أحدث المقالات

نحو فقه الرمز في الإسلام: الإمام الحسين(ع) أنموذجا
بقلم:أ/غريبي مراد(*)
هكذا ككل سنة هجرية، نستقبلها في رحاب الشهادة الحية والخالدة للإسلام الأصيل، حيث تلتقي الأمة الإسلامية مع القضية الحسينية، لتستلهم منها المعاني الرسالية والحكمة الإسلامية الرائدة للإنسانية نحو التوحيد الخالص والحضارة العادلة، هذه الأيام في التفكير الإسلامي النقي والصافي من شوائب التاريخ العليل برموز الطغيان والاستكبار والظلم والتخلف، هي ميقات إسلامي يحمل في حناياه تفاصيل أحد إشعاعات النهضة الإسلامية التي حدّث النبي الأكرم(ص) الأمة عنها وأوصاها بحفظ أمانة الحب الإسلامي نحوها، لأنها رمز من الرسول الأعظم(ص) والرسول(ص) منه، لكن شوائب التاريخ تلبست بجلباب القداسة وعنوان الإسلام – وهو بريء منها- فإنتحلت ما لا يمكنها بلوغه، فضيعت الأمة كل أسباب النهضة ببعدها عن الرمز الإسلامي الأصيل…
الرمز في الإسلام قد يكون ظرفا زمكانيا أو معلما تاريخيا أو فكرة معطاءة، لكن الرمز المقدس هو ذلك الإنسان الذي احتضن الإسلام والمسلمين بفكره وقلبه وفداهم بروحه وإنتصر لهم بمسؤوليته ورسالته، هذا الرمز المتجسد في شخصية إسلامية والمتدفق في كل أبعاد الإنسانية عبر الزمن الإسلامي كله، لا يمكننا أن ننظر إليه بسطحية وبثقافة الإحياء الفارغة من الوعي والحركة والمسؤولية، معطى الرمز المقدس لدى كل الثقافات والحضارات البشرية الأخرى، يأخذ إمتدادات قد يستغربها الباحث في أعماقها وذلك ما نلحظه في الدراسات الأنتروبولوجية ونتائجها وتأملاتها النقدية المقارنة للثقافة الصادر منها الرمز وتصور الناس لقيمة هذا الرمز في حركتهم في الحياة…
بعد هذا المدخل، يبدو أن إبداء الرأي بخصوص القضية الحسينية، بحاجة لمراجعة دقيقة ومنهجية رصينة قبل الخوض في غمارها، لأن شخصية الحسين ليست رمزا بسيطا أو عاديا وإلا منحدرا من كهوف التاريخ أو ثقافة أخرى، الإمام الحسين هو رمز إسلامي بكل ما يعنيه الإسلام من معنى كما حدده الله تعالى وشرعه وجسده النبي الأكرم(ص) وخطّ أبعاده وحقائقه القرآن العظيم، ومن هذه الحقيقة الساطعة كالنور الإسلامي، نجد أن الحديث عن الإمام الحسين لا يكون حديثا خارج الأطر الإسلامية وضمن التأويلات والمقاربات القسرية لسيرته وقضيته ورسالته، حيث الكثير من المسلمين من جل المذاهب تعامل مع رموز الإسلام المقدسة، إما بنوع من الذاتية في التحليل والتوصيف، مما أنتج عبر القرون فهما خاطئا للمنتج الرسالي في التعاطي مع الرمز الإسلامي، وجعل محدودية الفهم والوعي لآفاق هذا الرمز في الحركة الإسلامية عبر الزمن كله…
في ذات السياق رسالة هذه السطور، أن نتقي الله في الحديث عن الإمام الحسين عليه السلام، لأن الحسين ليس شخصا بسيطا في حركة الإسلام، وفضله وقدره محفوظ بنص القرآن والسنة النبوية الشريفة، كون أهل البيت عليهم السلام للمسلمين كافة بشتى تنوعاتهم وللإنسانية جمعاء، لأن ما لدى الحسين وأبيه وأخيه وأمه والأئمة من ولده كله من جده حبيب الله النبي الأكرم(ص)، فلابد أن نتذكر أن تفاعلنا وقراءتنا ومحاولات فهمنا لقضية الحسين عليه السلام هي من صميم اتصالنا كمسلمين بالنبي الأكرم محمد(ص)، فمن العيب أن يصبح الحديث عن الإمام الحسين هو حديث فرقة لا حديث وحدة، أو حديث تعبئة مذهبية لا حديث لقاء إسلامي، بينما الإمام الحسين خرج يريد الإصلاح في امة جده(ص)، كما أن راهن المسلمين المأساوي، لا يستدعي الكثير من التبريرات والفلسفات، بقدر ما هو بحاجة لإستعادة وعي المسلمين لعلاقتهم بالإمام الحسين عليه السلام، ذلك الوعي المتمثل في استكمال مسيرة الإمام الحسين عليه السلام، المختصرة في عنوان تفعيل كل معادلات الإصلاح في تفاصيل واقع أمة جده عليه السلام، وفق ثوابت وقيم ومبادئ الثقافة الحسينية الناطقة بروح الشريعة المحمدية، بالمختصر المفيد:
الحسينيون يعرفون في هذا الخصوص لا غير، فالحسين ما خرج أشرا ولا بطرا، فلنعتبر حتى لا نحرك القضية الحسينية من حيث لا ندري وفق منطق الأشر والبطر، لأن ذلك مما قد يؤخر عودة الثقافة الحسينية لموقعها الموضوعي في الواقع الإسلامي المعاصر…و للإمام الحسين عنوان اسمه رسول الله محمد(ص)، فماذا بعد؟
هل نبقى نتباعد بإسم الحسين أم لابد من تحكيم الحسين فينا-هذا إذا اتفقنا أننا نحب الحسين كما أوصانا النبي الأكرم(ص)- حتى نستعيد واقعية الأمة لننطلق من جديد نحو ميادين الإصلاح الإسلامي الرشيد؟؟ هي أسئلة أظنها صحيحة ودقيقة بحاجة لأجوبة صريحة وتنموية، حتى لا يبقى تصور رمزية وموقعية الإمام الحسين(ع) لدى المسلمين، فضاء للاستجمام الكهنوتي على شاكلة علاقة أتباع الأديان الأخرى (السماوية أو الأرضية) مع رموزها، أو شهيد زمانه وفقط بحسب منطق علماني داخل التفكير الديني، تفاديا هي هاتين الرؤيتين للإمام الحسين(ع) هناك ضرورة لمراجعة نظرتنا للإمام الحسين(ع) وفق المنطق الإسلامي الأصيل، ليعلم العالم أن الرمز في الإسلام هو مفاعل أساسي لتجدد الرسالة الإسلامية عبر الزمن الإسلامي كله…
لقد آن الآوان لفك كل الشفرات التي ركبها رموز الطغيان عبر التاريخ الإسلامي، عنوة على رمزية وقداسة أهل البيت عليهم السلام وبخاصة واقعة الطف ورائدها الرمز الإسلامي المقدس السبط الإمام الحسين عليه السلام، ونعيد ونكرر على كل من يفكر الخوض في عمق الإمام الحسين وأهل البيت عليهم السلام، أن يتزود بالتقوى فإنه خير الزاد، لأن الحسين رمز التقوى فلابد من قرب رباني خاص لمن شاء معرفة أنوار هذا الرمز الإسلامي… والله من وراء القصد.
الحقيقة بنت الحوار

الهوامش:
(*) كاتب وباحث إسلامي.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً