقد ذكر النجاشي ـ مثلاً ـ في كتابه الكثير من كتب المجالس([22])، وهي تشير إلى هذا النوع من جلسات المناظرة. وقد كان المشرفون على هذه المناظرات ينقلون وقائعها بأمانةٍ؛ حيث نرى نماذج عن هذه المناظرات في التراث الشيعي([23]) وغير الشيعي([24]). كما عمد المعتزلة والإمامية والزيدية إلى تدوين بعض مناظراتهم في هذه المرحلة التاريخية. من ذلك ـ على سبيل المثال ـ أن المقدسي ينقل في كتابه «البدء والتاريخ» مناظرات من قبيل: مناظرة هشام بن الحكم مع النظام، ومناظرة هشام بن سالم مع أبي الهذيل([25]).
في الكلام الشيعي كانت مناظرات المتكلِّمين الكبار ـ من الذين كانت لهم مناظراتٌ جادة ـ، من أمثال: هشام بن الحكم، وهشام بن سالم، ومؤمن الطاق، يتمّ تدوينها من قبل تلاميذهم على شكل كتب([26]). وقد تحدَّث النجاشي عن ثلاثة كتب لهشام بن الحكم، وهي في الواقع من تدوين تلاميذه وتقاريرهم لتلك المناظرات التي تمّ تدوينها وكتابتها على شكل نقلٍ مباشر للأقوال([27]).
وهكذا تحوَّل النشاط الكلامي من خلال العبور من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية، لينتقل من الجدل والمناشدة إلى المناظرة. كما أننا نرى هذا التحوّل والانتقال حتى في الأحاديث الكلامية المأثورة عن أئمتنا أيضاً. والذي نقل إلينا عن الأئمة في المرحلة الثانية هو في الغالب مجالس المناظرات التي كانت تعقد في وقتٍ محدَّد يتم الاتفاق عليه مسبقاً، وتبدأ المناظرة من نقطة بحث، ثم تستمرّ، حتّى تصل إلى خاتمتها([28]). وكانت إقامة مجالس المناظرات في هذه المرحلة قد شاعت بوصفها ثقافة راسخة.
أما الخصيصة أو الحادثة الثانية في هذه المرحلة فهي بداية تأليف الكتب الكلامية. فمنذ هذه المرحلة وصاعداً أخذ المفكِّرون بشحذ أقلامهم وتدوين أفكارهم فوق الطروس، وبذلك بدأت الآراء الكلامية تشقّ طريقها إلى الأجيال اللاحقة على شكل مؤلَّفات كلامية مستقلّة. وإذا أردنا أن نتحدَّث عن أهل السنة في هذا الشأن فإن من ذلك «رسالة الإرجاء» للحسن بن محمد بن الحنفية، فإذا صحّت نسبته إلى الحسن بن محمد يكون هناك احتمالٌ كبير في انتمائها إلى سنة 90هـ([29]). كما أن رسائل الحسن البصري([30])، ورسائل أبي حنيفة([31])، نماذج أخرى من رسائل أهل السنّة.
وفي هذه المرحلة واكب المتكلِّمون من الشيعة سائر أصحاب الآراء، بل تقدَّموا عليهم في هذا الشأن أحياناً، على المستوى الكمّي والكيفي.
وكانت خصيصة جميع مؤلَّفات هذه المرحلة تكمن في محورية الموضوع أو محورية المسألة، بمعنى أنها تبحث في مسألةٍ أو موضوع بعينه، من قبيل: موضوع الإمامة أو الاستطاعة أو المعرفة أو المشيئة. وحالياً يصطلح على هذا النوع من المؤلفات التي تتناول مسألة أو موضوعاً واحداً بـ «المؤلّفات المفردة». ولا نجد في هذه المرحلة كتباً جامعة للآراء والعقائد، أو أن تشتمل على دائرة موضوع من الموضوعات الكلامية.
معرفة أنواع الكتب الكلامية المفردة في مرحلة التنظير
في ما يتعلق بالرسائل المفردة لهذه المرحلة هناك في الحدّ الأدنى ثلاثة أنواع من الرسائل يمكن تمييزها من بعضها، وهي:
النوع الأوّل من هذه الرسائل يحمل صبغةً توضيحية. وقد تمّ تأليف هذا النوع من الرسائل بدافعٍ من بيان الرأي والعقيدة، وقد عبَّرت عن آراء أصحابها بوضوحٍ. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ رسالة زرارة بن أعين بعنوان «رسالة الاستطاعة»([32]). ومن خلال البحث والتنقيب في هذه الرسالة ندرك أن رأي زرارة حول الاستطاعة ـ والذي طرحه في الكوفة ـ أصبح مثاراً للجدل والنزاع الشديد، حيث ظهر هناك طيفٌ موافق؛ وآخر مخالف له([33])، حتى أن بعض الشيعة قام بنقل كلامه إلى الإمام جعفر الصادق×؛ للتثبُّت من صحّته.
النوع الثاني من الآثار في هذه المرحلة يتمثّل في الرسائل النقدية، وهي كثيرة. وفي هذه الرسائل يقوم المتكلِّم بنقد نظرية خصمه. وهذه الرسائل هي من النوع الذي يتمحور حول الموضوع؛ فإن رسالة الردّ على المعتزلة لمؤمن الطاق ـ مثلاً ـ تشتمل على نقد رأي المعتزلة في موضوعٍ خاص([34])؛ إذ لم يكن المعتزلة قد توصّلوا بَعْدُ إلى نظامٍ فكري كي يتمّ توجيه النقد إلى تلك المنظومة الفكرية برمّتها.
النوع الثالث من الآثار في هذه المرحلة، وهو أقلّ عدداً بالقياس إلى النوعين الأوّلين، رسائل المجالس، وقد سبق أن أشرنا له؛ حيث قلنا: إن هذه الرسائل قد تكفّلت بنقل المناظرات والحوارات العلمية.
الاتجاهات الكلامية في مرحلة التنظير
لا نمتلك تصوُّراً واضحاً عن هذه المرحلة التاريخية من كلام الشيعة (أي المرحلة الثانية من المرحلة التأسيسية)، ولذلك لم نتابع تراث هذه الدورة، ولم نبيّن أهمّيته. تثبت الشواهد التاريخية أن المتكلِّمين الشيعة في هذه المرحلة كانت لهم، إلى جانب نقل الحديث، أبحاث تحليلية أيضاً، بل يمكن القول: إن أغلب أبحاث متكلِّمينا كانت أبحاثاً تحليلية، فإن أكثر كتب هشام بن الحكم ـ على سبيل المثال ـ هي كتب تحليلية نقدية، ومن بينها رسالته في الردّ على أرسطوطاليس في التوحيد، ورسالته في الردّ على الثنوية. ويتضح من المقاطع المتبقية عن هشام أو مؤمن الطاق أنه كانت لهم آراؤهم الكلامية الخاصة. وقد أشار الأشعري في كتابه «مقالات الإسلاميين» إلى جانبٍ من هذه الآراء.
يمكن القول: هناك اتجاهان عامان في التراث الكلامي الشيعي في هذه المرحلة، وهما: الاتجاه النصّي؛ والاتجاه التحليلي.
ومن خلال عناوين الرسائل، من قبيل: «رسالة في التوحيد» أو «رسالة في الإمامة»، لا يمكن لنا أن نفهم الاتجاه الذي سلكه المؤلِّف، بمعنى أننا لا نستطيع أن نجزم بأن صاحب هذه الرسالة قد سلك طريق النقد في تنظيم وتبويب الروايات أم أنه قد عالج الموضوع بشكلٍ عقليّ وتحليلي؟ ويمكن الحصول على الإجابة عن هذا السؤال من خلال التعرُّف على صاحب هذه الرسالة وأجوائه الفكرية، من خلال النظر في سائر مؤلَّفاته الأخرى.
تتبُّع الآثار الجامعة في مرحلة التنظير
كما سبق أن ذكرنا لا يمكن العثور في المرحلة التنظيرية على أيّ رسالة جامعة. فلم تكن الرسائل الاعتقادية المدوّنة لدى الإمامية والمعتزلة وأهل الحديث ـ والتي تشتمل على أصول العقائد بشكلٍ جامع وممنهج ـ قد تمّ تأليفها بَعْدُ في هذه المرحلة، بمعنى أن التفكير الكلامي لم يكن قد بلغ مستوى التنظيم والتأليف الجامع في تلك المرحلة. من هنا فإن الجمع والتبويب والتنظيم والتركيب بين العقائد إنما يعود إلى المرحلة الثالثة من المرحلة الأولى. ومع ذلك يمكن العثور في المرحلة الثانية على آثار للرسائل الاعتقادية في سياق عرض العقائد على الأئمة، أي إن بعض الشيعة والأصحاب كانوا يبادرون إلى عرض مجموع معتقداتهم على الإمام المعصوم× ويسألونه عن صحّتها([35])، من قبيل: عرض عقيدة السيد عبد العظيم الحسني، على ما هو معروفٌ في مصادرنا([36]).
ضياع التراث العلمي لمرحلة التنظير
لم يصِلْنا من هذه المرحلة من الكلام الإمامي حتّى رسالة مستقلّة واحدة، فإن جميع آثار هذه المرحلة كان مصيره إما الضياع والتلف؛ أو الانعكاس في الآثار اللاحقة. كانت الطريقة المتَّبعة في نشر الآثار في الأزمنة الغابرة تتمّ عبر الاستنساخ. وحيث كان الشيعة يشكّلون الأقلّية، وبالإضافة إلى ذلك يمثِّلون الطيف المعارض للسلطة، فقد كانوا من الناحية السياسية يرزحون تحت وطأة الضغط، وكانوا بالإضافة إلى ذلك يعانون الفقر من الناحية الاقتصادية. وعليه من الطبيعي أن لا يتمّ استنساخ التراث الشيعي في مثل هذه الظروف على نطاقٍ واسع. وكان هذا الأمر يشكّل عاملاً لترك هذه الآثار نهباً لعوادي الزمن. يضاف إلى ذلك أن التاريخ يروي لنا أن الكثير من تراث الإمامية الذي كان محفوظاً في بعض المكتبات الهامّة لم يسلم من الحرق بنار العصبية العمياء([37]). وإلى جانب هذه العناصر السلبية كان هناك عنصرٌ إيجابي ساعد على تجاهل وضياع التراث الكلامي لهذه المرحلة، وقد تمثَّل هذا العنصر الإيجابي ببداية تبلور تأليف الجوامع في المرحلة الثالثة. ففي هذه المرحلة (المرحلة الثالثة من المرحلة الأولى من تاريخ الكلام) عمد المتكلِّمون من المسلمين، ومنهم المتكلِّمون الشيعة، إلى جمع هذه الآثار المفردة والمتفرّقة؛ لنظم التعاليم والمفاهيم الكلامية ضمن مؤلفات مبوّبة وممنهجة في العقائد. وفي هذه المرحلة كانت المؤلَّفات الجامعة تتمّ على شكلين وأسلوبين، وهما: الأسلوب النقلي؛ والأسلوب العقلي. وبعد تدوين وتأليف هذه الجوامع، التي هي مزيجٌ من تلك الكتب والرسائل المفردة المتبقية من المرحلة السابقة، ساد تصوُّر مفاده أن هذه الكتب الجامعة تشتمل على مزايا تلك المؤلّفات المفردة والمتناثرة؛ وبذلك تُركت تلك المصادر لتطويها صفحات النسيان. فمثلاً: أثناء تأليف الشيخ الكليني لكتاب الكافي كان بحوزته الكثير من هذه الكتب، والتي يُصطلح عليها بـ (الأصول)، وكان يختار رواياته من محتويات هذه الكتب، فكان في باب الاستطاعة ـ على سبيل المثال ـ يختار روايتين من هذا الأصل، وثلاث روايات من ذلك الأصل، وهكذا. وقد أدّى هذا الأمر إلى الاستغناء عن تلك الأصول، وتجاهلها ونسيانها بالتدريج. وكان هذا التراث قد حافظ على وجوده وبقائه حتّى القرنين الخامس والسادس الهجريين بشكلٍ وآخر([38]).
كتابة الفهارس بوصفها أسلوباً شيعياً بحتاً في انتقال العلم
كان انتقال العلم لدى الشيعة ـ خلافاً لأهل السنّة ـ، لا سيَّما نقل الحديث، يتمّ عبر الكتابة([39]). لقد كان هناك تفاوتٌ كبير بين ثقافة أهل السنّة وثقافة الشيعة الإمامية. فقد كانت ثقافة أهل السنّة منذ البداية تقوم على النقل الشفهي؛ إذ نعلم أن الخليفة الثاني([40]) قد منع من كتابة الحديث([41])، وقد استمرّ هذا المنع حتّى عام مئة للهجرة، حيث بداية عهد عمر بن عبد العزيز([42]). وعلى الرغم من مبادرة عبد الملك بن مروان في عهده ومحاولته جمع وتدوين الحديث([43])، إلاّ أن خطوته هذه كانت مجرد خطوة منفردة وجزئية لا تخرج عن حدود البلاط. وقد استمرّ المنع على حاله حتى عهد عمر بن عبد العزيز، حيث رفع المنع عن كتابة الحديث، وتحوّلت الرواية الشفهية في عصره إلى روايةٍ مكتوبة. وحيث كانت ثقافة أهل السنّة منذ البداية تقوم على نقل الأحاديث مشافهة فقد قام اعتبار الحديث ـ بعد رفع الحظر وتدوين الحديث ـ على علم الرجال. ومن هنا كان أهل السنّة هم أوّل مَنْ بدأ بتدوين علم الرجال. وأما الشيعة فدخلوا هذا المضمار في مرحلةٍ لاحقة. وحيث كان أهل السنّة ينقلون الحديث مشافهةً كان من المهمّ بالنسبة إليهم أن يعرفوا أيّ شيخٍ من مشايخ الحديث نقل هذه الرواية؛ حيث كان يجب على الراوي أن يستمع إلى الحديث من شيخه. وعلى هذا الأساس كانوا يقيمون مجالس الحديث. وإن اعتبار الحديث رهنٌ بالأشخاص. وحيث يكتب: «حدَّثنا فلان: حدّثنا فلان» فإن ذلك يمنح اعتباراً للحديث. ومن هنا ظهر تقسيم الحديث إلى: خبر متواتر؛ وخبر آحاد. ومن الناحية التاريخية يعود تقسيم الأخبار إلى: خبر الواحد؛ والخبر المتواتر، إلى أهل السنّة. أما الشيعة في الأصل فلم تكن هناك من حاجةٍ تدعوهم إلى تقسيم الأخبار إلى: آحاد؛ ومتواترات؛ إذ إن الشيعة كانوا يعتمدون على كتابة الفهارس([44])، كما سنأتي على ذكره.
بعكس الثقافة الشفهية التي سادت بين أهل السنّة، كان الشيعة بأمرٍ من الأئمة^ يكتبون الأحاديث فور سماعهم لها. كما ورد التأكيد في بعض الروايات على كتابة الحديث أيضاً، حيث طلب الأئمة من الشيعة أن لا يعتمدوا على ذاكرتهم([45])، الأمر الذي جعل من كتابة الحديث والروايات عند الشيعة سنّةً متبعة. وكان ما يكتبونه في هذا الشأن يُسمّى «أصلاً» أو «كتاباً»، من قبيل: أصل زرارة، أو كتاب ابن أبي عمير، أو كتاب حسين بن سعيد الأهوازي. وبذلك كانت المرحلة الشفهية عند الشيعة محدودة جدّاً؛ إذ سرعان ما كان الكتاب يحلّ محلها. كما أن اعتبار الحديث في الأصل كان يأتي في الغالب من الكتابة. كما يمكن بحث القرائن الأخرى ـ الأعمّ من السندية والمضمونية ـ حول محور الكتاب. وعلى هذا الأساس فإن دراسة نسخة الكتاب عند الشيعة مقدّمة على دراسة الرجال([46])، وكانت الأسئلة المطروحة في هذا الشأن، من قبيل: ما هو الطريق إلى هذه النسخة؟ حيث يُقال مثلاً: من أين جاءت نسخة زرارة؟ أو مَنْ الذي نقلها عنه؟ وهل كان حجّةً في النقل؟ وهل كان مُجازاً في ذلك أم لا؟ وقد أدّى استناد الشيعة واعتمادهم على النسخ والكتب إلى تأسيسهم علماً جديداً باسم (كتابة الفهارس)، بمعنى أنه في مقابل علم الرجال، الذي أبدعه أهل السنّة، عمد الشيعة إلى إبداع علم الفهارس. حيث كان ضبط وتسجيل كتبنا الرئيسة في هذه الفهارس. وكان المفهرس يقوم في كتاب فهرسته بدراسة جميع الكتب التي تقع في يده، ويذكر طريقه إلى صاحب الكتاب. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ: فهرست النجاشي؛ وفهرست الطوسي، ولم يَرِدْ في هذه الفهارس سوى أسماء أصحاب الكتب، سواء أكانت الكتب منهم أو كانوا ينقلونها بواسطة. وعلى هذا الأساس لم يَرِدْ في فهرست الطوسي أو فهرست النجاشي ذكرٌ لأسماء الذين يكتفون برواية الحديث مشافهةً فقط. وقد اصطلح على هذا العلم عنوان كتابة الفهارس([47]).
إن استناد علماء الشيعة لم يكن مقتصراً على الكتابة والنسخ المكتوبة فقط، بل كانت حتّى الكتب الكلامية للشيعة تنقل عبر سلسلة الأسانيد أيضاً([48]). في الطريقة التعليمية المتّبعة قديماً كان يجب على طالب العلم أن يستنسخ الكتاب عن نسخةٍ صحيحة ومعتبرة، ثم يقرأ نسخته على شيخٍ قرأ بدوره نسخته على شيوخه الذين يرفعون سلسلة أسانيدهم إلى صاحب الكتاب. ومن ذلك ـ مثلاً ـ أن النجاشي في مورد هشام بن الحكم يذكر سلسلة إسناده، ويسمّي هنالك ما يقرب من ثلاثين كتاباً لهشام([49]). وقد استمرّ هذا التقليد في ما يتعلق بالكتب الكلامية في بعض الأحيان إلى القرنين التاسع والعاشر الهجريين، حيث نرى في المخطوطات المتبقية من تلك الحقبة أن الأستاذ والشيخ قد كتب في زاوية من تلك المخطوطة: «قرأ عليَّ هذا الكتاب»، وكان هذا يعني أنه يحقّ له أن ينقله إلى شخصٍ آخر. ونجد المثال الآخر على ذلك في الإجازات، من قبيل: الإجازة الكبيرة للعلاّمة الحلي. وخلافاً للتصوّر القائل بأن الإجازات تقتصر على كتب الحديث، نجد أن هؤلاء العلماء الكبار كانوا يجيزون حتّى الكتب الكلامية، من قبيل: الكتب الكلامية للشيخ المفيد والسيد المرتضى أيضاً؛ لاعتقادهم بأن العلم يجب أن ينتقل من طريق الكتب، فلا اعتبار بالمشافهة.
إمكان إصلاح تراث المرحلة الثانية
هناك سؤالٌ يقول: كيف يمكن لنا الوصول إلى تراث المرحلة الثانية من المرحلة الأولى؟ يبدو أن بالإمكان إحياء وإصلاح جانبٍ من هذا التراث بطريقين، وهما:
الطريق الأوّل: نقل الأقوال؛ إذ إن الكثير من هذه الروايات أو حتّى المناظرات والآراء الكلامية قد وردت في الكتب اللاحقة. ومن ذلك ـ مثلاً ـ أن هشام بن الحكم له رسالة في حدوث الأجسام([50])، وهناك أدلةٌ عنه في عددٍ من المواضع على حدوث الأجسام، ويحتمل أن تكون مأخوذةً من ذلك الكتاب([51]).
الطريق الثاني: كتب الفهرست. فقد ورد في هذه الكتب ذكر عناوين الكتب الكلامية للمتكلِّمين في هذه المرحلة، من أمثال: هشام بن الحكم، وزرارة بن أعين، ومؤمن الطاق، مع بيان سلسلة أسانيد انتقال هذه الكتب. فلو أننا لم نكن نعلم أن لزرارة كتاباً قد نقل من هذا الطريق ما كان بإمكاننا أن نصل إلى وجود مثل هذا الكتاب أو عدم وجوده بالرجوع إلى أصول الكافي. وحيث يَرِدُ في الفهرست المسار التاريخي لكتابٍ، بالإضافة إلى عنوانه، يمكن لنا أن ندرك بأن هذا الكتاب ـ على سبيل المثال ـ قد انتقل من الكوفة إلى قم، وأنه في عصر الكليني كان موجوداً في قم. ومن هنا يمكن لنا ـ بالالتفات إلى طبقة الرواة ـ أن نقتفي أثر الأحاديث أو الأفكار التي كانت موجودةً في أصلٍ أو كتابٍ ما.
مصدران معاصران لإصلاح تراث المرحلة الثانية
في عملية إصلاح تراث هذه المرحلة هناك مصدران رئيسان يمكن لهما أن يكونا نافعين جدّاً، وهما:
المصدر الأوّل: كتاب «فهارس الشيعة»([52]). قد يتصوّر شخصٌ من خلال مراجعة فهرست النجاشي والشيخ الطوسي أن ما نقلاه في القرن الخامس الهجري إنما هو من عندهما. في حين أن هذا التصوّر مجانبٌ للصواب. لقد أخذ هذا الفهرست من الفهارس الثمانية المتقدّمة لدى الشيعة؛ فقد كان لدى الشيعة ثمانية فهارس قبلهما بجيلٍ أو جيلين أو حتّى ثلاثة أجيال، ثم انتقلت هذه الفهارس إلى الأجيال اللاحقة، حتّى قام الشيخ الطوسي والنجاشي بإدراجها ضمن هذين الكتابين. وقد عمد مؤلِّف كتاب «فهارس الشيعة» إلى استخراج هذه الفهارس الثمانية من هذين الكتابين. وبعد الرجوع إلى هذا الكتاب يمكن لك أن تدرك ـ مثلاً ـ ما هي الكتب التي كانت بحوزة ابن الوليد (الذي كان له فهرستٌ في قم)؟ كما تمّ تفكيك فهرست الصدوق أيضاً. كما يوجد فهرست سعد بن عبد الله الأشعري ـ وهو من مشايخ الكليني بالواسطة ـ ضمن فهارس الشيعة أيضاً. فيمكن لنا أن نعمل من خلال ذلك على تحديد الكتب التي كانت بحوزة سعد بن عبد الله، وتبعاً لذلك كانت موجودةً عند تلاميذه وتلاميذ تلاميذه أيضاً. وعلى هذا الأساس يمكن للجهد المبذول في كتاب «فهارس الشيعة» أن يكون نافعاً للغاية في إعادة التعرُّف على هذا التراث.
المصدر الثاني: كتاب «ميراث مكتوب شيعه»، لمؤلِّفه السيد المدرّسي الطباطبائي. حيث تتبَّع التراث المكتوب للشخصيات الشيعية إلى ما يقرب من عام 170 و160 و150هـ، بمعنى أنه عمد إلى استخراجها من بطون الفهرست. فقد بحث المدرّسي في جميع الكتب الشيعية، وتوصّل إلى نتيجة مفادها أن هذا الكتاب ـ مثلاً ـ قد ذكر في هذه الكتب العشرة، مع ذكر موضعه فيها. وحيث إن كتابه هذا يمثل الخطوة الأولى في هذا الشأن فمن الطبيعي أن لا يخلو من الأخطاء. فقد نجد له بعض الأحكام والأفهام التي يمكن مناقشتها، ولكنّ أصل المجهود الذي بذله يعتبر دقيقاً من ناحية التعرُّف على التراث، بمعنى أن الشخص الذي يعتمد هذا الكتاب، ويبحث في الإحالات التي قام بها على هامش التعريف بكلّ كتاب، يمكنه العمل إلى حدٍّ ما على إصلاح ذلك الكتاب. وبذلك يمكن تحديد المحتوى التقريبي لذلك الكتاب.
وعلى الرغم من ذلك فإن كتاب المدرسي الطباطبائي ليس كاملاً، أي إن بالإمكان الاستعانة بالأدوات الحديثة والعمل على مضاعفة هذا الكتاب، من خلال إضافة معلومات جديدة بحجمه. فعلى سبيل المثال: إن كتاب مجالس هشام بن الحكم (المجالس في الإمامة) أُضيف لاحقاً إلى كتاب «العيون والمحاسن» للشيخ المفيد. وقد ذكر الشيخ المفيد عدداً من هذه المناظرات، وهي متوفّرةٌ حالياً([53]). وعليه يمكن إعادة إصلاح أبحاث الكلام العقلي أيضاً.
وحيث لم يعُدْ من وجودٍ للمصادر الأصلية بمرور الزمان لم تعُدْ الفهارس من وجهة نظر العلماء مُجْدية؛ ومن هنا حلّ علم الرجال محلّ الفهارس.
ثمرة إصلاح تراث المرحلة التنظيرية
هناك العديد من الثمرات التي يمكن الحصول عليها من خلال عملية إحياء التراث الكلامي. ومن بينها يمكن لنا أن نشير إلى ثمرة التاريخ الكلامي. علينا أن نتعرّف على هشام بن الحكم من خلال تراثه؛ فإذا أمكن لنا إحياء تراثه أمكن لنا أن نتبيَّن صحّة أو سقم الأمور التي تنسب إليه. ومن خلال الرجوع إلى مسند ابن هشام المتوفر بين أيدينا يمكن لنا أن نستنتج أن هذا الرأي الباطل ـ مثلاً ـ، والمنسوب إلى هشام بن الحكم هو في الحدّ الأدنى محلّ تشكيك؛ لأنه بنفسه ينقل عشرين رواية مخالفة لهذا الرأي في مختلف مصادر الشيعة، ومن هنا لا يَسَعنا أن ننسب إليه رأياً مخالفاً لمضمون تلك الروايات.
ج ـ مرحلة التدوين
أما المرحلة الثالثة من مرحلة التأسيس فهي المرحلة التي تحوَّل فيها الكلام ليغدو علماً مدوَّناً، له قواعده وأساليبه ومناهجه الخاصة. وقد بدأت هذه المرحلة من الشيخ الصدوق واتجاهه النصّي، والشيخ المفيد واتجاهه العقلي.
الهوامش
(*) مسؤول مركز الحضارة للتنمية الفكريّة في بيروت، وباحثٌ مهتمٌّ بقضايا المرأة والفكر الاجتماعيّ السياسيّ.
(**) أستاذٌ جامعيّ متخصِّص في مجال الفلسفة والكلام، ورئيس تحرير مجلّة (قبسات) الفكريّة.
([1]) انظر: النجاشي، أسماء مصنِّفي الشيعة: 433، تحقيق وتصحيح: السيد موسى الزنجاني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، 1407هـ.
([2]) انظر: الطوسي، الفهرست: 131، المكتبة المرتضوية، النجف الأشرف.
([3]) انظر: النجاشي، أسماء مصنِّفي الشيعة: 375.
([4]) انظر: المصدر السابق: 433.
([5]) انظر: مارتين مكدرموت، أنديشه هاي كلامي شيخ مفيد: 63 ـ 65، ترجمه إلى الفارسية: أحمد آرام، انتشارات دانشگاه طهران، طهران، 1384هـ.ش (مصدر فارسي).
([6]) بشأن الآراء والنظريات المختلفة الواردة بشأن هذا الكتاب وأدلة عدم انتماء هذا الكتاب إلى القرنين الثالث والرابع الهجريين انظر: حيدر عبد المناف البياتي، مقال: نويسنده كتاب الياقوت، المنشور في مجلة (كتاب الشيعة)، العدد 1: 22 ـ 23، (تصدر كلّ 6 أشهر) ربيع وصيف عام 1389هـ.ش (مصدر فارسي).
([7]) انظر: حسن حسين زاده شانجي، أوضاع سياسي اجتماعي وفرهنگي شيعه در غيبت صغرى: 122 ـ 128، پژوهشگاه علوم وفرهنگ إسلامي، قم المقدّسة، 1386هـ.ش (مصدر فارسي).
([8]) انظر: المصدر السابق: 116 ـ 117.
([9]) انظر: أحمد پاكتجي، دائرة المعارف بزرگ إسلامي: 258 ـ 262، تحت إشراف: كاظم الموسوي البجنوردي، مركز دائرة المعارف بزرگ إسلامي، طهران، 1383هـ.ش (مصدر فارسي).
([10]) انظر: حسن يوسفي إشكوري، ابن أبي عقيل، دائرة المعارف بزرگ إسلامي: 683 ـ 684، تحت إشراف: كاظم الموسوي البجنوردي، مركز دائرة المعارف بزرگ إسلامي، طهران، 1383هـ.ش (مصدر فارسي).
([11]) انظر: عباس إقبال آشتياني، خاندان نوبختي، كلّ الكتاب، مكتبة طهوري، طهران، 1345هـ.ش (مصدر فارسي).
([12]) في ما يتعلَّق بالأبحاث المطروحة في كلمات أمير المؤمنين× حول الإيمان انظر: أمير الديواني، مدخل الإيمان في موسوعة الإمام عليّ: 127 ـ 166، تحت إشراف: علي أكبر رشاد، مركز نشر آثار پژوهشگاه فرهنگ وأنديشه إسلامي، طهران، 1380هـ.ش (علي أكبر رشاد، دانشنامه إمام علي 2: 127 ـ 166)، أو بشأن دور الطينة في الإيمان ـ على سبيل المثال ـ عن الإمام عليّ بن الحسين×، انظر: الكليني، أصول الكافي 2: 2، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1365هـ.ش. كما يمكن لنا أن نشير من بين الفِرَق الأخرى في هذه المرحلة إلى رؤية الخوارج (المحكّمة الأوائل، والأزارقة، والنجدات) في بحث الإيمان ودور المعصية فيه (الشهرستاني، الملل والنحل 1: 133 ـ 144، منشورات الشريف الرضي، ط3، قم، 1364هـ.ش)، وتبعاً لهم المرجئة (الشهرستاني، الملل والنحل 1: 161 ـ 167).
([13]) لقد كانت مسألة القضاء والقدر من المسائل الأولى التي شغلت أذهان المسلمين، حيث فرضت نفسها في فترة خلافة الإمام عليّ×، حيث نقل عنه كلام في هذا الشأن. (انظر: علي الأفضلي، قضاء وقدر، موسوعة الإمام عليّ: 221 ـ 282، تحت إشراف: علي أكبر رشاد، مركز نشر آثار پژوهشگاه فرهنگ وأنديشه إسلامي، طهران، 1380هـ.ش). كما يمكن الإشارة في هذه المرحلة إلى ظهور فِرَق من قبيل: الجبرية (انظر بشأن الجبرية: الشهرستاني، الملل والنحل 1: 97 ـ 104؛ وبشأن الجدل الكلامي بينهم انظر مثلاً: محمد أبو زهرة، تاريخ الجدل: 179 ـ 187، دار الفكر العربي، بيروت، 1934م)، والقدرية أيضاً (انظر في هذا الشأن: محسن جهانگيري، مجموعه مقالات محسن جهانگيري: 58 ـ 89، انتشارات حكمت، طهران، 1383هـ.ش؛ جوزيف فان أس، معبد الجهني: 279 ـ 312، مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، 1978م؛ حسين عطوان، فرقه هاي إسلامي در سرزمين شام در عصر أموي: 16 ـ 90، ترجمه إلى الفارسية: حميد رضا شيخي، انتشارات آستان قدس رضوي، مشهد، 1371هـ.ش؛ وبشأن المجادلات الكلامية لغيلان الدمشقي زعيم هذه الفرقة مع عمر بن عبد العزيز والأوزاعي انظر: أبو زهرة، تاريخ الجدل: 190 ـ 193).
([14]) يمكن الإشارة في هذا الخصوص إلى كلام الإمام عليّ× حول التوحيد. (للوقوف على البراهين على إثبات وجود الله في رؤية الإمام عليّ× انظر: محمد رضائي، برهان هاي إثبات وجود خدا: 9 ـ 43، موسوعة الإمام عليّ: 221 ـ 282، تحت إشراف: علي أكبر رشاد، مركز نشر آثار پژوهشگاه فرهنگ وأنديشه إسلامي، طهران، 1380هـ.ش. وبشأن التوحيد في رؤية الإمام عليّ× انظر: سيد جعفر سيدان، توحيد: 43 ـ 65، موسوعة الإمام علي: 221 ـ 282، تحت إشراف: علي أكبر رشاد، مركز نشر آثار پژوهشگاه فرهنگ وأنديشه إسلامي، طهران، 1380هـ.ش. وبشأن أسماء الله وصفاته عند الإمام علي× انظر: محمد تقي السبحاني، أسماء وصفات خداوند: 65 ـ 127، موسوعة الإمام علي: 221 ـ 282، تحت إشراف: علي أكبر رشاد، مركز نشر آثار پژوهشگاه فرهنگ وأنديشه إسلامي، طهران، 1380هـ.ش. ومن بين الفِرَق الأخرى يمكن الإشارة إلى عقائد الجهم بن صفوان بشأن صفات الله أيضاً. (الشهرستاني، الملل والنحل 1: 97 ـ 98).
([15]) لقد كانت مسألة الإمامة من أوائل أسباب الاختلاف بين المسلمين (الشهرستاني، الملل والنحل 1: 28). وحول كلام الإمام عليّ× بشأن الإمامة انظر: موسوعة الإمام عليّ 3: 131 ـ 185؛ وانظر بشأن الدراسة التفصيلية حول الاختلاف القائم بين المسلمين بعد وفاة رسول الله|: السيد مرتضى العسكري، معالم المدرستين: 143 ـ 593، مؤسسة البعثة، ط4، طهران، 1412هـ.
([16]) بشأن الجدل والنقاش الكلامي بين المسلمين انظر: أبو زهرة، تاريخ الجدل، الكتاب بأكمله، دار الفكر العربي، بيروت، 1934م؛ وانظر أيضاً: المجلسي، بحار الأنوار، ج10 بأكمله، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1404هـ.
([17]) لقد ذكر محمد بن جرير الطبري في (المسترشد في الإمامة) واحداً وستين مناشدة من مناشدات الإمام عليّ×. (انظر: الطبري، المسترشد: 331 ـ 366، تحقيق: أحمد المحمودي، 1415هـ). وانظر بشأن مناشدة الإمام الحسن× في مناقشة معاوية بن سفيان: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 6: 288 ـ 290؛ وبشأن مناشدة ابن عباس مع ابن الزبير انظر: المصدر السابق 9: 325.
([18]) لقد ذكر الثقفي في الغارات نماذج من هذه الرسائل. وقد أكد الإمام علي× في هذه الرسائل على أحقيته في الإمامة، ومرجعية أهل البيت الدينية على الناس، ونظرية الإمامة التاريخية، والعلم الخاص عند أهل البيت^. انظر: إبراهيم بن محمد الثقفي، الغارات 1: 195 ـ 204، تحقيق: السيد جلال الدين الحسيني (الأرموي)، أنجمن آثار ملي، طهران.
([19]) يمكن لهذا المدّعى أن يكون موضوعاً لمنجز تاريخي مقارن أيضاً، فلو أننا جمعنا مجمل التراث الكلامي المنقول عن أهل الحديث ورواياتهم الاعتقادية، وكذلك الخطب المنقولة عن الخليفة الأول والخليفة الثاني، وعملنا على مقارنتها بما هو مأثورٌ عن تاريخ التشيُّع من الخطب والرسائل والمناشدات، وقمنا بدراسةٍ مقارنة موثقة، أمكن لنا إلى حدٍّ ما أن نثبت هذا الادّعاء القائل بأن التراث الكلامي الإمامي في المرحلة الأولى كان من الناحية الكمّية والكيفية أكبر وأفضل بكثير عن التراث المأثور، في هذا الشأن وتلك المرحلة، عن سائر الفِرَق الأخرى.
([20]) في ما يتعلق بحبّ البرامكة للعلوم انظر: صادق سجادي، برمكيان 12: 14 ـ 15، دائرة المعارف بزرگ إسلامي، مركز دائرة المعارف بزرگ إسلامي، طهران، 1383هـ.ش. (مصدر فارسي).
([21]) لقد ذكر الكشّي نموذجاً من هذه المناظرات. وفي هذه المناظرة يتمّ تعيين هشام بن الحكم بوصفه حكماً لإدارتها. (انظر: الطوسي، اختيار معرفة الرجال للكشّي: 548، تحقيق وتصحيح: المصطفوي، دانشگاه فردوسي، مشهد، 1348هـ).
([22]) يمكن الإشارة في هذا الشأن ـ على سبيل المثال ـ إلى: المجالس في التوحيد والمجالس في الإمامة لهشام بن الحكم (انظر: النجاشي، أسماء مصنِّفي الشيعة: 433)؛ أو مجالس مؤمن الطاق مع أبي حنيفة والمرجئة (انظر: المصدر السابق: 325)؛ أو تقرير مجالس الفضل بن شاذان مع المخالفين للإمامية من قبل ابن قتيبة (انظر: المصدر السابق: 259)؛ أو مجالس عليّ بن إسماعيل الميثمي (انظر: المصدر السابق: 251).
([23]) في ما يتعلّق بمناظرات هشام بن الحكم وانعكاسها في مصادر الشيعة، وحتّى أهل السنة، انظر: الأسعدي: 253 ـ 303؛ وبشأن مناظرات مؤمن الطاق انظر: الطوسي، اختيار معرفة الرجال للكشّي: 188 ـ 190، تحقيق وتصحيح: المصطفوي؛ الطبرسي، الاحتجاج 2: 378 ـ 380، نشر مرتضى، مشهد، 1403هـ؛ ابن شهرآشوب، المناقب 1: 235، مؤسسة انتشارات علامة، قم، 1379هـ.
([24]) انظر على سبيل المثال: المقدسي، البدء والتاريخ 1: 348 ـ 351، ترجمه إلى الفارسية: محمد رضا شفيعي كدكني، نشر آگه، طهران، 1374هـ؛ ابن قتيبة الدينوري، عيون الأخبار 2: 153 ـ 154، دار الكتب العربي، بيروت.
([25]) انظر: المقدسي، البدء والتاريخ 1: 348 ـ 351.
([26]) سوف نأتي على ذكر مصير هذه الكتب، وكيفية الوصول إليها.
([27]) وهذه الكتب الثلاثة هي: (التدبير في الإمامة)، و(المجالس في التوحيد)، و(المجالس في الإمامة). وقد رأى النجاشي أن الكتاب الأول عبارة عن مسائل قام عليّ بن منصور بجمعها من كلام هشام بن الحكم. (انظر: النجاشي، أسماء مصنِّفي الشيعة: 433). ومع ذلك فقد عمد في تعريف عليّ بن منصور إلى القول بأن عنوان هذا الكتاب هو (التدبير في الإمامة والتوحيد). (انظر: المصدر السابق: 250). ومن هنا فقد ذهب المدرسي في كتابه (التراث المكتوب) إلى الاعتقاد بأن هذه العناوين الثلاثة تعود إلى كتابٍ واحد، وقد عمد أحد تلاميذ هشام أو عددٌ من تلاميذه بجمعه، وقد اختار كل واحد منهم عنواناً مختلفاً. (انظر: المدرسي الطباطبائي، ميراث مكتوب شيعه أز سه قرن نخستين هجري: 321، ترجمه إلى الفارسية: رسول جعفريان وعلي قرائي، كتابخانه تخصّصي تاريخ إسلام وإيران، قم، 1383هـ.ش).
([28]) يمكن الإشارة ـ على سبيل المثال ـ إلى مجالس الإمام الرضا× (انظر: النجاشي، أسماء مصنّفي الشيعة: 37، 56)، أو غيره من الأئمة (انظر: المصدر السابق: 240)، مع الأديان والمذاهب الأخرى. وتوجد هذه المناظرات على شكل أحاديث أيضاً. وقد ورد ذكر بعض هذه المناظرات في كتاب الاحتجاج للطبرسي. وقد خصّص المجلسي مجلّداً كاملاً من موسوعة بحار الأنوار لهذا البحث (انظر: بحار الأنوار، ج10 بأكمله).
([29]) على الرغم من تأريخ وفاة الحسن بن محمد بن الحنفية بعام 95هـ، أو 99هـ (انظر: خديجة كثيري بيدهندي، الحسن بن محمد بن الحنفية، دانشنامه جهان إسلام 13: 320، تحت إشراف: غلام علي حداد عادل، بنياد دايرة المعارف إسلامي، طهران، 1388هـ.ش)، إلا أنه قد ألف رسالة الإرجاء ما بين عامي 73 ـ 75هـ تقريباً (انظر: وداد القاضي، الكيسانية في التاريخ والأدب: 14، دار الثقافة، بيروت، 1974م). وأصل هذه الرسالة قد طبعت من قبل جوزيف فان إس في مجلة عربيكا (انظر: جوزيف فان، إس، عربيكا 21: 20 ـ 52، 1974م)، ورسول جعفريان نقل عنه في مقالات تاريخية (انظر: جعفريان، مقالات تاريخي 10: 31 ـ 34، نشر الهادي، قم، 1380هـ.ش). وفي المقابل ذهب مايكل كوك إلى الاعتقاد بأن الأدلة المذكورة لتحديد تاريخ كتابة رسالة الإرجاء لا تكفي لإثبات هذا التاريخ، وربما عاد تاريخ تأليف هذه الرسالة إلى فترة لاحقة:
Cook, Michael (1981), Early muslim dogma: a source critical study, New York: Cambridge university press.
([30]) من بين الكتب المنسوبة إليه يمكن الإشارة إلى: كتاب إلى عبد الملك بن مروان في الردّ على القدرية، ورسالة حكايت قضا وقدر (باللغة الفارسية)، وشروط الإمامة، والأسماء الإدريسية، وكتاب الإخلاص، ونزول القرآن، وتفسير القرآن. (انظر: أكبر ثبوت، دانشنامه جهان إسلام 13: 286). وعلى الرغم من أن تاريخ وفاة الحسن البصري كان في عام 110هـ فإنّه إذا كانت نسبة الرسالة التي كتبها إلى عبد الملك بن مروان(86هـ) إليه صحيحة يمكن الاطمئنان إلى أن هذا الكتاب قد تمّ تأليفه قبل هذا التاريخ.
([31]) أبو حنيفة النعمان بن ثابت(150هـ): له مؤلَّفات في الفقه والكلام، ومن بينها الكتب التالية (في ما يتعلق بمؤلفاته ومضامين بعضها انظر: پاكتجي، دائرة المعارف بزرگ إسلامي 5: 403 ـ 406):
1ـ الكتب المطبوعة: العالم والمتعلّم (في موضوع الإيمان والعمل)، والفقه الأكبر (على الرغم من عنوانه الفقهي إلاّ أنه يحتوي على مجموعة من الرسائل الاعتقادية لأبي حنيفة)، ورسالة إلى عثمان البتي (حول نظرية الإرجاء)، والفقه الأبسط، والوصية، ووصية إلى تلميذه القاضي أبي يوسف.
2ـ الكتب المخطوطة: وصيّة إلى ابنه حمّاد، ووصيّة إلى يوسف بن خالد السمتي، ورسالة في الإيمان وتكفير مَنْ قال بخلق القرآن، ومجادلة لأحد الدهريين.
3ـ الكتب المفقودة: كتاب الرهن، والردّ على القدرية، ورسالة في نصرة قول أهل السنّة: إن الاستطاعة مع الفعل.
([32]) انظر: النجاشي، أسماء مصنّفي الشيعة: 175.
([33]) للوقوف على رأي زرارة الخاصّ في هذا الشأن، ومخالفة البعض له، انظر: الطوسي، اختيار معرفة الرجال للكشّي: 145 ـ 148، 168، تحقيق وتصحيح: المصطفوي. وكذلك في ما يتعلق بتقابل رأي هشام بن الحكم مع زرارة وأتباعه، وهم كلٌّ من: عبيد بن زرارة، ومحمد بن حكيم، وعبد الله بن بكير، وهشام بن سالم، ومؤمن الطاق، وحميد بن رباح، انظر: أبو الحسن الأشعري، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين: 42 ـ 43، تصحيح وتحقيق: هلموت رينر، فرانس شتاينر، ألمانيا، 1400هـ.
([34]) الاسم الكامل لهذه الرسالة هو (الردّ على المعتزلة في إمامة المفضول). انظر: الطوسي، الفهرست: 131.
([35]) بشأن عرض العقائد على الأئمة انظر: السيد محمد كاظم اليزدي الطباطبائي، مجموع مقالات مؤتمر السيد عبد العظيم الحسني 24: 195 ـ 244، دار الحديث، 1382هـ.ش.
([36]) انظر: الصدوق، التوحيد: 81، جماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم، ط2، قم، 1398هـ؛ وله أيضاً: كمال الدين وتمام النعمة، 379 ـ 380، دار الكتب الإسلامية، ط2، قم، 1395هـ.
([37]) في النـزاع المذهبي الذي وقع في عصر الشيخ الطوسي تعرَّضت مكتبة شاهبور بن أردشير وزير بهاء الدولة ـ التي كانت تعدّ من أضخم المكتبات في تلك الحقبة الزمنية؛ حيث تضم بين جدرانها عشرة آلاف كتاب (انظر: ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم 9: 200 ـ 201، تحقيق: سهيل زكّار، دار الفكر، بيروت، 1420هـ) لحرقٍ متعمَّد بالنار. كما تعرّض بيت الشيخ الطوسي ومكتبته الخاصة للنهب وإضرام النار فيها، وقد التهمت النيران الحاقدة حتّى منبر درسه أيضاً (انظر: ابن كثير، البداية والنهاية 12: 90، تحقيق: علي الشبيري، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1408هـ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ 6: 193، تحقيق: علي الشرمي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1408هـ)، الأمر الذي اضطرّه إلى التخفّي فترةً من الزمن؛ حفاظاً على حياته (انظر: الذهبي، سير أعلام النبلاء 13: 625، دار الفكر، ط1، بيروت، 1417هـ؛ ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان 6: 25، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1422هـ).
([38]) يروى أن ابن إدريس كان يمتلك بعضاً من هذه الكتب. (انظر: السيد محمد رضا الحسيني الجلالي، تدوين السنّة الشريفة: 188، مكتب الإعلام الإسلامي، قم، 1418هـ).
([39]) في ما يتعلّق باهتمام الشيعة بضبط الروايات وتدوينها في الكتب منذ عصر صدورها انظر: مقدمة جامع أحاديث الشيعة (السيد حسين البروجردي، جامع أحاديث الشيعة 1: 8، المطبعة العلمية، قم، 1399هـ.ش؛ وانظر أيضاً: حسن طارمي راد، مقالة: (پيشينه مكتوب منابع معتبر حديثي شيعه إماميه)، المقالة كاملة، مجموعة مقالات المؤتمر الدولي للكتاب والمكتبة في الحضارة الإسلامية، المجلد الأول، آستان قدس رضوي بنياد پژوهشهاي إسلامي، مشهد، 1379هـ.ش). وبشأن الوقوف على بعض الروايات المأثورة عن الأئمة في التأكيد على أهمّية كتابة الروايات والكتب انظر: السيد محمد رضا الحسيني الجلالي، تدوين السنّة الشريفة: 134 ـ 187.
([40]) طبقاً للشواهد المتوفّرة فإن أبا بكر قد سبق له أن سار على هذا النهج. (انظر: مجيد معارف، تاريخ عمومي حديث: 67 ـ 68، نشر كوير، طهران، 1381هـ.ش). وفي ما يتعلق بمخالفة عمر لرواية وكتابة الحديث انظر: المصدر السابق: 68 ـ 71.
([41]) على الرغم من وجود هذا المنع، إلاّ أن بعض الأصحاب كانوا يعارضون هذا المنع، وكانوا يواصلون رواية الحديث عن النبيّ الأكرم. (انظر: المصدر السابق: 197 ـ 254). ومع ذلك كانت أحاديث أهل السنّة في هذه الفترة تُروى بشكلٍ شفهي، ولم تجِدْ طريقها إلى الكتابة. وعلى الرغم من صعوبة تحديد الشخص الأول الذي بدأ تدوين أحاديث أهل السنّة، إلاّ أن الذي يمكن قوله باطمئنان هو أن هذه العملية قد بدأت في القرن الثاني الهجري (انظر: مجيد معارف، تاريخ عمومي حديث: 113 ـ 116). ويدّعي بعض أهل السنّة أن تاريخ كتابة الحديث يعود إلى ما قبل هذه المرحلة أيضاً. ومع ذلك فإن الموارد التي يذكرونها لا تمثّل مصداقاً لكتابة الحديث، بل هي استشهادات بعددٍ قليل من روايات النبيّ الأكرم| واردة عن بعض الصحابة في رسائلهم المحدودة. (انظر: حاكم عبيسان المطيري، تاريخ تدوين السنّة وشبهات المستشرقين: 46 ـ 50، جامعة الكويت، الكويت، 2002م).
([42]) حيث أمر عامله على المدينة المنوّرة بجمع أحاديث رسول الله|. (انظر: صحيح البخاري 1: 33، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1401هـ).
([43]) كان عبد الملك بن مروان من كبار فقهاء ومحدِّثي المدينة المنوّرة، وقد واصل رواية الحديث حتى في فترة حكمه أيضاً. (انظر: ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق 37: 111 ـ 113، دار الفكر، بيروت، 1416هـ). ويقال: إنه كان يكثر من مجالسة المحدّثين. (انظر: المصدر السابق: 114).
([44]) في ما يتعلّق بخبر الواحد واختلاف الإمامية عن أهل السنة في هذا الشأن انظر: حسن طارمي راد، مقالة (پيشينه مكتوب منابع معتبر حديثي شيعه إماميه): 163. (مصدر فارسي).
([45]) يمكن لنا أن نشير من بينها إلى الرواية القائلة: (اكتبوا؛ فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا)، أو (احتفظوا بكتبكم؛ فإنكم سوف تحتاجون إليها)، أو (القلب يتّكل على الكتابة). انظر: الكليني، أصول الكافي 1: 52.
([46]) ولكن مع ذلك قد نجد في بعض الموارد الخاصة أن أصحاب الفهارس من الإمامية، رغم تأييدهم للكتاب، يضعِّفون كاتبه، ولا يروون عنه شيئاً، دون أن يعود ذلك إلى إشكالٍ في النسخة، بل إلى الرؤية والموقف الذي يتّخذه المفهرس أو شيوخه من الروايات التي ينفرد بها ذلك الكاتب. ومن ذلك أن النجاشي ـ على سبيل المثال ـ في المدخل الخاصّ بجابر الجعفي، على الرغم من نقل كتبه وبيان طريقه إليها، يرى ضعف رواة كتب جابر، ويؤيِّد كلام الشيخ المفيد بأن جابراً كان مختلطاً (انظر: النجاشي، أسماء مصنّفي الشيعة: 128). كما يمكن الإشارة مثلاً إلى موقفه من المفضَّل بن عمر (انظر: المصدر السابق: 416)، ومعلّى بن خنيس (انظر: المصدر السابق: 417)، والحسن بن عباس بن الحريش الرازي (انظر: المصدر السابق: 60 ـ 61)، أيضاً. ففي هذه الموارد يعمل النجاشي على تأييد كتب هؤلاء الأشخاص على مستوى دراسة النسخ، ولكنه في الوقت نفسه؛ ولأسبابٍ أخرى ـ من قبيل: رؤيته أو رؤية شيوخه الكلامية ـ، لا يروي شيئاً منها.
([47]) انظر بشأن الفهارس عند الإمامية: حسن طارمي راد، مقالة (پيشينه مكتوب منابع معتبر حديثي شيعه إماميه)، المقالة كاملة.
([48]) يمكن الإشارة ـ على سبيل المثال ـ إلى الكتب الواردة بشأن أشخاصٍ من أمثال: هشام بن الحكم (انظر: النجاشي، أسماء مصنّفي الشيعة: 433)، ومؤمن الطاق (انظر: المصدر السابق: 325 ـ 326)، وزرارة بن أعين (انظر: المصدر السابق: 175). وعلى الرغم من طبيعة كتب هؤلاء الأشخاص الكلامية والعقلية، إلا أنها مع ذلك تنقل في كتب الفهارس، حيث تصل إلى أصحابها من طريق سلسلة الأسانيد.
([49]) وربما لا يكون النجاشي ـ بطبيعة الحال ـ قد قرأ بنفسه جميع تلك الكتب، ولكنّه سمع بها من شيوخه الذين يمثِّلون سلسلة إسناده إلى تلك الكتب أو الرسائل.
([50]) انظر: النجاشي، أسماء مصنّفي الشيعة: 433.
([51]) من ذلك ـ مثلاً ـ أن الكليني ينقل في باب حدوث العالم جانباً من استدلال هشام بن الحكم على حدوث العالم. ويتّضح من عبارة الكليني أن هشام بن الحكم قد أخذ هذا الكلام عن الإمام الصادق×. (انظر: الكليني، أصول الكافي 1: 80 ـ 81).
([52]) انظر: مهدي خداميان آراني، فهارس الشيعة، نشر كتاب شناسي شيعه، قم، 1389هـ.ش (مصدر فارسي).
([53]) انظر: الشيخ المفيد، العيون والمحاسن: 28، 49 ـ 50، 90، 1413هـ.