أحدث المقالات

نقد اشتراط التذكية بالحديد

ـ القسم الثاني ـ

 

السيد علوي البلادي البحراني(*)

بقلم: السيد ماجد البوري

 

7ـ عنوان السكين يكشف أن الموضوع أوسع من الحديد

هذه القرينة ذكرت لها عدّة تقريبات:

التقريب الأول: ما ذكره السيد الأستاذ حفظه الله: «قد ورد في روايات أخرى التعبير، بدلاً عن الحديدة، بالسكّين. ففي صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج قال: «سألت أبا إبراهيم× عن المروة والقصبة والعود يذبح بهنّ الإنسان إذا لم يجد سكّيناً، فقال: …إلخ». وفي معتبرة زيد الشحام قال: «سألت أبا عبد الله× عن رجل لم يكن بحضرته سكّين، أيذبح بقصبة؟ فقال: اذبح بالحجر وبالعظم وبالقصبة والعود إذا لم تُصب الحديدة».

ومع وضوح أنّ السؤال واحد في جميع هذه الروايات فالمراد بالحديدة السكّين ونحوه ممّا هو معدّ للقطع والذبح والقتل، في قِبَال ما لم يُعدّ لذلك، كالحجر والعصا والقصبة، ممّا قد يمكن الذبح بها مع العناية والمشقّة للمذبوح»([1]).

ويلاحَظ أن السؤال واحد في هاتين الروايتين عن فقد السكين، وليس الحديدة، بل سُمِّيت السكين حديدة في الرواية الثانية، وهذه قرينةٌ على أن المراد بالحديدة السكين.

وقد صيغ ذلك بأن «ظاهر السؤال أن المناط في الذبح على الذبح بالسكين، مع غمض النظر عن جنسها، وبما أن ظاهر سياق الروايات كلِّها كون محطّ السؤال واحداً لدى الرواة فهذه قرينة على أن السؤال الذي عبَّر بالحديدة في الروايات الأخرى يُراد به السكين؛ لوَحْدَة سياق هذه الروايات»([2]).

وبغضّ النظر عن جنس السكين، وأنها من الحديد أو لا، فمقتضى إطلاقها صحّة التذكية بها من أيّ جنسٍ كانت، فإن المحذور في حمل المطلق على الفرد النادر، دون شمول المطلق للفرد النادر.

فشمول السكين للفرد النادر، أي للسكين المصنوعة من النحاس أو النيكل مثلاً، لا محذور فيه. فظاهر السؤال أن المناط في الذبح على الذبح بالسكّين، مع غضّ النظر عن جنسها، والمعدن المتَّخذة منه.

 

الملاحظة على التقريب

ولاحظ عليه بعضُ الفضلاء ما نصّه: «ويلاحظ عليه: إن هذا التقريب ليس كافياً، وذلك:

أوّلاً: إنه لا شاهد على وحدة السياق مع تعدُّد الرواة، وتعدُّد الإمام المسؤول.

ثانياً: إذا كان السياق واحداً فلم لا يُعكس، ويقال: إنّ ما عُبِّر فيه بالحديدة قرينة على أن المراد بالسكّين في مثل هذه الرواية هو ما كان من المعدن الخاصّ»([3]).

وحاصل الملاحظة الأولى أن المسؤول متعدِّد، والسائل متعدِّد، فلا يصحّ افتراض وحدة السياق مع تعدُّد الرواة وتعدُّد الإمام المسؤول.

فالذي سأل عن الحديدة مختلف عن الذي سأل عن الذبح بالسكين، والإمام الذي سُئِل عن الحديدة مختلف عن الإمام الذي سُئل عن السكين، فهذا سائلٌ وذاك سائلٌ آخر، وهذا إمامٌ وذاك إمام آخر، ومع تعدُّد السائل والمسؤول فلا وحدة في السياق.

بعض الروايات المسؤول فيها عن الحديدة هو الإمام الصادق×، أما المسؤول عن السكين ففي إحداها هو الإمام الصادق أيضاً. نعم، السائل متعدِّد. وعلى أيّ حال فهذا المقدار يكفي في إثبات تعدُّد المجالس، فلا مجال لدعوى وحدة السياق.

وحاصل الملاحظة الثانية أنّه كما يحتمل أن تكون السكين قرينة مفسِّرة للحديدة، وأن المراد بالحديدة هو السكين، يحتمل العكس كذلك، وأن يكون المراد بالسكّين ما صُنِع من الحديد، بأن تكون كلمة الحديدة مفسِّرة للسكين. ومع عدم تعيين المُفَسِّر من المُفَسَّر رجع الأمر إلى عالم الإجمال من جديد.

وفيه:

النقطة الأولى: لم يرِدْ تعبير وحدة السياق في المناقشة، وإنما قال: (السؤال واحد في هذه الروايات)، والملاحِظ عبَّر عنها بوحدة السياق.

فليس المقصود من أن (السؤال واحد في هذه الروايات) (وحدة السياق)، الذي يُقال في الكلام المتَّصل، ولا إشكال في أن الروايات لم تكن في مجلسٍ واحد وإنْ اتَّحد المسؤول في بعضها، لكنْ بعد وضوح تعدُّد السائل واختلاف الصياغة فالظاهر أن المجلس متعدِّد في جميعها، فلا وحدة سياق بهذا المعنى، حتّى يقال: إنّه لا وحدة في السياق.

نعم، يصحّ أن يكون المقصود ما بينّاه سابقاً، حيث قلنا: يمكن أن نستكشف جهة الشكّ عند السائل بالنظر للروايات. فهاتان الروايتان اللتان ورد فيهما التعبير بالسكّين تكشف عن جهة السؤال، وأن الأمر المشكوك فيه عند السائل إنما هو الذبح بغير الآلة، وأن النظر إلى كون آلة الذبح معدّة قاطعة تذبح بيسرٍ وسهولة أو أنها ليست معدة كذلك، تؤدّي إلى تعذيب الحيوان، ويكون الذبح بها مع العناية والمشقة للمذبوح.

فلما كان المنظور له في هاتين الروايتين هذا الأمر ينكشف أن المنظور له في باقي الروايات هو هذا الأمر، لأنه جوٌّ عامّ ارتكازي. فهاتان الروايتان قرينتان على كشف أمر ارتكازي.

النقطة الثانية: للجواب عن تفسير الحديد بالسكّين، وليس العكس، ولماذا رُجِّح تفسير السكين للحديد، دون العكس، وأن هذا الترجيح ليس بلا مرجِّح.

معنى لفظ (السكين) بيِّن، غير مشتبه ولا مجمل. فالمعنى واضح؛ إذ ليس له معنيان. فلا إجمال في لفظ السكين. لهذا صارت السكين مفسِّرة للحديدة.

أما لفظ (الحديدة) فله معنيان، فهو مجملٌ. والمجمل لا يفسِّر البيِّن، بل البيِّن يفسِّر المجمل. فإذا كان لفظ الحديدة ذا معنيين فهو مجملٌ، فكيف يكون هذا اللفظ المجمل مفسِّراً للبيِّن، وهو السكّين؟ أما العكس فهو صحيح؛ إذ لفظ السكين له معنى واحد، فهو بيِّن، والبيِّن يفسِّر المجْمَل ويشرحه. وهذا هو وجه الترجيح.

والنتيجة أن الملاحظتين غير تامتين، فيكون التقريب تاماً.

التقريب الثاني: « إن المستفاد من صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج في الطائفة الثانية أنه لا خصوصيّة للحديد في جنس الآلة التي تستخدم في الذباحة، فإن السائل فرض فيها فقد السكين، وسأل عن جواز الذبح عندئذٍ بالمروة والقصبة والعود، فيُفهم منه ضمناً أن جواز الذبح بالسكّين ـ الذي هو أعمّ ممّا صُنع من الحديد وما صُنع من غيره ـ كان أمراً مسلَّماً مفروغاً عنه عند السائل، فسأل عن جواز الذبح بغيره عند فقده. وحيث إن الإمام× لم يردعه عمّا أطلقه في السؤال يُفْهَم منه إقراره له، وأن العبرة في الذبح مع الإمكان بالآلة الحادّة أو المعدّة للقطع، كالسكاكين، لا بجنسها وكونها مصنوعة من الحديد»([4]).

وعُبِّر عن نفس التقريب بما يلي: «إن السؤال عن جواز الذبح بغير الحديد عند فقد السكين ظاهرٌ في أن المرتكز لدى الراوي جواز الذبح بالسكين بلا إشكال. ومقتضى إطلاقه عدم اعتبار كون السكّين من المعدن الخاصّ أو غيره. وحيث إن الإمام× أمضى مرتكز السائل ولم يردعه فمقتضى الإمضاء عدم اعتبار المعدن الخاصّ»([5]).

 

الإشكال الأول على التقريب الثاني

وقد نوقش هذا التقريب بالتالي:

«إن أقصى ما يستفاد من سؤال الراوي هو مسلَّمية جواز الذبح بالسكّين. وليس لهذا الحكم المستفاد من مطاوي الكلام إطلاقٌ يشمل ما كان مصنوعاً من غير الحديد؛ لأن السائل لم يكن بصدد البيان من هذه الجهة؛ لكي ينعقد الإطلاق لكلامه بالنظر إليها، حتّى يُقال: إنّ الإمام× قرَّره عليه، فيؤخذ به»([6]).

مفاد أصل التقريب أن السائل لما عبَّر بالسكين فهذا يكشف عن أن المرتكز في ذهنه أن العبرة في التذكية بالسكّين، وأن الذبح بها جائزٌ، أيّاً كان جنسها، من الحديد أو غيره، وتقع به التذكية، ولهذا لم يسأل عن جواز الذبح بها، وإنما سأل عن الذبح بغيرها عند فقدها، والإمام× لم يردعه عن هذا الارتكاز، فلم ينْهَه عن الذبح بالسكين غير المصنوعة من الحديد.

ولما كان هذا هو المرتكز في ذهنه، وأقرَّه الإمام× على ارتكازه، فهذا يكشف عن صحّة الذبح بالحديد وبغيره، وأنه لا يشترط في السكّين أن تكون من حديد.

وما أشكل به عليه أنّ المرتكز في ذهن السائل صحّة الذبح بالسكين في الجملة، وبنحو القضية المهملة. فالمرتكز في ذهن السائل وإنْ كان صحة الذبح بالسكين لكنْ لا شيء يكشف عن الإطلاق. فكأنّ السائل قال: إذا فقدت السكين التي يصحّ الذبح بها فهل يجوز أن أذبح بغيرها؟ والإمام× إنَّما أقرّ صحّة وجواز الذبح بالسكّين في الجملة؛ لأن السائل ليس في مقام البيان من هذه الجهة، فلا إقرار من الإمام× لمطلق الذبح بالسكين.

وبعبارة أخرى: معنى كلام الإمام×: إذا فقدت (السكّين في الجملة) جاز الذبح بالقصبة مثلاً. فمع فرض إجمال السؤال يكون الجواب مجملاً أيضاً، فنأخذ بالقدر المتيقَّن، وهو جواز الذبح بالقصبة حال فقد السكين المتَّخذة من الحديد.

 

جواب الإشكال الأول

أقول: دعوى أن السائل ليس في صدد البيان من هذه الجهة فيها تأمُّل؛ لأنّ السائل فرض فقد السكين، وسأل عن الذبح بغيرها، فهو فرغ من أن الذبح بالسكين مطلقاً جائزٌ، وأن الذبح بهذا الجائز مفقود، أي إن السؤال عن حكم الذبح بغير السكين حال فقدها ظاهرٌ في ارتكاز جواز الذبح بالسكين مطلقاً.

 

الإشكال الثاني على التقريب الثاني

«إنه لو فُرض تحقُّق الإطلاق للرواية من هذه الجهة إلاّ أنّ المقيّد لها موجودٌ، وهو صحيحة زيد الشحام؛ فإن الملاحظ أن السائل لما فرض عدم حضور السكين، وسأل عن جواز الذبح بالقصبة، قيَّد الإمام× في الجواب ترخيصه في ذلك بما إذا لم يُصِبْ الحديدة. فإعادة الإمام× الشرط المفروض تحقُّقه في السؤال بصيغةٍ أخرى([7]) يُرشد إلى مدى تركيزه× على لزوم أن تكون آلة الذبح في الرتبة الأولى من الحديد، لا من غيره. فهذه الصحيحة تصلح أن تكون مقيِّدة لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، على تقدير تحقُّق الإطلاق لها»([8]).

إذن المناقشة تقول: سلَّمنا جَدَلاً بالإطلاق في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، إلاّ أنّ له مقيِّداً، وهو صحيحة زيد الشحام.

السؤال في صحيحة عبد الرحمن وزيد واحدٌ عن فقد السكين، إلاّ أن جواب الإمام× في صحيحة زيد الشحام أجاز الذبح بالمذكورات لا بقيد فقدان السكين، وإنما بقيد فقدان الحديدة، وأن المناط فقدان الحديدة، وليس فقدان السكين. فإن كانت صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج مطلقةً فصحيحة زيد الشحام مقيِّدة لها.

 

الجواب عن الإشكال الثاني

أوّلاً: إن الظاهر من صحيحة زيد الشحام إطلاق لفظ الحديدة على السكين؛ لأن السائل فرض فقد السكين. وظاهر الجواب الإشارة إلى السكّين بلفظ الحديدة، كما ذكرنا في القرائن السابقة من أن لفظ الحديدة يطلق على السكين.

إذا كان المرتكز في ذهن زيد الشحّام جواز الذبح بالسكين، وإنْ لم تكن من معدن الحديد، فإنّ ردعه عن ذلك لا يأتي بلفظٍ مجمَل يحتمل معنيين، فهذا ليس من الردع في شيء.

لما فرض السائل صحّة الذبح بالسكين، والإمام× بما أن وظيفته بيان الأحكام الشرعية، وأن عليه أن يردع السائل عمّا ارتكز في ذهنه من أمرٍ خاطئ، أو قُلْ: يبيِّن له الحكم الشرعي، فاللازم أن يذكر لفظاً ظاهراً على الأقلّ في أن معدن الحديد شرطٌ. أما استعمال لفظ الحديدة إنْ لم يكن ظاهراً في السكين، كما يلاحظ نظائره من الاستعمالات، فإنه لا يصلح للردع، مع أن استعمال لفظ الحديدة بلا موصوف عرفاً لا يطلق على المعدن أو القطعة من الحديد إشارة إلى الجنس، فلا يقال: زكاة الفطرة في الشعيرة، بل يقال: في الشعير؛ إذ لا دخالة للشعيرة الواحدة في الموضوع. وكذلك القطعة الواحدة من الحديد لا دخالة لها في اشتراط الجنس. وقد مرّ نظائر هذا الاستعمال. فلفظ الحديدة بلا موصوف يستعمل بمعنى السكّين أو الآلة القاطعة والحادّة. فحينئذٍ إنْ تمّ ذاك الأمر، وهي قرينة أخرى، فمن الواضح أن الحديدة هنا أطلقت على السكين، كما في نظائر المسألة. فإنْ لوحظ ذاك الأمر وما بنينا عليه في ما سبق فالرواية دالّةٌ على عدم اشتراط معدن الحديد، ويكون جواب الإمام× مطابقاً لما فرضه السائل، وليس رادعاً.

وإنْ لم تسلِّم، وأردْتَ أن تنظر لهذه القرينة منفصلة عما ذكرناه هناك، وافترضت أن لفظ الحديدة مجملة، تحتمل القطعة من الحديد وتحتمل الآلة القاطعة أو السكين، فهذا لا يصلح للردع؛ إذ لعلّ السائل لا يتوجَّه إلى أن المقصود القطعة من الحديد؛ لأنّه لمّا كان المرتكز في ذهنه هو جواز الذبح بالسكين فاستعمال لفظ مجمل لا يردعه عن ذاك الارتكاز، ولا يتناسب مع الردع.

فقد يؤدّي ارتكازه إلى أن ينصرف ذهنه إلى معنى السكين، فلا يتبيَّن له الأمر، ويكون من تأخير البيان عن وقت الحاجة.

نعم، هذه المناقشة ربما تتمّ بناءً على أن لفظ (الحديدة) ظاهرٌ في القطعة من الحديد. فإذا فرغت من هذا الأمر، وثبت أن لفظ الحديدة ظاهر في المعدن الخاصّ، يمكن ادّعاء الردع عمّا ارتكز في ذهن السائل. ولعلّ هذه المناقشة مبنيّة على هذا التصوُّر.

إذن عندنا ثلاث تقديرات، كخلاصة: إما تفرض أن الحديدة مجملة؛ أو تفرضها ظاهرة في القطعة من الحديد؛ أو تفرضها ظاهرة في السكين والآلة القاطعة.

فإنْ فرضتها ظاهرةً في السكين انتهينا من الأمر، وتكون هذه الرواية دالّةً على عدم اشتراط معدن الحديد، وإنما المشترط أن تكون آلةً حادّة وقاطعة.

وإذا فرضتها ظاهرةً في القطعة من الحديد تكون دالّةً على اشتراط المعدن، وأمكن ادّعاء تقييدها لصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج. لكنّ استظهار إرادة القطعة من الحديد من لفظ الحديدة عامّ لكل الروايات، ولا اختصاص له بالمقام.

وإذا كانت مجملة لم تصلح للردع. وهذه الفرضية تتناسب مع ذكر القرينة؛ لأن القرينة يُراد بها الترجيح في مقام الإجمال، أما إذ كان الأمر جليّاً واضحاً فلا معنى لذكر القرينة حينئذٍ؛ فإن المنهجية الصحيحة أن تفرض الإجمال، وأن هذه القرينة قادرة على الترجيح.

ولهذا قلت: إن أخذنا بقرينتنا السابقة، التي تقول: إن المراد بالحديدة السكين، فرغنا من الأمر؛ وإنْ أخذنا بالرأي المقابل، وهو القطعة من الحديد، أيضاً يتمّ الفراغ من الأمر. فالحديث في هذه القرينة صار بلا معنى عندئذٍ، على هذا التقدير أو على ذاك التقدير.

إنما يجب أن يكون الكلام على فرضية الإجمال، وأن اللفظ له معنيان، فحينئذٍ نبحث عن المرجِّح.

وما أُشكل به على صحيحة عبد الرحمن، من أن السائل ليس في مقام البيان فلا إطلاق لها لتشمل السكين التي صنعت من غير الحديد، فيؤخذ بالقدر المتيقَّن، والقدر المتيقَّن هو السكين المصنوعة من معدن الحديد، فلا يثبت بها المطلوب، يأتي بعينه على صحيحة زيد الشحام. فالإشكال واحد على الروايتين، والجواب واحدٌ.

والظاهر عُرْفاً من سياق صحيح زَيْدٍ الشَّحَّامِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ× عَنْ رَجُلٍ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ سِكِّينٌ أَيَذْبَحُ بِقَصَبَةٍ؟ فَقَالَ: اذْبَحْ بِالْحَجَرِ وَبِالْعَظْمِ وَبِالْقَصَبَةِ وَالْعُودِ إِذَا لَمْ تُصِبِ الْحَدِيدَةَ، إِذَا قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَخَرَجَ الدَّمُ فَلا بَأْسَ بِهِ([9])، إطلاق لفظ الحديدة على السكين. وهذا من باب اختلاف التعبير. فالسائل عبَّر بالسكين، والإمام× عبَّر بالحديدة. ويظهر أن هذا أمرٌ متعارف عندهم.

والخلاصة أن المسألة لها ثلاثة فروض:

الأول: إجمال لفظ الحديدة، فلا تكون رادعة.

الثاني: ظهور لفظ الحديدة في السكّين.

الثالث: ظهوره في القطعة من الحديد.

وغير خفيٍّ أن الفرضين الأولين لصالح عدم شرطيّة معدن الحديد، بخلاف الثالث.

وثانياً: لا تقيِّد صحيحة زيد الشحام صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج؛ لعدم المنافاة بينهما نفياً وإثباتاً. ولا يقيد عنوان الحديدة عنوان السكين، فهما عنوانان إثباتيان لا تنافي بينهما، فيثبت الحكم لكلَيْهما، وأنّ التذكية تقع بهما. فالتقييد بلا موجب.

التقريب الثالث

إن الإمام× رخَّص في الذبح بالليطة ونحوها في حالة فقد السكين، الذي تقدَّم أنه أعمّ ممّا يكون مصنوعاً من الحديد وغيره، ولو على سبيل الندرة؛ فإن شمول المطلق للفرد النادر ممّا لا ضير فيه، وإنما الممنوع حمل المطلق على الفرد النادر. ويترتَّب على ذلك أنه لا تصل النوبة إلى الذبح بالليطة والحجر ونحوها مع وجود السكين المصنوع من غير الحديد، وإلاّ لزم أن يكون لآلة الذبح رُتَب ثلاث: الأولى: الآلة المصنوعة من الحديد؛ الثانية: الآلة المصنوعة من غير الحديد من الفلزات؛ الثالثة: الليطة ونحوها. وهذا مقطوع البطلان، ولم يلتزم به أحدٌ من الفقهاء([10]).

وأُجيب بأنّه لو فرض أن السكين المذكور في السؤال أعمّ مما كان مصنوعاً من غير الحديد، إلاّ أن ترخيص الإمام× في الذبح بالليطة ونحوها مع فقد السكين المفروض في السؤال لا يدلّ على عدم جواز الذبح بالليطة وما يشبهها مع وجود السكين المصنوع من غير الحديد، بل لا يدلّ حتّى على عدم جواز الذبح بالليطة ونحوها مع وجود السكين المصنوع من الحديد؛ فإن ورود الترخيص في الذبح بالليطة ونحوها في مورد فقد الحديد المفروض في كلام السائل لا يدلّ على اختصاص هذا الترخيص بالمورد حتّى يترتَّب على ذلك استفادة أن السكين المصنوع من الحديد ومن غيره في رتبةٍ واحدة([11]).

وفيه: إن الذبح بالليطة ونحوها ليس جائزاً على إطلاقه؛ بملاحظة سائر الروايات. فالمستفاد من مجمل الروايات أن جواز الذبح بالليطة ونحوها مشروطٌ بشيءٍ ما. وهكذا بعد ضمّ سائر روايات الباب يعلم أن تجويز الذبح بالمذكورات إنَّما هو في طول فقد شيءٍ تردَّد أمره بين معدن الحديد وآلة الذبح، فتكون هذه الصحيحة قرينة على أنه الآلة الصالحة للذبح.

فالترخيص بالذبح بالمروة والقصبة ونحوهما؛ بملاحظة مجموع الروايات، إنما هو بلحاظ بيان ما يصحّ الذبح به؛ إمّا بياناً للضابطة العامة في الذبح؛ وإما بياناً لجواز الذبح بالمذكورات حال فقد السكين أو الحديد. فبملاحظة نكتة جهة السؤال التي شرحناها في ما مضى يكون الأمر جليّاً في أن جهة السؤال لا ربط لها بالجنس ومادة الحديد.

التقريب الرابع

ربما أمكن التقريب بأن ورود عنوان الحديد والحديدة، مع التسليم بإرادة المعدن الخاصّ منهما، لا يلازم كونه موضوع التذكية، واشتراط التذكية به؛ وذلك لورود عنوان السكين في مثل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، الذي هو أوسع من عنوان الحديد، ممّا يكشف أن الموضوع هو السكّين المتَّخذة من الحديد أو من غيره، تطبيقاً للكبرى التي أشار لها السيد الخوئي&، من أنه كلَّما تعلَّق الحكم في لسان الدليل بعنوانين، أحدهما أوسع من الآخر، علم من ذلك أنّ الموضوع في الحقيقة هو ذلك العنوان الأوسع، من دون خصوصية للعنوان الأضيق، وإنّما ذكر الأضيق من باب التطبيق، وكونه أحد المصاديق([12]).

ولا يَرِدُ عليه أنّ عنوان السكين ورد في لسان السائل، وليس في كلام الإمام×؛ لأنّ عنوان الحديد والحديدة ورد في لسان السائل أيضاً، فإنْ كان ذلك مسقطاً للعنوان فهو مسقطٌ له في تلك الروايات أيضاً، وإلاّ فليكن في العنوانين معاً، ثم تطبَّق عليهما كبرى العنوانين المختلفين سعةً وضيقاً.

كما لا يَرِدُ عليه أن عنوان السكين إنما ورد في لسان السائل في صحيح زيد الشحام، إلاّ أنّ الإمام× أجاب بعنوان الحديدة، فهو تقييد لما ورد في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج؛ لأنه بالرجوع إلى تطبيق كبرى العنوانين المختلفين سعةً وضيقاً، والأخذ بالعنوان الأوسع ينحلّ الإيراد، ولا يكون المقام مقام تقييدٍ؛ لعدم اختلافهما إثباتاً ونفياً، فلا تنافي بينهما حتّى يقيِّد أحدهما الآخر. فيثبت الحكم لهما معاً، ويكون الميزان هو العنوان الأوسع، وفقاً لتلك الكبرى.

لكنّ هذا التقريب يواجه إشكالاً جدّياً، وهو أن مفاد (لا ذكاة إلاّ بحديدة) حصر الذكاة بالحديد، وليس مجرد وقوع التذكية بها، فتنافي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج بالإطلاق والتقييد، فتقيد تلك الأخبار هذه الصحيحة، وتكون النتيجة جواز الذبح والتذكية بالسكين المتَّخذة من الحديد.

ويمكن التأمُّل بأن المستفاد من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج جواز الذبح بالمروة والقصبة والعود حال فقد السكين، لا مطلقاً، فيكون مفادها على وزان (لا ذكاة إلاّ بحديدة). فهل العبرة بعنوان الحديدة أو عنوان السكّين؟ العبرة بالعنوان الأوسع، وذكر الحديدة باعتبارها أوضح المصاديق، بل ربما كانت المصداق الوحيد ذلك الزمان، كما لا يخفى. فإنْ تمَّ هذا الجواب، وإلاّ فإنّ الظاهر عدم اختلاف العنوانين؛ لإطلاق الحديدة على السكّين، كما عرفت في ما مرّ.

 

8ـ استظهار ذيلَيْ صحيحة الشحّام وابن الحجّاج

وهي استظهار ذيلَيْ صحيحة الشحّام وابن الحجّاج في بيان الضابطة الكلّية في التذكية، بأحد التقريبات التالية:

 

التقريب الأول: الفرار من تكرار الذبح

بملاحظة صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج، التي رواها الكليني عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيه، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا إِبْرَاهِيمَ× عَنِ الْمَرْوَةِ والْقَصَبَةِ والْعُودِ أيُذْبَحُ بِهِنَّ إِذَا لَمْ يَجِدُوا سِكِّيناً؟ قَالَ: إِذَا فَرَى الأَوْدَاجَ فَلا بَأْسَ بِذَلِكَ([13]).

وصحيحة زيد الشحام، التي رواها الكليني عن مُحَمَّدِ بْن يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله× عَنْ رَجُلٍ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِه سِكِّينٌ أيَذْبَحُ بِقَصَبَةٍ؟ فَقَالَ: اذْبَحْ بِالْقَصَبَةِ وبِالْحَجَرِ وبِالْعَظْمِ وبِالْعُودِ إِذَا لَمْ تُصِبِ الْحَدِيدَةَ، إِذَا قَطَعَ الْحُلْقُومَ وخَرَجَ الدَّمُ فَلا بَأْسَ([14]).

وبالتحديد ذيلي الروايتين: «إِذَا فَرَى الأَوْدَاجَ فَلا بَأْسَ بِذَلِكَ»، و«إِذَا قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَخَرَجَ الدَّمُ فَلا بَأْسَ بِهِ»، فإنّ في دلالتهما احتمالين:

الاحتمال الأوّل: إن الذيلين قيدٌ للذكاة بغير الحديدة. ويدلاّن على أنه إذا فُقِدت جاز الذبح بالمذكورات إذا كانت (تفري الأوداج)، أو (تقطَع الحلقوم وتُخْرِج الدم).

وهذا الاحتمال لا يكون في صالح مَنْ يقول أن المراد بالحديدة الآلة أو السكين أو ما يصلح للذبح والفري، ولا يشترط المعدن الخاصّ؛ لأن المعنى سيكون هكذا: إذا وجدت حديدة فاذبح بالحديدة، وإذا لم تجد الحديدة يجوز لك أن تذبح بهذه المذكورات، بشرط أن تقطع الحلقوم وتفري الأوداج ويخرج الدم.

الاحتمال الثاني: إنهما بيانٌ للضابطة الكلية في التذكية، وأنها تتحقَّق بالآلة التي تفري الأوداج أو تقطع الحلقوم وتخرج الدم، بلا فرق بين كونها من الحديد أو من القصبة وأمثالها.

وعلى هذا الاحتمال يكون الذيلان قرينةً لصالح دعوى عدم اشتراط جنس الحديد ومعدنه.

فالسائل كان يشكّ في صحّة جواز الذبح بغير الحديدة مع فقدها، فأعطاه الإمام× الضابطة الكلّية للتذكية. وقد صيغت هذه القرينة بالشكل التالي: «إن كلاًّ من قوله× في ذيل صحيحة زيد الشحام: «إذا قطعَ الْحُلْقُومَ وَخَرَجَ الدَّمُ فَلا بَأْسَ بِهِ» وقوله× في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج: «إِذَا فَرَى الأَوْدَاجَ فَلا بَأْسَ بِذَلِكَ» ظاهرٌ في كونه بياناً للقاعدة الأساسية في الذبح الذي تحصل به الذكاة؛ إذ لا يناسب أن يكون تقييداً لجواز الذبح بالحجر ونحوه؛ لأنّ (قطع الحلقوم وخروج الدم) المذكور في الأول، و(فري الأوداج) المذكور في الثاني، يساوق الذبح، فكيف يصلح أن يكون قيداً له. فلا محيص إذن من كون المقصود به بيان أن العبرة في الذبح بقطع الحلقوم وخروج الدم أو بقطع الأوداج الأربعة جميعاً، لا بجنس الآلة وكونها من الحديد.

وعلى ذلك لا بُدَّ أن يكون قوله× في صحيحة زيد الشحام: (إذا لم تصب الحديدة) مسوقاً لبيان ما هو المتعارَف من عدم استعمال مثل الحجر والعظم في الذبح إلاّ عند عدم السكّين ونحوها، لا أنه بيانٌ لشرط جواز الذبح بمثل ما ذُكر»([15]).

شرح: الذيلان بهما تقييدٌ بلا شكّ، لكنَّه راجعٌ إلى أيّ شيءٍ؟ إلى جواز الذبح بالمذكورات أو إلى مطلق الذبح؟

على فرض أنه راجعٌ إلى جواز الذبح بالمذكورات يصير المعنى: (إذا قَطَعت المذكورات الحلقوم أو فرت الأوداج وخرج الدم فلا بأس بالذبح بها). وواضحٌ أن الذيلين بهذا المعنى لا محصّل لهما، فالمذكورات تقطع وتفري، وهو فرض السائل، فكيف يصلح تقييد جواز الذبح بها بأن تكون ذابحة.

الراوي افترض أنّ الذبح يتحقَّق بالقصبة مثلاً فلا يصحّ أن يجيبه الإمام×: نعم، اذبَحْ بالحجر بشرط أن يتحقَّق الذبح، إنما الجواب المناسب لا بُدَّ أن يكون: (لا بأس).

وبتعبيرٍ آخر: «لأنّ المفروض أن السائل فرض أن هذه الأمور ذابحة، فكأنه قال: ما رأيك بالذبح بهذه الأمور؟ فأجابه: إذا كانت ذابحةً فلا بأس!! وهذا ممّا لا معنى له»([16]).

هذا كمَنْ يسأل: (إذا كنتُ مسافراً أأقصر أو أتمّ؟) فيُجاب: (قصِّر بشرط أن تكون مسافراً!). هذا الجواب فيه إعادةٌ لما فرضه السائل، واشتراط نفس ما فرضه.

أو كمَنْ يسأل: (هل ألبس لباس الشهرة إذا كان مُهيناً؟) وجوابه يكون: (لا يجوز)، وليس: (لا يجوز إذا كان مهيناً). فهذا الاشتراط لَغْويّ؛ لأنه مفروضٌ في كلام السائل.

ومَنْ يسأل عن التدخين فيقول: (هل يجوز التدخين إذا كان ضارّاً ضرراً بالغاً معتدّاً به؟) فلا تجيبه بمثل: (لا يجوز إذا كان ضارّاً ضرراً معتدّاً به)، بل تجيبه بمثل: (لا يجوز في مفروض سؤالك).

وهكذا لا يصلح الذيل أن يكون قيداً للذبح بالحجر والقصبة ونحوها من المذكورات؛ لأنه سيكون شرطاً لَغْوياً. فالذبح مفروضٌ في السؤال، ولا يمكن أن يجعله الإمام شرطاً؛ للزوم اللَّغْوية من ذلك.

فإذا لم يصلح رجوع القيد إلى الذبح بالقصبة ونحوها فلا محالة من رجوعه إلى الذبح، فيكون بياناً للضابطة الكلية في تحقُّق التذكية، فتكون النتيجة أنّ كل ما فرى الأوداج وأسال الدم جازت التذكية به.

 

الخلاصة

القرينة تدَّعي ظهور الذيلين في بيان القاعدة الأساسية في الذبح الذي تحصل به الذكاة، بعد رجحان الاحتمال الثاني.

والمرجِّح هو أنّه إذا اعتبر الذيل قيداً للذبح بالمذكورات صار أشبه بالقضية بشرط المحمول، نظير: ما قيل في الآية الكريمة: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ﴾، فإذا كان البيع فيها بمعناه الشرعي صار معناها: (البيعُ الحلالُ عند الله حلالٌ عند الله).

فالسائل فرض (قطع الحلقوم وفري الأوداج بما يذبح به)، فلا يصحّ أن يجاب: (إذا قطع الحلقوم وفُريت الأوداج فلا بأس أن تذبح به). وبتعبيرٍ آخر: هذا الذي فرضت أنه يذبح يجوز أن تذبح به، بشرط أن يذبح.

فتفسير الذيلين على أنهما قيدٌ لجواز الذبح بالمذكورات ينتج ما يشبه القضية بشرط المحمول، وهي جملةٌ غير مفيدة، ومعلومٌ أن ثبوت الشيء لنفسه ضروريّ.

قال الشاعر:

إنّما يجري ببطن النهر ماءُ   والذي ليس بيقظانٍ ينامُ

وهكذا تصبح عندنا قرينةٌ أخرى على عدم شرطية معدن الحديد، وإنما يكفي كلّ ما يفري الأوداج ويقطع الحلقوم.

وقد أشكل على هذه القرينة بما يلي: «إن هذا الكلام يبتني على توقُّف صدق الذبح على فري جميع الأوداج، أو على قطع الحلقوم وخروج الدم، مع أنه بمعناه العرفي لا يتوقَّف على ذلك، فإنّ مسمّاه يصدق عُرفاً وإنْ لم يتمّ قطع الحلقوم بخصوصه، فضلاً عن قطع تمام الأوداج. كما أنه إنما يستلزم خروج مسمَّى الدم، لا خروج الدم بالمقدار المتعارف ـ الذي لعله المقصود في النصّ ـ، فإنّه يتوقَّف عادةً على قطع الشريانين الرئيسين الملتصقين بالرقبة، فيكون اشتراط خروج الدم في الرواية إيعازاً إلى لزوم قطع هذين الشريانين.

وبالجملة إن قوله×: «إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس به»، وقوله×: «إذا فرى الأوداج فلا بأس به»، إنما أراد بهما الإمام× التأكيد على لزوم رعاية الذبح المعتَبَر شرعاً عند استخدام الحجر والليطة وأضرابهما مع فقد الحديد؛ لأن في الذبح بهما، ممّا لا يكون معدّاً للذبح، مظنّة التخلُّف عن الذبح الشرعي، فاقتضى التأكيد عليه»([17]).

 

محصَّل المناقشة

حاصل نكتة القرينة أن الأخذ بالاحتمال الأوّل يؤدّي إلى أن يكون الذيل أشبه بالقضية بشرط المحمول، مما يلزم منه اللَّغْوية. فحَذَراً من حمل كلام المعصوم× عليه يتعيَّن الأخذ بالاحتمال الثاني. والمناقشة تستهدف هدم هذه النكتة. ونستعرضها شرحاً في النقاط التالية:

النقطة الأولى: وهي أن الذبح له معنيان؛ الذبح العرفي؛ والذبح الشرعي. والثاني هو (فري الأوداج الأربعة)، كما في صحيحة ابن الحجّاج، و(قطع الحلقوم وخروج الدم)، كما في صحيحة الشحام. والذبح العرفي يتحقَّق بأقلّ من هذا، فلو قطع أحدٌ الشرايين وخرج مسمّى الدم لصدق عنوان الذبح عُرْفاً.

النقطة الثانية: إن السائل سأل عن الذبح بالمذكورات بالمعنى العرفي. ولما كان لا يشترط فيه فري الأوداج الأربعة وقطع الحلقوم وخروج الدم المتعارف، بل مسمّاه، فالإمام× اشترط عليه ذلك؛ ليتحقق الذبح الشرعي. فلا لَغْوية، ولا تكون من قبيل: القضية بشرط المحمول.

والحالات المتصوَّرة أربع:

1ـ أن يكون كلٌّ من الذبح في كلام السائل وفي كلام الإمام× بالمعنى العرفي.

2ـ أن يكون كلاهما بالمعنى الشرعي.

3ـ أن يكون الذبح في كلام السائل بالمعنى العرفي، وفي كلام الإمام× بالمعنى الشرعي.

4ـ عكس الحالة الثالثة، بأن يكون الذبح في كلام السائل بالمعنى الشرعي، وفي كلام الإمام× بالمعنى العرفي.

فالقرينة مبنيّة على الاحتمال الثالث، لكنْ بالبناء على اتّحاد المعنيين العرفي والشرعي. والمناقشة تدَّعي تغايرهما، مع التسليم بالاحتمال الثالث، فمجيء الذيل لدفع توهُّم السائل تحقُّق التذكية بدون فري الأوداج الأربعة وقطع الحلقوم.

فخلاصة المناقشة: إنّ هذه القرينة مبنيّة على أن الذبح العرفي الوارد في لسان السائل مساوٍ للذبح الشرعي الوارد في كلام الإمام×، ولكنّ المساواة غير صحيحة فتسقط القرينة.

غير أنه لوحظ على المناقشة بما يلي:

«أوّلاً: إنّ المدَّعى هو ظهور الذيل في التعليل؛ بقرينة ذكر الجزاء، حيث قال: (إذا فرى الأوداج فلا بأس). ومقتضى عموم التعليل عدم خصوصية كون آلة الذبح من جنس الحديد أو من غيره؛ فإن التعليل يُعمِّم ويُخصِّص. فما ذكر من حمل الذيل على الذبح الشرعي لا يعالج أصل الدعوى، ولا يدفع نقطة الاستدلال؛ لأنه سواء حملناه على الذبح الشرعي أو حملناه على إرادة الذبح العرفي فهو ظاهرٌ في بيان الكبرى، وأن المناط في تحقُّق التذكية هو فري الأوداج وقطع الحلقوم، سواء كان بجنس الحديد أم لم يكن. فكأنّه قال: (متى ما تحقق قطع الحلقوم وفري الأوداج وخروج الدم تحقَّقت التذكية شرعاً). ومقتضى عموم التعليل عدم خصوصية لجنس الحديد وغيره»([18]).

يقصد بالتعليل الذيلين([19]): (إِذَا فَرَى الأَوْدَاجَ فَلا بَأْسَ بِذَلِكَ)، و(إِذَا قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَخَرَجَ الدَّمُ فَلا بَأْسَ به)، والشرط فيهما: (إِذَا فَرَى الأَوْدَاجَ) و(إِذَا قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَخَرَجَ الدَّمُ)، والجزاء (فَلا بَأْسَ).

فهنا خطوتان في الملاحظة:

الأولى: الذيل ظاهر في التعليل؛ بقرينة ذكر الجزاء.

الثانية: التعليل يعمِّم.

فتكون النتيجة أن الذبح، أعمّ من كونه بآلةٍ من حديد أو من غيره، محقِّق للتذكية.

وهذه الملاحظة يمكن التعليق عليها بما يلي:

الأمر الأوّل: قوله: (المدَّعى هو ظهور الذيل في التعليل؛ بقرينة ذكر الجزاء): لم نفهم كيف يكون ذكر الجزاء قرينة على التعليل، ولم نعرف وجهه.

نعم، ذكر في بحث المفاهيم في بعض التقريبات أن الشرط علّة تامة منحصرة للجزاء، فتدل على انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط، لكنّ الجزاء نفسه كيف يفهم منه التعليل؟ وبأيّ وجهٍ يكون قوله×: (فلا بأس) قرينةً على التعليل؟!

وإذا لم يتمّ ما ذكر من القرينية على التعليل سقط التعميم المبنيّ عليه.

الأمر الثاني: لا إشكال في أن الذيل في الصحيحتين قيدٌ، ولكنّ الكلام في أنه قيدٌ لأيّ شيءٍ؟ فهل هو قيد لمطلق الذبح أو قيد للذبح بالمذكورات من الحجر والقصبة ونحوها؟

فدعوى أن القيد راجعٌ إلى مطلق الذبح ترتكز على تلافي اللَّغْوية والوقوع في ما يشبه شَرَك القضيّة بشرط المحمول.

لكنّ المناقشة حاولت تفنيد ذلك بهذه الإفادة (بالمعنى): إنّما يتمّ الاستدلال لو كان الذبح العرفي ملازماً لفري الأوداج وقطع الحلقوم وخروج الدم، فتصير القضية بشرط المحمول، ولكنّ الذبح العرفي لا يشترط فيه ذلك، ويتحقَّق بأقلّ من فري جميع الأوداج وخروج الدم بالمقدار المتعارف، فلا تكون القضيّة بشرط المحمول، بفرض أن جواب الإمام× عن الذبح بالمعنى الشرعي، والسؤال عن الذبح بالمعنى العرفي، فكأنّ الملاحظة أجنبية عن مسار المناقشة.

«ثانياً: إن فري الأوداج وخروج الدم كناية عن الذبح. وعدم كونهما من لوازم الذبح غير ضائر؛ إذ يكفي في الكناية كون المكنَّى به من المقارنات الغالبية للمكنَّى عنه. كما يُقال: (زيد كثير الرماد)، وقد لا تكون له كثرة رماد، لكنْ حيث إنّها من المقارنات عادةً لكثرة الطبخ صحّ التكنية به عن الكرم، وإلاّ فلا تلازم بينهما.

لذلك ففري الأوداج قطع الحلقوم وخروج الدم هي من المقارنات الغالبية لعملية الذبح، وليس ناظراً إلى الذبح الشرعي، فإن الذبح عادةً إنما يقع بفري الأوداج وقطع الحلقوم وخروج الدم، وليست قيوداً شرعية، وإلاّ لو كانت ناظرة للذبح الشرعي لم يكن تقييداً لخصوص الذبح بالحجر والقصب، بل هو تقييدٌ حتّى للذبح بالحديد، ويصحّ تقييده؛ حَذَراً من عدم وقوعه.

فمجرّد عدم الملازمة بين الذبح وبين هذه الأمور عقلاً؛ إذ يمكن الذبح من الفم ـ مثلاً ـ، شيءٌ، وصحّة التكنية بها عن الذبح العرفي شيء آخر»([20]).

حاصل الاعتراض: إنّ فري الأوداج وقطع الحلقوم وخروج الدم الوارد في كلام الإمام× إنما هو كناية عن الذبح العرفي، فالإمام أراد بكلامه بيان الذبح العرفي.

وحيث إن المناقشة افترضت أن الكلام الوارد في كلام السائل هو الذبح العرفي تصبح النتيجة أن السائل ذكر الذبح، وأراد به الذبح العرفي، والإمام× كذلك ذكر الذبح، وأراد به العرفي.

فظاهر الملاحظة الالتزام بأن الذبح الوارد في كلام السائل يراد منه الذبح العرفي، وأن جواب الإمام× جاء مستعملاً للذبح بنفس المعنى العرفي. وهذا هو التصوير الرابع من الاحتمالات السابقة.

 

تعليقنا

هذه الملاحظة سنعلِّق عليها بعدّة نقاط:

النقطة الأولى: وقوعها في ما فرّ منه أصل التقريب؛ إذ تكون أشبه بالقضية بشرط المحمول، وتكراراً لَغْوياً للشرط.

فهي تفترض أن السائل والإمام× كلَيْهما في مقام الكلام عن الذبح العرفي. فالسؤال وقع عن الذبح العرفي، والجواب من الإمام× كذلك. وما قامت عليه القرينة هو إبطال أن يكون الذيل قيداً للذبح بالقصبة والعود والحجر؛ ليكون قيداً لمطلق الذبح. وهذه الملاحظة ترجع لتقع في نفس المطبّ الذي فرَّت منه القرينة.

النقطة الثانية: لعلَّه يلوح منها الالتزام بأن قطع الحلقوم وفري الأوداج الأربعة وخروج الدم المتعارف ليس شرطاً في التذكية، وإنما يكفي تحقُّق الذبح العرفي.

فما ذكره الإمام× من (قطع الحلقوم أو فري الأوداج وخروج الدم) ما هو إلاّ كناية عن الذبح العرفي، الذي يتحقَّق بأقلّ من ذلك، فلا يلزم من ذكره× الالتزام والقيدية بفري الأوداج وقطع الحلقوم.

النقطة الثالثة: افتراض أن الإمام× في مقام الكناية، وليس في مقام اشتراط الذبح الشرعي، مخالفٌ لأصالة الاحترازية. فالأصل في القيود أنها احترازية، كما هو مقرَّر في علم الأصول. والقول بأن القيد كنايةٌ يخرجه عن كونه احترازيّاً، وهو خلاف الظاهر جدّاً.

النقطة الرابعة: إن هذا الاعتراض يصادم ظهور حال الإمام× أنه في مقام بيان الحكم الشرعي والقيود للحكم، لا في مقام بيان أمرٍ عرفي.

الفرق بين هذه النقطة وما قبلها أن الثالثة تعلّق على دعوى ظهور كلام الإمام× في الكناية مقابل القيديّة، فتخرج الملاحظة عن أصالة الاحترازية في القيود.

والنقطة الرابعة تعلّق على الخروج عن ظهور حال الإمام في بيان أمر شرعيّ، وافتراضه في مقام بيان أمر عرفي.

فظاهر حال الإمام× ـ كأمرٍ عامّ ـ عندما يذكر قيداً أو بياناً فإنما هو في مقام بيان القيود الشرعية؛ إذ إنه سُئل بصفته إماماً معصوماً، فالسائل يسأل عن الحيثية الشرعية، ولا يسأل عن الحيثية العرفية. وظاهر جواب الإمام× أنه في مقام بيان القيود الشرعية. وهذه حالة عامّة في جميع الروايات.

فما هي القرينة على أن الإمام× ليس في هذا المقام، وأن الإمام في مقام بيان أمر عرفي؟!

يبقى ما هو موقفنا من المناقشة؟

نرجع إلى أصل مناقشة التقريب: المناقشة افترضت أن السائل يتكلَّم عن الذبح العرفي، والإمام يتكلَّم عن الذبح الشرعي، فلا تكرار إذن في كلام الإمام× لما افترضه السائل، ولا يكون من قبيل: القضية بشرط المحمول.

وقد تقدَّم في الملاحظة على المناقشة افتراض صورة أخرى، وهي أن السائل والإمام× كلَيْهما يتكلَّمان عن الذبح العرفي.

أقول: يمكن افتراض صورة ثالثة، وهي أن السائل افترض الذبح الشرعي، والإمام× افترض الذبح الشرعي أيضاً، أي إن السائل افترض أن الذبح شرعيٌّ من كلّ الجهات والحيثيات، بما فيها التسمية والاستقبال، ويشكّ في شرعية الذبح من جهةٍ واحدة، وهي الذبح بالحجر أو القصبة أو غيرهما.

فتكون القضية هكذا: إن الإمام× أجاب السائل بأنّ كلّ ما يحقِّق قطع الأوداج ويخرج الدم، سواء كان قصبة أو غيرها، يحقِّق التذكية.

فإذا أرجعنا الذيل إلى القصبة وأمثالها نتج من ذلك اللَّغْوية؛ لأن فري الأوداج وخروج الدم المتعارف مفروضٌ في كلام السائل. وإذا أرجعناه إلى بيان القاعدة الأساسية في الذبح انتفَتْ اللَّغْوية؛ لأن الجواب بصدد إعطاء الضابطة الكلية والقاعدة الأساسية للذبح، وأنه متى تحقَّق فري الأوداج وخروج الدم المتعارف صحَّ الذبح، بغضّ النظر عن الآلة ومادّتها. فحَذَراً من اللَّغْوية نُرجع القيد إلى أصل الذبح.

إنْ قلتَ: سلَّمنا أن السائل افترض الذبح الشرعي، لكنّ ذلك لا يعني أن السائل كان فارغاً من شرطية قطع الأوداج الأربعة، وفارغاً من شرطية خروج الدم بالمقدار المتعارف، فلعلَّه لم يكن فارغاً من هذا الأمر.

صحيحٌ أنه لم يسأل عن ذلك، وإنما بيَّنَه الإمام× تبرُّعاً وابتداءً من نفسه للسائل. ولا ضَيْر في فرض أن يكون السائل سأل عن الذبح بالقصبة، والإمام× تبرَّع ببيان أمرٍ لم يسأل عنه.

قلتُ: ليس المدَّعى علم السائل بهذه الشروط، وإنَّما المدَّعى أن ظاهر السؤال المفروغية من شرعية الذبح، إلا من جهة كونه بحجر ومروة وقصبة ونحوها. ففرض رجوع القيد إلى الذبح بالمذكورات يعني أن هذا الذبح المفروض شرعيته ليكون شرعيا لا بُدَّ أن يفري الأوداج ويخرج الدم المتعارف، فرجع الأمر إلى اللَّغْوية. وإنما تندفع بإرجاع القيد إلى أصل الذبح. فتلخَّص أنه بناء على فرض كون الذبح عرفياً في كلام الإمام والسائل معاً، أو فرض كون الذبح شرعياً في كلامَيْهما، تكون القرينة تامّة، وأن الصحيح هو الفرض الأخير. وبهذا ينتهي الكلام عن التقريب الأول.

 

التقريب الثاني: الفرار من تكرار الجواز في كلام الإمام×

ذاك التقريب [التقريب الأوّل] مبنيّ على أساس الفرار من تكرار الموضوع، وهو الذبح المفترض في السؤال والجواب، فيستظهر بيان الضابطة الكلّية.

أمّا هذا التقريب فيبتني على الفرار من تكرار المحمول وجواز الذبح؛ «إذ يوجد في روايات الطائفة الثالثة ما يكون ظاهراً في بيان ملاك الحكم بالحلّية وضابطته؛ حيث ورد في معتبرة الشحام قوله×: (اذبح بالحجر وبالعظم والقصبة والعود إذا لم تصب الحديدة، إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس). ومن الواضح أن هذا الكلام مشتمل على شرطين مستقلّين: اذبح بالحجر إذا لم تصب الحديدة؛ وإذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس، فلو لم تكن الشرطية الثانية موجودة، أو لم تكن شرطية مستقلّة، كما إذا لم تكن كلمة فلا بأس موجودة، وكانت هكذا (اذبح بالحجر إذا لم تصب الحديدة إذا قطع الحلقوم وخرج الدم)، صحَّ الاستظهار المذكور؛ لأنّ ظاهرها عندئذٍ تقييد الحكم بالجواز في صورة عدم إصابة الحديدة، وبما إذا قطع الحلقوم وخرج الدم. وأما حيث وردت هذه الشرطية بشكلٍ تامّ، وبنحو جملةٍ مستقلّة، فظاهرها عندئذٍ بيان الضابطة الكلّية، وأن الذبح بالحَجَر والعود أو غيرهما لا خصوصية فيه، وإنما الميزان أن يتحقَّق قطع الحلقوم وخروج الدم المتعارف، الأمر الثابت لزومه في تحقُّق الذبح شرعاً، ولعلَّه عرفاً أيضاً.

والمعنى نفسه مستظهَرٌ من صحيحة ابن الحجاج، بدرجةٍ أخفّ؛ حيث إن جواب الإمام× فيه ظاهر في إعطاء الضابطة الكبرى الكلية، وهي أنه إذا فريت الأوداج فلا بأس.  فيكون ظاهر هاتين الروايتين أن الأمر يدور مدار فري الأوداج وخروج الدم. وفي موارد الذبح بغير الحديدة من القصب والحجر والعود يُخشى عدم تحقُّق ذلك، ويكون التقييد بالاضطرار إلى الذبيحة في خبر محمد بن مسلم في الطائفة الرابعة محمولاً على إرادة التحذير من الوقوع في محذور عدم فري الأوداج وعدم خروج الدم المتعارف، كما هو في معرض ذلك، كما إذا لم تكن آلة الذبح حادّة، كالسكين ونحوه، لا تقييد الحكم بالتذكية بذلك»([21]).

 

حاصل هذا التقريب

إذا أرجَعْنا قوله×: «إِذَا قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَخَرَجَ الدَّمُ فَلا بَأْسَ» إلى جواز الذبح «بِالْحَجَرِ وَبِالْعَظْمِ وَبِالْقَصَبَةِ وَالْعُودِ» يلزم من ذلك أن الإمام× كرَّر الجواز بلا داعٍ. فحَذَراً من هذا التكرار نقول: إنها جاءت لبيان الضابطة الكلية في تحقُّق التذكية.

قد مرّ عليك صحيحة زيد الشحام، التي رواها الحُرّ العاملي في الوسائل، عن مُحَمَّدِ بْن يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ× عَنْ رَجُلٍ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ سِكِّينٌ أَيَذْبَحُ بِقَصَبَةٍ؟ فَقَالَ: اذْبَحْ بِالْحَجَرِ وَبِالْعَظْمِ وَبِالْقَصَبَةِ وَالْعُودِ إِذَا لَمْ تُصِبِ الْحَدِيدَةَ، إِذَا قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَخَرَجَ الدَّمُ فَلا بَأْسَ([22]).

فقول الإمام×: «اذْبَحْ بِالْحَجَرِ… إِذَا لَمْ تُصِبِ الْحَدِيدَةَ» يعني أن الذبح بالمذكورات جائزٌ، وقوله: «إِذَا قَطَعَ الْحُلْقُومَ… فَلا بَأْسَ» يعني أنّه جائز أيضاً. وهذا تكرارٌ لا داعي له، وليس له مبرِّر.

إذا كان المراد من جملة: (إذا قطع الحلقوم وخرج الدم) هو تقييد جواز الذبح بالمذكورات فلا داعي لإضافة كلمة (فلا بأس) بعد ذكر القيد. فقوله×: (اذبح…) يستفاد منه الجواز، والجملة: (إذا قطع الحلقوم وخرج الدم) شرطٌ لهذا الجواز، وينتهي عندها المطلب بأن الذبح بالمذكورات جائز عند فقد الحديد، بشرط أن تكون المذكورات تقطع الحلقوم وتخرج الدم. فإضافة: (فلا بأس) بعد هذه الجملة الشرطية يكون بعد تمام المعنى، وهو تكرارٌ للجواز.

أما فرض أن هذه الجملة «إِذَا قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَخَرَجَ الدَّمُ فَلا بَأْسَ» مستقلّة، وجاءت لبيان الضابطة الكلّية في ما يذكّى به، فلا تتضمَّن تكراراً.

فالتقريب السابق يبتني على الحَذَر من تكرار الذبح المفترض في كلام السائل. وهذا التقريب يبتني على الحَذَر من تكرار الجواز الذي ذكره الإمام×. وكلاهما يلجأ لافتراض أن الذيل مستقلّ، ولبيان الضابطة الكلية؛ فراراً من التكرار.

وكأنّ مؤدّى الرواية هكذا: اذبَحْ بالحجر وبالعظم والقصبة والعود إذا لم تصب الحديدة، ثمّ يبيِّن الكبرى: (إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس). هذه هي القاعدة. إذن ذكر القيد في الجملة الشرطية بلحاظ الخشية من أن الذبح بالمذكورات لا يحقِّق قطع الحلقوم، ولا يؤدي إلى خروج الدم المتعارف. فالذبح بالحديدة ليس شرطاً مطلقاً، فلا يشترط الذبح بالحديدة كيفما كان، إنما يشترط الذبح بها من أجل تحقيق تلك الضابطة، ولو تحقَّقت تلك الضابطة فالذبح صحيحٌ أيّاً كان الحال.

وهذا التقريب تامّ.

وقد أُشكل على التقريبين بما يلي:

«نعم، يَرِدُ على هذه القرينة ـ بناءً على ظهور لفظ الحديد في نفس المعدن الخاصّ ـ أنه حتّى لو فُرض ظهور الذيل في بيان التعليل في الكبرى، إلاّ أنه مخالفٌ أو مصادم لظهور الروايات التي لم تشتمل على هذا الذيل، بل اشتملت على الحصر وحده، وهو قوله: «لا ذكاة إلاّ بحديدة»، وكذا معتبرة أبي بكر الحضرمي: «لا يأكل ما لم يُذبح بالحديدة»، في الشرطية»([23]).

ماذا يريد أن يقول؟

إذا بنينا على أن ظاهر لفظ الحديدة المعدن الخاصّ فإن هذا الظهور لا يؤثِّر على كون الذيل في الصحيحتين قرينةً مستقلّة لبيان الضابطة الكبرى في التذكية، وأنّ المعيار تحقُّق قطع الحلقوم والأوداج وخروج الدم، إلاّ أن مؤدّى هذه القرينة مخالف لحصر تحقُّق التذكية بالحديد، الظاهر من أمثال: «لا ذكاة إلاّ بحديدة»، فيتحقَّق التعارض بين قرينة ذيلَيْ الصحيحتين والروايات المتضمِّنة للحصر.

وماذا نصنع مع هذا التعارض؟

قال: «والترجيح للروايات الحاصرة؛ بمخالفتها للعامّة ـ كما سيأتي بيانه ـ. وعلى فرض استقرار التعارض فإن مقتضى أصالة عدم التذكية ـ على بعض المباني ـ حُرمة ما ذُبح بغير الحديد»([24]).

عند إعمال باب المرجِّحات في هذه المسألة نسقط ما وافق العامّة من عدم الاشتراط، فيترجَّح اشتراط الذبح بمعدن الحديد المخالِف للعامّة. فالترجيح لما تضمَّن «لا ذكاة إلاّ بحديدة»؛ لمخالفته لقول العامّة.

وقوله: «وعلى فرض استقرار التعارض…»: لعلَّ المقصود في حال عدم القبول بترجيح المخالفة للعامّة في هذه المسألة، وفرض استقرار التعارض، عندها نلجأ للأصل العملي في المسألة، وإلاّ فإن الترجيح بمخالفة العامة إنّما يكون في طول استحكام التعارض واستقراره. أجل، إنْ لم يتمّ الترجيح يرجع للأصل العملي.

وهذا الاعتراض لو تمّ فهو ليس خاصّاً بالتقريب الأخير، بل وارد على كلّ التقريبات.

 

 التعليق على هذا الاعتراض

إذا كانت القرينة تامّة في نفسها فلا تصل النوبة إلى باب المرجِّحات؛ لأن هذه القرينة بعدما ثبت أنها تبيِّن الضابطة الكلية في الذبح، وأن العبرة بقطع الحلقوم وفري الأوداج وخروج الدم، فهي دالّةٌ على نفي اعتبار الحديد. وحينئذٍ تكون مفسِّرة لمثل خبر أبي بكر الحضرمي.

بعد أن كان لفظ الحديد والحديدة محتملاً لمعنيين؛ إما المعنى الوصفي، وهو الحادّ؛ وإمّا المعنى الجامد، بأن يكون المقصود بالحديدة السكين والآلة، وهو الراجح، فحينئذٍ لمّا كانت هذه الرواية مجملةً ستفسِّرها صحيحة زيد الشحام وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، ولا تصل النوبة إلى باب المعارَضة والترجيحات.

وبعبارة أخرى: على تقدير ظهور خبر أبي بكر الحضرمي وأمثاله في اشتراط معدن الحديد فإنّ تينك الصحيحتين أظهر في أن الحديد غير معتبر. فالظهور الأوّلي للخبر وأمثاله يؤول لصالح تلك القرينة؛ لأنها أظهر، ويقدَّم الأظهر على الظاهر.

فتحصَّل: أولاً: الاعتراض غير وارد؛ لعدم التسليم أساساً بظهور لفظ الحديدة في المعدن الخاصّ. وبناء القرينة يفترض أن اللفظ يحتمل معنيين، فتأتي القرينة لترجيح أحدهما.

ثانياً: ولو سلَّمنا جَدَلاً أن لفظ (الحديدة) في المعتبرة ظاهرٌ في المعدن فمع تمامية القرينة تتقدَّم بالأظهرية، ولا يصل الأمر إلى باب التراجيح. فهذا الاعتراض غير تامّ.

 

التقريب الثالث

إنّ القيد إنْ كان راجعاً إلى الذبح بالمذكورات اقتضى عدم اشتراط قطع الحلقوم وفري الأوداج بالنسبة للذبح بغيرها، ولو في الجملة؛ إذ يلزم من رجوع القيد إلى خصوص الذبح بالمذكورات لَغْوية القيد في حال افتراض ثبوت نفس القيد بالنسبة لمطلق الذبح. وسقوط الشرط ولو في بعض الحالات ممّا لا يمكن الالتزام به. وبذلك يرجع القيد إلى مطلق الذبح. وأصل هذه الفكرة أوضحها في بعض أبحاثه السيد الخوئي&، وأيَّده فيها الشهيد الصدر&، وسمّى ذلك بالمفهوم الجزئي.

 

التقريب الرابع

لو كان الذيل قيداً للذبح بالمذكورات لكان المناسب أن يقول: (إذا قطعتْ الحلقوم) ليكون الضمير عائداً للمذكورات، لا أن يقول: (إذا قُطِع الحلقوم)، بصيغة المبني للمجهول؛ فإنه أقرب لبيان الضابطة الكلية وما يحقِّق القطع مهما كانت الآلة.

إنْ قلتَ: لعلَّ الإمام× قال: (إذا قَطَع الحلقوم) بصيغة المبني للمعلوم، فيكون التقريب غير تامّ.

قلتُ: إذا قرأناها (إذا قَطَع الحلقوم) فهي تحتاج إلى تقدير الفاعل، مثل: (إذا قَطَع كلّ واحد من المذكورات الحلقوم). وهذا التقدير لصالح رجوع القيد إلى خصوص المذكورات؛ أو يكون الفاعل الذابح (إذا قَطَع الذابح الحلقوم)، فالعبرة بقطع الذابح بغضّ النظر عن آلة القطع، وهذا التقدير لصالح عدم اشتراط معدن الحديد. فترجيح أحدهما ترجيحٌ بلا مرجِّح. والإشكال الأهمّ هو أن التقدير خلاف الأصل.

أما قرائن الاتّجاه الآخر، القائل بالمعدن الخاصّ، فهي:

الوجه الأوّل: (عدم شيوع استعمال لفظ الحديد بمعنى الحادّ)([25])؛ فالشائع استعماله في المعدن، وليس في الحادّ.

وفيه: أوّلاً: هذا الشيوع لا إشكال فيه في مثل زماننا، الذي كثر فيه استعمال معدن الحديد بجانب معادن أخرى كثيرة، فأصبح لفظُ الحديد بحَسَب الاستعمال في زماننا والأزمنة المتأخِّرة شائعاً في المعدن الخاصّ. إلاّ أن هذا الشيوع غير معلوم زمن صدور النصّ. وما قد ينفع المستدلّ ثبوت الشيوع في ذلك الزمان. مضافاً إلى أن الوارد في الروايات لفظ الحديدة، ولم يثبت استعمال لفظ الحديد كما تقدَّم الإيعاز إليه، بل لم يعلم على وجه التحقيق استعمال نفس الحديد مقابل سائر المعادن، فلعله يطلق على جميع المعادن المنطبعة اسم الحديد.

وثانياً: الشيوع لو سُلِّم لا يقاوم ما بيَّنّاه من قرائن تعين المراد من لفظ الحديدة.

الوجه الثاني: «قوله×: (لا ذكاة إلاّ بالحديد) في جواب محمد بن مسلم حين سأله عن الذبح بالليطة والمروة، وقوله×: (قال عليّ: لا يصلح الذبح إلاّ بحديدة) عند سؤال الحلبي عن حكم الذبيحة بالعود والحجر والقصبة، فإنّ المذكورات على قسمين: فمنها ما يكون حاداً؛ ومنها ما لا يكون كذلك. فلو كانت العبرة في الذبح بكون الآلة حادّة، لا بكونها من جنس الحديد، لكان المناسب أن يقول الإمام× في الجواب: (لا بأس إذا كان حديداً) أو نحو ذلك، لا أن ينفي حصول الذكاة بغير الحديد، أو يحكم بعدم صلاحية غير الحديد للذبح به؛ فإنّه نوع تخلُّف عن تطابق الجواب مع السؤال، من دون ضرورةٍ تقتضيه، بل يتسبَّب عادةً في اشتباه السائل؛ فإن لفظ الحديدة مشترك بين القطعة من الحديد والمعنى الوصفي، والمعنى الأول هو الشائع في الاستعمال، فينسبق إليه ذهن السامع، ما لم توجد قرينةٌ على خلافه»([26]).

خلاصة الوجه: معنى جواب الإمام× هو عدم جواز الذبح بالمذكورات مطلقاً، حادة أو غير حادة؛ بقرينة إطلاق نفي جواز الذبح بالمذكورات، فيفهم أن لفظ الحديدة لا يُراد به المعنى الحادّ، فينحصر المعنى حينئذٍ في المعدن الخاص.

وفيه: يلاحظ أنه مبنيّ على الوجه السابق. ولعلّه أشير إلى ذلك في ذيل هذا الوجه. فبعد الفراغ من أن المراد بالحديدة هو القطعة من الحديد يصحّ القول: إن النفي مطلق، وإلاّ إذا كان لفظ الحديدة غير ظاهر في المعدن الخاص فقوله×: (لا ذكاة إلاّ بالحديدة) لا ينفي الذكاة عن الليطة، وإنْ كانت حادة.

فلو فسَّرنا لفظ الحديدة في الرواية بمعنى الحادة سيكون المعنى: ليس لك أن تذبح إلاّ بما كان حادّاً، ليطة أو غير ليطة، مروة أو غير مروة.

فادّعاء أن النفي لصلاحية الذبح بالليطة والمروة مطلق، أو ادّعاء إطلاق النهي عن الذبح بهما وإنْ كان حادّاً، في غير محلّه؛ لأنّ هذا الإطلاق إنّما يتمّ بعد الفراغ من المراد بالحديدة، وأنه المعدن الخاص.

فإذا كان هذا الشاهد قرينة مستقلّة لزم أن تكون الأرضية فيه افتراض إجمال اللفظ، لا أن يبنى على ما ذكر سابقاً، وهو الشيوع؛ وإذا كان مبنيّاً على ما ذكر فلا قيمة له؛ إذ الاستناد إنما هو لما بُني عليه.

الوجه الثالث: إن الحديد بمعنى الحادّ إنما يوصف به السكّين ونحوه إذا كان ماضياً سريع القطع، وأما إذا كان له حدٌّ يصلح للقطع، ولكنْ ببطءٍ وصعوبة، فلا يوصف بكونه حادّاً. وهذا واضح جدّاً. مع أنه لا خلاف ولا إشكال بين فقهاء الإسلام في أنه لا يعتبر في آلة الذبح إلاّ كونها صالحة للقطع، ولو ببطء، وأما كونها حادّة، أي سريعة القطع، فهو من آداب الذباحة، كما ورد في النبوي: «مَنْ ذبح ذبيحة فليحدّ شفرته، وليُرِحْ ذبيحته»، فكيف يحمل عليه مثل قوله×: «لا يُؤْكَل ما لم يُذبح بحديدة»([27]).

فلازم اشتراط الحدّة بمعنى سرعة القطع مخالفة جميع علماء الإسلام. وهذا شاهدٌ آخر على عدم إرادة الحادّ، فيتعين المعدن.

وفيه: أوّلاً: لو سُلِّم الإجماع في المسألة فهو استدلالٌ بإجماع مدركيّ، ليس كاشفاً عن قول المعصوم×، أو شهرة مستندها معلوم.

وثانياً: المدَّعى أن المراد بالحديد ما يكون حادّاً، بحيث يحقِّق قطع الحلقوم وإخراج الدم، وليس ما كان حادّاً سريع القطع، في قبال ما لا يكون كذلك.

فالمدَّعى ليس شرطاً جديداً، وإنما إشارة للشرط العامّ، الذي هو فري الأوداج وخروج الدم.

وثالثاً: ليكن المستفاد من الأخبار عدم جواز تعذيب الحيوان تكليفاً فحَسْب، أو مع الوضع، ما المانع من قبوله والأخذ به؟

الوجه الرابع: إن الحديد بمعنى الحادّ لا يستخدم عادةً من دون الاعتماد على الموصوف، فإرادته من لفظ الحديد في قوله: «لا ذكاة إلاّ بحديد» لا تخلو عن بُعْدٍ. وأبعد منه ذكر الحديدة بمعنى الحادّة، من دون الاعتماد على الموصوف، فإنّه لا وجه عندئذٍ لتأنيث الصفة مع عدم ذكر الموصوف المؤنَّث، فلاحِظْ([28]).

وفيه: بعد تتبُّع موارد الاستعمال الكثيرة يلاحظ أنّه بحَسَب الأعمّ الأغلب فإن لفظ الحديد إذا استعمل بلا موصوف يُراد به المعدن، وأما لفظ الحديدة ـ وقد مضى بيان ذلك ـ المستعْمَل بلا اعتمادٍ على موصوف فإنّما يُراد بها غالباً الآلة القاطعة، مثل: السكين. وبما أن الاستعمالات في ذلك كثيرةٌ فهي خير شاهد، ولا وجه للاستبعاد.

وبذلك تسقط هذه القرائن.

 

العموم الفوقاني

البحث عن معنى التذكية، على فرض إجمال الروايات، وعدم ترجيح المراد منها، وأنه الحادّ أو المعدن الخاصّ، فهل يصحّ حينئذٍ التمسُّك بمثل: عموم قوله تعالى: ﴿إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ﴾، أو تجري أصالة عدم التذكية؟ أو ما هو الأصل عند الشكّ في الشرطية؟

 

البحث في مسألة العموم الفوقاني

هل يوجد عمومٌ فوقاني يمكن التمسُّك به حال الشكّ في شرطية شيء في التذكية. فعند الشكّ في أن معدن الحديد شرط في التذكية أو ليس شرطاً هل يوجد هذا العموم الفوقاني نرجع إليه لنفي الشرط المشكوك أو لا؟

على فرض إجمال لفظي الحديد والحديدة الواردين في الروايات، وعدم إمكان ترجيح أحد الاحتمالين أو الاحتمالات، يقع السؤال عن شرطية معدن الحديد في آلة الذبح عملياً.

فإنْ توفر عامّ أو مطلقٌ فوقاني يفيد بعمومه أو إطلاقه حلّية المذبوح وجواز أكله مثلاً تمسَّكنا به كلَّما شككنا في شرطٍ من الشروط، وننفيه بهذا العموم أو الإطلاق. فإنْ وجد هذا العموم القاضي بصحّة الذبح، مثل: قوله تعالى: ﴿إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ﴾، وكان تامّاً، حكمنا به في مشكوك الشرطية. فالحيوان الذي ذبح بغير معدن الحديد ذكيٌّ وحلال أكله، وتشمله سائر أحكام ما يترتَّب على التذكية، تمسُّكاً بإطلاق الآية السابقة.

وحينئذْ لا يجري استصحاب عدم التذكية ـ لو كان جارياً في نفسه ـ؛ لأنه محكوم بالأصل اللفظي، المتقدِّم على الأصل العملي.

فإنْ لم يتمّ الأصل اللفظي يقع الكلام في أنه هل تجري أصالة عدم التذكية، أي استصحاب عدم التذكية، المتيقَّن قبل الذبح، والمشكوك وقوعه بعد الذبح، أم لا؟

وعلى تقدير عدم جريان أصالة عدم التذكية تجري أصالة الإباحة والحِلّ.

فهنا أبحاثٌ ثلاثة:

 

البحث الأول: الأصل اللفظي

الكلام عن الأصل الذي يرجع إليه في نفي ما يحتمل شرطيّته في التذكية والذباحة. إذا افترضنا أن كلمة (الحديدة) الواردة في الروايات، من أمثال: (لا ذكاة إلاّ بالحديدة) ونظائرها، مجملةٌ، ولم تحدِّد القرينة أنّ المراد بها المعنى الوصفي الحادّ، أو المراد بها جنس الحديد ومعدنه، فمع التردُّد والدوران هل يوجد أصلٌ لفظيّ نرجع إليه لنفي ما يحتمل شرطيته، مثل: شرطية جنس الحديد، والاستقبال وغيرها من الشروط المشكوكة؟ وما هو هذا الأصل؟

نعم، يوجد هذا الأصل. واستدل عليه بأكثر من دليلٍ سمعي.

وادُّعي هذا الأصل في عددٍ من النصوص القرآنية والروائية، ومن ذلك: قوله تعالى في محكم كتابه: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ (المائدة: 3)، فقد تمسَّك غير واحدٍ من الأعلام بإطلاق قوله تعالى: ﴿إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ﴾، وقالوا: إن إطلاق (ما ذكَّيتم) ينفي ما يشكّ في شرطيّته بنحو الشبهة الحُكْمية. فلو شككنا في شرطيّة جنس الحديد في آلة الذبح نتمسَّك بالآية لنفي هذه الشرطية.

وتحقيق المطلب يتوقَّف على تحديد المراد من التذكية في قوله تعالى: ﴿إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ﴾، ومعناها. وفي ذلك اتجاهان:

الاتّجاه الأوّل: إن التذكية معنى شرعي. ولهذا الاتجاه قولان:

القول الأول: التذكية اسمٌ لعملية الذبح بالشروط التي وضعها الشارع، أي إنه حرمت عليكم الميتة…. والمنخنقة.. إلاّ ما ذكَّيتُم. فيكون المعنى أن المذكورات محرَّمة عليكم إلاّ إذا ذكَّيتموها وذبحتموها بالشروط الشرعية، بمعنى أن التذكية اسمٌ لعملية الذبح بشروطه الشرعية. وعليه لا يجوز التمسُّك بالإطلاق؛ لأنه من باب التمسُّك بالعامّ في الشبهة المصداقية.

القول الثاني: إن التذكية حكم وضعي ناشئ عن عملية الذبح بشروطه، أي إن التذكية اعتبار شرعي ناشئ عن الذبح بما شرطه الشارع من شروط، فيكون نظير: الطهارة التي هي مسبَّبة عن الوضوء أو الغسل. فكما أن الشارع هو الذي يحدِّد شروط الوضوء أو الغسل كذلك هو مَنْ يحدِّد شروط التذكية. فإذا شككنا في شرطية شيء في الوضوء أو الغسل بنحو الشبهة الحكمية، كما لو شككنا في شرطية أن لا يكون ماء الوضوء ماء ورد، فإنه لا يمكن نفي هذه الشرطية المشكوكة، فلا يحكم بتحقُّق الطهارة بالوضوء بماء الورد.

فالتذكية حكمٌ وضعي ناشئ عن الذبح بالشروط الشرعية، أي إن الشارع هو الذي يعتبر أن هذا الحيوان المذبوح مذكّى أو غير مذكّى.

وبعبارةٍ أخرى: التذكية اعتبار شرعي، نظير: الطهارة؛ والملكية.

ولا فرق بين هذين القولين في أن التذكية معنى شرعي. أجل، يفترقان في أن هذا المعنى الشرعي هل هو (الذبح بشروطه الشرعية) أو (الناتج عن الذبح بشروطه الشرعية)؟

فيشترك القولان في جهتين: إحداهما: المعنى الشرعي؛ والأخرى: جهة الأثر، أعني عدم جواز التمسُّك بالإطلاق في ما يشكّ في شرطيته، فلا يمكن أن ننفي شرطية جنس الحديد في آلة الذبح المفروض الشكّ في شرطيّتها بالتمسُّك بإطلاق ﴿مَا ذَكَّيْتُمْ﴾؛ لأن التذكية ليست معنى عرفياً نحرز تحقُّقه، ونتمسَّك بالإطلاق، بل هي معنى شرعيّ، ولما كان الموضوع غير محرز تعذَّر إجراء الإطلاق.

فالتذكية أمر شرعي اعتباري، بيد الشارع وضعه ورفعه. ولما كانت كذلك بأيٍّ من النحوين في القول الأول أو الثاني لا إحراز للموضوع، فيتعذَّر التمسك بالإطلاق. فالذبح بغير جنس الحديد هل هو تذكية شرعية أو ليس تذكية شرعية؟ لا سبيل لإحرازه بنفس الآية الكريمة؛ إذ القضية لا تثبت موضوعها. فلا ندري أن هذا الحيوان المذبوح مذكّى بنظر الشرع أو ليس مذكّى بنظره؛ لاحتمال شرطية الحديد في آلة الذبح، فالتمسُّك بالآية الكريمة لإثبات حلّية ما ذبح بغير جنس الحديد تمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقية.

فهذا الاتجاه المفسِّر للتذكية بالمعنى الشرعي، سواء فسرت التذكية بالنحو الأول أو الثاني، تكون النتيجة فيه عدم صحّة التمسُّك بإطلاق ﴿مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ لنفي ما يشكّ في شرطيته.

الاتجاه الثاني: ليست التذكية معنى شرعيّاً، بل هي أمر لُغَوي عرفي، أو قانون عقلائي. فالتذكية ليس لها حقيقة شرعية، ولا متشرِّعية، وقت نزول الآية الكريمة. فالجامع بينهما نفي المعنى الشرعي والمتشرِّعي. غير أن هذا الاتجاه انقسم إلى قولين:

القول الأوّل من الاتجاه الثاني: وهو القول الثالث من مجموع الأقوال. إنه لغوي عرفي، وهو الذبح.

وهذا هو المختار؛ لما أفاده علماء اللغة، مع استبعاد اصطلاح خاصّ للشارع حال نزول الآية الكريمة، كما سيأتي بيانه، لا لما أفاده المحقِّق النائيني&، على ما في تقريرات بحثه، فقد استدلّ عليه بالإسناد في قوله تعالى: ﴿مَا ذَكَّيْتُمْ﴾؛ إذ أسندت التذكية للمؤمن المخاطب، وهذا يقتضي أن تكون التذكية من أفعاله، وليست فعل الشرع، فإن نسبة التذكية إلى الفاعلين تدلّ على أنها من فعلهم([29]).

فهي نفس الذبح، وليست مسبَّبة وناشئة عنه؛ بدليل النسبة والإسناد؛ فإنّ النسبة والإسناد كما تصحّ في الأفعال المباشرية، نظير: أكلت الطعام، وشربت الماء، تصحّ كذلك في الأفعال التوليدية التسبيبية، بدون عنايةٍ ومسامحة، نظير: ذكَّيتُ النار بالعود، و طهَّرتُ الثوب بالماء، باعتبار ترتُّب الطهارة ـ التي هي حكمٌ شرعي ـ على غسله فيه([30]).

ومن الوضوح بمكانٍ ـ بناءً على هذا القول ـ صحّة التمسُّك بالإطلاق؛ لأنّ الاستثناء من الميتة أو المذكورات في الآية الكريمة هو ﴿مَا ذَكَّيْتُمْ﴾، أي ما ذبحتم. فكلُّ ما ذبح يكون حلالاً. فبمقتضى التمسُّك بالإطلاق ينفى ما يشكّ في شرطيته.

وأما ما قد يُشْكَل به على التمسُّك بإطلاق الآية الكريمة من أنه إنما يتمّ إذا كان الاستثناء منقطعاً، ويكون المعنى: ما ذكيتم حلالٌ، فيتمسَّك بالإطلاق، دون ما إذا كان متصلاً، وأنه لا يصحّ التمسُّك بالإطلاق فيما لو كان الاستثناء متصلاً، كما هو الظاهر ـ والأصل في الاستثناء أن يكون متصلاً، فادّعاء كونه منفصلاً يحتاج إلى قرينة ملاحظة السياق في المذكورات ـ.

والظاهر أن الاستثناء استثناءٌ متّصل، استثناء من مثل: المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع، بلا فرق بين أن نقول: إنه استثناء من كلّ المذكورات أو من الأخير، أي ما أكل السبع، فهو أخيراً استثناء متصل. وعلى هذا التقدير ـ تقدير أن يكون الاستثناء اسثناء متصلاً ـ لا يمكن التمسُّك بالإطلاق؛ بزعم أن الآية في مقام البيان بالنسبة لعقد المستثنى منه، وليست في مقام البيان بالنسبة لعقد المستثنى([31]).

هذا الذي قد يُستشكل به لا ينبغي الإصغاء له:

أوّلاً: لأن دعوى أن الآية في مقام البيان بالنسبة لعقد المستثنى منه دون عقد المستثنى فاسدة تماماً. فكلّ الجمل الحصرية والاستثنائية لا يصحّ بشأنها هذا التفكيك؛ لوضوح سريان إجمال عقد المستثنى إلى عقد المستثنى منه، فيبطل الحصر، فيكون كلا العقدين غير بيِّن، ومستعملهما غير مبين؛ إذ إجمال القرينة المتصلة يسري إلى ذي القرينة، فإذا كان عقد المستثنى مجملاً وغير بيِّن صار المستثنى منه مجملاً وغير بيِّن. فالتفكيك غير تامّ، بفرض أن عقد المستثنى منه بيِّن وأنه في مقام البيان، ولكنَّه بالنسبة لعقد المستثنى ليس بيِّناً ولا في مقام البيان. فهذا التفكيك غير صحيح.

وثانياً: لو تمّ التفكيك لبطل الحصر، ولما كانت الجملة الحصرية أو الاستثنائية مفيدة؛ لعدم معلومية عقد المستثنى منه، ولكانت الجملة الحصرية أسوأ حالاً من الجملة الوصفية. فقد قرِّر في الأبحاث الأصولية أنّ الجملة الحصرية والاستثنائية تفيد الحصر، علاوة على الأخذ بإطلاقها، خلافاً للجملة الوصفية التي يؤخذ بإطلاقها ولا مفهوم لها، أما الجملة الحصرية والاستثنائية فتترقّى إلى المفهوم، أي بإضافة الأخذ بإطلاقها تدلّ على المفهوم، وهذا لا يتمّ مع فرض الإجمال في أحد عقدَيْ الجملة. لاحظ مفهوم الحصر أو مفهوم الاستثناء من مباحث المفاهيم.

وثالثاً: مَنْ يأتي بجملة شرطية استثنائية فيها عقد المستثنى منه وعقد المستثنى فهو في مقام بيان الأمرين؛ لترابطهما. فهو يريد أن يبيِّنهما معاً، ولا معنى لأن يكون في مقام بيان عقد المستثنى، وليس في مقام بيان عقد المستثنى منه.

وهنا الآية الكريمة في مقام بيان أمرين، وهما:

الأول: إن ما تعرض للموت بالخنق أو التردّي أو النطح أو بسبب أكل السبع ونحو ذلك من الأسباب لا يجوز أكله إذا مات بأحد هذه الأسباب.

الثاني: ما ذُكِّي وتمّ أمره بذبحه فهو حلالٌ، ويجوز أكله.

فالآية الكريمة إذن في مقام بيان أنّ ما استند موته إلى غير الذبح حرامٌ أكله، وما استند موته إلى التذكية والذبح حلالٌ تناوله. فهي في مقام بيان الأمرين، وشرح كلا العقدين: عقد المستثنى؛ وعقد المستثنى منه. والله العالم.

والنتيجة جواز التمسُّك بالإطلاق لنفي ما يشكّ في شرطيّته في التذكية والذبح.

القول الثاني من الاتجاه الثاني: وهو القول الرابع والأخير. «إن التذكية اسم للطريقة التي يتمّ بها إزهاق روح الحيوان؛ ليكون صالحاً للأكل ونحوه، في مقابل زهوق روحه حتف أنفه أو بوسيلة غير ما ذُكر، فإنه يُطلق عليه عندئذٍ (الميتة). فالتذكية اعتبارٌ قانوني عُقلائي كان ولا يزال موجوداً في مختلف الملل والنحل والأعراف والتقاليد، فإنّ لكلٍّ منها طريقة معتبرة في إزهاق روح الحيوان؛ ليصير صالحاً للأكل ونحوه. فإذا كان المذبوح يُعَدّ مذكّى عند المسلمين، بخلاف المخنوق، فإن الأمر كان بعكس ذلك عند بعض الملل السابقة، كما ورد في معتبرة أبان بن تغلب.

وبالجملة التذكية ليست من المفاهيم المخترعة الشرعيّة، وإنما تدخَّل المشرّع الإسلامي في مرحلة تطبيقها على مصاديقها، فاعتبر في عدّ الحيوان مذكَّى أن يتمّ إزهاق روحه بشروطٍ معيّنة، وألغى بعض ما كان مُعتَبَراً فيها قبل الإسلام»([32]).

فالمرادُ من التذكية اعتبارٌ عقلائي، أي إنّ العقلاء يتَّبعون طريقة معينة حتى يكون المذبوح مباحَ الأكل؛ ففي بعض الملل والأمم يرَوْن أن طريقة إباحة الحيوان هي خنقه؛ وفي أممٍ أخرى يرمونها من شاهقٍ ـ المتردية ـ؛ وهكذا. وما يراه قومٌ طريقة للتذكية، كالخنق، لا يراه قومٌ آخرون طريقة للتذكية، إلاّ أن التذكية عنوان عام عقلائي تبنَّته مختلف الأمم والملل، وإنما الاختلاف في التطبيق.

فبينما كان أقوام يرَوْن أن التذكية تقع بالإلقاء من شاهقٍ أو بالخنق يرى الإسلام أن التذكية تقع بالذبح. فدور الإسلام تطبيق هذا العنوان العقلائي للتذكية على طريقة معيَّنة، وهي الذبح.

فالمجاز حدث في التطبيق والإسناد، وليس في اللفظ.

فالتذكية قانونٌ عقلائي طبَّقه الشارع على الذبح، أي إنّه تصرَّف في تطبيق العنوان على مصداق معيَّن، وهو الذبح.

وعلى هذا القول لا يمكن التمسُّك بالإطلاق اللفظي؛ لأن الشارع لما اعتبر الذبح طريقة للتذكية لا يمنع أن يضيف له شرطاً، بأن يقول: الذبح بشرط الاستقبال والتسمية، وبأن يكون بآلة من جنس الحديد، ونحو ذلك.

فالتمسُّك بالإطلاق اللفظي ممتنعٌ، بخلافه على القول الأوّل من الاتّجاه الثاني. لكنْ مع ذلك يمكن نفي ما يشكّ في شرطيّته؛ تمسُّكاً بالإطلاق المقامي.

وتوضيح ذلك: إن الشارع لما طبَّق هذا القانون العقلائي على عملية الذبح فهو في مقام بيان ما يحلّ به الحيوان، فيستفاد بمقتضى الإطلاق المقامي عدم شرطيّة معدن الحديد، نظير: (أَلا أعلِّمكم وضوء رسول الله)، فذكر أنه غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والقدمين، فإنه يُستفاد؛ بمقتضى الإطلاق المقامي، عدم جزئية المضمضة أو الاستنشاق، حيث إنه في مقام بيان أجزاء الوضوء.

والخلاصة: بحَسَب الاتجاه الأول لا يمكن التمسُّك بالإطلاق اللفظي، ولا المقامي.

ولكنْ بحَسَب الاتجاه الثاني يصحّ التمسُّك بالإطلاق اللفظي أو المقامي. باللفظي حَسْب القول الأول من الاتجاه الثاني، أو بالمقامي حَسْب القول الثاني من الاتجاه الثاني.

ومن هنا ربما أمكن أن يُقال: إن تطبيق الشارع لذاك القانون العقلائي يمكن أن يكون بنحوين:

النحو الأوّل: أن يعتبر الشارع الذبح هو ذاك الأمر والقانون العقلائي، وينزله منزلته، بأن يطبِّقه على الذبح نفسه. وهنا يصحّ التمسُّك بالإطلاق اللفظي حينئذٍ.

أي إن الشارع اعتبر الذبح تذكيةً. فكلُّ ما نشكّ في شرطيّته ننفيه بهذا الاعتبار، بهذا التنزيل؛ لأن هذا التنزيل يكون تنزيلاً لفظياً في محصلته؛ لأن الشارع نزَّل الذبح ـ الذي هو أمرٌ تكويني ـ نزَّله منزلة الطريقة المؤدِّية إلى إباحة اللحم عقلائياً، أي إنه اعتبر الذبح مذكِّياً شرعاً.

ولو كانت الصورة بهذا الشكل من التنزيل لأمكن نفي ما يشكّ في شرطيته بالإطلاق اللفظي، نظير: (الطواف بالكعبة صلاة)، فيؤخذ بإطلاق الطواف.

النحو الثاني: أن يطبق الشارع ذاك القانون العقلائي على ذبحٍ بشروط معينة، ويبين ما هي هذه الشروط، فإنّ ما لم يذكره من الشروط ينفى بالإطلاق المقامي، لا بالإطلاق اللفظي؛ لأنّه لم يُشِرْ إلى الذبح ويقول: نزَّلت الذبح منزلة التذكية العقلائية؛ ليكون بالنتيجة تذكية شرعية، حتّى يؤخذ بالإطلاق اللفظي، بل أشار إلى الذبح بشروطٍ خاصّة، واعتبره مصداقاً لذاك القانون العقلائي. والسرّ في عدم إمكان التمسك بالإطلاق اللفظي أنّه استعمل لفظ التذكية في معناه العقلائي، وطبق المعنى المستعمل فيه على ذبحٍ بشروط خاصة، فلم يحمل لفظ إباحة اللحم على ما ذبح، بل سمّى نفس الذبح تذكيةً؛ تطبيقاً لقانون التذكية العقلائي على الذبح. فالذبح بالشروط الخاصّة بمثابة المحمول الذي لا يؤخَذ بإطلاقه. فكلّ شرط مشكوك فيه يُنفى بالإطلاق المقامي على هذا التقدير من التنزيل.

الخلاصة: التمسُّك بالإطلاق لنفي مشكوك الشرطية غير متاح بالنسبة للاتجاه الأول بقَوْلَيْه. فإذا شككنا في شرطية معدن الحديد، وأنه شرط في التذكية أو لا، امتنع نفيه إذا كانت التذكية أمراً شرعياً، بافتراض نفس الذبح بشروطه الشرعية أو ما ينتج عن الذبح بالشروط الشرعية؛ إذ معنى ﴿إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ على الاتّجاه الأول إلاّ ما ذبحتموه ذبحاً شرعياً. وحيث لا إحراز لذبحه ذبحاً شرعياً؛ للشك في أن الحديد شرط أو لا، فلا يحكم بالحلّية استناداً للإطلاق.

لكنْ يمكن ذلك بوضوحٍ بناءً على القول الاول من الاتجاه الثاني؛ تمسُّكاً بالإطلاق اللفظي. كما يمكن ذلك بالنسبة للقول الثاني من الاتجاه الثاني؛ تمسُّكاً بالإطلاق المقامي.

هذه هي أهمّ الأقوال في المسألة.

بقي الكلام في الراجح من هذه الأقوال، أو ما هو الصحيح من هذه الأقوال؟

أما تفسير التذكية بالمعنى الشرعي أو المتشرِّعي، وفقاً للاتجاه الأول، فيمكن قبوله بالنسبة لما حدث في الأعصار المتأخِّرة في زمن المعصومين^؛ إذ شاع استعمال المذكّى والتذكية في ما حلّ أكله أو الصلاة فيه شرعاً، كما في ما ورد من أن ذكاة السمك إخراجه من الماء حيّاً. فما ذهب له بعض الأعلام والمحقِّقين من أن التذكية معنى شرعي ليس اعتباطياً، وإنما هو ناشئٌ من النظر إلى الروايات. وهو بذلك مصيبٌ في الأزمنة المتأخِّرة، فيكون معنى متشرِّعياً. أما وقت نزول الآية فلا شاهد على أن لها معنى شرعيّاً خاصّاً.

فبعد أن نلاحظ أقوال علماء اللغة، وما يظهر من تطابق كلماتهم على أن التذكية بمعنى الذبح، حتّى قيل: إن العرب تقول: ذكاة الجنين ذكاة أمّه، أي ذبح الجنين ذبح أمّه، بعد ملاحظة كلماتهم يتَّضح أن وقت نزول الآية الكريمة لم يكن آنذاك اصطلاح شرعي ومعنى خاصّ للتذكية، ولا أقلّ من أن هذا لم يثبت وقت نزول الآية. وعليه فالتذكية الواردة في روايات أئمة أهل البيت^ لا نستبعد أن المراد منها معنى شرعي أو متشرِّعي خاصّ، وهو الذبح بشروطه الشرعية، بل هذا هو الظاهر منها، لكنْ هذا حدث في مرحلةٍ لاحقة بشيوع الاستعمال.

فالتذكية في كلمات المعصومين^ لها معنى خاصّ، ولكنها في الآية الكريمة ليست إلاّ بالمعنى اللغوي، كما نص على ذلك غيرُ واحدٍ من اللُّغَويين.

وعلى هذا الأساس نقول: الآية الكريمة يتحقَّق بها الإطلاق، ويصحّ من خلالها التمسُّك بالإطلاق؛ لنفي ما يشكّ في شرطيته.

فإنْ جاء ما يقيِّد الآية الكريمة تقدَّم تقدُّم الخاصّ على العام، وإلاّ فالمرجع هو الإطلاق.

وهكذا في مفروض مسألتنا. إذا فرضنا عدم تمامية القرينة المرجِّحة لإرادة معنى الحادّ أو الآلة والسكينة من لفظ الحديدة الوارد في الروايات، وبقيت الكلمة مجملةً، تحتمل السكين أو الآلة أو الحادة، كما تحتمل معدن الحديد وجنسه، فتحتمل الأمرين معاً، ففي هذه الحالة لا تصلح الروايات لتقييد الآية الكريمة؛ لإجمالها. فالمحكم هو إطلاق الآية الكريمة.

وأما القول الثاني من الاتجاه الثاني، فبالإضافة إلى عدم توفُّر الإثبات الكافي له، يبعِّده عدم تصوُّر أحد من الفقهاء واللغويين والمفسِّرين المتقدِّمين والمتأخِّرين له، فيبعد جدّاً إرادته بقرينةٍ تخفى على أصحاب الفنّ قروناً طويلة.

وما عند الملل من أساليب مختلفة في قتل الحيوان قبل أكله إنما هي باعتبار ما عندهم من شريعة أو سيرة ورثوها، وليس هناك وجه يثبت تواضع العقلاء على قانون فضفاض لإباحة اللحم يختلفون في مصاديقه من خنقٍ أو رمي من شاهق وغيره. فهذا التصوُّر مغرق في التنظير والعموم غير العرفي. ولم يعلم أن بعض تلك الأساليب نابعة من شريعة أو ثقافة اجتماعية موروثة، فيحتمل أن بعضها يمارس باعتباره طريقة لقتل الحيوان، لا لخصوصيةٍ فيه، بل بعضها لا يحدث عمداً، كما في ما أكله السبع. ومهما يكن من حال فهذا القانون إنّما هو عنوان انتزاعي، وليس قانوناً عقلائياً، فلا يترتَّب عليه أيّ أثرٍ شرعي.

فالصحيحُ؛ بملاحظة كلمات اللغويين وتطابقها تقريباً على أن المراد بالتذكية الذبح، التمسُّك بالإطلاق.

نعم، قد يتكلَّم في أمرين:

الأمر الأول: ما هو المعنى الأصلي للتذكية؟ هل المعنى الأصلي للتذكية هو النقاء والطهارة أو أن المعنى الأصلي هو التمام، كما ذكره آخرون؟ فعن ابن سيده، عن ثعلبة، أن الذكاء والذكاة بمعنى الذبح.

وقال الزجّاج في معاني القرآن: أصل الذكاة في اللغة تمام الشيء.

الأمر الآخر، وهو مترتِّب على الأول: وجه التسمية. ما هو وجه تسمية الذبح بالتذكية؟ باعتبار إتمام أمر الحيوان أو باعتبار النقاء؟

أقول: هذان الأمران أقرب إلى الأمر الاجتهادي بين علماء اللغة. ولا شكَّ في أن اجتهاد اللغوي لا حجّية له. والذي يهوِّن الخطب أنه لا ثمرة في تحقيق أصل التذكية لغوياً، ولا وجه التسمية.

فأيّ أهمية لذلك بعد اتفاقهم على أن الذبح أطلق عليه التذكية، وأن التذكية اسمٌ للذبح لغةً وعرفاً، وأن هذا متعارفٌ عند العرب قبل الإسلام.

وبهذا نخلص إلى أن التذكية بمعنى الذبح، كما نص ّعلى ذلك اللغويون، بغضّ النظر عن الأصل اللغوي أو وجه التسمية. وعليه يكون الظاهر من التذكية في الآية الكريمة هو الذبح.

أجل المعنى المتشرِّعي للتذكية صحيحٌ، لكنَّه بالنسبة للروايات، وليس بالنسبة للآية الكريمة. «بل ترسّخ هذا الاستعمال، وأصبحت التذكية حقيقة متشرِّعية في هذا المعنى الجديد في العصور المتأخِّرة. ويبدو ذلك واضحاً من خلال ملاحظة موارد استعمال الكلمة ومشتقّاتها في الروايات المرويّة عن الصادقين^، حيث يطلق فيها المذكّى في مقابل الميتة، التي حصل توسُّع في معناها أيضاً، فإنها كانت في الأصل تُطلق على الحيوان الذي مات حتف أنفه، ثمّ صارت تُطلق على كلّ حيوانٍ زُهقت روحه بغير التذكية الشرعية»([33]).

يبقى شيءٌ، وهو: بعد أن وصلنا إلى هذه النتيجة، وهي صحّة التمسُّك بإطلاق الآية الكريمة لنفي شرطية جنس الحديد المشكوك وأيّ شرط آخر مشكوك، نقول: إنما هو بنحو المقتضي، فإذا منع عنه المانع لم يصحّ التمسُّك بالإطلاق.

وقد ادُّعي هنا المانع بالنسبة للحديد في المسألة التي بحثناها، حيث صوِّر المانع بهذا التصوير:

«وكيف كان فقد تحصَّل من جميع ما تقدَّم أنه مع الشكّ في اعتبار كون آلة الذبح من جنس الحديد يمكن نفي اشتراطه بإطلاق قوله تعالى: ﴿إلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ﴾، ومع التنزُّل عنه فالمرجع أصالة الحِلّ والاباحة.

ولكنّ هذا فيما إذا لم يكن منشأ الشكّ إجمال النصوص الواردة في المسألة، بتردُّد المعنى المراد من لفظ الحديد بين الشيء الحادّ والمعدن المعروف، أو بين الآلة المعدّة للقطع والفري والمعدن الخاصّ.

وأما إذا كان منشأ الشكّ هو إجمال النصوص، وتردّد المراد منها بين معنيين متباينين، فلا يمكن الرجوع إلى إطلاق قوله تعالى: ﴿إلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ﴾، ولا إلى أصالة الحل والإباحة؛ للعلم الإجمالي بحرمة المذبوح بغير الآلة الحادة أو المذبوح بغير المعدن الخاصّ، أو العلم الإجمالي بحرمة المذبوح بغير الآلة المعدّة للقطع أو المذبوح بغير المعدن المعيّن؛ فإن هذا العلم الإجمالي يمنع من الرجوع إلى إطلاق حلّيّة المذكّى؛ لما قُرر في علم الأصول من عدم جواز التمسُّك بالعام في الشبهة المفهومية للمخصِّص المنفصل إذا كان دائراً بين المتباينين. كما لا سبيل معه إلى الرجوع إلى الأصل الترخيصي في أحد الطرفين، ولا في كلَيْهما؛ لما أُوضح في محلِّه من علم الأصول أيضاً.

ونتيجة ذلك لزوم الاحتياط، وعدم الذبح إلاّ بالآلة الجامعة للصفتين، أي أن تكون حادّةً ومن جنس الحديد، أو تكون من الآلات المعدّة للقطع ومن مادة الحديد أيضاً»([34]).

فالمانع هو العلم الإجمالي؛ لأنه على هذا التصوير يكون الشرط إمّا آلة حادة وإما من جنس الحديد. فعلى أحد التقديرين لو ذبح الحيوان بغير الآلة الحادة يكون ميتة، وعلى التقدير الآخر يكون ميتة لو ذبح بغير جنس الحديد. فيعلم بأن المذبوح بأحدهما ميتة.

فتارةً نفترض دوارن لفظ الحديدة بين الحادّ وجنس الحديد؛ وأخرى نفترض دوران أمرها بين الآلة المعدّة للقطع وبين جنس الحديد. فعلى الأول لا بُدَّ من الجمع بينهما في آلة الذبح؛ لتكون حادة ومن جنس الحديد؛ وعلى الثاني يلزم اجتماع صفة الإعداد وكونها من جنس الحديد.

وحيث لا يجوز التمسُّك بالعام، وهو ﴿مَا ذَكَّيْتُمْ﴾، المخصَّص بالمخصِّص المنفصل المجمل المردَّد بين متباينين، والمخصِّص هنا هو الروايات المتضمِّنة للفظي الحديد والحديدة، صار المخصِّص المنفصل مردَّداً بين معنيين متباينين، وإنْ كان بينهما عمومٌ وخصوص من وجه في المصداق، لكنّ المعنيين متباينان مفهوماً، فجريان البراءة في أحدهما يعارض جريانه في الآخر؛ بسبب العلم الإجمالي المنجز.

وعلى هذا لو فرضنا أن التردُّد دائرٌ بين ثلاثة معانٍ، بأن يكون لفظ الحديدة مردداً بين (1ـ جنس الحديد ومعدنه، 2ـ الآلة المعدة للقطع، 3ـ الآلة الحادة)، تكون النتيجة وفق هذا التقرير أن هذا العلم الاجمالي مانعٌ من التمسُّك بالإطلاق، فلا تجري أصالة البراءة؛ لما ذكر وقُرِّر في علم الأصول.

فمقتضى الاحتياط حينئذٍ أن تكون آلة الذبح جامعة للصفات الثلاث، أن تكون حادة، ومن جنس الحديد، ومعدّة للقطع.

فلا يصحّ على هذا التقدير أن تذبح بقطعة من الحديد صنعت للزينة، ولم تعدّ للذبح، وإنْ كان لها طرفٌ حاد.

فهي حادّة ومن جنس الحديد ولم تعدّ للقطع، فلا يصحّ الذبح بها؛ بمقتضى الاحتياط.

فلا بُدَّ أن يجمع ما تذبح به ثلاث صفات، لو فرضنا الإجمال بين المعاني الثلاثة.

ولكنْ على وفق ما بيَّناه في ما سلف، من حسم الأمر، وأن المراد بالحديدة الآلة والسكين ونحوها، وقلنا: إن المراد ـ بحسب ما شرحناه في ما مضى ـ الآلة التي تحقّق شرائط الذبح الثابتة بغير هذه الروايات أيضاً، وحينئذٍ إنْ ثبت ما قلناه فهو، وانتهى الموضوع، وإلاّ كان الأمر دائراً بين معنيين: معنى للحديدة يتَّسق مع شرائط الذبح الشرعية الثابتة بغير هذه الروايات، وبين القطعة من الحديد التي هي شرطٌ زائد، فصار المفهوم مردَّداً بين الأقلّ والأكثر، فتجري البراءة عن الأكثر، ولا يتشكَّل علم إجماليّ منجِّز؛ لانحلاله بجريان البراءة عن الأكثر.

وبعبارةٍ أخرى: يمكن تصوير العلم الإجمالي بأربعة أنحاء:

الأول: أن نفرض أنه دائرٌ بين الحادّ وجنس الحديد.

الثاني: إنه دائر بين جنس الحديد والمعدّ للقطع.

الثالث: إنه دائر بين هذه المعاني الثلاثة.

وعلى كلٍّ من هذه التقديرات يكون هذا العلم الإجمالي مانعاً من الإطلاق، ومن إجراء البراءة.

الرابع: إن الأمر دائر بين الحديدة، لا بمعنى شرط جديد، وإنّما بمعنى الحديدة الآلة التي يحرز معها تحقيق شرائط الذبح الثابتة بغير هذه الروايات، هذه فيها إحالة على ما هو معروفٌ، وإن الشرط هي نفس شرائط الذبح العامّة، فما من شيءٍ زائد بين هذا وبين آلة من جنس الحديد ومعدن الحديد، فصار حينئذٍ المفهوم شكه بدويّاً فلا يتشكَّل علم إجمالي، وصار الشكّ شكّاً في ما ذبح بالحديد، ولا يوجد طرف آخر حتّى يتشكَّل علم إجمالي.

فعلى هذا التصوير ـ الذي نتبنّاه ـ لو فرضنا الإجمال وسقوط القرينة ـ قرَّرنا في الأبحاث السابقة أن الأمر دائرٌ بين هذين المعنيين، ثم رجَّحنا أحدهما ـ إذا كان الأمر دائراً بأحد الأنحاء الثلاثة المذكورة هنا لا يتمّ كلامنا، بل يتمّ العلم الاجمالي. أما الدوران بالنحو الذي نذكره ففي خطوتين:

الأولى: تمامية التصوير الذي ذكرناه.

الثانية: ترجيح أحد المعنيين بالقرائن الخاصة.

فإنْ تم هذا الترجيح بتلك القرائن انتهى؛ وإن لم يتمّ الترجيح بتلك القرائن يصحّ التمسُّك بالإطلاق.

ومع ذلك هناك آياتٌ وروايات ووجوه أخرى تمسّك بها لتقرير الأصل اللفظي والعموم الفوقاني. بعضها تامٌّ، كقوله تعالى: ﴿فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ * وَمَا لَكُمْ أَنْ لا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ﴾ (الأنعام: 118 ـ 119).

ولا حاجة لاستعراض بقيّتها، ويكفينا إطلاق ﴿إلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ لنتمسَّك به في تمامية المطلوب، ولا حاجة لبقية الوجوه والآيات والأدلة اللفظية التي استدلّ بها، إلاّ على تقدير عدم تمامية الاستدلال بهذه الآية الكريمة.

ومع التنزُّل وعدم قيام هذا الإطلاق والأصل اللفظي يمكن الرجوع إلى أصالة البراءة لو لم تجْرِ أصالة عدم التذكية، المقدَّمة على أصالة الحِلّ. ولم نبحث هذا الأمر لضيق الوقت، وتعرض الأعلام لها في المباحث الأصولية.

الخلاصة: إذا كان لفظ الحديدة مجملاً في الروايات نرجع إلى الأصل اللفظي. ولو فرضنا عدم وجود هذا الأصل اللفظي نرجع إلى أصالة عدم التذكية على تقدير جريانها، وعلى تقدير عدم جريان أصالة عدم التذكية نرجع إلى أصالة البراءة.

لكنّنا انتهينا إلى: أوّلاً: عدم إرادة معدن الحديد من الروايات التي عبَّرت بلفظَيْ: (الحديد) و(الحديدة)، حيث رجَّحنا تأكيدها على نفس الشرائط، ولا تضيف شرطاً جديداً.

وثانياً: مع التنزُّل فإنّه مع الإجمال في الدوران بين ما ثبت من شروط شرعية بغير هذه الروايات وبين شرطٍ جديد هو جنس الحديد نرجع إلى الأصل اللفظي، وهو ﴿مَا ذَكَّيْتُمْ﴾، ونأخذ بإطلاقه.

وهكذا فالمانع مفقودٌ؛ لما أوضحناه من الدوران بين الأقلّ والأكثر، وليس بين المتباينين.

وبهذا ينتهي الكلام في هذه المسألة، والحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمد وآله الطاهرين.

 

الهوامش

(*) أستاذٌ وباحثٌ في الفقه الإسلامي.

([1]) قراءات فقهية معاصرة 2: 51.

([2]) الذبح بالمكائن: 182.

([3]) الذبح بالمكائن: 182.

([4]) بحوث فقهية: 63.

([5]) الذبح بالمكائن: 183.

([6]) بحوث فقهية: 64.

([7]) السائل سأل عن السكين والإمام أجاب بالحديدة.

([8]) بحوث فقهية: 64.

([9]) وسائل الشيعة 24: 9 الباب2 من أبواب الذبائح، ح3.

([10]) بحوث فقهية: 64.

([11]) بحوث فقهية: 65.

([12]) المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 151.

([13]) الكافي 6: 228 باب ما تذكّى به الذبيحة في حال الاضطرار من كتاب الذبائح، ح2.

وللصحيحة سندٌ آخر ذكره الكليني، هو: أَبُو عَلِيٍّ الأَشْعَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ(ع)، مِثْلَه.

([14]) الكافي 6: 228 باب ما تذكى به الذبيحة في حال الاضطرار من كتاب الذبائح، ح3.

([15]) بحوث فقهية: 59.

([16]) الذبح بالمكائن: 165.

([17]) بحوث فقهية: 59.

([18]) الذبح بالمكائن: 167.

([19]) يفهم ذلك من شرح سابق له على القرينة أيضاً. (انظر الذبح بالمكائن: 164).

([20]) الذبح بالمكائن: 168.

([21]) قراءات فقهية معاصرة 2: 60.

([22]) وسائل الشيعة 24: 9، الباب2 من أبواب الذبائح، ح3.

([23]) الذبح بالمكائن: 168.

([24]) الذبح بالمكائن: 168.

([25]) بحوث فقهية: 53.

([26]) بحوث فقهية: 53.

([27]) بحوث فقهية: 54.

([28]) بحوث فقهية: 54.

([29]) فوائد الأصول 3: 382.

([30]) لاحِظْ: الشيخ حسين الحلّي، أصول الفقه 7: 203؛ مصباح الأصول 2: 312.

([31]) الذبح بالمكائن: 29، 30، 31.

([32]) بحوث فقهية: 73.

([33]) بحوث فقهية: 79.

([34]) بحوث فقهية: 92.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً