حوار مع: السيد أحمد المددي(*)
أهمية المناهج والأساليب في البحوث العلمية
إحدى المسائل التي قلَّما يلتفت إليها في الحوزة هي المنهجية بوعيٍ وحكمة. فما هو رأيكم حول هذا الموضوع؟ وهل أنكم تلتفتون إلى هذه النقطة في بحوثكم الفقهية والأصولية؟
إن مسألة الأسلوب ليست جديدة، بحيث نستعرضها الآن. وجميع العلماء الذين هم من الطراز الأول، إلى الذين هم موجودون في وقتنا الحالي، لهم أسلوب خاص بهم. وفي الحقيقة لا يمكن لأي شخص أن يتناول البحث العلمي بدون أن يكون له أسلوبه الخاصّ به. والذي يدار الحديث حوله هو ما إذا كان هذا الأسلوب قد كتب من قبل أحد الأشخاص، وعن وعيٍ وعلم تمَّت كتابته أم لا. وأحياناً نجرد الأسلوب، وبإمكاننا أن نقول: إنّ العالم الفلاني في بحث الأسلوب لا يتناسب نمط بحثه مع البحوث الأخرى في المناقشة. فمثلاً: عوضاً عن علم الفقه يدلي برأيه بقاعدةٍ ما، وفي مكانٍ آخر يستعرض رواية، لذا نقول: إن هذين الأسلوبين لا ينسجمان مع بعضهما. إذاً العلماء الأعلام لهم اهتمامهم ببحث الأسلوب في كلّ فنّ من الفنون، شاؤوا أم أبوا. ويكون الاختلاف أيضاً في نفس هذا الأسلوب.
لقد بيَّنا الأسلوب في أربع مراحل، وقد جعلنا ذلك في تحليل الهدم والبناء، ووضعنا له اسم التحليل؛ لأن مجموعة من الأمور الفكرية هي عبارة عن الجسدية والاجتماعية والنفسية و…. ولها معنى أوسع من الحركة الفكرية وأمثالها.
المرحلة الأخرى هي مرحلة النقد والاختيار. وفي هذه المراحل، بغضّ النظر عن أن تكون مبتكرة أم لا، المهم أن تكون اختيارية؛ لأنه من الممكن أن بعض الناس يمتلك أحياناً جزءاً من الابتكار في مجال العلوم البشرية أو التكنولوجيا أو المعرفة، حيث إنها حالة إلهام، وتحصل عن غير شعور.
وقد كان هدفنا هو جعل هذا الابتكار يتمّ بصورةٍ من الوعي، ونخرجه من حالة اللاوعي. وكما يطلق عليه اليوم «توارد الخواطر». وكما يقال له في اللغة العربية: «الإبداع الذاتي»، أو الإلهام الداخلي. وندخله في نطاق العقل الواعي.
الأشياء المهمة الأخرى للتحليل هي الإحاطة التامة بأفكار القدماء؛ كي يمكن تحليلها. وكما يقول الشاعر: «انظر إلى ليلى بعيني المجنون». فيجب أن يضع الإنسان نفسه مكان الشيخ الطوسي، أو الشيخ المفيد، أو العلاّمة الحلّي أو الآخرين، بحيث يقول بكلّ ثقة: إذا كان العلامة الحلي موجوداً يقول نفس الكلام. وبما أن مبانيه كانت هكذا أو أن العلامة في مواضيع أخرى حيث لم يقل شيئاً، أو أننا لم نقرأه، بإمكاننا أن نفهم بناءً على القاعدة أن رأيه هكذا كان؛ لأن العلاّمة له هذا الأسلوب، وطبق هذا الأسلوب قد وصل إلى هذه النتيجة.
هذه المراحل الثلاث إنما هي مراحل تحضيرية، ونطلق عليها جميعاً مرحلة الهدم، بحيث إن مباني وكلمات العلماء الماضين تمحى وتنقل من مكانها؛ لأن كل إنسان يسعى في الزمان الذي يعيش فيه أن يطَّلع على ما قدّمه الماضون، ويزيد وينقص فيه. وفي مرحلة من المراحل يسعى بعض علمائنا في مجالات مختلفة أن يطّلعوا على كل ما كتب في الأزمنة السابقة، وفي الوقت ذاته إمّا يطَّلعون عليها أو يقومون بمطالعتها، والتمكّن من تحليلها وانتقادها. وبعد ذلك يستخرجون من مجموع ما تمّ مبانٍ جديدة، بحيث يكون لها إطار معين، ويوضّحون معالم هذا الفكر، والأطر المحيطة به، وحالات رفضه وقبوله.
والمرحلة اللاحقة، والتي تعدّ أهمّ من المراحل السابقة، هي مرحلة البناء، والتي لها أهمّية كبيرة.
مثلاً: ما قدّمه الشيخ الطوسي من فنٍّ في كتابه الفقهي المأثور (النهاية) هو أنه أعطى البحوث هذا الانسجام، بحيث لو أردنا الآن أن نقدّم فقهاً مأثوراً من الجائز أنّ بإمكاننا أن نغيّر مكان بعض فتاواه، أما البحوث الفقهية الروائية التي استعرضها والمتن الفقهي الذي استخلصه من متون الروايات فقد كانت نوعاً من الابتكار. ومع ما تقدّم فإن المهم هو أنه بالإمكان البناء بعد مرحلة الهدم.
وطبق هذه المراحل بالإمكان تصنيف الأشخاص. فمثلاً: يحصل صاحب الجواهر في توضيح آراء القدماء على 30%، وفي التحليل على 30%، وفي النقد على 40%.
والذي أقوله هو: لو أردنا أن نبتكر، بل لو فكرنا في تأسيس فقه جديد، يجب أن يكون للمؤسِّس القدرة الكاملة على الإلمام بكلمات السابقين، كالنبوة الخاتمة التي كانت على اطّلاعٍ كامل على جميع ما جاء به الأنبياء السابقون، وفهم كامل لها، وأيضاً بإمكانه أن يبحث العلاقات العلمية والاجتماعية والسياسية والفنية والثقافية، وله القدرة كذلك على تحليل الأطر التي قد بيّنتها المواضيع المبحوثة تحليلاً جيداً.
ودراسة الأطر هذه لها موضوعها الخاصّ بها، بحيث إذا أردنا أن نغيِّر المحتوى، ونبتكر شيئا جديداً، فبإمكاننا أن نضعه بنفس الإطار السابق، أو يجب تغيير الأطر وطريقة عرض البحوث. ومع ذلك يعتقد البعض، وأنا أيضاً كذلك كنتُ أتبنّى مدّة من الزمن نفس الاعتقاد، أن بإمكاننا تغيير المضمون، ولكنْ مع الاحتفاظ بالأطر. ويعتقد البعض الآخر بأن المضمون والقالب لهما تأثّر وتأثير مباشر، ولا يمكن أن يحتفظ بأحدهما ويغيَّر الآخر، كالشعر الحديث، حيث توصّلوا فيه إلى هذه النتيجة، وهي أن مضمونه لا ينسجم مع الشعر التقليدي.
لذا فإن التأسيس إنْ كان في الأصول أو في الرجال ودراية الحديث أو… يجب أن يكون بهذا الشكل، وهو أن نكون على دراية تامّة بأفكار السابقين، ويجب أن نتمكن من تحليلها، ومن ثمّ هدمها، وبعد ذلك نقوم ببناء جديد ومنسجم.
رؤى في الإبداع والاجتهاد
ما هي الحلول والرؤى التي من الممكن أن تقدّم من أجل الابتكار؟ وعلى ماذا يدور محور ابتكاراتك الأصلية؟
إذا كنّا نريد أن نقدّم رؤى من أجل الابتكار فإنّي أرى أنّه من الضروري، وقد بذلتُ جهدي أيضاً من أجل تحقيق ذلك، التقليل من حدّ التعبّد في دائرة المعارف الإسلامية، أي أن لا نجعل الأمر غامضاً، ونجذّر للأمر في كلّ مكان، لا أن نكون مثل الحوزات العلمية المعاصرة: بما أن المشهور عمل هكذا إذاً علينا القيام بما قام به المشهور. لقد سعيتُ في نهجي الخاص أن أتعامل مع التعبّد بأقلّ قدرٍ ممكن. من الطبيعي أن هناك مواضع يكون بها ذلك التعبُّد حتمياً، لكنْ في مواضع قليلة.
موضع التعبد معروف، وجذوره معروفة أيضاً. ونعتقد أن دائرة التعبد في المسائل العلمية واسعة جداً. وقد حاولنا أن نقلل من هذه الدائرة بمعرفة وعلم، وأن نجذر للمسائل. حتّى في بعض الأماكن التي يصلون فيها جميعاً إلى النجاشي يقولون: انتهى الأمر، فأصبحنا نحن نشكّك بالأمر؛ وذلك لأننا عملنا جاهدين أوّلاً أن يكون الابتكار إرادياً وغير إلهامي؛ وثانياً: أن نجعل لتلك الأفكار جذوراً. وعلى سبيل المثال: لقد كان بحثنا في هل أن التلقّي استقبلوه برضا لما كان لدى الأصحاب القدماء، أي تعبّداً وانصياعاً كاملاً لما قاله الأصحاب، أم تبنياً، أي كان استنباطهم؟ من الطبيعي أن البحث له منحى كبروي أيضاً، أما أمر التلقي فيرجع إلى الأئمّة الأطهار، وفي المكان الذي فيه تبنٍّ يرجع إلى الفقيه وذوقه الفقهي، ولكنْ مع هذا له حجمه وقيمته العلمية الخاصة. والمهمّ أن نميِّز بين هذين المنحيين، والذي يعدّ عملاً شاقاً، ويحتاج إلى الكثير من المجهود في العمل التاريخي والتجذير.
في مقابل هذا الكلام كان هناك التعبّد، الذي هو أخذ الأمر على علاته. وعلى سبيل المثال: عندما كان يجري في العالم الإسلامي في ذلك الوقت بحث المعتزلة والأشاعرة، والمذهب العقلي، وكان الشيعة بطبيعة الحال يميلون إلى المذهب العقلي، وهذا هو الصحيح. وعلى سبيل المثال: في نفس هذه المسألة ـ المذهب العقلي ـ عندما يدور الحديث حول بعض المسائل كفلسفة الأحكام، حيث يتم التساؤل: لماذا القنوت بهذا الشكل؟ ولماذا يصدع بالتكبير هكذا؟ كان هناك بين الشيعة في ذلك الزمان خطّ متَّبع في قم والريّ وقزوين، بحيث إن التعليل لهذه التساؤلات كان تعبدياً أيضاً. أو مثلاً: أيّام الأخباريين كان صاحب المحاسن يقول في محاسنه عن الشيخ الصدوق وعليّ بن حاتم القزويني ومحمد بن علي بن ابراهيم، وكذلك نفس هذا الكلام قد كتب في «علل الشرائع» ـ وما كتب فيها تعبّدي أيضاً ـ: إننا لا نعلم شيئاً لو لم يكتب هؤلاء. وقال المرحوم النائيني في مناسباتٍ كثيرة في الأصول حول التعليل: إنّه يجب أن يكون عقلائياً، لا تعبدياً. فإذا قال الشارع: إنّ الصلاة ركعتين؛ لأنّي أنا أقول ذلك، فلا يوجد هناك توافق بين هذا الكلام وقاعدة التعليل؛ لأن التعليل من ناحية القاعدة يجب أن يكون عقلانياً. وطبق كلام علماء المنطق يلزم الدور، وإذا لم يكن هناك دورٌ سيكون هناك مصادرة في المطلوب.
لهذا إذا أصبح الابتكار خاصاً على الأقلّ يكون تعبدياً، وبما أننا كنا نبحث عن هذا العمل، وفي الجهة المقابلة لهذا التعبد يوجد هناك شواهد وقطع عرفي وثقة واطمئنان، لذا اضطررنا لمراجعة النصوص الأولية، والقيام بمقارنتها أكثر مع بعضها البعض، ومن ثم نزيد وننقص بها. وبسبب قدم الزمان تغيَّر لون تلك الأدلة. وهذا العمل ينطوي على بعض المشاكل. فبناءً على ما قمتُ به وتولاّنيه الله سبحانه من لطف، اتَّخذت هذا الأسلوب من التفكير، وشئت أم أبيت لم أنجرّ وراء التعبد.
وعلى سبيل المثال: في تحقيقنا في عمل المشهور رأينا أن السيد الخوئي لديه إشكال، وهو أن عمل المشهور لا يجبر ضعف السند، ولا يكسره. وكثيرون هم مَنْ تكلم عن ذلك بالتفصيل. وطبعاً هذا غير البحث الكبروي الذي نختلف فيه أيضاً من وجهة نظرنا مع العلماء؛ لأن العلماء في هذا القسم من الأصول قد مارسوا تفكيراً عقلائياً أكثر، وذلك مثل البحوث الفلسفية، ونحن نعتقد أن البحوث الأصولية على الأكثر ليس لقضاياها منحى حقيقي، وإنما هي قضايا خارجية. وبدلاً من الاستدلالات التي جاؤوا بها في مسألة الشهرة والجابرية اتَّخذ علماء الشيعة منحىً آخر تحت ظروف وشروط معينة، وهي هل أن الشهرة جابرة أم لا؟ إذاً يجب علينا أن نتفهَّم هذه الشروط. لذا فإن علماء السنّة، وكثير من علمائنا، لا يتناولون هذا البحث. ومعالجة هذه القضية قد تمت منذ وقتٍ وتاريخ خاص.
ومن الابتكارات الأخرى، والتي بإمكانها أن تكون وثيقة مستقبلية، أننا نعتقد بأن العلوم الاعتبارية هي الأخرى لها تجذير، ولا يقتصر ذلك على العلوم الحقيقية. وعلى سبيل المثال: كان يوجد لدينا في الطبّ عنوان شامل لعفونة الأمعاء، والتي غالباً ما كانت تعتبر معرفة مسبّباتها عادية. مثلاً: يقال: إنّ التعفُّن الذي في المعدة يسبِّب الإسهال. أما الآن فإن هذا الأمر يبعث على التحليل، ومتابعة المسبِّب الأصلي فيه. ويقسّم تعفُّن الأمعاء إلى ثلاثين أو أربعين قسماً، وتقاس تأثيرات كل قسم على جزء من البدن، ويظهر 30 عاملاً بعد ذلك، وكلّ واحدٍ منها له جذوره الممتدة، ودواؤه مختلف.
من رؤانا وخطتنا الاستراتيجية في العلوم الاعتبارية هي أنّه بإمكاننا أن نبحث عن الجذور، لا أن تكون عن طريق البرهان اللِّمِّي أو عن طريق العلّة في العلوم الاعتبارية، ولكن في علم الرجال والفقه والحديث يمكننا أن نجعل لها جذوراً. وبعبارة أخرى: لو أخذنا الأمر من الأعلى فبإمكننا أن ندرس جميع الأحداث التاريخية وجذورها منذ زمن رسول الله|، ومنذ بدأ الوحي الإلهي، وحتى قبل ذلك. وبإمكاننا أن نبحث تاريخ 1400 سنة، وحتى قبل هذا التاريخ المتمثِّل بعصر البعثة؛ وذلك كي نبيِّن جذور الفكر.
نماذج وتحليلات
الرجاء إعطاؤنا تحليلاً للنماذج في حالة توفّرها.
نعم، يوجد هناك عملٌ جديد أحبّ القيام به كثيراً، ولكني لم أبدأ العمل به إلى الآن، وهو أنه جاء في كتاب التوراة كثيرٌ من الأحكام القرآنية، أما تعابيره فليست محكمةً كتعابير القرآن. وبالمقارنة التي سوف نجريها ما بين القرآن والتوراة نجد أن الأحكام نفسها بينهما، ولكن تعابيرها ليست بحلاوة ومتانة وصلابة تعابير القرآن الكريم. لذا حتّى لو أردنا أن نجري المقارنة لهذا الحدّ؛ كي نتعرّف على جذور التعاليم والأحكام، أي إنه بإمكاننا أن نؤدي الحديث والتاريخ بنفس العمل الذي قمنا به في القرآن الكريم، ونجعل روح الفكر والتحقيق هو الحاكم، ونبتعد عن روح التعبُّد. عندئذٍ بنظري أن النتيجة ستتغيَّر كاملة. ويتّضح لنا أن هذا العمل الذي تهيّأت أرضيّته لنا الآن يوجد هناك مَنْ سبقنا إليه. وهناك مَنْ سبقني بهذا العمل، وهو العلاّمة التستري. ولكن يجب أن توضع له معايير، وأن لا يترك على علاّته. ويوجد لدينا من العلماء، مثل التستري، من خلال علم الرجال في عصر الصحابة، والذي قد وصل إلى نتيجةٍ عن هؤلاء، وهي أن الشخص الفلاني مختلَقٌ، وليس له وجود.
وهناك مثالٌ آخر، وهي حكاية جابر بن حيان، والتي ليس لها أيّ أساس من الصحة، وليس له وجود على أرض الواقع، وهي عبارةٌ عن كذب، ومن صنع الخيال. ومن الجائز توجد هناك عشرات الكتب المطبوعة والمعتبرة في العالم تتكلَّم عن جابر بن حيّان. والبعض منها قد قام كرواس بطبعه. ومن الطبيعي أنّي لم أطَّلع على أعماله كلها. وقد سمعت أن هناك غيره قد قام بطباعتها أيضاً. ويوجد هناك أيضاً كتاب مختار أسرار جابر بن حيان، والذي يعتبر وصفاً علميّاً مختصراً عن بعض النسخ، وقد تم حفظها في المكتبات البريطانية وغيرها. ولكنْ عند التحقيق التاريخي يتَّضح أن كل هذه النسخ ليس لها أيّ وجود في الواقع، وكل ما في الأمر أن هناك مجموعة تريد أن يشيع هذا الأمر بين العالم الذي يعمل بمسألة التعبّد، ويستغلون التعصب الديني الشديد لدى الناس، ويعتقدون بأنّهم إذا خرجوا من هذا الإطار فإنهم سوف يكفرون ـ وعلى سبيل المثال: هناك قولٌ معروف: «مَنْ تمنطق فقد تزندق»([1]) ـ. وقد اختلقوا مثل هذه الشخصيّات. من الطبيعي أن الأمور قد اختلفت كثيراً بعد ذلك، وأصبح العمل جيداً، والنتائج قد تقدمت لما هو الأفضل. ولكنْ علينا أن نسعى وراء الأدلة والقرائن، وأن نحيط إحاطة تامة بالتاريخ، ونحلِّل الحوادث. أصلاً الرسول| نفسه يعرف أن إحدى خصائص هذا الدين، والتي من الطبيعيّ أن تعتبر مهمة جداً، وإحدى المعاجز النبوية، هي التنبّؤات الغيبية. لهذا قال: سوف يأتي من أمّتي أناس في أيّ زمان كان، وفي أي قبيلة كانت، ينفون التحريف والشبهات([2]) (وينفون عنه تحريف الغالين).
فإذا ما ترك دين رسول الله الأكرم| كما هو فإنه سيصل إلى رموزٍ غيبية وطلسمات و… وطبيعة البشر باتَتْ ترغب في أن تدفع المال في مقابل أن تقوم بالأعمال المنكرة. لذا قال رسول الله|: إن ما تمتاز به هذه الشريعة هو أنه في أيّ زمان كلّما زيد أو أُنقص في هذا الدين فسوف يطرأ عليه التحريف والتلف، وقد جعل الله هذا الدين بحيث يمحي هذا التحريف. وأصل هذه الشريعة المقدَّسة كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (الحجر: 9). وكان هذا أحد مقوّمات حفظ الشريعة المقدسة. وقد تمّ القضاء على هذه التحريفات بواسطة العلماء. والذي نقوله الآن: بما أن الوسائل العلمية أصبحت أكثر فبإمكاننا أن نرجع بسهولة إلى الأدلة التاريخية. ويمكننا أيضاً الانتقاد بسهولة، وبإمكاننا بسهولة أكثر أن نحلِّل الأدلة التاريخية لهذا المجتمع من الناحية الاجتماعية والنفسية.
مثال آخر: قصّة زواج رسول الله| من عائشة، والتي وجدها الغربيون من وجهة نظرهم فرصة؛ ليشهِّروا بالإسلام. وكما ذكرت عائشة ونقله البخاري أيضاً أن عمرها في ذلك الوقت الذي تزوَّجت به الرسول| كان سبع سنين، والرسول| كان في 53 من عمره، ووالد زوجة الرسول| أبو بكر يصغره بسنتين ونصف السنة. تقول عائشة: كان عمري تسع سنين. وطريقتها في نقل الرواية غير مناسب ذكرها. وكان زفاف رسول الله| عليها في المدينة. لذا فإن زواج رجل عمره 55 سنة من شابة عمرها 9 سنوات مستهجن لدى الغرب. حتى أنّه قد كتب كتاب باسم جواهر المدينة، ووضع على غلافه صورة طفلة تنبئ عن أن صاحبة الصورة عائشة. ومن الجائز أني أتكلّم بهذا الكلام لأوّل مرة أمام علماء الشيعة، وهناك مَنْ تقبَّل مثل هذا الكلام من رجال الدرس، فتابع الأمر، وكتب عنه. لقد رأيت في كتاب([3]) أعلام النساء، لابن كثير، حيث يوجد شرح عن أسماء بنت أبي بكر أخت عائشة الكبرى، والتي كانت زوجة الزبير. وعندما قمتُ بمقارنة الأعمار والسنين لاحظتُ أن عائشة في زمان رسول الله كان عمرها 17 سنة، وعندما زفَّتْ إلى رسول الله| كان عمرها 19 سنة، وليس هناك من مانعٍ من زواجها في هذا السنّ، حتّى في أوروبا نفسها، حيث يتزوج رجل عمره 90 سنة من شابّة بعمر 19 سنة. ومن الجائز أن أهل السنّة لا يتقبلون هذا الأمر؛ لأن هذا الحديث السابق قد جاء في صحيح البخاري، ولكنٍ جاء في مصادرهم أيضاً ما قمتُ بذكره، وذكر ذلك في كتاب أعلام النساء، لابن كثير. هناك أمرٌ آخر، وهو ما ينقله أهل الشام من أن الإمام الحسين× قد خرج من الدين الإسلامي، ويعرفونه على أنه مرتدّ. والذي يقصدونه من الخارجي هي تلك الفرقة التي تخرج ضدّ الحكومة، كالخوارج الآخرين الذين قد ثاروا ضدّ الحكومة بالسلاح، أي إن الحسين بن عليّ’ ثار ضد السلطة الحاكمة بالسلاح، وذلك مثل أيّ دولة عندها نوعان من المعارضة: واحدة تلتزم النهج السياسي، وتكون معارضة، ولها مجلة، وصحيفة و…؛ وأخرى مع هذا كلّه لها نهجٌ عسكري، وتلتزم القتال في معارضتها، وهذا هو المقصود من الخارجي.
علم أصول الفقه ومديات التغيير والتحوّل
بما أنّ علم الأصول ليس علماً تاريخياً، وهو تابعٌ للقواعد العقلائية، فهل أنّ جذور قضاياه قابلةٌ للتغيير؟ وكيف يمكن عمل التغيير فيه؟
بما أن علماء الأصول قد تناولوا الموضوع من وجهات نظر وزوايا مختلفة خلال 1400 سنة فلو أخذنا ـ على سبيل المثال ـ أحد الآراء التي طرحت على الساحة، وظهرت في القرن الخامس والسادس، ولم تكن موجودة من قبل، يكون بإمكاننا أن نجمعها. وعندما تتضح هذه الرؤية، ويصبح معلوماً من أيّ زاوية قد تناولها علماء الإسلام قاطبة، فإنه يصبح بإمكاننا أن نفهم المسائل جيداً، ونرى إذا كانت من القواعد أم لا، وعندها نصل إلى التغيير والتأسيس والابتكار. وأنا شخصياً أعتقد أننا إذا أردنا أن نقوم بتغيير أساسي وواقعي في الفقه لا يمكننا أن نحصل على نتيجةٍ إذا لم تتَّضح هذه الميادين، ويحصل التطوُّر في الفقه والأصول. مثلاً: في مسألة اجتماع الأمر والنهي، والتي قد طرحت بهذا الشكل: هل أنها تركيب اتّحادي أم انضمامي؟ وما هو المقصود من التركيبين: الاتّحادي؛ والانضمامي؟ وهل أنهما جنس وفصل، وما شاكل ذلك؟ يقول السيد الخوئي: إن الوضوء في الإناء المغصوب لا ينضوي في مسألة النهي في العبادات، ولا هو في مسألة اجتماع الأمر والنهي؛ لأنك عندما تأخذ كفّاً من إناء ماء يفترض أنه مباح فهذا يعتبر تصرّفاً في الإناء، لا أنه وضوء، ولكن عندما تغسل به وجهك عندها يعدّ وضوءاً، لكنّه ليس تصرفاً بالإناء. لذا يقول: إن هذه المسألة خارجة عن مسألة اجتماع الأمر والنهي، وعندها بطريق أولى تكون خارجة عن مسألة النهي في العبادات.
لهذا فإنهم لبثوا طويلاً لم يتناولوا في الأصول الإسلامية الأمر من هذا الاتّجاه. مثلاً: يقول ابن حزم: إن كلمة ﴿أَقِمْ الصَّلاَةَ﴾ لا يوجد بها إطلاقٌ، وأقم الصلاة وإنْ كانت الأرض مغصوبة، أما كلمة «لا تغصب» فبها إطلاقٌ، ويقول: لا تغصب، أي إنه لا تنَمْ في الأرض المغصوبة، ولا تأكل، ولا تصلي. فبهذه الطريقة الكثير من بحوث الأمر والنهي سوف تحلّ، وسوف لن تحتاج أصلاً في هذه البحوث إلى التركيب الاتحادي والانضمامي.
أما الآن فقد أصبحت مسألة اجتماع الأمر والنهي من المسلّمات، وأن الدليلين لديهما إطلاق، وبما أن لديهما إطلاق ماذا يمكن القيام به في مسألة الاجتماع؟ لذا ليس هناك من حاجة إلى جميع هذه البحوث المطروحة. فابن حزم يعتقد كذلك في موضوع الوضوء في هذا المثال ببطلانه؛ لأنه بما أنك لا يجب أن تتصرّف بالإناء المغصوب فهذا يعني أنك تحتفظ به في منزلك فلا تستخدمه في شرب الماء، ولا في الوضوء. وبهذه الطريقة ينشأ الاختلاف في الأصول، فما هي المدة التي تحتاجها في دراسة الأصول كي تعرف ماذا قال الشيخ ضياء في مسألة التركيب الاتّحادي، وماذا قال الشيخ النائيني؟ وأصلاً لم يتمّ تناول التركيبي، ولا الانضمامي.
لا نريد أنْ نقول: إنّ وجهة نظره صحيحة، وإذا حقّقت تجد أن هذا البحث لم يتمّ تناوله في خارج الأصول، ولم يكتبه السيد الخوئي، ولا الآخرون.
وعندما نقوم بتحليل هذه المسائل وتجزئتها نجد أن أمثال الفخر الرازي والمتكلِّمين قد جاؤوا بهذه البحوث في علم الأصول.
هناك مناقشات مفصلة قد جاؤوا بها على أنها تحقيقات علمية، وقد دخلت ضمن أصولنا من السنّة الأربعمائة والخمسمائة، وتقريباً في زمان السيد المرتضى والشيخ الطوسي. وبالطبع ليست كالطريقة التي يتناولها أهل السنّة حسب معرفتهم؛ لأن عدداً من متكلِّميهم لديه كتاب مسهب، كالقاضي عبد الجبّار، حول هذا الموضوع. ففي كتبهم الكلامية تناولوا البحوث الأصولية مرة واحدة، وعندما أصبحت مادّة للبحث جعلوها عقلية؛ وبالطبع العقل الكلامي.
وقد أوضحنا للوهلة الأولى بناءً على بعض روايات الشيعة أنّ لأهل السنّة الحقّ أن يسلكوا نفس الطريق. فقد أصبح من المعلوم أن مقابل رواية عمار الساباطي أننا نقول بالاجتماع حتّى في الأماكن التي تنبئ عن فاصلة بعيدة، ولا يوجد هناك وجه للالتقاء، ولا يوجد علاقة بينهما إطلاقاً. ونقول: إن قلَّمت أظفارك بالحديد فإن وضوءك باطل، وذلك طبق بعض الروايات التي تقول: لا يجب أن تقلِّم أظفارك بالحديد؛ لأن الحديد نجس! فما علاقة نجاسة الحديد ببطلان الوضوء؟! فقد كتب يقول([4]): لأن الحديد لباس أهل النار. ولا يوجد هنا مكانٌ للاجتماع بالمرّة، بل هو أشدّ أنواع الامتناع. ومع ذلك قيل بالاجتماع، وقالوا ببطلان الوضوء. وقد قمنا بالبحث المسهب حول هذه الرواية، وبالطبع هناك روايةٌ أخرى، والذين جاؤوا بها هم الأخباريّون، وقد تعرَّضنا لها كذلك.
ومن الجائز أن مدرسة أهل البيت تتّخذ نفس الطريق غير الناظر إلى كلمة «صلِّ» على أنها «لا تغصب»، أما كلمة «لا تغصب» فناظرةٌ إلى «صلِّ». عندها ترى أن هذا البحث في بحوث الشيخ النائيني عبارة عن مسألة أصولية!
مطالعةٌ في الشهرة الفتوائية وقيمتها الموضوعية
وفقاً لهذا الرأي فإن الشهرة الفتوائية كذلك سوف تواجه تحدّيات جدّية. فما هو تحليلكم عن الشهرة، طبق المبنى المذكور؟
على سبيل المثال: لقد جاء في الأصول أن الشهرة جابرة، وكثيراً ما طبق هذا الكلام في الفقه. ولكنّ جابرية الشهرة لا تجبر سند أهل السنة، ولا تعني شيئاً لأي فرقة من الفرق الأخرى. والمعروف أيضاً أن حجية الشهرة غير موجودة في أيٍّ من بحوث أهل السنة، وإنما هي من مميزات أصولنا.
لقد كان جبران الشهرة نقطة تاريخية في حديث الشيعة. ويعمل علماء الشيعة إلى عصر الشيخ ببعض الروايات الضعيفة، وفقاً لسلسلة من المعايير. ثم إن الشيخ أول مَنْ تناول بحث التعبُّد بحجية خبر الواحد، أما بعد ذلك فقد انبرى له العلاّمة.
كان القدماء سابقاً، أمثال: الكليني والطوسي، يعملون بالحديث الضعيف، أما المتأخِّرون فقد وضعوا له اصطلاحاً جديداً، ثم إن أمثال الشهيد الأول والشهيد الثاني وصاحب المدارك قالوا؛ من أجل حلّ هذه المسألة: إن الشهرة جابرة، أي ما دام القدماء يعملون بالرواية، وإنْ كانت ضعيفة، فيجب علينا أن نقبل بها؛ لأنهم وجدوهم يعملون هذا العمل. وهذا الجدل التاريخي موجودٌ في الفكر الشيعي. ولم يقبل الشيعة لزمنٍ طويل حجية التعبُّد بالخبر. إذاً وافق الشيعة على حجية التعبد بالخبر من زمن العلاّمة، وبقوا خمسمائة سنة على ما هم عليه، ومن ثم بعد ذلك تغيَّر الوضع. وقد اعتمدوا هذه الطريقة لحلّ هذه المشكلة، وبعد ذلك جعلوها بحثاً أصولياً.
وكان الأصحاب القدماء يقومون بهذا العمل لقاء الفهرسة، أي إن أكثرهم يعملون بالرواية في الكتاب على أنها معتبرة، وإنْ كان راوي تلك الروايات ضعيف؛ وذلك من أجل أن الكتاب معتبر؛ حيث إن هناك نسخاً أخرى يقومون بمقابلتها معها. ومن الجائز أن هناك عشرات الروايات الآن في كتاب الكافي قد نقلت عن محمد بن عليّ الصيرفي. وهو أيضاً([5]) معروفٌ بالكذب، حتّى أنه يعدّ من أشهر كذّابي الشيعة، ومع هذا جاء ذكره في الكافي. لهذا فإن العلماء حلَّلوا الأمر بهذا الشكل، وهو بما أنه جاء ذكره في الكافي، وحظي بالشهرة، وعُمل بأحاديثه، إذن لأحاديثه حجية التعبد.
تعبُّد على ماذا؟ أحد الخلافات الأساسية التي بيننا مع علماء الشيعة أو السنّة هي هذه. فأنا قدر المستطاع بذلتُ جهدي في أن أقلِّل الرجوع إلى العمل بالتعبّد. وفي كثير من الأماكن يرجع علماؤنا إلى مسألة التعبّد. فإذا كان القدماء يعملون برواية أمثال محمد بن علي الصيرفي، الذي لم يسمع مباشرةً من الإمام×، وإنما هو راوٍ فقط، لهذا ففي تاريخ الشيعة في مرحلة انتقال الثقافة الشيعية من الكوفة إلى قم هو عبارة عن ناشر، ومثله مثل أيّ ناشر عادي لا يهتمّ بما يكون المنشور، أو يهودي يطبع قرآن.
جيء بنسخةٍ من الكتاب إلى قم، وأخضعت للتحقيق، ورأوا أن روايات منه لا تطابق النسخ الباقية، فإثبات الكذب لا يؤثِّر على جميع روايات الكتاب؛ حيث يوجد في الكتاب مئتي حديث منها عشرون رواية غير صحيحة، أما البقية فقد كانت كذلك. كانوا يقارنون، ويسألون الشيوخ أيضاً. وبإلقائهم نظرة على النسخ التي بين أيديهم ينقلون ما يجدونه؛ كي لا يحصل كذب. لقد كانت كل كتب الشيعة بهذه الطريقة، والبعض من الكتب كانت تحتوي على ثلاثمائة حديث. وعلى سبيل المثال: كان كتاب حفص بن غياث يحتوي على 270 حديثاً، وكتاب مسائل علي بن جعفر ـ والذي يعدّ من الكتب المهمة ـ كان يحتوي على 400 حديث. المحقِّقون يقومون بتنقيح هذه الأحاديث، وبعد ذلك من الطبيعي أنهم يختلفون حول حجية أحد أحاديث كتاب مسائل عليّ بن جعفر. وأحياناً يورد الكليني حديثاً من أحاديث علي بن جعفر لم يورده الصدوق أو الطوسي. وهذا لا يعدّ شهرة وتعبّداً، فنحن نستطيع أيضاً أن نقوم بتنقيح عمل العلماء.
عندما يكون لديك وصفٌ كامل عن الحديث بإمكانك أن تحقّق بكل سهولة. والآن كلّ حديث أقرأه في الدرس فإن الإخوان تقريباً يعرفون أن هذا الحديث كوفي، من بغداد أو قم، وأصله من أين؟ ومَنْ هو الواسطة في نقله؟
أصلاً منذ متى بدأت هذه المشكلة؟ لقد جاءت تركة الكوفة إلى قم في أواخر القرن الثاني الهجري، وفي السنين ما بين 210 ـ 220هـ. وأكثر الذي ورثناه من العلم كان من الكوفة. فقد كان أهمّ ما لدينا من تراث تحوّل إلينا من الكوفة بين سنة 80 إلى سنة 150هـ. ثم في سنة 150هـ تحوّل إلى بغداد. وبطبيعة الحال قد بقي أصل ذلك التراث في الكوفة، حيث كان هناك في بغداد كبار الصحابة، أمثال: ابن أبي عمير وهشام بن سالم وهشام بن الحكم وصفوان والبزنطي، إلى آخره. بقي الحال على ما هو عليه في بغداد إلى ما بين سنة 180 ـ 190هـ. في سنة 200هـ هناك خطّ واحد تحول إلى قم، وهو عبارة عن مجموعة من الروايات العراقية. ولتكن من أيّ مكان كان، الكوفة أو بغداد، حتّى أن كتب ابن أبي عمير كانت تذهب من بغداد إلى قم. وفي تلك الفترة ظهر اتجاه لتصفية الروايات في المدرسة القمية، واستمر حتّى ما بين سنة 310 ـ 320هـ. بعد ذلك لم يكن في قم مدرسة واضحة. وفي سنة 329هـ توفي الكليني في بغداد، ومن غير الواضح دقيقاً هل هناك مدرسةٌ جديدة إلى زمان الشيخ الطوسي في سنة 450 تقريباً؟ وهي الآن المصدر الرئيس لأفكارنا وأحاديثنا، وقد تمّ توضيحها باختصار.
وأعتقد أن التعبّد حسنٌ للناس الكسالى. هذا السند موثَّق، هذا ضعيف، هذا ينقض الآخر، وأخيراً يقبلون أحدها. فالقصة لا تنتهي بهذا الشكل.
النسخ وطرائق عمل المحدّثين
ما هي العوامل التي جعلت المحدِّثين الشيعة يختارون النسخة في نقل الحديث؟ وهل كان للعوامل السياسية والاجتماعية وحدودها في هذا الجزء تأثير أم أن الأسلوب العلمي اقتضى هذا الأمر ببساطة؟
واجه الفقه الشيعي بعض المشاكل؛ ويرجع ذلك إلى وجود التقية التي كانت متبعة في ذلك الوقت، وبعض المشاكل الخاصة. أحياناً عندما يريد رجلٌ مثل أحمد بن حنبل أن ينقل حديثاً من الممكن أن نرى عشرة آلاف شخص جلوساً تحت منبره، أما كتاب حريز الذي يعدّ من أهمّ الكتب لدينا في الصلاة ينقله فقط شخصان أو ثلاثة. لذا من الطبيعي أن علماء الشيعة قد أجهدوا أنفسهم في العمل على المخطوطة التي أسميتها عمل الفهرسة. فالسنّة لا يحتاجون إلى الفهرسة، أي إنهم توجد لديهم فهرسة، فلا يحتاجونها مستقبلاً. فما هي أرضيتهم التي يستندون عليها؟ لا يوجد لدى السنة كتابات من الصحابة، بل من مجموع الصحابة قاطبة هناك اثنان أو ثلاثة أشخاص فقط لهم كتب، والذين دارت الدراسات حولهم. فعندما لا يكون هناك كتب فلا يوجد معنى للفهرست. هم يؤكِّدون على أن الصحابة ينقلون عن رسول الله|، لذا نراهم مجبرين أن يبحثوا في الرجال، ومعنى ذلك أنهم ملأوا هذا الفراغ التاريخي بالرجال وبحجية خبر الثقة.
وملأ الشيعة هذا الفراغ بالعصمة والكلام. وبناء على هذا المبنى القائل بأنّ كلام الإمام الصادق× هو كلام رسول الله| لم يتمّ تناول بحث رجالي يثبت أن الإمام الصادق× ثقة أم لا؟ وهذا يبين أنّه يوجد هناك اختلاف في الطرق المتبعة. يوجد مقالاتٌ مكتوبة عن الإمامين الصادق والباقر’. فقد فهرسوا من سنة 200 إلى 220، فمثل هذه المجالات أدَّت إلى تناول الأحاديث، إلى أن جاء الشيخ الكليني والشيخ الطوسي، اللذان كتبا هذه الكتب الأربعة، وتدريجاً اضمحلّت تلك الكتب، إثر ظهور الكتب الأربعة، وإلى أن جاء زمن العلاّمة، حيث انمحت كلّياً. ولذا فقد استؤنف العمل بالرجال إلى يومنا هذا؛ ولكي نتمكن من إثبات ما نقول فقد عملنا جاهدين على الفهرسة.
أعمال الفهرسة عند الإمامية
ما هي أهمّية الفهرسة لدى الشيعة، والقيمة العلمية لعملها؟!
إن من امتيازاتنا الدينية في مقابل الزردشتيين واليهود والمسيحيين والسنّة هي أنهم يفتقدون إلى الإسناد، بينما هناك عملٌ كبير تم القيام به في العالم الإسلامي، وأهل البيت (عليهم السلام) أكَّدوا عليه، وهو البحث الإسنادي. ومن الطبيعي أن الشيعة؛ وفقاً لما يمتازون به، قد درسوا أيضاً منذ القرن الثالث مع البحوث الإسنادية البحوث المفهرسة. ويعتبر هذا العمل ممتازاً جداً من ناحية القيمة العلمية. وهذه الفهرسة تعني أن علماء الشيعة قد حاولوا أن يجيزوا ذلك المقدار من الكتب التي كانت مكتوبة. بعد ذلك تهيأت أرضية لبعض الفهارس كي تظهر في المذهب الشيعي. ويفتقر أهل السنّة في الحقيقة إلى مثل هذا النوع من الفهرست، فهم لا يملكون فهرسة مثل فهرست الشيخ الطوسي أو فهرست أبي غالب الزراري، وعلى الخصوص مثل فهرست النجاشي. ومع أنه توجد في الغرب اليوم أنواع مختلفة من بحوث الفهرسة، والعلوم المرتبطة بالكتاب، مثل: الوصفية والتحقيقية والمقارنة والمقايسة و…، ولكنْ حتى في العالم الغربي لم يتناولوا الفهرست والعلم المرتبط بالكتاب من الزاوية التي تناولها الشيعة؛ لأن الشيعة قد تناولوا الفهرست على أساس الحجّية، لا فقط على أساس ثبوت الكتاب. والسنة أيضاً لا يحتاجون إلى مثل هذا العمل؛ فإنهم قد حقَّقوا في علم الرجال. وقد تناول الشيعة بالتحقيق كلا البحثين: الفهرست؛ وعلم الرجال. واليوم أصبح الاتفاق والاختلافات بينها كبيراً جدّاً، وله مناقشات مطوّلة.
لقد أصبح الأمر واضحاً في ما يتعلق بأصل الفهرست والمخطوطة، وتقدمها على الأسلوب الرجالي المتعارف عليه، لكنْ لم تبيِّنوا حتّى الآن أسلوب عملكم.
نحن ندرس الروايات الواحدة تلو الأخرى، وعندئذٍ نصل إلى نتيجة في بعض الأوقات، وهي أن هذه الرواية قد حصلنا عليها من الكتاب الفلاني، وكذلك في أوقات أخرى لا نتمكَّن من أن نصل إلى نتيجة. وإذا كان الأمر كذلك نتحوّل إلى البحث الرجالي. لذا فإننا نذكر بجميع الروايات، من ناحية الفهرسة هكذا، ومن ناحية الرجال هكذا.
لدينا في الروايات محورين:
الأول: محور فهارس الأصحاب، ومن أشهرها فهرست الطوسي والنجاشي. والفهارس الأخرى ليست بمتناولنا، غير فهرست أبي غالب الزراري.
الثاني: محور الروايات الموجودة في الكافي، التهذيب، الاستبصار، الفقيه و…، وإلى حدٍّ ما تناولناها بالبحث. مثلاً: كثيراً ما يقول الكليني: «عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني». وهذا من الواضح أنه من كتاب السكوني؛ لأنه قد حدث هذا الأمر مرّات عديدة. بعد ذلك رجعنا إلى الفهارس، وجمعناها كلها، فاتّضح جليّاً أنها من كتاب السكوني.
أما إذا كانت هناك إحدى الروايات في العقائد الأصولية للكافي بهذا الشكل مثلاً: عن فلان، عن فلان، عن السكوني، فهذا ليس دليلاً على أنّها من كتاب السكوني؛ إذ من الجائز أنها نقلت شفهياً؛ لأن الأسماء كلها قد تغيَّرت. وعلى سبيل المثال: محمد بن أحمد الذي ليس له كتاب غير كتاب نوادر الحكمة لا يعدّ من الرواة. يعدّ الكليني صاحب كتاب، لكنّه ليس من الرواة. وهذا يعني أنه من الجائز أن خمسة من أسانيد النجاشي في الكتب، والتي في الفهرست ككلّ، لا تصل أيضاً إلى الكليني، بينما يوجد هناك الكثير من الأسانيد التي تصل إلى الصدوق وحميد بن زياد الواقفي وابن عقدة. ويوجد 120 سنداً لابن عقدة.
لقد فصلنا هذه الأمور عن بعضها. فنفس ابن أبي عمير له مكانة، على أنه راوٍ لما كان ينقله الأصحاب، وله منزلة أخرى على أنّ له مؤلَّفات خاصة به.
وبما أن العلماء في زماننا قد ابتعدوا عن هذه الاصطلاحات فقد فكّروا بشيء آخر. على سبيل المثال: اعتقدوا أنّ جملة «أخبرني بكتبه وبرواياته» معناها أيّ رواية مفردة يذكر في سندها ابن أبي عمير يكون سندها معتبراً. وكان التبريزي يعتقد بهذا المبنى إلى آخر عمره، بينما (كتب) كانت تعني مؤلفاته، و(روايات) تعني ما كان ينقله عن الآخرين.
وعلى سبيل المثال: ابن أبي عمير نقل كتاب جميل أيضاً.
إذن أولئك الأشخاص لهم منزلتان. ومعظم إجازاتنا ترجع إلى الشيخ الطوسي. وفي هذه الحالة كان يعتبر مؤلفاً وراوياً أيضاً. ونحن فصَّلنا هذه الأدوار، وأخضعناها للمحاسبة.
لقد بدأنا بحثاً مفصلاً قبل ثلاث أو أربع سنوات نبحث فيه من أين يبدأ علم النجاشي؟ بالطبع كنّا نقصد أن نختصر، وكنا نريد أن نصل في هذه الأيام إلى أصحاب موسى بن جعفر (عليه السلام)، ولكنّنا ما زلنا في أصحاب الإمام السجاد×. ومن الجائز أنّها أصبحت مائة جلسة، وتستغرق كلّ جلسة ثلاث ساعات من النقاش، وقد أسهبنا الحديث في هذا الموضوع بحيث إنّه لا يمكن الآن أن نختصر.
من هنا نقول: إن فهارس أصحابنا قد كتبت من محورين، ولم تكتب من الروايات. مثلاً: يقول السيد الخوئي: في هذه الرواية فلان بن فلان هكذا؛ وذلك لأن النجاشي جاء باسمه. وأساساً هذا الاستظهار خطأ؛ لأنهم لم يكتبوا الفهارس من الروايات. وقد قلتُ ذلك لأوّل مرة: إنّه في كتب الشيعة يوجد لدينا ثلاثة محاور: روايات؛ كتب رجال؛ وفهارس. ولدى أهل السنة محوران: روايات؛ ورجال. وبما أن فكر السيد الخوئي أصبح رجالياً فهو يعتقد أنّه لو كتب النجاشي موضوعاً يكون قد أخذه من هذه الروايات، بينما النجاشي قد أخذه من الفهارس. وأساساً كَتَبَ النجاشي كتابه على أساس الإجازات والفهارس.
فما هو الآن الفرق بين الإجازة والفهرست؟ وهذا بحثٌ آخر. حسب رأيي يجب أن يختلفا. وتوجد للنجاشي عبارةٌ بناءً عليها لا يوجد هناك اختلافٌ بينهما.
فالنجاشي نقل كثيراً من الشيخ المفيد. ولم يثبت أنّ للشيخ المفيد فهرستاً، بل هناك احتمال كبير أن التي لديه إجازة، وليست فهرستاً. أما الصدوق فيوجد لديه فهرست، وكذلك جعفر بن محمد قولويه صاحب كامل الزيارات، وحميد بن زياد كان لديه فهرست، بالإضافة إلى الإجازة. وبالطريقة التي تمّ البحث بها فإنه من مجموع كتابَيْ حُميد استخرج أحد طلاّبي أشياء بها ما يقارب الأربعمائة حالة. أي إن الفهرست يحتوي على أربعمائة كتاب تتحدّث عن نفس الموضوع. وبعد ألف سنة تلاشى الفهرست في المذهب الشيعي، وهذا يعني أن البحوث منذ زمن العلاّمة أصبحت رسمياً رجالية، وإلى اليوم ما زالت جميعها كذلك.
والعمل الوحيد الذي تم إنجازه هو أن الأخباريين قد طرحوا هذه الدعاوى، وهي لماذا أسقطتم الروايات؟ فانبرى عدّةٌ من الأصوليين لوضع اصطلاح (صحيح عند القدماء وعند المتأخِّرين)، (أما من الناحية الرجالية فضعيفٌ، أو بالعكس).
يوجد بين أيدينا أحياناً سندٌ نعتبر على ضوئه أن جميع الروايات صحيحة، ولكننا نقول: إن ارتباطها ليس بالسند، وإنما الإشكال من ناحية الفهرست. والسند الذي نقرأه مثلما نرى التاريخ، وليس بالشكل الذي يكون «تعبّد عن فلان عن فلان». وعلى سبيل المثال: في أحد الأحاديث([6]) التي ينقلها الشيخ الصدوق عن الحسين بن سعيد أورد في البداية: عن المظفر بن أحمد العلوي، عن السمرقندي، عن ابن عياش، عن عياش نفسه. فالحديث ذهب من قم إلى سمرقند، ومن ثم ذهب إلى خراسان، من بعده عن حسين بن أشكيب، الذي هو أيضاً من سمرقند وخراسان، وعن محمد بن يوسف ـ ومن المحتمل أن يكون هذا الاسم قد ورد خطأً، حيث لا معنى له ـ، وقد نقله عن الحسين بن سعيد، بينما الحسين بن سعيد نفسه جاء إلى قم، وتوفي فيها. وقد جاء إلى بيت حسن بن أبان، وبعد ذلك قام ابن حسن بنقل كتاب الحسين بن سعيد بنفس خطّ الحسين إلى القمّيين.
يقول ابن الوليد([7]): «أخذنا من كتب الحسين بن سعيد بخطّه»، فما هو مفهوم هذا الكلام؟ من الجائز أن نقول: إن هذا السند صحيح، لكن بطبيعة الحال يوجد به إشكالٌ. جئنا نحن وأعطينا هذا السند روحاً. والذي نقوله في الأساس: إن الشيخ الصدوق ذهب إلى قم، ومن قم إلى سمرقند، ورأى فيها ابن أحد السادة العلويين، وسمع منه ومن ابن العياشي، وهذا قد سمع من أبيه. وخلاصة الأمر أن طريق السند متعرِّج لا يمكن تصديقه.
والآن من ناحية أخرى عندما يتعرّض النجاشي إلى حالة الحسن بن سعيد وأخيه الحسين بن سعيد فإنه ينقل عن لسان أستاذه ابن نوح أنه يوجد خمس نسخ من كتاب الحسين بن سعيد، ويؤكّد على اتّخاذ الحذر في حال نقل النسخ من واحدة إلى أخرى أن تُعرَّف([8]) تلك النسخة، ويذكر في الشرح على أنها مأخوذة من النسخة الفلانية، وهذه من النسخة الفلانية.
إذاً أصبح من المعلوم أن يوجد هناك نسخة من كتاب الحسين بن سعيد، والتي ذهبت إلى سمرقند، وأصبح من الممكن الآن أن يكون الإسناد صحيحاً.
نحن بثثنا روحاً في السند؛ وذلك بكل ما لدينا من هاجس. والسند في الأساس يعدّ تاريخاً، والتاريخ لا يبقى ثابتاً، بل يتحرّك؛ لأننا لا نقول بحجّية التعبّد بالخبر. لذا عملنا إصداراً، ونجحنا بهذا الأسلوب أن نزيح 80% من التعارض في روايات الأئمة^، ونقول: إنه لا يوجد تعارض في الأصل.
كيف أمكنكم رفع التعارض؟
أولاً: أكثر من 80% من تعارضنا جاء عن طريق الشيخ الطوسي؛ وذلك أن الأصحاب لم يكونوا يكتبون الروايات، وإنما الذي كانوا يكتبونه فقط هو صحيحة زرارة، وذلك يعني إذا ما نحّيت روايات الشيخ الطوسي يكون لدينا قبله عشرون في المائة تعارض. وثمانون في المائة من تعارضنا تمّ على يد الشيخ الطوسي، وأيضا من الثمانين في المائة هذا بحدود ثمانين أو تسعين في المائة لم يكن يُعتقَد به؛ لأن الشيخ الطوسي كان يؤمن بحجّية التعبّد. أما عندما يكون في كتاب مثل ابن فضال أو ابن أبي عمير حديثٌ ما، ولم يعمل الشيعة بهذا الحديث، فإن الشيخ الطوسي يذكر «أمّا ما رواه فلانٌ يحمل على كذا»، وذلك يعني أنه لم يعمل به من قبل علماء الشيعة، وهو أيضاً لم يعمل به.
وبناء على ما نعتقده نحن بما أن مبنى الحجية تعبدي تحلّ هذه المشاكل، أما إذا كان مبنى الحجية العقل فإنها لا تحلّ. طبعاً الشيخ في كتابه الخلاف يبين أقل الاختلافات الواردة في النسخة؛ حيث يقول على سبيل المثال: هذه رواية حذيفة بن منصور التي تدور حول الشيء الفلاني، ووفقاً لتلك النسخة التي قد نقلها الآخرون فليست هي الرواية المطلوبة، أما في أماكن أخرى فلم يأتوا بها.
وينقل الشيخ الطوسي في كتاب التهذيب في إحدى المناسبات حديثاً عن علي بن جعفر حول باب ولوغ الخنزير([9]): «قال: يغسل سبع مرّات». كان كتاب علي بن جعفر عند الكليني، وقبل الكليني كان في قرب الإسناد. بعد ذلك كانت إحدى النسخ من هذا الكتاب موجودة لدى المجلسي. ولم يأتِ في أيٍّ منها وضمن أيٍّ من روايات عليّ بن جعفر رواية كهذه؟! ولم يصدر الشيخ الطوسي فتوى بهذا الموضوع في أيّ كتاب من كتبه الفقهية، ومن العجيب جداً أنّه لم يصدر بعده أحدٌ فتوى بهذا الأمر كذلك. وقد أفتى المحقِّق الذي جاء بعد الشيخ الطوسي بمئتي عام([10]) فتوى بالاستحباب([11]). وأصدر العلاّمة فتوى بالوجوب؛ لما رأى الخبر صحيحاً. وقد أفتَوْا منذ زمن العلاّمة إلى اليوم بالوجوب. أصلاً تاريخ هذا الأمر الذي بين أيدينا اليوم يوصلنا إلى الكافي، فمن غير الضروري أن نجتهد به اجتهاداً قوياً.
ويوجد لدينا عدّة نسخ من كتاب عليّ بن جعفر، حيث لم تأتِ هذه الرواية بأيٍّ منها. وهذا ينبئ عن احتمالين:
1ـ أن الشيخ قد أخطأ. على سبيل المثال: كانت في حاشية النسخة، وهو أخطأ في إضافتها.
2ـ كانت موجودة في نسخته، وهي خطأ في الأصل، ومن ثم أُضيفت.
وهذه المشكلة لا نواجهها نحن فقط في زماننا هذا. يقول يونس: إذا كان هذا الأمر حقاً فإننا نواجه نفس المشكلة. ويقول: لقد جئت إلى الكوفة، وكنت من طلاب الإمام الباقر×، والذي نقل عنه قد نقل عن الإمام الصادق× أكثر، فذهبت([12]) إلى محضر الإمام الرضا×: «أنكر أن يكون أكثرها من أحاديث ابن([13]) عبد الله» قلتُ: سيدي، ماذا أفعل؟ فقال الإمام×: إن لدى أبي الخطاب ثقافة بحيث يظهر الصلاح، ويقول: أعطوني كتبكم أستنسخها. ويأخذ الكتب يستنسخها، ومن ثم يضيف عليها، وعندما يرجعها لكم لا تنتبهون إلى ما قام به من إضافات، ثم تقومون بدوركم بإعطائها لآخرين، وعلى هذا المنوال تنتقل تلك الإضافات من يدٍ إلى يد.
هذا هو البحث الذي قد جاء في رجال أهل السنّة. ومع الأسف قد جاء في كتبنا أيضاً. وجاؤوا وشدَّدوا في كتب أهل السنة فقالوا: لا تقبلوا الكتاب الذي لا تسمعونه.
ويقول أحمد بن محمد بن عيسى أيضاً: ذهبت إلى محمد بن حسن بن علي الوشّاء في الكوفة([14])، وأخذت منه كتاب أبان، وكان الوقت ليلاً، فقال: اذهب به الآن إلى منزلك، وأحضره غداً لتسمع منّي. قلتُ: لا آخذه، قال: لماذا؟ قلت: أخاف إن ذهبت به الليلة أن أموت، ويبقى هذا الكتاب بين كتبي، فيتقاسمها القمّيون، ويذهبون بها إلى قم، وعند ذلك يقولون: إنّ هذا سماع أحمد، عن الوشّاء، عن أبان؛ لأنّهم سمعوا أني قد حضرت عندك، لذلك يعتقدون أني سمعت هذا الكتاب منك. ولهذا فإني سوف لن آخذ الكتاب معي؛ خشية أن ينسب هذا الأمر بهذا الشكل.
في مقابله كان سهل بن زياد، الذي لم يكن بهذه الدقّة، وكانت هذه مشكلته. كانا متعاصرين، وقد ذهبا إلى العراق، أما سهل فقد قدم من طهران، ولكنْ كانت مشكلته أنّ أحمد يريد أنْ يقول: إنّ سهل كان ينسب بدون دليل. لذا «شهد عليه أبو جعفر بالكذب»، أي عندما يقول: عن الوشاء فإنّ قوله كذبٌ؛ حيث إنه لم يسمعها عن طريق الوشّاء، ولا يذكر أنه أخذها عن طريق الوشّاء.
فلاحظ أن محمد بن سنان جاء اسمه في عداد الكذّابين وقد جاء في الكشي أنه عند احتضاره قال: كلّ الذي قد قلته لكم لم يكن سماعاً، وعن طريق، إنما اشتريت كتاباً من السوق ورَوَيْت ما فيه، فعندها هل يصبح هذا الإشكال العامّ الذي كان موجوداً حديثاً معنعناً بطريق صحيح أم لا؟
يقول البعض: لا ضير في ذلك؛ وهناك مَنْ يقول: لا، فإذا عنعنت الحديث فقطعاً لا. إذا جعلت الحديث معنعناً لا يجب أن يكون عن طريق، بل عن سماع. هم يقولون: إننا لم نقُلْ: إننا سمعناه، قلنا: إن هذا قد أُنشئ عن طريق فلان، وكذلك قد أنشئ عن السماع. إذن أولئك كان لهم مبناهم العلمي، وهذا له مبناه العلمي.
لهذا يقال: إن محمد بن سنان كذّاب. لماذا؟ لأنّه يقول: «عن فلان»، فهو يكذب ولم يسمعه، بل كان عن طريق. ويقول أيضاً: أنا قلتُ: عن فلان، فإذا قلتُ: «سمعت عن فلان» فهنا يرد الإشكال. أما أن يكون معنعناً باتصال وانفصال، وطريق وإرسال، فإنه يكون عند ذلك ملائماً.
لذا لاحظ إلى أيّ مدى كان النجاشي دقيقاً في هذا الأمر، حيث يقول: «سهل بن زياد أبو العباس الأدمي، كان ضعيفاً في الحديث، وشهد عليه أبو جعفر بالكذب». وهذه الشهادة التي أدلى بها أبو جعفر أحمد بن عيسى حول سهل بن زياد فقط ذكرها النجاشي، ولم يكتبها الشيخ. فإلى أيّ حدٍّ كان النجاشي دقيقاً؟! فمع أنه ينقل شهادة معاصره، إلاّ أنه يقول: أخطأ أحمد، ولا يجب أن يقول: كان كذاباً، بل يجب أن يقول: «ضعيف في الحديث»، أي إن مبنى حديثه ضعيف، وينقل بطريق معنعن. وهو ليس كذاباً. يقول أحمد: إنه يكذب؛ لأنه يقول: عن الوشّاء، وهو في الحقيقة لم يسمع من الوشاء، بل قد اشترى كتاباً من السوق ونقل عنه. يقول النجاشي: لا تقُلْ: كذّاب! وكلامك صحيح لم يكن عمله هذا صحيحاً، وهذا الذي يجب عليك أن تعمله، ولكنْ مع هذا فإن هذا المبنى علميّ.
المخطوطة التي ينقلها البرقي أنّ لدى سفيان الثوري كتاب حديث، فيأتي ويقول: هل هذا الكتاب تابع لك؟ يقول له: نعم، يقول: هل تسمح لي أن أنقل منه؟ يقول: نعم، انقل. والآن هذه تعتبر إجازة، وفقط طريق، وأيضاً يذهب بعضهم إلى أكثر من ذلك، فينسبونها إلى الإمام الجواد×، الذي أجاز أن ينقلوا بنحوٍ وطريق، والآن إذا أردنا أن نقوم بشرح مقدّماته فإن الرواية وصحّة سندها و… تحتاج إلى شرحٍ مسهب.
هل لديك دليلٌ على هذا التحليل لكلام النجاشي؟
من الطبيعي أن إثبات هذا الكلام عملٌ صعب، حيث يجب إثبات كلّ واحد على انفراد، وأن آتي بأدلّته وحججه.
البحث التاريخي في علم الحديث
البحث التاريخي في علم الحديث دائماً ما يصحبه كثير من الغموض، فكيف يتسنى لكم أن تعرفوا لوازمه وأسلوبه؟
إن ما أقوله هو أنه باستطاعتنا أن نعرض هذه البحوث المتعارف عليها، من أن هذا السند صحيح أو ضعيف و…. وهذا تحليلٌ جيد، ولكنّنا نعتقد أنه بإمكاننا أن نتوسّع في البحث بأكثر من هذا، أي إنه بكلّ سهولة يمكننا دراسة جذور الإسناد وجذور الحديث منذ زمن رسول الله|.
خطوطنا العامة هي التجذُّر في مبادئ حديث رسول الله|، ومن ثم زمان أمير المؤمنين×، وفي الآخر زمان الأئمة^. وحسب الاصطلاح الذي أطلقوه زمان الصحابة، ثم التابعين، وتابعي التابعين، وأخيراً عهد الفقهاء، والذي يتضمّن الكثير من الآثار والنتائج الغريبة.
فعلى سبيل المثال: حديث الشيعة له تاريخ انبعاث خاص. وهذا التاريخ المنبعث أيضاً محدود من الناحية الزمانية بسنة 90 حتّى سنة 150هـ. ومن الناحية المكانية ففي الدرجة الأولى في الكوفة، ومن ثم بمسافة أكبر في البصرة، وبعد ذلك في المدينة. لقد اجتاز هذا الحديث مرحلة النموّ بعد الولادة، وهذا يعني أن هذا الحديث واجه مرحلتي انتقال في زمان الإمامين الكاظم والرضا’. لقد تمّ انتقاله في أول الأمر إلى بغداد، متّخذاً له حالة من المذهب العقلي، ومن ثم انتقل في أواخر 180هـ إلى قم، حيث اتّخذ لنفسه ناحية المذهب الانتقالي.
وأصبح من السهل جداً علينا الآن أن نتمكّن من تجذير ميراثنا الموجود مثلاً في الكافي والفقيه والتهذيب، وأن نعرف جذوره التاريخية. وينبغي أيضاً بطبيعة الحال أن نلاحظ انتقال الثقافات في هذا التجذير. فمثلاً: إذا كان الحديث في بغداد فكيف وصل إليها من الكوفة؟ وممّا يثير الدهشة أن لدينا حديثاً كوفياً في العهد الأول لبغداد في السنوات 150 ـ 220 جاء مباشرة من الكوفة إلى بغداد، أما في العهد الثاني، عندما كانت بغداد أيام النجاشي والطوسي، فقد جاء الكثير من تراثنا في أول الأمر إلى قم، ومنها ذهب إلى بغداد، وهذا يعني أنّه بدلاً من أن يذهب مباشرة من الكوفة إلى بغداد فقد ذهب من الكوفة إلى قم، ومن ثم إلى بغداد. ودراسة تراثنا الثقافي من هذه الزاوية قد حلَّت الكثير من الغموض الذي كان يحيط بالروايات.
وتقريباً في ما يقرب 90% من أحاديثنا من هذه الناحية يكون جديراً بالمعرفة التاريخية. فإذا ما جاء حديثٌ إلى قم فإن هذا السؤال يطرح دائماً، وهو: كيف حدث أن جاء من الكوفة إلى قم؟ وذلك يعني أنّه يجب أن يفترض أن هناك مَنْ قد جاء من الكوفة إلى قم، أو العكس، وجلب معه الحديث، وهؤلاء الأشخاص عادة ما يكونون من الوجوه المعروفة.
فمثلاً: إبراهيم بن هاشم، والبرقي، وبعض الذين كانوا في الكوفة وقد جاؤوا إلى قم، ومجموعة، مثل: أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري وسهل بن زياد، اللذين كانا من أهل قم والريّ، قد ذهبوا إلى العراق. ومجموعة أخرى كانوا في بغداد والبصرة قد نقلوا هذا التراث إلى قم.
بهذه الشروط، وبهذا التعامل الجذري، بإمكاننا أن نوضِّح تاريخ هذا التراث. والنتيجة العجيبة التي يتضمّنها هي أن الأحاديث الموجودة لدينا الآن صحيحة بحسب السند، وليس هناك أيّ إشكال بالنسبة إلى رواة الحديث، أما من الناحية التاريخية فيوجد هناك غموضٌ، أي إنه لا يوجد هناك انسجامٌ تاريخي وجغرافي، حيث إنه من ناحية يكون الحديث بغدادياً، وبعد ذلك يصبح قمياً، ومن ثم كوفياً، ثم يصبح بغدادياً.
وحسب الظاهر فإن البعض من فقهائنا بناءً على هذا قد أفتَوْا طبق هذه الأحاديث، واعتبروها صحيحة، ولكنْ عندما يزداد هذا النوع من التحليل التاريخي يتّضح أن هذه الأحاديث بها إشكال.
لدينا الآن حتّى في عالم أهل السنّة حديث عن رسول الله| متعارض، ولكن لا يوجد من قبل أهل السنة أو من عندنا أيّ سؤال عن أن رسول الله| قد سُئل حول تعارض الحديث، وأجاب عن هذا الموضوع. طبعاً جاء في مصادرنا بسندٍ ضعيف، وفي مصادر أهل السنة كذلك، أن رسول الله| قال: أني لم أقُلْ ما يخالف القرآن. وما عدا هذا الحديث، والذي هو سؤالٌ، لا شيء ينبئ عن التعارض. وبناء على الحديث الذي عن أمير المؤمنين، حيث سُئل حول تعارض أحاديث رسول الله|، فقال([15]): «خُذْ بما اشتهر به أصحابك»، ولم يتمّ عرض ترجيح السند ورواته، والحديث المفصَّل الذي جاء في كتاب سليم، وفي كتاب الكافي، يفيد أنّ التعارض في روايات رسول الله| ثابتٌ.
أما في حديث عن الإمام الصادق× يُسأل إلى ما شاء الله: «يأتي عنكم حديثان مختلفان»([16])، أو «يأتي عنكم حديثان؛ أحدهما يأمر أن…»([17]).
طبعا أبيِّن هنا أنّه لا يوجد لفظ تعارض في الروايات، ما عدا مرفوعة زرارة الواردة في عوالي اللآلي، والتي هي ضعيفة جداً. وقد جاءت كلمة متعارضان. أما ألفاظ تعارض وأمثالها فلم ترِدْ. وتوجد عبارة مختلفان وأمثالها، والتي جذورها أخذت من القرآن، وهي ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً﴾.
يبين الإمام الصادق× طرقاً مختلفة، فما معنى هذا الأمر؟ إن معناه أن نفس حديث رسول الله| غير متعارض في حدّ ذاته، إنما التعارض قد حصل بعد ذلك، أما حديث الإمام الصادق× فقد كان حقّاً، وقد صدر منه×.
لذا يتمّ التعامل مع نوعين من الروايات: يتعامل أهل السنة مع حديث رسول الله| بنوعٍ من التعارض، ونتعامل نحن بنوعٍ آخر.
ومن الطبيعي أنّه في زمان الإمامين الباقر والصادق’ لم يكن هناك مؤلفات لأصحابنا حول التعارض. وهذا معناه أنّه لم يكن هناك تعارضٌ شديد في ذلك الزمان، أو أنه قابلٌ للحلّ؛ وإمّا… ففي أيّ صورة كانت فإن أول تأليف لنا في مجال التعارض كان في زمن الإمام موسى بن جعفر×، واستمرّ بعد ذلك. فلاحِظْ كم أنّ هذا المثال البسيط يغيِّر من الآراء. نحن بكل بساطة نعلم أن التعارض مع حديث رسول الله| قد ظهر بعد ذلك، ويتضمن عوامل أخرى. فليس الأمر أن رسول الله| قد نطق بنوعين من الحديث، وأنّ الإمام الصادق× قد قبل ذلك، ولهذا يجب أن نتعامل مع نوعين من الحديث.
هناك مسألةٌ أخرى مهمّة في تاريخ حديثنا، وترتبط بالأئمة المتأخِّرين، وهي مسألة عرض الأحاديث، وهذا يعني أن روايات الإمامين الباقر والصادق’ كانت تعرض على الرضا والجواد والهادي (عليهم السلام)، وحتى بعض التوقيعات كانت تعرض على الحجّة#. وهذا الأمر له آثار جمة، ونعرض واحدة منها على سبيل المثال.
توجد هناك سلسلة من الأحاديث، والتي في سندها الواقفية، ولم يفْتِ على ضوئها مشهور الفقهاء، ويطلق عليها اصطلاحاً مسمّى (شاذّ).
حسن تأتي هذه المناقشة لوجود الواقفية، وخصوصاً أن مجموعة منهم كانوا متشدِّدين ومعاندين، ولم يرجعوا بعد إلى الإمام موسى بن جعفر×، والأئمة الذين جاؤوا من بعده. وقد أخذوا من كتاب ابن أبي عمير ومن مصادرنا، ومن المحتمل أن الأئمة الهادي والجواد والعسكري^ قد حذَّروا الشيعة من رواية ابن أبي عمير على أن بها إشكالاً، ومن ثم طرحت هذه الرواية جانباً، مع أنها موجودة في مصدر مهمّ. إن كتاب نوادر ابن أبي عمير جزءٌ من أصول الأصحاب، من ستّة مجلدات، ويعدّ من كتب الأصحاب المهمة.
لكنْ بما أن الواقفية لا يرجعون إلى الأئمة^ فإنهم كانوا مجبرين والحال هذه أن يرجعوا إلى تلك الكتب. وبما يتراوح بين سبعين إلى ثمانين بالمائة من أحاديثنا المتعارضة كانت من منفردات الشيخ الطوسي، أي إنه إلى ما قبل الشيخ الطوسي لم يكن هناك أحاديث متعارضة بتاتاً. فلو فرضنا أن هذه الأحاديث كانت صادرة عن الإمام الصادق× في القرن الثاني فإلى القرن الخامس لم يكن لها وجودٌ عند أصحابنا؛ حيث إن في سندها واقفية، والذين نقلوا أيضاً من مصادرنا المعتبرة. فمثلاً: في كتاب نوادر المصنفين يوجد لمحمد بن علي بن محبوب حديثٌ صحيحٌ من حيث السند. هناك حديث صريح في تعلق الخمس في الهدية، حيث يراه واجباً. والموجود أيضا في كتاب ابن أبي عمير، وهو على سبيل المثال صادر عن الإمام الصادق×، حيث لم ينقله أحد غير محمد بن علي بن محبوب، الذي كان في القرن الثالث، وهذا النقل لم يرِدْ في أيّ كتاب من كتبنا، مثل: الكافي والفقيه، وحتى التهذيب والاستبصار، وبعد القرن الثالث جاء في القرن السادس ضمن كتاب يحمل عنوان المستطرفات.
وممّا يبدو أن هذه المسألة لم تأتِ عشوائياً، في حين أن بعض من العلماء قالوا: إنّ هذا الحديث صحيح السند، وقد أفتَوْا على ضوئه، وقالوا: إن الخمس في الهدية واجب.
أما عندما نجري تحليلاً تاريخياً فسوف نواجه مشاكل حقيقية؛ وهي أيضاً في مسألة مثل الخمس، وفي الهدية التي تعتبر أمراً متعارفاً عليه. وهذا طبعاً يختلف عن حديث عليّ بن مهزيار، الذي يقول: «والجائزة من الإنسان».
هذه الملاحظة ـ بنظرنا ـ بإمكانها أن تفتح أبواباً كثيرة، ولكنْ مع الأسف نكتفي الآن بهذا القدر، ونقول: صحيح وضعيف لا غير.
أعرض لكم بعض الأمثلة. حول ماهية الأصل، وفرقه عن الكتاب والنوادر، وما قاموا به من تصنيف البحوث المطولة كثيرة العدد. وبناء على الحقيقة الخارجية فإن الأصول قد وردت أكثر في كتاب فهرست الشيخ؛ حيث كانت أكثر من ستين وفي كتاب النجاشي كانت ما بين الستّة والسبعة.
نحن عوضاً عن هذا البحث وجدنا جذر هذا الشيء، وهو متى ذكر الأصل أول مرة في تاريخ الشيعة؟ وعندما حقَّقنا في الأمر كان من المفاجئ أننا لاحظنا أن أكثر من أورد تعبير الأصل هم الواقفية، أي إننا احتملنا أن السرّ في أن النجاشي لم يعمل كثيراً على كلمة الأصل، وكثير من الموارد التي جاء بها الشيخ مستعملاً كلمة الأصل، أنها لم تكن لدى النجاشي، وهذا الأمر لم يكن محض صدفة.
وقد جاء وصف الأصل هذا أكثر ما يكون بعد زمن الرضا×، أي إنه في حدود تلك السنين وبدايتها كانت بيد الواقفيّين.
لذا يحتمل بما أنهم لم يكونوا يؤمنون بإمامة الرضا×، بل بعضهم كان متعصباً، فمن الجائز أنهم عوضاً عن أن يرجعوا إلى الأئمّة رجعوا إلى الكتب.
وهذا الموضوع يغيِّر كثيراً من الملامح. واقعاً أبين هذا الأمر على أساس الاحتمال، ولم أرَ أحداً قد استعرضه، أي إنه في الحقيقة إطلاق كلمة الأصل لم تكن بالشيء التي تحقّق القيمة الأكبر، بل حسب اصطلاحنا كان انعكاساً عقائدياً. وبما أنهم لم يريدوا أن يرجعوا إلى الأئمة^ فقد جعلوا الكتب على قسمين، وصنَّفوا مجموعة منها على أنها الأصل، وأعطوها مقام الإمام. ولهذا نراهم بدلاً من أن يرجعوا إلى الإمام الحيّ رجعوا إلى تلك الأصول.
وقد أقمتُ الأدلّة ـ التي ليس وقت الحديث بها الآن ـ على هذا الكلام في محله، على أن أكثر هذا العمل قد تمّ بواسطة الواقفيين، وأكثر ما نقل الشيخ في كتبه كان قد استخلصه من مصادرهم. وهناك احتمالات أخرى قد تقدَّمتُ بها. أنت تعلم أن أهل السنّة يتّخذون الأصل ككاتب الصكّ؛ لأن هذا الأمر أصبح عندهم عادة متبعة، فنرى تاجراً مثل سفيان الثوري يذهب للزهري ويكتب عنه حديثاً، ثم يأتي به ويقوم بتنظيمه، فالكلام الذي قد نقله مباشرة من الزهري يقال له: أصل، ويختص هذا الاصطلاح به. وقد احتملنا أن مجموعة من هذه المواضيع التي تحمل لفظ الأصل من الممكن أنه قد أخطأ بها الشيخ الطوسي. وذلك مثل ما ورد هنا: «حدّثني فلان من أصله»، فقال الشيخ الطوسي: «له أصل»، وكان يعتقد أن له أصلاً، بينما كان هذا الأصل هو نفس النسخة التي قام بكتابتها مباشرة، لا الأصل بما يحمل من اصطلاح.
وعلى أي حال فقد أصبحت كلمة الأصل متداولة بعد ذلك بين الإمامية، حتّى أن الشيخ الصدوق يعتبر أول فقيه صرَّح([18]) في قم: «وغيرها من الأصول والمصنَّفات»، حيث أصبح معلوماً أنه في أواخر القرن الرابع استعملت هذه الكلمة رسمياً، والنجاشي في القرن الخامس لم يعِرْها اهتماماً.
وحُميد بن زياد، الذي كان الشيخ مديوناً له بعض الشيء، قد ذكر مرة أو اثنتين: «روى عن حُميد بن زياد أصولاً كثيرة»([19]). والنجاشي يذكر هذا اللفظ: «سمع الكتب»([20]). على سبيل المثال: يقول الشيخ حول قاسم بن إسماعيل: «روى عن حُميد([21]) أصولاً كثيرة». والنجاشي لم يأتِ على ذكر اسمه نهائياً. وعن إبراهيم بن سليمان يقول الشيخ أيضاً: «روى عن حُميد أصولاً كثيرة»، مع أن([22]) حُميد هذا كان من كبار الواقفية وفقهائها الممتازين. والنجاشي هنا أيضاً لم يذكر أيّ عبارة حوله. وحسب ما أراه أن النجاشي كان دقيقاً جدّاً بعمله. فمتى تتّضح هذه الدقّة؟
إذاً يوجد عدّة احتمالات حول كلمة أصل، والتي بإمكانها أيضاً أن تنير زوايا تاريخنا الحديث، وقيمه، وتوضح مقدار اعتمادنا عليها كذلك.
تبويب علم الأصول وتقسيمه
ما هي مؤشِّرات سماحتكم في تقسيم البحوث الأصولية؟ وما هو مقدار اعترافكم بالتقسيمات الموجودة؟
لقد طرح مجموعة من الأصوليين هذا الموضوع، ولستُ الوحيد في هذا الميدان. يوجد في كتب أهل السنة بحثان أساسيان: أحدهما: مصادر التشريع، مثل: الكتاب والسنة و…؛ والحجة الأخرى تأتي بمعنى الأمارات والطرق([23]) والأصول العملية، والأصول عبارة عن لفظ قابل للسعة والضيق. لذا فإن هذه الحجة تتّخذ أحياناً بمعنى مصادر للتشريع، مثل الكتاب.
ومن الطبيعي أن أهل السنة يعتبرون الإجماع مصدراً للتشريع، وذلك يعني أن علماء أحد الأزمنة لو اجتمعوا واتّفقوا على أنه بسبب وجود بعض المشاكل التي تكتنف الحجّ تلغى الأضحية، فهذا يعتبر حجّة، أي إنه مصدر تشريع، مثل الكتاب، وهذا يعني أن فقهاء ذلك الوقت لهم الحقّ في أن يجتمعوا، وإذا قرَّروا شيئاً يعتبر قرارهم إجماعاً، وهو بنفسه حجّة، وبإمكانه أن يتقدّم على الكتاب والسنّة. طبعاً هناك مَنْ بحث في هذا الموضوع، وجعل الأمر في التخصيص أو التقييد أو في عدم وجود نصّ أو….
البحث الآخر الذي يدور حول الحجّية هو بحث الأمارات، مثل: الظواهر والدلالات، وكذلك بحث حجية خبر الواحد في الطرق، والذي يعني هل أننا نلتقي مع سنّة رسول الله| أم لا؟ فبحثا المصادر هذان والطرق الأخرى والأمارات يوجد بها اختلاف من الناحية التاريخية، حيث إن بحث مصادر التشريع قد تمّ تناوله في القرن الأول من الإسلام، منذ زمان الخلفاء، وعلى الخصوص في أيام عمر، وأصل مشكلته التي وجد على أثرها هي التوسّع الإسلامي، واستحداث أمور جديدة غير موجودة في الكتاب والسنّة. فما كان من عمر ومجموعة من المسلمين معه إلاّ أن عرضوا نقطتين في هذا الموضوع؛ كي يجدوا له حلاًّ: إحداها أن يتّخذ عمر مجلساً استشارياً يتكون من ثلاثين شخصاً: خمسة عشر من المهاجرين، أمثال: أمير المؤمنين× وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص و…؛ ومثلهم من الأنصار، يعرضون عليهم المسائل المهمة، وهؤلاء يعلنون النتيجة النهائية على المنبر. وهذا الأمر شبيهٌ بمجمع تشخيص مصلحة النظام. وهذا أصبح متعلّقاً بالإجماع، وقد اعتبره أهل السنة أحد مصادر التشريع، وبدأت فكرته من هنا. وأحياناً يبدي الخليفة رأيه في القضايا والمناسبات المختلفة، «وأقول فيها برأيي»، ويقال: إنّه أطلق عليه اسم الرأي. وأهل السنة أنفسهم لديهم هذا أيضاً. وفي أوائل القرن الثاني أصبح اسمه (قياس). لذا فإن القياس والرأي شيءٌ واحد. هذان العنصران أضيفا بواسطة عمر في مصادر التشريع، وكلاهما يستندان إلى قاعدة واحدة، رغم أن حكمهما لم يرِدْ في الكتاب والسنّة. وهذا الأمر يعتبر بالنسبة إليهم بسيطاً جدّاً؛ لأنهم يقولون: إذا كان موجوداً ونحن الصحابة فمَنْ منا قد سمعه من النبيّ|؟ لذلك هم يقولون لم يسمعه أحدٌ، والمسألة تنتهي إلى هذا الحدّ، والأمر ليس مثل زماننا، بحيث نرجع إلى الكتب، ونقول: من الجائز أن هناك روايةً لم تصل إلى أيدينا، وأشياء من هذا القبيل([24]). والشافعي ينقل في كتابه المعروف الرسالة، والذي يعتبر أول كتاب أصول، ويوجد لدينا نسخة منه، أنّ أعرابياً أو غير أعرابي جاء إلى عمر يسأله عن مسألةٍ فقال عمر: هل منكم مَنْ كان حاضراً عند رسول الله| ليقول أنه سمع مَنْ يسأل رسول الله| مثل هذا السؤال، وكان جوابه بهذا الشكل. ويستطرد عمر: هل سمعته أنت؟ فيجيب الرجل: نعم، فيقول: حسن ليكن الجواب ما سمعه الرجل من رسول الله|، ودَعُوا قولي الذي قلتُه. فأهل السنّة لا يعتقدون اعتقادنا بأمير المؤمنين×؛ إذ كيف يعقل أن عمر الذي كان مع النبيّ| في مكّه ووالد زوجته لم يسمع بموضوعٍ مثل هذا مع أن شخصاً عاديّاً قد سمع به، وهم لا يعدّون هذا عيباً، بالرغم من أنه قد حسم الأمر بسرعة، وبعد ذلك إذا قيل: إن رسول الله| قد قال هكذا يرجع عمّا قاله، أو التبرير الذي أبداه، أو… هم أيضاً لا يرَوْن أن هذا عيباً. وعلى أيّ حال فإن هذا الأمر يعدّ دهاءً، ويحتاج إلى توخّي الحذر.
قسم آخر من الأصول هو بحوث الأمارات. فالطرق والأصول العملية التي وجدناها بناءً على البحوث التي قمنا بها أن هذه المسائل قد تمّ تناولها أكثر في القرن الثاني؛ لأنه في أواخر القرن الأول ـ سنة 80هـ، وفي زمان الإمام السجاد× ـ، تمّ تناول الفقه في العالم الإسلامي. لم يكونوا ينقلون الحديث، ولكنْ برز الفقه والفقهاء، واشتهر فقهاء أهل السنة من ذلك الزمان إلى حدود 200 ـ 230 (أوائل القرن الثالث)، وعلى سبيل المثال: زمان الإمام الجواد×. ففي سنة 90هـ بدأ الفقه، وفي حدود سنة 180 ـ 190هـ بدأ العمل بالأصول. فهذه الأصول شاؤوا أم أبوا انتشرَتْ بين فقهاء أهل السنة. والشيعة بطبيعة الحال كانوا على علمٍ بما توصل إليه أهل السنة، وكان لديهم قبل ذلك مقدارٌ كبير من المسائل الأصولية على هيئة روايات متفرقة، قد استوفوها من الأئمة^. ومن غير الواضح إن كان يوجد لدينا كتاب أصولي مدوّن. وعلى الرغم ممّا نقله السيد حسن الصدر فإنّه من غير المعلوم أنّه يوجد كتاب مدون وموجود يمكن أن يرتكز عليه بحثٌ علمي. طبعاً كان مصدر جميع العلوم الإسلامية هم أهل البيت (عليهم السلام)، ولا مجال للبحث في هذا الأمر. أما كتاب مدوَّن موجود بين أيدينا فليس إلاّ رسالة الشافعي، والموجودة بين أيدينا. لذا فإن المصادر والموارد كانت في عهد الصحابة، وتشكَّلت الطرق والأمارات في عهد الفقهاء. وعليه فإن الفقه كان مدوَّناً، وهم جاؤوا وأخذوا الأمارات منه، وقاموا بفصل هذه البحوث. واليوم بما أن بحوثنا تراقب عادة ما يقدِّمه أهل السنة، حسب ما أعتقد؛ طبق البحوث المتعلقة بمصادر التشريع، فمن العسير أن نصل إلى اتّفاقٍ مع أهل السنة. فنزاعنا ليس له حلٌّ؛ لأنهم يقولون: إنكم تقولون: إن علي بن أبي طالب كان يدّعي أن جميع الأحكام قد جاءت في القرآن والسنة. ومن ناحية أخرى يعتقد عمر أنه لم يأتِ، وبما أنه لم يأتِ يجب علينا أن نجد حكمه في القياس والإجماع، ونحن نعتبر الاثنان صحابيّين، وأيضا نجلّ عمر ونحترمه، وكذلك أمير المؤمنين. من الطبيعي أن عمر هو الرجل المعظَّم عندهم، ويقدِّمونه على غيره. وإذا كان هناك مَنْ يقول بالعكس فإنهم بالمحصِّلة الأخيرة يقولون: كلاهما من الصحابة. لذا ففي المذهب الشيعي على خلاف ما يعتقده أهل السنّة، وهو أن القياس والإجماع ليس حجةً بنفسه. أما ما وقع من مسائل في القرن الثاني فيمكن التوافق عليه؛ لأنهما ليسا من أطر المذهب، وهم أيضاً يختلفون في هذا، ولهم آراء متعددة؛ لأنه بين السنّة مَنْ يقول: إنّ للأمر دلالة على الوجوب، وآخرون لا يقولون ذلك.
هناك نقطة أخرى مهمة جدّاً، وهي في هذه المواضيع التي هي اختلاف الفقهاء، فإنهم انتزعوا أصولهم من فقههم؛ لأنهم بقوا يكتبون الفقه ما بين خمسين إلى ثمانين سنة، وبعد ذلك جاؤوا وفصلوا كلّ ما هو مؤثر في الاجتهاد بالكامل، حيث قالوا: إن القول في هذه المسألة مبنيّ مثلاً على نقطتين، ومن تلكما النقطتين يأتي الموضوع الذي يرد في هذه المسألة، ولا يأتي في الأخرى، والنقطة الأخرى ليست موضوعاً في المسألة، وجاؤوا إلى النقاط التي ليست داخلة في المسألة فاحتفظوا بها وجعلوها أصولاً. ولذا ففي بحث المعاملات قد بيَّنتُ للسادة مؤخَّراً، وفي هذه الدورة قد نبهت على ذلك، وفي الدورة السابقة لم أقُلْه، أن هذا هو الإنصاف، حيث إن المجموعات التي لدينا في الشريعة ليست موحَّدة. مثلاً: عندنا في الفقه «لا تبِعْ ما ليس عندك»، وعندنا أيضاً مثل ﴿وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾، ومثل ﴿وَلاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ﴾، ولم يقُلْ هنا «لا تنكحوا». طبعاً يوجد عندنا ﴿وَلاَ تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ﴾، ولكن السابقين لم يُحملوا على «العزيمة»، بل على «النية»، أي أنه لا تنووا النكاح البتة. ولهذا فإنني قد بينت في بحث المعاملات بأحد المعاني، لأوّل مرّة، أن ما يطرح في نهي المعاملات فقهيٌّ، وليس أصوليّاً؛ حيث إنّي رأيته لا يعطي الحالة المرجوّة، وذلك يعني أن بعض العلماء قد أشاروا، ومن ثم لاحظت أنا ذلك. لذا ﴿وَلاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ﴾ أمر فقهيّ، وليس أصوليّاً؛ لأنه لم يأتِ في كلّ أمرٍ جاء في النكاح فقط. لذا في أي موضع يوجد هناك نقطة استنباط وضعنا له اسم النقطة الفقهية، وفي أي مكان تكون هذه النقطة سارية في عدّة أماكن أسميناها نقطة أصولية. وهذا التقسيم عملنا به للمرة الأولى. الملاحظة المهمة الأخرى هي أن في ذلك الزمان الذي قد كتب فيه الفقه كان المقدار منه في زمن بني أمية، ولكن بعد سنة 132هـ، وعندما جاء بنو العباس فصل فقهاء أهل السنة ـ الذين كانوا في العهدين ـ البحوث الفقهية عن البحوث الحكومية، وعرفوا مكانة الفقيه على أنها استنباطية، ولا يحقّ لأيّ فقيه أن يتدخل في الأمور الحكومية؛ لتنصيب حاكم أو إعطاء نفسه صلاحيات الحاكم وغيرها من المسائل. ولهذا فقد أصبح الفقه استنباطياً وأصولياً، أي أصول الفقه الاستنباطي. ومن الطرف الآخر فقد كان فقه أهل البيت^ نوعاً من الفقه الولائي. أساساً طبيعته ممزوجة بين الاستنباط والولاية. ومن الطبيعي فإن الشيعة قد كتبوا الأصول في القرون الأخرى، ومن حيث لا يشعرون فقد كتبوا أصول الفقه الاستنباطي، وحسب ما أعتقد فإنه يجب أن تأتي في الأصول مثل تلك المسائل، يعني إذا ما ارتأينا أن نضع في المسائل الولائية التي لها بعض الصبغة العمومية يجب أن نبيِّن أصول وقواعد الولاية، والقواعد الفكرية للولاية وإدارة المجتمع. هذا كله يجب أن يندرج ضمن الأصول، ولا نمتلك نحن هذا الآن، والعلماء لم يقوموا بالتنبيه عليه.
بين الفقه الاستنباطي والفقه الولائي
ماذا تقصد بدقّة من اصطلاحَيْ «الفقه الاستنباطي» و«الفقه الولائي»؟
إن فقهنا الاستنباطي هو جميع المواضيع والأحكام التي نستخرجها مباشرة من الكتاب والسنّة. والفقه الولائي هو الأحكام المطابقة بمقتضى الزمان وخصوصيات الساعة ووفق حسابات المصالح المؤقَّتة أو غير المؤقتة. والبحث في الفقه الولائي يكون إذا ما ابتلي أحد الأحكام الإسلامية جرّاء بعض الخصوصيات الزمانية بمشكلٍ ما فهل بإمكان الحاكم المتولّي للحكم في ذلك الزمان أو الوليّ الفقيه أن يسقط ذلك الحكم؟ وعلى سبيل المثال: الحكم الذي أصدره عمر، الذي نهى به عن المتعة. فقد كان المطهري يعتقد أن السنّة إذا تعاملوا معها فإنهم سوف يكوِّنون حكماً ولائياً، ولن يحدث عندها أيّ إشكال. وقد تناولنا هذا البحث الذي قد تناولته بإسهابٍ في بحوث ولاية الفقيه. العلماء الآخرون لا يملكون ذلك. أو افترض أن في روايتنا المشهورة دية أهل الكتاب 1/12 الدية الكاملة، والدية الكاملة عشرة آلاف درهم، ودية أهل الكتاب ثمان مائة درهم، وإذا ما أردنا الآن إجراء هذا الحكم فإن الدول الغربية تتعامل معنا بنفس الطريقة. لذا فإن هذا الحكم سوف يواجه تحدّياً. والآن هل بإمكان الحاكم أن يزيل هذا الحكم؟ هذا هو المراد من الفقه الولائي.
هل يعني ذلك أن دائرة كلا الفقهين مختلفة؟
نعم، هما مختلفان. وهناك قولان في هذا الأمر؛ أحياناً يكون الفقه الولائي لتلك المنطقة التي لا يحكمها الإسلام أصلاً، ويعدّ حكماً ولائياً وحكومياً؛ وأحياناً حتّى في هذا القسم يوجد لديهم حكم، ولكنّه يواجه تحدّياً، وهؤلاء لم يبحثوا في أصولنا.
ليس من الضروري أن يكون هذا البحث في بحوث الفقه الولائي. فعلى سبيل المثال: لم يكن للدم في وقتٍ من الأوقات فائدة تذكر، ولكنْ الآن أصبحت له فائدة، ويباع ويشترى؛ وذلك لأن موضوعه قد تغيَّر.
هذا البحث لا يصنَّف في الفقه الولائي، بل في الفقه الاستنباطي.
مسألة الزمان والمكان في الاستنباط
وبعبارةٍ أخرى: أيرد بحث الزمان والمكان في الفقه الاستنباطي؟
نعم من الجائز أن يكون له تأثيرٌ في الفقه الاستنباطي؛ أي إنه من الممكن بتأثير الزمان وحَسْب قول البعض: إن عنوان الموضوع قد تغيَّر، وإنْ لم يتغيَّر فإن لهذا الحكم بعض الملامح قد تغيَّرت الآن. هذا هو الحكم الفقهي الذي يستنبط. افترض أن الشطرنج تغيَّر موضوعه، ولكن أيضاً هذا عمل الفقهاء، وليس فقهاً ولائياً. هدفنا ليس أن يكون حتماً في الزمن القديم. وفي الأساس إن معنى الفقه هو أن يوجد هناك عنوانان لموضوعٍ واحد لا يتّفقان مع بعضهما، وذلك مثل تأكيد الروايات على استعمال المسواك، ومن ناحية أخرى ـ وفقاً لبعض الروايات ـ أن الله سبحانه يحبّ خلوف فم الصائم. وبالتالي فإن مجموعة من علماء أهل السنّة يعتبرون استعمال المسواك مستحبّ، ما عدا الصائم. هذا الحكم لا ينحصر بزمانٍ ومكان. وبناءً على هذا الدليل قالوا: إن هذه الروايات التي تقول باستحباب استعمال المسواك لا تشمل الصائم. أو في مسألة اجتماع الأمر والنهي، التي يرى الشارع من ناحية وجوب الصلاة، ومن ناحية أخرى نهى عن الغصب. هناك ينشأ الفقه؛ عندما تجتمع الصلاة والغصب. لذا ليس بالضرورة أن الفقه الاستنباطي لا يتأثّر بمسألة الزمان والمكان، فهو نفسه الفقه الذي يستخرج من مجموع الكتاب والسنّة. فاجتماع الأمر والنهي لا يدخل في عمل الحكومة، إنما هو عمل الفقهاء، ولا يعدّ من الفقه الولائي. فالفقه الولائي بزوغ حكم اقتضائيّ في المجتمع. لذا «متعتان محلَّلتان في عهد رسول الله أنا أحرِّمهما» فقهٌ ولائي.
ويظهر الفقه الولائي في كثيرٍ من النظريات التي تعرض في زماننا الحاضر، أي في منطقة الفراغ. ولكنْ حسب ما أراه فإن الفقه الولائي لا يختصّ في منطقة الفراغ، بل هو أوسع من هذا. ونفس منطقة الفراغ بذلك المعنى الذي ليس للشارع حكمٌ في هذا الجزء. هذا أصلاً مبنيٌّ على أن ليس للشارع في موضعٍ ما حكم أساساً. فيجب على الفقهاء أن يقوموا بشرح بعض هذه البحوث. لقد تناولوه في بحث البراءة، ولكنّه غير متماسك، أي إنهم لم يتمكَّنوا من تحقيقه في مكانٍ من الأمكنة.
موقف من نظرية منطقة الفراغ
حسب رأيكم ما هي دائرة منطقة الفراغ؟
أحياناً تكون منطقة الفراغ بحيث لا يكون لها لسان أدلّة حكمية أو حكم إلزامي، إنما لها حكم ترخيصي، وإنْ كان استحبابياً. هذه أيضاً نعتبرها منطقة الفراغ، ونفسرها بهذا المعنى. والآن لماذا نتبنى هذا الرأي، ونختلف مع ذاك الرأي؟ هذا له بحثٌ مستقلّ، ليس وقته الآن.
علاوةً على ذلك لا يوجد نقطتان في الفقه الولائي تختصّ بمنطقة الفراغ. فللفقه الولائي دائرة واسعة، وعلى الخصوص في مسألة ولاية الفقيه. أحدهم قال: إن ولاية الفقيه مثل ولاية فرعون؛ لأنه قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى﴾، وهذا الإنسان لم يفهم الولاية المطلقة على الإطلاق. فالولاية المطلقة التي قد أطلقها السيد الإمام هي أن ولاية رسول الله| ثابتة للفقيه بدون قيدٍ؛ لأنه في السابق كانت هناك قيود على ولاية الفقيه، حتّى الإمام نفسه في تحرير الوسيلة في الجهاد الابتدائي وضع قيداً عليها، ثم تراجع عن ذلك الحكم. لذا في الفقه الولائي تكون المسألة بهذا الشكل، أن رسول الله| له ولاية حتّى على الصلاة والصوم، وبإمكانه القول: لا تحجّوا. هذا هو الفقه الولائي، وهذه حدود الولاية التي لديه. ويتمسّك أيضاً بقصّة مسجد ضرار، وذلك عندما أمر رسول الله| بهدمه، وهذه هي الولاية التي كانت لرسول الله|. كذلك تثبت في الأمور الاجتماعية نفسها، ولا يوجد أيّ قيد عليها. إنما هناك فارق بين الفقيه والنبيّ والوصي، وذلك في الصفات الشخصية التي ترجع إلى العصمة مثلاً. ففتواه لم تتغيَّر، وأنا سمعتها منه في النجف، وبعد ذلك. لذا لم يأمر بالحجّ لمدّة ثلاث سنين، ويقول: إن الصلاة مقدّمة، ولها الأولوية. وقد كان رأيه في كتاب البيع بخطّ يده، وليس تقريراً، هو: «الإسلام هي الحكومة بشتّى أشكالها، والأحكام عرض لها». وهذا يعتبر كلاماً ومدّعى كبيراً جدّاً. يظن البعض أن خطبته هذه من الخطب التي أوردها في أواخر أيامه، والسيد الخامنئي ذكرها في صلاة الجمعة في طهران، ويتوهّم أن رأيه تبدّل بعد ذلك، بينما قد كتب كتاب البيع قبل أن يقدم إلى إيران، وفي الوقت الذي كان فيه في النجف. فهو يقول: إن الأصل الحكومة، وحتّى الصلاة تعتبر فرعاً. طبعاً تناولت هذه النقطة في بحث لي، وردَدْتُها ولم أقبل بها. فالكلام هذا يعدّ من المشاكل الجسام، حتّى بالنسبة لك؛ فإنّ سماعه ثقيل على مسمعَيْك. لذا نحن أوضحنا في بحث مسجد ضرار أن هذا الفكر لم يكن كما قد تصوَّر. فالآية المباركة تقول: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً﴾ بنوا هناك مسجداً، عبارة عن غرفة أطلقوا عليها اسم مسجد، وشرعوا بالتجسُّس على المسلمين، واتصلوا بالروم. لذلك أمر سول الله| بخرابه، فلم يكُ مسجداً، وقد أوضحنا ذلك في بحث ولاية الفقيه في درس الأصول، وإلاّ فمن المسلَّم أنه مسجد مثل المسجد الحرام ولا يجوز تخريبه. وفي الأساس يجب أن يسهب الحديث في مسألة الحكم الولائي، وهو بحث طويل ولطيف، ولا يمكن اختصاره.
برأيك كيف يمكن جعل أصول الفقه ولائياً أو حكومياً؟
طريقته هي إدخاله في الأصول، وفي المكان المناسب الذي أدخلناه فيه، ويخضع لبحث الاجتهاد والتقليد.
ما هي البحوث التي يجب أن تطرح في بحوث أصول الفقه الولائي؟
في الاجتهاد والتقليد، وبمناسبة معرفة وظيفة الفقيه ـ أنا لا أعبِّر بكلمة مجتهد؛ إنما أقول: فقيه. وهذا اللفظ أطلقه أهل البيت^، فكلمة مجتهد تختصّ بأهل السنة ـ فإن إحدى وظائفه الفتوى؛ والثانية القضاء؛ والثالثة مهامّ الولاية.
تفضَّلتُم بالقول: إن العلماء لم يفطنوا إلى الفقه الولائي، وإلا يجب أن تكون أصول فقهنا ولائية أيضاً. فهل يمكن أن تعطينا تحليلاً للذي حصل حتّى لم يفطنوا إلى هذا الموضوع، وعليه لم تصبح أصول فقهنا ولائية؟
نعم، في ذلك الوقت في الإسلام كانت لـ (عمر) سيطرة خاصة على مجريات الأمور، حتّى في مسائل الفقه الاستنباطي التي كانوا يسألون عنها، وهو يرى أن يجيب كيف شاء. هذا الموضوع بالنسبة لي عجيب جدّاً. ينقل الشافعي في كتابه الرسالة،وأعتقد في الثلث الأول، أن شخصاً سأل عمر فجاوبه. ويقول بعد ذلك أن من الصحابة مَنْ كان حاضراً، فقال: يا أمير المؤمنين، لقد سئل رسول الله| عن هذه المسألة، فسمعناه يجيب عنها بهذا الجواب، فقال عمر للسائل: الجواب ما قاله الرجل، اعمل به، ودَعْ ما قلتُ لك. بعد ذلك يقول الشافعي: انظروا عندما يسمع عمر بقول رسول| يتراجع عن قوله الذي قاله([25]). فلاحِظْ جيداً هم يعتبرون أن هذا المقدار نوعٌ من الحرية، ومن الجائز أن الشافعي قد ناور بصفحةٍ كاملة بعد هذا الأمر. وأنت تعلم أن عمر حَسْب قولهم كان أحد المسلمين الأوائل في مكة ـ كان يعيش عدّة سنوات في مكة وسبع أو عشر سنين في المدينة، وهذا ليس مزحة ـ فكيف لم يسمع هذا الحكم من رسول الله|، وشخصٌ عاديّ كان على علمٍ به. فإشكالنا معهم في ما حصل مع أولئك غير مهمّ، وليس مهمّاً أيضاً إذا كان الخليفة لا يعلم، ولكن لماذا عندما لا يعلم يطلق حكماً؟ انظر ما دقّة هذا العمل؟ هذا الذي يقول: أنا وليّ أمر، وأطلق الحكم، فيأتي صحابيّ، وليس إنساناً مثل أمير المؤمنين×، بل صحابيّ عادي، ليقول: أنا سمعتُ خلاف ما قلتَ من رسول الله|.
إذاً كانت مسألة الفقه بهذا الشكل، ثم بعد ذلك بقيَتْ على ما هي عليه. فإذا ما لاحظت في التاريخ، عندما أرادوا أن يقطعوا يداً ألقيت خطبة، وكتب إلى الخليفة، فجمع الخليفة القضاة، وقال الإمام الهادي× شيئاً، وأجال النظر، وذلك يعني أن هذه السنة باقية حتّى في مسائل الفقه الاستنباطي، يختلف أيضاً القضاة والفقهاء، فيذهبون إلى الخليفة، وأيّ شيء يقوله يأخذون به، حتى إنْ كان إنساناً جاهلاً غير متعلِّم. وهذا الأمر بقي كما هو بين المسلمين.
ثم تدريجاً بعد عمر تقدَّمت حركة الفقه ـ والآن تمَّتْ صياغته أم لا؟ هذه مسألةٌ تبقى لوقتٍ آخر ـ وتمّ تناول البحوث الفقهية، ودائماً يتمّ السؤال عن الفروع والاستفتاء، ودائماً يسألون عن فروع جديدة. وهذا الأمر أصبح شائعاً في سنة 80هـ، في زمن الإمام السجاد× وما تلاه، أي إنه أول شعبة للعلوم الدينية لنا كانت في حقيقة الفقه، ودونت في السنين ما بين 180 ـ 190. لذا فإن الأصول أخذت من الفقه. وهذا له اعتبارات كثيرة، وإن شاء الله في البحث القادم إذا كان هناك مجال سوف أقوم بعرضها. في السنوات من 160 إلى 180 بدأت البحوث الرجالية: هذا الرجل ثقة أم لا؟ و… وأكملت بالأصول، خصوصاً عرضوا الأصول على أنها مقدار من الكبريات، والرجال من الصغريات. وعلى سبيل المثال: تناولوا أصول هذا البحث أن المرسل حجة أم لا؟ وبناء على هذا فما وجدناه تدريجاً في الفقه أنه في سنة 80هـ وبعدها كان في الحقيقة فقهاً استنباطياً؛ لأن الفقيه لم يكن في دائرة الدولة، إلاّ إذا كان هناك حكمٌ يذهب إلى الخليفة، أو يقول شيئاً. هذا الأمر صحيح أم لا بحث آخر. كان في المدينة أكابر الفقهاء، فقد كان مالك يعتقد أنّه إذا قال فقهاء المدينة شيئاً فإن قولهم حجّة. والإمام السجاد× نفسه كان يسكن المدينة، والإمام الباقر والصادق’ كانا كذلك، والفقهاء، أمثال: أبو حنيفة، كانوا يسكنون الكوفة. وهناك فقهاء كانوا يسكنون البصرة، أمثال: سليمان بن حيان، وبعض المفسِّرين، مثل: قتادة ودعامة وحسن البصري، والأخير له فروع من العلم، غير الفقه، حيث لم يكن علمه منحصراً في الفقه، وهناك فقهاء في الشام، مثل: الأوزاعي. وأيضاً فقهاء في مصر، مثل: قيس بن أبي ربيع، وفقهاء في خراسان، مثل: عبد الله بن المبارك.
ولكن أعلى مستوى للفقه كان في المدينة. واختلافهما كان في أن الفقه في المدينة كان يعتبر مأثوراً، حيث إنه يستند على الروايات، وفي الكوفة يستندون في فقههم على الرأي والقياس، فمدرسة الرأي هي الكوفة، ويقصدون بمدرسة الحديث المدينة.
وطبعاً أصل انتشار الرأي بدأ منذ عهد عمر، ولكنْ في زمان عمر حيث كان القرن الأول يقولون بالرأي، وفي القرن الثاني جعلوا من هذا اللفظ القياس.
بعد ذلك في زمن أحمد بن حنبل والشافعي ومالك وأمثالهم من الفقهاء كانت الحكومة بيد أناسٍ آخرين. وبما أن أول فقه قد كتب في ذلك الوقت، وانتزع منه الأصول، بنفس المعايير التي قد عرضتها، وبما أن الفقه والفقهاء تدريجاً انفصلوا عن الدولة، وأصبحت الحكومة بيد أناسٍ آخرين، لذا شاؤوا أم أبوا فإن المجال الفقهي اختلف عن المجال الحكومي، وبطبيعة الحال فإن الفقهاء انفصلوا عن الحكومة.
فعلى سبيل المثال: نفس أحمد بن حنبل، الذي حسب قوله: فقيه عالم بالحديث، وقد كتبت له كرامات عديدة، منها أن الرسول| رآه في المنام إلى آخره ـ حيث لا أريد أن أذكر هذا الكلام ـ، فقد جُلب لدى المعتصم العبّاسي لميله إلى القول بمسألة خلق القرآن، كان أحمد يقول بقِدَم القرآن، فأحضر بين يدي الخليفة؛ كي يرجع عن كلامه، فلم يتراجع عمّا قال، فكان يضرب كلّ يوم 120 سوطاً. وبعد ما ناله من تعبٍ والضرب أُرجع إلى بيته، فأرسلوا جاسوساً من عند النظام؛ ليطّلع على أوضاعه. فمثلاً: كان يقول: إن الخليفة يعمل هكذا وهكذا، وقد ضربك بالسوط، فتعالَ نخرج عن طاعته، فيرد عليه أحمد بن حنبل: لا، لا نخرج عن طاعة الخليفة. كان الخليفة يأمر بضربه، ويضرب بالخشب، ثم يقول: لا نخرج عن طاعة الخليفة. لماذا؟ لأنه يرى الولاية من جهاتٍ أخرى. أو على سبيل المثال: لم يكن أبو حنيفة في النظام، وكان من ضمن المخالفين له، فهو لم يكن على وفاق مع المنصور، والأخير أمر بسجنه، وضرب بالسوط، وقتل أيضاً في ذلك السجن، أو بعد أن خرج من السجن مباشرةً قتل، فقد كان يقول: إن الحاكم لم يكن جيداً، ويجب علينا أن نخرج عليه، وكان يقلقه الخروج، وفي تاريخ بغداد: «كان أبو حنيفة يرى السيف»، أي إنه كان ينادي بالثورة المسلحة، ويشجع على الخروج مع إبراهيم القتيل، أو حمران أخو محمد ذو النفس الزكية، حتى أن أحد أهل البصرة قال له: أنت تشجِّع على خروج الناس مع ابراهيم، وأخي خرج معه وقتل، فلماذا لم تذهب أنت؟ فأجابه: يوجد عندي أمانات، ولو لم تكن لخرجت. لذا كان يقلقه الخروج، ولم يكن يتبع الأحكام الولائية.
كان يفكِّر بتغيير الحاكم، ولكنه لم يفكِّر أن يجلس هو مكانه، وتصبح له دولة. نعم، كان أبو يوسف مصدراً في ترويج الفقه الحنفي. ذهب أبو يوسف في أوّل الأمر ضمن حكومة هارون، ولم يكن أبو حنيفة كذلك، إنما كان من ضمن المخالفين. وأبو يوسف كان في بداياته من الطلبة الفقراء. ورأيت في أحد كتب أهل السنّة عبارة أنه بكى عندما أحضر له أوّل مرّة فالوذة، وقال: لما كنت في الكوفة كنت فقيراً وبائساً لدرجة أني كنت أمرّ بجانب الدكان، وكنت أتمنى أن آكل فالوذة، ولم يكن معي نقود لذلك. والآن عندما رأيتُها من شدّة شوقي لها بكيت، لهذا عندما جاء أبو يوسف على أساس أنه فقيه قامت سلطة هارون بتأييده.
كان لديه كتابٌ باسم كتاب خراج أبي يوسف، حيث كان أوّل كتب النظام المالي في دولة الإسلام. طبعاً قد تطرَّق لجميع الأموال، وذكر فيه الخمس والغنائم، وليس له اختصاصٌ بالخراج.
مالك أيضاً كان أقلّ فقيه في رجال الحاشية المالكة.
كان هناك عشرات الفقهاء في الكوفة، مثل: سفيان بن سعيد الثوري، الذي لم يكن مع السلطة، بل كان مخالفاً لها، ولكنْ ليس هناك من مخالف كان يريد الولاية لنفسه. هم كانوا يعملون في الخفاء وحَسْب. وأصدر المنصور أمراً بتعقُّبه، فاختفى عن الأنظار ولم يظهر لأحدٍ إطلاقاً. لذلك فإن أولئك الذين يتعاملون مع هذه الأمور كانوا على أنواع متعدِّدة، ومن أهمّ مشاكل العالم الإسلامي كان هذا النوع.
لم يدَّعوا الولاية لأنفسهم إطلاقاً، ولكنْ في نفس الوقت كانوا يقولون: إن الخليفة بعنوان الحاكم الحقّ، وله أعمال الولاية يديرها، وهم لا يشكّون في ولايته، ويعتبرونها نافذة عليهم.
إذن، وبناءً على هذا، فقد كتبوا الأصول الاستنباطية؛ لأن الفقه الذي كان بين أيديهم كان استنباطياً. والفقيه لا يرى لنفسه الحقّ في التدخل في أمور الولاية، وهو أيضا ليس له أيّ ولاية. وطبعاً ليس الأمر هكذا بحيث إن الفقه الولائي لم يتدخّل في الفقه، بل أحياناً يكون له تأثيرٌ فيه. في مسائل المجتمع المعروفة مثل الأمر والنهي، والتي هي الفقه الاستنباطي، يصرِّح فخر الدين الرازي في كتاب أصوله (المحصول) بأنّه يجب أن نقول بالامتناع طبق القاعدة؛ وذلك أن الصلاة في الدار المغصوبة باطلة، ولكنْ بما أن الخلفاء يصلّون في دار مغصوبة، والصحابة يقتدون بهم، إذن الصلاة صحيحة.
لذا بما أنهم يرَوْن الولاية من جهاتٍ أخرى فإن الفقه انفصل عن الحكومة، ويرى الناس للفقيه ولاية علمية، لا ولاية تنفيذية. نحن اليوم نرجع الولاية العلمية لأهل الخبرة، وندَّعي أنّه إذا قال أحد الجامعيين أو طالب ثانوية: أنت مصاب بالمرض الفلاني، وعليه استعمل الدواء الفلاني، فلا نصغي لما يقول، أما إذا قال متخصِّص فإننا نسمع لقوله. وهذه النقطة هي نفسها الولاية العلمية لأهل الخبرة. وهذا الأمر في المجتمع الإنساني عقلائي. وهذه القاعدة تقليدية.
وطبعاً ذاك الذي يقول: إن التقليد عمل القرد قد التبس عليه الأمر بين التقليد الفارسي والتقليد العربي. فالتقليد العربي عبارة عن الرجوع. وهذا الذي يُقال عنه في الفارسي: «أذهب الناس تقليدهم أدراج الرياح»، ويقال في العربية: إن المحاكاة مأخوذة من الحكاية. ومرادف كلمة التقليد([26])في الفارسية هو وضع الشيء أو الأمر في الرقبة أو نزعه عنها، دليلاً على إناطة أمر ما بعهدة شخصٍ أو مسؤولية آخر؛ لينوء به، كما تقول للطبيب: إني أضع سلامتي بين يديك.
وعلى هذا فالناس لا يرَوْن مثلاً أنّه بما أن الذي يقلِّدونه يلبس العمامة فيجب عليهم أن يلبسوا عمامة أيضاً. فإذا ما قاموا بهذا الأمر يقال له: تقليد بالفارسية، ومحاكاة بالعربية.
والآن لماذا أصبحت طبيعة الفقه استنباطية؟ لأنهم يرَوْن أن الحاكم شخص آخر، ولا يرَوْن الحاكم أبا يوسف وأبا حنيفة.
وُجدتْ في زمان الإمام الصادق× نقطة تحوّل في التاريخ الإسلامي. لقد احتلّ الفقيه مكانةً عالية من حدّ الإفتاء إلى حدّ الولاية، وقال([27]): «إني قد جعلته عليكم حاكماً». وهناك طبعاً يوجد تداخل مع القضايا السياسية. وتداخله بالقضايا السياسية هي عندما شعر الناس ببساطة أن الحاكم قد خرج عن المعايير والضوابط الإسلامية، وأصبح يشرب الخمر، ويغتصب، ويقوم بأعمال أخرى، فظهر على الساحة السؤال التالي: ما هو العمل حيال ما يجري؟ وكان هناك أجوبة أخرى في العالم الإسلامي أيضاً. فيما بين الشيعة كان أقسى جواب لدى الزيديين، الذين كانوا يؤمنون بوجوب الثورة المسلَّحة، وإقصاء الحاكم عن الحكم. أما هذا الجواب بين السنّة فقد كان أشدّه بين الخوارج، حيث إنّهم فقط هم الذين كانوا يؤمنون بالثورة المسلحة.
كانت هناك فرقةٌ تقول: إذا قال الحاكم: اشربوا اليوم الخمر سوف نشرب؛ قال: صلّوا نصلّي، قال: لا تصلّوا لا نصلّي. كلّ ما يقوله لنا سلطاننا نتبعه. فقط يبقى مسألة واحدة، وهي أننا مع السلطان إذا لم يقُمْ بما يخالف الشرع([28])؛ إذ «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق». كان هذا أحد الآراء، أن لا نقاوم السلطان، نتنحّى جانباً، ولا نتدخَّل من قريب ولا من بعيد.
ليس عندنا إلاّ رأيٌ واحد، وهو منحصر بما ارتآه الإمام الصادق×، وينصّ على أن لا ثورة، ولا تأييد للسلطان، ولا الجلوس مكتوفي الأيدي، بل على الشيعة أن ينشئوا حكومةً داخل الحكومة الإسلامية. وحسب ما يصطلح عليه في يومنا هذا: دولة داخل دولة، أو دولة الظلّ. هذا الأمر لم يسبق إليه أيّ عالم إسلامي، إنما هو من خصوصيّات الإمام الصادق×.
وعلى سبيل المثال: لم يقُلْ أبو حنيفة لأصحابه: عليكم أن تشكِّلوا دولةً خاصة بكم، واتَّخذوا لكم حاكماً، ولم يعرف لهم حاكم كذلك. وعلى هذا المنوال أحمد بن حنبل.
أصدر الإمام الصادق (عليه السلام) هذا الأمر عندما لم تكن الظروف مهيَّأة للثورة، يعني الجوّ الذي كانوا يعيشون فيه يلزمهم بالتقية.
أنا أوضحت هذا الأمر في موقعه. كلمة «في» في العبارة «دولة في الدولة» ليست قيداً، إنما هي ظرف، أي إن المقصود هو أننا ما دمنا نعيش في ظلّ إحدى الدول ننشئ بعد ذلك دولةً، وهو إنما يقصد أيّها الشيعة شكِّلوا حكومتكم الخاصّة بكم. فإن تمكنتم من أن تشكِّلوا دولة حقيقية لكم يُشار إليها بين الدول ليكُنْ ذلك، ولم يقيِّد بأنّه يجب عليكم إنشاء دولة تستظلّون بها تنافس الدول الأخرى. وهذا يعني أن ليس هناك من نظرةٍ إلى دولة أخرى. كان هذا المشروع ينحصر بالإمام الصادق× لا غير. ولا نملك في المدارس الإسلامية مثل هذا المشروع.
أمعِنْ النظر بهذا المشروع، فماذا ترى؟ إن فقيه أهل البيت يختلف كلّياً عن فقيه غير أهل البيت.
طبعاً كان يفكِّر بتشكيل دولةٍ مستقلّة.
نعم، كان من الطبيعي أن يرى في بحوثه العملية الفقهية أن له الحقّ في الولاية، ولم يكن أهل السنّة يرَوْن أن هذا من حقّه. وكما ذكرتُ سابقاً إن الأصول تمّ تدوينها في أواخر القرن الثاني، وقد أُخذت من الفقه نفسه، ذلك الفقه الذي لم يكن يرتئي فيه الفقيه الولاية لنفسه، فهم يرَوْن الولاية تتبع بيعة المسلمين، وأيّما رجل بايعه المسلمون يصبح وليّاً للأمر، وليكن الفقيه مَنْ يكون.
هنا أسأل سؤالاً، وهو: إذا افترضنا الفقه الولائي فما موقع الأصول، وما هو الفرق بينها وبين أصول الفقه الاستنباطي؟ والجواب هو إذا كان هناك الفقه الولائي فإن الأصول تصبح ولائية أيضاً، والبحوث التي تتحدث عن كيفية انتخاب الحاكم عن طريق مبايعة الناس له أو بالنصّ الإلهي، أو المسائل مثل ما هو معيار المصلحة، وأحدها: هل باستطاعة الحاكم أن يغيِّر الحكم الإلهي، كما يراه الشيخ المطهري. في بحوث الاجتهاد والتقليد أوضحنا أنّه بما أن الأحكام الإسلامية تابعة المصالح الواقعية ونفس الأمر، والمصالح معقّدة أيضاً، حيث إننا الآن لا نريد أن نخوض في هذا البحث، فإذا جدّ مشكِلٌ ما في زمانٍ من الأزمنة؛ من أجل إجراء حكم من الأحكام، ولنفترض في أحد الأزمنة اعترضنا إشكال عند إجراء حكم المتعة، فيجب علينا أن نجري هذا البحث، وهذه البحوث من الفقه الولائي، بحيث إذا ما أصيب حكمٌ شرعي في أحد الأزمنة فمن الطبيعي لن يكون هذا المشكل مستمراً إلى الأبد؛ لأنه لا يتناسب مع الملاكات. فيكون هذا الإشكال مؤقتاً، وله حلول متعدِّدة: أحدها: أن يقوم الحاكم بإسقاط ذلك الحكم؛ الحلّ الثاني: ما اقترحناه، وهو أن الحاكم في الأساس لا يستطيع أن يقوم بهذا العمل، وقد تعرَّضنا في بحث الأصول الفقهية الولائية لهذا الأمر، على أن للحاكم حقّ أن يضع قيوداً على هذا الإشكال؛ كي يتمكَّن من حلِّه؛ لأنه من الأحكام التي ليس بها إشكالٌ، وأحكام الله تبارك وتعالى من هذا النوع لا يمكن أن يدخل عليها إشكالٌ. لهذا زيد قيدٌ في العقد الدائم اليوم، ويكتب في المحضر (المحضر الرسمي للعقود)، أمّا الورقة التي كتبت في المحضر، والتي هي ليست حكماً إلهياً، أو بسندات ملكية، يجب أن يكتبها المحضر؛ لأن ذلك كان يتمّ عن طريق العلماء، ويضعون عليه ختمهم، وله حساب وكتاب خاص، أما بعد ذلك قاموا بتنسيق ذلك، وجعلوا مكتباً خاصّاً للزواج. فإنْ كنت في إيران تريد أن تقلِّل دية الكفّار إلى النصف فسوف تتصرَّف معك الدول الأوروبية نفس الشيء، فمن الممكن أن نقول هنا: نتَّخذ أسلوباً دبلوماسياً، ونضغط عليهم؛ أو مؤقَّتاً تدفع حكومتنا الفَرْق في الدية، أو بنحو المصالحة والحكم الثانوي حسب قول العلماء، ولا نقول: إنّ مقدار الدية هكذا، إنما نقول: الدية ثمانمئة درهم، لكنّنا فعلاً نأخذ منك 9200 درهم أيضاً، مثلما يحصل الآن عندما يأخذون الضرائب الزائدة على الوجوه الشرعية.
معايير الفقه الولائي
كيف تصوّر معايير الفقه الولائي؟
الفقه الولائي له معاييره الخاصة به. ومع الأسف لم ندوِّن أصلاً واحداً له. ومن الضروري أن نقوم بهذا العمل. افترِضْ أننا بحثنا في ولاية الفقيه ولم نستعرض مسألة كيفية انتخاب الفقيه، فإن بعض معاصرينا ممَّنْ يكتبون في ولاية الفقيه حاولوا أن يكتبوا الإشكالات التي تعترض مسألة تنصيب الفقيه على أنه حاكم. في نفس هذا البحث قد تناولت الموضوع على أن ولاية الفقيه لأوّل مرّة تكون بهذا المعنى، وهو أن تم تنفيذ هذا الأمر بصورةٍ رسمية عن طريق الصفويّين، وهو تحمل القيام بمسؤولية المجتمع. الرسالة، والدستور، وحسب قولهم الأمر الملكي، الذي كتبه الملك طهماسب للمحقِّق الكركي، متنها موجود في بعض الكتب، من جملتها([29]) كتاب شهداء الفضيلة للشيخ الأميني. من الجائز لك أن تتعجَّب هنا، وهي أن المناصب والأشياء المتعلِّقة بالفقيه، والتي تم ذكرها ليست موجودة في قانوننا الأساسي. أحدها([30]) على سبيل المثال أنّ بإمكانه عزل وتنصيب رؤساء العسكر، الأمر الذي لم يأتِ في قانوننا الأساسي. كتب على سبيل المثال: بما أن الشيخ علي يريد أن يرجع إلى العراق فإذا أراد رؤساء العشائر أن يلاقوه فلا يتوقعوا أنه سيقوم بملاقاتهم، وذلك يعني أنهم تطرَّقوا إلى الجزئيات البسيطة الراجعة للمحقِّق الكركي وما له من مقدّمات…
قمتُ في بحث ولاية الفقيه بالمقارنة بين هذا الأمر الملكي الصادر في حدود سنة تسعمئة ونيف وبين الرسالة التي كتبها الخواجه([31]) مؤيّد الدين السبزواري رئيس حكومة سربداران للشهيد الأول، يدعوه فيها أن اقدم من لبنان إلى خراسان؛ كي نشكل حكومة شيعية و… ولم تكن هناك أيّ إشارة لولاية الفقيه في رسالته، مع أن الأئمة^ قد ذكروا أنه تناط الأمور بيد الفقهاء. والمدة التي بين رسالة الملك طهماسب والطلب الذي تقدّم به الخواجه مؤيد الدين للشهيد الأول أن اقدم إلى سبزوار لإدارة الحكومة الشيعة مئتي عام.
ينقل في مرآة العقول ذيل حديث عمر بن حنظلة، والذي نستفيد منه التنصيب، ويقول: ما هو الهدف الذي يرنو إليه بعض الأفاضل من المعاصرين الذين لا أعرفهم؟ وقد جعل للتنصيب إشكالاً؛ حيث ينقل خمسة إشكالات على تنصيب ولاية الفقيه، أهمّ مما يشكله الكاتب المعاصر. وأعتقد أنه يجب أن يجيب عنه بموقعٍ مناسب، في أصل ثبوت الفقه الولائي، وفي حدوده، وفي كيفية انتخاب الوليّ الفقيه، وفي دائرة مهامه أيضاً، وبحوث أخرى. على سبيل المثال: نرى السيد الخميني يذكر في كتابه البيع: «فإن وفِّق أحدهم لتشكيل الحكومة يجب على غيره الاتّباع» ([32]). هذا الأمر مهمّ جدّاً. وقد عرضنا حول «لا يجوز نقض حكمه» إذا كان مجتهداً، لماذا كتب «يجب اتّباعه» إنْ كان يراه باطلاً. فعندما يكون للولي الفقيه حكم بما أني بعنوان مجتهد أعلم أن هذا باطلٌ فكيف يسوغ لي اتباعه؟!
حسناً هذه المسائل حاضرة بيننا، ونعتقد أن جميع هذه البحوث يجب أن تجمع في مكانٍ واحد، بعنوان أصول الفقه الولائي.
حسب رأيك هذا الفقه الولائي، الذي يجب أن يكون له أصول ولائية، من الناحية الهيكلية في أيٍّ من أقسام الأصول ورد؟ وعلى أيّ مسائل يشتمل؟
إن أصل الموضوع ووروده في الأصول في بحث الاجتهاد والتقليد. نضع في الاجتهاد والتقليد فصلاً بعنوان شروط المفتي، حيث نضع فصلاً بالأوصاف والشروط تحت تصرّف الفقيه، من حيث حجّية فتواه، الرجوع في الحكم والذي نخالفه نحن. في السابق كنا متوافقين معه، ولكنْ بعد ذلك رجعنا عن قولنا. السيد الخوئي مخالف أيضاً. كان سابقاً موافقاً على هذا الرأي، وبعد ذلك رجع عن قوله السابق. فهو لا يقبل تنصيب القاضي. يعتبر القاضي عن طريق حكم العقلاء، لا أنه كما نصبه الأئمة^. طبعاً عيبه هو أنه يعتبر تنفيذ الولاية له، يعني أنه يقوم بتنفيذ الحدود. ولا يرى إقامة صلاة الجمعة مشروطة بالإمام المعصوم× أو المنصوب. والغرض من هذا أن فتاوى السيد الخوئي كانت لها حالة خاصة.
من البحوث الأخرى حول أصل ولاية الفقيه هي هل أن ولايته ثابتة أم لا؟ إذا لم تكن ثابتة فولاية عدول المؤمنين، ونحوها من ولاية العدول، كيف يكون لهم الولاية، تنفيذ هذه الولاية، العدد الذي تحتويه، مسألة الانتخاب، مسألة الإدلاء بالأصوات، مسألة الشورى، مسألة التنصيب والصلاحيات الراجعة لها، جميع هذه البحوث يجب أن تدرس هنا. أنا مثلاً أميل أكثر ما يكون إلى أن الفقيه إذا يريد أن يعطي شخصاً وكالة في الخمس وسهم الإمام والزكاة وأمثالها بإمكانه ذلك، ولكنْ يعطيه وكالةً على الأنفال، في المدينة الفلانية أو القرية حيث يذهب، يقسِّم الغابات أو رؤوس الجبال.
بعض المسائل يجب على الفقيه أن يتصدّى لها، ومباشرته لها شرطٌ أساسي. غير أنّ هذا بالنسبة لي فيه إشكالٌ، أي إنّ المسائل المالية مهمة للغاية، ويعمل لها حساب كبير في عالم الاقتصاد. لنفترض أن جميع عيون النفط في إيران لها حساب خاصّ، وتعتبر أحد رؤوس الأموال الإيرانية. هنا الفقيه يجب أن يتصدّى لهذا الأمر بنفسه. فالفقيه يجب أن نجعله مبسوط اليد. ولهذا أعتقد أن هذا جزءٌ من البحوث التي تدخل في مهام ولاية الفقيه، وكذلك مسائل الأموال الموجودة في أقسام المسائل المالية للدولة الإسلامية، والتي يجب أن يتصدّى له الولي الفقيه، وليس له الحق في أن ينقلها إلى الغير.
الهوامش
____________________
(*) أحد الفقهاء وأساتذة الدراسات العليا في الحوزة العلمية، في مدينة قم.
([1]) من كتب الشيعة: الانتصار، للشيخ العاملي 4: 151. ومن أهل السنة: موسوعة الغزو الفكري والثقافي 12: 234.
([2]) محمد بن أبي نصر، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله× قال: قال رسول الله|: يحمل هذا الدين في كلّ قرن عدول، ينفون عنه تأويل البطالين، وتحريف الغالين. (رجال الكشي: 4).
([3]) لا يوجد لابن كثير كتاب باسم أعلام النساء. ومن الجائز أنه رأى تلك الفقرة في كتاب أعلام النساء، لعمر رضا كحّالة. (أعلام النساء: 47)، حيث يذكر أن أسماء ولدت 27 سنة قبل الهجرة، وعائشة أصغر منها بعشر سنين، وسنة زواج رسول الله| في أول سنة من الهجرة.
([4])» محمد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمار الساباطي، عن أبي عبد الله×، «…عن رجلٍ إذا قصّ أظفاره بالحديد أو أخذ من شعره أو حلق قفاه؟ قال: …ويعيد الصلاة؛ لأن الحديد لباس أهل النار» (تهذيب الأحكام 1: 425 ـ 426).
([5])» وذكر الفضل في بعض كتبه: «الكذّابون المشهورون: أبو الخطّاب ويونس بن ظبيان ويزيد الصائغ ومحمد بن سنان، وأبو سمينة (محمد بن علي الصيرفي) أشهرهم» (رجال الكشي: 546).
([6]) هناك فقط رواية واحدة جاء سندها هكذا: حدَّثنا المظفر بن حعفر بن مظفر العلوي السمرقندي قال: حدَّثني جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه، عن يوسف بن السخت، عن عليّ بن القاسم، عن أبيه، عن جعفر بن خلف، عن إسماعيل بن الخطاب قال: كان أبو الحسن× يبتدي بالثناء على أبيه عليّ×، ويطريه، ويذكر من فضله وبرّه ما لا يذكر من غيره، كأنه يريد أن يدلّ عليه.
([7]) النجاشي: 60 جاء بهذا المضمون.
([8]) رقم 137، حسن بن سعيد بن حماد: 58 ـ 61.
([9])» أخبرني الشيخ أيَّده الله تعالى، عن أبي القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن العمركي بن عليّ، عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر، قال: «وسألته عن خنـزير شرب من إناء كيف يصنع؟ قال: يغسل سبع مرات» (التهذيب 1: 261).
([12]) المتن جاء بهذا الشكل: فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله. (رجال الكشي: 224، رقم 401).
([13]) من الجائز أن يكون خطأ في الطباعة، فيكون بدلاً من (ابن عبد الله) (أبي عبد الله).
([14])» أخبرنا بذلك عليّ بن أحمد، عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الوشاء: أخبرني ابن شاذان قال: حدَّثنا أحمد بن محمد بن يحيى، عن سعد، عن أحمد، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن سعد، عن أحمد بن محمد بن عيسى قال: «خرجت إلى الكوفة في طلب الحديث، فلقيت بها الحسن بن عليّ الوشاء فسألته أن يخرج لي كتاب العلاء بن رزين القلاء وأبان بن عثمان الأحمر، فأخرجهما إليّ، فقلت له: أحبّ أن تجيزهما لي، فقال لي: يرحمك الله، وما عجلتك؟! اذهب فاكتبهما، واسمع من بعد، فقلت: لا آمن الحدثان». (رجال النجاشي: 39، رقم 80).
([15]) المستدرك 17: 303، باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة.
([16]) وسائل الشيعة، ج27، باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة.
([17]) عوالي اللآلي 4: 133: روي عن العلاّمة قدّست نفسه مرفوعاً إلى زرارة بن أعين قال: سألت الباقر× فقلت: جعلت فداك يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان.
([18]) الفقيه 1: 1، الجزء الأول…. ورسالة أبي رضي الله عنه وغيرها من الأصول والمصنفات التي طرقي إليها معروفة.
([19]) رجال الطوسي: 408، رقم 5943 / إبراهم بن سليمان بن حيان؛ رجال الطوسي: 436، رقم 6241، القاسم بن إسماعيل القرشي.
([20]) رجال النجاشي: 132، رقم 339 / حميد بن زياد بن حماد.
([21]) إضافة (ال) على كلمة حميد تصحيف، من الجائز أنّه وقع خطأ في الطباعة.
([22]) رجال النجاشي: 59: حميد بن زياد بن حماد، كان ثقة واقفاً وجهاً فيهم، سمع الكتب، رقم 339.
([23]) من الجائز أنها (الطرق)، بدلاً من (الطرف).
([26]) تصرّف من المترجم لصالح النصّ.
([28]) الفقيه 2: 621، باب الحقوق؛ وسائل الشيعة 11: 59 ـ 157.
([29]) شهداء الفضيلة: 202 ـ 204.