أحدث المقالات

فريبا علاسوند

 

‌أ- الاتفاقية في ميزان الفقه الإسلامي

يضاف إلى جملة العوامل السلبية التي تتضمّنها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة على صعيد الفرد والأسرة والمجتمع (سياسياً، ثقافياً، اقتصادياً) عامل آخر يحول دون انضمام البلدان الإسلامية إليها، وهو مخالفتها الصريحة لأحكام الشريعة، ذلك أنّ ثمّة سقف مشترك من بديهيات الدين تجتمع تحته المذاهب الإسلامية بمختلف مشاربها وألوانها قد تخطّته تلك الاتفاقية، من هنا جاءت ردود أفعال البلدان الإسلامية شديدة وتحفظاتها كثيرة عليها، وصلت أحياناً إلى حدّ الرفض.

لذا، نستهلّ ورقتنا بمقدمة سريعة، ثم نتبعها بمقارنة فقهية نستعرض فيها مواطن التمايز في الاتفاقية، ولكن قبل ذلك نبيّن نقطتين مهمّتين هما:

النقطة الأولى: احتواء الاتفاقية طروحات بنيوية مثل المساواة والتماثل تتناقض كلياً مع الفقه الإسلامي وأحكامه، أي هنالك تناقض فكري ومفهومي يحتّم علينا التعاطي مع الاتفاقية ضمن رؤية نقدية ما فوق فقهية، هذا إذا تركنا مؤقتاً تناقضها الشديد مع أحكام الشريعة.

إنّ التنصّل من الاتفاقية ومن تبعاتها التماثلية في الميادين التي تكون المساواة فيها مرفوضة من قبل الدين، ليس هو بالأمر اليسير ولا مقبول من قبل واضعي الاتفاقية، لذا، فنحن أمام خيارين لا ثالث لهما، إمّا التمسّك بأحكام ديننا أو الرضوخ للاتفاقية. وهذه الاتفاقية التي شرّعت باسم القضاء على أشكال التمايزات والتمييز، لا تنسجم بكل تأكيد مع تحفّظاتنا. وخلاصة القول، لو لم تتضمّن الاتفاقية إلا البند الأول لكان كافياً لإدانتها ورفضها وذلك بسبب تناقضه مع جوهر أحكام الدين الإسلامي.

لا شك أنّ الإسلام قد وضع تمايزات على أساس الجنس في دائرة الأحكام والأخلاق، والتجربة الإسلامية بما هي نموذج أخلاقي وفقهي يشمل جميع مناحي الحياة، تمثّل حالة متقدّمة لو جرّب المجتمع الإسلامي بنسائه ورجاله وأطفاله تطبيقها لأصاب فائدة كبيرة.

النقطة الثانية: إن الإحاطة بالنظام الفقهي الإسلامي يستدعي أولاً الإلمام بالنظام العقدي والأخلاقي، وأهمّ من كل ذلك مراجعة شاملة للنصوص الدينية وفي مقدمتها القرآن الكريم، باعتباره السند الأهمّ لكن ليس الوحيد. تتّفق المذاهب الإسلامية برمّتها على أنّ القرآن الكريم لم يتطرّق إلى جميع القضايا المتعلقة بالإنسان في مجالي الفقه والأخلاق.

إنّ التشابك الوثيق والتفصيلي بين الفقه والأخلاق بالحياة المتغيرة للإنسان وبيئته من جهة، وعدم تضمّن فترة الوحي لجميع المستحدثات من جهة أخرى، حدا بالمسلمين إلى أن يعتمدوا السنة النبوية الشريفة – بحسب ما أوصى به الرسول الكريم(ص) – كمرجعية إلى جانب القرآن الكريم في استنباط الأحكام الدينية، لذا، لا مناص من الرجوع إلى هذين الثقلين عند تمحيص حكم ما من حيث صحته ودائرة شموله(2).

ومن المؤسف القول، إنّ عدم تركيز الاهتمام الكافي على هذه النقطة بعث على الاعتقاد بإنّ غياب بعض الأحكام من القرآن الكريم يعدّ دليلاً على عدم أهميتها، وهي – أي هذه الأحكام – لا تعدوكونها استنباطات للفقهاء، في حين أن هناك العديد من الفروع الفقهية التي لا وجود لها في القرآن، على سبيل المثال عدد ركعات الصلاة.

والآن، ننطلق إلى استعراض مواطن الخلاف بين الاتفاقية والفقه الإسلامي بجميع مذاهبه (المذاهب الخمسة) على صعيد الحياة الفردية والأسرية والاجتماعية للمرأة، آخذين بنظر الاعتبار النقطتين المذكورتين.

 

الفقه الإسلامي والاتفاقية: دراسة مقارنة لنقاط الخلاف

1- المرأة والحياة الفردية

1-1 البلوغ

إنهاء الفرد لمرحلة الطفولة والدخول في مرحلة البلوغ والشباب حالة تكوينية يجتازها الإنسان بصورة طبيعية، ولهذا حدّدت الدول في منظوماتها القانونية سنّاً معينة للبلوغ إذا ما اجتازها الإنسان سيصبح فرداً مسؤولاً. بمعنى، إنّ الفرد البالغ هوالذي يتحمّل تبعات تصرّفاته، ويحقّ له ممارسة أيّاً من النشاطات السياسية والاجتماعية والحصول على مزايا خاصة. كما أنّ التمييز بين السلوك السوي والمنحرف يبدأ من هذه السنّ.

في ضوء هذا التقديم، يجب القول بإنّه في إطار حماية حقوق الطفل، فإنّ جميع الاتفاقيات الدولية بما فيها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة تطرّقت لمسألة البلوغ. إن إيلاء مصلحة الأطفال الأولوية في توزيع الأدوار بين الوالدين، خطوبة الطفل أوزواجه …إلخ، هي من جملة الحالات التي وردت فيها كلمة الطفل، والمقصود بالطفل هونفسه الذي ورد في معاهدة الطفل، إذ تعرّف المادة الأولى منها الطفل بما يلي: «يعني الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة»(3).

إذن، الطفل حسبما ورد في توصيات معاهدة القضاء على أشكال التمييز أيضاً من قبيل منع خطوبة الطفل أوزواجه، هوالفرد الذي لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره(4).

ونقطة الخلاف هنا هي سنّ الرشد، حيث لكل مذهب من المذاهب الإسلامية رأيه الخاص. فالمشهور عند المذهب الشيعي هو9 سنوات هجرية للبنت، وهوفي كل الأحوال أقل من سنّ الرشد للصبي. وتتفاوت هذه السنّ بين المذاهب الأربعة، ولكن الرأي الغالب هوظهور علائم البلوغ مثل الحيض عند البنت والاحتلام عند الصبي…إلخ، وهي على الأعم الأغلب تحدث دون سنّ الثامنة عشرة، إلا اللهم إذا طرأ خلل جنسي، وينفرد أبوحنيفة بالنسبة للصبي والمالكية بالنسبة للجنسين بالقول: بأنّ سنّ البلوغ هي إكماله الثامنة عشرة من عمره، في حين تنخفض هذه السنّ عند المذاهب الأخرى(5) عن ذلك.

لذا، يكون البلوغ القطعي للبنت، ظهور علائم الحيض قبل إكمالها الثامنة عشرة من العمر، وهوبلوغ تشرّعه أحكام الدين لغرض التكليف، وبطبيعة الحال فهويختلف عن البلوغ التعاقدي الذي تشرّعه الاتفاقية. ولكن هذا لا يمنع من تحديد سنّ معيّنة لأغراض النشاطات الاجتماعية مثل حقّ الاقتراع والاستفتاء أواستصدار بعض الشهادات مثل إجازة السياقة …إلخ، ولكن بشرط أن لا تسري هذه السنّ على كافة الأدوار أوالحقوق الشرعية للبنات والصبيان.

وبوجيز العبارة، إنّ القول بتمايز سنّ البلوغ للصبيان والبنات يتعارض جزئياً مع ما ورد في بعض المواد من الاتفاقية المذكورة، وجذرياً مع المادة الأولى.

 

1-2- التبرّج

تحرّم المذاهب الإسلامية قاطبة التبرّج أواستغلال المفاتن الجنسية لجذب الانتباه. فالتبرّج يبدأ بنزع الحجاب وينتهي إلى الانحراف والدعارة التي أصبحت اليوم ركناً مهماً من أركان التجارة في عصرنا هذا، وجميع هذه الحالات محرّمة بحسب جميع المذاهب الإسلامية.

وتستمدّ حرمة التبرّج من محكم الآيات القرآنية، حيث يقول الله عزّ وجلّ في كتابه الكريم:

«وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى»(6).

وقد ورد في السنّة النبوية الشريفة ما يؤكّد على ذمّ التبرّج، حيث روت عائشة بنت أبي بكر عن الرسول الأكرم(ص) قائلة: سمعت رسول الله(ص) يقول: «ما من امرأة تنزع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله تعالى»(7).

إذ تنطلق الاتفاقية من خلفية ثقافية، فهي لا ترى ضرورة في تحديد لباس أوحجاب معيّن يستر جسد المرأة عن أنظار الرجال، لأنّها تعتبر ذلك بمثابة تمييز جنسوي، وبالتالي تنظر إلى التبرّج على أنّه تقييد لحرية المرأة وراحتها، أي أنّه عقبة في طريق حريتها الفردية يمنعها من تحقيق رغبة شخصية، من هذا الباب جاءت المادة الأولى من الاتفاقية متعارضة مع الأحكام الإسلامية.

والمثير للدهشة، أنّ الاتفاقية لم تر ضيراً في أصل البغاء الذي يمثّل أحطّ مظاهر التبرّج، وذلك استناداً إلى نفس المبدأ، بل إنّ المادة السادسة منها اكتفت «بحثّ الدول الأطراف على اتّخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منها، لمكافحة جميع أشكال الإتجار بالمرأة واستغلال بغاء المرأة». طبعاً وردت في اتفاقيات أخرى بعض الإشارات حول منع البغاء، لكنّها جميعها تركّز على الجانب التجاري للقضية، بمعنى أنه عندما يتّخذ نشاط البغي طابعاً تجارياً فإنّ عملها حينذاك يكون ممنوعاً شاءت أم أبت. وبموجب المادة السادسة من المعاهدة الدولية لقمع الاتجار بالرقيق الأبيض الموقعة في باريس في 18 مايو/ أيار عام 1904، فإنّ الدول الأطراف تتعهد بإعمال الرقابة على الدوائر والوكالات المسؤولة عن تشغيل العمالة النسائية في الخارج، إذ تنصّ المادة الأولى من المعاهدة المذكورة: «يعاقب كل من يقوم بأعمال القيادة بما فيها الاتّجار والنقل وإغواء النساء – حتى وإن كان بموافقتهنّ – أوالبنات القاصرات وحرفهنّ عن الطريق السويّ، حتى وإن ارتكبت هذه المخالفات فرادى وفي دول مختلفة»(8).

إذن، فالتقابل بين الاتفاقية والفقه الإسلامي واضح – على الرغم من إصرار البعض على عدمه – بسبب أنّ الاتفاقية لا يعنيها التبرّج بجميع مظاهره، بل إنّ أشدّ مظاهره ممنوع من وجهة نظرها لأنّه يندرج تحت بند تجارة الرقيق الأبيض واستغلال المرأة، أمّا المظاهر الأخرى فتدخل في سياق التمييز الجنسوي مثل فرض الحجاب، أوأنّها تعتبر خارجة عن صلاحيات القانون وذلك بالاستناد إلى الأيديولوجية الليبرالية.

ملاحظة:

نودّ الإشارة إلى أنّه توجد نقاط مختلفة في الاتفاقية لا يجوز معاملتها بالتساوي وفق الآيات والأحاديث التي تحظر التبرّج، مثال على ذلك موضوع الرياضة، التي يحثّ عليها الشرع ويعتبرها عملاً محبذاً، ولا فرق هنا بين الإناث والذكور، فالهدف الأصلي هوتحقيق الصحة البدنية والسلامة النفسية.

مما يؤسف لـه، أنّ بعض الأقوال ينظر إليها من زاوية الوجاهة والشأن الاجتماعي، فتخرج بذلك عن إطارها الطبيعي، مثلاً، بدلاً من التركيز على دور الرياضة الجماعية والتخطيط لها، لأهميتها في المحافظة على صحة الأفراد وسلامتهم، ينظر إليها على أنّها كسب اجتماعي للمرأة، وحلبة جديدة من حلبات الصراع بينها وبين الرجل. من هنا تطرح الاتفاقية نظرة تماثلية تماماً فيما يتعلق بفتح آفاق الرياضة أمام المرأة، يقصد منه دخول المرأة في جميع الفروع الرياضية جنباً إلى جنب مع الرجل، دون فرض قوانين التمييز الجنسوي التي تصنّف الرياضة على أساس الجنوسة، ذكورية وأنثوية، كأن يكون حجاب المرأة مانعاً لها من اختيار رياضة معينة والمشاركة في المسابقات الدولية، أوحجب عرض بعض المسابقات النسوية على الرجال، فهذه كلها حالات تمييز جنسوي من وجهة نظر الاتفاقية المذكورة، وفي المحصلة، فإنّها تتعارض مع بنودها.

2- المرأة والحياة العائلية:

تمثّل الأسرة وفق المفهوم القرآني الخلية الأولى للنسيج المجتمعي الذي يشكّل الرجل سداه والمرأة لحمته يربطهما عقد شرعي. تشمل مسؤوليات الأسرة أدواراً متنوعة ومهمة تتوزع على توفير الأمن النفسي والاستقرار الروحي، كالحفاظ على النسل ونقائه، إشباع الغريزة الجنسية، الانصهار في المجتمع… إلخ. على الرغم من البصمات التي تركها المجتمع الصناعي على الأسرة، تبقى هذه المؤسسة الشرعية النموذج الأثير لدى السواد الأعظم من الرجال والنساء في كل بقعة من العالم.

لقد أفرز المجتمع الصناعي أنماطاً متعددة من الأسرة يسعى المثقفون الغربيون إلى تصويرها كضرورة طبيعية في ظلّ المسيرة التطورية التي تمرّ بها الإنسانية(9)، لكنّهم لا يرون في هذه التطورات إلغاءً لدور المؤسسة الأسرية الشرعية(10).

على أي حال، تحظى الأسرة في جميع الأديان السماوية بقدسية واحترام، بينما هي في البلدان المتقدمة أو النامية تواجه منعطفاً خطيراً. وهنا يجب أن نتأمّل قليلاً تلك الاتفاقيات التي تتعرّض تصريحاً أو تلميحاً إلى المؤسسة الأسرية، من ثم نقارنها مع الاتفاقية التي نحن بصددها، لنقف على نقاط تمايزها عن الأحكام الإسلامية فيما يتعلق بقضايا المرأة ضمن محيطها الأسري.

 

 2-1- الزواج

تعالج الاتفاقية في مادتها السادسة عشرة قضايا الزواج، حيث تطالب الدول الأطراف بما يلي: « تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية على أساس المساواة بين الرجل والمرأة»(11).

تنسجم بعض الحالات التي نصّت عليها هذه المادة مع أحكام الشريعة الغراء، على سبيل المثال، لقد أقرّ الإسلام حقّ المساواة في الزواج للجنسين قبل أن يخطر هذا الأمر ببال بشر، إيماناً منه بضرورة التشجيع على الزواج، واعتبر موافقة طرفي العقد ركيزتين في مشروعية العقد، وهو أمر مشهور عند معظم فقهاء الفريقين إن لم يكن موضع إجماعهم. فالحكم الفقهي عند أهل السنة بحسب الروايات المنقولة عنهم ارتهان صحة العقد برضا الطرفين، إحدى هذه الروايات ما نقل عن ابن عباس عن الرسول الأكرم(ص) وهي: «إنّ جارية ذكرت لرسول الله(ص) أنّ أباها زوّجها وهي كارهة، فخيّرها»(12)،(13)

وبالمثل، تزخر المصادر الشيعية بهذا النوع من الروايات التي تشترط رضا البنت أو الصبي في عقد النكاح.

ملاحظة أخرى لا تخلو من أهمية وهي، إنّ ثمّة قضايا أخرى ذات صلة بموضوع الزواج تجمع عليها المذاهب الإسلامية، لكنّها تتعارض مع المادة 16 من الاتفاقية مثل موضوع تعدّد الزوجات الذي تبيحه الشريعة الإسلامية للرجل في بعض الظروف بينما تمنعه عن المرأة.

 

2- 1-1- تعدّد الزوجات

يبيح القرآن الكريم صراحة – بشرط العدالة – تعدّد الزوجات للرجال، حيث ورد في قوله تعالى: «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ»(14).

لا ننوي في هذه العجالة التوسّع في بحث الأحكام الإسلامية، لكن نقول إجمالاً، بأنّ ما يشوّه الأحكام الإسلامية أحياناً ويجعلها تبدو غير منطقية هو اقتطاعها مجتزئة، وعرضها دون إيضاحات لظروف تشريعها أو مغازيها، لذا، لابدّ من أن نحدّد ظروف كل حكم وحيثياته، الأمر الذي غاب عن أذهاننا مع الأسف.

من استكناه الشريعة الغراء، يتبيّن لنا أنّ البرنامج العام للدين يتضمّن نشر ثقافة الزواج السليم الراسخ، وتمكين البنت والصبي من اختيار الفرد الكفء المناسب، والتشجيع على العمل باقتضاءات الحياة الزوجية وملزوماتها، وأداء المسؤوليات الاقتصادية لكل من الرجل والمرأة. لكن في بعض الأحيان تتطلب شمولية الدين أحكاماً ظرفية لتحقيق مصالح جميع الشرائح، على سبيل المثال، في أوقات الأزمات والحروب وإحاقة المخاطر بالرجال، تتجاوز نسبة النساء أعداد الرجال، أوحين يكون معدّل عمر الرجل أقل منه عند النساء(15)، في هذه الظروف لا شك من أنّنا سنواجه مشكلة العنوسة وما تجرّه من حرمان عاطفي ومادّي. قد يكون هذا الوضع محتملاً لبعضهنّ، لكنّه بالتأكيد لن يكون محتملاً للبعض الآخر، فيؤدّي بهذه الفئة الأخيرة إلى السقوط في أحضان الرذيلة والانحراف. من هنا طرح الإسلام مسألة تعدّد الزوجات كحلّ منطقي ومعقول لهذه المشكلة، دون أن يترك حياة الشريكة الأولى لشأنها فيصيبها ضرر من جراء الوضع الجديد، فاشترط لهذه الحالة الخاصة العدالة عند اللجوء إلى هذا الحلّ، حيث جاء في قولـه تعالـى: «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً».(16)

إنّ الله تعالى لا يكلّف نفساً إلا وسعها، وعليه تشمل العدالة حدود الاستطاعة المتمثّلة في السلوك الإرادي فحسب، مثل إعطاء النفقة وتحمّل أعباء الحياة والقسمة العادلة للأيام بين الزوجات، أمّا السلوك اللاإرادي مثل الحب والعاطفة والأحاسيس، فهذه كلها عوامل خارجة عن سيطرة الزوج ولا حيلة له بها، لأن الحب يتطلّب عوامل وظروف تتوقف على طرفي الشراكة.(17)

وعلى أيّ حال، لا خلاف بين المذاهب الإسلامية في تباين الحكم بالنسبة للمرأة والرجل حول جواز تعدّد الزوجات، وهو ما يتعارض مع المادّتين الأولى والسادسة عشرة من الاتفاقية المذكورة، لأنّه يعدّ تمايزاً على أساس الجنس.

 

2- 2- حقّ الطلاق

تطالب المادّة السادسة عشرة من الاتفاقية الدول الأطراف أن تنظم قوانين الطلاق بالنسبة للزوجين على أساس المساواة، وذلك وصولاً للتساوي في الحقوق الأسرية، ما يعني أنّ للطرفين نفس الحقّ في الرجوع إلى المحاكم لطلب الطلاق إذا رغبوا في ذلك وفي ظروف متساوية.

لا تستقم هذه المادّة مع آراء المذاهب الإسلامية، لأنّ الإسلام وضع الطلاق بيد الرجل الذي يستطيع تسريح زوجته بالمعروف لئلا يجنح إلى الظلم، وقد يصار هذا الأمر في بعض الأحيان إلى المرأة كأن تشترط لنفسها في عقد الزواج وكالة الرجل في الطلاق، بصورة مطلقة أو مشروطة ببعض الحالات، كحالة الإدمان عند الزوج … إلخ.

وهناك طلاق يتمّ بناء على طلب من الزوجة ويسمّى بالطلاق الخلعي وهو طلاق بائن، لا يملك فيه الزوج حقّ الرجوع إلى زوجته في عدّة الطلاق، وفي المقابل، تحرم الزوجة من بعض الامتيازات التي تتمتّع بها في الطلاق الرجعي. إذن، حقّ الطلاق في الحالات الاعتيادية بحسب الفقه الإسلامي بيد الزوج، حيث مصادر الحديث تعجّ بروايات كثيرة تفصح عن هذا المعنى، والتي أصبحت موضع استناد الفقهاء من كلا الجانبين كالحديث النبوي الشريف: «الطلاق بيد من أخذ بالساق».(18)

حول الحكمة من هذا التشريع نقول بثقة: إنّ الخصوصيات الطبيعية عند الجنسين تفرز تبايناً في الأدوار والوظائف، من هذه الخصوصيات غلبة منطق العاطفة والإحساس عند المرأة، ومنطق العقل والحكمة عند الرجل، ونعني بذلك انتصار صوت العاطفة عند المرأة عادة على صوت العقل بحيث تكون مطيّة لمشاعرها، لأنّ تركيبتها تطفح رقّة ونعومة، بينما يغلّب الرجل عقله على مشاعره في معظم الأحيان، لذلك، ومن حيث المبدأ، توكل الأعمال التي تحتاج إلى التدبير العقلي والحكمة إلى الرجل، وبالنسبة للجنس الآخر، إذا توفّرت له هذه القدرة فسترفع عنه بعض الموانع، وتوكل لـه نفس المهام، مثل إدارة الأسرة والوفاء بمتطلباتها، وإنهاء الحياة الزوجية المشتركة.

خرجت المعطيات العلمية مثل علم النفس والعلوم البيولوجية لتبرهن على صحة الخصوصيات بين الجنسين، وهي خصوصيات تضيف كمالاً ولا تعتبر نقصاً البتة. ولا بأس من أن ننقل هنا رأي بعض الخبراء في قضايا المحاكم الذين يعتقدون بأنّ مشاعر الوحدة والعزلة التي تنتاب الأزواج بعد الانفصال أعمق وأشدّ وطأة منها عند النساء، لذلك فهم يفكّرون مليّاً قبل اتّخاذ قرار الطلاق، في المقابل، لو كان قرار الطلاق بيد المرأة لكانت أقدمت عليه مرات ومرات ولأنهت حياتها الزوجية دون التفكير في إمكانية إصلاحها على المدى البعيد، وذلك بالنظر لغلبة مشاعر المرأة على عقلها.

ربّما يكون منشأ الخلافات الزوجية أحياناً هو اضطهاد المرأة داخل المحيط الأسري، أو جراء ضغط المسؤوليات الكبيرة غير المشروعة التي تثقل كاهل الزوجة، لكن اتّخاذ القرارات المصيرية التي تنسحب بآثارها السيئة على الحياة الزوجية على المدى الطويل، أمر بعيد عن الحكمة والتعقّل. ليس هناك من دليل عقلي يمكن تقديمه لإثبات هذه المسألة، لكن التجارب أثبتت أنّه في الحالات التي تكون فيها المرأة في سورة غضب طارئة ولأي سبب كان حتى المعقول منها، تميل إلى إنهاء الحياة الزوجية فوراً، لتتخلص من القهر والعذاب، أمّا عندما يجنح الزوج إلى السلم من خلال باقة رقيقة من كلمات الاعتذار الرقيقة وعبارات الحب الدافئة يقدّمها لزوجته ليهدئ من غضبها، ويعيدها إلى أحضان الألفة والصفاء اللذين كانا سائدين، فتعود المياه إلى مجاريها وتنطلق ثانية ضحكات الحبور والبراءة لدى الأطفال الذين تتفتح براعمهم على أنغام محبة الوالدين، عند ذاك تندم الزوجة على ما تفوّهت به، واكتنهت في قلبها من حقد.

أما الرجل، فمن واقع المسؤولية التي ينوء بها تجاه أسرته وقيمومته لها، وكذلك بسبب سيطرته على أحاسيسه يكون أحرص على الإبقاء على العلاقة الزوجية ودوامها، ويكون خيار الطلاق آخر ما يفكّر به، لأنّ فشله في هذه التجربة سيكون بمثابة ضربة نفسية قاسية له.

في معرض تبريره لهذا الحكم، يطرح الشهيد الشيخ مطهري(19) عدّة ملاحظات، خلاصتها إنّ تباين سيكولوجية المرأة والرجل يشير إلى إنّ إعطاء الرجل حقّ الطلاق هو خيار الطبيعة، وتفسير ذلك أنّه إذا كان الزوج هو مصدر الجفاء في الحياة الزوجية، فسيكون من العسير ترميم العلاقة بينهما (لأنّ الرابطة الزوجية تكون على أساس رغبة الرجل وطلبه وتجاوب المرأة مع هذا الرغبة) وتصبح المؤسسة الأسرية منزوعة الدفء والحنان، أما إذا كانت المرأة هي مصدر الجفاء، عندها يمكن للرجل العاقل والوفي أن يعيد السعادة والألق إلى بيت الزوجية، طبعاً هناك أزواجاً يستخدمون الطلاق كسلاح لإشباع نزواتهم أو لاضطهاد الزوجة.

 

2-2- 3- العدّة

الموضوع الآخر المتّصل بالطلاق هو العدّة، وهي بأنواعها تشترك في إلزام المرأة بالصبر عن الزواج المجدّد مدّة معينة، وذلك إذا مات عنها زوجها أو انفصلا بسبب الطلاق، ولا يشمل هذا الحكم الفقهي الرجال.(20)

قيلت آراء متفاوتة في أسباب تشريع العدّة، نظراً لتعدّد أنواع الزوجات المعتدّات، كالفتاة غير البالغة، أو المطلقة اليائسة، أو تلك التي مات عنها زوجها، أو الزوجة ذات الطلاق البائن، إذ لكل زوجة أسبابها في العدّة التي لا يعلمها إلا الله.

كما قد يقال إنّ من أسباب تشريع العدّة هو استبراء رحم الزوجة من الجنين، أو صيانة شأنها، أو إتاحة الفرصة للزوج لإرجاع زوجته وإعادة اللحمة إلى الأسرة، ولكن في كل الأحوال يبقى التعبّد بالحكم هو الأولى، وهو ما نوّه إليه فقهاء الفريقين في بيان حكمة تشريع العدّة، مؤكّدين على أبدية هذا الحكم.(21) وهكذا يعتبر حكم العدّة نقطة خلاف كبيرة مع المادة السادسة عشرة من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، وذلك لإجماع المذاهب الإسلامية عليه.

 

2-2- 4- الرجوع

بهدف استمرار مسيرة الحياة الزوجية والحيلولة دون انفراط عقدها، يقدّم الدين بعض التوصيات التي من شأنها المساعدة على تجاوز بعض الأزمات وإعادة الدفء إلى أحضان الأسرة، من جملتها مسألة رجوع الزوجين إلى بعضهما بعد أن يتجرّعا مرارة الفراق.

من المعلوم أنّ الرجل هو الذي يقدم عادة على الطلاق لذلك يتوقّف عليه إصلاح ما خرّبه، وذلك بالرجوع إلى زوجته إذا رغب في ذلك، وجمع ما تناثر من أجزاء الأسرة، والعدّة هي التي تتيح مثل هذا الخيار، حيث تتمتع الزوجة المطلقة في هذه الفترة بجميع المزايا مثل النفقة والمأكل والملبس والمسكن، ذلك أنّها لا تزال من الناحية الشرعية والقانونية على ذمّة زوجها، حيث يحكم الشرع بعدم جواز إخراجها من بيت الزوجية، لذلك نلاحظ أنه إلى جانب تمتّع الرجل بحق الطلاق، فإنّ الشرع وفّر فسحة لإحقاق حقوق الزوجة لتتمكن فيها من صيانة بيتها وأسرتها التي تفانت في سبيلها وأفنت سنوات عمرها من أجلها، لكنّ المؤسف حقّاً أنّ الثقافة السائدة في المجتمعات الإسلامية لا تنظر إلى الطلاق والعدّة من هذه الزوايا. على أيّ حال، فالرجوع هو من حقّ الزوج، بينما يمكن للزوجة في الطلاق الخلعي الرجوع إذا رغبت في ذلك بعد أن تسترجع ما تنازلت عنه لزوجها من مال لقاء طلاقها، فتحوّل بذلك الطلاق البائن إلى رجعي. إنّها مسألة فقهية لا يختلف عليها علماء جميع المذاهب الإسلامية، لكنّها من الناحية الأخرى تضيف نقطة خلاف جديدة مع الاتفاقية.

 

2- 3- الإرث

وهو من حلقات الوصل الأسرية وصلة الرحم، حيث يعتبر التوارث من أولى ثمرات الملكية، وهو نهج سار عليه الأوّلون ضمن التقاليد والأعراف الخاصة بكل قوم، وجاء الإسلام ليؤكّده ويخصّص له مساحة مهمّة من الأحكام الدينية وفق تراتبية طبقية تبدأ بالأقرب لتنتهي بالأبعد(22)، أوضح القرآن الكريم تفاصيلها وبيّن معاييرها من خلال توريث الأقرب للميّت، وإن لم يوجد فالذي يليه وهكذا، بمعنى أنّ الابن يرث أبيه فيحرم بقية الأرحام. بالتوازي مع هذه التراتبية الطبقية المشار إليها فإنّ زوجة الميّت تعتبر شريكة لجميع الطبقات الوارثة في إرث زوجها، ولا يلغى سهمها في جميع الأحوال، وهذه النقطة بالذات تعتبر من العلامات المضيئة في مبحث الإرث في الشريعة الإسلامية.

لقد بيّن القرآن الكريم بشكل صريح أسهم ستّ طبقات من الورثة، كما ورد في الروايات مسؤولية كل وارث وسهمه من الإرث. وللمرأة أسهم من هذه الطبقات الستّ، مثلاً سهم الزوجة التي لها ولد هو الثُمُن، والربع للّتي ليس لها ولد، والسدس للجدّة، والنصف للكلالة (الابنة الوحيدة)، إلى جانب ذلك هناك الحصة المضاعفة للذكر قياساً بحصة الأنثى كما ورد في الآية الكريمة: «يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظّ الأنثيين»(23).

فإذا ترك الميّت أبناءً ذكوراً وإناثاً أو اخوة وأخوات وكان والداه أحياء، فلكل منهم سهم مفروض، حيث يكون نصيب الذكر ضعف نصيب الأنثى، وهو حكم إسلامي يحظى باتفاق جميع المذاهب الإسلامية(24).

من هنا نرى تعارض هذا الحكم الإسلامي مع المواد 1، 2، 15 من الاتفاقية، وقد يتساءل البعض عن حكمة هذا التشريع، فنقول إنّ للدين نظاماً فقهياً يفسّر بعضه بعضاً، فما يحسبه المرء نقصاً في حكم يتعلق بالمرأة أو الرجل، يسدّه هذا النظام في موضع آخر، لذلك فإنّ تكامل أحكام هذا النظام وتناغمها مع بعضها من جهة وانسجامها في موضع ما مع الحقائق الطبيعية عند كل من الأنثى والذكر من جهة أخرى، يرسم صورة عقلائية ومنطقية عن النظام الفقهي الإسلامي، والإرث في الإسلام يمثّل جزء من هذه الصورة المنطقية. لقد هيّأ الإسلام عدّة آليات لتمكين المرأة مالياً، حتى إذا لم يكن لديها عمل أو دخل تتكئ عليه، توفّرت لها مداخيل عديدة من قبيل الإرث، المهر، النفقة، أجرة الرضاعة وأجرة الخدمة في بيت الزوجية. والإسلام إلى جانب طرحه لمثل هذه الآليات القانونية والفقهية يدعو الزوجين إلى الالتزام بالأصول الأخلاقية والتمسّك بكل ما من شأنه توطيد عرى الانسجام والألفة والمحبة بينهما.

علاوة على هذه المزايا الممنوحة للمرأة، لم يمنعها الإسلام من النزول إلى ميادين العمل والتكسّب، وحصولها على الدخل المالي شرط التزامها دائرة الدين، ودون أن يترتّب عليها جراء ذلك مسؤولية إدارة البيت أو الإنفاق على الأسرة.

وللرجل أيضاً حقّ وسهم في الإرث، وعليه مسؤولية التكسّب والعمل وإدارة معائش أسرته، وأن يضع ما يملك من أموال في خدمتها ورفاهيتها، سواء أكانت أموالاً موروثة أو هبات أو ثمرة جهده وعمله، من هنا نرى أنّ التمايز بين سهم الرجل وسهم المرأة في الإرث هو تمايز معقول ومحكوم بالمنطق.

 

3- المرأة والحياة المجتمعية

لا تمنع التشريعات الإسلامية المرأة من أن تحيا حياة مجتمعية طبيعية، إنّما تلزم الجنسين مراعاة الضوابط والخصوصيات البيولوجية الطبيعية والبدنية والنفسية، والعمل على صيانة الحُرُمات وتجنّب الاختلاط لدرء شبهة النظر إلى غير المحارم. بالإضافة إلى ذلك، يقترن الحضور المجتمعي للمرأة بانصياعها للمسؤولية الاجتماعية، فالتشريعات الجزائية الرادعة تضمن عدم تجاوز أي من الجنسين الحدود والقوانين التي تبني الإطار الأمني للمجتمع، وبالتالي، تحقيق الهدف المنشود ألا وهو سلامة الأفراد. من هذا المنطلق، سنعالج في المباحث التالية إفرازات الحضور المجتمعي للمرأة والتي تصطدم بمجملها باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة.

 

3- 1- الحجاب واللباس

موضوع يعمّ بتأثيراته كلا الجنسين ولا يخصّ المرأة وحدها من منظور الإسلام، ولكن بالنسبة للمرأة هناك أجزاء محدودة من بدنها يجوز لها كشفها باتفاق جميع المذاهب الإسلامية تقريباً، وستر الباقي، وهذه الأجزاء هي الوجه والكفين حتى المعصمين، ومستند تلك المذاهب في هذا هو محكم آيات القرآن الكريم(25)، وكذلك ما ورد في السنّة المطهّرة. وتتباين آراء أهل السنّة حول مقدار حجاب المرأة أمام المحارم مثل الأب والأخ، حيث يرى المالكية والحنابلة وجوب ستر المرأة لبدنها أمام محارمها، مع استثناء المالكية للرأس والرقبة واليدين والرجلين.(26)

يتضح لنا بأنّ الحجاب موضع إجماع جميع المذاهب الإسلامية يتعارض مع مبدأ المساواة الذي تطرحه الاتفاقية.

سنقدّم هنا إيضاحات حول الحجاب وكذلك نشير إلى بعض المصادر في هذا الموضوع.

ينظر إلى الحجاب على أنّه الجواز الذي يمنحه الإسلام للمرأة لتسجيل حضور اجتماعي مقنن ومنضبط. في الأجواء السليمة يكون المجتمع بيئة مناسبة للكشف عن المواهب والطاقات الخلاقة نحو النهوض والتطور في جميع مناحي الحياة مثل الاقتصاد والثقافة والسياسة … إلخ، لذلك لا يجوز أن يكون المجتمع مرتعاً لإطلاق النزوات، بل بيئة اجتماعية تضمن القوانين والتشريعات عفافها، ومن هذه القوانين الحجاب، الذي يمثل ركناً مكيناً للعفاف، إلى جانب غضّ الرجل لبصره، منع الاختلاط اللامبرر، والدور الحيوي لوسائل الإعلام في إشاعة ثقافة العلاقات السليمة والصحية.

إنّ عفّة المجتمع وصيانة الأسرة مرتبط بتقنين العلاقة بين الجنسين، ولا شك أنّ مفاتن الأنثى تجذب إليها نظرات الطوامح، لذلك يتحتّم تقديم النصح لأولئك بكفّ أبصارهم وتجنّب مخالطة النساء، وبالمثل يجب حثّ النساء والفتيات على ستر أبدانهنّ، وتذكيرهنّ بأنّ الهدف من الحجاب ستر مفاتنهنّ وزينتهنّ وليس التفنّن في عرضها، لذلك فإنّ اختيار اللون والموضة ونوعها يجب أن تصبّ جميعها لصالح صيانة العفاف والكرامة وهو ما أكّد عليه القرآن الكريم في النهي عن التبرّج، حيث قد يدخل اختيار لون الحجاب وموضته ونوعه في دائرة تمظهرات التبرّج، وهذه النقطة تقودنا إلى أنّه كلما كانت قابليه الستر للحجاب أكبر وتنوّعه أقل كان أقرب إلى التقوى وأدرء للمفاسد. من هنا نعتقد بأنّ النموذج القرآني للحجاب في الوقت الحاضر يتمثّل في العباءة وأنّ اللون الأسود هو اللون المفضّل كما يستشفّ من الروايات، وذلك لعدّة أسباب منها أنه لا يسبّب أي إثارة أو اهتياج عصبي لدى الرائي، على النقيض ممّا يدّعي المعارضون للحجاب، وثانياً، لا ينطوي على تنوّع ما يعني تقليل فرص استغلاله لموضات السوق.

ومختزل الكلام، إذا أردنا تقديم صورة إنسانية راقية عن الحضور المجتمعي للمرأة والاستفادة من فنّها ومهاراتها وعلمها ومعرفتها، لا من استغلال جسدها، فإنّ الحجاب هو أفضل وسيلة لتحقيق هذه الغاية.

 

3- 2- القوانين الجزائية

3- 2- 1- المرأة كصاحبة حق

للمرأة أولوليّها حق المقاضاة كما للرجل، هذا ما تنصّ عليه الشريعة الإسلامية لكن دون إلغاء التمايزات الموجودة بينهما، ومن جملتها موضوع دية القتل لكل من الرجل والمرأة التي تجتمع حولها المذاهب الإسلامية. حيث جاء في الشريعة انتصاف دية المرأة لدية الرجل، أي إن دية الرجل هي ضعف دية المرأة، لتساعد بذلك أسرة المقتول على مواجهة محنتها الاقتصادية بفقدانها معيلها. تستند هذه المذاهب إلى الأحاديث الواردة في مصادرها.(27)

يقول محمد بن إدريس الشافعي، إمام المذهب الشافعي ما يلي: «لا يوجد أحد من العلماء قديماً وحديثاً، عارض مسألة انتصاف دية المرأة»(28).

كما وردت هذه المسألة صراحة في أحد المصادر الفقهية المفصلة لأهل السنة، ونعني به المغني (ورد في متنه وشرحه): «دية الحرة المسلمة نصف دية الحر المسلم». قال ابن المنذر وابن عبد البرّ: «جمع أهل العلم على أنّ ديّة المرأة نصف دية الرجل»(29).

ولفقهاء الشيعة جميعاً نفس الرأي بالاستناد إلى الأحاديث الصحيحة الواردة في مصادرهم بهذا الخصوص(30).

وخلاصة القول، هي إنّ هذا الحكم – موضع إجماع المسلمين- يتعارض مع البند «ز» من المادة الثانية من الاتفاقية، التي تطالب بمبدأ المساواة الحقوقية والجزائية وإلغاء القوانين التي تتنافى مع هذا المبدأ.

 

3- 2- 2- شهادة المرأة

وهي من المباحث الفقهية المثيرة للجدل في سلسلة الأحكام المتفاوتة بالنسبة للرجل والمرأة، والسبب وراء هذه الضجّة المفتعلة هو الطرح الناقص لقضية الشهادة ضمن ما يسمّى باستراتيجية فقه الصحف، فما جرى على الألسن هو أن الفقه الإسلامي يعتبر شهادة امرأتين تعادل شهادة رجل واحد، ما يعني إهانة لشخصية المرأة واستهانة بقدراتها في تحمّل مسؤولية شهادتها لصالح الأحداث أو ضدّها.

من المؤكّد أنّه إذا ما وسّعنا من نظرتنا لما ورد في باب الشهادة ووضعنا هذا المبحث إلى جانب الأبواب الفقهية الأخرى وأحكام الشريعة الغراء التي تعنى بأوضاع المرأة والرجل، فستنجلي هذه الشبهة. كما يجب ألاّ يغيب عن بالنا قصور العقل البشري في استيعاب فلسفة الأحكام، ذلك أنّ غاية ما يستطيع العقل أن يفعله هو أن يعي حكمة الأشياء لا عللها.

قام المرحوم الشيخ الحر العاملي بجمع الروايات الواردة في المصادر الشيعية ذات الصلة بشهادة المرأة، ومن خلال مطالعته لها رشحت منها الحالات التالية:

1-  قبول الشهادة المستقلة للمرأة دون إلحاقها بالرجل.

2-   شهادة امرأة واحدة تجزئ وتحول دون شهادة أربعة رجال.

3-   شهادة المرأة غير مقبولة مستقلة كانت أم بمعيّة شهادة الرجل.

4-   قبول شهادة المرأة شرط أن تكون بمعيّة شهادة الرجل.

الحالة الأولى: وتشمل الشهادة حول قضايا تختصّ بالمرأة مثل الولادة حيث تقبل شهادة المرأة بشرط التعدّد وذلك لإثبات حق الإرث أو الوصية(31).

وبالنسبة للإرث، تجزئ شهادة امرأة واحدة أيضاً فيما يتعلّق بحياة الطفل بعد الولادة، فتكون شهادتها نافذة في ربع الإرث، بمعنى إذا كان إرث الطفل – إذا عاش – مليون درهم، سيصيبه من هذا الإرث بفضل هذه الشهادة 250 ألف درهم، وكذلك الأمر بالنسبة للوصية، وقد ورد شرح هذه المسألة في المصادر الفقهية.

الحالة الثانية: شهادة امرأة ببكارة صبية شهد بزناها أربعة رجال.

الحالة الثالثة: الشهادة على قتل يوجب القصاص أو مسألة الطلاق.

الحالة الرابعة والأخيرة: هي قبول شهادة النساء إلى جانب الرجال – ضمن ظروف خاصة – في المسائل المالية(32).

إنّ عدم تساوي شهادة الرجل والمرأة هو من بديهيات فقه التسنّن مع بعض الاختلافات في الميزان والحالات؛ على سبيل المثال، شهادة المرأة مرفوضة من قبل المذاهب المالكية والشافعية والأوزاعية والنخعية في حالات النكاح، الخلع، الطلاق الرجعي، القذف، القتل الموجب للقصاص، الوكالة، الوصية، الوديعة، العتق والنسب. أما الحنفية، فباستثناء القصاص، تقبل شهادة امرأتين ورجل واحد في الحالات السابقة.

وهناك إجماع لمذاهب أهل السنّة على عدم التساوي في القضايا المالية، لوجود نصّ قرآني صريح يؤكّد على شهادة امرأتين عدل لشهادة رجل واحد، وفي جميع الأحوال، تتقاطع هذه القضية مع بعض المواد في الاتفاقية كالمادة الأولى والبند «ز» من المادة الثانية.

 

3- 2 – 3- حقّ العمل

يشكّل هذا الموضوع بعداً آخر من أبعاد الحضور المجتمعي للمرأة المعاصرة، ويتصدّر أولوياتها لا لمزاياه الاقتصادية فحسب، إنّما للوجاهة والشأن الاجتماعي الذي يمثّله. عمل المرأة خارج المنزل مباح إذا اقترن بإذن الزوج وإلاّ فغير جائز بإجماع المذاهب الإسلامية. [33]

وفي الجانب الآخر، فإنّ العمل يعدّ واجباً وليس حقّاً للرجل فقط، نظراً لمسئوليته في تأمين الاحتياجات المادّية والمعاشية للأسرة والزوجة. من هذا المنطلق، يعتبر العمل في جميع الأحوال والظروف واجباً على الزوج لكي يؤدّي ما عليه من حقوق تجاه زوجته وأطفاله. وهي حلقة أخرى في سلسلة التمايزات التي تفترق فيها الشريعة الإسلامية عن الاتفاقية (عدا المادّة الأولى) في المواد 2(34)، 3(35)، 11(36).

يستشفّ من اتفاقيّة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والوثائق الملحقة بها مثل وثيقة بكين، أنّ حقّ العمل للمرأة هي القضية الأهم بل السبيل الوحيد لمحاربة فقر المرأة وتقليل تبعيتها للرجل والأسرة.

لا ننكر ما للفقر من آثار سلبية خطيرة على المرأة، من جملتها دفعها باتجاه الانحراف والرذيلة المتمثّلة في الدعارة والإدمان …. إلخ، لذا، لا خلاف في أنّ سدّ العوز المالي للمرأة يعتبر مطلباً دينياً وإنسانياً ملحاً، والدين الإسلامي لم يحل بين المرأة ودخولها عالم الاقتصاد، إذ بالإضافة إلى تأكيده على ملكية المرأة لأموالها(37)، دعا الرجل إلى تحمّل مسؤولياته في تأمين المرأة مادياً مراعاة لأوضاعها الخاصّة. في الحقيقة، لم يشأ الدين بالضرورة أن يجعل من المرأة كائناً محتاجاً، ففرض على الآخرين (الرجال) تأمين نفقاتها وأسرتها، ليكون بذلك قد وضع عنها عبئاً ثقيلاً، وتبعاً لهذا المنطق، يصبح موضوع عمل المرأة مسألة اختيارية محضة بشرط أن تتراسل مع سياقات الدين التي تنظم علاقات الأفراد ببعضهم على قاعدة تماسك أوصال الأسرة واستحكام بنيانها، ومن هذه السياقات مسألة التوافق بين الزوجين حول خروج المرأة من البيت باعتباره أحد متطلبات عمل المرأة في أغلب الحالات، ولا يعتبر إذن الزوج مقيّداً للمرأة إلا في حالات محدودة.

في عرف الثقافة السائدة، عادة ما يكون هنالك توافق ضمني بين الزوجين حول هذه المسألة، لكن في حال بروز اختلاف بين الطرفين استعصى على التشاور، في هذه الحالة على المرأة التي تؤثر حفظ كيان أسرتها أن تطوي عن هذه المسألة كشحاً وتكتفي بالعمل المنزلي.

إنّ لتشابك العلاقات الاجتماعية وتعقيداتها من التأثير في لاوعي المجتمعات بحيث رسّخت وللأسف قناعة ليس عند النساء فحسب بل عند الرجال أيضاً، مفادها أنّ عمل المرأة مسؤولية وواجب، الأمر الذي خلق اهتماماً في أيّامنا هذه بوجوب مشاركة المرأة في الإنفاق على الأسرة، فصيّر الأمر سلوكاً إجبارياً بعد ما كان مبادرة اختيارية. في هذا السياق، لوقارنّا موضوع عمل المرأة مع حاجة الأبناء الماسّة لأمّهم، فسنجدها مسؤولية تافهة لا تستحقّ الذكر.

ولعلّ الغرب بأفكاره النسوية قد تجاوز هذه المسألة بنحره العواطف الأسرية وإضعاف الوشائج بين الأبناء وأمهاتهم، كل ذلك تحت شعار توزيع مسؤولية الأمومة، لكن التباين في السلوك عند الأزواج والزوجات خاصة فيما يتعلّق بأبنائهنّ حقيقة ماثلة للعيان، لا يمكن القفز عليها. هذا التباين في مجال عمل المرأة ينطوي على أهمية كبيرة، حيث يعتقد علماء النفس بالطبيعة الإيثارية للمرأة والجوهر الأناني للرجل. فمن المعروف أنّ المرأة تنذر سعادتها وأحلامها لمن تحبّ، بينما تسيطر على الرجل النظرة النرجسية إذ يرى العالم من مرآته، وبذلك تنعكس هذه الخلفية السيكولوجية على أدائها في موقعها الاجتماعي فتسعى إلى خدمة أسرتها وأبنائها من خلال ذلك الموقع دون أن يكلفها بذلك أحد، في حين أنّ الإنفاق مسؤولية الرجل وحده، وعليه فإنّ أول المتضرّرين من عمل المرأة هي المرأة نفسها(38).

لعلّ سطوع حقيقة الدين وحكمة تعاليمه في التمايز بين الرجل والمرأة يجعلنا نتمنى على جميع البرامج الاجتماعية التي تعالج اقتصاد الأسرة، لو تحذف من قاموسها موضوع عمل المرأة وتعيد لها بقية حقوقها، وتشجع الرجل في المقابل على تحمّل مسئوليته في الإنفاق على أسرته.

 

ب- الاتفاقية في ميزان القوانين الإيرانية: مقارنة وتحليل

المادة الأولى: تتضمّن هذه المادّة تعريفاً لمصطلح التمييز والدعوة إلى القضاء على جميع أشكال التمايزات والقيود المفروضة على النساء على أساس من التصنيف الجنسوي، ويكون من آثاره أوأغراضه توهين أوإحباط الإعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية، أوفي أي ميدان آخر.

تأسيساً على ذلك، فإنّ هذه المادّة تنتفض ضمنياً على جميع التمايزات الموجودة في القوانين لصالح أحد الجنسين، حتى تلك التي تنطوي على حماية خاصة للمرأة في الحياة الزوجية (لأنّها في النهاية تصبّ في صالح الجنوسة من وجهة نظر الاتفاقية).(39)

يبدو أنّ منظّمي اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة قد انتبهوا إلى حدّ ما لهذه المفارقة، فبادروا إلى تصحيحها بقولهم في البند الثاني من المادّة الرابعة «لا يعتبر اتخاذ الدول الأطراف تدابير خاصة تستهدف حماية الامومة، بما في ذلك تلك التدابير الواردة في هذه الأتفاقية، إجراءً تمييزياً».

ومن هذا المنظور، فإنّ التمايز الوحيد بين الذكر والأنثى المبرّر بيولوجياً والذي تضمّنه خطاب المدافعين الغربيين عن حقوق المرأة هو دورها في الإنجاب، لذلك، فقد ألزموا أنفسهم قانونياً بمقدار هذه المساحة الضيّقة من التمايز.

في حين أنّ الإسلام يرفض مفهوم التمايز الذي ورد في الاتفاقية ويرفض كذلك المساحة الضيّقة القانونية تلك.

المادّة الثانية: ممّا ورد في هذه المادّة:

1-   تطالب هذه المادّة في البند (أ) منها، الدول الأطراف بـ: «إدماج مبدأ المساواة (التماثل) بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية أوتشريعاتها المناسبة الأخرى، إذا لم يكن هذا المبدأ قد أدمج فيها حتى الآن، وكفالة التحقيق العملي لهذا المبدأ من خلال التشريع وغيره من الوسائل المناسبة»، ما يعني بداهة تعارض هذا المبدأ مع جميع حالات التمايز بين الجنسين الواردة في قوانينا.

2-   اتّخاذ المناسب من التدابير، تشريعية وغير تشريعية، بما في ذلك ما يناسب من جزاءات، لحظر كل ما يتعارض مع مبدأ المساواة (التماثل)»، وهو بمثابة إعلان حرب على المتشرّعين وفقهاء الدين.

3-   إلغاء جميع الأحكام الجزائية الوطنية التي تشكل تمييزاً ضد المرأة»، كما ورد في البند (ز) من هذه المادّة، الذي يتعارض مع المواد 209، 300، 301 من قانون العقوبات الإسلامي الإيراني، باب الشهادة، والمادّة 220 حول عدم الاقتصاص من الأب أو الجدّ للأب جراء قتل الابن أو الحفيد (وعدم شمول الأم بهذا الحكم).

انطلاقاً من نظرة التماثل التي تحملها هذه الاتفاقية، فهي تطالب بوضع قانوني متماثل لكل من الصبي والبنت في حال ارتكابهما لجرم ما، ولما كان شرط البلوغ أحد الأركان اللازمة لإثبات العمل الجرمي(40) من الناحية القانونية، لذلك نلاحظ بوضوح تعارضها مع القوانين الإسلامية التي تستبق بلوغ البنت ستّ سنوات قبل بلوغ الصبي، وهو في نظر الاتفاقية إجحافاً بحقّ البنت، لذلك قامت اتّفاقية حقوق الطفل بتحديد سنّ الثامنة عشرة كسنّ موحّدة للبلوغ عند كلا الجنسين.

والخلاصة، إنّ المادّة 49 من قانون العقوبات الإسلامي تتعارض مع البند (ز) من المادّة الثانية من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة. هذا بالإضافة إلى حالات تعارض أخرى نتجاوزها هنا لضيق المجال.

 

المادّة الثالثة:

«تتخذ الدول الأطراف في جميع الميادين، ولا سيّما الميادين السياسية والإجتماعية والأقتصادية والثقافية، كل التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منها، لكفالة تطوّر المرأة وتقدّمها الكاملين، وذلك لتضمن لها ممارسة حقوق الإنسان والحريات الأساسية والتمتّع بها على أساس المساواة مع الرجل».

الإشكالية التي تنطوي عليها هذه المادّة تتمثّل في مصطلح المساواة التامّة والتي تكرّرت في أكثر من موضع، والمقصود بها إلغاء تأثيرات الجنوسة وافرازاتها نهائياً أثناء وضع البرامج والاستراتيجيات والتشريعات، فهي أي الاتفاقية تعتبر تباين المعايير – وهي معايير إسلامية في جوهرها تطبع الدستور وسائر القوانين في بلادنا – التي تحكم حضور المرأة والرجل في المجالات أعلاه تمييزاً صارخاً. فمثلاً، إذا اتّشح الحضور المجتمعي للمرأة في نطاق العمل بالحجاب، فهو يعدّ تمييزاً من وجهة نظر الاتفاقية.

كذلك الحال بالنسبة للمادّة الثالثة من الاتفاقية التي تناقض قوانين العمل الإيرانية، خاصة القانون الصادر عن الهيئة العليا للثورة الثقافية في 14 تموز/ يوليو من عام 1992 الذي ينصّ على وجوب عدم تعارض عمل المرأة مع وظائف الأمومة، ووجه التعارض كما ترى الاتفاقية هو عدم سريان هذا الشرط على عمل الرجل، وكذلك تعارضها مع المادّة الأولى من نفس الاتفاقية.

المادّة الخامسة: وتتضمّن بندين:

1-  تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة.

2-   كفالة تضمين التربية العائلية فهماً سليماً للأمومة بوصفها وظيفة اجتماعية، والأعتراف بكون تنشئة الأطفال وتربيتهم مسؤولية مشتركة بين الأبوين.

لا يتعارض البند الثاني هذا مع تشريعاتنا لأن مصطلح التربية ورد تحت عنوان الحضانة في المادّة 1168 من القانون المدني كما يلي: «حضانة الأطفال حق ومسؤولية مشتركة على عاتق الوالدين». ولنا في سيرة أهل بيت(ع) نماذج رائعة من توزيع الأدوار والمسؤولية فيما يتعلّق بالأطفال، ولكن مع ذلك فإنّ المادّة 1169 من القانون المدني لا تعطي أدواراً متساوية في هذه المسؤولية بعد الطلاق: «للأمّ حقّ حضانة طفلها حتى يبلغ السنتين من عمره، لتنتقل الحضانة بعد ذلك إلى الأب، عدا الأنثى التي تستمرّ حضانة الأمّ لها حتى تبلغ سبع سنوات من عمرها»(41).

يستند هذا القانون إلى المشهور من آراء فقهاء الشيعة، وإن كان بالإمكان استنباط ما يخالف هذا المشهور بالاستناد إلى النصوص الدينية واتّباع أنماط اجتهادية فقهية خاصّة. وهناك من يرى تعارض هذه المادّة القانونية مع الاتفاقية، إذ إنّها بالرغم من توزيعها للمسؤوليات، إلا أنّها في الوقت ذاته لا تضع حقوق الطفل ومصالحه كاعتبار أساسي في جميع الحالات(42)، كأن يفصل الطفل عن أمّه في وقت هو بأمسّ الحاجة إلى حنانها، على الرغم من أنّ ذيل البند الثاني من المادّة الخامسة حول توزيع المسؤولية، تضمّنت عبارة «على أن يكون مفهوماً أن مصلحة الأطفال هى الإعتبار الأساسى في جميع الحالات»، فأين هذا من مصالح الطفل؟

المادّة السابعة:

البند (ب) هو عقدة هذه المادّة، وينصّ على: «تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في الحياة السياسية والعامة للبلد وفي شغل الوظائف العامة على جميع المستويات الحكومية». المادّة 109 من الفصل الثامن من الدستور الإيراني تعرضت لشروط القائد وصفاته، ولا تحوي هذه الشروط حصراً للقيادة في الرجل، لكن هذا الحصر مستنبط من تسالم الفقهاء والمشرّعين.

وكانت المادّة المذكورة قبل تعديلها في عام 1989 تشترط فيما تشترطه «الأهلية العلمية والتقوى للإفتاء والمرجعية»، ومعلوم أنّ الفقه الشيعي يحصر المرجعية في الرجل دون المرأة، لذا يفهم من هذه الكلمة ضمنياً حصر القيادة في الرجال، لكن في الصيغة المعدّلة لهذه المادة حذفت هذه الكلمة وأصبحت العبارة على النحو التالي: «الأهلية العلمية للإفتاء في مختلف أبواب الفقه» وهي كما يلاحظ غير بعيدة عن النساء.

لكن، وبشكل عام – كما تمّت الإشارة – يعتبر شرط الذكورة للقيادة بمثابة شرطاً مفروغاً منه في القانون، وتدعمه المادّة 20 التي تؤيّد الحقوق السياسية للمرأة، شرط عدم منافاتها للتشريعات الإسلامية، والقيادة من المسؤوليات التي وضعت مسئوليتها عن كاهل المرأة. [43]

وننزل عن هذه المرتبة لنتناول مواصفات رئيس الجمهورية كما وردت في المادّة 115 من الفصل التاسع من الدستور، حيث يجب أن يكون من الشخصيات الدينية والسياسية ومتوافراً على الشروط الواردة في ذيل المادّة.

إذا توقّفنا عند ظاهر هذه المواد واعتبرنا كلمة «الشخصيات» المذكورة لا تشمل النساء (أي إفراغها من محتواها الجنسوي كما هو الحال في العديد من الكلمات التي يقصد بها الجنسين كما في كلمة الناس مثلاً) فهذه المادّة أيضاً تتعارض مع البند (أ) و(ب) من المادّة السابعة من الاتفاقية.

بالإضافة إلى ما سبق، فإنّ المادّة السابعة الخاصة بمكافحة التمييز تشمل كذلك مسألة تولّي القضاء، كموقع من مواقع الإدارة والمسؤولية الحكومية، بينما قانون شروط تعيين قضاة المحاكم الصادر في 1983 والمتضمّن لمادّة واحدة، ينصّ على تعيين القضاة من بين الرجال فقط. نفس الشيء ورد في الدستور الإيراني في المادّة 163 حيث ينيط بالقانون مهمّة تحديد مواصفات القاضي حسب الضوابط الفقهية، واستناداً إلى المشهور من هذه الضوابط فإنّ كرسي القضاء مخصّص للرجال حصرياً وتكليفه مرفوع عن النساء.

لابدّ من القول هنا، بأنّ عاطفية المرأة لا تعدّ مثلبة كما كان متصوّراً أو سدّاً أمام التطوّر، إنّما تشكّل جانباً من مواهبها الراقية إذا ما وضعت في مكانها الصحيح، وبالتالي فهي عنصر قوة ووسيلة للتقدّم، وفي إطار هذا الفهم، يحتاج القضاء أكثر ما يحتاج إلى أسباب التعقّل والتدبير البعيدة عن تأثيرات أجواء العاطفة والأحاسيس التي تفتّ في عضد القاضي رجلاً كان أم امرأة. من هنا، فإنّ ممارسة القضاء هي مهمّة الرجل ولكن ليس أيّ رجل، فهو منصب جدّ خطير تتنازع القاضي فيه مختلف الانفعالات، رحمة كانت أم غضباً، فتحيد به عن جادة الحقّ والصواب، ومعلوم أنّ المرأة أكثر عرضة لهذا الخطر من الرجل.

ولا يسعنا هنا إلا التأكيد على أنّ سلب المرأة خصوصياتها لن يخدم مصالحها بأيّ حال وهو عمل لا طائل من ورائه، كما أنّ الإصرار على تدريب المرأة لتتولى أمر القضاء يعني العمل بالضدّ من طبيعتها الفطرية، بالإضافة إلى أنّه يتعارض تماماً مع التعقّل والتدبير الذي يحاكي الطبيعة.

لا يظنّن أحد أنّنا بهذا الكلام نروم إلى إنكار العقلانية عن المرأة والمشاعر عن الرجل، بل هي طبيعة الحياة التي جبلت الرجل على ضبط النفس في لحظات الفورة والغضب، ومنحته قدرة على التسامي على مشاعر الانفعال، لكنّها في نفس الوقت سلبته مزية توظيف المشاعر والعواطف في تعاطيه مع الآخرين، وقد وردت أحاديث متواترة وجامعة في باب صفات القاضي وشروطه أهمها لجم هواه والسيطرة على عواطفه.

إناطة مهمّة القضاء بمن هو دون الفقيه ليكون مندوباً عنه (عن الفقيه) في التصدّي لهذه المسؤولية الخطيرة مسألة تحكمها الضرورات الاجتماعية فقط بحسب الفقه الشيعي، ذلك أنّ على الفقهاء واجباً كفائياً في عدم إخلاء هذا الموقع، لأنّ سنّة الحياة قائمة على المنازعات والتخاصم، ولنا أن نتصوّر حجم الشرخ الكبير الذي يتركه الاحتكاك اليومي مع المجرمين وبائعي الذمم ومشاهد الأسر المفككة على نفسية المرأة القاضية وأدائها في المحيط الأسري، وكذلك معايشتها لمختلف الدعاوي في المحاكم، لكل هذا ارتأى الشارع المقدس وضع هذا التكليف عن المرأة.

المادة التاسعة:

تعنى هذه المادّة بموضوع الجنسية والمواطنة(44)، حيث تحثّ الدول الأطراف منح المرأة حقوقا مساوية لحقوق الرجل في اكتساب جنسيتها أوتغييرها أوالاحتفاظ بها وضمان ألاّ يترتّب على الزواج من أجنبى، أوعلى تغيير الزوج لجنسيته أثناء الزواج، أن تتغير تلقائياً جنسية الزوجة، أوأن تصبح بلا جنسية، أوأن تفرض عليها جنسية الزوج، وكذلك إعطاؤها حقاً مساوياً لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالهما.

يتنافى البندان المذكوران مع القانون، ذلك أنّ المواد من 976 إلى 991 من الكتاب الثاني من القانون المدني يعالج قضايا المواطنة والجنسية بشكل رئيسي، وإن كان هذا البحث قد ورد أيضاً في مواطن متفرقة من القانون.

إنّ موضوع الجنسية لا يلامس فرعاً فقهياً بعينه لعدم وجود نصّ يعالج حيثياته، لذلك ستكون زاوية نظرنا للموضوع هذه المرّة قانونية.

للوهلة الأولى يجب القول بأنّ المشرّع لم يتعاط مع موضوع جنسية الزوجين أو جنسية الوالدين والأبناء من منظور تماثلي، كما أنّ قوانين الجنسية لم تجعل الزوجة (الأجنبية المتزوجة من إيراني أو الإيرانية المتزوجة من رجل أجنبي) تابعة لزوجها بشكل مطلق، بل احتفظت لها أحياناً بمساحة معينة من الاستقلال، على سبيل المثال، تنصّ المادة 987 من القانون المدني الإيراني على: «بقاء الإيرانية المتزوجة من أجنبي على جنسيتها الأصلية ما لم تجبرها قوانين بلد الزوج على التجنّس بجنسية زوجها حال نفاذ عقد الزواج» وحتى في هذه الحالة، تستطيع الزوجة في حال وفاة زوجها أو طلاقها منه تقديم طلب إلى وزارة الخارجية مرفق بشهادة وفاة الزوج أو قسيمة الطلاق لاستعادة جنسيتها الأصلية ومعها جميع حقوقها وامتيازاتها المتعلقة بها.

وهناك حالة أخرى يمكن أن تنتقل فيها جنسية الأم المتزوّجة من أجنبي إلى ابنها إذا توافرت بعض الشروط، وهي أن يكمل الثامنة عشرة من عمره، وأن يكون مقيماً في إيران لمدّة عام واحد على الأقل، عند ذلك يمنح الجنسية الإيرانية (تبعاً لجنسية والدته).

إلى جانب حالات أخرى في القانون المدني الإيراني تغلّب فيها جنسية الزوج على زوجته أو الأب على الأم ومن ثمّ تنتقل إلى الأبناء، وفي هذا تعارض للقانون مع البندين الواردين في المادة السابعة من الاتفاقية، على سبيل المثال، نذكر هنا أنّ البند السادس من المادة 976 من القانون المدني يشير إلى أنّ الأجنبية تتجنّس بالجنسية الإيرانية بمجرّد زواجها من إيراني: «أي اجنبية تتزوّج من إيراني».

من هنا، نرى بأنّ قانون الجنسية لا يساوي بين الرجل والمرأة، لذا فهو يتخالف مع البند الأول من المادّة السابعة. كما أنّ المادّة 964 من القانون المدني الخاص بالأحوال الشخصية تنصّ على: «إذا لم يكن الزوجان مواطنين فإنّ معاملاتهما الشخصية والمالية تتبع قوانين بلد الزوج».

إذن، في حال بروز خلاف بين الزوجين أو وفاة أحدهما فإنّ بلد الزوج يكون هو المرجعية القانونية للفصل في القضايا المعلّقة بينهما، وهذا يظهر عدم تساوي الرجل والمرأة أمام القوانين الإيرانية.

نفس الشيء ينطبق على الأبناء حيث تنصّ المادّة 964 من نفس الباب على: «العلاقات بين الوالدين والأبناء تتبع قوانين بلد الزوج»، وهذا يعني أنّ العلاقات الشخصية التي تربط الوالدين بأبنائهما من قبيل الحضانة، الإرث …إلخ تحكمها قوانين بلد الأب أي الزوج، وهو ما يتعارض مع البند الثاني من المادّة السابعة.

كما مرّ في هذه الورقة، لا يمكن الاستدلال فقهياً في موضوع الجنسية، لكن لا شك في أنّ الشريعة ترفض النظرة التماثلية المنادية بحقوق متساوية للزوجين والتي تهدّد وحدة الأسرة وتآلفها، وفي هذا تفسير لإحجام المشرّع الإيراني عن تبنّي مفهوم المساواة في هذا الموضوع، وعلّة ذلك هو أنّه إذا أتيح للزوجين اختيار الجنسية بصورة مستقلة عن بعضهما، في ظلّ منظومة قانونية دولية كهذه الاتفاقية مثلاً وموافقة جميع الدول، فإنّ تفكك الأسرة سيقع لا محالة لمجرّد اختلاف الزوجين، وحينذاك لن تستطيع الدول من الناحية القانونية الوقوف إلى جانب أحد الزوجين في مطالبته بالإبقاء على الأسرة.

من جانب آخر، إذا اعتبرنا تهيئة السكن من مسؤوليات الزوج كما تنصّ على ذلك الأحكام الفقهية، ففي هذه الحالة يكون اختيار الوطن أيضاً بيده، وإن كان من حقّ الزوجة كما هو وارد في التشريعات الفقهية أن تشترط في العقد اختيارها للسكن والوطن، شرط عدم إخلاله بمبدأ الزوجية وحقوقها.

المادّة العاشرة:

وتتلخص في أن تكفل التشريعات للمرأة حقوقاً مساوية لحقوق الرجل في ميدان التربية والتعليم.

من خلال نظرة مجتزئة لهذه المادّة، يبرز البند (ج) منها كنقطة خلافية مع القوانين المحلية، حيث ينصّ هذا البند على: «القضاء على أي مفهوم نمطي عن دور المرأة ودور الرجل في جميع مراحل التعليم بجميع أشكاله» ويقترح آليات عدّة في مقدمّتها تشجيع التعليم المختلط وغيره من أنواع التعليم التي تساعد في تحقيق هذا الهدف، لا سيّما عن طريق تنقيح كتب الدراسة والبرامج المدرسية وتكييف استراتيجيات أساليب التعليم …إلخ، للوصول إلى الهدف المنشود ألا وهو إلغاء الخطاب الجنسوي من العملية التربوية.

على الرغم من انتشار التعليم المختلط في بعض المراحل الدراسية كالمرحلة الجامعية وكذلك في بعض المناطق الريفية والعشائرية، لكن هذا لا يعتبر بمثابة مسوّغ شرعي لأنّ الأصل هو في عدم الاختلاط، أمّا إذا برز التعليم المختلط كخيار حتمي فيجب في هذه الحالة تأطيره بالضوابط الإسلامية.

تنظر الاتفاقية إلى مسألة الاختلاط كهدف استراتيجي، ما يجعلها في مواجهة مع المواد 4، 20، 21 من الدستور الإيراني. تفتح هذه المواد الطريق أمام الجنسين وبالتساوي للتمتّع بالحقوق الثقافية وفرص الارتقاء والتطور شرط التزام حدود الشرع. ونفس الشيء بالنسبة للمادّتين 3، 30 اللترين تلزمان الدولة بإتاحة التعليم للجميع مجاناً حتى المرحلة المتوسطة، والتعليم العالي بمقدار حاجة البلاد ولكن شرط الالتزام بالضوابط الإسلامية.

كانت هذه نظرة مجتزئة للموضوع، أمّا إذا نظرنا إليه من زاوية أوسع وأشمل فستكون النتيجة مغايرة بعض الشيء. من المعلوم أنّ العملية التربوية تنهض بدور حيوي في تطور الأمم والشعوب أو تخلّفها، كما أن تعاطي الأفراد مع هذه العملية (بدءاً برياض الأطفال حتى الدراسات الجامعية) يعتبر عاملاً حاسماً في صيرورة الثقافات، بالإضافة إلى أنّ التعليم هو بمثابة نافذة يطلّ منها الأفراد على آفاق العمل والحضور المجتمعي، ليشكلوا الكوادر العلمية التي ستتصدّى للمواقع الرسمية وغير الرسمية في الدولة، وهذا يعني تلمّس آثار العملية التربوية في حياة الفرد والمجتمع وفي أهمّ مفاصل الحياة الاقتصادية والثقافية والسياسية، ومحصلة القول، إنّ أيّ سياسة أو برنامج يخصّ التربية والتعليم سينعكس صداه في جميع زوايا المجتمع.

الآن، إذا ما ألغينا الأدوار الجنسوية من النظام التعليمي وقمنا بعملية إقصاء لأدوار الأمومة والزوجية لصالح الشخصانية وتفعيل عوامل الفردانية في شخصية المرأة، بالإضافة إلى النأي بالصبيان والبنات عن الأدوار الجنسوية، فهل ستنسجم هذه الخطوات مع القوانين والتشريعات المحلية؟ بالتأكيد لا.

على الرغم من اعتراف كاتبة السطور بوجود نظرة مغالية في توزيع الأدوار، وسياسة واضحة لاستبعاد النساء حتى عن المراكز الواقعة ضمن دائرة الدين، إلاّ إنّها في المقابل ترى عدم جدوى الإيغال في التعليم المتساوي الهادف إلى توزيع الأدوار بالتساوي.

من المؤكّد أنّ بإمكان النظام التعليمي السليم البعيد عن التطرّف والثغرات شحذ مشاعر وعواطف البنات وتلقينهنّ سبل التوظيف الصحيح لها. كما أنّه بات من الضروري زرع القناعة في أعماق الأفراد بأنّ النزعات والسلوكيات السليمة عند الرجال والنساء ما هي إلاّ وسائط متعدّدة تنتهي إلى ذات الهدف.

ولهذا نرى بأنّ النتيجة الطبيعية لنظرة الشك والريبة التي تنظر بها الاتفاقية إلى التراث بصورة مطلقة، هي اعتبارها الأسرة وبالتحديد الدور الاستثنائي الذي تلعبه المرأة ضمن محيطها حالة نمطية بالية عفا عليها الزمن وتستدعي التجاهل، وبالتالي إفراغ هذه المؤسسة الحيوية من محتواها، أي على النقيض تماماً ممّا يصبو إليه الدستور الإيراني خصوصاً في مادّته العاشرة(45).

المادّة الحادية عشرة:

تتناول هذه المادّة بالتفصيل موضوع عمل المرأة والالتزامات المتعلقة بذلك، وهي تتمحور حول قضيتين أساسيتين: الأولى، السعي لتمكين المرأة من التمتّع بنفس فرص العمالة؛ والثانية، إعمال دعم خاص للمرأة ومنحها حالات تفضيلية، مراعاة لدورها الخاص في العملية الإنجابية.

تسليط الضوء على هذه المادّة مجتزئة لا يظهرها متعارضة مع قوانيننا، إذ إنّ القوانين المحلية ذات الصلة ببرامج العمل خاصة في مجالات الضمان الاجتماعي ودعم المرأة تتمحور جميعها حول الأسرة وحماية الأمومة، وهي إذن في تناغم تامّ مع الاتفاقية، ولكن إذا توسّعنا في نظرتنا، سنلمس خطاباً تماثلياً لا يتّفق وروح القوانين المحلية.

إنّ فضاء عمل المرأة يبدأ رحباً مباحاً(46)، لكن هذه الرحبة تضيق أحياناً لأسباب معينة فيخرج العمل من دائرة الإباحة، كأن يصطدم (كماً أو نوعاً) بالحقوق الزوجية للرجل، أو يتقاطع مع مصالح الأسرة، وفي هذه الأحوال سيفقد غطاءه الشرعي(47)، وهو ما ينطق به البندان (ب) و(ج) من الاتفاقية في المطالبة بحقّ التمتّع بفرص عمالة متساوية وحق اختيار المهنة ونوع العمل، ما يجعلهما في تعارض مع القوانين المحلية، ناهيك عن أنّ المادّة المذكورة لم تنظر إلى الأسرة كوحدة واحدة، بل ركّزت اهتمامها على المرأة مجرّدة وبمعزل عن موقعها في الأسرة، عندما أعلنت حمايتها للأم الحامل والمرضعة في البندين (أ) و(ب) من ذيل القسم الثاني من هذه المادّة، وكأنّها تريد بالدرجة الأساس ضمان عدم إغماط حق المرأة في العمل بسبب الحمل أو الرضاعة ولا أهمية بعد ذلك للأسرة. لا بل إنّ البند (ج) من القسم الثاني من هذه المادّة، يطالب بتقديم خدمات للوالدين يمكّنهما من الجمع بين مسؤوليات العمل والمشاركة في الحياة العامة وبين التزاماتهم العائلية، لاسيّما عن طريق تشجيع إنشاء وتنمية شبكة من مرافق رعاية الأطفال، أي إنّ هذا البند اعتبر العمل هو الأصل والأسرة هي الفرع، وليس العكس، ولا يمكن لهكذا خطاب أن يحظى برعاية الإسلام وتأييده لأنّه وكما هو واضح، خطاب تماثلي يضع نفسه في تقابل مع القوانين الإسلامية التي تؤكّد على صيانة الأسرة وحفظ كيانها.

جدير بالذكر، أنّ ثمّة مدافعين عن الاتفاقية داخل البلاد يأخذون على مسألة تقديم مصالح الأسرة والكثير من قوانين الحماية والضمان الاجتماعي على مصالح الأم، معتبرين ذلك من موانع الشراكة الاجتماعية والأمن الوظيفي للمرأة. ومن البديهي أنّ هذا الموضوع يحتاج إلى دراسات مستفيضة من قبل المشرّعين والحقوقيين والمفكرين الدينيين ليتوصلوا في أجواء حوارية مثالية إلى الحل المتوازن والعقلاني. ولا يخفى أنّ التعاطي المتشدّد الخاطئ والبعيد عن روح الدين مع قضية عمل المرأة خاصة من جانب أصحاب العمل هو الذي يدفع إلى شيوع الرؤى التماثلية على الصعيد المحلي، والمنتقدة للقوانين السائدة بالأخصّ تلك التي تدعم المؤسسة الأسرية(48).

المادّة الثالثة عشرة:

هنالك تعارض حقوقي بسيط بين القوانين المحلية كقانون الخدمة العامة وقانون الخدمة والتقاعد لبلدية طهران وبين اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، حيث نحيل القارئ الكريم إلى المصادر القانونية ذات الصلة للاستزادة في هذا الموضوع(49).

أمّا بالنسبة للبند (ج) من هذه المادّة الذي يتناول موضوع مشاركة المرأة في جميع النشاطات الترفيهية والرياضية، وحقّ الدخول في جميع المرافق الثقافية على أساس المساواة بين الرجل والمرأة، فلنا عليه عدّة ملاحظات:

نظنّ أن هناك حاجة للتأكيد على أنّ المساواة التامّة في هذا المجال تتعارض مع بعض مواد الدستور الإيراني التي تضع النشاط الثقافي للمرأة في إطار الضوابط الإسلامية، نذكر مثلاً الشراكة المتساوية للرجال والنساء في بعض الأنشطة الرياضية كالملاكمة والمصارعة والسباحة التي تجرّ كلها إلى الفعل الحرام من خلال النظر إلى غير المحارم. نقول إنّ هذه الأنشطة أمر غير ممكن بالنسبة للمرأة، لأنها تتعارض مع بعض المواد القانونية مثل المواد 4، 20، 21.(50)

المادّة الخامسة عشرة:

تلزم هذه المادّة عبر بنودها الأربعة الدول الأطراف منح المرأة أهلية قانونية مماثلة لأهلية الرجل في الشؤون المدنية والنظام القضائي، وحقوقاً مساوية لحقوق الرجل في إبرام العقود التجارية … إلخ. ومن نافلة القول، إنّ الدستور الإيراني يكفل تمتّع جميع أفراد الشعب بالحماية القانونية: «جميع أفراد الشعب نساءً ورجالاً هم سواسية أمام القانون …».(51) كما أنّ تحقيق العدالة هو حقّ طبيعي لكل فرد: «العدالة حق طبيعي لكل فرد، ويمكن لكلّ تحقيقها لنفسه عن طريق المحاكم المختصة».(52) وفي حالات معينة تكون ملكية الأفراد (نساءً ورجالاً) وتحقيقها مكفولة حيث جاء في الدستور: «الأفراد مسلّطون على أموالهم التي جنوها عن طريق الأعمال الشريفة، وليس لأحد أن يسلب الآخرين حقّ التكسّب والعمل بحجّة ملكيته لعمله».(53)

بالنسبة للقوانين المدنية، هي الأخرى لا تتضمن أي تمييز جنسوي فيما يتعلق بالمعاملات التجارية حيث نصّت على: «من شروط المعاملة أن يكون المتعاملون عاقلين وبالغين»(54)، من هذا المنطلق، فإنّ حقوق المرأة في القضايا أعلاه مكفولة قانونياً.

تسود المادّة الرابعة من الدستور الإيراني على سائر القوانين واللوائح، وتنصّ على: «جميع القوانين واللوائح المدنية والجزائية والمالية والاقتصادية والإدارية والثقافية والعسكرية والسياسية وغيرها، يجب أن تخضع للضوابط والمقررات الإسلامية. وهذه المادّة مقدّمة على جميع مواد الدستور والقوانين واللوائح الأخرى» في ضوء ذلك، أينما تقرّر حقّ للمرأة في الاتفاقية ينطوي على تماثل بين الجنسين من منظور الإسلام، يعتبر لاغٍ من الناحية القانونية.

مضافاً إلى ما تقدّم، هناك بعض التمايزات في القوانين المدنية بين الرجل والمرأة تضاف إلى الحالات الأخرى التي تتعارض مع الاتفاقية سنشير إليها عند تناولنا لأوجه التعارض الموجودة في المادّة السادسة عشرة من الاتفاقية.

النقطة الأخرى الواردة في المادّة الخامسة عشرة، هي منحها نفس الحقوق للرجل والمرأة فيما يتعلق بالتشريع المتصل بحركة الأشخاص وحرية اختيار محل سكناهم وإقامتهم.

لا تعترف القوانين الإيرانية في جميع الأحوال بهذه الحقوق للنساء على سبيل المثال، ينصّ قانون السفر الصادر في نيسان/ أبريل من عام 1972 على: «خروج الزوجة من البلاد مناط بإذن تحريري من الزوج، وخروج البنت دون الثامنة عشرة سنة من البلاد مناط بإذن من وليّ الأمر (الأب أو الجدّ للأب)».(55)

وحول إقامة الزوجة جاء في القانون المدني أيضاً: «محل إقامة الزوجة هو نفسه محل إقامة الزوج»، طبعاً مع بعض الاستثناءات، لكن بشكل عام، هناك قيود على المرأة لا تشمل الرجل فيما يتعلق بالحركة والسفر والسكن، وبذلك تضيف هذه القوانين حالة تعارض أخرى مع الاتفاقية.

المادّة السادسة عشرة:

تتحدّث هذه المادّة بإسهاب عن القضايا المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية، وهي تحثّ الدول الأطراف اتّخاذ التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية، وتشكيل الأسرة ومستلزمات بقائها. إنّ ولوج هذا الموضوع بشكل دقيق وواف سيأخذ وقتاً وجهداً، لذلك سنتعرّض إلى رؤوس الموضوعات التي تتعارض مع القوانين المحلية:

البند (أ): يمنح هذا البند نفس الحق في عقد الزواج للرجل والمرأة، وهو يتمايز عن قوانيننا في مواضع عدّة، منها ممنوعية خطبة المرأة أو زواجها في مقاطع زمنية معيّنة مثل أيّام العدّة(56).

البند (ب): يعطي نفس الحق في حرية اختيار الزوج، وفي عدم عقد الزواج إلا برضاها الحر الكامل، وليس هناك أي دور لسواهما، بينما القوانين المحلية تضيف إلى شرط رضا الزوجين إذن ولي الأمر (الأب أو الجدّ للأب) وذلك في حال البنت الباكرة(57).

البند (ج): يطالب نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه، وفي هذا مخالفة صريحة لبعض مواد القانون المدني الذي ينصّ على تكفّل الزوج بمسؤولية الإنفاق على الأسرة في حالة الزواج الدائم(58)، ويكون الطلاق بيد الرجل أيضاً(59)، إلا في ظروف خاصة، كأن تشترط الزوجة في العقد وكالة زوجها في الطلاق، أوفي حال توفرت شروط الطلاق القضائي، فيقوم الحاكم في هذه الحالة بالتطليق.

البند (د): يدعو إلى نفس الحقوق والمسؤوليات بوصفهما أبوين، بغض النظر عن حالتهما الزوجية، في الأمور المتعلقة بأطفالهما، لكنّ المعلوم أنّه في بعض الأحيان تتسع دائرة مسؤولية الأب مقارنة بالأم فيحتفظ لنفسه بحقّ أكبر بالتدخل في شؤون أبنائه، طبعاً في جميع الأحوال، يكون لمصلحة الأطفال الإعتبار الأول، مثل ولاية الأب على الطفل الصغير والسفيه والمجنون في المسائل المالية والزواج(60)، أو بالنسبة لتوزيع مسؤولية حضانة الأطفال بين الأبوين (بحيث تتولى الأم حضانة طفلها الذكر حتى يبلغ عامين من عمره(61)، وحضانة بنتها حتى تبلغ 7 سنوات) ولا مسؤولية على الأم بالنسبة لنفقات الأبناء.(62)

البند (و): هو شرح تفصيلي للحقوق المذكورة آنفاً لذلك لا حاجة بنا إلى تكرار ما قلنا، ويبقى أنّ القانون أناط بالأزواج أيضاً مسؤولية القوامة(63)، وبذلك تضاف نقطة خلاف أخرى مع الاتفاقية.

لا يفوتنا أن نذكّر بأنّ البند (و) قد طرح مسألة تبنّي الأطفال وهي غير واردة في قوانيننا بحسب المفهوم الغربي للتبنّي، إنّما هناك مسألة حضانة الأطفال الذين ليس لهم قيّم حيث يمكن للأفراد رجالاً ونساءً أن يقوموا برعايتهم وذلك ضمن ضوابط قانونية معينة، وفي حالة الطفل الرضيع يمكن للمرأة أن تتبنّاه بالرضاعة، فتترتّب على ذلك جميع الحقوق والتبعات الخاصة بالرضاعة كما ورد في المصادر الفقهية.

البند (ز) يطرح مفهوم الحقوق الشخصية المتساوية للزوجين، ومن هذه الحقوق حق العمل. لم يمنع القانون المدني الإيراني المرأة حقّها في العمل، لكنّه أجاز للزوج منع زوجته من المهنة أو العمل الذي يؤثّر سلباً على مصالح الأسرة أو على شأن الزوجة أو الزوج(64).

الفقرة الثانية من هذه المادة، لا تعترف بأي آثار قانونية تترتّب على خطوبة الطفل أوزواجه، وذلك يتعارض مع القانون المدني في نقطتين: الأولى، إن مقصود الاتفاقية من الطفل هو الذي لم يبلغ بعد الثامنة عشرة سنة (بحسب اتفاقية حقوق الطفل) ما يعني أنّ زواج البنت دون 18 سنة البالغة ممنوع.(65) من منظور الشريعة الإسلامية، لا مانع من زواج الطفل إذا كان بإذن وليّ أمره وكان في ذلك مصلحة للطفل(66)، وهذا يعني أنّ زواج الصبيان والبنات وفق هذا المفهوم ليس له سنّ محدّدة. ومعلوم أنّ اشتراط مصلحة الطفل كشرط لصحة العقد هو لجهة منع أي تعسّف من قبل ولي الأمر، لذا لا يعتبر هذا القانون، بأي حال، بمثابة ضوء أخضر للزواج القسري، والدليل على قولنا هو أنّه في حال ثبوت انعدام أي مصلحة للطفل في هذا الزواج، يمنع قانوناً(67).

نقلاً عن موقع معهد الرسول الأكرم(ص) – مجلة الحياة الطيبة العدد الثامن عشر

الهوامش:

[1] . هذه المقالة اقتطعت من كتاب للمؤلفة  بنفس الاسم.

[2] . يقول عزّ من قائل: «وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزّل إليهم»، (سورة النحل، آية 16)، أجمع المفسّرون على أنّ الرسول(ص) بحسب هذه الآية الكريمة قد قام بشرح القواعد والمفاهيم العامة الواردة في القرآن وتشريعها, ومن ثمّ مطابقتها على الحالات التفصيلية.

[3] . معاهدة حقوق الطفل.

[4] . «لا يكون لخطوبة الطفل أوزواجه أي أثر قانوني، وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية بما في ذلك التشريعي منها، لتحديد سن أدنى للزواج ولجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي امراً إلزامياً». اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، المادة 16 فما بعد. يشار إلى أنّ المذاهب الإسلامية لم تحدّد سنّ معينة للزواج، وإنّ زواج الصبي والبنت غير البالغين يكون بإذن وليّهما، ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار مصلحة المولّى عليه، وإلا يعتبر الزواج باطلاً. من هنا فإنّ ما يزعم بأنّ زواج غير البالغ ليس فيه مصلحة له، لا يصدق هنا، لأنّ المهم هوأنّ المذاهب الإسلامية كافة تجمع على وجوب توفّر شرط الرضا، وبالتالي بطلان الزواج القسري، سواء أكان الفرد بالغاً أولم يكن.

[5] . شمس الدين سرخسي« كتاب المبسوط»، ج 3، ص 161، و«الفقه على المذاهب الأربعة»، ج 2، ص 350- 352.

[6] . سورة الأحزاب، آية 33.

[7] . أحمد بن حنبل، المسند، ج 2، ص 362، 267، 199، صحيح البخاري، ج 10، لعن المتبرجات، ص 333، سنن أبي داوود، ص 4930، سنن الترمذي، ص 2785.

[8] . مهر انگيز كار، إلغاء التمييز ضد المرأة، ص 140. إنّ سياسة الكيل بمكيالين للقوى العظمى التي تحمل ظاهراً إنسانياً مدافعاً عن حقوق المرأة والأطفال تجعلنا نشكّ أكثر في الجهود القانونية التي تبذلها، على سبيل المثال، لمّا كان الاتجار بالأطفال ممنوعاً، نرى دولاً مثل هولندا تقوم بتخفيض سنّ الرشد القانونية من 18 إلى 12 سنة، وذلك لتقلل من القيود التي تحول دون هذه التجارة.

[9] . يقدّم الوين تافلر أرقاماً محبطة عن الأنماط الأسرية المعروفة قائلاً: «إذا اعتبرنا أن الأسرة النووية تتألف من الزوج العامل والزوجة ربة البيت وطفليهما، فكم يا ترى من الأمريكيين يحافظون على هذا النمط الأسري؟ الجواب هو7% فقط، وهوأمر مقلق بالفعل. حتى لووسّعنا من مفهومنا للأسرة ليشمل الأسرة التي يعمل فيها الزوجان، أوالتي تحتوي على أطفال أكثر أوأقل، مع ذلك سنجد أن ثلثي أوثلاثة أرباع الأمريكيين يعيشون خارج الإطار النووي للأسرة». ثم يتحدّث تافلر عن تزايد قوافل العزّاب الغارقين في حياة العزوبية الخالية من المسؤولية وبتشجيع من الدولة أوالمؤسسات غير الرسمية، ويضاف إليهم كذلك الأسر غير الشرعية، الأزواج بدون أطفال، الأسرة ذات قيّم واحد أومتعددة القوامة: «في الألفية الثالثة ستتعدد الأنماط الأسرية بحيث لن تقتصر على نمط واحد (لتلعب دور القدوة) بل سيصبح لدينا تعدّد في البنى الأسرية». الوين تافلر، الموجة الثالثة، ص 299.

[10] . انظر: اليزابث فاكس جلووف، المرأة ومستقبل الأسرة، مجلة كتاب المرأة، العدد 16، 17.

[11] . اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، المادة 16.

[12] . أحمد بن حنبل، المسند، ج1، ص 273، ج6، ص 328- 329، أبوداوود، السنن، كتاب النكاح، ص 24 – 25، وابن ماجة، السنن، كتاب النكاح، ص 12.

[13] . للتعرّف على آراء الفقهاء بشكل دقيق حول دور البنت والصبي وكذلك وليّ البنت في الزواج, يجب مراجعة المصادر الفقهية.

[14] . سورة النساء، آية 3.

[15] . انظر: مجلة سروش بانوان، سبتمبر 2002، حيث يقول راندولف فيسه: الذكورة هي العامل السكاني الأهم في الوفيات المبكرة، … فلواستطعنا تخفيض معدل الوفيات عند الرجال، ليتساوى مع ما هوعليه عند النساء، فإنّ تأثير ذلك سيكون أنجع من علاج السرطان، إن الفارق الكمي الموجود بين المجتمع الأنثوي والذكوري ناجم عن عدّة عوامل بيولوجية وفسلجية واقتصادية واجتماعية… إلخ،  مثلاً, إنّ حصانة الأنثى ضدّ الأمراض البكتيرية أشدّ منه عند الرجال في المراحل الجنينية والطفولية, خاصة في مرحلة ما قبل البلوغ. فعلى الرغم من أن إصابة الأنثى بالأمراض هي أكثر عياناً وشيوعاً، حتى مع استثناء الاضطرابات المصاحبة للعادة الشهرية والحمل، فإنّ معدّل إصابة الأنثى بالأمراض قياساً بالذكر أكثر بنسبة 20% ولكن مع ذلك فإنّ مقاومتها للأمراض أكبر منها عند الرجل، بالإضافة إلى أنّ بعض الأمراض هي أكثر شيوعاً عند الذكر مثل سرطان الرئة، المعدة، المريء، الأمعاء الغليظة…، كذلك أنواع أمراض القلب والشرايين، ناهيك عن أنّ الذكر يتصدّى لوظائف أكثر خطورة لما يتمتع به من مزايا خاصة جسمية أوشروط ثقافية واجتماعية واقتصادية بالإضافة إلى النزاعات المسلحة التي تصيب الرجال بشكل رئيسي، وكذلك انخفاض نسبة النساء اللائي يتعاطين المشروبات الكحولية والتدخين والحوادث المرورية الخطرة… وبالتالي انخفاض نسبة تعرّضهنّ للخطر، هذا مع الأخذ بنظر الاعتبار العوامل الوراثية, حيث إن الكروموسوم(y) يعدّ سبباً للعديد من الأمراض الجنسوية مثل (الهيميوفيليا، عمى الألوان، والتخلف العقلي و… إلخ). على الرغم من أن معدّل الإخصاب هو1000 نطفة للأنثى مقابل 120 نطفة ذكر، بينما إزاء كل 100 طفلة أنثى تولد هناك 106 طفل ذكر يولد، إذ تفوق الأجنّة الذكرية الميتة الأجنّة الأنثوية، للمزيد أنظر: هادي حسيني، علي أحمد راسخ وحميد نجات، كتاب المرأة، بأشراف محمد حكيمي، ص 114 – 125.

[16] . سورة النساء، آية: 3.

[17] . مبدأ تعدّد الزوجات متسالم عليه في المصادر الفقهية للمذاهب السنية بالاستناد إلى النصّ القرآني الصريح، وقد وردت مباحثها في الموضوعات ذات الصلة مثل القسم … إلخ. انظر: الفقه على المذاهب الأربعة، ج 4، ص 249 – 337.

[18] . مستدرك الوسائل، ج 5، ص 306، وعوالي اللئالئ، ج 1، ص 234.

[19] . مرتضى مطهري، منظومة حقوق المرأة في الإسلام، ص 249، للمزيد انظر: المصدر المذكور، ص 246 – 267.

[20] . إلا في حال أراد الزوج أن يتزوّج من أخت زوجته وكان طلاق زوجته رجعياً، حينذاك عليه الصبر لأنّه يحرم الجمع بين الأختين وذلك لأنّ الزوجة في الطلاق الرجعي لا تزال في ذمة زوجها، لكن هذا الصبر لا يسمّى عدّة في الشرع.

[21] . تقول المالكية: «لا نستطيع الجزم بأنّ الغرض من العدّة هواستبراء الرحم بدليل أنّ هذا الحكم يسري على البنت الصغيرة أيضاً في حين أنّ الأصل هو براءة رحمها»، لذلك فإنّ أنسب تعريف للعدّة هو«إنّ الشارع المقدّس شرّع العدّة أرضاً حراماً للزواج سواء أكان السبب استبراء الرحم أولأغراض التعبّد» وعلى غرار ذلك يقول الشافعية، للمزيد انظر: الفقه على المذاهب الأربعة، ج 4، ص 516 – 517.

[22] . «أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله»، سورة الأنفال، آية: 75.

[23] . سورة النساء، آية: 11.

[24] . للمزيد عن آراء أهل السنة في هذا الموضوع انظر: موسوعة الفقه الإسلامي، ج 3 – 4، باب أصحاب الفروض، ص 298 – 307، محمد جواد مغنية، الفقه المقارن على المذاهب الخمسة (الجعفري، الحنفي، المالكي، الشافعي، الحنبلي)، ص 366 – 368.

[25] . سورة النور، آية: 31، سورة الأحزاب، آية: 59.

[26] . علي أصغر مرواريد، سلسلة الينابيع الفقهية، ج 33، والشيخ الطوسي، كتاب الخلاف، ص 26 – 27.

[27] . المصادر الحديثية عند أهل السنة: سنن البيهقي، ج 8، ص 59، سنن النسائي، كتاب القسامة، ص 37، نقلاً عن الشيخ خالد عبد الرحمن العك، المرأة في القرآن والسنة، ص 454، للمزيد انظر: السرخسي، المبسوط، ج 24.

[28] . محمد بن إدريس الشافعي، الأم، ج 6، ص 137.

[29] . موفق الدين بن قدامة، المغني مع ملحق الشرح الكبير، ج 9.

[30] . وسائل الشيعة، ج 29، (من السلسلة ذات الثلاثين مجلد) وج 19 (من السلسلة ذات العشرة مجلدات). يقول الشيخ المفيد في كتاب المقنعة، ص 764: «وبذلك ثبتت السنة من نبي الهدى (ص) وبه تواترت الأخبار عن الأئمة من آله (ع).

[31] . الوسائل، ج 18، أبواب الشهادات، الباب 24، ح 2 و4 و16.

[32] . نفس المصدر، ح 17 و19، أما السند الأول لتمايز شهادة النساء عن الرجال في القضايا المالية فهوالآية الكريمة 282 من سورة البقرة.

[33] . يقول فقهاء الشيعة: إذا كانت المرأة عند زواجها موظفة أو أنّ الرجل لم يمانع في استمرارها في العمل قبيل الزواج، فلا يمكن منعها من العمل بعد الزواج، ويقول بعضهم بأنّ خروج المرأة من المنزل دون إذن زوجها يكون في حال أخلّ خروجها بحقوق الزوجية (الحقوق الجنسية).

[34] . على جميع الدول الأطراف إتخاذ جميع التدابير المناسبة ، بما في ذلك التشريعي منها، لتغيير أوإبطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزاً ضد المرأة.

[35] . تتخذ الدول الأطراف في جميع الميادين، ولا سيما الميادين السياسية والإجتماعية والأقتصادية والثقافية، كل التدابير المناسبة،بما في ذلك التشريعي منها، لكفالة تطور المرأة وتقدمها الكاملين، وذلك لتضمن لها ممارسة حقوق الإنسان والحريات الأساسية والتمتع بها على أساس المساواة مع الرجل.

[36] . تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في ميدان العمل لكي تكفل لها، على أساس المساواة بين الرجل والمرأة.

[37] . «وللنساء نصيب مما اكتسبن»، سورة النساء، آية 32.

[38] . انظر: كتاب المرأة، ص 569 و585.

[39] . الأنوثة من منظار النسويين هي جنوسة، فالتركيبة الجنسية للمرأة كالقدرة على الإنجاب تعتبر تصنيفاً جنسياً، أما سائر الأدوار الأنثوية فيعبّر عنها بالجنوسة. لذا، من وجهة نظر هؤلاء، فإنّ الأنثى تُلقّن الجنوسة أثناء مراحل الصيرورة الاجتماعية لحصرها في أدوار تقليدية ضيقة، بعبارة أخرى، عدا مسألة الحمل والإنجاب والرضاعة، فإن ما يعرف بالأدوار النسائية مثل دور الأمومة هودور عام ومسؤولية جماعية تتعدّى حدود الأنثى من وجهة نظر النسويين.

[40] . تنصّ المذكرة الإيضاحية رقم واحد من المادّة 210 من القانون المدني على أنّ سنّ البلوغ للبنت هوإكمالها تسع سنوات هجرية، وللصبي إكماله 15 سنة هجرية.

[41] . القانون المدني، المجلّد الثامن، الباب الثاني.

[42] . مهرانگيز كار، إلغاء التمييز ضدّ المرأة، ص 134.

[43] . لن نخوض هنا في البحوث النظرية لهذا الموضوع.

[44] . المواطنة هي الوشيجة السياسية والروحية التي تربط الفرد بوطن ما.

[45] . تنصّ هذه المادّة على: «الأسرة هي حجر الزاوية في صرح المجتمع المسلم، لذا يجب أن تصبّ جميع القوانين والتشريعات والسياسات باتجاه تسهيل تشكيل الأسرة، وإن احترام قدسيتها وتماسك علاقاتها يجب أن يكون في إطار القوانين والأخلاقيات الإسلامية.

[46] . للاطلاع على رأي الإسلام فيما يتعلق بأوجه النشاط المباح والواجب للمرأة انظر: «تفسير الميزان»، ج 2، ص 272 – 273، حيث تناول العلامة طباطبائي جميع جوانب الموضوع.

[47] . تنصّ  المادّة 1117 من القانون المدني الإيراني على أنه يستطيع الزوج منع زوجته من مزاولة مهنة أوعمل يضرّ بمصالح الأسرة أوبشأنه أوشأن زوجته.

[48] . تحمل بعض قوانين حماية الأسرة مفهوماً مريراً ومتعسّفاً ومناهضاً لشراكة المرأة، لدرجة أصبح ينظر إلى مسؤولية الإنفاق الملقاة على عاتق الرجل كعقبة في طريق عمل المرأة. انظر: مهرانگيز كار، إلغاء التمييز ضدّ المرأة، ص 252 – 254.

[49] . محمد حسن وطني، المجموعة الكاملة لقوانين ولوائح الخدمة، ص 174، نقلاً عن: مهرانگيز كار، إلغاء التمييز ضد المرأة، ص 293 – 295.

[50] . إنّ توسيع مبدأ التماثل بين الرجال والنساء ليشمل مجال الممارسة الرياضية ينطوي على إشكالات قانونية, ناهيك عن المضاعفات النفسية والجسمية السيئة على المرأة، يجب عدم إشراك العواطف والانفعالات في هذه القضايا التي تلامس الصحة النفسية والجسمية للمرأة. فهذه النشاطات لها انعكاسات سلبية على المدى البعيد لن يكون من السهل التخلّص منها. لا يوجد أدنى شك في الفوائد الكثيرة للرياضة والحركة البدنية لكلا الجنسين، لكن تباين الحركات الرياضية لكل منهما، ناجم عن تباين الخصوصيات الجسمية, حيث إنّ معدل الطبقة الدهنية عند المرأة أكبر والتكتل العضلاتي أقل، كما أن القدرة الاستيعابية للمنظومة الطاقوية عند المرأة أضعف مما هوموجود عند الرجل، حيث إنّ هذه القدرة هي بحدود ثلثي قدرة الرجل. كما أن هذه الاختلافات تجرّ بدورها إلى تباينات أخرى في مقدار حامض اللكتيك في الدم وكمية الهيموغلوبين وعدد الكريات الحمر. بالإضافة إلى الاختلاف في منطقة القفص الصدري على نحومؤثّر في القدرة الرياضية بحيث يتطلّب الأخذ بنظر الاعتبار الاستعدادات والخصوصيات الفسلجية لكل من الجنسين وذلك عند القيام بالتمارين الرياضية في مختلف الفروع. وخلاصة القول, إنّ تبنّي رؤية تماثلية في هذا الموضوع لن يخدم مصالح المرأة بأي حال. للمزيد حول هذا الموضوع انظر: فيزيولوجيا الرياضة، ج 2، ص 484، نقلاً عن: كتاب المرأة، ص 266.

[51] . الدستور الإيراني، المادّة العشرون.

[52] . المصدر نفسه, المادة 34.

[53] . المصدر نفسه، المادة 46.

[54] . القانون المدني، المادة 211.

[55] . قانون السفر، المادة 18، البند 3.

[56] . تنصّ المادة 1034 من القانون المدني على: «يجوز خطبة المرأة ما لم يكن هناك مانع من النكاح»، أما الرجل فلا توجد قيود عليه في هذا الموضوعٍ إلا إذا اعتبرنا منعه من خطبة المرأة في أيّام عدّتها قيداً، ولكن على أي حال، إنّ مانع النكاح متعلّق بالمرأة.

[57] . تشترط المادة 1043 من القانون المدني الإيراني لنكاح البنت الباكرة الحصول على إذن من وليّ أمرها (الأب أوالجدّ للأب) حتى وإن كانت بالغة سنّ الرشد، لكنّها تستدرك بأنّ هذا الشرط يصبح لاغياً متى ما اعترض وليّ الأمر على الزواج لأسباب غير وجيهة، عند ذلك تقترح الآلية المناسبة لتسهيل عملية زواج البنت من الرجل الصالح الذي تختاره.

[58] . القانون المدني، المادة 1106: في الزواج الدائم يتكفّل الزوج بنفقة زوجته.

[59] . القانون المدني، المادة 1133.

[60] . القانون المدني، المادة 1180.

[61] . القانون المدني، المادة 1169.

[62] . القانون المدني، المادة 1199، وفي حال عدم الاستطاعة المالية للأب تنتقل المسؤولية إلى الجدّ للأب، وإذا لم تسمح أوضاعه المالية بذلك، تنتقل المسؤولية عند ذلك إلى الأم.

[63] . القانون المدني، المادة 1105.

[64] . القانون المدني، المادة 1117.

[65] . القانون المدني، مذكرة إيضاحية رقم 1043.

[66] . القانون المدني، مذكرة إيضاحية رقم واحد من المادة 1041.

[67] . بحسب رأي الفقه الإسلامي والمنعكس في القانون المدني، إنّ طرفي العقد هما ركنا الزواج, ورضاهما هوتقرير لصحة العقد، من هذا الباب يعتبر الزواج القسري معضلة ثقافية واجتماعية، وهومرفوض تماماً من وجهة النظر الدينية، ويجب التنويه هنا إلى ضرورة أن يكون القانون شاملاً وجامعاً ليسع مختلف الاحتمالات، هذا، في حين أنّ التأسيس للوعي الثقافي في المجتمع فيما يتعلق بالزواج يجب أن يصبّ باتّجاه تسهيل هذه العملية عن طريق كسب رضا الطرفين, والتدخل المنطقي والمسؤول من قبل الوالدين الذي يساهم في خلق الوعي لدى الطرفين.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً