1 ــ المقدمة ـــــــ
صرّح الأمين العام للإونكتاد([1]) في تقريره حول mأقلّ البلدان نموّاً عام 2002مn، فقال:mتزداد معدّلات الفقر المُدقع في البلدان الأقل نموّاً، إنّ في تلك البلدان نحو 48 في المائة من السكان كانوا يعيشون على أقلّ من دولار واحد في اليوم خلال الفترة (1965 ــ 1969م)، مقابل 50 بالمائة خلال الفترة (1995 ــ 1999م)، وهذا يعني أنّ عدد السكّان الذين يعيشون في فقر مُدقع في البلدان الأقلّ نموّاً زاد إلى أكثر من الضعف في السنوات الثلاثين الأخيرة، حيث ارتفع من 138 مليون نسمة في النصف الثاني من الستينات إلى 307 ملايين نسمة في النصف الثاني من التسعينات.
أمّا نسبة السكّان الذين يعيشون على أقلّ من دولارين في اليوم، فقد ظلّت على حالها تقريباً في النصف الثاني من الستينات، وفي النصف الثاني من التسعينات؛ وهذا يعني أنّ عدد السكّان الذي يعيشون على أقلّ من دولارين في اليوم في البلدان الأقل نموّاً قد زاد أيضاً إلى أكثر من الضعف في الثلاثين سنة الماضيةn([2]).
وأكّد الأمين العام للإونكتاد، في تقريره حول mأقلّ البلدان نموّاً عام 2002مn، على ازدياد الفقر المُدقع والفقراء خلال الثلاثين سنة الأخيرة الماضية.
كشف هذا التقرير عن العجز الموجود في الأسس التحليلية للتنمية الاقتصادية في السبعينات والثمانينات، كما أنّ mأنموذج الحاجات الأساسيةn([3]) قد ساد في الأوساط العلمية الاقتصادية؛ وذلك لأنّ الاقتصاديين المتخصّصين في التنمية كانوا يشاهدون أنّ حصيلة النمو الاقتصادي لن تتسلّل إلى الأدنى([4])؛ ولذلك أعاد mأنموذج الحاجات الأساسيّةn مفهوم التنمية الاقتصاديّة ليس بوصفه النمو الاقتصادي فحسب، بل بما هو هدف لاقتلاع الفقر بشكل مطلق([5]). أمّا mأنموذح الحاجات الأساسيّةn فلم يحرز في ساحة العمل نجاحاً.
أعتقد أنّ الحلّ الوحيد لمشكلة التنمية الاقتصادية هو نظرية mالتنمية الاقتصادية المتعاليةn، إذاً فما هي التنمية الاقتصادية؟
2 ــ تعريف التنمية الاقتصادية ـــــــ
التنمية الاقتصادية هي عملية (Process) التي يزداد بواسطتها الدخل المتوسّط الحقيقي([6]) للبلد على المدى الطويل، شريطة ألاّ يزداد عدد السكان المتميّزين بالفقر المطلق، ولا سوء توزيع الدخل اقتصاديّاً.
ولزوم التنمية الاقتصادية أكثر من النمو الاقتصادي؛ لأنّ التنمية الاقتصادية هي النمو الاقتصادي إضافةً إلى التغيير؛ لذا فالتنمية تشمل أبعاد الكيفيّة، والحال أنّ النمو يشمل أبعاد الكميّة، كما أنّ البعد الكيفي للتنمية يشمل أفضلية عوامل الإنتاج والتكنولوجيا لتسخير الطبيعة وأفضلية المؤسسات (institutions) وتغيير الفكرة والقيم الاقتصادية([7]).
3 ــ مفهوم التنمية الاقتصادية المتعالية ـــــــ
التنمية الاقتصادية المتعالية هي التنمية الاقتصادية إضافةً إلى وصف التعالي؛ إذاً تتكوّن التنمية الاقتصادية المتعالية من مراحل ثلاث:
1 ــ النموّ الاقتصادي.
2 ــ التغيير.
3 ــ التعالي.
النموّ الاقتصادي: ينقسم النموّ إلى قسمين هما: النمو الكمّي، والنمو الكيفي.
والنمو الكمّي ينقسم بدوره إلى شطرين: الشطر الطبيعي (physical)، والشطر البيئي (environmental). أمّا النمو الكيفي، فينقسم إلى شطرين هما: الشطر الروحي (Spiritual)، والشطر الأخلاقي (moral).
التغيير: وينقسم إلى قسمين هما: التغيير التقني، والتغيير الاقتصادي والاجتماعي([8]).
أمّا النموّ في التنمية غير المتعالية، فيكون نموّاً كمّياً فحسب، فيما يكون التغيير تقنّياً فقط؛ إذاً فالتنمية الاقتصادية المتعالية أتمّ وأكمل من غيرها.
4 ــ التنمية الاقتصادية المتعالية وغيرالمتعالية، مقارنة وتقويم ـــــــ
تختلف التنمية الاقتصادية المتعالية عن غيرها في: المراحل، النظرة إلى الإنسان، المعيار، الهدف المرحلي، تخطيط التنمية الاقتصادية، البُعد، المحور، دور التنمية الاقتصادية، دور الثقافة، الهدف النهائي للتنمية الاقتصادية، وذلك كما يلي:
1 ــ 4) المراحل ـــــــ
تتكوّن التنمية الاقتصادية غير المتعالية من مرحلتين، هما: النموّ الاقتصادي، والتغير (أبعاد الكيفيّة)، أمّا التنمية الاقتصاديّة المتعالية، فتتكوّن من ثلاث مراحل، هي: النموّ، التغيير، التعالي؛ فالنموّ والتغيير في التنمية الاقتصادية المتعالية أكمل وأتمّ.
2 ــ 4) النظرة إلى الإنسان ـــــــ
في التنمية الاقتصادية غير المتعالية، تكون النظرة إلى الإنسان ماديّةً، أما في المتعالية، فالإنسان ذو بعدين: بُعد مادي، وآخر معنوي روحي.
وعلى الرغم من اهتمام بعض الاقتصاديين بالعوامل الإنسانيّة، وصلتها بالتنمية الاقتصاديّة وتزايد أهمية استثمار الإنسان في مجال التعليم والصحّة والتغذية، إلاّ أنه لم يكن ذلك إلاّ امتداداً لنظرية رأس المال من أجل الدخول في مجالات جديدة كانت مغفولةً من قبل، فلم تتطوّر نظرية التنمية الاقتصادية كي تعطي الإنسان دوراً هامّاً في الإطار العام للتنمية.
أمّا التنمية الاقتصادية المتعالية، فتتناول الموضوع بوصفه جزءاً من عملية أوسع هي تنمية الإنسان مادياً وروحياً ومعنوياً، وتهتمّ بكل جوانب حياة الإنسان لا الجانب المادي فقط.
إذن، التنمية الاقتصادية ليست عمليةً مادية فحسب، بل عملية إنسانية تستهدف تنمية الإنسان وتقدّمه المادي والروحي معاً.
3 ــ 4) المعيار ـــــــ
في التنمية الاقتصادية غير المتعالية، تُقسَّم دول العالم مجاميع تبعاً لمستوى متوسّط الدخل فيها، وتبلغ هذ المجاميع إما ثلاثة أو أربعة، هي: الدول الفقيرة، والدول المتوسّطة الثراء، والدول الغنيّة، هذا عند تقسيمها إلى ثلاثة مجاميع، أو تكون: الدول الشديدة التخلّف، والدول المتخلّفة نوعاً، والدول المتقدّمة نسبيّاً، والدول المتقدّمة، وذلك عند تقسيمها إلى أربع مجموعات.
هذا القياس ــ أي متوسّط دخل الفرد ــ لا يكفي بمفرده معياراً أو أسلوباً أو دالاً دقيقاً على الأوضاع الاقتصادية ومستويات المعيشة في الدول المختلفة، وذلك لعدم دلالته على البيّنات الأساسية للاقتصاد واختلاف مجالات النشاط الاقتصادي والهياكل النسبيّة للأسعار، ومستويات هذه الأسعار ونفقات المعيشة، وطريقة توزيع هذا الدخل بين السكان إلى غير ذلك من عوامل تحدّ من صلاحيته بوصفه مقياساً للتخلّف أو التقدّم. وعلى الرغم من انخفاض مستوى متوسّط دخل الفرد في الدول النامية بصفة عامة، إلاّ أن هناك من هذه الدول بعضاً من الأقطار mالنفطيّةn التي يزيد فيها متوسّط دخل الفرد عن متوسّط الدخل السائد في أكثر دول العالم تقدّماً.
بعض الاقتصاديين يرى أن يُضاف إلى هذا المعيار ــ أي متوسّط الدخل ــ المستوى التعليمي للسكّان، ومستوى رعاية الصحّة المتوفرة لهم، ومستوى التغذية، لكنّ هذا المعيار الموسّع لا يشمل كافة النواحي التي تجب أن تشملها التنمية الاقتصادية، وهي: توزيع الدخل العادل، والسلامة الأخلاقية للمجتمع.
أمّا في التنمية المتعالية فالمعيار هو الدخل المتوسّط مع توزيع الدخل العادل بالإضافة إلى السلامة الأخلاقية، وعندما ترتفع السلامة الأخلاقية مع الدخل المتوسّط تكون التنمية المتعالية قد تحقّقت وإلاّ فلا.
4 ــ 4) الهدف المرحلي ـــــــ
الهدف المرحلي في التنمية الاقتصادية غير المتعالية هو ارتفاع الدخل المتوسّط للمجتمع، وإن أدّى ذلك إلى ازدياد عدد الفقراء، كما ذكرنا في مقدمة المقالة، استناداً إلى ما ذكره الأمين العام للإونكتاد، في تقريره حول أقلّ البلدان نموّاً عام 2002م.
أمّا في التنمية الاقتصادية المتعالية، فالهدف المرحلي هو ارتفاع الدخل المتوسّط، بالإضافة إلى ضمان أقلّ مستوى معيشي للإنسان.
ومن الضروريات التي يجب تنفيذها لضمان أقلّ مستوى للمعيشة، تأمين الطعام واللباس والمأوى والرعاية الصحّية ومكافحة الأميّة، وهناك احتياجات أخرى يمكن إضافتها لهذه القائمة حسب المستجدّات.
وتقع مسؤولية تلبية هذه المتطلّبات على الفرد نفسه وعلى أقربائه وجيرانه وعلى المجتمع عامّة، وبما أنها فرض كفاية، فإن المسؤولية النهائية لتلبية هذه الضروريات تقع على الدولة، كما يجب أن يضمن دستور الدولة تلبية احتياجات الفرد.
وفي الظروف الراهنة، تتطلّب تلبية الحاجات وضع برنامج شامل، وقد يستلزم ذلك تحويل الدخل مباشرةً إلى الفقراء، وتوفير السلع الاستهلاكية والخدمات الاجتماعية، وكذلك التدخّل في سوق السّلع والعوامل.
وعلى المدى الأبعد، يكون من الضروري تعيين منهج للقوى البشرية وتنميتها يشمل توزيعاً عادلاً للدخل القومي والثروة الوطنية، على أن يلعب القطاع الخاصّ دوراً مهماً في هذا المضمار.
5 ــ 4) تخطيط التنمية الاقتصادية ـــــــ
في التنمية الاقتصادية غير المتعالية، يبدأ تخطيط التنمية الاقتصادية من الاقتصاد وينتهي بالاقتصاد، أمّا في التنمية الاقتصادية المتعالية فيبدأ تخطيط التنمية الاقتصادية من الثقافة ويختم بالاقتصاد.
ويتكوّن تخطيط التنمية الاقتصادية من ثلاث مراحل هي: بيان الظروف الاقتصادية الراهنة، وبيان الأهداف الاقتصادية المطلوبة، وكيفيّة الوصول من الظروف الراهنة اقتصادياً إلى الأهداف المطلوبة كذلك.
أما في التنمية الاقتصادية المتعالية، فيبدأ تخطيط التنمية الاقتصادية من الثقافة الاقتصادية، وتبيين الظروف الثقافية الراهنة للمجتمع، والظروف الثقافية المنشودة له، وبذلك يتبيّن للعيان النظام السياسي الموجود والنظام السياسي المنشود، وكذا النظام الاجتماعي الموجود والمنشود، والنظام الاقتصادي الموجود والمنشود، وكيفيّة اجتياز الظروف الاقتصادية الراهنة للوصول إلى الظروف المطلوبة والمنشودة اقتصادياً، حيث تحمل في مضمونها الهدف الثقافي للمجتمع.
6 ــ 4) البُعد، التعدّد أم الوحدة؟ ـــــــ
للتنمية الاقتصادية غير المتعالية بُعدٌ واحد، هو البعد الاقتصادي، لكنّ التنمية الاقتصادية ذات أبعاد متعددة كالبعد الاقتصادي، والبعد الثقافي، والبعد الاجتماعي، والبعد الأخلاقي، والبعد السياسي، وغيرها من الأبعاد؛ وذلك لأنّ التنمية ترتبط بالإنسان والمجتمع، ولا يخفى أنّ الإنسان متعدّد الأبعاد؛ وبناءً على هذا يجب أن لا تكون التنمية الاقتصادية منعزلةً عن الأبعاد غير الاقتصادية.
7 ــ 4) التنمية، المحور والمدار ـــــــ
تركّز التنمية الاقتصادية غير المتعالية على زيادة الطاقة الإنتاجية للمجتمع، أما التنمية الاقتصادية المتعالية فتركّز على الإنسان، إضافةً إلى أنّ التنمية الاقتصادية تدور حول الإنسان، ولذلك تكون التنمية الاقتصادية خادمةً للإنسان، وليس الإنسان خادماً لتزايد التنمية الاقتصادية. أو بعبارة أخرى: يجب أن يكون الإنسان أساساً للتنمية الاقتصادية، وسياسات التنمية يجب أن تكون عاملاً لإزالة الموانع الكائنة أمام الإنسان، فتهيّأ الظروف المناسبة للنموّ الإنساني والتكامل البشري([9]).
أما أدبيّات الاقتصاد المعاصر للتنمية الاقتصادية في نظرية رأس المال الإنساني، فهي تهتم بالإنسان أيضاً، لكنّها تنظر إليه نظرةً آليّة لإنتاج أكبر، لا كياناً مستقلاً ذاتياً؛ إذاً في التنمية المتعالية نواة الجهد التنموي هو الإنسان نفسه، لذا فإنّ التنمية تعني توفير متطلّبات كرامة الإنسان وعزّته بالإضافة إلى بيئته المادية والثقافية والاجتماعية، أما في المفهوم المعاصر فإنّ المجال الحقيقي لأنشطة التنمية يرتكز على البيئة المادية فقط.
8 ــ 4) دور التنمية الاقتصادية ـــــــ
في التنمية الاقتصادية غير المتعالية، يكون الوصول إلى التنمية الاقتصادية هدفاً، أما في التنمية الاقتصادية المتعالية فالوصول إلى التنمية الاقتصادية، آليُّ وسبيل للحصول على التعالي الروحيّ.
9 ــ 4) دور الثقافة الاقتصادية ـــــــ
تمثل الثقافة الاقتصادية للمجتمع، مجموعة المبادئ والقيم التي يعمل بها المجتمع ويعتقدها، والواقع أنّ للثقافة دوراً قياديّاً بالنسبة لما عداها من العوامل، فكلّ ما عداها تَبَعٌ لها وسائرٌ في محورها، فهي التي تحدّد موقف الإنسان من الثروة، وهي التي تضفي قيماً خاصّة على سلوك الإنسان الاقتصادي أو غيره، ولعلّنا ندرك أهميتها عندما نقرأ ما أقرّه خبراء الاقتصاد من أنّ نقطة البدء في أيّ تقدم اقتصادي هي رغبة الفرد في التقدّم، والدافع الرئيس إلى تلك الرغبة إنّما هو الثقافة.
مايكل تودارو من المتخصّصين البارزين في التنمية الاقتصادية، يعترف بأنّ التنمية الاقتصادية ليست حادثةً فيزيائية أو طبيعية لا تتأثر بالثقافة والآداب والسنن، بل التنمية الاقتصادية تنشأ وتترعرع في البيئة الثقافية والاجتماعية، كما أنّ إيجاد المجال لازدياد الدخل القومي وارتفاع مستوى المعيشة وتوفير إمكانيات العمل بشكل واسع يكون نتيجة المتغيّرات الاقتصادية، كالادّخار والاستثمار و.. كما أنّه تابع للقيم، والاعتبارات، والنـزعات، والرؤى، والاعتقادات، وصحّة الأعمال، وصدق النيّات في المجتمع، وسجيّة الأمّة.
ومن البديهي أن تكون الدراسات والأبحاث الاقتصادية جزءاً لا ينفكّ من واجبات ومفروضات الاعتبار والقيم، رغم محاولة إخفائها وبمهارة خاصة؛ ذلك أنّ هذه البحوث قائمة على فرضيات مضمرة تتعلّق بسيرة الإنسان والعلاقات الاقتصادية؛ لذا فإن صحة هذه الأبحاث قائمة على فرضيات اعتبارية (value assumptions)؛ لهذا يرى الاقتصاديون أنّ ما يعتقدونه موازٍ ومساو للحقائق السائدة عالمياً وهو خطأ مؤكّد، سيما عندما يهملون المتغيّرات غير الاقتصادية ويعتبرونها هزيلةً وعديمة الأهمية([10]).
وبناءً على هذا كلّه، يغدو دور الثقافة في التنمية المتعالية أساسيّاً، حيث يظهر واضحاً جلياً في تخطيط التنمية الاقتصادية التي تبدأ من الثقافة الاقتصادية.
10 ــ 4) الهدف النهائي للتنمية الاقتصادية ـــــــ
الهدف النهائي للتنمية الاقتصادية غير المتعالية هو الاستهلاك الوفير الذي أشار إليه mروستوn في نظريته في mالنمو الاقتصاديn، فقد رأى mروستوn أنّ كلّ مجتمع يرغب في التنمية يجب عليه أن يجتاز المراحل الخمس للنمو الاقتصادي، والتي حقّقت الدول المتقدّمة من خلالها نجاحاً، وهي:
أ ــ مرحلة المجتمع التقليدي
المجتع التقليدي هو المجتمع الذي يقوم اقتصاده على النشاط الأوّلي واستخدام الفنون الإنتاجية البدائية وانخفاض متوسّط دخل الفرد.
ب ــ مرحلة التهيؤ للانطلاق
يبدأ التهيؤ بالتطوّر في مناهج التعليم، وأساليب ومعدّلات الاستثمار، وفنون الإنتاج، وزيادة التعامل النقدي، ونموّ الجهاز المصرفي، واتساع نطاق التجارة.
ج ــ مرحلة الانطلاق
في هذه المرحلة تزداد مستويات الادّخار والاستثمار إلى 10% من الناتج القومي أو أكثر، ويزداد انتشار الفنّ الإنتاجي الحديث، ويشمل التطوّرُ الزراعةَ والصناعة، ويزداد دخل الفرد المتوسط.
د ــ مرحلة الاتجاه نحو الضخّ الاقتصادي
في هذه المرحلة، يعمّ التقدّم قطاعات الاقتصاد كافة، وتتنوع الصناعات، وتبلغ معدلات الاستثمار 10 ــ 20% من الناتج القومي، ويزداد تصدير السّلع، ويحسن ميزان المدفوعات، ويزداد الدخل المتوسّط.
هـ ــ مرحة الاستهلاك الوفير
هذه هي المرحلة الأخيرة، وهي الهدف النهائي للتنمية الاقتصادية غير المتعالية، حيث يزداد مستوى الاستهلاك في المجتمع؛ نتيجة ازدياد متوسّط دخل الفرد بزيادات كبيرة، ويزداد إنتاج واستهلاك السلع والكماليات، وتتحسّن مستويات الخدمات المختلفة في المجتمع، ويصل الإنتاج إلى أعلى درجاته حيث ينتشر في كافة مجالات النشاط المختلفة([11])، هذا ما حدث للنموّ الاقتصادي في الدول المتطورة تاريخياً.
أمّا الهدف النهائي للدول النامية بالنسبة للتنمية المتعالية، فهو ترسيخ القيم الإنسانيّة.
جدول: مقارنة التنمية الاقتصادية المتعالية وغيرها
الرقم | الموضوع | التنمية الاقتصادية غير المتعالية | التنمية الاقتصادية المتعالية |
1 | المراحل | النموّ ــ التنمية | النمو ــ التنمية ــ التعالي |
2 | النظرة إلى الإنسان | ماديّة | مادية ومعنوية |
3 | المعيار | الدخل المتوسّط | الدخل المتوسط + توزيع الدخل العادل + السلامة الأخلاقية |
4 | الهدف المرحلي | ارتفاع الدخل المتوسط | ارتفاع الدخل المتوسط + ضمان أقل مستوى المعيشة |
5 | تخطيط التنمية الاقتصادية | يبدأ من الاقتصاد ويختم بالاقتصاد | يبدأ من الثقافة ويختم بالاقتصاد |
6 | البُعد | بُعد اقتصادي | متعدّد الأبعاد |
7 | المحور | الإنتاج | الإنسان |
8 | التنمية الاقتصادية | هدف | آلة |
9 | دور الثقافة الاقتصادية | تبعي | أصليّ |
10 | الهدف النهائي للتنمية الاقتصادية | الاستهلاك الوفير | ترسيخ القيم الإنسانية |
النتيجة ـــــــ
التنمية الاقتصادية المتعالية أوفر كمالاً من التنمية غير المتعالية؛ لأنّ التنمية المتعالية تنظر إلى الإنسان نظرةً مادية ومعنوية، مع الاهتمام بالاتّزان الأخلاقي وضمان أقلّ معدل لمستوى المعيشة.
ويبدأ تخطيط التنمية الاقتصادية المتعالية بالثقافة أوّلاً، ثمّ ينتهي بالاقتصاد، كما أنّ سياسات التنمية المتعالية تدور حول الإنسان لا الإنتاج، والتنمية الاقتصادية ليست هدفاً نهائياً بل آليّ، ودور الثقافة دور أساسي، كما أنّ الهدف النهائي للتنمية الاقتصادية هو ترسيخ القيم الإنسانيّة.
* * *
الهوامش
(*) أستاذ مساعد بكليّة الاقتصاد، ومساعد الشؤون التعليميّة بمعهد العلوم الإنسانية والدّراسات الثقافية، وزارة العلوم، البحوث والتكنولوجيا.
[1] ــــ الاونكتاد هو مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية.
[2] ــــ الاونكتاد، mتقرير أقلّ البلدان نموّاً 2000n : 10.
[3] ــــ Basic needs model.
[4] ــــ Trickle-down effect.
[5] ــــ Diana Hunt, “Economic theories of Development”, p.47.
[6] ــــ Real per capita income.
[7] ــــ Gerald M.Meier, “leading lssues in Economic Development”, 1995, p.7.
[8] ــــ Aidit bin Ghazali, “Development, An Islamic perspective”, 1990, p.24.
[9] ــــ Abdel Hamid Elghazali, “Man is the basis of the Islamic stratcgy for Economic Developmant”, Islamic Development Bank, 1994, p,13.
[10] ــــ Michael Todaro, “Economic Development in the third world”, 1995, p.44.
[11] ــــ W.W. Rostow, ”The stages of Econmic Growth”, 1965, pp. 3-21.