أحدث المقالات

علي الإنسان

إيمان شمس الدين

رغم أن التاريخ وما جرت عليه السيرة المنبرية في سرد قصة علي عليه السلام وخاصة حينما يستقرؤوا التاريخ في زمن يختص فقط بالمدة التي بدأ فيها ارتحال الامام علي عليه السلام الى عالم الملكوت الأعلى إلا أننا لا نبالغ لو قلنا أن هذه القراءة تجافي إلى حد كبير حقيفة شخصية علي عليه السلام .

حيث حولها المنبر من شخصية ذات ملامح ومعالم إنسانية وأبعاد ضربت بأفقها الرحب الواسع العالم بأسره طولا وعرضا، إلى شخصية محدودة بالشعارات العاطفية والتركيز عالرثاء والبكاء أي على مصيبة الفقد لا على منهج الفقيد.

إننا لا ننكر حاجتنا في تشخيص أي واقع تاريخي إلى تسليط الضوء على كافة الجوانب بما فيها الجوانب العاطفية لما لهذا الجانب من أثر كبير في إحياء الفكرة والنهج من جديد كحالة عالم الآثار حينما يبحث عن أثر تاريخي فإنه لا يهمل أدق التفاصيل التي توصله للاثر بل بعد وصوله للاثر يقوم بعمل حفر عميق حول الاحفورة ليكتشف كافة معالمها وابعادها ومواصفاتها حتى يستطيع أن يشكل تصورا قائما على أسس سليمة من كافة النواحي.

إننا بحاجة حقيقية لرسم منهج نقرأ من خلاله شخصيات الإسلام العظيمة حتى لا نكون غبنّاها وبخسناها حقها وخاصة اذا كان هذا الحق هو عين الاسلام ورسالته وهو الدليل الدال عليها.

فالاسلام يعلن من خلال آي القرأن التالي:

"ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون" الحديد- ١٦

ويقول الشهيد محمد باقر الصدر في رسالتنا بخصوص هذه الآية:

"بهذا يعلن الاسلام عن ضرورة ازدواج الفكر والعاطفة واجتماع العقيدة وما تتطلبه من ألوان الانفعال والاحساس حتى تدب الحياة في العقيدة وتصبح مصدر حركة وقوة دفع وليست مجرد فكرة عقلية لا يخفق ولا يستجيب لها الحس ولا تتدفقً بالحياة.

ثم يضيف قائلاً: إن العواطف التي يرتضيها الاسلام للمسلم هي العواطف الفكرية أي العواطف التي ترتكز على مفاهيم فكرية معينة… أما العواطف السطحية المائعة التي لا تستند إلى مفهوم والتي يثيرها الاحساس أكثر مما يثيرها الفكر فليس من الصحيح للدعوة أن ترتكز على هذه العواطف لأن انتشار هذه العواطف المنخفضة الذي يؤدي إلى سيطرتها في المجتمع يشكل خطرا على الدعوات الفكرية التي تحاول الارتفاع بذهنية الأمة إلى المستوى الفكري والتسامي بها عن المشاعر المرتجلة والأحاسيس الساذجة"" 

إن التركيز على ثقافة الدمعة وثوابها وغفرانها للذنوب بشكل قشري ظاهري مفرغ المحتوى هو تركيز على عاطفة منخفضة ساذجة انفعالية تتأثر بوجود فقط المؤثر وبمجرد زواله يزول الأثر، ولو كانت الدعوة على مقاصد وغايات هذا الثواب العظيم وغفران الذنوب من وراء احياء هذه الشعيرة والبكاء فيها لكانت دعوة تمتزج فيها الفكرة مع العاطفة.

لأن الثواب على البكاء وغفران الذنوب إن دل على شيئ فهو يدل على ضرورة تحقق الهدف من هذا الاحياء لهذه الشعيرة كي يرتبط الحدث أي اثر البكاء من غفران ذنوب ووعد بالجنة يرتبط بتحقق الهدف اي اذا تحققت اهداف احياء الشعيرة في نفس الشخص او نفس الانسان يتحقق الأثر وهو غفران الذنوب والجنة لان الهدف من هذا الاحياء هو إعادة احياء منهج صاحب الشعيرة في النفس الإنسانية مما يحرك الدوافع في الانسان نحو اتباع اثره ومنهجه في علاقته بالله تعالى. اما مجرد البكاء الذي لا يترك اثرا في احياء منهج صاحب الشعيرة في النفس ولا يغير من هذه النفس فإن تحقق الاثر المترتب عالبكاء يكون والله الاعلم بعيد المنال.

إن علي عليه السلام يمثل منهج إنساني متكامل في علاقة الانسان مع الله وعلاقته مع اخيه الانسان ومجتمعه وعلاقته حتى مع الطبيعة.

وتسليط الضوء على هذا المنهج في مناسبات استشهاده من خلال تلمس ثغرات المجتمع ومن ثم وضع الحلول المناسبة لها من شخصية علي عليه السلام وربط ومزج الفكرة بالعاطفة والابتعاد عن المنبر الشعاراتي الذي يركز على ثقافة البكاء السلبية سيكون له اثر في احياء علي المنهج في قلوب الناس وسينعكس ذلك على سلوكهم الفردي والمجتمعي وتتحقق بذلك اهداف الاحياء فيترتب الأثر عليها من غفران ذنوب ودخول جنة.

اما مجرد البكاء الذي لا يحدث أي تغيير حقيقي ايجابي في النفس فهو بكاء سطحي يشكل خطرا على الشعيرة وليس إحياءا لها.

وعليه نأمل أن نعيش الأيام القادمة روح علي الإنسان بكافة ابعادها ونقتفي اثره ومنهجه ونجسده حياة لقلوبنا وعقلنا وسلوكنا حتى نحيي عليا في انفسنا واسرتنا ومجتمعاتنا فنكون بذلك حققنا واقعا وحقيقة "ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب". 

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً