مقدّمة
تحوّل النصّ الشرعي منطلقاً لكلّ الجهود الفكرية والعقدية للمسلمين، وقطب الرحى الذي تدور حوله مختلف الدراسات والبحوث. نحاول في هذه المقالة أن نطرح مشاريع القراءات الجديدة للنصّ القرآني. ونركز على الإشكال في المنهج الذي كانت تصدر منه هذه القراءات الحديثة للنصّ القرآني، والسياقات التاريخية والثقافية والحضارية التي رافقت هذه المناهج في نشأتها وتطوّرها، وكذا في المرجعيات الفلسفية التي منها خرجت هذه المناهج، والتي كانت توجّه هذه القراءات، وإبراز الفوارق والتقاطعات بين ما كان سائداً من مناهج في تفسير القرآن الكريم وما حملته هذه المناهج من توجّهات جديدة غير معهودة في تفسير النصوص، واختيارات حديثة في مجال قراءة وفهم النصّ القرآني.
ومما يميِّز هذه المناهج في قراءتها للنصّ هو سعيها نحو إحداث قطيعة معرفية كلية مع كلّ القراءات التراثية للنصّ القرآني، والتي جسّدتها كتب المفسِّرين القدماء، وجهودهم المتمثِّلة في خدمتهم للنصّ القرآني تحقيقاً وبياناً، والتي كانت تحتكم إلى الضوابط والمناهج العلمية، وتخضع للشروط الموضوعية للتفسير؛ من أجل التلقي السليم لمعاني القرآن الكريم.
بيان المسألة
القراءات الحديثة للنصوص ودخلها في عملية فهم النصّ القرآني مطلبٌ نحاول تلمُّس أبعاده عند أصحاب القراءات الحديثة؛ لنتمكّن من الردّ على دعواهم في إخضاع القرآن لمطرقة النقد الألسني، التي استوردوها من العالم الغربي؛ ليتبين موقف العقل والشرع من مشروعهم. هذا هو الموضوع الذي نحاول مناقشته في هذه الرسالة؛ وذلك لعدم وجود علمٍ مستقلٍّ يبحث حول مسائل تعدُّد القراءات للنصّ، وخصوصاً (النصّ القرآني)، ولكن هناك قضايا مبثوثةٌ في فروع العلوم في العالم الإسلامي.
المبحث الأوّل: كلّيات
المحور الأوّل: تعريف (تعدُّد القراءات للنصّ)، لغةً واصطلاحاً
التعدُّد لغةً
العَدُّ: إِحْصاءُ الشيءِ، عَدَّه يَعُدُّه عَدّاً وتَعْداداً وعَدَّةً([1]). والتعدُّد: مصدرٌ صناعي مؤنّث.
معنى التعدُّد: في معجم المعاني الجامع: تعدَّدَ، يَتَعدَّد، تعدُّداً، فهو مُتعدِّد. تَعَدَّدَتِ الآرَاءُ حَوْلَ الْمَوْضُوعِ: كَثُرَتْ، تَنَوَّعَتْ.
والتعدُّد مصدر تَعَدَّدَ: عدَّدَ، يعدِّد، تعديداً، فهو مُعدِّد.
ويدلّ المصطلح على اشتراك عدّة أطراف في شيءٍ ما([2]).
القراءات لغةً
قرأ قَرْءاً وقِراءَةً وقُرآناً، فهو مَقْرُوءٌ.
القراءة: صوت النطق بالكلام المكتوب. قرأ، يقرأ، اسمه المفعول مقروء. قِرَاءةُ الكُتُبِ: تِلاَوَتُهَا وتتبع كلماتها، والنظر في حروفها([3]).
مصطلح (تعدُّد القراءات) جديدٌ؛ لذا لم نجده في كتب اللغة. استخدمه أصحاب الحداثة بمعنى وجود عدّة أنواع من الواقع والحقيقة، ووجوب قبولها جميعاً. وقد عرّفها طه عبد الرحمن بأنها العلم الذي ينظر في أصول المعاني وأزمانها وأطوارها، وإنْ شئتَ قلتَ: تاريخها. ولم يفُتْ اللغويين العرب والمسلمين الوَعْي بدَوْر هذه الدلالة، ووضعوا لها اسم (المعنى اللغوي)([4]).
النصّ لغةً
النصّ في اللغة معناه ظهور الشيء، نصّه أي منتهاه.
قول الفقهاء: نصُّ القرآن ونصّ السنّة أي ما دلّ ظاهر لفظهما عليه من الأحكام([5]).
النصّ اصطلاحاً
ما لا يحتمل إلاّ معنىً واحداً؛ وقيل: ما لا يحتمل التأويل؛ وقيل: هو ما زاد وضوحاً على الظاهر لمعنىً في المتكلم، وهو سوق الكلام لأجل المعنى([6]).
النصّ الشرعي: هو الكلام الصادر من المشرِّع الإسلامي؛ لبيان التشريع، كما يستخدمه الفقهاء([7]).
تعدُّد القراءات للنصّ اصطلاحاً
علم تعدُّد القراءات فنٌّ يرتبط بتبيين منهج وقواعد الفهم، وقد كان يهتمّ في بداية ظهوره بفهم النصوص المكتوبة والمعقّدة، وخاصّة النصوص الدينية.
فالقراءة المعاصرة هي استخدام نظريات حديثة جديدة في قراءة النصّ الشرعي، سُمِّيت بذلك تمهيداً لأن يكون في كلّ عصرٍ قراءة جديدة للنصّ الشرعي، اصطلح عليها بالهرمنوطيقا.
والمقصود بتعدُّد القراءات (في هذه المقالة) هو إخضاع القرآن الكريم إلى هذه المناهج، ممّا يجعله نصّاً مفتوحاً على جميع التأويلات، وتتعدّد تأويلاته بتعدُّد قراءاته، فما كان مفهوماً من النصّ الشرعي في القرن الأول على وجهٍ لا مانع من إعادة تأويله حَسْب مقتضيات البيئة الثقافية ومتغيِّرات الحضارة، وعلى ضوء هذا يبدأ التشريع لدينٍ جديد في العقائد والأحكام، وإلغاء فهم السابقين للنصوص الدينية([8]).
المحور الثاني: السياق التاريخي
في بدايات القرن العشرين، ومع احتدام التنافس بين الحضارة العربية والغربية، بدأت محاولات العلماء والمفكِّرين لإعادة قراءة التراث العربي الإسلامي، وطرح مشاريع فكرية للنهوض بالأمة، والانفكاك من قيد الحضارة الغربية، ومحاولاتهم التوفيق بين النص الشرعي وبعض المنتجات الفكرية الغربية([9]).
في أوائل الخمسينات بدأت موجة من المشاريع للتعامل مع النصّ الشرعي، ومع هذه الموجة ظهرت منهجية قراءة النصّ الشرعي بواسطة المناهج الحديثة في القرآن الكريم.
وفي أواخر الستينيات، وبعد النكسة العربية، اتّجهت جمهرة من المثقفين العرب إلى إعادة قراءة التراث، ممّا شكَّل ما يشبه الظاهرة.
هذه الظاهرة تتكوَّن من عدة تيارات:
أـ منها ما كانت قراءته على ضفاف النصّ الديني، ولم تتعامل مع النصّ الديني مباشرة، كالجابري والعروي وحسين مروة وجورج طرابيشي.
ب ـ ومنها تيارات أخرى كان مجال قراءتها النصوص الدينية نفسها، وهي على قسمين([10]).
1ـ ما كانت قراءته ضمن المنهج الإسلامي المعروف، اعتماداً على التأويل.
2ـ ما كانت قراءتهم تستمد آلياتها من خارج النطاق الإسلامي للاجتهاد، وذلك في الاعتماد على مناهج حديثة في قراءتها للنصّ، ومنهم: محمد أركون، عبد المجيد الشرفي، حسن حنفي، نصر حامد أبو زيد، الطيب التيزيني.
المحور الثالث: دخول القراءات إلى النصّ القرآني
المرحلة الأولى: وهي التي بدأت مع الشيخ محمد عبده، حيث شهدنا ممارسة فعلية للتفسير والتأويل، مستفيدة من معطيات العصر. وكان محمد عبده قد نعى على العلماء عدم الاستفادة من العلوم الغربية الحديثة([11]). امتداد ذلك لاحقاً مع طنطاوي جوهريّ في تفسيره الجواهر([12])، وهو تفسير يبرهن فيه أن كل العلوم في الغرب موجودة في القرآن([13])؛ ثمّ مع أبي زيد الدمنهوري في كتابه الهداية والعرفان في تفسير القرآن بالقرآن، والذي خَلُص فيه إلى استنطاق القرآن بما يتلاءم مع أفكار العالم المعاصر([14]).
تتميَّز هذه المرحلة ـ التي امتدّت إلى أواخر السبعينيات ـ بعدّة خصائص:
1ـ فهي لم تخرج عن مناهج التفسير التقليدية، ولهذا لم تتجاوز التأويلات «الإجرائية»، التي تناولت بعض الآيات بما يتلاءم مع مقولات العصر الشائعة، حتّى لو خرقت تلك التأويلات الأُطُر المنهجية التقليدية في التفسير. بل إننا نجد في هذه المرحلة كيف وصل التفسير إلى «مجرّد» تأمُّلات تتّسم بالبساطة والسذاجة أحياناً.
2ـ الاجتزاء يبدو ظاهرةً واضحة، حيث لا يتمّ التأويل «المعاصر» إلاّ في تلك الآيات المتعلّقة بالإشكالات الفكرية المعاصرة، أو تلك التي يشتبه بها في استنطاق الاكتشافات الحديثة!
ونظراً لاحتكام التفسير التأويل ـ في هذه المرحلة ـ إلى المناهج التقليدية في التفسير فقد ظلّ مصطلح التفسير مهيمناً كاسمٍ لهذه العملية التأويلية. ولارتباطها بالعصر كان من الطبيعي أن يبرز مصطلح «التفسير العصري» أو «المعاصر» تعبيراً عنها.
المرحلة الثانية: بداية استخدام مصطلح القراءة نفسه، الذي يشير إلى مصادر منهجيّة معاصرة، هي: مناهج النقد الأدبي واللسانيات الحديثة. فنحن هنا إذن أمام استخدام لـ «مناهج» و«أدوات» جديدة في دراسة القرآن، نستطيع أن نقدِّر بدايته في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، حيث كانت المناهج الأدبية واللسانية قد أخذت حضورها ـ إلى جانب الدراسات الأخرى ـ في العالم العربي، وبدأت تتسرَّب إلى كلّ شيء([15]). وفي الثمانينيّات ظهرت محاولة أركون في «قراءة» التراث الإسلامي، وتأويل النصّ الديني. ويعتبر أركون أكثر مَنْ توسَّع في استخدام المناهج الحديثة، وخصوصاً اللسانية. وحاول حسن حنفي أن يؤسِّس لتفسيرٍ معاصر اعتماداً على معطيات العصر المنهجية. ثم اعتمد محمد شحرور، في «الكتاب والقرآن، قراءةٌ معاصرة»([16])، على خليطٍ من البنيوية والتاريخية. وطرح نصر حامد أبو زيد في «مفهوم النّص» منهجه القائم على التأويلية، من خلال نقد تراث علوم القرآن… وغيرهم([17]).
المبحث الثاني: القراءات، وأسباب ظهورها
المحور الأوّل: مفهوم القراءة عند الحداثيين
لقد أصبح من الصعب الإمساك بمفهوم القراءة في الكتابات الحداثية؛ ذلك أن هذا المصطلح، كما يقول علي حرب، وهو أحد رموز القراءات المعاصرة، «بات يشمل أيّ معطىً كان، ويتصدّر مفردات الخطاب المتعلّقة بالفهم والتشخيص أو التقييم والتقدير»([18]). وقد احتفى الحداثيون كثيراً بهذا المصطلح، الذي حرَّر فكرهم من جميع القيود المنهجية، ليحلق طليقاً في جوّ التخمينات والشطحات، وربط كلّ ذلك بالقرآن الكريم. لهذا كان مصطلحا (التفسير) و(التأويل) بالنسبة لعبد المجيد الشرفي لا يعبِّران عن الدلالات اللامتناهية للنصّ القرآني، فوجب تجاوزهما إلى مصطلح القراءة، عبَّر عن هذا بقوله: «لئن آثرنا تجاوز مصطلحي التفسير والتأويل إلى استعمال مصطلح القراءة فلأن التعامل مع «النصّ التأسيسي»([19]) يحتمل نظرياً بحكم أزليته عدداً لا متناهياً من المعاني، فسمة الإطلاق فيه تجعله يستوعب قراءات»([20]). أما تطبيقها على نصٍّ دينيّ، كالقرآن الكريم، فيعني أنه لا يجوز أن يدرس على أنه كتاب الله، بل يجب أن ندرسه بغضّ النظر عن صاحبه، يجب أن ننسى القداسة التي يستمدّها من كونه إلهياً. والنتيجة هي مساواته بكلّ النصوص، أي أنسنته. ثم إن جعل معنى النصّ هو ما فهمه القارئ ـ حَسْب نظرية التلقّي ـ يعني أن تفسير الرسول أو ابن عبّاس أو أيّ رجلٍ على قارعة الطريق كلُّ ذلك سواءٌ.
لذلك تجد أصحاب هذا الاتجاه عندما يُحاصَرون بدلالات الآيات التي يقتضيها التفسير بالمنهج العلمي يقولون: هذا فهم الطبري؛ والآخر فهم القرطبي؛ وهذا تأويلي أنا. وإذا أصبح لكلّ واحدٍ فهمه صار عندنا مليار وخمسمائة تفسير للقرآن، وهذا يقتضي أنه ليس هناك مفسِّر كبير وجاهل بالتفسير، كلٌّ له السلطة في فهم ما يريد بالكيفية التي يريد، بمعنى أن وقت التفسير الكلاسيكي للمعنى اللغوي أو شأن النزول قد انتهى، وليس هناك في ظلّ نظرية التلقّي إلاّ القراءات.
ولقد حارب المفسِّرون القدامى مثل هذه الفكرة الفوضوية؛ لأن التفسير لا يفترض تغييب ذاتية المفسِّر، بل لقد ذكر السيوطي أن الشرط الخامس عشر من شروط المفسِّر هو علم الموهبة([21]).
كما أنه ليس في الفكر الإسلامي فئةٌ تحتكر التفسير، ولكنْ هناك ضوابط لا يُفسِّر القرآن إلاّ مَنْ امتلكها والتزمها، وشروطٌ لا يُقْدِم على القول في القرآن إلا مَنْ توفَّرت فيه، وبالتالي فهناك مفسِّر ومفسَّر له؛ لوجود مَنْ يمتلك هذه الضوابط ومَنْ لا يمتلكها. مضافاً إلى الحدود المنطقية التي لا يمكن تجاوزها، بل لا بُدَّ من اعتبارها في جميع أنواع النصوص، كلغة النصّ([22]) ومؤلِّفه؛ لأن أيّ نصٍّ ـ كما يقول الدكتور أحمد الريسوني ـ أو مفردة يختلف تفسيره ودلالته إذا ما عُرف صاحبه، فصاحب النصّ وسياقه، ثمّ ألفاظ النصّ وبناؤه، هي أمور لا يمكن إسقاطها، وفي حال أُسقطت فإن النصّ يسقط([23]). وقد يستند أنصار نظرية التلقّي إلى دعوة القرآن إلى تدبُّر آياته.
المحور الثاني: أسباب ظهور القراءات
1ـ ظاهرة الاستشراق
الدراسات الاستشراقية ساهمت بشكلٍ كبير في ظهور هذا النوع من القراءات؛ فالاتجاه التأويلي في نقد الكتاب المقدّس تأثّر بحركة الاستشراق في دعواها القائلة ببشرية النصّ القرآني. ومن رموز هذا التوجُّه المستشرقان: نولدكه؛ وبلاشير، اللذان عملوا في مؤلَّفاتهم على تحقيق هذا الهدف. وعلى الرغم من اختلاف مناهج المستشرقين في التعامل مع القرآن الكريم فإن المسعى المشترك الذي يجمعهم هو سعيهم نحو رفع مصدرية القرآن، والتعامل معه من حيث هو نتاج بشري خاضع لعاملَيْ الزمان والمكان، وليس هو وحياً وخطاباً ربّانياً جاء للهداية البشرية.
2ـ اختلاف وجهات النظر في مسألة أصالة النصّ أو القارئ
طُرحت آراء عديدة في تجلّي منزلة كلٍّ من: المؤلِّف والنصّ والمفسِّر في الفهم والتفسير؛ حيث أعطى بعضهم للمؤلِّف دَوْراً أساسياً، وجعل هدف المؤلِّف وشخصيّته ميزاناً لفهم وتفسير النصّ؛ فيما ذهب آخرون إلى القول بأصالة النصّ ومركزيّته؛ وصرّح فريقٌ ثالث بأنّ الأصالة والمحوريّة في فهم النصّ تعود إلى المخاطَب أو مفسِّر النصّ. ولعلّ هذا الأمر أحد العوامل الأساسيّة للنزعة النسبيّة في تفسير النصوص([24]).
3ـ الاصطدام العقدي المسيحي
عند تدوين الإنجيل المنقول شفوياً عن طريق الكتابة وُجد تباعدٌ لغوي بين الكلمة في أصل وضعها والاستعمال الجديد. والاعتقاد بوجود معنىً خفيٍّ وراء المعنى السطحي، وانعدام الثقة في القراءة الوحيدة للإنجيل([25])، أدّى إلى ظهور هذا الاتجاه في الفهم والتفسير. وبذلك شعروا بحاجةٍ ملحّة لمنهج يتضمّن قواعد معيّنة لتفسّر الكتاب المقدّس.
كانت هذه أسباب تعدُّد قراءات النصوص المقدّسة عامّة. وهناك أسباب لتعدُّد القراءات في النصّ القرآني خاصّة، إليك بعضها:
1ـ طبيعة عملية فهم النصّ القرآني
الكتاب الكريم (القرآن) عربيّ ومبين، يطرح نفسه رسالة تغطي الماضي والمستقبل حتّى نهاية التاريخ الوجودي للبشر في هذه الدنيا (يوم القيامة). وهذا يقتضي من المسلم مساءلته دائماً وأبداً؛ لأن فيه قدرة على المعاصرة، أي أن يكون له معنىً راهنٌ يتطلّب من العصر ذاته مساءلته وامتحانه باستمرارٍ؛ لأن العصر ليس إلا المعرفة الجديدة وتجلّياتها. بهذا المعنى فإن المعرفة الجديدة هي التي يمكن أن تتحقّق من معاصرة القرآن، وقدرته على مواجهتها أو التفاعل معها يمكن أن يقدّم تصوّرات جديدة لم نكن قادرين على رؤيتها؛ لأن أفقنا الثقافي والمعرفي كان أقلّ. من هنا تأتي أهمّية تطوّر وسائل استكشاف معاني القرآن وتأويلاته التي سألت عنها.
2ـ تطوّر علم التفسير، وآلياته
إن المسار من «التفسير التقليدي» إلى «القراءة المعاصرة» مرَّ عبر مرحلةٍ وسيطة، وهي التفسير المعاصر([26]).
فقد كان التفسير التقليدي يعتمد على نَسَقٍ ثقافي ومعرفي ينتمي إلى الحضارة الإسلامية، فهو تفسيرٌ لا تدخله أيّ معارف جديدة. وهذا يفسِّر استمرار حضور التاريخ الفكري المذهبي الذي لا يتّصل منهجياً بالمعرفة الغربية الحديثة أو المعاصرة. ثمّ صار يتطوَّر بمناهجه، حتّى وصل الى «التفسير العصري»، الذي وُلد بتأثير استعارة من نتائج المعرفة الغربية الحديثة، ويعود تاريخياً إلى المدرسة الإصلاحية (جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده)، لكنّه ما اكتسب اسم المعاصرة حتّى جاء «مصطفى محمود» (في مصر) بمنهج «التفسير العصري» في السبعينيات من القرن المنصرم، ثمّ تطوّرت التأويلات لتصل إلى «القراءة المعاصرة»، فهي شيءٌ جديد كلّياً، جديد على مستوى الأدوات والمناهج؛ إذ يحيلنا مصطلح «القراءة» إلى اللسانيات الحديثة، واللسانيات هي في المحصّلة مناهج ونظريات تمثِّل بمجموعها أدوات بحث، يضاف إلى هذه الأدوات تصوّر جديد للعالم، ليس هو التصوّر الذي وُجد في «التفسير العصري»، بل هو تصوّر راهن، متأثِّر بحصيلة التصوّر الغربي وحداثته للعالم، كما انتهى إليه اليوم. تعود بدايات ظهور القراءة المعاصرة إلى الأربعينيات مع «مدرسة الأمناء» في مصر، وقد يكون للكاتب السوري محمد شحرور دَوْرٌ في ايجاد مصطلح «القراءة المعاصرة»، نظراً لما أثارته قراءته من ضجيجٍ([27]).
المبحث الثالث: القراءات الحديثة
المحور الأوّل: منهج القراءات الحديثة
القراءات الحداثية لآيات القرآن تحقّق قطيعةً معرفية بينها وبين القراءات التراثية، التي هي على نوعين: أحدهما: القراءات التي قام بها المتقدّمون، مفسِّرين كانوا أو فقهاء أو متكلِّمين؛ والثاني: القراءات التجديدية الحديثة التي قام بها المتأخِّرون، إصلاحيين كانوا أو أصوليين أو إسلاميين.
اتّبعت القراءات المعاصرة استراتيجيات انتقادية للقراءات القديمة والمتأخّرة، تتكوّن من ثلاثة عناصر:
أـ الهدف النقدي الذي تقصد تحقيقه.
ب ـ الآلية التنسيقية التي توصل إلى هذا الهدف.
ج ـ العمليات المنهجية التي يتمّ التنسيق بينها للوصول إلى الهدف.
إن الهدف الذي تسعى إلى بلوغه كلّ واحدة من هذه الخطط النقدية يقتضي إزالة عائق اعتقادي معين، ونستعرض في ما يلي الخطط التي اعتمدتها القراءات الحديثة للنصّ:
1ـ خطّة التأنيس أو الأنسنة
تجسد خطّة التأنيس (أو الأنسنة)([28]) الخطّة الأولى التي تنبني عليها القراءة الحداثية، وتستهدف رفع عائق القدسية. ويتمثَّل هذا العائق في الاعتقاد بأن القرآن كلام مقدّس. وآلية هذه الخطّة في إزالة هذا العائق هي نقل الآيات القرآنية من الوضع الإلهي إلى الوضع البشري. ويتمّ هذا النقل إلى الوضع البشري بواسطة عمليات منهجية خاصّة، نذكر منها ما يلي:
ـ حذف عبارات التعظيم، وذلك عبر حذف العبارات التي يستعملها جمهور المؤمنين في تعظيمهم لكتاب الله، مثل: القرآن الكريم، أو القرآن العزيز،…إلخ.
ـ استبدال مصطلحات جديدة بأخرى مقرّرة، حيث يعمد القارئ الحداثي إلى استعمال مصطلحات يضعها من عنده مكان مصطلحات متداولة، كأنْ يستعمل مصطلح الخطاب النبوي مكان مصطلح الخطاب الإلهي، ومصطلح الظاهرة القرآنية مكـان مصطلح نزول القرآن.
ـ التسوية في رتبة الاستشهاد بالقول، وذلك عبر قيام القارئ الحداثي بتنزيل الأقوال البشرية منزلة الآيات القرآنية في الاستشهاد، كأنْ يصدّر فصول كتبه بآيات قرآنية، مقرونة بأقوالٍ لدارسين من غير المسلمين، بل غير مؤمنين.
ـ التفريق بين مستويات مختلفة في الخطاب الإلهي، عبر تفريق القارئ الحداثي بين الوحي والتنزيل، ويفرّق بين الوحي والمصحف، كما يفرّق بين القرآن والمصحف، ويفرّق بين القرآن الشفوي والقرآن المكتوب.
ـ المقارنة بين القرآن والنبي عيسى×، حيث يرى القارئ الحداثي أنه كما تجسّدت كلمة الله في عيسى ابن مريم فكذلك كلام الله تجسّد في القرآن. وعلى هذا لما كان المسلمون ينفون عن السيد المسيح الطبيعة الإلهية، ويثبتون له الطبيعة الإنسانية، فقد وجب عليهم، حَسْب ظنّه، أن ينفوا عن القرآن الطبيعة الإلهية، ويثبتوا له الطبيعة البشرية.
والحال أن تطبيق هكذا عمليات منهجية تأسيسية يؤدّي إلى جعل القرآن نصّاً لغوياً، مثله مثل أيّ نصٍّ بشري، فينتج ما يلي:
ـ السياق الثقافي للنصّ القرآني؛ فالنصّ القرآني عبارة عن نصٍّ تمّ إنتاجه وفقاً لقوانين الثقافة التي تنتمي إليها لغته، ولا يمكن أن يفهم أو يفسّر إلاّ بالرجوع إلى نظام هذه الثقافة.
ـ الوضع الإشكالي للنصّ القرآني. ومعلومٌ أن النصّ القرآني نصٌّ إجمالي وإشكالي، ينفتح على احتمالاتٍ متعدّدة، ويقبل تأويلات غير متناهية. ولا ميزة لتأويلٍ على غيره، فضلاً عن أن يدّعي أحدها حيازة الحقيقة أو الانفراد بها.
ـ استقلال النصّ القرآني عن مصدره؛ حيث ينفصل النصّ القرآني عن مصدره المتعالي، ويرتبط كلّياً بالقارئ الإنساني. لذلك لا يقين في إدراك المقاصد الحقيقية للمتكلِّم المتعالي، ولا داعي لطلب المدلول الأصلي لكلامه. وكلّ ما يقتنصه القارئ من النصّ القرآني إنما هو حصيلة الاستنطاق الذي يمارسه عليه، من خلال مرجعيته الثقافية، وخلفيته المعرفية، ووضعيته الاجتماعية والسياسية.
ـ عدم اكتمال النصّ القرآني؛ لأنه يبدو نصّاً غير مكتمل؛ إذ إنه لا يرفع احتمال وجود نقصٍ فيه، يتمثَّل في حذف كلامٍ منسوب إلى المصدر الإلهي، كما لا يرفع احتمال وجود زيادةٍ فيه، تتمثَّل في إضافة كلامٍ منسوب إلى مصدرٍ غير إلهي.
2ـ خطّة التعقيل أو العقلنة
لهذه الخطّة آلياتها، التي تقتضي هيمنة العقل، وتستهدف رفع عائق الغيبية. ويتمثَّل هذا العائق في الاعتقاد بأن القرآن وحيٌ ورد من عالم الغيب. وآلية هذه الخطّة في إزالة هذا العائق هي التعامل مع الآيات القرآنية بكلّ وسائل النظر التي توفّرها المنهجيات والنظريات الحديثة. ويتمّ هذا التعامل بواسطة عمليات منهجية خاصّة، نذكر منها ما يلي:
ـ نقد علوم القرآن، حيث اشتغل القارئ الحداثي بنقد علوم القرآن على أساس أن هذه العلوم النقلية أصبحت تشكّل وسائط معرفية متحجّرة، تصرفنا عن الرجوع إلى النصّ القرآني ذاته، كما أنها تحول دون أن نقرأ هذا النصّ قراءةً تأخذ بأسباب النظر العقلي الصريح.
ـ التوسُّل بالمناهج المقرّرة في علوم الأديان. فقد تمّ نقل مناهج علوم الأديان التي اتّبعت في تحليل ونقد التوراة والأناجيل إلى مجال الدراسات القرآنية، ومنها: علم مقارنة الأديان، وعلم تاريخ الأديان، وتاريخ التفسير، وتاريخ اللاهوت.
ـ التوسُّل بالمناهج المقرّرة في علوم الإنسان والمجتمع، وذلك عبر إنزال مختلف مناهج علوم الإنسان والمجتمع على النصّ القرآني، ولا سيَّما اللسانيات وعلم التاريخ وعلم الاجتماع.
ـ استخدام كلّ النظريات النقدية والفلسفية المستحدثة، التي تسارع ظهورها في الساحة الأدبية والفكرية، متمثِّلة في الجَدَليات والبنيويات والتأويليات والحفريات والتفكيكيات.
ـ وأخيراً إطلاق سلطة العقل، عندما قرّر القارئ الحداثي أنه لا آية قرآنية تمتنع على اجتهاد العقل، ولا آفاق مخصوصة لا يمكن أن يستطلعها. وتتلخَّص تبعات عقلنة الاتجاهات الجديدة في النقد الأدبي وتحليل الخطاب في النقاط التالية:
ـ تغيير مفهوم الوحي، حيث يرى القارئ الحداثي أن مفهوم الوحي المتداول والموروث عن التصوّر الديني التقليدي لم يعُدْ من الممكن قبوله، وينبغي أن نستبدل به مفهوماً تأويلياً يسوغه العقل، صارفاً عن الوحي ما لا يعقل من الأساطير والطقوس التي تقترن به، مكتفياً بجانبه المعنوي.
ـ عدم أفضلية القرآن، حيث يقرِّر الحداثي أن ما ثبت من الأوصاف والأحكام والحقائق بصدد الكتابين المقدّسين، أي التوراة والإنجيل، يثبت أيضاً بصدد القرآن، بحيث لا سبيل إلى ادّعاء أفضليته عليهما.
ـ عدم اتّساق النصّ القرآني. فالحداثي يرى أن سور القرآن وآياته وموضوعاته وردت بترتيبٍ يخلو من الاتّساق المنطقي، كما يخلو من الاتّساق التاريخي.
ـ غلبة الاستعارة في النصّ القرآني، حيث يلاحظ الحداثي أن المجازات والاستعارات تطغى في النصّ القرآني على الأدلة والبراهين. ويستنتج من ذلك أن العقل الذي ينبني عليه هذا النصّ هو أقرب إلى العقل القصصي الأسطوري منه إلى العقل الاستدلالي المنطقي، نظراً إلى أن إدراكاته العقلية لا تنفصل عن الخيال والوجدان.
ـ تجاوز الآيات المصادمة للعقل، حيث يقرّر الحداثي أن كلّ ما يصادم العقل في النصّ القرآني من حقائق أو وقائع لا يعدو كونه شواهد تاريخية على طورٍ من أطوار الوعي الإنساني، وقد تمّ الآن تجاوزه.
3ـ خطّة التأريخ أو الأرخنة
خطّة التأريخ (أو الأرخنة)([29]). وتستهدف رفع عائق الاعتقاد بأن القرآن جاء بأحكامٍ ثابتة وأزلية. وآلية هذه الخطّة في إزالة هذا العائق هي وصل الآيات بظروف بيئتها وزمنها وبسياقاتها المختلفة. ويتمّ هذا الوصل بواسطة عمليات منهجية خاصّة، نورد منها ما يلي:
ـ توظيف المسائل التاريخية المسلّم بها في تفسير القرآن. فهناك مسائل اشتغل بها قدماء المفسِّرين تكشف عن دخول التاريخية على آيات الأحكام، وهي مسألة أسباب النزول، ومسألة الناسخ والمنسوخ، ومسألة المحكم والمتشابه، ومسألة المكّي والمدني، ومسألة التنجيم. فلقد وجد أهل القراءة الحداثية في هذه المسائل أدلّةً واضحة وأسباباً قوية لتعميق الوعي بالبُعْد التاريخي الجَدَلي للآيات القرآنية، وتحصيل المشروعية لممارسة النقد التاريخي على هذه الآيات.
ـ تغميض مفهوم الحكم، عبر فصل القرّاء الحداثيين بين الحكم وبين القاعدة القانونية.
ـ تقليل عدد آيات الأحكام؛ إذ يرى القرّاء الحداثيون أن آيات الأحكام، التي لا تمثِّل إلاّ نسبةً محدودة من جملة الآيات القرآنية، تبقى متأثِّرة بالأحوال والأوقات الخاصّة التي نزلت فيها، حتّى أنهم دعَوْا إلى الاقتصار على أقلّ عددٍ ممكن من هذه الآيات.
ـ إضفاء النسبية على آيات الأحكام، حيث يقرّرون أن آيات الأحكام لا تحيل على أسباب نزولها، متعلّقة معانيها بهذه الأسباب فحَسْب، بل إنها تحيل أيضاً على تاريخ تفسيراتها المتعدّدة.
ـ تعميم الصفة التاريخية على العقيدة عندما يذهب أهل القراءة الحداثية إلى أن التاريخية لا تدخل على آيات الحدود والقصاص والمعاملات فقط، بل تدخل أيضاً على آيات العبادات. إذا كانت خطّة التأنيس تسقطنا في المماثلة اللغوية، وخطّة التعقيل تسقطنا في المماثلة الدينية، فإننا نسقط في المماثلة التاريخية مع خطّة التأريخ، عبر جعل القرآن مجرّد نصوص تاريخية، مثله مثل أيّ نصوص تاريخية أخرى، وتترتّب على هذه المماثلة النتائج التالية:
ـ إبطال المسلَّمة القائلة بأن القرآن فيه بيان كلّ شيء. فأهل القراءة الحداثية يرَوْن، مضافاً إلى كون عدد آيات الأحكام ضئيلاً جدّاً بالمقارنة بغيرها، أن كثيراً منها جاء خاصّاً أو مقيّداً؛ إذ ارتبط بأشخاص أو بحوادث أو بأحوال أو بظروف يؤدّي ذهابها إلى إسقاط العمل به.
ـ تصبح آيات الأحكام نازلةً منزلة توجيهات لا إلزام معها، فلا تعدو هذه الآيات عند الحداثيين كونها توصياتٍ، لا قوانين، يستعين بها المسلم في حلّ المشاكل التي تعترض سبيله أثناء ممارسته لحياته الاجتماعية.
ـ حصر القرآن في أخلاقيات الفرد الخاصّة، حيث تَرِدُ التوجيهات القرآنية، عند الحداثيين، في صورة مواعظ وإرشادات موجّهة بالأساس إلى ضمائر المسلمين، تحثّهم على مراعاة علاقتهم بخالقهم والسلوك.
ـ الدعوة إلى تحديث التديُّن، فالحاجة عند الحداثيين تدعو إلى أن نستخلص من النصّ القرآني تديُّناً ينسجم مع فلسفة الحداثة، ويقوم على الإيمان الفردي. وعلى قدر تخلُّصه من أشكال التديُّن الموروثة يكون نهوضه بمقتضى التحديث([30]).
المحور الثاني: نقد القراءات
إن القراءات الحداثية للنصّ القرآني كانت أبعد عن الحداثة، بحيث لم يمارس أصحاب هذه القراءة الحداثة في معرض قراءتهم تلك، بقدر ما أعادوا إنتاج الفعل الحداثي، كما حصل في تاريخ غيرهم! ويظهر هذا التقليد من كون خططهم الثلاثة مستمدّة من واقع الصراع الذي خاضه الأنواريون في أوروبا مع رجال الكنيسة، والذي أفضى بهم إلى تقرير مبادئ ثلاثة أنزلت منزلة قوام الواقع الحداثي الغربي.
أوّلها: مقتضاه أنه يجب الاشتغال بالإنسان، وترك الاشتغال بالإله. وبفضل هذا المبدأ تمّت مواجهة الوصاية الثقافية للكنيسة.
والثاني: مقتضاه أنه يجب التوسُّل بالعقل، وترك التوسُّل بالوحي. وبفضل هذا المبدأ تمّت مواجهة الوصاية الفكرية للكنيسة.
والثالث: مقتضاه أنه يجب التعلُّق بالدنيا، وترك التعلُّق بالآخرة. وبفضل هذا المبدأ تمّت مواجهة الوصاية السياسية للكنيسة.
ومن الطبيعي أن أيّ متأمِّلٍ للخطط التي اتّبعها أهل القراءة الحداثية بالصيغة يجد أنها مأخوذةٌ من هذه المبادئ. فخطّتهم في التأنيس متفرِّعة على المبدأ الأوّل الذي يقضي بالاشتغال بالإنسان دون سواه؛ وخطّتهم في التعقيل متفرّعة على المبدأ الثاني الذي يقضي بالتوسُّل بالعقل دون سواه؛ وخطّتهم في التأريخ متفرّعة على المبدأ الثالث الذي يقضي بالتعلُّق بالدنيا دون سواها. ولا عجب أن يتهافت هؤلاء القرّاء على كلّ ما أنتجه العمل بهذه المبادئ في المجتمع الغربي من معارف وعلوم ومناهج وآليات ونظريات، فيندفعون في إسقاطها على الآيات القرآنية، معيدين إنتاج نفس النتائج التي توصّل إليها علماء الغرب بصدد التوراة والأناجيل. ولا يخفي على المتتبِّع الفطن ما في هذه الإسقاطات الاندفاعية من عيوبٍ منهجية صريحة، تفقد التحليلات الحاصلة قيمتها، والنتائج المتوصَّل إليها مصداقيتها، ويوجزها المحاضر في خمسة عيوب: فقد القدرة على النقد؛ ضعف استعمال الآليات المنقولة؛ الإصرار على العمل بالآليات المتجاوزة؛ تهويل النتائج المتوصَّل إليها (لما كانوا عاجزين عن نقد الآليات المنقولة، فضلاً عن عجزهم عن ابتكار ما يضاهيها، عظمت في أعينهم وعظم صانعوها، فازدادوا استعراضاً لأنواعها، وتضخيما لفوائدها التحليلية والنقدية!)؛ ثم تعميم الشكّ على كلّ مستويات النصّ القرآني (لما كان دأبهم أن يسقطوا آليات مختلفة على نصٍّ لم توضع له في الأصل فقد أسقطوا عليه أيضاً آلية التشكيك، زاعمين أن الرغبة في كشف المجهول والاطلاع على خفايا النصّ القرآني تدعوهم إلى الابتداء بالشكّ، بوصفه منهجاً للاكتشاف!). إن قراءة الآيات القرآنية كما مارسها هؤلاء هي تقليدٌ صريح لما أنتجه واقع الحداثة في المجتمع الغربي، متعرّضة بذلك لآفات منهجية مختلفة. فقد ظهر أن هذا التطبيق لا يعدو كونه إسقاطاً آليّاً، والإسقاط لا إبداع معه، بل إن هذا التقليد جعل قراءتهم ترجع إلى زمن ما قبل الحداثة، وهو زمن الوقوع تحت الوصاية الذي ثارت عليه بالذات الحداثة. وقد رضي هؤلاء بأن يضعوا أنفسهم اختياراً تحت الوصاية الثقافية والفكرية والسـياسية لصـانعي الحداثة. ويلزم بالتالي أنه لا حداثة إلاّ بالتحرُّر من هذه الوصاية الشاملة، والخروج إلى فضاء الإبداع، فكيف نتحرّر إذن من وصاية المنقول ونحقِّق الإبداع في قراءة الآيات القرآنية بما يجعل هذه القراءات حداثية حقّاً؟ ما هي القراءة الحداثية الإبداعية؟
للجواب عن سؤال الخروج من الوصاية الشاملة؛ بهدف تحقيق الإبداع، يجب الانطلاق من حقيقتين تاريخيتين:
الحقيقة الأولى تقول: إنه لا دخول للمسلمين إلى الحداثة إلاّ بإيجاد قراءة جديدة للقرآن الكريم، على اعتبار أن القرآن هو سرّ وجود الأمّة المسلمة، وسرّ صنعها للتاريخ. فإذا كان هذا الوجود والتاريخ ابتدآ من القراءة النبوية للقرآن، باعتبارها دشّنت الفعل الحداثي الإسلامي الأوّل، فإن استئناف هذا الوجود لعطائه، وهذا التاريخ لمساره، وكذا تدشين الفعل الحداثي الإسلامي الثاني، لا يكونان إلاّ بقراءةٍ تجدِّد هذه القراءة النبوية.
أما الحقيقة الثانية فتذهب إلى أن واقع الحداثة في المجتمع الغربي قام على أساس مواجهة المؤسسات الكنسية التي مارست وصايتها على الدين، ووصاية على الثقافة والسياسة والفكر باسم هذه الوصاية الدينية، إضافة إلى أنها تسبّبت في حروب دينية مزّقت هذا المجتمع، كلّ ذلك دعا إلى العمل على تحرير الإنسان الغربي وتحرير عقله وتوجيه تاريخه بما يدفع عنه شرّ الحروب المقدّسة.
يترتب على هاتين الحقيقتين التاريخيتين أن مقتضى الحداثة الإسلامية يضادّ مقتضى الحداثة الغربية. فإذا كان الفعل الحداثي الغربي قام على أصل التصارع مع الدين فإن الفعل الحداثي الإسلامي لا يقوم إلاّ على أصل التفاعل مع الدين، سواء في طوره النبوي الأوّل أو في طوره الإبداعي الثاني. وإذا ثبت هذا الأمر تبين مدى الخطأ الذي ارتكبه أهل القراءة الحداثية لما ظنّوا أنهم يحقّقون الفعل الحداثي المطلوب، بالحدّ من هذا التفاعل الديني، والسير به إلى نهايته، تقليداً لواقع الفعل الحداثي الغربي، الذي قضى بقطع الصلة بالدين. في حين كان ينبغي لهم أن يرعوا هذا التفاعل بما يجعله قادراً على توليد الطاقة الإبداعية لدى المسلم؛ إذ بقدر ما تعتمل في صدره القوة الإيمانية تستعدّ ملكاته للإنتاج والإبداع، ليخلص إلى أن قراءة الآيات القرآنية لا تكون قراءةً حداثية مبدعة بحقٍّ حتّى تستوفي شرطين اثنين: أحدهما: ترشيد التفاعل الديني؛ والثاني: تجديد الفعل الحداثي (ويحصل باستبدال هدف ذي صبغة إيجابية مكان هدفه السلبي، وهذا يعني أن مبدأ البناء في القراءة المبدعة مقدّم على مبدأ الهدم، على خلاف القراءة المقلّدة، التي يتقدَّم فيها مبدأ الهدم الذي يزيل الغيبية والقدسية والحكمية).
لقد رأينا كيف سَعَت القراءات المعاصرة إلى (أنسنة) الدين، بإحلال القارئ محلّ الوحي، وجعل الوحي ـ في النصّ الديني ـ هو ما توحيه القراءة الذاتية للقارئ، وما توحيه كينونة عالم القارئ إلى النصّ ـ بدلاً من العكس ـ، كما إلى إيجاد قطيعة معرفية كبرى مع الموروث، والموروث الديني على وجه الخصوص.
التأويل المادّي للوحي والنبوة يقول: إن تفسير النبوة اعتماداً على مفهوم (الخيال) معناه أن ذلك الانتقال من عالم البشر إلى عالم الملائكة انتقال يتمّ من خلال فاعلية المخيّلة الإنسانية، التي تكون في الأنبياء ـ بحكم الاصطفاء والفطرة ـ أقوى منها عند سواهم من البشر. وإذا كانت فاعلية الخيال عند البشر العاديين لا تتبدّى إلا في حالة النوم وسكون الحواس عن الانشغال بنقل الانطباعات من العالم الخارجي إلى الداخل، فإن الأنبياء والشعراء والعارفين قادرون ـ دون غيرهم ـ على استخدام فاعلية المخيّلة في اليقظة والنوم على السواء.
وليس معنى ذلك التسوية بين هذه المستويات من حيث قدرة المخيّلة وفاعليتها؛ فالنبيّ يأتي على رأس قمّة الترتيب، يليه الصوفي العارف، ثم يأتي الشاعر في نهاية الترتيب. والنبوّة في هذا التصوُّر لا تكون ظاهرةً فوقية مفارقة، ويمكن فهم الانسلاخ أو الانخلاع في ظلّ هذا التصوّر على أساس أنه تجربةٌ خاصة، أو حالةٌ من حالات الفعالية الخلاّقة. وهذا كلُّه يؤكِّد أن ظاهرة الوحي ـ القرآن ـ لم تكن ظاهرةً مفارقة للواقع، أو تمثِّل وثباً عليه، وتجاوزاً لقوانينه، بل كانت جزءاً من مفاهيم الثقافة، ونابعة من مواضعاتها وتصوُّراتها([31]). وإذا كان الأمر كذلك فإننا لا نكون بإزاء أيّ إعجاز، وإنما أمام قوّة مخيّلة جاءت بقرآنٍ، يمكن ـ بل يجب ـ تأويله تأويلات متعدّدة بتعدُّد القراءة لنصِّه؛ لأنه لا يتضمّن معنى ثابتاً، ولا خالداً، فهو ـ بعبارة صاحب هذا التأويل ـ «نصٌّ بشري، وخطابٌ تاريخي، لا يتضمن معنى مفارقاً جوهرياً ثابتاً.. وليس ثمة عناصر جوهرية ثابتة في النصوص، بل لكلّ قراءة ـ بالمعنى التاريخي الاجتماعي ـ جوهرها الذي تكشفه في النصّ. فالقرآن، في حقيقته وجوهره، منتجٌ ثقافي، تشكّل في الواقع والثقافة خلال فترةٍ تزيد على العشرين عاماً، ومن لغته وثقافته صيغت مفاهيمه، فالواقع أوّلاً، والواقع ثانياً، والواقع أخيراً»([32]). تذهب هذه الهرمينوطيقا المعاصرة إلى أنسنة عالم الغيب، فترى في أنباء الغيب تعبيراتٍ فنّيةً وصوراً خيالية تعبّر عن أماني الإنسان. فأمور المعاد إنما تعبِّر، على طريقتها الخاصّة، وبالأسلوب الفني الذي يعتمد على الصور والخيال، عن أماني الإنسان في عالَمٍ يسوده العدل والقانون. إنها تعبيرٌ عن مستقبل الإنسان في عالم أفضل([33]). وبعد تأليه الإنسان، وأنسنة الله، وأنسنة النبوة والوحي وعالم الغيب، تذهب هذه الهرمينوطيقا المعاصرة إلى تأليه العقل، والاستغناء به وبالحواسّ عن الوحي والغيب، فتقول: إن العقل ليس بحاجةٍ إلى عَوْنٍ، وليس هناك ما يند عن العقل. العقل يحسِّن ويقبِّح، وقادر على إدراك صفات الحُسْن والقُبْح في الأشياء، كما أن الحسّ قادرٌ على الإدراك والمشاهدة والتجريب([34]). وأخيراً تعلن هذه الهرمينوطيقا المعاصرة عن أن مهمتها هي أنسنة الحضارة الإسلامية، بتحويلها عن الإلهية إلى الإنسانية؛ وأنسنة الدين الإسلامي، بإحلال (الدين الطبيعي) محلّ (الدين الإلهي).
إن هذا التأويل، الذي يحوّل الوحي إلى واقعةٍ تاريخية، وإلى الطبيعية، وإلى خبرة بشرية، ونشاطٍ ذهني، ويردّ الميتافيزيقي إلى الفيزيقي، ويحوّل العلم الإلهي إلى علم إنساني، وإنْ لم يَخْلُ من فائدةٍ تتمثَّل في ما يُحْدِثه من خلخلة في بنية الفكر الديني المسيطر والمستقرّ، إلاّ أنه يكشف عن الطابع المتردّد الذي يقع في (التلوين)، بدلاً من (التأويل)، ويتعارض مع تاريخية الوحي. ثم ما الهدف والغاية من استمرار الوحي، بكلّ ما يرتبط به من عقائد التوحيد والبعث والجزاء، حتّى بالمعنى المجازي ـ الوحي الطبيعي ـ([35])؟ فالمطلوب ـ في هذا التأويل العبثي ـ هو إلغاء عقائد التوحيد والبعث والجزاء، حتّى ولو كانت مجرّد فكر إنساني([36]).
ومن خلال هذه السطور المعبِّرة عن مقاصد أصحاب هذا التقليد الجامد والأعمى للهرمينوطيقا الغربية ظهر جليّاً أن معركتهم الكبرى والحقيقية إنما هي ضدّ الذات الإلهية، والوحي، والنبوّات والرسالات، والعقائد والمقدّسات والشرائع والقِيَم والأخلاق، أي ضدّ كلّ الذي حقَّق ويحقِّق تماسك المجتمعات المؤمنة، وتوجيهها إلى ما يحقِّق الطمأنينة والسعادة في المعاش والمعاد. هذا التأويل الذي يبشِّر به هؤلاء الذين مثَّلوا ويمثِّلون الامتدادات للغَزْو الفكري الغربي في عالم الإسلام.
نتائج البحث
1ـ وجود قراءات معاصرة للنصّ القرآني، تعتمد على الألسنيات، ينتابها قصورٌ في التحقيق بمعاني التراث؛ قلّةُ اطّلاعهم على معارفه، وضَعْفُ استئناسهم بمقاصده.
2ـ أصحاب المشاريع الحداثوية توسَّلوا بأدوات البحث التي اصطَنَعها غيرُهم، واستلذّوا الاقتباسَ والتقليدَ، وتبنّي النظريات والمفاهيم.
3ـ أصحاب هذه المشاريع توسَّلوا بآليات عقلانية أيديولوجية من خارج التراث الإسلامي، واهتمّوا بالمضامين، وبالنظرة الانتقائية التجزيئية، والوقوف عند نماذج تمثيلية منه.
4ـ القراءات المعاصرة للنصّ القرآني تتعارض مع المنهج المفروض اتّباعه في فهم القرآن.
5ـ العقل والشرع يقرّ مسألة التدبُّر والتعمُّق والمعاصرة في الفهم، ولكنْ بضوابط وقواعد.
6ـ ينتج عن القراءات الاعتباطية للنصوص المقدّسة نسبية بالمعرفة، ويترتّب على ذلك آثار معرفية واجتماعية سلبية.
خاتمةٌ
منذ مطالع النهضة العربية الحديثة والعالم العربي يجرِّب قدراته الذاتية، ويسعى أن يحقِّق نوعاً من التكافؤ بين الشرق والغرب. وحاول أن يستمدّ من هويّته ومن أوضاعه ومطامحه، ومن التطوّر العلمي للعصر، وضْعَ تصوُّرات تضمن له سيرورته وتوازنه في هذا الوجود.
وبمُضِيّ الأيّام يظل طابع اللاتكافؤ هو السمة الرئيسة للعلاقات بين الشرق والغرب؛ فتزداد الوضعية تأزُّماً، ويزداد الغرب تغلغلاً، وتتعرَّض هويات الشعوب للنسف الحضاريّ المنظَّم. ومع مطالع الستينيات من القرن العشرين ظهر مُصْلِحون جُدُد يقترحون حلولاً تضمن للعالم الإسلامي والعربي نهضةً حقيقية وتحرُّراً فعلياً؛ فوضعوا مخطَّطات لتشريعات تحديثية، يدَّعون فيها إعادة قراءة التراث العربي في ضوء ما جَدَّ من مناهج ونظريات.
فظهرت قراءاتٌ أو مشاريع قراءات، متعدِّدة المشارب والأهواء، اختلفت المرجعيات المعرفية لأصحابها، واختلفت رهاناتُهم المعرفية، واصطنع أصحابُُها مناهج، وقدَّموا تصوُّرات عن التراث، فازدادت الأزمةُ استفحالاً، وازداد الوجدانُ العربي تمزُّقاً، والوجود الحضاري تأزُّماً.
وتتمثَّل هذه القراءات في ما أحدثه الصدامُ بالحضارة الغربية من انقلاب في القِيَم، وما ترتَّب عليه من جهلٍ بفقه التراث، والتطاول عليه، وتشويهه بإخضاعه لمناهج خارجة عن ذاته؛ فسار أصحاب قراءات التراث في مسارٍ معكوس في تقويم التراث. وكما حدث انقلابٌ في القِيَم بين المشتغلين بتقويم التراث حدث «تقلُّب في المقاصد، وتشتُّت في المسالك» فشاع التمويه والتزييف في تقويم التراث، حتّى أضحى ذلك التمويهُ «باطلاً مشهوراً، لا خصيمَ له» أمام هذه الوضعية الفكرية في تقويم التراث، وأمام هذا النزوع إلى الانقطاع عن التراث، ووَأْد الشعور به، حتّى امتدّت يد هذا التطاول إلى النصّ القرآني الكريم، وصار لزاماً على كلّ مسلمٍ الوقوف للتصدّي لهذه المشاريع، إقامةً لحقٍّ زاغت عنه العقول.
وعليه، إن بناء نظرية جديدة في تقويم التراث روحاً ومنهجاً يقتضي الاعتراض على تلك المشاريع التي توالت خلال الثلاثين سنة الأخيرة؛ بتمحيصها والتحقُّق منها علميّاً ومنهجيّاً؛ وذلك بالنظر في حقائقها ووسائلها. ومن خلال مطالعتنا لكثيرٍ من الكتب حول الموضوع ـ التي لم نورد أجزاء منها في الرسالة؛ لعدم الإطالة ـ وجدناها تقدِّم بعض الاقتراحات لتصحيح مسار القراءة المعاصرة. وقد أحببنا في الختام التنويه لبعضها؛ للفائدة:
1ـ هناك أسسٌ معرفية:
ـ معرفةٌ جوهرُها الوحيُ، ومرتكزُها العقيدةُ الإسلامية.
ـ معرفةٌ تصل العقل بالغيب، وتصل العلم بالعمل.
2ـ هناك أسسٌ منهجية إجرائية:
ـ «تحصيل معرفة شاملة بمناهج المتقدّمين من علماء الإسلام ومفكِّريهم في مختلف العلوم، مع تحصيل معرفة كافية بالمناهج الحديثة، تمكِّن من القدرة على تجاوز طور تقليد المناهج، واقتباس النظريات، إلى طور الاجتهاد في اصطناع المناهج ووضع النظريات».
ـ الاحتكام إلى التراث في روحه ومنهجه، الاحتكام في قضاياه إلى مقاصده وأصوله؛ أي إلى فقه التراث.
ـ النظرة التكاملية للتراث، بَدَل النظرة التفاضلية.
ـ تقديم نظرية تحصِّن الهوية منهجياً، وتحميها من التشويه والذوبان.
ـ تقديم قراءة تضع حدّاً لمرجعيات تحشر نفسها في كلّ قضية.
ـ تقديم قراءة تقصي الإحالات على السُّلَط الفكرية الغربية في توجيه البحث، قراءة تقصي الهوامش المفتعلة التي تُوهِم القارئ بجسامة الخلفيات في تلك المشاريع.
ـ ضرورة الاحتكام إلى رأيٍ من خارج الأصول التراثية؛ إذ لكلّ صنفٍ من المعرفة في التراث الإسلامي آلياته وقواعده المنهجية التي تقوم على ضبطه.
ـ تقديم رؤية جديدة لمسألة التفاعل بين الثقافات؛ وجعل المنقول يتأصَّل بالتقريب.
ـ تقديم للآليات الإنتاجية، التي رتَّبَت قوانينها، وبيَّنَت خصائصها.
ـ زحزحة هذا التقليد المعاصر في تقويم التراث، بالكشف عن أوهام القراءات المعاصرة للتراث، وهَدْم المشاريع التي وظّفت الآليات الاستهلاكية المجلوبة في قراءة التراث.
ـ يجب الدفاع عن الجانب الروحي في الإسلام: الجمع بين القيمة الروحية والعلم، القيمة الخلقية والواقع.
ـ وضع حدٍّ للرؤية التجزيئية للتراث، والعقلانية المجرّدة حين تركب الأهواء، وتلقي الأمّة في فوهة التشيُّؤ والذوبان، وخاصّة عندما تتفاحش التَّبَعية والاستمداد من ثقافةٍ مجالُها التداولي مختلفٌ.
الهوامش
(*) كاتبةٌ مهتمّة بمجال الدراسات القرآنيّة.
([1]) ابن منظور، لسان العرب 3: 282.
([2]) المعجم الوسيط.
([3]) لسان العرب 1: 129.
([4]) طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة: 135.
([5]) لسان العرب 7: 97 ـ 98.
([6]) الجرجاني، التعريفات: 237.
([7]) انظر: محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقى، ج1.
([8]) السيد معتصم أحمد، جذور المصطلح ودلالات المعنى، مجلة البصائر، العدد 50، السنة 23، 1433هـ.
([9]) نصر حامد أبو زيد، نقد الخطاب الديني: 130.
([10]) انظر: عبد المجيد الشريفي، من فلسفات التأويل إلى نظريات القراءة: 29 ـ 34.
([11]) عاطف العراقي، الشيخ محمد عبده مفكِّراً عربياً ورائداً للإصلاح الديني والاجتماعي (بحوث ودراسات عن حياته وأفكاره): 389 ـ 395.
([12]) جوهري الطنطاوي، الجواهر. انظر مقدّمة طبعته في القاهرة عام 1923م.
([13]) عائشة بنت الشاطئ، القرآن والتفسير العصري: 38 ـ 39.
([14]) انظر: محمد حسين الذهبي، التفسير والمفسِّرون: 19.
([15]) انظر: محمد أركون، إشكالية القراءة في الفكر العربي الإسلامي المعاصر: 60.
([16]) طبع في دمشق عام 1990م، الطبعة الأولى.
([17]) نصر حامد أبو زيد، مفهوم النصّ، دراسة في علوم القرآن: 24 ـ 28.
([18]) علي حرب، هكذا أقرأ ما بعد التفكيك: 9.
([19]) يقصد به النصّ أساس النقاش، أي القرآن الكريم. فهو حمّالٌ ذو وجوه.
([20]) انظر: عبد المجيد الشريفي، قراءة النصّ الديني: 94.
([21]) انظر: السيوطي، الإتقان في علوم القرآن 2: 399.
([22]) محمد الكتاني، الصراع بين القديم والجديد في الأدب العربيّ الحديث 1: 79.
([23]) أحمد الريسوني، حدود فتح النصّ للتأويل وشروطه: 88؛ ومجلّة «المنطلق الجديد»، العدد 9، 2006م.
([24]) انظر: زيد عامر، جَدَلية التأويل المعاصر، مجلّة مقاربات، العدد 3، 2009م؛ وكذا: مصطفى ناصف، نظرية التأويل، النادي الأدبي الثقافي، جدّة، ط1، مارس 2000م؛ وكذا: يحيى رمضان، المقاربة الهرمسية للوحي: قراءةٌ في الخطاب اللاديني لنصر حامد أبو زيد، مجلة إسلامية المعرفة، العدد 63، 2011م.
([25]) انظر: عصام حميدان، النهج المتوني في النظر للنصّ الديني، مجلة البصائر، العدد 34، 1425هـ.
([26]) انظر: عبد الرحمن الحاج، أيديولوجيا الحداثة في القراءة المعاصرة للقرآن: 30.
([27]) المصدر السابق: 45.
([28]) مصطلح يعني تنـزيل إلى المستوى البشري، يستخدم عند الحديث عن النصّ المقدّس بأنه مثل النصّ البشري.
([29]) يقصد بها حدّ النصّ بالتاريخ الذي نزل فيه، وعدم امتداد أحكامه إلى باقي الأزمنة.
([30]) انظر: طه عبد الرحمن، تجديد المنهج في تقويم التراث: 10 ـ 25.
([31]) انظر: نصر حامد أبو زيد، مفهوم النصّ: دراسة في علوم القرآن: 65، 56، 59، 38.
([32]) انظر: نصر حامد أبو زيد، مشروع النهضة بين التوفيق والتلفيق ونقد الخطاب الديني: 27.
([33]) انظر: محمد عمارة، قراءة النصّ الديني بين التأويل الغربي والتأويل الإسلامي: 73.
([34]) انظر: حسن حنفي، تربية الجنس البشري: 151.
([35]) انظر: نصر حامد أبو زيد، نقد الخطاب الديني: 174 ـ 179.
([36]) انظر: محمد عمارة، قراءة النصّ الديني بين التأويل الغربي والتأويل الإسلامي: 80.