د. الشيخ محمد هدايتي(*)
المقدّمة
لقد عملت الثقافة الدينية على مراكمة العناصر الأخلاقية في تضاعيف أحكامه وتعاليمه، وإن حيِّزاً كبيراً من الحضارة الإسلامية الغنيّة زاخرٌ بآيات القلب السليم، التي تتجلّى على شكل القِيَم الأخلاقية. وحيث إن التعاليم الدينية تعمل على رسم المنهج الصحيح لحياة الإنسان في مختلف الأبعاد، وترشده إلى السعادة في كلا الدارَيْن، وتقوم بتنظيم حياته الطيّبة، المقرونة بإظهار جمال قوالب وظواهر الأعمال، تتمتَّع بروحٍ حَسَنة ومنزّهة وعامرة بالتقوى. والشاهد على ذلك يتمثَّل بسيرة الربّان الأوّل لفلك الدِّين والفرد الأكمل فيه، ونعني به الوجود المقدَّس للنبيّ الأكرم|، فهو على الرغم من كونه يمثِّل النموذج العملي الأكمل في الدين، لم يخرج ـ في أمر الدين والدعوة إليه وسلوكه مع الناس ـ عن دائرة الأخلاق أبداً، بل قام بدعوة الناس إلى الدين، متسلِّحاً بالخُلُق العظيم، والرحمة الواسعة، والمرونة الكبيرة، والعفو الجَمّ، وذلك في مجتمعٍ تسوده الوحشية والقسوة والرذائل النفسانية والمعرفية. ودفع جميع الأفراد في هذا المجتمع إلى الاعتقاد بالله، وأحدث فيهم تحوُّلاً في فترةٍ قياسية، حتّى حلَّتْ الفضائل الأخلاقية محلّ الرذائل؛ وقضى على ظاهرة قتل الإخوة وتقطيع الأرحام، وتحوّل العنف والقسوة والتشدُّد إلى مداراةٍ وسلام ووئام وصلح مع النفس والذات([1]).
وعلى الرغم من ذلك، بدأنا نشهد بالتدريج ـ ولا سيَّما بعد الانحراف الذي حصل في منظومة الخلافة ـ انخفاضاً في الاهتمام بالأخلاق التي كانت موجودةً في بداية الإسلام، وأخذت الآداب الأخلاقية تفقد رَوْنقها وجاذبيّتها، وصارت الحياة الأخلاقية تتّجه نحو الأفول والاضمحلال، ولم تحصل حتّى الآن على موقعها الموجِّه والواقعي في مجال العلم والعمل([2]).
إن النظرة الناقدة إلى هذا المسار النزولي للثقافة الأخلاقية، وتشخيص الآفات الأخلاقية لدى المتديِّنين، يظهر لنا الكثير من العِلَل والأسباب. ومن بين هذه الأسباب سوف نسعى في هذا المقال إلى بحث أربعة عناصر علميّة ومعرفيّة. ويبدو أن هذه العوامل، التي هي من النوع الديني والمعرفي، ولها مكانةٌ في مصادرنا الثقافية وتعاليمنا الدينية، قد بدأَتْ بالتدريج تترك تأثيرها على الأُسُس الفكرية للحضارة الإسلامية في مجال الأخلاق، وعرَّضَتْ الحياة الأخلاقية الإسلامية ـ التي كان من شأنها أن تتحوَّل إلى نموذجٍ علميّ وعمليّ دائمٍ وكامل في الثقافة العالميّة ـ إلى النقص والأفول.
أـ الموقع التجميلي والزائد للأخلاق
ورد التعبير في بعض الروايات عن تلك الأعمال الدينية التي تحظى بالضرورة الأكبر بـ «الفريضة»، وعن تلك الأعمال التي لا تبلغ تلك الأهمّية بـ «الفضيلة»، من قبيل: ما ورد عن أبي عبد الله×، عن آبائه^، عن أمير المؤمنين× أنه قال: «السُّنّة سُنَّتان: سُنَّة في فريضةٍ، الأخذ بها هدىً، وتركُها ضلالةٌ؛ وسُنَّة في غير فريضةٍ، الأخذ بها فضيلةٌ، وتركُها إلى غير خطيئةٍ»([3]).
وعلى هذا الأساس فقد تمّ اعتماد التقسيم إلى الفرض والفضل في الكتب الفقهية وغيرها([4]). وقد قيل في شرح هذا الحديث: إن الفريضة تعني القيام بالواجبات وترك المحرَّمات؛ حيث يكون الإتيان بها مستوجباً للحصول على الثواب، وتركها مؤدّياً إلى العقاب. وأما الفضيلة فقد تمّ إيضاحها بالأخلاق والمستحبّات؛ حيث يؤدّي القيام بها إلى تحصيل الثواب، ولكنّ تركها لا يستتبع عقاباً([5]). وكما يلوح من كلمة «الفضل»، فإنها تدلّ على شيءٍ زائد وفضلةٍ بالقياس إلى الأصل.
فعلى هذا التفسير يكون الأصل عبارة عن الأعمال التي يجب القيام بها، ولا تنطوي على رخصةٍ في تركها، ولا ينبغي التهاون فيها أو الغفلة عنها. والذي يتكفل ببيان هذه الأمور الضرورية والإلزامية هو علم الفقه. وإذا أراد شخصٌ أن يصل إلى مرتبةٍ أعلى من الكمال، ويحصل على امتيازٍ أكبر، فإنه يتّجه نحو الأخلاق. فعلى الرغم من عدم وجوب هذا الأمر عليه([6])، ولكنّه مع ذلك يكون مستحقّاً للثواب عن قيامه به. وبذلك ينفصل الفقه عن الأخلاق، ويندرج كلٌّ منهما ضمن مجالٍ خاصّ؛ حيث يقوم أحدهما على أساس الواجبات والضرورات، والآخر على أساس الأولويّات والحَسَنات. وحيث يكون الفقه بصدد بيان الضرورات والأحكام الإلزامية، ويروم إثبات أداء التكليف والامتثال بالحجج الشرعية، والخروج من عهدة التكليف، ويدفع العقاب عن المكلَّفين، فإنه يعمل في أسلوب الاستنباط وتشخيص الأحكام بشكلٍ دقيق ومنضبط، ولكنّ الأخلاق؛ حيث تسعى إلى بيان الكمال، ويُبْحَث فيها عن الندب والاستحباب، وينظر إليها بوصفها من شؤون الكمال والزينة، لا تُمارَس تلك الدقّة في التعاطي مع الأدلة والروايات الصحيحة والمعتبرة وتشخيص الحجّة، ولا يتمّ هنا إعمال تلك الدقّة المتناسبة مع علمٍ ما، وإنما يتمّ التعاطي هنا بشيءٍ من التسامح والتساهل. وهنا تتبلور قاعدة «التسامح في أدلّة السنن»، حيث يُقال: «إذا روينا في الحلال والحرام شدَّدنا، وإذا روينا في الفضائل تساهلنا»([7]).
يبدو أن هذه القاعدةَ، التي هي من التراث الفقهي لأهل السنّة([8])، سواء في حدّ ذاتها أو من حيث انطباقها على الأخلاق، مخدوشةٌ وغيرُ تامّة.
أما من الناحية الأولى فإن ما نريد نسبته إلى الشريعة ـ الأعمّ من الأحكام أو العقائد أو الأخلاق ـ يجب أن يقوم على أساس الحجّة. وإن التراث الأخلاقي عندما يريد أن يطرح نفسه بوصفه من التعاليم الدينية، وأن يبيِّن جانباً من المعارف الإسلامية، يجب أن يتطابق مع الفرضيات والمتبنَّيات العلمية وأبحاث الحجّة بما يتماهى ويتناغم مع ظرفيات أصول الاستنباط، ولا يمكن الاعتماد بشأنها على الأدلّة والروايات الضعيفة([9]).
وأما من الجهة الثانية فإنما هناك مجرّد جانبٍ من الأخلاق يرتبط بالأولويات والأمور المندوبة أو المكروهة، وأما الجانب المهمّ الآخر ـ الذي تتمّ الغفلة عنه عادةً في الاتجاه المتداول ـ فهو ضروريٌّ بشأن الصفات والسلوكيات اللازمة والضرورية؛ حيث إن القيام بها أوجب من الكثير من الأحكام العملية في الفقه، وإن تركها سوف يستوجب المزيد من العقاب والسخط([10]).
ب ـ فصل موضوع الأخلاق عن العلم الرسمي للفقه
في إطار تبويب العلوم، وفي تقسيمٍ معروف داخل الدائرة الدينية، والذي لا يزال قائماً، حيث يتمّ تقسيم علوم الدين إلى ثلاثة أقسام، وهي: العقائد؛ والأخلاق؛ والأحكام، وقد تمّ التأسيس للتعاليم والمعارف الدينية على أساس من هذا التقسيم، قد تبلور كلٌّ من هذه الأمور بوصفه علماً مستقلاًّ ومنفصلاً، له بِنْيَةٌ شاملة لأجزاء العلوم، أي: الموضوع والمبادئ والمسائل.
إن موضوع العلم أحد المعايير التي يمكن أن يشكّل مبنىً للفصل والتمايز بين العلوم، ويجمع مسائل ذلك العلم حول محوره. وفي مورد موضوع علم الأخلاق كان اهتمام أكثر العلماء المتقدّمين ينصبّ على الصفات([11]).
هذا في حين أنهم قد اعتبروا موضوع علم الفقه في الغالب «فعل المكلَّف»؛ من حيث اشتماله على حكمٍ من الأحكام الشرعية أو كان يقتضي حكماً شرعياً([12])، وإنْ كان المراد من فعل المكلَّف الأعمّ من الامتثال والترك([13])، بَيْدَ أن موضوع هذا العلم قد اتّجه بالتدريج إلى الانحصار بالفعل.
إن الفقه؛ بناءً على غايته الجامعة والمتمثِّلة في رسمه للمنهج الصحيح لحياة الإنسان في مختلف الأبعاد بما يضمن سعادته في الدارَيْن، يهبّ لمساعدة الحجّة الداخلية للإنسان، ونعني بذلك العقل، ويعمل على تنظيم حياته الطيّبة من خلال بيان الحلال والحرام وإرادة الله، ويهديه بواسطة بيان المناسك والعبادات إلى العبادة والقرب والرضوان الإلهي. ومن هذه الناحية يتمتّع بمكانةٍ هامّة وموقع قَيِّم في الحضارة والثقافة الدينية([14]). وهنا سوف نترك الحديث عن موضوع علم الكلام إلى موضعٍ آخر، ونواصل بحث موضوع علم الفقه الذي يلعب الدَّوْر الأكبر في بناء الحضارة ونقصانه الأخلاقي.
أوّلاً: عناصر الانحصار التدريجي لموضوع الفقه في السلوك
يعود انعقاد مصطلح الفقه إلى عصر بداية الإسلام ونزول القرآن الكريم وحياة النبيّ الأكرم|. لقد تمّ استعمال كلمة الفقه، من خلال الاقتباس من التعبير القرآني القائل: ﴿لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾ (التوبة: 122)، في معنى الفهم الخاصّ لجميع التعاليم الدينية، الأعمّ من الاعتقادية والأخلاقية والأحكام العملية، وأخذَتْ منذ ذلك الحين تشتهر بالتدريج في هذا المعنى؛ أي الفهم الشامل لجميع الدِّين، ويستعمل بشأن جميع أصول الدين وفروعه.
وقال العلاّمة الطباطبائي في هذا الشأن: «إن المراد بالتفقُّه تفهُّم جميع المعارف الدينية من أصولٍ وفروع، لا خصوص الأحكام العملية، وهو الفقه المصطلح عليه عند المتشرِّعة؛ والدليل عليه قوله تعالى: ﴿وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ﴾ (التوبة: 122)؛ فإن ذلك أمرٌ إنما يتمّ بالتفقُّه في جميع الدِّين. وهو ظاهرٌ»([15]).
إن هذا المعنى الجامع للفقه، والمرتبط ببداية القرن الأوّل من الإسلام، أخذ يتّجه شيئاً فشيئاً ليكتسب نوعاً من التخصيص المفهومي([16])، وبدأ يتعلّق ـ من بين مجموع المعارف الدينية الشاملة للعقائد والأخلاق والأحكام العملية ـ بخصوص الأحكام العملية فقط.
وفي ما يلي نشير إلى العناصر والأسباب التي كان لها دَوْرٌ في الاهتمام العلمي الخاصّ بالأحكام العملية للدِّين من بين المعارف الدينية:
1ـ الشعور بالمزيد من الحاجة إلى السؤال عن الأعمال الشرعية
لقد كان الناس في بداية عصر الإسلام؛ بفضل مصاحبتهم للنبيّ الأكرم| وقربهم من عصره وسماعهم لكلامه ومشاهدتهم لسيرته من جهةٍ، وقلّة الأحداث والخلافات وسهولة الرجوع إليه أو إلى الذين سمعوا أجوبة المسائل المحدودة في ذلك العصر من النبيّ الأكرم| وثقاته من جهةٍ أخرى، كانوا يستوعبون التعاليم الدينية وفق مسارٍ طبيعيّ وواضح([17]). فكانوا يتعلّمون مسائل العقيدة مع النزول التدريجي لآيات البشارة والإنذار على النبيّ الأكرم|، كما كانوا في الأخلاق والآداب يحصلون على تهذيبٍ عميق من خلال السيرة العملية للنبيّ الأكرم وخُلُقه العظيم ومواعظه البليغة، وكانوا يمتثلون الأحكام العملية، مثل: الصلاة والصوم والحجّ والجهاد، بالاقتداء به أو سؤاله عنها. وبعد الابتعاد التدريجي عن الوحي كثرَتْ الآراء والأقوال المختلفة وتعدَّدت الأفهام من جهةٍ، واتّسعت دائرة البِدَع واتّباع الأهواء النفسية من جهةٍ أخرى، وعلى الرغم من ذلك، ومع تناغم الناس في المباني الأولى والأصلية للعقائد، ووضوح الفضاء المعرفي لديهم، لم يكن هناك ما يستوجب حساسيّة جادّة للخَوْض المستقلّ والمنفصل في هذا الجانب. وعلى الرغم من أن الاختلافات الكلامية والعقائدية في الصفات الإلهية، ومسائل من قبيل: الجبر والاختيار والقضاء والقَدَر، ولا سيَّما في عصر الإمامين الصادقين’، وانتشار ثقافة الترجمة، كانت تدفع الطرفين إلى اتّخاذ المواقف في بعض الموارد بشدّةٍ، ولكنْ لم تكن هذه المسائل تُعَدّ في حينها من أصول العقائد والمباني الأصلية والأوّلية. لقد كان هذا النوع من الأبحاث خارجاً عن طاقة عامّة الناس، وكانت تُطْرَح بوصفها من الأبحاث التخصُّصية في الغالب، ولم يكن لها دَوْرٌ فاعل وجادّ في الحياة المعرفية للناس.
وإذا اشتملت بعض الروايات المأثورة عن أئمّة الهدى^ على أسئلة بعض الناس في هذا الشأن فهي في الغالب تعود إلى الحساسية التي كان يثيرها المجتمع العلمي الوليد في هذا القسم؛ وإلاّ فإن العقائد في حدودها العامّة لم تكن لتبقي موضعاً للجهل والشُّبْهة والاستفهام، بل كانت أمراً بسيطاً يمكن للذهن أن يستوعبه ويدركه. ومن خلال تقوية الإيمان كانت مكانة العقيدة تزداد عُمْقاً ورسوخاً. كما أن قوّة الإيمان إنما كانت تحصل في الغالب من خلال التسليم للتعاليم الدينية والقيام بالأعمال العبادية. وفي الحقيقة والواقع إن رسوخ العقائد واستحكامها يعود إلى الإصرار الجادّ على امتثال الأحكام العملية والعبادية([18]). كما أن الأبحاث المرتبطة بالإمامة ـ بسبب حضور أهل البيت^، والاستفادة من المصادر الأوّلية، وإظهار المسار الصحيح ـ لم تكن تؤدّي إلى التركيز الخاصّ على المسائل الاعتقادية. كما لم يكن يبدو هناك إجمالٌ وغموضٌ في الأخلاقيات أيضاً([19]). وإن تشخيص الوجدان وحكم العقل بحُسْن الفضائل وقُبْح الرذائل، والتطابق مع الفطرة، وكذلك الفضاء البسيط لذلك العصر، وعدم الشعور بوجود صِدام بين الأخلاق والأحكام العملية، كان يزيد من انسيابيّتها. إن الثورة الأخلاقية التي ظهرت ببعثة النبيّ الأكرم| وظهور الإسلام بين الناس في ذلك العصر كانت تزداد قوّةً على الدوام بتأثيرٍ من التعاليم النورانية للأئمّة الأطهار والأصحاب وأتباعهم الحقيقيين. كما أن امتداد خوان مواعظ الأصحاب والتابعين وتعاليم وسيرة أهل البيت كانت على الدوام تغني عن الخوض بشكلٍ خاصّ في هذا القسم من المعارف الدينية. كما أن النصائح القرآنية والروائية كانت تؤكِّد على الارتباط العميق والراسخ بين العبادات والوظائف الشرعية واستقامة الأخلاق وإصلاح النفس وازدهار الفضائل([20]).
والذي كان من أكثر الأمور مورداً للجهل والتشكيك ومثاراً للسؤال هو كيفية الأعمال والسلوكيات العبادية؛ حيث كان قد تمّ تشريعها بكيفيةٍ جديدة وطريقةٍ توقيفية من قِبَل الإسلام؛ وكذلك ماهية الأحكام التي أعلن عنها الشارع بشأن بعض المعاملات ـ بالمعنى الأعمّ ـ، من قبيل: الرزق الحلال والزواج بشكلٍ تأسيسي. إن هذا الأمر كان يرفع من حساسية المكلَّفين تجاه صحّة وسقم سلوكيّاتهم، ويشغل أذهانهم ويدفعهم إلى الاستئناس العلميّ تجاه جزئيّات وتفاصيل هذه السلوكيات([21]).
2ـ الحاكمية والتناسب مع إنتاج الأحكام السلوكية
إن السلطات التي كانت تحكم المجتمعات الإسلامية في المراحل السابقة، وكان بعضها يدّعي الدفاع عن الدِّين والتَّبَعية لأحكام الشريعة، كان الفقه يمثِّل هاجسها الرئيس في هذا الشأن؛ لتتمكّن من تعزيز وتثبيت سلطتها في المجتمع، من خلال وضع القوانين المتعلِّقة بأرواح الناس وأموالهم وأمنهم([22])، وتعمل على توسيع نفوذها وتأثيرها من خلال الاستناد الروحي والمعنوي إلى التعاليم والأحكام الشرعية. وكلّما ابتعدنا عن القرن الهجري الثاني، وأصبح الفقه وسيلةً لإدارة الحكم وتنظيم السلطة، كلّما تعزَّز الاتجاه الأحادي إلى الأحكام العملية، وأصبح علم الفقه يُطْرَح بوصفه العلم الديني الوحيد الذي تمسّ الحاجة إليه في المجتمع. وكان الإنتاجُ الواسع للفروع الفقهية والازدهارُ المنفرد لهذه الفروع في الواقع استجابةً للاقتضاء الناقص الذي اقتضته الحاجة الاجتماعية؛ بسبب الإدارة غير الكفوءة للحكومات([23]).
3ـ الشريعة ودعوى انحصارها بالأحكام العملية
إن الشريعة في مصطلح الفقهاء تُطْلَق في الغالب على قسم الأحكام العملية من الدِّين([24]). وقد أدّى هذا الاستعمال بالتدريج إلى تعزيز التوهُّم لدى البعض بأن الشريعة تنحصر في هذا القسم من أحكام الدِّين([25])؛ بحيث عندما يتمّ الحديث عن وجوب الاهتمام بالشرع والحفاظ على الشريعة والتمسُّك بالأحكام الشرعية والتوصية بهذه الأمور لا يَرِدُ إلى الذهن شيءٌ سوى المسائل الفقهية المصطلحة والأحكام العملية([26])؛ في حين أن الشريعة وإنْ كانت أخصّ من مطلق الدِّين([27])، إلاّ أنها تتطابق مع جميع التعاليم الدينية التي قام الله بتشريعها للناس([28]).
4ـ الثواب والعقاب ومنزلة العمل
إن من بين أسباب الاهتمام بالعمل وأحكامه الاهتمام بمسألة الثواب والعقاب، وتصوُّر انحصارهما في الأفعال الظاهرية. نشاهد في عُرْف المتشرِّعة هذا التصوُّر بكثرةٍ؛ حيث يعتبرون الطاعة والمعصية والأجر والثواب أمراً خاصّاً بالأعمال والسلوكيات الظاهرية، ولرُبَما قالوا بأن الاتجاه العامّ في وصايا أئمّة الدِّين يركِّز على هذا الأمر([29])؛ وأما الأخلاق فهي مرتبطةٌ بمجال الفضائل والرذائل والحُسْن والقُبْح والمَدْح والذَّمّ. في حين أن الثواب والعقاب موجودٌ في الأخلاق وأوصاف الفضيلة والرذيلة أيضاً([30]).
5ـ أهمِّية الحلال والحرام وانحصارهما في الأعمال
لقد تمّ تعريف «الحلال» بأنه الشيء الذي لا يستتبع القيامُ به عقاباً. وحيث أجازه الشرع فلا مانع من فعله؛ وأما «الحرام» فهو الذي يترتَّب العقابُ على فعله؛ لأن الشرع قد منعه ونهى عن فعله([31]). ومن خلال إطلالةٍ تاريخية نلاحظ أن الحلال والحرام الذي يحظى في الإسلام بأهمِّيةٍ كبيرة([32]) يختصّ تدريجياً بالأفعال والأعمال([33])، وبشكلٍ متزامن يتّحد البحث عن هذين المفهومين الجوهريين ومصاديقهما مع الفقه([34]).
6ـ مفردة التكليف وثقل مسؤوليّاتها في الأحكام العملية
كما سبق أن ذكرنا في بحث الفَرْض والنَّفْل فإنهم يذهبون في الغالب إلى اعتبار الفقه مرتبطاً بذلك القسم من الدِّين الذي يستوجب عدم القيام به عقاباً؛ في مقابل الأخلاق التي لا يترتَّب على فعلها غير الثواب. وحيث توجد في الفقه مؤاخذةٌ وسؤالٌ وعقاب فإن الأحكام الفقهية تثقل كاهل المكلَّف، الذي يسعى للخلاص ورفع المسؤوليّة عن نفسه، ويبحث عن النجاة من العقاب. والذي يتناسب في البين مع المسؤولية وامتثال التكليف أكثر من غيره هو الأعمال([35]). ومن هنا فقد قام الفقه على مدار التكليف، وإن الفروع الفقهية قد تمّ تفصيلها وتبويبها على أساس هذا التناسب([36]).
إن الفقيه يبحث في مساعيه الفقهية والاستنباطية عن الأدلّة التي تبيِّن الحكم وتعمل على التعريف بالتكليف. فحيثما استشمّ وجود حكمٍ وجب التأمُّل بشكلٍ كامل، والعمل على استخراج الفرض والتكليف من صلبه، ويجب السعي إلى العمل به؛ من أجل التخفُّف من ثقل المسؤولية، والتخلُّص من العذاب والعقاب باحتياطٍ كامل. وقد تبلغ الحساسيّة تجاه ظاهر العمل في بعض الأحيان بحيث يتمّ التخلّي عن الجوانب التربوية والازدهار الداخلي، وكذلك العلاقة الشعورية والعاطفية الودودة بين العبد والمولى. وقد يقع التنافي أحياناً بين الأحكام الفقهية وروح الشريعة والمقاصد الأخلاقية والقِيَميّة([37]). وكأنّ هوية سعادة الإنسان بأجمعها وحياته الطيِّبة تحبس في كوّة التكليف، ولا يتمّ التعريف بالحياة الدينية والتفكير الديني بشكلٍ كامل.
7ـ البساطة وإمكانية الوصول إلى الأعمال الظاهرية
إن الأعمال العبادية والقوالب العملية لأحكام الدِّين؛ حيث تكون أقرب إلى المحسوسات، وتحظى بظواهر ملموسةٍ بالنسبة إلى الفهم، فإنها تحظى باهتمامٍ وإقبال أكبر([38]). ومن ناحيةٍ أخرى ـ كما تقدَّم في بيان عنصر السيادة والسلطة ـ فإن إصلاح أمور المعاش، والنَّظْم في الأمور المادية والأحكام، والنَّظْم الجَمْعي في الحياة الدنيوية، يظهر تطبيق النقد والوصول إلى العمل بشكلٍ أوضح. إن الاتجاه إلى هذه الخصوصية بحيث ذهب البعض إلى تصوُّر الفقه مرتبطاً بالدنيا من الأساس([39]).
يبدو أن العقائد والفقه والأخلاق في النظام المعرفي الديني العامّ ليست نتائج مستقلّة عن بعضها، ولا تنتمي إلى مستوياتٍ متفاوتة أو لثلاث طبقات من المُخَاطَبين أو لمجالاتٍ ثلاثة، وإن منظومة التفقُّه قد تمَّ بيانهما ـ بشهادة القرآن والسنّة([40]) ـ مع بعضهما بشكلٍ ممتزج دون بيان حدٍّ خاصّ بين العقيدة وبين الأحكام العملية والأخلاق. إن هذا التماهي يجب ملاحظته في مسار التعيُّنات المعرفيّة وبيان حدود العلوم الذي يتمّ بمقتضى تقسيم العلوم وتبويبها، أو في الحدّ الأدنى في مرحلة الحكم والنتيجة.
ثانياً: عدم إمكان تعلُّق التكليف بالصفات
هناك مَنْ يذهب إلى الاعتقاد بأن وجود الصفات النفسانية في الإنسان؛ حيث لا تكون اختياريةً، فإن تعلُّق التكليف بها يكون من باب التكليف بما لا يُطاق، وبالتالي لا يتمّ البحث عنها في الفقه المرتبط بأفعال المكلَّفين الاختيارية([41]).
وفي مثل هذه الحالة عندما يُقال: ليس لدينا في الأخلاق صفاتٌ واجبة وأخرى محرّمة قد يُستَفَاد من ذلك أنه يجب أن نضع هذه الصفات جانباً، ونقصر الاهتمام على الواجبات والمحرّمات، التي من شأنها أن تدخل الإنسان إلى الجنّة أو النار. وبذلك يتمّ تهميش الأخلاق، وتتعرَّض سعادة الفرد والمجتمع إلى الخطر. هذا في حين أن الكثير من الصفات اكتسابيّةٌ، يحصل عليها الفرد بالتمرين والتكرار أو التفكير والاعتقاد([42])؛ وبعضها ذاتيٌّ، ولا يتنافى مع اختيار وإرادة الإنسان، التي هي أحد شروط التكليف؛ وذلك لأن تطهير النفس من الصفات القبيحة أو تزيينها بالصفات الحَسَنة أمرٌ واقع تحت قدرة واختيار الإنسان، وإن إرادته لم تُسْلَب منه في ما يتعلَّق ببقاء هذه الصفة أو تعزيزها أو إلغائها أو إضعافها، ويمكنه أن يتَّخذ القرار في هذا الشأن([43]).
ج ـ الشريعة السَّمْحة والابتلاء العامّ بالصفات الرذيلة
يقوم الرأي لدى بعضٍ على أن الصفات النفسية المرذولة ـ حيث يُبْتلى بها عامّة الناس، وقلَّما يأمن شخصٌ من الابتلاء بها ـ فإن المؤاخذة عليها والتكليف بتطهير النفس منها لا يوافق الشريعة السَّهْلة السَّمْحة، وإن اللطف الإلهي ورحمته الواسعة تقتضي عدم الحديث عن التكاليف النفسيّة([44]). بَيْدَ أن الالتفات إلى نقطتين قد يؤدّي إلى عدم تمامية هذا الرأي؛ فأوّلاً: هناك الكثير من الروايات الواردة في باب «أهمّية الأخلاق» حول الإبقاء على طهارة النفس من الرذائل، وقد تمّ التأكيد على هذا الجانب بشكلٍ أكبر من الاهتمام بالأحكام الفقهية؛ والنقطة الثانية بشأن تبويب مراتب الرذائل، والقول بتشكيكيّتها؛ إذ توجد بين الأفعال الأخلاقية والسلوكية بعض الأعمال التي تحظى بأهمّيةٍ أكبر، ولها تأثيرٌ أوسع وأشمل([45])، حيث يمكن العثور على صفاتٍ جوهرية وجَذْرية تقع على قمّة الهَرَم القِيَمي، وتكون مصدراً للصفات والسلوكيات الأخرى. وقد تمّ التعبير في الروايات عن هذه الصفات الخطيرة والمصيرية في قسم الرذائل بمفاهيم من قبيل: «أدنى([46])، وشرّ([47])، وأقبح([48])، وأبغض([49])، وأسوأ([50])، وأذمّ الأخلاق([51])»، و«علامة الشقاء([52]) والهلاك([53])»، و«أركان([54]) وأصول([55]) ودعائم([56]) ورأس الكفر([57])»، و«جماع الشرّ»([58])، و«أعظم الخطايا»([59])، و«المُهْلِكات([60])»([61])؛ حيث إن تعلُّق الأحكام التكليفية بها ليس غير بعيدٍ عن الرحمة الإلهية فحَسْب، بل هي عين اللطف الإلهي الخاصّ في التنظيم العملي لنظام المصلحة. وكما سبق أن أشَرْنا فإن الخطور القلبي والمَيْل الطبعي إلى هذه الصفات لا يقع مورداً للمؤاخذة، إلاّ أنه في مرحلة القصد وعقد القلب على الفعل الذي لا يخرج عن الاختيار والإرادة قابلٌ للمؤاخذة والتكليف.
وعلى الرغم من أن أغلب الكتب الفقهية تخلو من الخَوْض في الصفات الأخلاقية من حيث بيان الحكم الفقهيّ، إلاّ أن بعض الفقهاء لم يغفلوا عن هذا الأمر الهامّ، ودخلوا في بحثها على نَحْوٍ جزئي أو مستوفٍ؛ كما أفتى بعضهم بحرمة الحَسَد([62])، والعُجْب([63])، وبُغْض المؤمن([64])، والكِبْر([65]). وقد عمد الشيخ الحُرّ العاملي، في أبواب «جهاد النفس» من مجموعته الروائية، إلى إضافة حكمٍ تكليفي في الكثير من الموارد حول الصفات الأخلاقية بعد اختيار عنوانٍ خاصّ بكلٍّ من تلك الأبواب([66])؛ كما أفتى المقدَّس الأردبيلي بالحرمة في الكثير من الصفات الأخلاقية المرذولة([67]).
د ـ الإباحة وظنّ الترخيص في الخلاف
يذهب الظنّ ببعضهم إلى أن الشَّرْع، بعد حكمه بالإباحة في الكثير من الأمور، وعدم بيان التكليف بوجوبها أو حرمتها، يخلق منطقةَ فراغٍ واسعةً للناس، وإثر الترخيص وعدم الإلزام يتمّ تجاهل الكثير من الأحكام الأخلاقية من الناحية العملية، مع أن هناك من الناحية الأخلاقية أمراً ونَهْياً في كلّ موردٍ من موارد الفضائل والرذائل، وحتّى في الأولويات يتمّ الإلزام بالأحسن بالنسبة إلى الحَسَن، والقبيح بالقياس إلى الأقبح. كما أن الدِّين؛ من خلال وعده بالعَفْو والشفاعة والتشجيع على التوبة والثواب الكثير على بعض الأعمال وادّعاء التكفير وجبران الكثير من الأخطاء والقبائح بذلك([68])، يُسْقِط المَهَابة عن القبيح، ويجعل المتديِّنين متهاونين تجاه رعاية الأحكام الأخلاقية([69]). والإشكال الآخر الذي يمكن بيانه من هذه الزاوية، والذي يتمثَّل بتصوُّر ضعف الثقافة الأخلاقية، هو أن بعضهم قد فهم من بعض النصوص الدينية أن التمسُّك والاعتقاد بالدِّين يستر القبيح، ويعمل على جبرانه؛ بحيث إنه مع وجود الإيمان لا يمكن لأيّ سيّئةٍ أن تكون مضرّةً([70])، أو يتمّ وعد الشيعة بأن ولاية الإمام العادل حَسَنةٌ لا تضرّ معها سيّئةٌ، وأنهم إذا تولَّوْا الإمام العادل لن تتمَّ مساءلتهم على ما اقترفوا من سيّئاتٍ([71]).
ولكنْ يبدو أن التوبة والبشارة بالمغفرة لا يعني تشجيع المذنب على ارتكاب المعاصي والذنوب، وإنما يُراد منها عدم إغلاق باب العودة على المجرمين([72]). كما أن التوبة الصحيحة والنصوح إنما تكون بالرجوع الحقيقي عن الذنوب، وتقترن بالإيمان والعمل الصالح والندم الصادق، وإلاّ فإن مجرّد الاستغفار الشفهي والندم اللفظي لا يمكن عدُّه توبةً. وإن الغاية الأصلية من التوبة والوعد بالمغفرة والأجر تنطوي على هدايةٍ وتربية. إن الله سبحانه وتعالى يفتح صدره برحمته ولطفه للجميع، ويصدر أمراً بالصَّفْح والعَفْو عنهم، شريطة أن يعودوا إلى أنفسهم، ويغيِّروا من سلوكهم، وأن يثبتوا صدق توبتهم على المستوى العملي.
النتيجة
تستمدّ الحضارة الإسلامية تعاليمها الدينية من ثلاث شُعَب رئيسة، وهي: العقائد؛ والأخلاق؛ والفقه. وقد أدّى انحصار الاهتمام الرئيس في البين بالفقة؛ بوصفه علماً رسميّاً في مجال الدِّين من جهةٍ؛ واعتبار الصفات الأخلاقية خارجةً عن دائرة التكليف وموضوع علم الفقه من جهةٍ أخرى، إلى أن يكون واحداً من الأسباب والعناصر الممهِّدة لاضمحلال ثقافة الأخلاق، وعدم جدوائيّة علم الفقه. ويبدو أن القِيَم الأخلاقية إذا أُريد لها الازدهار في أحضان الثقافة، وأن تنتشر في ربوع الحضارة الإسلامية الشيعية، فإن من اللوازم الجادّة والناجعة والمصيرية في هذا الشأن العملَ على رفع الغموض الجوهريّ الكامن في العلاقات العلميّة القائمة بين هذين المجالين.
وفي مسار تقسيم العلم، وإنْ ارتبط الاعتقاد بعلم الكلام، والعمل بعلم الفقه، والصفة بعلم الأخلاق، وتمّ فصل كلٍّ من هذه المجالات ضمن دائرةٍ خاصّة به، بَيْدَ أن هذه العلوم الثلاثة ممتزجةٌ ببعضها في المنظومة المعرفية للدِّين، وتُعَدّ أجزاء لمجموعةٍ واحدة من العلوم المتجانسة والمتجاورة في إطار العمل على صلاح وإصلاح البشر، ولا توجد بينها أيّ حدودٍ من هذه الناحية. ويبدو أن التفقُّه الحقيقي واللازم يجب أن يقوم على أساس ملاحظة هذا الامتزاج والارتباط الوثيق بين هذه المفاهيم الثلاثة.
الهوامش
(*) أستاذٌ مساعِدٌ في جامعة المعارف الإسلاميّة.
([1]) لقد ذكر الشيخ البلاغي الأمر الأخلاقي بوصفه واحداً من وجوه الإعجاز في القرآن الكريم (انظر: محمد جواد البلاغي، آلاء الرحمن في تفسير القرآن 1: 12 ـ 14، دار إحياء التراث العربي، بيروت)؛ وقد ورد في الرواية النبوية أن أساس البعثة والغاية منها قائمٌ على تتميم المكارم الأخلاقية: «إنما بُعثْتُ لأتمِّم مكارم الأخلاق». (الفضل بن الحسن الطبرسي، مجمع البيان 10: 86؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ 2: 128، دار الكتب العلمية، بيروت، 1407هـ).
([2]) يمكن للمصادر والنماذج التالية أن تكون شاهداً على تجاهل الأخلاق والمسار التدريجي لأفولها: 1ـ غوستاف لوبون، تمدُّن إسلام وعرب (حضارة العرب ـ النسخة العربية): 442، تعريب: عادل زعيتر،؛ والنسخة الفارسية: 535، ترجمه إلى الفارسية: هاشم حسيني، نشر إسلامية، طهران، 1358هـ.ش: «ومَنْ يَطُفْ قليلاً في العالم، ويدرس أحوال الناس في غير الكتب، يَرَ الدِّين أمراً مستقلاًّ عن الأخلاق استقلالاً تامّاً، ولو كان بين الدين والأخلاق سببٌ لكان أكثر الأمم تديُّناً أكثرها أخلاقاً، مع أن العكس هو الواقع».
2ـ أحد فرامرز قراملكي ومساعدوه، أخلاق حرفه إي در تمدُّن إسلام وإيران (الأخلاق الاحترافية في الحضارة الإسلامية وإيران): 28 ـ 32، پژوهشگاه مطالعات فرهنگي واجتماعي، طهران.
3ـ جلال رفيع، أخلاق پيامبر وأخلاق ما (أخلاق النبيّ الأكرم وأخلاقنا): 14، 419.
4ـ علي مير سپاسي، أخلاق در حوزه عمومي: 11، نشر ثالث، طهران، 1388هـ.ش.
5ـ عباس قلي غفاري فرد، تاريخ پژوهي در آسيب شناسي أخلاقي إيراني ها (بحث تاريخي في معرفة الآفات الأخلاقية لدى الإيرانيين): 31 و65، نشر دلت، طهران، 1392هـ.ش.
6ـ محسن رناني، چرخه هاي أفول أخلاق واقتصاد (عجلات أفول الأخلاق والاقتصاد): 16، نشر طرح نو، طهران، 1390هـ.ش.
7ـ رضا داوري أردكاني، أخلاق در عصر مدرن (الأخلاق في عصر الحداثة): 10، نشر سخن، طهران، 1391هـ.ش.
وانظر أيضاً: المقدّس أحمد الأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان 12: 374، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1414هـ؛ يوسف البحراني، الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة 10: 64، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1430هـ؛ محمد صالح المازندراني، شرح جامع أصول الكافي 8: 289، 343، المكتبة الإسلامية، قم، 1342هـ.ش.
([3]) الكليني، الكافي 1: 71، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1363هـ.ش.
([4]) انظر على سبيل المثال: عبد الله الزيلعي، نصب الراية لأحاديث الهداية: 54، دار الحديث، 1415هـ؛ ابن حزم، المُحَلَّى 5: 57، دار الجيل، بيروت.
([5]) انظر: المازندراني، شرح جامع أصول الكافي 2: 433، 1342هـ.ش؛ الفيض الكاشاني، الوافي 1: 302، مكتبة الإمام أمير المؤمنين×، إصفهان، 1406هـ؛ صدر الدين الشيرازي، شرح أصول الكافي 2: 385، پژوهشگاه علوم إنساني ومطالعات فرهنگي، 1383هـ.ش.
([6]) «…إذ إدراك الكمال غير واجب في الشرع». (الفيض الكاشاني، المحجّة البيضاء في تهذيب الإحياء 7: 18، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم).
([7]) العسقلاني، القول المسدَّد في الذبّ عن المسند للإمام أحمد: 11، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، 1404هـ؛ الشيخ محمود أبو ريّة، أضواء على السنة المحمدية: 111، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت؛ محمد ناصر الدين الألباني، تمام المنّة: 301، دار الراية، 1409هـ.
([8]) انظر: محمد هدايتي، مناسبات أخلاق وفقه در گفتگوي أنديشه وران (الأخلاق والفقه في حوار المفكِّرين): 286، پژوهشگاه علوم وفرهنگ إسلامي، قم، 1392هـ.ش. (مصدر فارسي).
([9]) انظر في هذا الشأن: تبرير المقدَّس الأردبيلي، حيث يتّجه ـ خلافاً للكثيرين من الذين أفنَوْا عمرهم في الفقه والأحكام العملية ـ إلى الأخلاقيات والأدعية، ويرى اجتناب الفقه والفتوى من مقتضيات الوَرَع والتقوى. (انظر: المجلسي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار 104: 42، دار إحياء التراث العربي، بيروت).
([10]) انظر في هذا الشأن: الأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان 12: 374؛ البحراني، الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة 10: 64؛ المازندراني، شرح جامع أصول الكافي 8: 289؛ محمد الغزالي، إحياء علوم الدين 1: 40، الهلال، بيروت، 2004م.
([11]) ومن ذلك، على سبيل المثال: يقول الفيض الكاشاني: «وليس عبارة عن الفعل؛ فرُبَّ شخص خلفه السخاء ولا يبذل؛ إما لفقد المال أو لمانعٍ آخر. ورُبَما يكون خلقه البخل، وهو يبذل؛ لباعثٍ أو رياء». (محمد محسن الفيض الكاشاني، الحقائق في محاسن الأخلاق: 54، دار الكتاب العربي، بيروت، 1399هـ؛ المحجّة البيضاء في تهذيب الأحياء 5: 95).
([12]) انظر بشأن موضوع علم الفقه: العلاّمة الحلّي، منتهى المطلب في تحقيق المذهب 1: 7: «أفعال المكلَّفين من حيث الاقتضاء والتخيير». (ابن أبي جمهور الأحسائي، الأقطاب الفقهية على مذهب الإمامية: 34؛ العاملي، معالم الدين وملاذ المجتهدين: 29).
([13]) انظر: محمد حسين الإصفهاني، الفصول الغروية في الأصول الفقهية: 4، دار إحياء العلوم الإسلامية، 1404هـ.
([14]) انظر: العلاّمة الحلّي، منتهى المطلب في تحقيق المذهب 1: 7، آستان قدس رضوي، مشهد، 1387هـ.ش؛ العاملي، ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة 1: 41؛ العاملي، منية المريد في أدب المفيد والمستفيد: 374، مكتب الإعلام الإسلامي، قم، 1372هـ.ش.
([15]) العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 9: 404، إسماعيليان، قم، 1371هـ.ش.
([16]) قال الغزالي في هذا الشأن: «إن لفظ الفقه تصرَّفوا فيه بالتخصيص، لا بالنقل والتحويل؛ إذ خصَّصوه بمعرفة الفروع الغريبة في الفتاوى، والوقوف على دقائق عِلَلها… ولقد كان اسم الفقه في العصر الأول مطلقاً…». (الغزالي، إحياء علوم الدين 1: 53).
([17]) انظر في هذا الشأن: محمود شهابي، أدوار فقه (مراحل الفقه) 1: 46، 499، وزارت فرهنگ وإرشاد، طهران، 1366هـ.ش. (مصدر فارسي).
([18]) قال الإمام عليّ×: «لأنسبنّ الإسلام نسبةً لم ينسبها أحدٌ قبلي: الإسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين، واليقين هو التصديق، والتصديق هو الإقرار، والإقرار هو الأداء، والأداء هو العمل». (نهج البلاغة: 1144، الحكمة رقم 120).
([19]) يذهب بعض الكتاب إلى الاعتقاد بأنه على الرغم من وجود القوانين الأخلاقية الدقيقة بين العرب في عصر الجاهلية (قبل ظهور الإسلام)، لم يكن الصواب والخطأ والحَسَن والقبيح يقوم على أُسُسٍ نظرية ثابتة ومتناغمة، ولم يكن يشتمل على ملاكٍ واضح. (انظر: توشيهيكو إيزوتسو، مفاهيم أخلاقي ديني در قرآن (المفاهيم الأخلاقية الدينية في القرآن): 87، ترجمه إلى الفارسية: فريدون بدره إي، نشر فرزان، طهران، 1388هـ.ش). ولكنْ بعد بعثة النبيّ الأكرم|، ورفع الحجب عن دفائن العقول، أخذ هذا التشخيص يتّضح في حدوده. وفي ما يتعلَّق بوجود الصفات الأخلاقية بين العرب في العصر الجاهلي ووجود فضائل، من قبيل: المروءة، والكرم، والجود، ومواجهة الإسلام لرذائل، من قبيل: العصبية والتفاخر والتنابز بالألقاب، انظر: جواد علي، المفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام 4: 574، الشريف الرضيّ، قم، 1380هـ.ش).
([20]) من قبيل: ما ورد بشأن الصوم: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: 183)، وبشأن الصدقة: ﴿تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ (التوبة: 103)، وبشأن الصلاة: ﴿تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ (العنكبوت: 45). وللوقوف على الروايات المأثورة في هذا الشأن انظر: الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج4 (حول الصلاة)، وج9 (حول الزكاة والصدقة)، وج10 (حول الصوم)، وج11 (حول الحجّ). وانظر أيضاً: محمد عبد الله دراز، آيين أخلاق در قرآن (دستور الأخلاق في الأخلاق): 340، ترجمه إلى الفارسية: محمد رضا عطائي، به نشر، مشهد، 1387هـ.ش.
([21]) ومن ذلك، على سبيل المثال، أن ابن هشام يذكر في سيرته عن كعب بن مالك قوله: «خرجنا في حجّاج قومنا من المشركين، وقد صلَّينا وفقهنا…» (ابن هشام، السيرة النبوية 2: 439، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1985م). أو عندما أراد الخليفة الثاني تحديد مَهْر النساء بما لا يزيد عن أربعمئة درهم اعترضَتْ عليه امرأةٌ، وأثبتَتْ بطلان فتواه؛ استناداً إلى قوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً﴾ (النساء: 20)، فذهل عمر، وقال قولته الشهيرة: «كلّ الناس أفقه منك يا عمر، حتّى ربّات الحِجَال». (انظر: المفيد، مصنَّفات الشيخ المفيد 9، رسالة في المهر: 27، ألفية الشيخ المفيد، قم، 1413هـ؛ ابن طاووس، الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف 2: 182، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1420هـ).
([22]) «…والحقوق المالية تحفظ بالفقه، وتطلب بأحكامه، ولذلك ظنّوا أن احتياجهم إلى الفقه أشد من علم الأخلاق». (المازندراني، شرح جامع أصول الكافي 8: 289).
([23]) انظر: الغزالي، إحياء علوم الدين 1: 53.
([24]) «وصار علم الشريعة على صنفين: صنف مخصوص بالفقهاء وأهل الفتيا، وهي الأحكام العامة في العبادات والعادات والمعاملات، [وألف الفقهاء في الفقه وأصوله والكلام والتفسير وغير ذلك]؛ وصنف مخصوص بالقوم في القيام بهذه المجاهدة ومحاسبة النفس عليها، والكلام في الأذواق والمواجد العارضة في طريقها، وكيفية الترقّي منها من ذوقٍ إلى ذوق، وشرح الاصطلاحات التي تدور بينهم في ذلك». (مقدّمة ابن خلدون (ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر) 1: 613، تحقيق: خليل شحادة، دار الفكر، بيروت، 1408هـ).
([25]) ومن ذلك، على سبيل المثال، أنه طبقاً لرواية الشيخ المفيد فإن عدداً من أصحاب المأمون الذين دخلوا مع الإمام الجواد× في مناظرة علمية قد عبَّروا عن هذا القسم من أحكام الدين بـ «فقه الشريعة». (انظر: المفيد، الإرشاد 2: 282).
([26]) «وأما علم الشرائع فهو علمٌ بكيفية العبادة المشروعة… والعلم بالأحكام المحمودة من الحلال والحرام في المكاسب والمعاملات… والعلم بآداب الأكل والشرب واللباس والتحية والضيافة والطيب والكلام والمؤاخاة والمعاشرة والسفر والحقوق، إلى غير ذلك». (محمد محسن الفيض الكاشاني، الحقائق في محاسن الأخلاق: 14).
([27]) قال العلاّمة الطباطبائي في بيان الفَرْق بين الشريعة والدِّين: «الشريعة هي الطريقة الممهّدة لأمّةٍ من الأمم أو لنبيٍّ من الأنبياء… والدِّين هو السنّة والطريقة الإلهية العامّة لجميع الأمم». (الميزان في تفسير القرآن 5: 350).
([28]) «والمراد بعلم الشريعة ما جاء به النبيّ| من عند الله تعالى، وبيَّنه في مدّة عمره، وأودعه عند أهله. وهذا العلم ينقسم إلى أقسام؛ فمنها: ما يتعلَّق بالمبدأ الأول تعالى شأنه وبصفاته وأفعاله؛ ومنها: ما يتعلَّق بأحوال المعاد وتفاصيلها؛ ومنها: ما يتعلَّق بأفعال المكلَّفين وما يتبعها من تقويم الظواهر بالسياسات البدنية؛ ومنها: ما يتعلَّق بأحوال القلب وتطهيره عن الرذائل وتزيينه بالفضائل. وكل هذه الأقسام محمود شريف، طالبُه محبوبُ الله تعالى. لكنّ بينها تفاوتاً؛ إذ بعضها واجبٌ عيناً، وبعضها واجب كفايةً، وبعضها مستحبّ». (المازندراني، شرح جامع أصول الكافي 2: 14. وانظر أيضاً: عبد العظيم شرف الدين، تاريخ تشريع الإسلام وأحكامه الملكية والشفعة والعقد: 23، جامعة قار يونس، بنغازي، 1993م).
([29]) قال السيد الصدر، في توضيح أسباب تصوُّر انفصال الفقه عن الأخلاق: «إن الاهتمام لدى المتشرِّعة إنما هو بالفقه؛ من حيث إن مآله إلى الثواب والعقاب الأخرويين، وليس في الأخلاق وجهةٌ من هذا القبيل، فهو لا يستحقّ مثل هذا الاهتمام. بل قد نجد أن الأئمة المعصومين نحَوْا هذا النحو، بحيث نجد أن هذا الاهتمام المتشرِّعي إنما هو ناتجٌ من تربيتهم وتركيزهم؛ وذلك أنهم ركَّزوا على جانب الطاعة والمعصية والثواب والعقاب، وهي الجوانب المرتبطة بالفقه أكثر من الجوانب المرتبطة بالأخلاق». ثمّ بحث في توجيه هذا الإشكال، واعتبره جائزاً في الأخلاق الصفاتية، وغير جائزٍ في الأخلاق العملية والسلوك الظاهري؛ بل يرى أن اهتمام الأئمّة بالأخلاق السلوكية مقدَّمٌ على الفقه. (انظر: محمد الصدر، فقه الأخلاق 1: 8، دار الأضواء، بيروت، 1419هـ).
([30]) سوف نحصل في الصفحات القادمة على بيانٍ لهذا الأمر، على هامش أبحاث تعلُّق الأحكام التكليفية بالأوصاف والأفعال الأخلاقية.
([31]) «الحرام هو القبيح الممنوع بالنهي عنه، والحلال الحَسَن المطلق بالإذن فيه». (الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 11: 266، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1431هـ).
([32]) انظر: البرقي، المحاسن: 152، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1429هـ؛ الكليني، الكافي 1: 178. وانظر بشأن أهمّية الحلال والحرام: الصدوق، الخصال: 643، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1410هـ.
([33]) انظر: الكليني، الكافي 7: 248.
([34]) إن الروايات التالية يمكن أن تكون شاهداً على التصوُّر التدريجي لهذه المساواة.
ـ عن الإمام الباقر× أنه قال: «تفقَّهوا في الحلال والحرام، وإلاّ فأنتم أعراب». (البرقي، المحاسن: 151).
ـ عن الإمام الصادق× أنه قال: «ليت السياط على رؤوس أصحابي حتّى يتفقَّهوا في الحلال والحرام». (المصدر السابق: 152).
ـ عنه× أنه قال: «مَنْ حفظ عنّا أربعين حديثاً من أحاديثنا في الحلال والحرام بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً، ولم يعذِّبْه». (الصدوق، الخصال: 542).
([35]) ورد في الحديث عن الإمام الكاظم×: «أَوْلى العلم بك ما لا يصلح لك العمل إلاّ به، وأوجب العلم عليك ما أنت مسؤولٌ عن العمل به…» (أحمد الحلّي، عدّة الداعي أو نجاح الساعي: 77، دار المرتضى، بيروت، 1407هـ). وقد عمد الفخر الرازي في تفسيره إلى تقسيم العلوم الدينية إلى قسمين: علم العقائد والأديان؛ وعلم الأعمال. وقال بشأن القسم الثاني: «وأما علم الأعمال فهو إما أن يكون عبارة عن علم التكاليف المتعلّقة بالظواهر، وهو علم الفقه…؛ وإما أن يكون علماً بتصفية الباطن ورياضة القلوب». (تفسير الفخر الرازي (التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب) 6: 83، دار الفكر، بيروت، 1426هـ).
([36]) وكما سبق أن ذكرنا فإنهم يرَوْن علم الفقه علماً يبحث في التكليف، وقالوا بأن موضوعه هو أفعال المكلَّفين. ومن ذلك مثلاً أن العلاّمة الحلّي قال في إثبات تأخُّر علم الفقه عن العلوم الأخرى: «أما تأخُّره عن علم الكلام فلأن هذا العلم باحثٌ عن كيفية التكليف، وهو لا شَكَّ مسبوقٌ بالبحث عن معرفة التكليف والمكلّف… موضوع هذا العلم هو أفعال المكلَّفين من حيث الاقتضاء والتخيير». (منتهى المطلب في تحقيق المذهب 1: 6 ـ 7، آستان قدس رضوي، مشهد، 1387هـ.ش). وإنْ كان التحقيق في ظهور مفردة التكليف بوصفها حدّاً أوّلياً للفقه ومنشأ ظهوره يحتاج إلى تحقيقٍ مستقلّ.
([37]) إن هذه الحساسية قد تبلغ مقداراً بحيث يتمّ الإعلان في أمر الاجتهاد رسمياً أن الذي يجب أن يكون سنداً هو النصّ المبيِّن للحكم، وليس النصّ المبيِّن للمقاصد. (انظر: علي دوست، فقه ومقاصد شريعت، مجلة فقه أهل بيت^، العدد 41: 152، ربيع عام 1384هـ.ش).
([38]) انظر: المازندراني، شرح جامع أصول الكافي 8: 289.
([39]) انظر: المصدر السابق 10: 87؛ الغزالي، إحياء علوم الدين 1: 53.
([40]) ففي سور القرآن الكريم، من قبيل: البقرة: 229 ـ 242، والنساء: 19، والطلاق: 2، 6، والأحزاب: 49 (حول الطلاق والزواج وحدود الحلال والحرام الإلهي، مصحوباً بالسلوك اللائق)؛ والتوبة: 103، والمجادلة: 12 (حول الأمر بالصدقة وتحصيل الطهارة)؛ والفرقان: 63 ـ 64، والمؤمنون: 2 (حول الصلاة والخشوع والتواضع)؛ والنور: 30، والأحزاب: 53 (حول النظر إلى الأجنبية والمواظبة على الطهارة والبراءة من الذنوب)؛ وكذلك البقرة: 7 ـ 10، 90 (حول مرض القلب والابتلاء بالحَسَد وارتباطه بالكفر).
وفي الروايات، من قبيل: نهج البلاغة: 338، الخطبة رقم 109 (حول امتزاج الصلاة والزكاة والجهاد بصلة الرحم والصدقة وأفعال البرّ)؛ والمصدر السابق: 1023، الكتاب رقم ب (شأن الصلاة والتعامل الرحيم مع الآخرين)؛ والحر العاملي، وسائل الشيعة 12: 200 (حول الصلاة ومداراة الناس)؛ والمصدر السابق: 280 ـ 285 (حول الوضوء والصلاة والحضور في المساجد وعدم اغتياب الآخرين)؛ والمصدر السابق 13: 380 (حول ترك الطواف الواجب وقضاء حاجة الآخرين).
([41]) أشار الآغا ضياء العراقي في تعليقته على فوائد الأصول إلى هذه المسألة قائلاً: «بعدما لا يكون سوء السريرة تحت الاختيار لا يوجب قُبْحاً في أمرٍ اختياري آخر». (محمد علي الكاظمي الخراساني، فوائد الأصول 3: 49، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1414هـ). وقال السيد الخوئي، بمناسبة الحديث عن شرط الإخلاص في الوضوء، واجتناب الرياء والعُجْب: «إن تعلُّق الحكم الشرعي بمثل هذه الصفة إنما يمكن تصوُّره من خلال المنع من حدوث هذه الصفة في النفس أو إزالتها عن النفس فقط، ولا يستفاد وجوب هذا الأمر من الروايات». (موسوعة الإمام الخوئي 6: 20، مؤسّسة الخوئي الإسلامية، قم، 1413هـ).
([42]) قال العلاّمة المجلسي ضمن تعريف الأخلاق الصفاتية: «الخُلُق ـ بالضمّ ـ مَلَكة للنفس يصدر عنها الفعل بسهولةٍ. ومنها: ما تكون خلقية؛ ومنها: ما تكون كسبية، بالتفكُّر، والمجاهدة، والممارسة، وتمرين النفس عليها. فلا ينافي وقوع التكليف بها». (بحار الأنوار 67: 372). وقال المولى صالح المازندراني: «وقد توهّم أن الأخلاق كلّها خلقية؛ فيكون التكليف بها تكليفاً بما لا يُطاق. وهذا التوهُّم فاسدٌ؛ لأن الأخلاق قد تتغيَّر وتتبدَّل، كما هو المُشَاهَد في الكثير من الناس، فإنهم يزاولون ويمارسون حتّى يصير مَلَكة». (شرح جامع أصول الكافي 8: 174).
([43]) ذهب صدر المتألِّهين في المشهد الخامس عشر من مفاتيح الغيب إلى اعتبار هذا البحث من الأمور الغامضة، التي لا تتّضح إلاّ من خلال الإحاطة التفصيلية بأعمال القلب. (انظر: مفاتيح الغيب 1: 356، بنياد حكمت إسلامي صدرا، طهران، 1386هـ.ش؛ الغزالي، إحياء علوم الدين 3: 53).
([44]) قال الشيخ السبحاني في هذا الشأن: «وأما السبب في عدم مؤاخذة أحدٍ على صفاته النفسية الرذيلة، وعدم إصدار حكمٍ فقهيّ في حقّه؛ فلأن الأحكام الإسلامية سمحة وسهلة، وتقوم على أساس أفعال الظاهر. فإذا كان الشخص بخيلاً في واقعه فلا شأن للأحكام الإسلامية به، ما دام كابحاً لصفة البخل في نفسه، ولا تظهر عليه في أفعاله؛ وإلاّ لو صار البناء على محاكمة الناس على طبق ما يجول في أنفسهم وضمائرهم فلن يسلم أحدٌ من النار، ويبقى الإمام عليّ وحوضه». (انظر: هدايتي، مناسبات أخلاق وفقه در گفتگوي أنديشه وران (الأخلاق والفقه في حوار المفكِّرين): 104؛ وانظر أيضاً: الهمداني، مصباح الفقيه 2: 247، مؤسّسة المهديّ الموعود#، قم، 1418هـ؛ السيد مصطفى الخميني، تحريرات في الأصول 6: 73 ـ 73، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، طهران، 1427هـ).
([45]) يتمّ التعبير في نصوصنا ومصادرنا الدينية عن هذه الأعمال الهامّة والأساسية في مجال الرذائل بالكبائر [انظر: الكليني، الكافي 2: 276، من قبيل: قتل النفس، وعقوق الوالدين، وأكل الرِّبا ومال اليتيم، وقذف المُحْصَنات]؛ والأعمال المحبطة والمبطلة [هود: 16، (الإقبال على الدنيا)؛ الحجرات: 2، (عدم رعاية الأدب في رفع الصوت عند النبيّ الأكرم|)]؛ إلى مفاهيم من قبيل: «الأخسرين أعمالاً» [الكهف: 103 ـ 104 ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾]، «أعظم الخطايا» [ابن شعبة الحرّاني، تحف العقول عن آل الرسول: 153 (اقتطاع مال امرئ مسلم بغير حقّ)]؛ «أبغض الأعمال» [الكليني، الكافي 2: 290، (الشرك بالله… قطيعة الرحم… الأمر بالمنكر، والنهي عن المعروف)]؛ «شرّ الناس»، [المصدر السابق: 327 (الذين يكرمون اتّقاء شرّهم)؛ المتّقي الهندي، كنـز العمّال 3: 227 (ذو الوجهين)]؛ «مفتاح الذنوب»، «أشدّ الناس عذاباً» أو «ندامة» [الكليني، الكافي 2: 300 (مَنْ وصف عدلاً وعمل بغيره)؛ المتّقي الهندي، كنـز العمّال 3: 204: رجلٌ باع آخرته بدنيا غيره]؛ «ما أخشى (أخاف) عليكم» [الكليني، الكافي 2: 335 (طول الأمل واتّباع الهوى)؛ الليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ: 170 (كلّ ذلق اللسان منافق الجنان)؛ المصدر السابق: 223 (مقارنة قرين السوء)].
كما يتم التعبير في المقابل عن الفضائل بمفاهيم من قبيل: «من حقائق الإيمان»، «أشرف الأعمال» [الليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ: 113 (الطاعة)]؛ «أفضل المعروف» [المصدر السابق: 114 (إغاثة الملهوف)]؛ «خير الأعمال» [المصدر السابق: 237: (ما زانه الرفق)]؛ «خير المكارم» [المصدر السابق: 237 (الإيثار)]؛ و«أجمل الخصال» [الكليني، الكافي 2: 240 (وقار بلا مهابة، وسماح بلا طلب مكافأة، وتشاغل بغير متاع الدنيا)].
([46]) لقد تمّ التعبير عن هذه الصفات الرذيلة والمتدنِّية بـ «السفساف» أيضاً: «إن الله يحبّ معالي الأخلاق، ويكره سفسافها». (المتّقي الهندي، كنـز العمّال 3: 6)؛ ابن شعبة الحرّاني، تحف العقول عن آل الرسول: 159 (الكذب)، إذا كان المراد حالة صفة الكذب: وتحفَّظوا من الكذب فإنه من أدنى الأخلاق قدراً، وهو نوعٌ من الفحش وضربٌ من الدناءة).
([47]) الليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ: 293 (النفاق والكذب)؛ 294: «شرّ الشِّيَم الكذب».
([48]) المصدر السابق: 113 (أقبح الشِّيَم الطمع، أقبح الخلق التكبُّر)؛ 115 (أقبح الشِّيمة العدوان)؛ 118 (أقبح الأخلاق الخيانة).
([49]) الكليني، الكافي 2: 466 (الاستكبار).
([50]) الحرّاني، تحف العقول عن آل الرسول: 68 (الكذب).
([51]) العاملي، الدرّة الباهرة من الأصداف الطاهرة: 43 (البخل).
([52]) الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 260 (قساوة القلب وبُعْد الأمل).
([53]) الكليني، الكافي 2: 291 (ذهاب الحياء).
([54]) المصدر السابق: 289 (الرغبة والرهبة والسخط والغضب).
([55]) المصدر السابق (الحرص والاستكبار والحسد).
([56]) المصدر السابق: 391 (الشك والشبهة).
([57]) الليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ: 263 (الخيانة).
([58]) المصدر السابق: 223 (الاغترار بالمهل والاتّكال على الأمل).
([59]) المصدر السابق: 118 (حبّ الدنيا).
([60]) الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 260 (شحّ مطاع، وهوى متَّبع).
([61]) كما يتمّ التعبير عن الصفات الأخلاقية الهامّة في قسم الفضائل بمفاهيم من قبيل: «مكارم الأخلاق» [الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 15: 180، ح1؛ 198، ح1 و6 ـ 7؛ 12: 174، ح6 (اليقين والقناعة والصبر والشكر والحلم وحسن الخلق والسخاء والغيرة والشجاعة والمروءة…)]؛ «معالي الأخلاق» [الصحيفة السجادية: 129]؛ «محاسن الأدب» [المصدر السابق: 117]؛ «أعلى منازل الإيمان» [ابن فهد الحلّي، عدّة الداعي: 228 (أن ينتهي بسريرته في الصلاح إلى أن لا يبالي بها إذا ظهرت، ولا يخاف عقباها إذا استترت)]؛ «أوثق عُرَى الإيمان» [الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 262 (الحبّ في الله والبغض في الله)]؛ «أفضل الشِّيَم»، [الليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ: 23 (الكرم)؛ 123 (السخاء)]؛ «أحسن الشِّيَم» [المصدر السابق: 48 (الحياء)؛ 19: الصفح)]؛ «أزين الشِّيَم» [المصدر السابق: 119 (الحلم والعفاف)]؛ «أكرم الأخلاق» [المصدر السابق: 122 (السخاء)]؛ «أحسن المكارم» [المصدر السابق: 114 (الجود)]؛ «رأس الفضائل» [المصدر السابق: 263 (ملك الغضب وإماتة الشهوة)]؛ «تاج المكارم» [المصدر السابق: 19 (العفو)]. وبطبيعة الحال فإن التوصُّل إلى إدراكٍ جامع وشامل لمراتب القِيَم يحتاج إلى الفحص والتحقيق بشأن جميع الموارد مورداً مورداً. كما أن بعض الموارد لا تندرج دائماً ضمن عنوانٍ عامّ، من قبيل: صفة دفع السيئة بالتي هي أحسن، التي تمّ التعبير عنها في القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ (فصّلت: 35).
([62]) انظر على سبيل المثال: محمد باقر السبزواري، كفاية الفقه 2: 752، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1431هـ.
([63]) انظر: الشريف حبيب الله الكاشاني، منتقد المنافع في شرح المختصر النافع 2: 49، بوستان كتاب، قم، 1429هـ.
([64]) انظر: الحلّي، قواعد الأحكام 3: 495؛ السبزواري، كفاية الفقه 2: 752.
([65]) انظر: السيوري، نضد القواعد الفقهية على مذهب الإمامية: 275؛ الأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان 12: 364؛ الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 15: 374.
([66]) من قبيل: استحباب ملازمة الصفات الحميدة، واستحباب الصبر، والحلم والتواضع، وكراهية الحرص وحبّ المال، والطمع، والتفاخر والكسل، ووجوب الإخلاص، والتقوى، والورع والعفّة، وحرمة التكبُّر، والحسد، وسوء الخلق، وقساوة القلب. (الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 15 ـ 16). كما تعرّض في الجزء 12 من ذات هذه الموسوعة في أبواب «أحكام العِشْرة» إلى بيان استحباب الحياء، وكظم الغيظ، ولين العريكة.
([67]) انظر: الأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان 12: 343 فما بعد.
([68]) ممّا ورد في شأن التوبة، على سبيل المثال: «وليس علاج ودواء لأمراض النفس أحسن وأنفع وأفيد من التوبة؛ إذ بها يطهر القلب عن الرذائل، ويحفظ سلامته، وبها يخرج عن الحيوانية والبهيمية. ورُبَما يحصل له مرتبةٌ شامخة من الولاية التكوينية». (انظر: الزمر: 53). وبطبيعة الحال فإن التوبة لا تعني تشجيع المذنب على ارتكاب المعصية واقتراف القبيح، بل يُراد منها عدم إغلاق باب الرجوع والإياب على المجرمين. (الصدوق، ثواب الأعمال: 319).
([69]) قال بعضُ المستشرقين في هذا الشأن: «إن أقدم الديانات لم تنصّ على أصول الأخلاق، وإن النصّ على مبادئ الأخلاق لم يكن في غير أديان الهندوس وأديان موسى وعيسى ومحمد، وإن هذه الأديان لم تصنع أكثر من تأييدها لما كان معروفاً، وإن هذا التأييد قام على الأمل في الثواب والخوف من العقاب في اليوم الآخر، وإن خوف العقاب لم يكن مهيمناً على أكثر الناس، وما جعلت تلك الأديان غفران الذنوب أمراً سهلاً». (غوستاف لوبون، تمدُّن إسلام وعرب (حضارة العرب ـ النسخة العربية): 441، تعريب: عادل زعيتر؛ والنسخة الفارسية: 535، ترجمه إلى الفارسية: هاشم الحسيني). ولكنْ صرَّح مستشرقٌ آخر في كتابه بخلاف هذا التقرير. (انظر: جون دوانبورت، عذر تقصير به پيشگاه محمد وقرآن (اعتذارٌ لمحمد| والقرآن): 139، ترجمه إلى الفارسية: غلام رضا سعيدي، نشر اطلاعات، طهران، 1388هـ.ش).
([70]) عن الإمام الصادق×: «لا يضرّ مع الإيمان عملٌ، ولا ينفع مع الكفر عملٌ». (الكليني، الكافي 2: 464).