أحدث المقالات

د. الشيخ رضا كاظمي راد(*)

ترجمة: حسن علي مطر

 

مقدّمةٌ

لا شَكَّ في أن الإيمان بالموعود يحظى من الناحية اللاهوتية بمكانةٍ بارزة في الأديان السماوية. يُضاف إلى ذلك أن المسائل الخاصّة بأحداث الآخرة تُعَدّ من المسائل الهامّة والمصيرية في الأديان الإبراهيمية. ويمكن القول: إن مقولة الإيمان بالموعود تأتي في المرتبة الثانية بعد معرفة الله؛ من حيث التسبُّب بكثرة الانشقاقات المذهبية والدينية. لقد كانت هذه المسألة منذ القِدَم، وعلى طول التاريخ، مثاراً للبحث والجَدَل، ولم تخمد جَذْوتها بتقادم الزمن أبداً، بل كلّما تقدَّمنا في التاريخ، ووصلنا إلى المرحلة المعاصرة، أصبحَتْ هذه الجَذْوة أكثر توقُّداً وتأثيراً في عقيدة الناس. وتشهد الأبحاث والدراسات في هذا الشأن على أن الإيمان بالمنقذ والمخلِّص قد شكّل أرضيّةً خصبة لظهور الفِرَق المختلفة في كلٍّ من الديانتين: المسيحيّة؛ والإسلام؛ إذ شهد القرنان الأخيران، بعد بروز مسألة آخر الزمان وظهور المُنْقِذ والمُنْجي ـ سواء في الإسلام أو المسيحية ـ، ظهور العديد من الفِرَق على أساس هذا الإيمان، حيث تحمل كلّ واحدة منها تفسيراً خاصّاً عن الإيمان بالموعود وظهور المُنْجي. وفي جميع هذه الفِرَق كان هناك شخصٌ يتمتَّع بصفاتٍ خاصّة، ويدّعي الارتباط بظهور المنقذ. وكانت هذه الفِرَق تتبلور بعد التفاف الأتباع حول المدّعي، وتأسيس العقائد الخاصّة. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ أنه كان للإيمان بالموعود دَوْرٌ أساس في ظهور الفرقة المورمونية. كما كان للاعتقاد بظهور المنجي دَوْرٌ هام في ظهور بعض الفِرَق، ومنها: الشيخية.

وقبل الدخول في صلب البحث، يبدو من الضروري أن نتناول أصل الاعتقاد بآخر الزمان، وظهور المنقذ، في كلتا الديانتين (الإسلام؛ والمسيحيّة)، وكذلك التنبُّؤات والغيبيات والتوقُّعات الموجودة في هاتين الديانتين حول ظهور المنجي الموعود، على أساس القراءة الأصليّة والأُورثوذُكسية فيهما.

إن نظرة التشيُّع في الإسلام إلى المنقذ تختلف عن رؤية أهل السنّة بالكامل. وعلى الرغم من أن عامة علماء أهل السنّة ـ قديماً وحديثاً ـ يرَوْن المهديّ الموعود فرداً (وليس نوعاً)، ويقولون: إنه سيظهر يوماً، بل إن المهديّ المنشود لهم يتطابق مع المهديّ الذي يؤمن به الشيعة، ولكنْ حيث تُعَدّ المهدوية من وجهة نظر أهل السنّة أحد الفروع الفقهية (وليست من المسائل الأصولية)، فإن هذا الموضوع لا يحظى عندهم بتلك المكانة والمنزلة التي يحظى بها لدى الشيعة. يؤمن الشيعة الإمامية الاثنا عشرية ـ استناداً إلى تعاليم الأئمّة المعصومين^ ـ بأن الإمام المهديّ# هو موعود الأمم، وأن حكومته تمثِّل خير عاقبةٍ وخاتمةٍ للصالحين من الناس على وجه الأرض. كما أنهم يرَوْن أنه عند ظهور الإمام المهديّ# ـ بالإضافة إلى تنعُّم الأمم في ظلّ ظهوره في تلك المرحلة ـ سوف يتمّ إحياء بعض أكثر الناس صلاحاً، وبعض أكثر الناس فساداً، ويرجعون إلى الدنيا؛ لينعم الصالحون في ظلّ حكومة القسط والعدل، وينال الفاسدون جزاء أعمالهم، وتسوء وجوههم؛ بسبب رؤيتهم قيام دولة العدل في العالم([1]).

وقد تمَّتْ الإشارة في المصادر الروائية والتاريخية، لدى أهل السنّة والشيعة، إلى بعض الأحداث والوقائع والعلامات التي (تسبق أو ترافق) ظهور المهديّ الموعود#. وبعضُ هذه العلامات متَّفق عليها من قِبَل الشيعة والسنّة. وفي ما يلي نشير إلى بعض أهمّ هذه الأحداث، باختصارٍ: إقامة الحكومة الإسلامية([2])، وقيام الدولة المناوئة بقيادة السفياني([3])، والإجماع على اقتداء النبيّ عيسى المسيح بالإمام المهديّ في الصلاة، والاتفاق على إصلاح أمره في ليلةٍ([4])، والاتفاق على البَيْعة له في مكّة المكرَّمة والكعبة المشرَّفة ما بين الركن والمقام.

وهكذا في الديانة المسيحيّة، يحظى الإيمان بالموعود بمكانةٍ ممتازة، إلى الحدّ الذي أخذَتْ معه تعاليم عودة المسيح تمثِّل ركيزةً وأساساً للكثير من الشعائر المسيحية؛ بحيث لو جرَّدنا المسيحية من عودة السيد المسيح فسوف تغدو تلك الشعائر عديمةَ المعنى. وإن شعيرةً مثل: غسل التعميد تمثِّل استحضاراً للولادة الجديدة([5])، وشعيرة العشاء الأخير تمثِّل اتحادَ المقدَّس بالسيد المسيح([6]). إن معقولية هذا النوع من الشعائر رَهْنٌ بالإيمان والاعتقاد بعودة المسيح عيسى بن مريم× في آخر الزمان. وقد تمّ التنبُّؤ في المسيحيّة بأحداث ما قبل وما بعد عودة السيد المسيح على النحو التالي:

ـ انتشار الإنجيل في جميع أنحاء العالم، ودعوة جميع الأمم من أجل الالتحاق بالكنيسة المسيحية العالمية([7]).

ـ عودة جميع اليهود إلى الديانة المسيحية، بعد أن كانوا يعانون من التِّيه والتفرُّق لأزمنةٍ طويلة([8]).

ـ وقوع الرِّدّة الكبرى في الكنيسة المسيحية، وظهور ضدّ المسيح أو إنسان الخطيئة([9]).

ـ عودة المَجْد والعَظَمة للكنيسة([10]).

ـ الاستهزاء بانتظار السيد المسيح، الذي يذكره بطرس أيضاً([11]).

ـ وقوع الكثير من الحروب، كما أخبر السيد المسيح بذلك([12]).

ـ ظهور الكثير من أدعياء المسيح الزائفين([13]).

والنقطة المشتركة التي يجب الالتفات إليها في كلتا العقيدتين هي أن الفترة الزمنية لظهور المنقذ في القراءة الرسمية لكلا الدينين غير محدّدة، ولا يعلمها غير الله سبحانه وتعالى. كما تمّ التأكيد على هذه المسألة من قِبَل كبار العلماء في كلتا الديانتين؛ ففي الإسلام هناك نصٌّ يقول: «كذب الوقّاتون»؛ وفي المسيحية كان النبيّ عيسى× يقول لأتباعه: لا يعلم زمن عودته غير الأب. وقد تمّ التأكيد في الإنجيل على المضمون التالي: «اسهروا إذن؛ لأنكم لا تعلمون متى يأتي ربّ البيت»([14]). كما ورد التعليم إلى منتظري عودته على النحو التالي: «لتكن أَحْقَاؤكم مُمَنْطَقة، وسُرُجكم موقدة، وأنتم مثل أناسٍ ينتظرون سيّدهم متى يرجع من العرس، حتّى إذا جاء يفتحون له للوقت»([15]).

المكاشَفة وظهور الفِرَق الدينيّة

هناك أشخاصٌ يقومون من داخل الدين بادّعاء الارتباط بالغيب، والحصول على الإلهام، وكذلك خَوْض تجربة المكاشفة؛ وهناك في الوقت نفسه مَنْ يدّعي الارتباط بشخص المنقذ والمخلِّص الموعود، أو أنه يعتبر محتوى مكاشفته تكليفاً بمسؤوليةٍ خاصّة في مقابل ظهور المنقذ. وتمثِّل فرقتا الشيخية في الإسلام والمورمونيّة في المسيحيّة مصداقَيْن لهذه الظاهرة.

تأثير ادّعاء المكاشَفة في ظهور الشيخيّة

يطلق عنوان «الشيخية» على المذهب الذي أسَّسه الشيخ أحمد الأحسائي، وبذلك يكون هذا المذهب قد اكتسب عنوان الشيخية من نسبته إلى مؤسِّسه الشيخ أحمد بن زين العابدين([16]). وهو من منطقة الأحساء، حيث ولد سنة 1166هـ، وبعد إكمال الدراسة التمهيدية والمقدّمات سنة 1186هـ، عن عمر ناهز العشرين سنة، شدَّ الرحال إلى العَتَبات المقدَّسة [في العراق]؛ لإكمال الدراسة هناك. وبعد أن حضر الشيخ أحمد في حلقة درس كبار العلماء، من أمثال: الآغا باقر الوحيد البهبهاني، والسيد مهدي بحر العلوم، والسيد علي الطباطبائي، وبعد تقديم شرحٍ على كتاب «تبصرة المتعلمين» للعلاّمة الحلّي، حصل على درجة الاجتهاد (في الرواية والدراية) من قِبَل بعض العلماء، من أمثال: السيد مهدي بحر العلوم صاحب الرياض، وغيره([17]). إن المسألة الأساسية التي يجب الالتفات إليها قبل كلّ شيء هي أن هناك حَتْماً عناصرَ متعدّدة تسبَّبت في انفصال وانشعاب الشيخية عن التشيُّع الخالص، وظهورها كفِرْقة مستقلّة، إلى جانب التشيُّع الإمامي الاثني عشري. بَيْدَ أن العقائد الخاصّة للشيخ أحمد الأحسائي، ومن بعده السيد كاظم الرشتي، هي التي أدَّتْ في الحقيقة إلى انشعاب فرقة الشيخيّة، وانبثاقها من صلب التشيُّع، وتقديمها وجهاً مختلفاً عن أصلها الأصيل، المتمثِّل بالتشيّع الخالص. لقد كان لهذين الرجلين عقائدهما الخاصة المخالفة للأصول الشيعية المتَّفق عليها، ولا سيَّما في مجال المعاد والمعراج وغَيْبة إمام العصر#، الأمر الذي دفع بعلماء الشيعة في نهاية المطاف إلى الحكم بكفرهما([18]). كما يطلق على الشيخية اسم «الكَشْفية» أيضاً، ويعود السبب في ذلك إلى أن الشيخ أحمد الأحسائي كان يدَّعي حصوله على الكشف والإلهام، أو كما يقول السيد كاظم الرشتي في كتابه (دليل المتحيِّرين): «لأن الله سبحانه قد كشف غطاء الجهل وعدم البصيرة في الدين عن بصائرهم…»([19]). إنه يرى أن الكَشْفيين هم أولئك الذين أنار الوجود الأقدس قلوبهم بنور الإيمان، وفتح أبصارهم وأسماعهم بمعرفة التوحيد والنبوّة والأئمّة. ويطلق على فرقة الشيخية اسم «الرُّكْنيّة» أيضاً؛ ويعود السبب في ذلك إلى أنهم يؤمنون بـ «الرُّكْن الرابع»، و«إطاعةُ الشيعيّ الكامل» أحد أصول دينهم([20]). ويطلق على الشيخية مصطلح «الخَلْفيّة» أيضاً؛ لأنهم لا يُصلّون بحيث يولّون ظهورهم ويستدبرون قبر الإمام المعصوم×([21]).

يقوم أساس عقائد الشيخية على آراء وأفكار الشيخ أحمد الأحسائي والسيد كاظم الرشتي، وعلى مزيجٍ من الكلمات الفلسفية القديمة، بتأثير من أعمال السهروردي وأخبار آل الرسول^([22]). لقد كان الشيخ أحمد الأحسائي إمام الشيخية ينتهج المسلك الأخباري. فهو في مواجهة الأصوليين الذين يستخدمون العقل كان يدّعي الارتباط المباشر مع الإمام المعصوم×؛ ليبرر امتناعه عن استخدام العقل، وكان يدّعي أنه يحصل على الإجابة عن مجهولاته من خلال توجيه السؤال إلى الإمام المعصوم× مباشرةً، عبر المكاشفة والرؤيا والإلهام، وبذلك لا يحتاج إلى سلوك الطريق المعهود بالنسبة إلى سائر العلماء([23]). ومن الأمثلة على المنامات التي ادَّعاها الأحسائي أنه رأى في المنام شابّاً يحمل كتاباً، وهو يفسِّر آيتين من القرآن الكريم (وهما الآيتان 2 و3 من سورة الأعلى) تفسيراً تأويلياً تفصيلياً، وقد وصف الشيخ أحمد الأحسائي تفسيرَ هذا الشاب بأنه مصدرٌ يتضمَّن تعليمات حِكَميّة عالية. ويرى الأحسائي نفسه في عالم الرؤيا، وكأنّه في مسجدٍ حضَرَتْ فيه الذوات المقدَّسة للمعصومين^. وقد شاهد الشيخ الأحسائي نفسه أمام الأئمّة الحسن والسجّاد والباقر^. وبذلك تبدأ سلسلة منامات الشيخ الأحسائي، التي تعتبر مصدراً لكشفه وإلهامه وعلمه([24]). ويُحْكَى أنه سأل الإمام الحسن× في الرؤيا أن يعلِّمه دعاءً أو رقعةً أو تعويذةً كلّما قرأها تشرَّف برؤيته ولقائه، وكان بعد ذلك يلتقي بالإمام المعصوم× بشكلٍ متواصل، ويطرح عليه أسئلته، ويحصل على الإجابات الوافية. وقد قال في ذلك: كانت تفتح عليَّ في حينها أشياء، وتنكشف لي بعض الأمور التي لا أعرف كيف أشرحها، وكان مصدرها جميعاً هو تطابق وجودي الباطني مع المضمون المعنويّ لتلك الرقعة التي تعلَّمْتُها من الإمام الحسن×([25]).

لقد كان الشيخ الأحسائي يؤكِّد أبداً على أن علمَه مغترفٌ من معين المعصومين^، وأنه كان يكتسب العلم من تلك الذوات النورانيّة مباشرة. وكان من خلال تأكيده على هذا الأمر يقول: «لم تكن هناك مسألةٌ تعجزني في اليقظة إلاّ وحصَلْتُ على بيانها في عالم الرؤيا». وقد بلغ به حدّ الادّعاء إلى القول: «كلما توجَّهْتُ في اليقظة إلى الأئمّة الأطهار^ كنتُ أرى أحدهم». وقد بيَّن نتيجة لقائه بالأئمّة المعصومين^ قائلاً: بعد اللقاء كانت تتَّضح لي المسألة؛ استناداً إلى كلِّية عللها وشواهدها، بحيث لو اتَّحد جميع أهل الدنيا لم يتمكَّن أحدهم من إيقاع الشكّ في قلبي، بعد أن رأيتُ الحقيقة بأمِّ عيني»([26]).

وأما خلفاء الشيخ الأحسائي، ولا سيَّما منهم: السيد كاظم الرشتي وأتباعه، فكانوا يدافعون عن شيخهم، ويمتدحونه، ويثنون عليه. وكان للسيد كاظم الرشتي قصب السبق عليهم في هذا الميدان، وكان ممّا قاله في شأنه: «كان (الشيخ) وحيد عصره، وفريد دهره، قد أخذ العلوم من معدنها، واغترف من معينها؛ حيث إنها مستقاةٌ من الأئمّة الأطهار^، وقد وصلَتْ هذه العلوم إلى الشيخ من قِبَل الأئمّة عبر المنامات الصادقة، والرؤى الصالحة؛ فقد رأى الإمام الحسن× في المنام أوّلاً، وقد حصل على توجيهٍ وتسديدٍ من الإمام، وأدركَتْه الفيوضات الكاملة»([27]).

وقال السيد كاظم الرشتي في بيان صحّة آراء وأفكار أستاذه ومراده: إن أستاذه رأى رسول الله في عالم الرؤيا، وأطعمه شيئاً من لُعَابه المبارك، وأخذ عنه جميع أنواع العلوم، وكان يسير على طريقة أئمّة الهدى^([28]).

 

النائب الخاصّ والكامل للمهديّ# أصلٌ رابع في عقيدة الشيخيّة

إن من المسائل التي أسَّسها زعماء الشيخية في ما يتعلَّق بغَيْبة الإمام المهديّ#، واعتبرها الآخرون بدعةً، مسألة «الركن الرابع».

وعلى الرغم من أن الشيخ أحمد الأحسائي لم يؤلِّف كتاباً خاصّاً أو رسالةً مستقلّةً في هذا الشأن، بَيْدَ أنه قد ذكرها في أغلب آثاره، وأشار إليها بالتفصيل أو الإجمال، وقام بشرحها تفصيلاً أو تضميناً. ثمّ جاء بعده السيد كاظم الرشتي ـ الذي تُعَدّ آراؤه شرحاً وتفسيراً، وكلماته تأويلاً وتكميلاً، لعقائد الشيخ الأحسائي ـ ليشرح هذه المسألة أيضاً. إن عقيدة الشيعة الإمامية الاثني عشرية في خصوص غَيْبة الإمام المهديّ#، وكيفية الارتباط المتبادل بين الناس وبين الإمام في عصر الغَيْبة، واضحةٌ ومحدَّدة بشكلٍ كامل. فالشيعة يعتقدون أن الإمام المهديّ بعد ولادته بخمس سنوات، وفي عام 260هـ، دخل في الغَيْبة الصغرى، وامتدَّتْ إلى عام 329هـ، أي بعد ما يقرب من 69 سنة. وفي السنوات الخمسة الأولى من حياة الإمام المهديّ كان والده الإمام الحسن العسكري× يُظهره إلى خاصّة أصحابه في مختلف المواضع، ويُطْلعهم على وجوده وولادته([29]). وبعد استشهاد الإمام العسكريّ× بدأَتْ مرحلة الغَيْبة الصغرى، حيث غاب الإمام المهديّ عن الأنظار؛ ليواصل ارتباطه مع الناس من خلال بعض الأشخاص المعروفين (النوّاب الأربعة)، وكان يمكن للشيعة رفع مسائلهم ومشاكلهم إلى الإمام بواسطة هؤلاء النوّاب، وكانوا يحصلون على إجابات الإمام، وكانوا في بعض الأحيان يتشرَّفون بلقائه بهذه الطريقة أيضاً([30]). وبطبيعة الحال لم يكن الشيعة بعيدين عن فَهْم مسألة غَيْبة إمامهم، والارتباط به بواسطة النوّاب والوكلاء؛ إذ سبق للإمامين العسكري والهادي’ أن قلَّلا من التواصل المباشر مع الناس، وكانا في الغالب يسعيان إلى الارتباط بشيعتهم عبر وكلائهم ومَنْ يمثِّلهم؛ تمهيداً لإعداد الناس وتعويدهم على هذه الطريقة من الارتباط والتواصل بإمام العصر في المستقبل؛ ولكي يألفوا هذه الطريقة من الارتباط غير المباشر بإمامهم. يُضاف إلى ذلك أن موضوع غَيْبة الإمام المهديّ# كانت مذكورةً في كلمات المعصومين السابقين، وكان الشيعة على علمٍ بهذا الأمر على نحوٍ كامل. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ أنه رُوي عن الإمام عليّ× أنه قال: «إن للغائب منا غيبتين، إحداهما أطول من الأخرى، فلا يثبت على إمامته إلاّ مَنْ قوي يقينه، وصحَّتْ معرفته»([31]).

إن النوّاب الخاصّين الذين كانوا واسطةَ الارتباط بين الشيعة والإمام الثاني عشر هم على التوالي: أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري؛ وأبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري؛ وأبو القاسم حسين بن روح النوبختي؛ وأبو الحسن علي بن محمد السمري([32]). لقد كان هؤلاء الأربعة من خاصّة أصحاب الأئمّة السابقين، وكانوا من العلماء الكبار المعروفين بالزهد والإخلاص. وقد تولَّى هؤلاء الأربعة في عصر الغَيْبة الصغرى مهمّة النيابة واحداً بعد الآخر، وكانوا أمناء الإمام في الوساطة بينه وبين الناس، على مدى سبعة عقود تقريباً. وفي نهاية المطاف، وفي عام 329 هـ، وقبل وفاة عليّ بن محمد السمري بأيّامٍ، صدر توقيعٌ عن إمام العصر، يخبره فيه أنه سيرحل عن هذه الدنيا بعد ستّة أيام، وطلب منه أن يخبر الناس أن لا يطلبوا خليفةً له في النيابة، وأنه سيدخل في عصر الغَيْبة الكبرى. وقد جاء في موضعٍ من هذا التوقيع ما يلي: «وسيأتي شيعتي مَنْ يدعي المشاهدة، ألا فمَنْ ادَّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّابٌ مُفْتَرٍ»([33]). وكان عليّ بن محمد السمري يقول في جواب مَنْ يسأله عن النائب بعده: «لم يُؤْذَن لي بتعريف أحدٍ». وأما في ما يتعلَّق بتكاليف الشيعة في عصر الغَيْبة، ومرجعيّتهم، والشخص الذي يلجأون إليه في الأمور الحادثة والمستجدّة، فهو ما سبق للأئمّة الأطهار^، والإمام الحجّة نفسه، أن ذكروه صراحةً؛ فقد ورد عن الإمام الصادق× في جوابه عن سؤال عمر بن حنظلة حول الشخص الذي يجب الرجوع إليه عند الاختلاف بين رجلين في فروع، من قبيل: القرض أو الإرث، حيث لا يمكن الوصول إلى الإمام، قال×: «ينظران [إلى] مَنْ كان منكم، ممَّنْ قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضَوْا به حَكَماً، فإني قد جَعَلْتُه عليكم حاكماً…»([34]).

وعلى الرغم من أن سؤال عمر بن حنظلة يقتصر على جانبٍ من الفروع الفقهية، إلاّ أن الإمام الصادق× يقدِّم في جوابه معياراً عامّاً وكلِّياً يصلح لزمن الغَيْبة، ويتمثَّل هذا المعيار في الرجوع إلى علماء الشيعة.

كما أن الإمام المهديّ نفسه قال، في جوابه عن سؤال إسحاق بن يعقوب حول مَنْ هو الشخص الذي يجب الرجوع إليه في الأحداث الواقعة في عصر الغَيْبة: «…وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا؛ فإنهم حُجَّتي عليكم، وأنا حُجّة الله عليهم»([35]).

يذهب الشيخيّة ـ خلافاً للشيعة الإمامية الاثني عشرية؛ إذ يعتقدون بالأصول الخمسة: التوحيد، والنبوّة، والمعاد، والعدل، والإمامة ـ إلى الاعتقاد بأربعة أصول فقط بوصفها أصولاً لدينهم، وهي: التوحيد، ومعرفة النبيّ (النبوّة)، ومعرفة الإمام (الإمامة)، ومعرفة الشيعة([36]). وبطبيعة الحال فإن الركن الرابع لدى الشيخية، أي معرفة الإنسان الشيعيّ الكامل([37])، الذي يُعَدّ أصلاً رابعاً من أصول الشيخية، يرتبط ارتباطاً مباشراً بمسألة النيابة عن إمام العصر#. فكما ذكَرْنا سابقاً، يذهب الشيخية ـ خلافاً للاعتقاد السائد عند الشيعة في أن باب النيابة الخاصّة قد أغلق مع بداية عصر الغَيْبة الكبرى، ومنذ ذلك الحين أصبح الفقهاء الجامعون للشرائط هم الذين ينوبون عن الإمام الموعود بالنيابة العامّة ـ إلى القول بالحاجة إلى وجود نائبٍ خاصّ للإمام المنتظر، رغم وجود الفقهاء الجامعين للشرائط. فهم يقولون: إنه؛ وبسبب غَيْبة إمام العصر# وعدم حضوره بين الناس، يجب أن يكون هناك بين المؤمنين شخصٌ يرتبط بالإمام مباشرةً، وأن يكون هو واسطةَ الفَيْض بين الإمام والأمّة. وهم يطلقون على هذا الشخص عنوان الشيعيّ الكامل، أو الركن الرابع. ويذهب عموم الشيخية إلى اعتبار الشيخ أحمد الأحسائي والسيد كاظم الرشتي مصداقاً لهذا الشخص([38]).

وقال صاحب كتاب (الشيخية، نشأتها وتطوُّرها)، بعد تكرار ما سبق: «لقد نُسب إلى الشيخية القول بأنه لا بُدَّ في كلّ زمانٍ من شخصٍ ظاهر ـ غير إمام الزمان الغائب ـ، يكون عالماً بكلّ ما يحتاج إليه الناس، وتكون له الوساطة بين إمام الزمان ورعيّته، ويجب على جميع أهل العلم دعوة الخلق إليه، وليس لغيره من أهل العلم أن يتصدَّى للأمور العامّة إلاّ بأمره، وسمُّوه بالناطق، والنائب الخاصّ، والركن الرابع»([39]).

وقد صوَّر كريم خان الكرماني ضرورةَ وجود النائب الخاصّ أو الركن الرابع في كتابه «رجوم الشياطين»، بقوله: «يجب في كلّ عصرٍ أن يكون هناك شخصٌ بالغٌ وكاملٌ، عارفٌ بحقيقة المعرفة، ومتعبّدٌ بحقيقة العبادة؛ كي لا يكون الخلق أمراً عَبَثياً، وأن يستقيم عيش سائر الخَلْق بفضله؛ إذ لولا الغَرَض من وجوده لما استقام حكم سائر الخلق»([40]).

وبالإضافة إلى الادّعاء الذي كان لمحمد كريم خان الكرماني، ذهب السركار الآغا أبو القاسم خان الإبراهيمي بدَوْره إلى الاعتقاد، قائلاً: «لا يمكن للإمام أن يبقى من دون نائبٍ. ولا معنى لبيتٍ من دون بابٍ. بل نقول: إن الإمام لا يكون من دون مأمومٍ. وإذا لم يكن هناك مثل هؤلاء الأشخاص (أي الباب والنائب) في الملك فهذا يعني أن وجود الإمام لن يجدي شيئاً، وبذلك يكون وجود الإمام لَغْواً، والعياذ بالله. وعليه، من المحال أن يكون الإمام موجوداً، ولا يكون له مظهرٌ، وممثِّل يمثِّله. ومن المحال أن تخلو الأرض من وجودهم (نوّاب الإمام)»([41]).

إن وجود الركن الرابع ـ من وجهة نظر قادة الشيخية ـ هو من الضرورة بحيث يؤدّي فقدانه إلى لَغْوية فلسفة الخَلْق، ويفقد وجود الإمام جدوائيّته وتأثيره. ولا بُدَّ ـ بطبيعة الحال ـ من التذكير بأن الشيخيّة لا يرفضون الزعامة والنيابة العامّة للفقهاء الشيعة الجامعين للشرائط، ولكنَّهم في الوقت نفسه يعتقدون بوجوب وجود شخصٍ واحد ـ وراء جميع الفقهاء الجامعين للشرائط الذين يتحلَّوْن بمنصب النيابة العامة ـ هو «الشيعي الكامل»، الذي تثبت له حَصْرياً صفة النيابة الخاصّة عن الإمام في الدنيا، وهذا الشخص هو الركن الرابع. وهم يرَوْن أن مؤسِّس وزعيم الشيخية، أي «الشيخ أحمد الأحسائي» هو الركن الرابع([42]).

إن النائب الخاصّ والركن الرابع ـ في مسلك الشيخية ـ بمعنىً واحد، ولهما مصداقً واحد. يقول أبو القاسم خان الإبراهيمي: إن الشخص المذكور، أي الركن الرابع، هو النائب الخاصّ للإمام× وهو الناطق الواحد، وهو بابه، وله نيابةٌ مطلقة عنه، كما تنوب شعلة السراج عن النار الغيبية([43]).

كما ذهب السيد كاظم الرشتي إلى اعتبار حكم الركن الرابع هو حكم النوّاب والأبواب الخاصة للحُجّة×، وقال في ذلك: «إذن حكم هؤلاء الأبواب هو حكم الأبواب الخاصّين الذين ورد النصّ فيهم من جميع الوجوه، وإن مخالفتهم مخالفةٌ لهم، وإن مخالفيهم في الغَيْبة الكبرى مثل الذين خالفوا النوّاب الأربعة في الغَيْبة الصغرى»([44]).

وقال الكرماني في كتاب «الرسالة»، في جوابه لعددٍ من أهالي همدان: «إن هذا الشخص (أي الركن الرابع) هو النائب الخاصّ للإمام، والتسليم لأمره فرضٌ على كلّ شخصٍ إذا رآه وعرفه، وكلُّ شخصٍ يتخلَّف عنه فهو كافرٌ، مثل سائر الكفّار، ولا شَكَّ في أن هذا النائب الخاصّ هو شخصٌ واحد»([45]).

إن الاعتقاد بوجود الركن الرابع، بالإضافة إلى ادّعاء المكاشفة من قِبَل الشيخ الأحسائي، قد مهَّد لظهور فرقة الشيخية، الأمر الذي شكَّل نقطة افتراق بين هذه الرؤية وبين التشيُّع الأصيل. والملفت للانتباه أن بعض قادة الشيخية يؤكدون على هذا الأمر في بعض الموارد صراحةً، ويقولون: إن من بين غاياتهم ومقاصدهم ومقاصد أسلافهم هو إثبات الركن الرابع. ومن ذلك ما نجده في بعض كلمات السركار آغا أبو القاسم خان الإبراهيمي؛ إذ يقول: «إن غاية مشايخنا ـ أعلى الله مقامهم ـ أن يثبتوا أن بين كبار الشيعة في كلّ عصرٍ مثل هذا الشخص الكامل، الذي يكون فوق جميع الشيعة، وهو الشخص الأوّل الذي يصله أمر الإمام»([46]). إن خلاصة ما هم بصدد إثباته هو وجود مثل هذا الشخص في كلّ عصرٍ، ويكتبون في ذلك: «هناك لصاحب العصر والزمان# (وجودٌ لـ) مثل هذا الخادم المقرَّب؛ كي يمكنه تنفيذ جميع أوامره وإرادته وسلطته، في جميع ما خوَّله الله به، عبر هذا الخادم»([47]).

إن هذه العبارة المقتضبة تبيِّن بوضوحٍ مسعى ومجهود مشايخ الشيخية في بسط ونشر عقيدتهم القائمة على الاعتقاد بوجود النائب الخاصّ للإمام الموعود، وبِدْعة الركن الرابع، حتّى أنه يمكن لنا أن نقول: لو اجتمع خلفاء الشيخ الأحسائي، وأبدَوْا استعدادهم إلى إنكار جميع آرائه بعد موته، فإنهم لن ينكروا أو يتخلّوا عن الاعتقاد بالركن الرابع. وعليه فإن الركن الرابع والاعتقاد به يُعَدّ من الأركان المقوّمة للمدرسة الشيخية، ويمثِّل حجر الأساس في عقيدتهم. ومن هنا فإن مشايخ الشيخية وخلفاء الأحسائي قد خلعوا عليه أعلى الصفات، ورصدوا له في بعض الموارد مقاماً فوق مقام الخَلْق، ودون مقام المعصومين^([48]).

دَوْر ادّعاء الكشف والشهود في ظهور المورمونيّة

كما هو الشأن بالنسبة إلى فرقة الشيخيّة، تعود نشأة الفرقة المورمونيّة إلى ادّعاء المكاشفة، ونقل روايةٍ عجيبة من قِبَل «جوزيف سمث»، زعيم ومؤسِّس هذه الفرقة. فقد ادَّعى جوزيف سمث: أن مَلَكاً قد هداه، من طريق المكاشفة، إلى مكان ألواحٍ ذهبية، وأنه قام بترجمة مضامين ما في هذين اللوحين؛ ليؤلِّف بذلك «كتاب المورمون». لقد ظهر لـ «جوزيف سمث» مَلَكٌ اسمه «مورموني»، وناداه باسمه، وأرشده إلى كتابٍ مدفون، وطلب منه أن يترجمه بواسطة الاستعانة بلوحين آخرين، باسم «يوريم»؛ و«توميم». لقد كان هذا الكتاب يحتوي على سيرة أقوامٍ بائدة من بني إسرائيل، سبق لها أن هاجَرَتْ إلى أمريكا. وقد شهد بعض المقرَّبين من جوزيف سمث على أنه قد رأى هذه الألواح. وقبل الألواح الذهبية تمّ تأييد وجود لوحين حَجَريّين من قِبَل عددٍ من أصدقاء جوزف سمث. وقد نقل «مارتن هاريس» ـ وهو من أصدقاء جوزيف سمث ـ أنه قبل أن يحصل على الألواح الذهبية كان بحوزته حَجَرٌ غريب، وكان يحرص على العناية به، والمحافظة عليه بشدّةٍ. وبالإضافة إلى هؤلاء، شهدت «إيمّا سمث» ـ زوجة جوزف سمث ـ؛ و«ديفد وايتمر»؛ وغيرهما، على وجود لوحين حَجَريّين والألواح الذهبية المشتملة على كتاب مورمون، بل أقرُّوا بمشاهدتهم، وحتّى لمسهم، لهذه الألواح أيضاً([49]).

يشتمل كتاب مورمون على خمسة عشر كتاباً باسم الأنبياء. والكتاب الثالث باسم «نافي» يشتمل على تعاليم السيد المسيح، حيث ظهر بعد البَعْث على هؤلاء القوم في أمريكا([50]).

وأما في بيان أسباب ظهور الفرقة المورمونية، وارتباطها بظهور السيد المسيح عيسى×، بوصفها موعود المسيحيّة، فيجب الرجوع إلى نقطة بداية نشوء هذه الفرقة. لا شَكَّ في أن الجواب عن سبب ظهور مثل هذه الفرقة في الديانة المسيحية يكمن في أفكار وأفعال نبيّ وزعيم ومؤسِّس هذه الفرقة. يروي جوزيف سمث نفسه أنه في عام 1820م، حين كان له من العمر خمسة عشر عاماً، قد بَرِم بالفوضى المذهبية التي كان شاهداً عليها في تلك الفترة، بالإضافة إلى كثرة الكنائس المختلفة ـ الأعمّ من «الميثودية»([51])، و«المشيخانية»([52])، و«المعمودية»([53]) ـ وسائر الكنائس البروتستانتية، وظلّ سادراً في حيرته، وأخذ من حينها يبحث عن الحقيقة، ثمّ رفع يدَيْه إلى السماء، وتضرَّع إلى الله في طلب الهداية. وقد استجاب الله دعاءه، وظهر له شخصان جليلان، تعلوهما هيبةٌ ونورٌ يفوق الوصف، ودعاه أحدهما باسمه، وأشار إلى الآخر بالقول: هذا هو ولدي الحبيب؛ فاستَمِعْ إلى كلامه([54]).

وقد طلب منه هذان الشخصان أن لا ينتسب إلى أيٍّ من الكنائس المسيحية الموجودة؛ إذ إنها بأجمعها سالكةٌ سبيل الضلال، وإن جميع أعضائها من الفاسدين([55]).

يؤمن المورمونيون بمكاشفة جوزيف سمث بشدّةٍ، ويعتقدون بقصّة وجود الألواح الذهبيّة، وترجمتها. وإن هذه المسألة عندهم من الأهمِّية بمكانٍ، حتّى أنها تضاهي قيامة السيد المسيح بالنسبة إلى المسيحيين، أو تحرُّر بني إسرائيل من رِبْقة المصريين([56]).

كان جوزيف سمث يرى لنفسه دَوْراً إصلاحيّاً، ويقدِّم نفسه مصلحاً على مسلك السيد المسيح([57]). ويذهب إلى الاعتقاد بأن يحيى المعمدان هو الذي نصبه لهذه المهمّة([58]). وقد ذهب أتباع جوزيف سمث إلى اعتباره نبيّاً لهم، ويرَوْن أنه حامل مهمةٍ ورسالةٍ خاصة. وتتمثَّل هذه المهمّة والمسؤولية الخطيرة ـ التي أُلقيَتْ على عاتق جوزيف سمث ـ في إعادة المسيحيّة إلى طبيعتها الأولى([59]).

كما يذهب المورمونيون إلى الاعتقاد بأن جوزيف سمث يمثِّل الوسيلة إلى تحقيق إرادة الله في إنقاذ الأمم وبقاء بني إسرائيل. وهذه هي ذات المهمّة التي ألقاها الله على كاهل السيد المسيح طبقاً للكتاب المقدَّس. وعلى الرغم من أن جوزيف سمث نبيّ المورمونيين، واعتباره على مستوى أنبياء العهدين (القديم؛ والجديد)، ويحظى بمكانةٍ ومنزلةٍ هامّة بين أتباعه، إلاّ أنه يضطلع في الوقت نفسه ـ مثل السيد المسيح ـ بدَوْرٍ مصيري وحاسم في اللاهوت المورموني. وفي الحقيقة فإن جوزيف سمث يمثِّل الشخصية الأهمّ عند المورمونيين. وعلى الرغم من أن جوزيف سمث لم يدَّعِ أنه المسيح الموعود، بل إنه كان يؤكِّد على أتباعه مراراً أن لا يتَّخذوا منه صَنَماً يعبدونه([60])، فإن علينا في الوقت نفسه أن لا ننسى ـ على أيّ حال ـ أنه قد تولّى وأخذ على عاتقه مهمّة ومسؤولية إصلاح المسيحيّة الراهنة.

إن كتاب مورمون يشرح سيرة وتاريخ قبائل من بني إسرائيل هاجَرَتْ إلى أمريكا، ثمّ بادَتْ بطبيعة الحال. تعود أحداث الكتاب إلى حوالي 600 إلى 420 سنة قبل الميلاد. وطبقاً لهذا الكتاب فإن السيد المسيح قد ظهر لهؤلاء القوم بعد قيامته، وأسَّس لهم كنيسةً. وقد ادّعى جوزيف سمث أنه قد أُلقيَتْ عليه مهمّة إحياء هذه الكنيسة. وبذلك فإنه لا يرى اعتباراً إلهيّاً لأيّ كنيسةٍ أخرى غير هذه الكنيسة([61]).

ويذهب أتباعه إلى الاعتقاد بأنه لم يكتسب مرجعيّته وسلطته من أيّ كنيسةٍ أو فرقةٍ خاصّة ـ بما في ذلك الكنيسة الرسميّة ـ، بل كما يُصرِّح قائلاً: حتّى الكتاب المقدَّس لم يمنحه مثل هذا السلطة والقوّة الروحيّة والمعنوية. وإنما يرى مشروعيّته ومشروعيّة أتباعه منحةً وهبةً من الله مباشرةً([62]).

ويمكن لنا من خلال هذا البيان أن نستنتج المهمة والدَّوْر الإصلاحي لجوزيف سمث. يرى المورمون أن محاورة هذين الشخصين لجوزيف سمث تعكس الحاجة إلى «إعادة إصلاح»([63]) الإنجيل والكنيسة المسيحيّة. وبطبيعة الحال فقد كان الشعور بهذه الحاجة موجوداً قبل جوزيف سمث بمدّةٍ طويلة أيضاً([64]).

وإن إعادة إصلاح الكنيسة بالمعنى الشامل له يعود بجذوره إلى الخطوات الإصلاحية لروّادٍ من أمثال: مارتن لوثر، وأتباعه. بل حتّى «التطهيريّون»([65]) كانوا يرَوْن أنفسهم من دعاة إصلاح الكنيسة الأولى أيضاً([66]).

وفي الأساس فإن المورمون يرَوْن جهودهم حركةً في إطار الإصلاح، وإن الذي يطرحونه من العقائد يطلقون عليه اسم «الإنجيل المصحَّح»([67]). كما أنهم يرَوْن أن ذات كلمة «الإصلاح» تعبِّر عن وجود محتوى هامّ ومؤثِّر قد تمّ تجاهله ونسيانه في المسيحية والكنيسة المعاصرة، أو تمّ القضاء عليه وإزالته، وهناك حاجةٌ ماسّة لإرجاعه وإعادته إلى المسيحية. وحتى اختيار عنوان «قدِّيسو الأيام الأخيرة» للكنيسة المورمونية يُشير إلى القدِّيسين الذين كانوا يعيشون في عصر السيد المسيح، وكان المسيح يطلق عليهم صفة «الحواريّين». يرى المورمون أنفسهم قدِّيسي الأيام الأخيرة؛ إذ يضطلعون بمهمّة الإصلاح الذي بدأ بالسيد المسيح والحواريّين منذ ولادة المسيح([68]).

وبعد ثلاث سنوات من المكاشفة الأولى جاءت المكاشفة الثانية لجوزيف سمث. وتُعَدّ هذه المكاشفة، بالإضافة إلى المكاشفة الأولى، الحَجَر الأساس في ظهور الفرقة المورمونية. في السادس من أبريل عام 1830م، قام جوزيف سمث رسميّاً بتأسيس كنسيته، التي سمّاها «كنيسة يسوع المسيح للقدِّيسين العصريّين». وبعد تأليف كتاب المورمون شرع جوزيف سمث بتأليف كتابٍ هامٍّ باسم «التعاليم والمواثيق».

ومن الجدير ذكرُه أن من المسائل التي يؤكِّد عليها المورمون هي أن جوزيف سمث كان يعيش منذ ولادته فَقْراً مدقعاً، ومن هنا لم يحصل أبداً على فرصةٍ للدراسة والتعلُّم بشكلٍ منهجي. ونشاهد هذا الادّعاء ـ بطبيعة الحال ـ في الكثير من الأديان والفِرَق؛ حيث تدَّعي أن مؤسِّسها، على الرغم من مجيئه بالكُتُب، كان شخصاً أُمِّياً أو شبهَ أُمِّي؛ لإثبات أن ما جاء به من التعاليم المكتوبة وغير المكتوبة هو بأجمعه من عند الله. لقد تواصلَتْ سلسلة جوزيف سمث الرؤيويّة والمناميّة على مدى خمسة عشر عاماً، وتمّ تدوين أكثرها في كتابَيْ: «التعاليم والمواثيق»؛ و«الجوهرة الثمينة».

وكما ذكَرْنا سابقاً فإن المورمون يعتقدون أن «جوزيف سمث» مُرْسَلٌ من الله؛ لإحياء إنجيل يسوع المسيح، وإعادة كتابة الإنجيل([69]).

إن من بين المهام الملقاة على عاتق المبشِّرين من المورمون، ضمن تبشير الإنجيل إلى البشر، الإعلان عن أن عيسى هو المسيح الموعود، وأن جوزيف سمث كان رسول الله، فقد تمّ اختياره من قِبَل الله، واعتبره هو الأجدر بإقامة مملكة الله، وملكها يسوع، وليس أيّ شخصٍ آخر([70]).

وفي ما يتعلَّق بمكانة كتاب المورمون، على الرغم من القول بأن الكتاب المقدَّس الحقيقي للمورمونية هو كتاب المورمون، وليس الكتاب المقدَّس المعروف بين المسيحيِّين (المشتمل على العهدين: القديم؛ والجديد)، فإن كتاب العهدَيْن يحظى بالدرجة الثانية من الأهمِّية بعد كتاب المورمون؛ وذلك لاعتقاد المورمون بتعرُّض الكتاب المقدَّس للتحريف والنقصان. وفي المقابل فإن كتاب المورمون محفوظٌ من التحريف، وهو الذي يضطلع بالرسالة الحقيقية ليسوع المسيح([71]). بَيْدَ أن المورمون أنفسهم يعتبرون الكتاب المقدَّس للمسيحيين هو المبنى لفرقتهم. ومن الجدير ذكرُه أن المورمون ـ بطبيعة الحال ـ يقرُّون ترجمة «كينغ جيمس» للكتاب المقدَّس، ويعتمدون عليها؛ فقد ورد في المادّة الثامنة من معتقداتهم: «إن الكتاب المقدَّس بترجمة جيمس ترجمةٌ صحيحة لكلام الله»([72]).

مهمّة الإصلاح اليسوعيّ في الكنيسة المورمونيّة

كما ذكَرْنا سابقاً فإن جوزيف سمث لم يطلق على نفسه عنوان المسيح، رغم أن أتباعه يعتبرونه نبيّاً بالمعنى الحقيقي للكلمة، وعلى مستوى الأنبياء السابقين، وأما هو بشخصه فقد كان يحمل رؤيةً إصلاحية. وكان يعتقد أنه قد تمّ تكليفُه من قِبَل الله بمهمّةٍ على مستوى مهمّة يسوع المسيح؛ ليقوم بأمر إصلاح الكنيسة. وإنه ـ كما قيل له ـ يرى جميع الكنائس الموجودة ضالّةً وفاسدةً. وهو إذ لم يعترف بأيٍّ من الكنائس الموجودة، كان يرى أن مشروعيّة كنيسته ممنوحةٌ من قِبَل الله مباشرةً. وهو يرى أن المسيحية قد ابتعَدَتْ ـ طوال التاريخ ـ عن أصلها وأصالتها، وتعرَّضَتْ للفساد. وقد ذهب «بوشمان» إلى أبعد من ذلك، وقال: حتّى ما قبل عصر جوزيف سمث لم يشهد الدين أيّ عصرٍ من العصور الذهبية([73])، ولم يبلغ الدين مرحلةَ كماله أبداً. وكان جوزيف سمث يرى نفسه مُنْجِزاً ـ أو في الحدّ الأدنى متمِّماً ـ لمهمّةٍ لم تكتمل أبداً، لا أنه قام بإحيائها. وهو يرى أنه على طول التاريخ ـ منذ أن خلق الله آدم إلى يومنا هذا ـ كان هناك سعيٌ من الله لإعداد الأشخاص الصالحين، وهو ما لم يكتب له التحقُّق قبل ظهور جوزيف سمث. كما كان جوزيف سمث يرى أن عصره يمثِّل العصر الأخير، حيث يمثِّل مستهلاًّ لظهور مملكة الله. وكانت جميع الأمور قد تضافرت في هذا العصر؛ لتطبيق وإنجاز الأطروحة الإلهية، والإعداد لعودة يسوع المسيح. وقد ذهب جوزيف سمث إلى الاعتقاد بأن جميع الذين مارسوا دَوْرهم في هذا الشأن في الأزمنة القديمة، من أمثال: إلياس، ويوحنا المعمدان، وبطرس، وغيرهم، قاموا بما أُوكل إليهم، حتّى أوصلوا الراية إلى الكنيسة المعاصرة، وأمدّوها بكلّ ما تحتاج إليه؛ لإنجاز ما لم يكتمل من هذه المهمّة([74]).

وتَبَعاً لجوزيف سمث يذهب قدِّيسو الأيام الأخيرة بدَوْرهم إلى الاعتقاد بأنهم يعيشون منعطفاً تاريخياً حسّاساً ومصيريّاً جدّاً. وفي الأصل فإن تسمية قدِّيسي الأيام الأخيرة يقوم من وجهة نظرهم على الاعتقاد بأنهم يعيشون المرحلة الأخيرة من عمر الدنيا([75]).

لقد كان هاجس «جوزيف سمث» يكمن في التمهيد لظهور يسوع مجدَّداً. ومن مقدِّمات الظهور المتجدِّد ليسوع، من وجهة نظر جوزيف سمث، بناء «مدينة صهيون»([76])، وتجمُّع أتباع كنيسة يسوع المسيح. ومن هنا فإن جوزيف سمث قد كتب في واحدٍ من أصول الإيمان والاعتقاد المورموني: «نحن نؤمن حرفيّاً بأن تجمُّع بني إسرائيل، وعودة القبائل العشرة، وأن صهيون (أورشليم الجديدة) سوف تُبْنَى في القارّة الأمريكيّة، وأن يسوع المسيح سوف يحكم الأرض، وسوف تلبس الأرض ثوباً جديداً، وسوف تستعيد جلالها ومَجْدها»([77]).

ومن هنا فإن «صهيون» يلعب دَوْراً بالغ الأهمِّية في اللاهوت المورموني لجوزيف سمث، وكان من أهدافه تحقيق هذه الغاية، وهو ما لم يتحقَّق بطبيعة الحال. وعلى هذا الأساس، يمكن القول: إن الظهور المجدَّد للسيد المسيح كان له دَوْرٌ مصيري في ظهور المورمونية. وكما ذكَرْنا سابقاً فإن أساس دعوة ونشاط جوزيف سمث قد قام على إصلاح المسيحية. وطبقاً لما يدَّعيه فإنه قد كُلِّف بمهمّةٍ من قِبَل الله؛ ليعيد المسيحية إلى طبيعتها الأولى، وإعادة تفسيرها على أساس الكتاب المقدَّس، وليس على نحو ما تقدِّمه الكنيسة. بل إنه أنكر حتّى الكنائس الموجودة بأجمعها، وعرَّف بكنيسته وحدها الكنيسة المشروعة والرسميّة. إن كنيسته ـ كما ذكَرْنا سابقاً ـ تقوم على إحياء الكنيسة التي أقامها يسوع المسيح بعد قيامته بين قبائل بني إسرائيل المهاجرة إلى أمريكا. كان جوزيف سمث يعتقد أن المسيحية القائمة على الكتاب المقدَّس هي المسيحيّة الأصيلة، ويرى أن المسيحية الموجودة، بَدَلاً من استنادها إلى الكتاب المقدَّس، تقوم على أساس كتب العقائد التي تمثِّل المسيحيّة المنحرفة([78]).

وبشكلٍ عامّ فإن المقولة الأهمّ في البحث عن المورمونية هي تلك المقولة التي تمثِّل بشكلٍ وآخر البحث الأكثر تأثيراً، وتشكِّل أساساً للحكم عليها، هي مقولة الإصلاح المدَّعى من قِبَل هذه الكنيسة. وقد وقع هذا الأمر مورداً لتصديق وإذعان المورمون أنفسهم، إلى الحدّ الذي ذهب معه بعضهم إلى القول: منذ حدوث قيامة يسوع المسيح تُعَدّ مقولة الإصلاح في الكنيسة المورمونية من أكبر أحداث التاريخ([79]).

وفي المجموع يمكن القول: إنه كان يرى نفسه مكلَّفاً بإصلاح المسيحية؛ تمهيداً لإعداد الظروف لعودة يسوع المسيح. الأمر الذي أدّى إلى تأسيس الفرقة المورمونية من قِبَله. والشاهد على هذا الادّعاء يكمن في الالتفات إلى هذه النقطة، وهي أن الأتباع الأوائل لجوزيف سمث كانوا من «السَّبْتية»([80])، الذين كانوا قد تجمَّعوا وأخذوا ينتظرون عودة يسوع من السماء([81]).

الخلاصة

كما ذكَرْنا سابقاً فإن الإيمان بالموعود، والاعتقاد بالظهور وعودة المُنْجي الموعود، في الدين الإسلامي والدين المسيحي، قد أدّى بمختلف العناوين والطُّرُق المتنوِّعة إلى ظهور العديد من الفِرَق طوال تاريخ هاتين الديانتين، ولا سيَّما في القرنين الأخيرين.

ومن بين هذه الطُّرُق ادّعاء المكاشفات وتلقّي الأخبار من عند شخصٍ خاصّ، وتَبَعاً لذلك تبلورت فرقةٌ خاصّة تقوم على أساس ظهور المُنْجي الموعود.

وفي هاتين الديانتين، ظهرت الفرقة الشيخية في الإسلام، والمورمونية في المسيحية، على هذا الأساس، وبينهما نقاطٌ مشتركة في هذا الشأن.

فإن الشيخ الأحسائي ـ مؤسِّس الفرقة الشيخية ـ قد ادَّعى اللقاء بالذات المقدَّسة للأئمّة المعصومين^، ومن خلال آرائه الخاصّة التي تبنّاها ـ هو وخلفاؤه، من أمثال: السيد كاظم الرشتي ـ في بعض المسائل، ولا سيَّما منها: مسألة «الركن الرابع» (بوصفه النائب الخاصّ للإمام الحجّة#)، قد أوجد فرقة الشيخية في صُلْب التشيُّع. ورُبَما كانت النقطة الأهمّ في استمرار هذه الفرقة تكمن في تطبيق شخصيّة الشيخ أحمد الأحسائي والسيد كاظم الرشتي على عنوان وموقع الركن الرابع.

وفي المسيحيّة ظهرت الفرقة المورمونية، من خلال دعوى المكاشفة من قِبَل جوزيف سمث. منذ أن بَرِم جوزيف سمث وأُصيب بالضَّجَر من الفوضى المذهبيّة في عصره طلب من الله الهداية. وفي هذه الأثناء ظهر له في المنام مَلَكان، وطلبا منه عدم التَّبَعيّة لأيّ كنيسةٍ من الكنائس التي كانت قائمة آنذاك؛ لأنها كلها على ضلالة. كما ادّعى جوزيف سمث ظهور مَلَك له، اسمه «مورموني»، وأنه دعاه باسمه، وأرشده إلى مكان كتابٍ مدفون، وأمره أن يترجمه، من خلال الاستعانة بلوحَيْن باسم: «يوريم»؛ و«توميم». يبيِّن هذا الكتاب مصير أقوامٍ بائدة من بني إسرائيل سبق لها أن هاجَرَتْ إلى أمريكا. إن أساس مكاشفات جوزيف سمث يقوم ـ كما يعتقد المورمونيون ـ على أساس القيام برسالةٍ خاصّة في خصوص ظهور المُنْجي الموعود. وهذه المهمّة تكمن في إصلاح الكنيسة في إطار التمهيد لعودة السيد المسيح. إن مجموع هذه العناصر والأحداث قد أدَّتْ إلى إيجاد الفرقة المورمونية في المسيحية.

إن وجوه الشَّبَه بين هاتين الفرقتين، في الدين الإسلاميّ وفي المسيحيّة، تكمن في دعوى المكاشفة في ظهور هاتين الفرقتين؛ ومع ذلك يمكن أن نرى بعض نقاط الاختلاف بينهما. فإن الشيخية وإنْ انحرفَتْ عن التشيُّع الأصيل على أساس مدَّعياتٍ باطلة، إلاّ أنها لم تنكر الأصول الأساسيّة للتشيُّع الأصيل أبداً. وأما بالنسبة إلى المورمونية في المسيحية فالأمر مختلفٌ إلى حدٍّ ما؛ إذ إن جوزيف سمث ـ كما ذكَرْنا سابقاً ـ كان يعتقد أن لا شيء من الكنائس الموجودة على حقٍّ، وأنها ضالّةٌ بأجمعها، ومن هنا فإنه قد أنكر التَّبَعيّة لهذه الكنائس، وادَّعى أنه قد طُلِب منه في مكاشفةٍ أن لا يتبع أيّ كنيسةٍ من الكنائس الموجودة. إن جوزيف سمث، وبتَبَعه المورمونية       ـ خلافاً للشيخية ـ، كان يعتبر المسيحيّة في عصره مسيحيّةً منحرفة. ومن هنا فإنه كان يرى أن من المهامّ الملقاة على عاتقه مهمّة إصلاح الكنيسة، وبعبارةٍ أخرى: إن مسار انفصال المورمونية كان بحيث شكَّل اصطفافاً في مواجهة المسيحيّة المعاصرة برمّتها، حتّى أنه لم يعترف بمسيحيّة المسيحيّين المعاصرين، كما أن المسيحية الأصيلة بدَوْرها لم تعترف بشرعيّة المسيحيّة المورمونية.

والحاصل، وبعد المقارنة التاريخية بين هاتين الفرقتين في الإسلام والمسيحية، ندرك بوضوحٍ أن كلتا الفرقتين قد ظهرَتْ إلى الوجود من خلال دعوى المكاشفة والإلهام من الله، من قِبَل المؤسِّسين لهاتين الفرقتين. إن طرح مدَّعيات هاتين الفرقتين وبسطها، واتّساع رقعتها، مع اشتمالهما على عقائد مغايرة للدين المرجع والأصل، أدّى بهما شيئاً فشيئاً إلى الافتراق والانفصال عن الدِّين الأصلي، وأخذ يُنْظَر إليهما كفرقتين مستقلّتين، وهو أمرٌ لم يُنْكِرْه حتّى أتباع هاتين الفرقتين.

الهوامش

(*) باحثٌ متخصِّصٌ في الأديان المقارنة، وعضو منتدى الحوار الإسلاميّ ـ المسيحيّ، ومدير المعهد الدوليّ للدراسات المقارنة بين الأديان.

([1]) انظر: رضا كاظمي راد، مصاحبه با حجّت الإسلام دكتر كرباسي (حوارٌ مع حجّة الإسلام الدكتور الكلباسي)، مجلة مرزبان نامه، العدد 7، شهر أرديبهشت، سنة 1392هـ.ش. (مصدر فارسي).

([2]) انظر: العلاّمة محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 51: 90، ح39، دار إحياء التراث العربي، ط 2، بيروت، 1403هـ.

([3]) انظر: مسلم النيسابوري، صحيح مسلم 4: 221، ح7، دار الفكر، ط3، بيروت، 1409هـ.

([4]) انظر: جلال الدين السيوطي، الجامع الصغير: 118، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1401هـ.

([5]) انظر: هاروي كاكس، مسيحيّت (المسيحيّة): 11، ترجمه إلى اللغة الفارسية: عبد الرحيم سليماني، مركز مطالعات أديان ومذاهب، قم، 1278هـ.ش.

([6]) انظر: روبرت فان فورست، مسيحيت أز لابه لاي متون (المسيحية من تضاعيف النصوص): 74، ترجمه إلى اللغة الفارسية: جواد باغباني وعبّاس رسول زاده، مؤسسة الإمام الخميني للبحوث والدراسات، قم، 1385هـ.ش.

([7]) انظر: القسّ جيمس أنس الأميركاني، نظام التعليم في علم اللاهوت القديم: 505، بيروت، 1980م.

([8]) انظر: الكتاب المقدَّس، العهد الجديد، إنجيل متّى، الإصحاح 23، الفقرة 39.

([9]) انظر: الكتاب المقدَّس، العهد الجديد، الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكي، الإصحاح 3،      الفقرة 2.

([10]) See: Eliade, Micea, 1987, The Encyclopedia of Religion, New York, Mac Milan Publishing Company. p. 184.

([11]) انظر: الكتاب المقدَّس، العهد الجديد، رسالة بطرس الثانية، الإصحاح 3، الفقرتان 3 ـ 4.

([12]) انظر: الكتاب المقدَّس، العهد الجديد، إنجيل متّى، الإصحاح 24، الفقرة 6.

([13]) انظر: الكتاب المقدَّس، العهد الجديد، إنجيل متّى، الإصحاح 24، الفقرة 4.

([14]) انظر: الكتاب المقدَّس، العهد الجديد، إنجيل مرقس، الإصحاح 13، الفقرة 35.

([15]) انظر: الكتاب المقدَّس، العهد الجديد، إنجيل لوقا، الإصحاح 12، الفقرتان 35 ـ 36.

([16]) انظر: هنري كوربان، مكتب شيخي أز حكمت إلهي شيعي (المذهب الشيخي من الحكمة الإلهية الشيعية): 3، ترجمه إلى اللغة الفارسية: فريدون بهمنيار، جامعة التحقيقات العليا في السوربون، باريس، 1346هـ. تنويه: هكذا وردت تسمية والد الشيخ أحمد الأحسائي في كتب المستشرقين، وهو من التصحيف، والصحيح «زين الدين»، على ما ورد في الصفحة رقم 55 من كتاب «الشيخية، نشأتها وتطوّرها ومصادر دراستها»، للسيد محمد حسين آل الطالقاني. (المعرِّب).

([17]) انظر: المصدر السابق: 4.

([18]) انظر: عبد الله بن أحمد الأحسائي، شرح حالات الشيخ أحمد الأحسائي: 45، بمبعي، 1310هـ.

([19]) انظر: السيد محمد مهدي الكاظمي القزويني، هدى المنصفين إلى الحقّ المبين: 251، المطبعة العلوية، النجف، 1342هـ.ش؛ السيد كاظم الرشتي، مجموعة رسائل (رسالة الحجّة البالغة): 10، الطبعة الحجرية.

([20]) انظر: محمد زكي إبراهيم، المدرسة الشيخية: 225، دار المحجّة البيضاء، بيروت، 2004م.

([21]) انظر: نور الدين مدرسي چهاردهي، أز أحساء تا كرمان (من الأحساء إلى كرمان): 43، انتشارات مير غوتنبرغ، 1362هـ.ش.

([22]) انظر: فريبا سعادتي فر، گزيده تاريخ أخبارية شيخيه وبابيه (خلاصة تاريخ الأخبارية والشيخية والبابية): 59، نشر سخن گستر، مشهد، 1387هـ.ش.

([23]) انظر: السيد سعيد زاهد زاهداني، بهائيت در إيران (البهائية في إيران): 87، مركز أسناد انقلاب إسلامي، طهران، 1380هـ.ش.

([24]) انظر: هنري كوربان، مكتب شيخي أز حكمت إلهي شيعي (المذهب الشيخي من الحكمة الإلهية الشيعية): 20.

([25]) انظر: المصدر السابق: 31.

([26]) انظر: المصدر السابق: 22.

([27]) السيد محمد باقر النجفي، بهائيان: 140، نشر طهوري، طهران، 1357هـ.ش.

([28]) انظر: الكاظمي، هدى المنصفين إلى الحقّ المبين: 287.

([29]) انظر: الشيخ عباس القمّي، منتهى الآمال: 1114 ـ 1118، نشر بارش، مشهد، 1379هـ.ش.

([30]) انظر: مهدي پيشوائي، سيره پيشوايان (سيرة الأئمّة): 673، نشر اعتماد، ط13، قم، 1381هـ.ش. (مصدر فارسي).

([31]) سليمان القندوزي الحنفي، ينابيع المودة 3: 82، الباب 71، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، ط3، بيروت، 1405هـ.

([32]) انظر: أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، الغَيْبة: 353، مؤسّسة المعارف الإسلامية، ط2، قم، 1417هـ.

([33]) المصدر السابق: 242.

([34]) الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، أصول الكافي 1: 67، مكتبة الصدوق، طهران، 1381هـ.

([35]) أحمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج 2: 163، المطبعة المرتضوية، النجف، 1407هـ.

([36]) انظر: هنري كوربان، ، مكتب شيخي أز حكمت إلهي شيعي (المذهب الشيخي من الحكمة الإلهية الشيعية): 88.

([37]) انظر: المصدر السابق: 90.

([38]) انظر: فريبا سعادتي فر، گزيده تاريخ أخبارية شيخيه وبابيه (خلاصة تاريخ الإخبارية والشيخية والبابية): 70.

([39]) السيد محمد حسن آل الطالقاني، الشيخية: نشأتها وتطوُّرها ومصادر دراستها: 306، مكتبة المعارف ـ النجف الأشرف، دار الكتاب العربي ـ بغداد، 1428هـ ـ 2007م.

([40]) السيد محمد باقر النجفي، بهائيان (البهائيون): 100.

([41]) سركار آقا أبو القاسم خان الإبراهيمي، فهرست (الفهرست): 117، مطبعة سعادت، كرمان. (مصدر فارسي).

([42]) انظر: نور الدين مدرسي چهاردهي، شيخي گري، بابي گري، وبهائي گري (الشيخية والبابية والبهائية): 75، نشر فروغي، طهران، 1345هـ

([43]) انظر: سركار آقا أبو القاسم خان الإبراهيمي، فهرست (الفهرست): 129.

([44]) السيد كاظم الرشتي، مجموعة رسائل (رسالة الحجّة البالغة): 317.

([45]) السيد محمد باقر النجفي، بهائيان (البهائيون): 106.

([46]) انظر: سركار آقا أبو القاسم خان الإبراهيمي، فهرست (الفهرست): 127.

([47]) انظر: المصدر السابق: 128.

([48]) انظر: محمد حسين فقيه إيماني، شيخيه زمينه ساز بابيه (الشيخية الممهِّدة للبابية): 107، نشر راه نيكان، طهران، 1390هـ.ش. (مصدر فارسي).

([49]) انظر: سعد رستم، الفِرَق والمذاهب المسيحية منذ ظهور الإسلام حتى اليوم، دراسةٌ تاريخية دينية سياسية اجتماعية: 255، الأوائل، دمشق، 2004م.

([50]) See: Shipps Jan, Mormonism (2008), The story of a new religions tradition, Chicago, Illinois press., p. 23.

([51]) الميثودية (Methodism) أو المنهاجية: طائفةٌ مسيحية بروتستانتية ظهرَتْ في القرن الثامن عشر في المملكة المتَّحدة على يد «جون ويزلي»، وانتشرَتْ في بريطانيا، ولاحقاً من خلال الأنشطة التبشيرية في المستعمرات البريطانية، وحتى في الولايات المحدة الأمريكية. (المعرِّب).

([52]) المشيخانية (Presbyterianism): نظامٌ يدبِّر شؤون الكنيسة، فيه شيوخٌ منتخبون، يتمتَّعون كلهم بمنـزلةٍ متساوية. وكذلك يشير هذا المصطلح إلى معتقدات الكنائس المشيخية. (المعرِّب، نقلاً عن: منير البعلبكي، المورد [قاموس إنجليزي ـ عربي]).

([53]) المعمودية: طقسٌ مسيحيّ يمثِّل دخول الإنسان الحياة المسيحية، ويتمّ باغتسال المعمَّد بالماء بطريقةٍ وأخرى. ويُعَدّ سرّ المعمودية أحد الأسرار السبعة المقدّسة في الكنيسة الأرثودوكسية والكاثوليكية، وأحد السرّين المقدّسين في الكنائس البروتستانتية. (المعرِّب).

([54]) ليو راستن، فرهنگ تحليلي مذاهب آمريكايي (المعجم التحليلي للمذاهب الأمريكية): 391، ترجمه إلى اللغة الفارسية: محمد بقائي، نشر حكمت، ط3، طهران، 1385هـ.ش؛ إنجيل متّى، الإصحاح 17، الفقرتان 3 ـ 5.

([55]) انظر: سعد رستم، الفِرَق والمذاهب المسيحية منذ ظهور الإسلام حتى اليوم، دراسةٌ تاريخية دينية سياسية اجتماعية: 254.

([56]) See: Bushman Richard, Mormonism (2008), a very short introduction, New York, oxford. P. 2.

([57]) انظر: علي موحديان عطّار ومجموعة من المؤلِّفين، گونه شناسي أنديشه منجي موعود (معرفة أنماط رؤية المنجي الموعود): 256، دانشگاه أديان ومذاهب، قم، 1388هـ.ش. (مصدر فارسي).

([58]) انظر: ميري جو فيفر، در آمدي به مسيحيت (مدخلٌ إلى المسيحية): 276، ترجمه إلى اللغة الفارسية: حسن قنبري، مركز مطالعات وتحقيقات أديان ومذاهب، قم، 1381هـ.ش.

([59]) See: Bushman Richard, Mormonism (2008), a very short introduction, New York, oxford. P. 8.

([60]) See: Ibid(المصدر نفسه) .

([61]) انظر: ميري جو فيفر، در آمدي به مسيحيت (مدخلٌ إلى المسيحية): 276.

([62]) انظر: ليو راستن، فرهنگ تحليلي مذاهب آمريكايي (المعجم التحليلي للمذاهب الأمريكية): 390.

([63]) Restiration.

([64]) انظر: ليو راستن، فرهنگ تحليلي مذاهب آمريكايي (المعجم التحليلي للمذاهب الأمريكية): 390.

([65]) نسبة إلى التطهيرية أو البيوريتانية (Puritanism): مذهبٌ مسيحي بروتستانتي، يجمع خليطاً من الأفكار الاجتماعية والسياسية واللاهوتية والأخلاقية. ظهر في إنجلترا في عهد الملكة إليزابيث الأولى، وازدهر في القرنين السادس والسابع عشر الميلاديين، ودعا إلى إلغاء الرُّتَب الكهنوتية. (المعرِّب).

([66]) See: Bushman Richard, Mormonism (2008), a very short introduction, New York, oxford. P. 4.

([67]) Restored gospel.

([68]) See: Ibid (المصدر نفسه).

([69]) انظر: ليو راستن، فرهنگ تحليلي مذاهب آمريكايي (المعجم التحليلي للمذاهب الأمريكية): 392.

([70]) See: Bushman Richard, Mormonism (2008), a very short introduction, New York, oxford. P. 144 – 145.

([71]) انظر: سعد رستم، الفِرَق والمذاهب المسيحية منذ ظهور الإسلام حتّی اليوم، دراسةٌ تاريخية دينية سياسية اجتماعية: 263.

([72]) انظر: ليو راستن، فرهنگ تحليلي مذاهب آمريكايي (المعجم التحليلي للمذاهب الأمريكية): 394.

([73]) Golden Age.

([74]) See: Bushman Richard, Mormonism (2008), a very short introduction, New York, oxford. P. 5.

([75]) See: Ibid (المصدر السابق), p. 6.

([76]) Zion.

([77]) انظر: علي موحديان عطار ومجموعة من المؤلِّفين، گونه شناسي أنديشه منجي موعود (معرفة أنماط رؤية المنجي الموعود): 256.

([78]) See: Bushman Richard, Mormonism (2008), a very short introduction, New York, oxford. P. 4.

([79]) See: Shipps Jan, Mormonism (2008), The story of a new religions tradition, Chicago, Illinois press. p. 67.

([80]) «السَّبْتية»: طائفةٌ متفرّعة عن المسيحية البروتستانتية، تؤمن بالمجيء الثاني الوشيك ليسوع المسيح، نشأَتْ في الثلاثينيات من القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة، عندما شارك الداعية المعمداني (ويليام ميللر) علانيةً في اعتقاده بأن المجيء الثاني سيحدث في وقتٍ ما بين 1843 و1844م. (المعرِّب).

([81]) See: Davies Douglas j, (2010), Jesus, and Satanic Opposition, England, Ash Gate Publishing Company, p. 21.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً