أحدث المقالات

تشهد المؤسسات الفكرية  والدينية والسياسية في البيئة الاسلامية الشيعية حراكا فكريا وساسيا في اتجاهات متنوعة، فقد برزت خلال السنوات الماضية عدة مؤسسات فكرية في البيئة الاسلامية الشيعية اضافة لمؤسسات ناشطة منذ فترة طويلة سواء في لبنان او في العالم العربي والاسلامي.

ففي لبنان على سبيل المثال وليس الحصر هناك عدة مؤسسات ناشطة على صعيد الحوار الاسلامي- الاسلامي والاسلامي-المسيحي والديني- العلماني ، اضافة للاهتمام بنشر العديد من الدراسات والكتب والابحاث واقامة لقاءات حوارية خاصة وووجود مواقع الكترونية ومجلات متنوعة تحمل رؤية نقدية قاسية ان على الصعيد السياسي او الفكري او الاجتماعي.

ومن هذه المؤسسات مؤسسة الفكر الاسلامي المعاصر للبحوث والدراسات والتي اشرف على تأسيسها المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله ولا تزال ناشطة باشراف نجله السيد علي فضل الله.

وهناك مؤسسة الامام الحكيم التي يشرف عليها العلامة السيد علي الحكيم حفيد المرجع الراحل السيد محسن الحكيم وابن عم السيد عمار الحكيم وهذه المؤسسة تقيم العديد من المنتديات وتتابع الحوار في اتجاهات متعددة.

ويعتبر معهد المعارف الحكمية الذي يشرف عليه الشيخ شفيق جرادي احدى المؤسسات الفكرية والدينية والفلسفية المهمة والتي لها نشاطات متنوعة منذ عدة سنوات.

اما مركز الحضارة لتنمية الفكر الاسلامي فهو متخصص باصدار الكتب والدراسات وخصوصا المترجمة عن اللغة الفارسية والمعنية بالشأن الايراني مع الاهتمام بالتجارب العلمائية الاصلاحية والفكرية.

ويتولى المركز الاستشاري للبحوث  والدراسات الاهتمام بالشؤون التنموية والسياسية والاستراتيجية عبر اقامة العديد من المؤتمرات والندوات والاصدارات.

وقد برز مؤخرا المجمع الجعفري للبحوث والدراسات الذي اسسه الشيخ محمد حسين الحاج والذي بدأ باقامة سلسلة نشاطات متنوعة.

ويضاف الى ذلك عدد كبير من المواقع الالكترونية واللقاءات العلمائية ومنها موقع لبنان الجديد وموقع جنوبية دوت كوم وما يقوم به الناشط لقمان سليم من انشطة متنوعة واللقاء العلمائي اللبناني واللقاء العلمائي المستقل ومجموعة ربانيون بلا حدود واللقاء الروحي في جبل لبنان والمركز العربي للحوار والمركز الاسلامي الثقافي في مسجد الحسنين ومركز حمورابي للدراسات.

كما شهدنا مشاركات فاعلة في انشطة متنوعة  واقامة مؤسسات وهيئات فكرية وعلمية وحوارية مثل  جمعية الامام الصادق التي تعمل باشراف المرجع السيد علي السيستاني واطلاق ملتقى الاديان والثقافات للتنمية والحوار ولقاء تعارفوا ومؤسسة اديان واتحاد علماء المقاومة ونشاطات تجمع العلماء المسلمين   وحوزة الثقلين باشراف العلامة السيد عبد الكريم فضل الله والعلامة السيد عبد الله فضل الله وجمعية التوجيه العلمي اضافة للمؤتمرات والانشطة الحوارية والسعي لفتح الافاق على صعيد مواجهة التطرف والعنف والتي تقوم بها جهات متنوعة.

كما يمكن رصد عشرات المجلات الفكرية والدينية ان في لبنان او خارجه وهي تحمل افكارا تغييرية ان على صعيد الحوزة الدينية او على صعيد الفكر الديني.

هذه المؤسسات وغيرها الكثير الكثير تؤكد وجود حراك فكري وسياسي في الاطار الاسلامي الشيعي، فماهي الرؤية التي تحملها هذه المؤسسات والانشطة وخصوصا على صعيد مواجهة المشكلة المذهبية ومعالجة التطرف الديني والعنف ؟ وهل هناك من يلاقي هذه المؤسسات في البيئات الاخرى الاسلامية والمسيحية والعلمانية؟

اذن من الواضح ان انتشار هذه المؤسسات ونشاطاتها المتنوعة يؤكد ان الواقع الاسلامي الشيعي الفكري والسياسي والحزبي والشعبي يشعر بخطورة ما يجري والحاجة الى البحث والتفكير بما يجري والبحث عن الحلول المناسبة للازمات التي يواجهها العالم العربي والاسلامي اليوم والتي وصلت الى حد التشكيك بدور الاديان وانتشار الالحاد والتفكك والعصبيات والصراعات المذهبية.

ومن يراقب نشاطات المؤسسات الفكرية والاعلامية في الساحة الشيعية يلحظ اولا وجود حس نقدي قاسي وصريح وهو يتناول كل الافكار والموضوعات والمواقف وهذا ما لا نلحظ وجوده بشكل كبير  في الساحات الاخرى.

الملاحظ الثانية على صعيد الحراك الفكري والسياسي حرص المؤسسات الشيعية على الانفتاح على كل التيارات والقوى والحركات الاسلامية ومختلف الاطراف المسيحية والعلمانية، وكان هناك اهتمام كبير بمواكبة التيارات السلفية والجهادية وحركات الاخوان المسلمين والسعي للاستماع الى كل وجهات النظر ودعوة شخصيات سلفية واخوانية  ومسيحية وعلمانية للمحاضرة والحوار واللقاء والاستعداد للتعاون مع كل المؤسسات الناشطة في الحقول الفكرية والحوارية.

وثالث الملاحظات سعي المؤسسات الفكرية لفتح النقاش حول التجربة الاسلامية في الحكم وعلاقة الدين بالدولة ومشروع الدولة المدنية ودور المؤسسات والمرجعيات الدينية والدعوة لتقديم افكار جديدة تساهم في تطوير الفكر الاسلامي والفقه الاسلامي لمعالجة المشكلات الطارئة وتقديم مقاربات جديدة لهذه المعالجات.

ورابعا ورغم ان البعض من خارج الساحة الاسلامية يتحدث عن سيطرة حزبية واحادية على الواقع الاسلامي الشيعي فان من يدقّق بما يجري في هذه الساحة وخصوصا على صعيد  المؤسسات الفكرية والاعلامية وبعض الاوساط الدينية يلحظ وجود تنوع كبير في الافكار والطروحات  وان هناك نقاش مستمر حول  كل الاراء ومراجعة شاملة للمواقف وجرأة كبيرة في ما يكتب وينشر ان على صعيد المواقع الالكترونية او الكتب الصادرة وحتى خلال الندوات والنشاطات المتنوعة.

وبالاجمال فان المؤسسات الاسلامية الشيعية حريصة على ارسال رسائل واضحة بالاستعداد للحوار والنقاش والتعاون مع جميع الاطراف وفتح الابواب وبجرأة للنقاش في التاريخ والحاضر والمستقبل.

كما ان هذه المؤسسات وتنوعها تتميز بالحرص على توفير كل اجواء الحوار والنقاش وفتح الباب امام الاراء الاخرى ورغم الظروف السياسية والامنية الصعية على مستوى لبنان والمنطقة واستمرار اجواء الفتنة المذهبية والتحريض والعنف والتطرف فان الحراك الفكري في الساحة الاسلامية الشيعية يؤكد ان الاجواء غير مقفلة وان هناك امكانية كبرى للحوار والنقاش.

لكن السؤال الاهم : هل هناك من يلاقي هذا الحراك في الساحات الاخرى ؟ وهل هناك مؤسسات فكرية واعلامية مسيحية واسلامية مستعدة للتعاون مع هذه المؤسسات للبحث عن خيارات جديدة لانقاذ الواقع العربي والاسلامي من المأزق الذي يواجهه اليوم؟

لكن يبقى السؤال الاخير في اطار الحديث عن هذا الحراك والذي نحاول الاطلالة عليه: هل هناك شركاء مستعدون لملاقاة هذا الحراك الشيعي سواءا على المستوى الاسلامي او المسيحي او العلماني او على الصعيدين اللبناني و العربي؟ وكيف يتبلور التعاون والتفاعل بين هذا الحراك الشيعي وبقية مكونات الوطن؟

ان من يستعرض الانشطة الفكرية والحوارية على الصعيد اللبناني وفي الاوساط الاسلامية والمسيحية  والعلمانية ، يلحظ وجود العديد من المؤسسات الناشطة في هذا الاطار وهي تسعى لاثارة النقاشات والحوارات المتعددة حول مختلف التحديات الفكرية والدينية والاجتماعية، ولا يمكن ان نستعرض كل هذه المؤسسات والانشطة وان كان يمكن الاشارة الى بعض النماذج كمثال، ومنها مركز عصام فارس والمركز الكاثوليكي للاعلام والحركة الثقافية في انطلياس ومنتدى الفكر التقدمي والمجلس الثقافي للبنان الجنوبي ودار الندوة والمركز الماروني للدراسات  ولجنة الدراسات في التيار الوطني الحر وحلقة التنمية للحوار في مجدليون ومركز دراسات الوحدة العربية ومركز الزيتونة للدراسات والرابطة الثقافية في طرابلس ودار العلم والعلماء في طرابلس ورابطة كمال جنبلاط الثقافية والمنتديات الثقافية في صور والتجمع اللبناني المدني  وجامعة القديس يوسف وخصوصا كلية العلوم الدينية ومعهد الدراسات الاسلامية –المسيحية في الجامعة والحركة الثقافية الناشطة في العديد من المناطق وغيرها من المؤسسات الفكرية والثقافية. وهناك تجارب مهمة لعبت دورا فاعلا في الحوار على مستوى لبنان والعالم العربي سابقا لكنها تراجعت مثل الفريق العربي الاسلامي-المسيحي  ومجلس كنائس الشرق الاوسط او انتهت  مثل اللقاء اللبناني للحوار.

وقد سعت هذه المؤسسات وغيرها لاطلاق حوارات ونقاشات مختلفة حول العديد من الموضوعات وخصوصا حول العنف الديني والتطرف وتجربة الاسلام السياسي. لكن الملاحظ ان الاطراف الاسلامية الفاعلة وخصوصا في الساحة السنية تغيب عن هذه الحوارات والنقاشات باستثناء بعض المشاركات الرمزية وبعض النشاطات التي يقيمها دار العلم والعلماء في طرابلس، فنحن لا نلحظ وجود حراك فكري وديني في الاوساط الاسلامية الحركية ولا نجد ان هناك تعاون حقيقي بين الاطراف الاسلامية الفاعلة  من اجل فتح نقاش جدي حول الاوضاع الاسلامية.

وقد حصلت بعض المحاولات الخجولة لاقامة انشطة متنوعة ومشتركة بين بعض المؤسسات الاسلامية الفكرية والسياسية ولكن التجربة لم تستكمل ولم يتم انتاج افكار مشتركة.

اما على صعيد بعض الاطراف السياسية اللبنانية فهي تحاول الانفتاح والتقارب مع بعض الاوساط الشيعية المستقلة لايجاد “خرق ما” في الواقع الشيعي ولكن هذا التقارب لم يتحول الى نقاش جدي ولم يشرك الاطراف الفاعلة في الاوساط الشيعية.

اذن نحن امام ازمة تواصل وحوار واذا لم يتم التفاعل الكامل والحقيقي بين الحراك الفكري الشيعي وبقية الاطراف السياسية والثقافية  وخصوصا مع الجهات والقوى الاسلامية الفاعلة في الساحة السنية ، اضافة للتعاون مع الهيئات المسيحية والعلمانية فأن هذا الحراك سيبقى في اطار المونولوغ الداخلي.

طبعا هناك مبادرات جدية وحقيقية لاطلاق نقاش شامل وموسع مثل تجربة مؤسسة اديان ومركز عصام فارس  وملتقى الاديان والثقافات ولقاء تعارفوا وتجربة كلية العلوم الدينية ومعهد الدراسات الاسلامية-المسيحية في الجامعة اليسوعية وبعض التجارب الاخرى التي تستحق التنويه ولكن حتى الان لا تزال بعض هذه الحوارات تدور في حلقات مفرغة ولا سيما في ظل غياب الاطراف الاسلامية الناشطة على الارض كالتيارات الاسلامية والسلفية على اختلاف اتجاهاتها وكذلك لعدم القدرة على اجراء نقاش نقدي صريح وكامل لكل التراث الفكري الديني والذي يتحمل مسؤولية كبيرة عن كل هذا العنف والصراعات الدائرة في المنطقة اليوم.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً