أحدث المقالات

أ. نبيل علي صالح(*)

 

ملخَّصٌ

اهتمّ الإسلام بموضوعة «الجمال»، وأبرز أهمّية البُعْد الجمالي في كلّ ما يتعلّق بحركة الفرد والمجتمع، وقدَّم ـ في هذا الاتجاه ـ معالم فكرية عقلية واضحة، ومقوّمات معرفية رصينة للجمال والذوق الجمالي الذي يمكن لهذا الفرد أن يتلمّسه ويشعر به ويحسّه في كثير من مواقع حياته الذاتية والموضوعية.

اهتمّ هذا البحث بإبراز تلك المعالم، وحاول تركيزها قرآنياً ومعرفياً، مبيِّناً أن الجمالية الإسلامية جزءٌ حيويّ من الهويّة الإسلامية للفرد والأمّة ككلّ، باعتبار أن قمّة هذه الجمالية الإسلامية هي الانفتاح على الله في مواقع إبداعه وخلقه، في إنسانية الإنسان الذي فطره الله على الجمال والحقّ والإيمان الكلّي.

أكَّد البحث في النهاية على أن تلك الهوية الجمالية ـ التي يجب أن تتأسَّس كقناعةٍ ووَعْي سلوكي فاعل في حركة الفرد وسلوكه الخاصّ والعامّ ـ تحتاج إلى تجدُّدٍ دائم، وأنه لن يكون لها أيّ دَوْرٍ عملي في عالم اليوم والغد إلاّ بتجديد المعرفة، واكتمال منظومة الحقوق عند الفرد المسلم؛ ليكون قادراً على ممارسة معيشته ـ إنتاجاً وعملاً وحضوراً جماليّاً مميزاً ـ في زمانه، من خلال تجديد الفكر الزمني التاريخي نفسه.

مقدّمةٌ

خلق الله تعالى الإنسان في أحسن هيئةٍ وأكمل قوام، وبثَّ فيه من روحه روح الجمال الكلِّي، فكان (من خلال هذا الجمال الذاتي الجوهري القائم فيه بالقوّة) كائناً جمالياً في الخِلْقة والفطرة والرؤية والامتداد. وتؤكِّد مصادر الدين كلها على حقيقة هذا البُعْد الجمالي في وجود الإنسان الخاصّ والعامّ، فالله تعالى ـ كما ورد في القرآن الكريم ـ خلق الإنسان على الصورة الأجمل والأحسن والأبهى، مقارناً بينه وبين سائر الحيوانات ـ وهي غايةٌ في الجمال ـ ظاهراً وباطناً. يقول تعالى: ﴿اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ (غافر: 64). ليستمرّ معه حبّه للجمال، من حيث حبّه للخير والحقّ، وليتذوّقه في أبعاده المتنوّعة الهائلة الموجودة حوله في حركة الوجود والحياة التي خلقها تعالى، وجعلها جميلةً ومنسقة المظهر وبديعة المنظر وحَسَنة الهيئة، يقول تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ (الكهف: 7). فترى الإنسان مثلاً يرتاح ويُسَرّ وينشرح في صميم ذاته وفي عمق وجوده عندما يشاهد منظراً طبيعياً جميلاً، كإشراقة شمسٍ، أو طلوع قمرٍ، أو رؤية منظر الجبال الساحرة، أو التمتُّع بمشهد الأفق البعيد، والتأمُّل في بديع خلق الله؛ ليتفاعل بإيجابيّةٍ مثمرة ومنتجة مع صوره الجمالية ومناظره الخلابة، ويقبل بفرحٍ واستبشار كبيرين على كلّ ما يواجهه ويتفاعل معه في سياق حركته الوجودية، إذا توفَّرت فيه خصائص الخير والحُسْن والجمال، وشروط الحقّ والصحّة والفاعلية؛ ولتكون هذه الزينة والجمال الكوني البديع ـ في الخلق والتصميم والامتداد ـ دافعاً لهذا الإنسان، ومحرِّضاً له للتحلّي بالقِيَم الإيمانية الجمالية.

إذن، هذا الجمال هو ذائقةٌ معنويّة تنطبع في الوجدان، فتحيي النفس، وتبهج الروح، وتنير فيها زوايا السكون والظلام والاسترخاء، وتسلِّط الضوء على مكامن الغضب واليأس؛ لتتحوَّل حياة المرء ـ الشاعر بالجمال ـ إلى كيانٍ متفجِّر بطاقة العمل، ومتدفِّقٍ بمعانٍ متلألئةٍ من السموّ والرفعة والتألُّق الروحي والسموّ النفسي، بما يؤثِّر إيجاباً ـ من خلال توزانه الروحي والعملي ـ على مجمل سلوكياته وعلاقاته، وطبيعة تعاطيه الفعال والمنتج مع الآخرين. هذا كلّه يأتي في الجَوْهر المعياري الرصين، رغم ما قد يعتريه من ملابسات وإشكاليات وصعوبات، تعترض وجوده الأرضي في عيشه الزماني والمكاني المحدودين.

وبرغم أصالته في الوجدان النفسي، فإن الجمال ـ الذي هو إحساسٌ يختصّ بالإنسان، ويتفرَّد به عن غيره من كائنات الوجود ـ لا يقتصر على البُعْد المعنوي الروحي المرتبط في العمق بمعاني الحقّ والخير، ومجمل القِيَم والفضائل الأخلاقية، والشعور بالسعادة الغامرة، بل له بُعْده المادي في رؤية جمال الصورة والخِلْقة التي أشار إليها القرآن الكريم نفسه في آياتٍ كريمةٍ، منها: ﴿…لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ…﴾ (التين: 4)، أي على أكمل هيئةٍ، وأعدل خَلْقٍ، وأحسن صورةٍ، وهي الصورة الأجمل والأخير.

وموضوعة الجمال هي من أكثر المواضيع حضوراً في تفكير البشر، وانشغالاً بها من قِبَلهم، على مختلف مستويات وجودهم منذ بدء هذه المسيرة الإنسانية على هذه الأرض؛ لأنها قيمةٌ جوهريةٌ في وجدان الإنسان، تتحرَّك مفاعيلها في كلّ ما يتَّصل بحركتهم الحياتية، وهي ثالث ثلاثةٍ من القِيَم التي دعَتْ إليها كافة الأديان والشرائع الإنسانية؛ لتحقُّق الرسالة التي من أجلها خلق الله الإنسان على هذه البسيطة، ألا وهي «العبودية» الخالصة لله وحده. وهذه القِيَم الثلاثة هي: الحقّ والخير والجمال.

وارتباط الجمال بقِيَم الخير والحقّ (والعدل والمساواة) تنطلق من فكرة أن الجمال داخلٌ ومتعلّق ذاتياً في تكوين كلّ القِيَم والفضائل والأخلاقيات الإنسانية، بل هو بؤرتها التكوينية الأولى؛ لأنه موصولٌ إلى جمال العلّة الأولى خالق الوجود وواجبه. يقول تعالى: ﴿…الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ (طه: 55)، والعطاء هنا ـ وفي آيةٍ أخرى: الحُسْن ـ يأتي بمعنى الخير والعدل والجمال. فالعدل في كماله جمالٌ، والخير في تحقُّقه جمالٌ للنفس، لأن إحقاق الحقوق راحةٌ وسعادة وجمالٌ كلّي يدلّ      ـ في أحد أهمّ أوجهه ـ على عدالة الخلق وجمال الخالق الذي خلق فأحسن، وأبدع فأتقن. وهنا تكمن الغاية من الرؤية الجمالية في الإسلام، وهي إبراز وإظهار جمال الخالق في عدله ورحمته ومساواته بين الناس في أصل الخلقة، وهدايتهم إلى الحقّ والخير والجمال الكلّي.

والجمال في أحد معانيه أيضاً سعيٌ لتمثُّل معنى الخلق، وهدفيّته، في وصول الإنسان إلى كماله الممكن له، على صورة الجمال الكلّي، وما أرادته إرادة الخالق العظيم في هذا المقام، فـ «الله جميلٌ يحبّ الجمال»([1])؛ بمعنى أن الإنسان ـ وهو الخليفة المخلوق على صورة الله([2]) ـ لا بُدَّ أن يكون جميلاً حريصاً على جمال روحه وعقله ووجدانه، بما يثمر فاعليّةً وجودية له؛ لتكون الرؤية الجمالية ـ في أحد معانيها العملية ـ نتاجاً للإنسان ضمن فضاءٍ ثقافي واجتماعي متنوِّع ومتغيِّر، يلعب فيه المخيال الدَّوْر البارز في إظهار نماذج وأشكال ومظاهر تمثِّل الجمال في الحياة اليومية والأعمال الفنِّية الكبرى والصغرى على السواء؛ حيث إن لكلّ بلدٍ أو قوميةٍ أو أمّةٍ فلسفة جمالية تتباين من مجتمعٍ لآخر، وتتشكَّل ـ تلك الفلسفة ـ من مجموع الروافد الدينية والقِيَمية التي يتشبَّع بها أفراد الجماعة([3]).

من هنا تأتي التربية الجمالية (التربية على قيمة الجمال الروحي والمادّي) لتكون محوراً مهمّاً وطريقاً أساسياً في حياة الناس، خاصّة على صعيد بناء الفرد وتهيئته وتربيته على قِيَم المحبّة والتسامح واللاعنف، وتمتين الصلة بين العقل والذوق، بين الإدراك المادّي والتذوُّق المعنوي، لا أن تكون مجرّد حالة رفاهية أو نوعاً من أنواع الترف الفكري والثقافي؛ أي لتكون ضرورة موضوعية من أجل بناء الروح وتنمية مدارك النفس والوجدانيات الإنسانية وطبائع الذات؛ لتتكامل مع التربية الجسدية. فمثلما نربّي الإنسان؛ لكي يعي حاجاته وحقوقه المادّية، ويسعى لتأمين مختلف متطلّباته المعيشية الحياتية، وانتزاع حقوقه واشتراطات وجوده في مجاله «السياسي والاجتماعي والتنموي»، كذلك يجب تربيته وتنشئته على الجانب الروحي الجمالي، وتنمية الذائقة والحسّ النفسي القِيَمي، والوَعْي الجمالي في روحه، ومن ثمّ في سلوكه وحضوره الخارجي العملي؛ كي يتحسَّس وجوده بأرقى معانيه وأحسنها وأبدعها؛ لأنه من شروط تكامله الوجودي.

ولا شَكَّ أن الإسلام أدرك ـ في مسألة الجمال والتربية الجمالية والذوق الجمالي ـ أهمِّية هذا التكامل الفكري والعملي في القيمة الجمالية، ليأتي تناوله لهذه القيمة تناولاً محكماً، سديداً، راشداً، يجعلها تسهم في سموّ المجتمع البشري، ودفعه إلى تحقيق رسالته الكريمة في دفع الإنسان، وحضّه على السير في طريق كماله الروحي والعملي، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ﴾ (الانشقاق: 6).

ونحن في هذه الدراسة سنقوم بتسليط الضوء الفكري التحليلي على فكرة الجمال في الإسلام ـ كما تجلَّتْ في النص الأصيل ـ، مع بحث ضرورتها وأثرها ـ كقيمةٍ تربوية ـ في تحقُّق فاعلية الفرد المسلم، حضوراً وممارسةً إبداعيّة، لنعرج على معاني التربية الجمالية للإنسان المسلم، وأُسُسها ومقوِّماتها، وأهمِّيتها في بناء تكامله الروحي والمادي في سياق ترسيخ دوره وتمتينه كخليفةٍ([4]) مُسْتَأمَن على البناء الحياتي الجمالي والأخلاقي، مثلما هو مُسْتَأمَنٌ على البناء الحضاري المادّي.

إشكاليّة البحث

تدور إشكاليّة البحث حول أهمِّية تركيز معنى الجمال والذائقة الجمالية في البُعْد المعرفي الإسلامي من خلال فَهْم نصوص القرآن في سياقها التاريخي أوّلاً، والاجتهاد في استنطاق مدلولاتها المعرفية ثانياً. وقد اعتمَدْنا على منهجين: تفكيكي؛ واستنباطي. حيث حاولنا أوّلاً تفكيك المفردات لغوياً واصطلاحياً، ثمّ سلَّطنا الضوء على معنى كلمة الجمال والذائقة الجمالية بالإطار الكلِّي الشامل، لنركز التحليل لاحقاً على معنى التربية الجمالية في البُعْد القرآني الإسلامي، ومواقع استعمالات الجمال في القرآن الكريم، واستنباط مقوِّمات الجمال الإسلامي، خاتمين البحث بمحاولة اعتبار الذائقة الجمالية الإسلامي جزءاً مهمّاً من معالم الهويّة الحضارية للإسلام والمسلمين.

أوّلاً: الذوق والجمال والتربية الجماليّة، في اللغة والاصطلاح

1ـ معنى الذَّوْق

جاء في تعريف كلمة «ذوق»، وفي تحديد معناها اللغوي، ما يلي: ذوق من «ذاق الشيء». وذَواقاً (بفتح الذال)، ومذاقاً، ومذاقةً أيضاً. وما ذاق ذَواقاً بالفتح أيضاً، أي شيئاً. وذاق ما عند فلان أي خبره. وأذاقه الله وبال أمره، وتذوَّقه: ذاقه شيئاً بعد شيءٍ. وأمرٌ مستذاقٌ أي مجرَّب معلوم. والذوّاق: الملول([5]).

وفي الاصطلاح: الذوق هو الحاسّة التي تميَّز بها خواصّ الأجسام الطعمية بواسطة الجهاز الحسّي والفم، ومركزه اللسان. وأما الذوق (في الأدب والفنّ) فهو حاسةٌ معنوية يصدر عنها انبساط النفس أو انقباضها لدى النظر في أثرٍ من آثار العاطفة أو الفكر. ويُقال: هو حَسَن الذوق للشعر أي فهّامة له، خبيرٌ بنَقْده([6]).

2ـ معنى الجمال

جاء في معجم مختاح الصحاح([7]): (الجمل) من الإبل الذَّكَر. والجمع (جمالٌ) و(أجمالٌ) و(جمالاتٌ) و(جمائل).

وقال ابن السكِّيت: يُقال للإبل الذكور خاصةً: (جمالةٌ)، وقُرئ ﴿كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ﴾ (المرسلات: 33). والجمالة أصحاب الجمال، كالخيالة والحمارة. والجمال: الحَسَن الكثير، وهو مصدر الجميل، وهو ما يتجمّل به ويتزيّن، وهو ضدّ القبح. والفعل منه جمل يجمل. يُقال: جمل ككرم، فهو جميلٌ وجمالٌ. وجمالٌ (بالضمّ والتشديد) على التكثير أجمل من الجميل. وجمله أي زينه. والتجمُّل: تكلُّف الجميل. وامرأةٌ جملاء وجميلة هي التي تأخذ ببصرك على البعد. والتجميل: زيادة شيء على الأصل. ويُقال: جاملت فلاناً مجاملةً: إذا لم تُصْفِ له المودّة والإخاء، وماسحته بالجميل. والمجاملة: المعاملة بالجميل. ويُقال: أجملت في الطلب: رفقت. ويُقال للشحم المذاب جميل([8]).

وقد جمل الرجل، بالضمّ والكسر، جمالاً، فهو جميل. وتجمَّل تجمُّلاً: تزيَّن وتحسّن: إذا اجتلب البهاء والإضاءة([9]). ويجوز أن يكون الجمل إنما سُمِّي بذلك لأنهم يعدون ذلك جمالاً لهم([10]).

والزين: جمال، وهو خلاف الشين، وهو مصدر زان يزين. والزينة: اسم جامع لكلّ شيءٍ يتزين به([11])، وتزين وازدان بمعنىً واحد. ويُقال للماشطة: مزينة([12])، كما يقال للحلاّق: مزين. ويفهم من هذا أن الزينة في اللغة تطلق على معنىً زائد على أصل الخلقة، أي شيءٌ أضيف على أصل الخلقة، دون الجمال، فهو ما كان موجوداً في أصل الخلقة.

والحسن: الجمال، وكلّ مبهج مرغوب فيه. يقال: حسن حسناً: جمل، فهو حسن، وهي حسناء، جمعها حِسَان، للمذكَّر والمؤنَّث. وأحسن: فعل ما هو حسن، قال تعالى: ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ (غافر: 64). وحسَّن الشيء: زيَّنه. والأحسن: الأفضل، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ (الزمر: 18). والحسنى مؤنَّث الأحسن([13]).

وقد اعتمد العلماء في تعريفهم للجمال اصطلاحاً على المعنى اللغويّ له، فعرَّفوه في الاصطلاح بأنه «رقّة الحُسْن». وهو قسمان: جمالٌ مختصّ بالإنسان في ذاته أو شخصه أو فعله، وجمالٌ يصل منه إلى غيره([14])، وهو من الذوات، تناسب الأعضاء، ومن الصفات ما يتعلَّق بالرضا واللطف([15]).

وقيل: الجمال هو البهاء، وكثرة الحسن، ورقّته، ويقع على الصور والمعاني، ويترك في النفس البشرية إحساساً بالبهجة والسرور والدهشة([16]). والجمال محبوبٌ لذاته، لا لشيءٍ آخر، ومنفعة الإنسان منه هي متعة نظره أو سمعه أو شمّه أو عقله، وفي هذا تلبيةُ حاجات النفس الفطرية([17]).

وعندما نقول عن أيّ شيء من مفردات الحياة والوجود أنه «جميلٌ» فهذا يعني أنه يولِّد فينا (في النفس والوجدان) الانطباع الإيجابي بحُسْنه وخَيْريّته، أي إنه يعجبنا ويريحنا ويشدّنا إليه. وهذه الأحاسيس التي يبعثها في النفس والوجدان لا يمكن تفسيرها مادّياً، أو فحصها مخبريّاً، ومعايرتها علميّاً، رغم مقاربتها مادّياً بالمشاهدة الحسّية العيانية، لأنها تتَّصل بالجانب الروحي النفسي (الانطباعي) عند الإنسان، وبذائقته الوجدانية اللامنظورة. هو فقط (أي الجمال) يعرف بنتائجه وآثاره، حيث يبعث في النفوس فرحاً وسروراً وانبساطاً ولذّةً، أو إحساساً بالانتظام والتناغم والاستحسان والقبول اللامشروط بالأريحية والنفاذ الكامل لجوّانية الجوهر الإنساني، حيث الفطرة التي فطر الله الناس عليها. والجمال أحد المفاهيم الثلاثة التي تنسب إليها أحكام القِيَم: الجمال والحقّ والخَيْر. وعكسه القُبْح.

وفي مسيرة الإنسان عبر التاريخ، منذ فجر الخليقة، شكّلت الطبيعة المدرسة الأكبر والمعلّم الأوّل لهذا المخلوق (العاقل) على هذا الصعيد، حيث استوحى منها ـ في تأمُّله وتدبُّره وتعقُّله ورؤيته لمعانيها ومفرداتها وأبعادها وأشكالها المتنوّعة الهائلة ـ معاني الجمال الأولى. انطلق من نبع الجمال الطبيعي الفيّاض الذي لا يجفّ، فإذا جفّ هذا النبع لا يندثر الجمال فحَسْب، إنما تفنى الحياة وتموت الكائنات كلّها، وينتهي الوجود، أي لا حياة إذا ماتت الطبيعة التي هي المظهر الرئيس للجمال الإلهيّ البهيّ. فالحياة مرتبطةٌ بالطبيعة، والجمال مرتبطٌ بالطبيعة التي تشبع حاجة الإنسان إلى الجمال، وتنمّي لديه شعوره به، الذي يرتبط بالمَيْل نحو الطبيعة؛ لأننا كبشرٍ نشعر ونحسّ عملياً بتنوُّع موضوعاتها، وثرائها بما يُمتِّع أبصارنا، ويبعث الراحة في جوانحنا، بما تمثِّله من شفافيّةٍ وطُهْرٍ ونقاء. فنحن نستمتع بتعدّد ألوان أوراق الشجر، وبدقّة نظامها البنائي، وبالانسجام العجيب والعلاقات بين خطوطها، والتي تتَّصف بالرشاقة والنقاء. من ذاك نعثر في الطبيعة على معايير التناسق والتوازن، وعلى تجسيدات الثراء اللَّوْني، والإحساس بالرحابة المكانية، وبالصفاء الضَّوْئي، وبتناغمات الكائنات في هذه الطبيعة([18]). ولا شَكَّ أن للفلاسفة رأياً في اصطلاح «الجمال»، وهو عندهم صفةٌ تلحظ في الأشياء، وتبعث في النفس سروراً ورضاً. وأما علم الجمال فهو بابٌ من أبواب الفلسفة، يبحث في الجمال ومقاييسه ونظريّاته. أما الجمال عند الأدباء والنقّاد فهو من الأمور التي أَوْلاها هؤلاء عنايةً فائقة. فالأدب هو التعبير الفني الجميل عن المشاعر والأحاسيس، لذلك عَنُوا بإبراز مقاييس الجمال الفني في الأعمال الأدبية وما فيها من قِيَم. فالمعروف مثلاً أن غاية الشعر جمالية، حيث إن تأثيره في السامع والقارئ تأثيرٌ جماليٌّ، كذلك نفهم من كلام النقّاد والأدباء أن الأدب الجميل هو العمل الفنّي الذي يبدعه الأديب، فيخلب به الأبصار، ويستهوي القلوب والأذهان، ويحقِّق المتعة الجمالية لدى متلقِّيه، قارئاً أو سامعاً([19]).

3ـ معنى «التربية الجماليّة» و«الذَّوْق الجماليّ»

لا يوجد تعريفٌ جامعٌ مانع للتربية، فقد تعدَّدت معانيها لدى كثير من المفكِّرين والفلاسفة والتربويين وعلماء النفس التربوي. والاختلاف أو التنوّع في التعاريف ناجمٌ عن اختلاف الرؤى والنظرات الفكرية المعرفية حول الكون والوجود والحياة، ولطبيعة المعتقد والفلسفة التي يريدون التحرُّك بناءً عليها. إنما اشترك الجميع في النتيجة نفسها، وسعى إلى الهَدَف ذاته تقريباً، وهو بناء الشخصية الفردية على أُسُس معنوية وروحية ومادّية متينة ورصينة، أي القيام بمتطلّبات التنمية والبناء الفكري والعملي. وهي هنا تنمية الفرد مثلما تتمّ تنمية الزرع، حتّى ينضج ويتمكّن من السير على طريق التقدّم والازدهار والتطوّر للأفضل والأرقى والأجمل.

ومن التعريفات الأساسية القديمة للتربية تعريف أفلاطون، الذي يعتبر فيه أن التربية هي ما يضفي على الجسم والنفس كلّ جمالٍ وكمالٍ ممكن لها. وأما رفاعة الطهطاوي فيعتبر أن التربية هي التي تبني خلق الطفل على ما يليق بالمجتمع الفاضل، وتنمي فيه جميع الفضائل التي تصونه من الرذائل، وتمكّنه من مجاوزة ذاته للتعاون مع أقرانه على فعل الخَيْر([20]). ولكنْ بشكلٍ عامّ يمكن القول بأن التربية هي التدرُّب على مقوّمات بناء الشخصية الإنسانية، منذ بدء تفتُّحها، متضمِّناً نقل المعرفة وخلق القابليات وفتح الاستعدادات، على طريق تحقيق الكمال الروحي والمادّي، وعلى مدى الحياة.

وأما «التربية الجمالية» فهي مصطلحٌ قديم، سبق أن وردَتْ في كتابات الفلاسفة وعلماء الجمال. وهي تُعْنَى ـ كمضمونٍ ودلالةٍ ـ برعاية الذائقة الجمالية البصرية، وتطويرها لدى الإنسان، بما يؤدّي إلى إيجاد التناغم والانسجام بين وحدة المجموعة الاجتماعية التي ينتمي إليها هذا الإنسان. وتعتبر هذه التربية (الجمالية) من أهمّ أُسُس ومتطلّبات التربية المستمرّة مدى الحياة للفرد، لا من حيث تجديدها لمعارفنا وزيادتها باستمرارٍ، بل من حيث إنها أداةٌ لدوام الازدهار الثقافي والوَعْي الجمالي بالوجود الخاصّ والعامّ. وبمعنى آخر تُعْنَى التربية الجمالية بتربية الذوق الفنّي والأدبي (الوجداني) عند الإنسان، وتأكيد علاقته الجمالية مع الطبيعة وظواهر الحياة الاجتماعية، وعلاقته مع الفنّ أيضاً، أي مع مكوّنات الواقع جميعها؛ لأنها تكشف ـ في هذه المكوّنات ـ عن قيمةٍ جمالية معيّنة. وعلى هذا الأساس، فإن تكوين الذوق الفنّي الجمالي يُعَدّ جزءاً ضرورياً ومهمّاً لعملية التربية الجمالية، كما أن للذوق الفنّي اختصاصاً آخر يختلف عن تربية العلاقات الجمالية مع الفنّ([21]).

 ويعرِّف بعضُهم مصطلح «التربية الجمالية» تعريفاً إجرائياً يفيد بأنها العملية التربوية التي تستهدف تنمية الفرد؛ لكي يدرك عناصر الجمال، ويحرص على معايشتها في جوانب حياته المختلفة، حتّى يصبح مرهف الحسّ، ورقيق المشاعر([22]).

ومفهوم «التربية الجمالية» يعطينا فكرةً عن وجود عدّة عناصر مترابطة فيه؛ فهناك تربية (أي هناك مبادئ وأصول ذاتية وموضوعية)؛ وهناك غايةٌ وهدفٌ (أي تحقّق الحالة الجمالية من خلال تنمية مخيّلة الإنسان وحساسيّته وشتّى قواه الإبداعية، وصولاً إلى التكامل الروحي والمادّي)؛ وهناك أيضاً وسائل مستخدمة لتحقّق الغاية، أي إن هناك عنصر التوجيه الذي يقضي بضرورة تربية الفرد تربيةً مستمرّة مدى حياته، تربيةً فيها فنّ التنسيق بين إنماء شخصية الفرد (ممّا يرمي إلى المزاوجة بين القوى الإدراكية وبين الدوافع الحسّية والوجدانية، وإلى تحقيق التوازن بين القوى العلمية والتقنية) وبين القِيَم الجمالية والروحية والخلقية. وهكذا يصبح المراد منها فنّ الإيحاء بأسلوب خاصّ في الحياة، وطريقة خاصّة في العيش.

وتستهدف التربية الجمالية تفجير مكامن الذوق الجمالي عند الإنسان، وتحفيزه وإثارته وتحريض مكامنه الذاتية؛ حيث إن الذائقة الجمالية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بثقافة المتلقّي التي اكتسبها من الثقافة العامّة من جهةٍ، ومن الثقافة المبدعة من جهةٍ ثانية، ومن مستوى الوَعْي الفردي، أي إن الذائقة الجمالية هي ثمرة التربية الجمالية؛ حيث يولد الإنسان في مجالٍ ثقافي جمالي محدّد، ثمّ يتلقّى ثقافةً جماليةً منظمة، لينفرد بعدها بتطوير ذائقته الجمالية([23]). وهذا الذوق يتقوَّم في البُعْد والمعنى الإسلامي ـ وهذا ما سنوسِّع البحث فيه لاحقاً ـ من خلال معالم هذا الدين العظيم (الدين الإسلامي)، الذي جاء على خلفية أنه رسالةٌ إنسانيّة نبيلة وسامية، تستكمل (وتتمّ) ما بدأته شرائع أخرى سبقَتْها، وتنشد بناء الفرد (الشخصية المسلمة) على أُسُس نفسية ومادّية رصينة ومعيارية؛ لتمكينه وجودياً ومادّياً بما يلبي فطرته، ويحقِّق الغاية من خلقه في إقامة مجتمعات الحقّ والعدل والكرامة الإنسانية، يقول تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ (الحديد: 25). وهذا لا يتحقَّق إلا ببناء النفس على «مثالٍ أعلى مرتفع»، هو الله تعالى، وتزكيتها (تزكية النفس) بقِيَمه، وتفاعلها الإيجابي مع صفاته وأخلاقه، أي تنميتها نفسياً على الجمال القِيَمي المطلق المنطلق من جماله تعالى، الذي صدر عنه كلّ هذا الجمال الهائل المتنوِّع، يقول تعالى: ﴿وَللهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى﴾ (النحل: 60)، ويقول: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ (الشمس: 9 ـ 10).

ويأتي مفهوم «التذوُّق الجمالي» ليكون بمثابة القدرة الإيجابية التي تمكِّن الفرد من أن يحقِّق الانسجام والتوافق بين خصائصه الذاتية (الشعورية واللاشعورية) من ناحيةٍ، وبين ذاته ومجتمعه من ناحيةٍ أخرى؛ حيث إنه (من خلال التذوُّق الجمالي والإحساس بالجمال) تتكوَّن لدى الفرد مزيّة الإدراك الكلِّي أو النظرة الكلِّية في تقدير المواقف والأعمال والأقوال، فلا يصبح من ثمّ إنساناً جزئيّاً ـ إنْ أُجيز هذا التعبير ـ بل يصبح إنسانيّاً وجوديّاً متعالياً في فكره وشعوره وخياله، من غير أن يفقد الصلة الإنسانية الاجتماعية التي تربطه بالناس([24]). ما يعني أن التذوُّق أو الذوق الجمالي في الإسلام جزءٌ من كلِّية التربية وشمولية الهدف الإسلامي، فهو (أي الذوق الجمالي) ليس غايةً بذاته، بل وسيلة للوصول إلى معاني هَدَف الخلق، والغاية منه، وهو تحقُّق فاعلية النفس، وتوافقها وانسجامها وتناغمها فكراً وعملاً، وسَيْر صاحبها على طريق السعادة والإنسانية والبناء الأرضي الاستخلافي المكين، القائم على ملاقاة قِيَم الله وصفاته، من علمٍ وقدرةٍ وغيرها: ﴿يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ﴾ (الانشقاق: 6). فتأمَّلْ جمال الصنعة الحسّي والمعنوي (الذي أبدعه الخالق العظيم) من المنظور الإسلامي؛ ليبلغ أبهى صوره، ويلبس أجمل حلله، حينما يدلّ صاحبه ويذكِّره بعظمة الصانع، ويملأ قلب المتأمِّل توحيداً وإجلالاً، وخضوعاً وحبّاً لمَنْ خلق فسوّى وأبدع، وأحسن كلَّ شيء خَلَقَه، ثمّ هدى. إجلالٌ يملأ المتأمِّل حبّاً وتأدُّباً مع الله ـ عزَّ وجلَّ ـ، في اتِّباع ما أمر، والبُعْد عما نهى عنه؛ إجلالاً للمعبود، يصفي نيّة العامل، فيتعبّد الله بعمله، ويرتقي في مدارج الإتقان والإحسان([25]). ولا يمكن للذائقة الجمالية أن تتظهَّر على وضوحها وحقيقتها من دون تمثُّل وتحقُّق مكوِّنات الجمال الثلاثة في نفس الإنسان، وهي: التوازن، والانسجام، والتناغم. وأيّ خَلَلٍ في العلاقة بين هذه المعايير الثلاثة لا يمكن أن ينجز ويحقّق الغاية من هدف التربية الجمالية، والوصول إلى الذوق الجمالي عند الفرد المسلم. وهذه العناصر أو العوامل الثلاثة تتشكَّل أساساً في النفس بصورةٍ فطرية كامنة (بالقوّة)، ولكنّ ضغوطات الحياة تحجبها، ولهذا نرى أن المرء عندما يكبر ويشتدّ عوده يكون لديه المَيْل الدائم لتحقيق تلك العناصر (بالفعل)، وذلك عبر التدرُّب واكتساب المعرفة منذ الصِّغَر، حيث يجب أن يحرص المشرفون والمربّون على غرس بذور هذه العادة الجميلة (الذوق الجمالي أي الإحساس بجماليات الوجود المادّية) في سنّ الطفولة المبكِّرة، وتعليم الأطفال مهارة التأمُّل والتذوُّق الجمالي، وكما تخصِّص المعاهد الفنية الراقية لطلابها ومنتسبيها موادّ علميّة تطبيقيّة، ترتقي بحسِّهم الفنّي وذوقهم الجمالي، وتثري فَهْمهم وتثمينهم للأعمال الفنية والمشاهد الجمالية المتنوّعة في حياتهم العامة.

 

ثانياً: الجمال في الإسلام، مقاربةٌ في المعاني والدلالات

تنطلق فكرة الجمال في الإسلام من خلال اعتباره قيمةً تتأطّر وتنطوي في العمق على معاني الجمال الإلهي، لتكون هذه القيمة (الجوهرية) صفةً ألوهية، وليست مجرّد حالة وجدانية إنسانية. وهذه الحالة الجمالية الإنسانية تستمدّ وجودها وزَخْمها من صفة الجمال المطلق لله تعالى، التي هي أصل قيمة الجمال. فعندما تقف كإنسانٍ أمام مشهدٍ طبيعيّ جميل يأخذ بالألباب تخرج منك مباشرةً كلمة يا الله، أو ما شاء الله، أو سبحان الله. هذه الكلمات لها دلالةٌ على تأصُّل قيمة الجمال في فطرة الإنسان.

 طبعاً للجمال الإلهيّ تجليّاتٌ في خلقه ومخلوقاته من الناحيتين التكوينية والاعتبارية، فالكَوْن مظهرٌ لوجود الله، والكَوْن بكافّة مفرداته خُلق جميلاً في وجوده ونظمه وانتظام نواميسه، ودقّة معادلاته وتنسيقه، وبديع قوانين بنائه، التي ترتبط مع بعضها لتقدِّم صورةً عن جمال القدرة الإلهية، أي الجمال الذي خلقه الله تعالى، ونثره في أرجاء هذا الكون الفسيح؛ لكي يطَّلع عليه ويشاهده الإنسان (الخليفة) بأمّ عينَيْه، كلّ لحظةٍ، وفي كلّ مكان، فيرى السماء ونجومها وكواكبها: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ﴾ (ق: 6 ـ 11)، ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ﴾ (الصافات: 6)، ويرى الأرض وما فيها من أنواع الجمال: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا﴾ (الكهف: 7)، ويرى الإنسان جمال صورته: ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ (غافر: 64)، وينتظم جمال الخلق كله في قوله سبحانه: ﴿صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ (النمل: 88)، وقوله عزَّ وجلَّ: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ (السجدة: 7). فالجمال ـ إذن ـ ليس اعتباطيّاً، بل هو مقصودٌ في الوجود؛ ليدلّ بوضوحٍ كامل على جمال الخالق سبحانه، كما يدلّ الخلق على وجوده وقدرته عزَّ وجلَّ.

والجمال لا يتحقَّق فعلياً وعملياً في وَعْي الإنسان (المخلوق والمستخلف على الأرض) إلاّ من خلال توفُّر عامل المعرفة والعلم عند هذا الإنسان؛ من أجل اكتشافه لتلك القوانين والنواميس الناظمة للوجود والحياة والإنسان، ومعرفتها على حقيقتها وبنيتها وارتباطاتها العلِّية والمعلولية، الكاشفة عن عظمة هذا الجمال اللامحدود، وبديع صنع خالقه وبنائه لهذا الكَوْن والوجود المترامي الأطراف، الذي تقدِّم لنا كلّ مفردةٍ من مفرداته صورةً عن عظمة الجمال الإلهي. فالجمال ليس في الصورة والمنظر العامّ فحَسْب، بل هي كامنةٌ أيضاً في المعادلات الحاكمة والنواميس القائمة المودعة في أصل الوجود.

ولا يختصّ الجمال في التصوُّر الإسلامي بموقعٍ واحد أو بمفردةٍ واحدة، بل هو شاملٌ لكل موجود، ظاهر أو باطن، كبير أو صغير، عظيم أو حقير:

فأجلّ ما يقدِّسه المؤمن، وأعظم ما يرجوه، هو الربّ الخالق العظيم الذي اتَّصف بالجمال المطلق في ذاته وأفعاله، فما من صفةٍ من صفاته إلاّ ولها أثرها الجميل المتغلغل في أعماق الوجود بأنواعه: الحيّ والميت، المتحرّك والثابت، الظاهر والخفيّ.

وهكذا في كلّ ما خلق الله، ليس هناك من موجودٍ في هذا الكون إلاّ ويحمل معنىً من معاني الجمال، أو ملمحاً من ملامح الجمال، قد يكون ظاهراً في الأشكال والألوان والنقوش، وقد يكون باطناً في المعاني والرموز. فأينما وقع البصر، وسمعت الأذن من ملكوت الله تعالى فثمّ الجمال.

فهذه الصواعق رغم ما تحدثه من خوفٍ ورَهْبةٍ تحمل معها معاني البهجة والجمال في رسومها وشعاعها، وفي ما يرتبط بها من نزول الغيث، وانسياب المياه، وتشقُّق الأرض بالنبات، ما يبعث في النفس الراحة والاطمئنان.

وكذلك في عالم الحيوان، ليس من نوعٍ ممّا يسير، أو يطير، أو يزحف، أو يسبح، إلاّ والجمال صبغته وطينته، في حركته، وألوانه، وسلوكه، وأشكاله.

وأما جمال الإنسان ـ الذكر والأنثى ـ فهو من أبدع ما في الكَوْن هيئةً وطبيعة، روحاً ونفساً، إلاّ أن جماله الظاهر والباطن مرتبطٌ بإرادته ـ إلى حدٍّ كبير ـ، فهو مأمورٌ برعاية ظاهره بالطهارة وحسن المظهر وصحّة البدن، وتفقُّد باطنه بالتربية والتهذيب وصحّة المعتقد([26]).

ولم يكتَفِ الإسلام بدعوة المسلم للتوجُّه إلى أصل الجمال ومنبعه، وهو الله تعالى، بل أمره بأن يربّي نفسه وينمّي وجوده الروحي على تفتُّح قِيَمه الجمالية، وأن يستشعر وجوده الجمالي في حيثيّات وجوده الخاصّ والعامّ، ويتفاعل معها، بعد تذوُّقها والإحساس العالي بها، باعتباره من أهمّ عوامل التسامي الروحي، وإزالة القلق السلبي والتوتر المترتِّب على ضغوطات الحياة وتعقيداتها وتناقضاتها.

وهذا ما نستوحيه ـ على صعيد معرفة الجمال والعمل بمفاعيله ـ من الحديث المشهور: «إن الله جميلٌ يحبّ الجمال»([27])؛ حيث يعطينا النصّ فكرةً عن أن القيمة (قيمة الجمال) لها بُعْدان: نظري؛ وعملي، أي إنها تشتمل على أصلين: فكرة ذاتية (معرفة)؛ وعمل موضوعي (سلوك)‏.‏ فيعرف الإنسان الله سبحانه بالجمال الذي لا يماثله فيه شيء، ويعبده بالجمال الذي يحبّه من الأقوال والأعمال والأخلاق، فيعرفه بالجمال الذي هو وصفه، ويعبده بالجمال الذي هو شرعه ودينه، فجمع الحديث قاعدتَيْ المعرفة والسلوك([28]).

وبهذه الرؤية تميَّز الإسلام عن غيره من مدارس التفكير الوضعي ـ التي اعتبرَتْ الجمال مجرّد حالة انطباع في الذات، دون وجود أيّ أثرٍ عمليّ لها ـ، من خلال أنه هو الوحيد الذي ينظر إلى الجمال من زواياه المختلفة، من حيث وجوده الذاتي ومنفعته والانفعال به وظاهره وباطنه، وما يترتَّب عليه؛ ويستعمل لكلّ مظهرٍ من هذه المظاهر مصطلحاً خاصّاً يناسبه. وهو في ذلك كلِّه لا يلغي رؤيةً على حساب رؤيةٍ أخرى، وتعامله مع الجمال نابعٌ من واقع الإنسان؛ فالإنسان مجبولٌ على أن ينشرح صدره ـ كما ذكَرْنا ـ لما هو جميلٌ، وأن يستحسن النافع المفيد. ولأن الإسلام دين الفطرة، فإنه يهذِّب ما جبل في النفس من طبائع بما يتلاءم وتلك الفطرة، ولا يقمع مكنوناتها أو يلغي سجيّةً من سجاياها، كما هو دَيْدَن الرؤى الوضعية المختلفة([29]).

ولا نضيف جديداً لما هو معروف من أن القرآن الكريم نفسه كتاب أدبٍ وبيانٍ وبهاء وجمال، في كلماته وعباراته وأسلوبه السَّلِس المتناسق المتوازن المتناسب. وقد وصفه تعالى بأنه أحسن الحديث. وهو يمثِّل بحقٍّ ذروة الجمال، وقمة الحُسْن في عالم البيان. وقد كان لروعته البيانية وحُسْنه الأخّاذ وجماله الفائق أثرٌ بالغ في نفوس من كفروا به، حتّى وصفه الوليد بن المغيرة المخزومي([30]) ـ وقد تأثَّر بجماله وروعته غاية التأثُّر ـ بقوله: «إن له لحلاوةً، وإن عليه لطلاوةً، وإن أسفله لمغدقٌ، وإن أعلاه لمثمرٌ، ما يقول هذا بشرٌ»([31])؛ لأنه احتكم إلى ضميره الجمالي الذي أودعه الله تعالى فيه. وقد سمعه الجنّ فقالوا: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً﴾ (الجنّ: 1). فهل يعقل بعد هذا أن لا يتحدَّث القرآن الجميل عن الجمال؟!([32]).

فقد وردَتْ كلمة الجمال في كتاب الله (القرآن الكريم) مرّات عديدة، بألفاظ وسياقات متنوِّعة ومختلفة:

﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ (النحل: 6).

﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ﴾ (يوسف: 18).

﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً﴾ (يوسف: 83).

﴿وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾ (الحجر: 85).

﴿فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً﴾ (الأحزاب: 28).

﴿فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً﴾ (الأحزاب: 49).

﴿فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً﴾ (المعارج: 5).

﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً﴾ (المزَّمل: 10).

وبالتدقيق في الآيات السابقة نجد أن كلمة «الجمال» ـ ومفردات أخرى تبدو مطابقةً أو مشابهةً أو مرادفةً لها ـ جاءَتْ بمعانٍ وعباراتٍ عديدة، مثل: الجمال، والحُسْن، والزينة، والتسوية، والبهجة، والزخرف، ولكلٍّ منها مجالٌ مخصوص. وهي مجالات ومعاني للجمال متنوّعة، يتذوَّقها الوجدان، وتنطبع في الروح والقلب، أي إنه يوجد لهذه المفردات ـ التي هي مفردات عربية ـ دلالاتٌ وأبعاد واضحة على الجمال في المعاجم اللغوية، وفي كلام الله تعالى الذي هو في ذروة الجمال.

وهذه المعاني والمصطلحات والألفاظ العربية المتنوِّعة المعبَّر عنها ـ والواردة في القرآن بحَسْب الزاوية التي يتمّ التعامل من خلالها مع الجمال ـ تعطينا فكرةً عن هذا الأسلوب القرآني الذي يتميَّز بتنويع في الصِّيَغ والمفاهيم الجمالية، بشكلٍ يخدم السياق الذي ينتظمها، وينسجم مع الإطار العامّ الذي يؤطِّرها، ومن ثمّ فإن التعبير القرآني لا يبقى سجيناً للفظة «الجمال» في توصيفه للمواضيع والقِيَم والصور الجمالية، بل يوظِّف ألفاظاً أخرى تؤدّي الأغراض المرادة منها([33]). كما تجعل تلك التنويعات لمعنى الجمال (وامتدادته) في الإسلام قيمةً متفرِّدة عن بقية المناهج الوضعية، التي ليس لديها سوى مصطلحٍ واحد، وهو «الجمال»، أيّاً كانت زاوية النظر، كما أسلَفْنا. ولهذا فإن استعمال مصطلحٍ واحد للتعبير عن مواقف متباينة من الجمال يغدو استعمالاً مضلِّلاً من جهةٍ، وتبدو عاجزةً عن احتواء المواقف والدلالات المتباينة من جهةٍ أخرى. والألفاظ التي يَرِدُ استعمالها في القرآن الكريم للتعبير عن الجمال هي([34]):

1ـ الجمال

تقدَّم بعض الآيات القرآنية الكريمة ـ كما في قوله تعالى: ﴿وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ…﴾ (النحل: 5 ـ 6) ـ صورةً عن معنى الجمال، حيث يشعر الإنسان بما يراه بهجةً ومتعةً، أو بوَقْع شيءٍ ما في نفسه وَقْعاً مرضياً عن طريق الحواسّ والإدراكات المادّية. ولكن القرآن الكريم تحدَّث عن الإحساس بجمال تلك الأنعام في سياقٍ مستقلٍّ عن المنفعة، وإنْ ورد هذا السياق بين منفعتين: الأولى: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ (المؤمنون: 21)، والثانية هي: ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ﴾ (النحل: 6). وبين هاتين المنفعتين ورد قوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾. طبعاً ليس من الضرورة أن يكون مثل هذا الإحساس بالجمال مرتبطاً بحقيقة الجمال الكائن في الشيء المرئي ذاته، فقد لا يكون ذلك «الشيء» جميلاً من وجهات نظرٍ أخرى؛ فتشكُّلات الجمال متعدّدةٌ ومتباينة، ولكنّ شعور الرائي بالارتياح النابع من رؤيتها يضفي عليها تلك الصفة. إن مثل هذا الرضا مؤجَّج للإحساس بالجمال، وهو من ثمار الحسّ (النظر أو السمع أو غيرهما).

وهناك آياتٌ أخرى تحدَّثَتْ أيضاً عن الجمال بمعنى أنه صفةٌ لواقعٍ قائم مخصوص في نفوس الآخرين، كما في قوله تعالى: ﴿فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾ (الحجر: 85)؛ وقوله: ﴿فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً﴾ (الأحزاب: 28).

 طبعاً لم تكن عناية القرآن والإسلام بموضوعة الجمال مقتصرةً على معالم الحسّ الجمالي المادّي الجسدي، الذي يُرى بالأبصار، كما هي الحالة الجمالية (أو الفَهْم الجمالي) عند الغرب، إنما امتدَّتْ هذه العناية إلى الجمال المعنوي الذي يزيد الإنسان جمالاً فوق جماله. ونقصد بالجمال المعنوي حُسْن المنطق، وحُسْن المعاشرة، وجمال الخلق، وجمال السجيّة، وجمال السلوك، واحترام الغَيْر. كما هو أيضاً في جمال اللباس والعطر، والأزهار والبيت والشارع والمدينة.

وبذلك يختلف مفهوم الجمال في الإسلام عن مفهومه عند الغرب، حيث يهتمّون هناك بإظهار مفاتن الجَسَد كأعلى درجات الجمال الممكن؛ لإغراء الآخرين، دون التفاتٍ إلى القِيَم والعفّة والأخلاق([35]).

فالإسلام ربط الجمال بحدود الالتزام الأخلاقي. وكثيرةٌ هي الآيات التي تحضّ على التخلُّق بالأخلاق الكريمة، والخصال الحَسَنة، والسيرة الجميلة، والسلوك الطيِّب في الحياة، ومنها: قوله تعالى للرسول الكريم: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً﴾ (المزمل: 10).

وهكذا يمكن فَهْم معنى الجمال في نظر القرآن، من حيث إنه هو الحُسْن والإبداع والإتقان، كما في الآية التي تبدأ باسمٍ من أسماء الله الحسنى، وهو البديع: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ (البقرة: 117).

ولكنْ لا بُدَّ من الإشارة هنا إلى مسألةٍ مهمة؛ كي نكون موضوعيين قليلاً، ولا نُتَّهم بالتهجُّم على الغرب، وإدانته ثقافوياً أو أيديولوجياً، فنحن هنا عندما نتحدَّث  ـ من جانبٍ ـ بشيءٍ من الإدانة لهذا النَّمَط من الجمال المادّي (بمعناه الحسّي النفعي المبتذل) الذي شاع ـ وما زال يشيع ـ في الغرب، على صورٍ ومشاهد وآليّات مشهدية مستمرّة، تصل حدود الفجائعية الصورية والابتذال الأخلاقي في كثيرٍ من الأحيان، في تركيزهم على الجَسَد، وإبرازهم لصور الجمال الحسّي والاستغراق فيه، فإننا نعتبر ـ من جانبٍ آخر ـ أن الإنسان خُلِقَ ليعبِّر عن ذاته، ولو بشكلٍ مادّي جسدي؛ لأن التعبير ـ بطبيعة الحال ـ جوهرٌ ماهويّ إنسانيّ، به يعرف الإنسان كمشروع ميتافيزيقي ووجودي. ولكنْ على أن يجري ويتحرَّك ـ هذا التعبير الجمالي ـ ضمن أصول المجتمع العامّ ومعاييره، التي لا يملكها فردٌ أو فئةٌ أو جماعةٌ أو مذهبٌ أو اعتقادٌ وحده، حيث تتواجد قوانين ونُظُم أخلاقية يجب الالتزام بها. فالفضاء الاجتماعي ليس ملكاً لأحدٍ، كما قلنا، بل ملكيّته عامّة، وللجميع حقٌّ فيه.

2ـ الحُسْن

لفظ (الحُسْن) ومشتقّاته من الألفاظ المحورية في القرآن الكريم.

وتفيد معاجم العربية أنه يعبِّر عن كل مبهجٍ مرغوب فيه، عقلاً أو حسّاً أو هوىً، وذلك من ثلاثة وجوه: مستحسن من جهة العقل؛ ومستحسن من جهة الهوى؛ ومستحسن من جهة الحسّ. والحسنة يعبر بها عن كل ما يسرّ من نعمةٍ تنال الإنسان في نفسه وبدنه وأحواله. وجمع الحُسْن: محاسن([36]).

ولا يُقال: رجلٌ أحسن، وإنما يُقال: هو الأحسن، على إرادة التفضيل. و(السيئة) ضدّ الحَسَنة. وهو من الألفاظ المشتركة، كالحيوان، الواقع على أنواع مختلفة، كالفرس والإنسان وغيرهما. والمحاسن من الإنسان وغيره: ضدّ المساوئ. و(الإحسان) على وزن (إفعال) مأخوذٌ من (الحُسْن)([37]).

وهذه الصفة الجمالية (الحُسْن) ذاتية وجوهرية للشيء الموصوف بالجمال، بمعنى أنها ليست خارجةً عنه أو طارئةً عليه. يقول تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ (التين: 4). والحُسْن هنا (كمال الهيئة والمظهر والروح) صفة كمالية وجمالية للإنسان، وهو جمالٌ مادّي، وليس معنوياً فقط.

وهو ما يَرِدُ في آياتٍ أخرى: ﴿لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلاَ أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ﴾ (الأحزاب: 52)، بما يعطينا فكرةً عن أن الحُسْنَ صفةٌ جمالية فعلية في الشيء ذاته، بغضّ النظر عن أثره في الآخر أو عدم أثره (الانطباع الوجداني كانفعالٍ إيجابي). وهو يختلف عن «الجمال» من حيث إنه حقيقةٌ، بينما الجمال شعورٌ. ولفظ الجمال يعكس تأثير الشيء المرئي في النفس، والحُسْن لفظ يعكس الجمال الذي يوجد حقيقةً في ذلك الشيء، والذي يتَّفق عليه الراؤون بدرجاتٍ متفاوتة. ومنها: إن من أهمّ صفات الحُسْن امتزاجه بكينونة الشيء وملازمته له، وبعبارةٍ موجزة: الجمال كلمة تدلّ على شعورٍ عارضٍ متغيِّر، فيما الحُسْن لفظة تنبئ عن جمالٍ مادّي حقيقيّ دائم. على أن هناك جمالاً عارضاً وظاهرياً كأنْ يكون في اللباس أو في نوع تصفيف الشعر أو ما إليهما مما هو قابلٌ للإزالة أو التغيير أو التحوُّل خلال أَمَدٍ قصير. وللدلالة على هذا الضرب من الجمال العارض استعمل القرآن الكريم لفظ الزِّينة([38]).

 

 3ـ الزِّينة

الزِّينة ـ بكسر الزاي وتشديدها ـ هي اسمٌ جامع لكلّ شيء يتزيَّن به. يقال: زانه زيناً: جمَّله وحسَّنه. وزيَّنه: زانه. والزينة ذات صلةٍ بالحُسْن والجمال، وهو يلائم ما يوصف به الجمال([39]).

ويأتي من باب إطلاق اسم المصدر وإرادة المفعول به. والزينة: تحسين الشيء بغيره من لبسةٍ أو حليةٍ أو هيئةٍ. وقيل: الزينة بهجة العين التي لا تخلص إلى باطن المزين. والزين ضدّ الشين. وزان الشيء زينه: حسَّنه وجمَّله وزخرفه. وتزيَّن زينةً أي صار موضع حُسْنٍ وجمالٍ([40]).

ورد لفظ الزينة في القرآن الكريم على وجوهٍ عديدة، أبرزها([41]):

الأوّل: الحُسْن، ومنه: قوله تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا (البقرة: 212)، وقوله تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ (آل عمران: 14).

والثاني: الحليّ، ومنه: قوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا﴾ (طه: 87).

والثالث: الزهرة، ومنه: قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً (يونس: 88)، وقوله تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (الكهف: 46).

والرابع: الحشم، ومنه: قوله تعالى: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ (القصص: 79).

والخامس: الملابس، ومنه: قوله تعالى: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (الأعراف: 31).

 وتطلق الزينة على المحاسن التي خلقها الله:

فمنها: الزينة الحقيقية، وهي كل ما لا يشين الإنسان في شيءٍ من أحواله، لا في الدنيا، ولا في الآخرة([42]).

ومنها: الزينة النفسية، ويُراد بها الصفات التي أمر بها الإسلام ورغب فيها، وأوّلها صفة الإيمان، فصفة العلم والصدق والحلم والاعتقادات الحَسَنة، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ (الحجرات: 7).

ومنها: الزينة البدنية، كالقوّة وجمال الخلقة.

ومنها: الزينة الخارجية وما يُدْرَك بالبصر، كالمال والجاه. ويندرج تحت هذا النوع من الزينة جميع أنواع الزينة الظاهرة، من أنعامٍ وأموالٍ وحَرْثٍ، وكلّ ما يتزيَّن به الإنسان من لباسٍ وحليٍّ وغير ذلك([43])، يقول تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا﴾ (الكهف: 7).

ومنها: الزينة المكتَسَبة، وهي الخارجة عن الجسم المزيّن بها، يقول تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ (الأعراف: 31 ـ 32). وهذه الآية الأخيرة فيها إلحاحٌ وطلب لأخذ الزينة والتجمُّل، مع أن المنهج الإسلامي يؤثر الجمال المعنوي، وجمال الحياة الباقية، لكنه ـ كما يتَّضح من الآية ـ يرعى ويراعي أيضاً حاجات الإنسان ومطالبه الغالبة في الدنيا، بل يغريه بقضائها إغراءً ملحّاً في إطار الطيِّب والحلال الذي يزيد الجميل جمالاً. وفي هذا البيان القرآني عَرْضٌ للجمال كعنصرٍ رئيس وأساس في بناء الكَوْن، ودعامة من دعامات الدِّين الحق وشريعته السمحة([44]).

 والزينة عنصرٌ جمالي غير ممتزجٍ بكينونة الشيء، ولا يدلّ إيراده في الآيات السابقة ـ وحتّى في آياتٍ كريمة أخرى ـ على كثير وعظمة تأثيره في الآخرين. إن ألوان العيون المجتلبة صناعيّاً مثلاً ليست إلاّ زينةً طالما أن استبدالها وتغييرها من الأمور الممكنة([45])، وإن ما يرتديه الإنسان مَحْض زينةٍ طالما أنه سيخلعه ويستبدل به غيره (كاللباس والحليّ مثلاً). ولهذا فإن معظم الآيات المشتملة على هذه اللفظة تُصْرَف إلى هذا المعنى، كقوله سبحانه: ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ (طه: 59)، و﴿وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ﴾ (طه: 87)، و﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ﴾ (الحديد: 20)، و﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ (الأعراف: 31)، ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ﴾ (القصص: 79).

4ـ التسوية

تعني كلمة «المستوي» في كلام العرب: التامّ الذي قد بلغ الغاية في شبابه وتمام خلقه وعقله. ومن عادتهم (عادة العرب) في الكلام أن لا يُقال في شيءٍ من الأشياء: «استوى بنفسه»، حتّى يضمّ إلى غيره، فيقال: «استوى فلانٌ وفلانٌ»، إلاّ في معنى بلوغ الرجل الغاية، فيُقال: «استوى»، ومن ذلك: وصفهم لليلة الثالثة عشرة بالليلة السواء؛ لأن فيها يستوي القمر ويكتمل([46]).

والتسوية لفظٌ في تقدير الجمال الضمني الباطني (الجوّاني) عند الإنسان الذي تمكَّن من الانسجام مع ذاته، وتفجَّر لديه التناسق والتناغم المطلوب بين ظاهره وباطنه، دون تناقضٍ، يعني اكتملَتْ في نفسه وذاته حالة المصالحة التامّة والانسجام الكامل بين ما يؤمن ويعتقد من جهةٍ، وبين ما يسلك ويسير من جهةٍ أخرى، دون تناقضٍ بينهما.

واللفظ جاء بهذا المعنى (التسوية كتعبيرٍ عن الجمالي الانسجامي الكاملي) من قوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ﴾ (الانفطار: 7).

وبما أن الإنسان لا يقف إلاّ عند الظاهر ـ والله هو الذي يتولّى السرائر ـ فإن كلمة «التسوية» لم تقترن بإدراكه في استعمالات القرآن الكريم، بل وردَتْ مقرونةً بالباري عزَّ وجلَّ دون سواه؛ لأنه هو وحده يرى ظاهر الشيء وباطنه، يقول تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ (الحجر: 29)، وهو ـ كما هو جلي ـ كامل الخلقة داخلياً وخارجياً، وقوله سبحانه: ﴿أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً﴾ (الكهف: 37)، و﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ (البقرة: 29)، وغير ذلك من الآيات الكريمات.

من هنا تمثِّل «التسوية» أعلى درجات الاكتمال والاعتدال والجمال. وهي اللفظة الوحيدة من بين ألفاظ الجمال في القرآن الكريم الدالّة على ملاحظة الجمال في بُعْدَيْه: الظاهر؛ والباطن.

وبهذا الالتفات إلى المستويين لا يكون القرآن الكريم أرقى نظراً إلى الجمال وتقديراً له قياساً بالفلسفات الوضعية وحَسْب ـ وهذا في حدّ ذاته يفتح آفاقاً واسعةً في العناية بالعنصر الجمالي لدى الأديب الملتزم ـ، بل يكون أيضاً منسجماً مع الإرشاد العامّ الذي يرسمه للإنسان في أن لا يقف عند ظواهر الأشياء، وفي أن يتخطّاها من أجل استكشاف ما هو كامنٌ وراءها، وفي أغوارها([47]).

 

ثالثاً: مقوِّمات الجمال في الإسلام

اهتمّ المسلمون الأوائل ـ من العلماء والفلاسفة ـ بمسألة الجمال، معتبرين إياه موضوعاً أوّلياً وجَوْهريّاً؛ كونه يتعلَّق بالخالق كعلّةٍ كاملة مطلقة الجمال، والمخلوق والحياة والبيئة التي يمارس الفرد فيها وجوده وفعالياته كمعلولاتٍ ناقصة. ورُبَما كان الفارابي من أوائل مفكِّري الإسلام ومتفلسفيه الذين تحدَّثوا بعمقٍ عن معنى قيمة الجمال. وكان يرى فيه حركة الإنسان المسلم وسَعْيه لتحقيق القِيَم الخيِّرة في الأشياء الجميلة، من خلال بنائها وترتيبها، مازجاً بين الفنّ والموسيقى من جهةٍ، والجمال من جهةٍ أخرى، ومعتبراً الفنّ صفةً حسِّية أساسها التجريب، وأن الفنّان يمكنه التقرُّب من العقل الفعّال عن طريق نُسُكه وتنقية نفسه من شوائب المادّة. وذهب الفارابي إلى أن العملية الإبداعية هي نتاجٌ خلاّق، يمكن أن يضفي على جماليّات الطبيعة جمالاً أكبر.

وأما ابن رشد (فيلسوف العقلانية والتأويل العقلاني) فقد ربط الجمال بالفضيلة، وبكلّ ماهو خيرٌ ونافع، وأن الجميل هو الذي يختار من أجل نفسه، وهو ممدوحٌ وخيِّرٌ من جهة أنه خيرٌ. واعتبر أنه إذا كان الجميل هو هذا فالفضيلة جميلةٌ لا محالة؛ لأنها خيرٌ، وهي ممدوحةٌ.

كما اعتبر ابن حَزْم الأندلسي النفس الحَسَنة تولع بكلّ شيءٍ حَسَنٍ؛ حيث ربط بين الشعور القيِّم بالحبّ والجمال، الذي لا يتحقَّق إلاّ بتحقُّق الرؤية العميقة للشيء. يقول في كتابه «طوق الحمامة»: «وأما العلة التي توقع الحبّ أبداً في أكثر الأمر على الصورة الحَسَنة فالظاهر أن النفس حَسَنة، وتولع بكل شيء حَسَن، وتميل إلى التصاوير المتقنة، فهي إذا رأَتْ بعضها تثبتت فيه، فإنْ ميَّزَتْ وراءها شيئاً من أشكالها اتَّصلَتْ وصحَّتْ المحبّة الحقيقية»([48]).

أما المتصوِّفة والعرفاء ـ وعلى رأسهم العارف الأكبر ابن عربي ـ فقد كان للجمال عندهم قيمةٌ كبرى، تستمدّ قوتها وجَذْوتها من أصل الجمال المطلق (الله تعالى)، وطريقها هو الذوبان والانصهار في ذاته المقدّسة، عبر الرياضات الروحية والزهد والتنسُّك والعبادة الخالصة، وتنقية الروح والنفس من جميع الرغبات والشهوات الدنيوية، واعتماد تجربة الكشف الصوفي؛ للبحث في جمال المطلق اللامتناهي، مع اعتبار أن جمال الكَوْن هو انعكاس للجمال الإلهي. وتنعكس هذه الرؤية في فَهْم ابن عربي، الذي يعتبر الجمال «نعوت الرحمة واللطف والعلم»، وغيرها. ولذلك كانت أوصاف الإحسان والجود والنعمة والنفع والنعمة تعبيراً عن آثار الجمال الإلهيّ وسحره ولمسات تجلِّياته([49]). وينطلق ابن عربي في فَهْمه الجمال من فكرة ما يفرضه مذهبه في وحدة الوجود أنها مطلقة لا تتجزّأ، وليس فيها تكثيرٌ إلاّ بالاعتبار والإضافة، ولا يخالطها شيءٌ من القُبْح البتّة([50]). فكان يرى الجمال حقيقةً واحدةً. يقول ابن عربي: «كلّ شيء يستمدّ جماله من الحقّ. فالعالم قد حاز الحُسْن الإلهي وظهر به، وهو مرآة الحقّ، فما رأى العارفون فيه إلاّ صورة الحقّ، وهو سبحانه الجميل»([51]).

إذن نحن نلاحظ وجود تأويلات وشروحات وقنوات وأفهام عديدة لمعاني الجمال لدى تيارات الإسلام الفكرية والفلسفية والعرفانية، تختلف بحَسَب نوعية التذوُّق الجمالي لأصحابها (وخلفيّتهم المفاهيمية)، لكنها تتَّفق في المبدأ والمنطلق، وهو أن الجمال قيمةٌ إلهية، لها تجلِّياتٌ وأبعادٌ حياتية واقعية في الوَعْي والسلوك العملي، وأن كلّ ما في عالم الموجودات من جمالٍ ورَوْعةٍ وتناسقٍ وإبداعٍ لهو دليلٌ على قدرة الله وعظمته. وهذه الجماليات المنبعثة من جماله المطلق نقرأها بوضوحٍ في كتاب الله، واصفاً بها نفسه، بأنه بديع السموات والأرض، وأنه المصوِّر والخالق والرازق والمبدع، الذي أضفى على كلّ شيءٍ في هذا الوجود مسحة الجمال والإتقان.

والتربية الجمالية الإسلامية (الممهّدة والداعمة للذوق الجمالي) لها مقوّمات وأُسُس وأصول ومعايير، تنبع أساساً من صلب الرؤية المفاهيمية والفلسفية لهذا الدين في رؤيته الموضوعية لمعنى الوجود الإنساني، وغايته في هذه الحياة، وضرورة إقامتها على القِيَم الإنسانية العليا (قِيَم الحقّ والخير والجمال)، فهي الهَدَف الأسمى في هذا الوجود، وهي الغاية النبيلة التي يسعى الإنسان لبلوغها، وتحقيق مصداقيتها، وبناء الحياة على أساسها.

إن الهدف من التربية الجمالية يكمن أيضاً في تربية المسلم على سموّ الذوق المتجسِّد في أنماط السلوك والعلاقات الاجتماعية، كما يتجسَّد في الأشياء والموضوعات الحسّية. كما تؤدّي إلى تفتح الأفق النفسي والعقلي والوجداني لدى الإنسان، وتشدّه إلى مبدع الخلائق والجمال في هذا الوجود، وهو الله سبحانه. فالجمال والتربية الجمالية طريقٌ إلى معرفة الله، ودليلٌ على عظمته والارتباط العقلي والوجداني به. فالكَوْن بكلّ ما فيه من تناسق وروعة وجمال يشكِّل لوحةً فنية أخّاذة، ومصدراً للإلهام الفنّي والجمالي وتربية الحسّ والذوق والمشاعر وتهذيبها([52]).

طبعاً نشير هنا إلى أن إحياء القرآن الكريم وتربيته وتزكيته للإحساس بالجمال عند الإنسان يعتمد على التصوُّر الخيالي والتصوُّر الفكري، وكلٍّ من الوَعْي والشعور في الارتفاع بالإنسان عن جمود الألفة والاعتياد، الذي يحجر الفكر، ويخدِّر الإحساس، ليصبح من ثمّ في موقفٍ وجودي منزَّه عن شواغل المعيشة. ولئن كانت المشاهد تربطه بواقعه الاجتماعي والحياتي الخاصّ، أو بواقعه الطبيعي الوجودي العام، إلا أنه يصبح ـ في تساميه الوجودي ـ في موقف الإدراك المباشر للجمال. وتلك هي التجربة الجمالية المباشرة، التي لا يصبح الإنسان فيها مجرّد مستمتعٍ بلذّة الجمال المصوّر بياناً، ولكن إحساسه بالجمال يرتفع الى مرتبة الفكر الإيجابيّ الملتزم أخلاقياً، بأن يغيِّر ما بنفسه؛ حتّى تستقيم ويستقيم شأن مجتمعه([53]).

وبالاستناد إلى ما تقدَّم، يمكن وضع أُسُسٍ محدَّدةٍ لمعنى الجمال والتربية الجمالية الإسلامية؛ لتكون بمثابة معايير «الجمالية» بالمعنى الإسلامي، والمفضية إلى بناء مفهومٍ معياريّ كلّي وشامل للذوق الجمالي الإسلامي.

وهذه المعايير والأسس هي ([54]):

1ـ الحِكْمة والتوزان

بما أن الجمال في التصوُّر الإسلامي ذو منشأ وأصلٍ عقدي مرتبطٍ بالذات الإلهية العظيمة المتَّصفة بمطلق الجمال فإن له (أي للجمال) غايةً حكيمة ووظيفة حيوية يؤدِّيها بذلك الاعتبار؛ ذلك أنه ما من جمالٍ في هذا الكون إلاّ وهو رسالةٌ ناطقة بمعنىً معين، هو حكمة وجوده ومغزى جماليته. فليس جميلاً لذاته فحَسْب، بل هو جميلٌ لغيره أيضاً، وإلاّ انتفى معناه. فالجمال حركةٌ لها أكثر من بُعْدٍ في هذا المقام.

وعند التأمُّل والتدبُّر في كلّ مواقع الجمال وتجلِّياته في الحياة والطبيعة (وهي الدعوة الدائمة التي ما برح القرآن الكريم يذكِّر بها، ويحرِّض العقل الإنساني على نهجها والالتزام بمقتضياتها التأمُّلية والإدراكية)([55]) تجد أنها تؤدّي وظائف أخرى، هي سرّ جماليتها؛ وذلك لإنتاج الشعور بالجمالية، مما يفضي ويؤدّي إلى أروع التعابير اللغوية أو الرمزية، على جميع المستويات البشرية والحيوانية والطبيعية عموماً، كلّ على درجة طبقته الفطرية من الوَعْي بالحياة والوجود الخلقي([56]).

وكلُّ ما نراه من مظاهر الطبيعة وروعتها في الجبال والبحار والنجوم و… ما هي ـ رغم التصريح القرآني بجماليتها في مقاصد الخلق ـ إلاّ مشاهد ومخلوقات تؤدّي وظائف في سياق التدبير الإلهي للكون، خَلْقاً وتقديراً ورعايةً، ولا تخرج عن هذا القانون الكلِّي، من حكمة الوجود ووظيفة الخلق.

2ـ المتعة النفسيّة والإمتاع الوجدانيّ

وتتجلّى هذه المتعة في جانبين: حسِّي جسماني؛ ومعنوي نفسي ذوقي (عاطفي ووجداني).

ومعنى ذلك أن الله تعالى خلق في الإنسان مجموعةً من الحاجات، كحاجته إلى الطعام والشراب واللباس، فكانت منها حاجة التمتُّع والاستمتاع بالجمال من حيث هو جمالٌ. ومن هنا كان سَعْيُه الدائم للبحث عنه والانجذاب إليه.

وهذا صريحٌ في كثير من الآيات والأحاديث النبوية. ومن ذلك أن تلك الحقائق الكونية نفسها، التي ذُكِرَتْ في سياق هدفها الوجودي، وحكمتها الخلقية، هي عينها ذُكِرَت لها أهدافٌ إمتاعية في سياقاتٍ أخرى. قال تعالى، مصرِّحاً بفوائد الأنعام والبهائم الإمتاعية (الجمالية)، إلى جانب منافعها التسخيرية: ﴿وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (النحل: 5 ـ 8). فقوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾، ثمّ قوله بعد: ﴿لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾، دالٌّ بوضوحٍ ـ بما في السياق اللغوي من حروف التخصيص والتعليل ـ على قصد إشباع الحاجة الجمالية للإنسان، إلى جانب حاجته البيولوجية إلى الطعام والشراب، وسائر حاجاته المعيشية من الخدمات. وعلى هذا يجرى ما ذُكر في القرآن من مشاهد الجمال والتزيين([57]).

 

3ـ العبادة

تأتي العبادة لتكون مقوِّماً من مقوِّمات البُعْد والتذوق الجمالي في الإسلام، بل لتكون أحد أهمّ عناوين الجمال في الإسلام، وشعار المحبّة الأساس. وإذا أحب الله الإنسان خاطبه بلفظ: «عبدي» أو «عبادي»، فنسبه إليه تعالى نسبة خصوص وإضافة. والعبادة «رغبةٌ» قبل أن تكون «رهبةً»؛ فالله تعالى يقول: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ (البقرة: 256)؛ أما «الخوف» المذكور مع «الرجاء» في سياق التعبُّد فله مدلولٌ آخر. ومن هنا كان وصف الإنسان بأنه «عبدٌ» من أحبّ الأسماء والصفات الإيمانيّة إلى الله، ومن أحسنها في تسمية الإنسان([58]).

والعبادة في الإسلام سلوكٌ جمالي مَحْض؛ وذلك بما تبعثه في النفس من أُنْسٍ وشعورٍ بالاستمتاع. فالسَّيْر إلى الله عبر الترتيل والذكر والتدبُّر والتفكُّر والصلاة والصيام وسائر أنواع العبادات إنما هو سَيْرٌ إليه تعالى في ضوء جمال أسمائه الحسنى، بما هو رحمنٌ رحيمٌ ملكٌ قدّوسٌ سلامٌ…إلخ. وليس عَبَثاً أن رسول الله| كان يصف الصلاة بما يجده فيها من معاني الراحة الروحية، ويقول لبلال رضي الله عنه: «يا بلال، أَقِمْ الصلاة، أَرِحْنا بها»([59]).

إذن، العبادة هي غاية التذوُّق الجمالي في الإسلام، حيث جعلها الله تعالى سلوكاً وجدانياً جميلاً، يمارسه الإنسان في حركته الروحية السائرة نحو الخالق، الله ذي الجلال والجمال، يقول تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات: 56). وإذ جعل القرآن من الإحساس بالجمال مدخلاً إلى تقييم الفكر والاخلاق، فإنه قد تهادى بالإنسان ـ في تربيته الجمالية ـ ليكون الإحساس بالجمال برهاناً عقليّاً ووجدانيّاً على وجود الله سبحانه، وبرهاناً عقليّاً ووجدانيّاً على أنه لا استقامة للوجود الحضاري وللمجتمع الإنساني إلاّ في الإيمان بالله والعمل بمقتضيات هذا الإيمان([60]). من هنا أطَّر الإسلام الجمالية بمفهوم العبادة؛ حتّى يصحّ الاتجاه في مسيرة الإبداع، ويستبصر الفنان بتواضعه التعبُّدي مصدر الجمال الحقّ؛ فيكون إبداعه على ذلك الوزان، وتتجرّد مواجيده لتلك الغاية. وتلك هي جماليّة التوحيد؛ عسى أن يستقيم سير البشرية نحو نبع النور العظيم، النور الذي هو ﴿اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ (النور: 35).

 

التذوُّق الجماليّ، والحرص على معانيه كهويّةٍ معياريّة

الجمالُ مفردةٌ قِيَمية تتَّصل بالروح والجسد. والإسلام ـ كرسالةٍ إنسانية جاءت لبناء جوهر الوجود الإنساني على قِيَم الخير والرحمة والمحبة والجمال ـ دعا لتمثُّل مواضع الجمال في الحياة والوجود كلّه. وهذا التمثُّل يعني في البُعْد الإسلاميّ السَّيْر في طريق تعلُّم معاني الجمال الوافرة المودعة، والعمل على الشعور به وتلمّسه وتذوّقه، بل والالتزام بمقتضياته.

وهذه الجمالية نزعةٌ إنسانية متجذِّرة في كلّ شعوب العالم، وليست مقصورةً فقط على دينٍ من هنا وهناك، أو شعبٍ من هنا وهناك. لكنْ يختلف حضورها وشكلها من شعبٍ لآخر، بحَسَب تكوينه الثقافي، ولذلك لا يستطيع الإنسان توحيد المعايير التي تحدِّد معنى الجمال بالمطلق. فليست هناك قاعدةٌ أو مسطرةٌ نفرِّق بها بين جميلٍ وجميلٍ، بل التفرقة معيارها التجربة والفطنة والدراية. ومكانة الجمال ليست كامنةً فقط في التعبير الفنّي السائد اليوم، بل مكانة الجمال تنكشف في مضامين الحياة، وخاصّة الدين والسياسة. والثقافة الإسلامية ثقافةٌ جمالية. ومكانة الجمال يمكن التعرُّف عليه في كثير من المواطن الإبداعية([61]). والحديث عن الجمال في الفكر الإسلاميّ لا ينجرّ عنه القول بالضرورة بوجود علم جمالٍ إسلامي، بل نحن في هذا الموقف نتَّفق مع المفكِّر سعيد توفيق([62])، عندما يعلن تهافت مفهوم «علم الجمال الإسلاميّ»، فهناك فقط حضورٌ للنزعة الجمالية في الفكر الإسلامي. فالمسلمون لم يصنِّفوا الجمال كعلمٍ مستقلّ بذاته، بل صنَّفوه كقسمٍ من أقسام الصناعات النظرية والعملية([63]).

والدارس لتاريخ الفكر الإسلاميّ يجد أن اهتمام المسلمين النوعيّ بمفردة الجمال تنوَّعت وتعدَّدت بالمعاني والدلالات، كما قلنا، وكانت عنايةٌ بقِيَم هذا الجمال ومظاهره، حتّى المادية منها، رغم كونه بحثاً مهمّاً من بحوث علم الأخلاق؛ حيث إن الأخلاق ـ في موضوعها العلمي ـ تعنى بقِيَم الإنسان، التي من المفترض مبدئيّاً أن ينشأ هذا الإنسان عليها، ويتربّى في ظلّها؛ ليكون موجوداً فاعلاً وخلاّقاً وإيجابياً وحاضراً ومزدهراً في حياته الفردية الذاتية والجماعية الموضوعية..

وهذه القِيَم هي ـ في المجال الديني الإسلامي ـ قِيَم التقوى والعدالة ومجمل الفضائل الأخلاقية، ومبادئ الحقّ والكرامة الإنسانية والعلم والمعرفة و…. ويأتي حبّ الإنسان للجمال ولتذوُّقه (معنوياً ومادياً) ليكون قيمةً مضافةً لكلّ تلك القِيَم التي يُراد تنشئة الإنسان عليها، فكلّ واحدة منها لا يمكن أن تتحقَّق من دون رؤيةٍ جمالية وتذوُّقٍ جمالي ووَعْيٍ جمالي بها ولها. ولا يمكن أن تكون مؤثِّرةً في نفسه من دون أن تلفّها قوالب الحُسْن والجمال. والأمر لا يقتصر ـ بطبيعة الحال ـ على جماليات القِيَم، بل يسري أيضاً في كلّ النعم المحيطة بالإنسان، في مختلف مواقع الحياة وتضاريسها وآفاق السموات وزينتها، وما لا عدَّ له، من قبيل: آيات الجمال المقروءة والمنظورة.

وتكمن أهمِّية فكرة الجمال والتذوُّق الجمالي في الإسلام، والتي يمكن أن نستقيها مباشرةً من خلال آيات القرآن الكريم، في أن الجمال ليس مجرّد حالة تَرَفٍ فكري أو نفسي أو سلوى روحية أو مجرّد تأثُّر نفسي (عياني) بمختلف مواقع الجمال ومظاهره الهائلة في وجود الإنسان، بل هو قيمةٌ أصيلةٌ جوهرية، مطلوبٌ الاشتغال عليها عملياً في حياة الإنسان المسلم؛ ليسير دوماً في حالة تكاملٍ روحيّ ومادّي في سياق أمانة خلافته على الأرض. وهذا لا يمكن أن يتحقَّق من دون مبادئ تربوية وعلم تربوي، يتعلّم من خلاله الفرد، منذ مراحل نموّه الأولى، وبطرقٍ علمية ممنهجة ومدروسة وهادفة، معنى الوَعْي الجمالي والذوق الجمالي والحسّ الجمالي، بحيث تؤدي إلى غرس بذور هذه القيمة الذوقية المعنوية في نفوس الناس منذ طفولتهم، وصَقْل البُعْد الجمالي في وَعْيهم وتدريبهم حسّياً ونفسيّاً عليه. فالجماليات مهارات خاصّة، تأتي مهارة التأمُّل والتذوُّق الجمالي في مقدّمتها، وعلى رأسها. ولكنّ المهارات لا تأتي وحدها، من دون تفكيرٍ عقليّ واشتغالٍ عمليّ. وهنا نسأل: كيف يرتبط الجمال بالعقل؟ وهل تصحّ التربية الجمالية دون تربيةٍ عقلية؟

في الواقع إن الجمال كقيمةٍ معنوية وعملية ترتبط ـ رغم حمولتها الشعرية والوجدانية ـ بالعقل ومعاييره وأحكامه. وهو كقيمةٍ متعالٍ عن المنفعة والغرضية، بل هو حكمٌ عقلي يستند على الشيء في ذاته وجوهره وبِنْيته الأولى. ودعوتنا «للجمالية الإسلامية» هي بالضرورة دعوةٌ للعقلانية؛ إذ لا يمكن للوَعْي الجمالي أن يتحقَّق من دون وَعْي عقلي. وبالتالي المحافظة على القِيَم الجمالية تفرض المحافظة على العقل. فالمجتمع الذي لا يحفظ العقل من آفاته سيقتل كلّ القِيَم الجمالية لديه. ويكفي مثالاً على ذلك أن المخدرات تعتبر من أهمّ العوامل المذهبة للعقل، وبالتالي المذهبة للشعور بالجمال، والحادّة من إنتاج الجميل. والجمال تحرِّكه جملةٌ من العوامل، وعلى رأسها العامل الديني، فالدِّين ـ من حيث كونه اعتقاداً وإيماناً وسلوكاً إيمانياً ـ يغذّي الذات بدفعةٍ حيوية، تجعلها تفتق مواهبها، سواء من أجل إضفاء قِيَم إيمانية على الشيء أو من خلال تقديم المعتقد كما ينبغي أن يكون. فبناء المساجد يتمّ دَوْماً ضمن الهاجس الجمالي والفنّي، لذا يتنافس المؤمنون في فنّ العمارة والزخرفة([64]).

والبناء العقلي للجمالية الإٍسلامية يعني ـ وقبل أيّ شيءٍ آخر ـ الاهتمام بالتربية الجمالية باعتبارها قيمة إسلامية تؤدّي إلى تنمية التذوّق، وتدريب الأجيال والنَّشْء على النَّقْد الذاتي. والإنسان الذي لا يتربّى على الخير والمحبة، ولا يألف الجمال، ولا يشتاق إلى الصفاء والإبداع، سيتحوَّل تدريجياً إلى كائنٍ جافّ الطباع، مؤذٍ لذاته ولغيره، بل يتحوَّل عن آدميته وإنسانيته. فهو ـ وإنْ كان يشترك مع الناس في الشكل والصورة ـ، لكنّ جوهره فارغٌ من الإنسانية والخير والجمال. ومَثَل الإنسان الذي يتربّى ذوقه وإحساسه على الخير والمحبة والجمال كمَثَل المصباح المشتعل الذي يتوهَّج بالنور، فإذا افتقد الإحساس بالجمال تحوَّل إلى صورة إنسانٍ وحَسْب، أو صورة مصباحٍ منطفئٍ فارغ من النور والإشعاع. من هنا تكون تنمية الحسّ الجمالي وترقيته عند الأفراد تنميةً ورقيّاً للمجتمع([65]). ونحن لانستطيع أن نحرِّك فرداً من الأفراد إلى معنى من المعاني، أو عملٍ ينتفع به، ما لم نحرِّك فيه إنسانيته، ونثير كوامنه الشعورية. وهذه المعاني القِيَمية الوافرة بالخير والإيجابية السلوكية لا تحقِّقها للفرد سوى «الجمالية الإسلامية»، القائمة على التأمُّل والتفكُّر والهدفية والغائية، باعتبارها متَّجهة دَوْماً صوب المعنى الذي يتجلّى في صور متعدِّدة ومتنوعة.

ونحن عندما نصف قيمة الجمال في مجالنا الحضاري واجتماعنا العربي والإسلاميّ بأنها «إسلامية» فهذا يعني أنها تستقي بِنْيتها الفكرية، وبيئتها وسياقها الذاتي والموضوعي، من الرؤية المفاهيمية الإسلامية، أي من فلسفة الخلق والوجود ككلٍّ، والقائمة عموماً على قِيَم الحقّ والتوحيد والعدل ومقتضياتها العملية، والمنطلقة ـ في ما يخصّ الذوق الجمالي ـ من معايير (ومعالم) الجمال المطلق لله تعالى، والهادفة ـ على مستوى الواقع الموضوعي ـ إلى تحقيق خمس قواعد رئيسة، هي: حفظ «النفس، والعقل، والعرض، والدين، والمال»([66]). وإذا ربَطْنا تلك القواعد بالجمال والجمالية فإننا نصل إلى ربط الجمال بكلّ القواعد؛ لأن الجمال هو تمثُّل الخالق في المخلوق، تمثُّلَ ذوقٍ لا محاكاة. فالجمال في النفس حين تكون الحياة من أقدس واجبات الإنسان، فالإضرار بالنفس نَفْيٌ للجميل([67]).

وهنا قد يستشكل بعضٌ علينا بأنه لا معنى للقول بإسلامية الجمال، فلا خصوصية له (أي للجمال)، بل ليس له سوى بُعْدٍ إنسانيّ عام! ويسألون: أليس «الجمال» معطىً كونياً يشترك فيه بنو البشر، بغضّ النظر عن أديانهم وألوانهم وتكويناتهم وانتماءاتهم وخلفياتهم؟! فلِمَ الحاجة إلى حَصْر العلم به في نطاق عقيدةٍ أو توجُّهٍ أو حضارةٍ بعينها، إسلاميةً كانت أم غير إسلاميّة؟!

وفي الإجابة نؤكِّد أنه لا يمكن الفصل بين الإنتاج وخلفيّته، بين الفنّ وبيئته الثقافية التي أنتجَتْه، وطبيعة الخلفية الاعتقادية لصاحبه. فوراء كلّ لحنٍ، وكلّ آهةٍ، وكلّ صورةٍ شعرية أو زيتية أو نثرية، تكمن خلفيّةٌ اعتقاديةٌ ما، نظرةٌ للحياة وللهدف منها، وللإنسان ودَوْره، وللكَوْن والقوى التي تتحكَّم فيه. ومهما يبذل الشعراء والفنّانون من جهدٍ لإقامة حدٍّ فاصل بين إنتاجهم ومعتقداتهم وأفكارهم فإنهم ـ لا محالة ـ خائبون. وحتّى مَنْ لم يعترف منهم بذلك، زاعماً أن إنتاجه صورة صادقة للطبيعة، ووصف موضوعي لما شاهد، دون توصيف فكري أيديولوجي، فهو مخدوعٌ. والناقد البصير لا تخفى عليه شخصيّة الفنّان أو الكاتب متجسِّدةً بكلّ ملامحها في آثارهما؛ إذ إن الإنتاج الأصيل هو صورةٌ صادقة لشخصية صاحبه، ومحالٌ أن تنجح في إقامة حاجزٍ بين شخصية الإنسان من جهةٍ وبين أفكاره ومعتقداته واتجاهاته من جهةٍ أخرى؛ لأن الشخصية في جزئها الفعّال ليست أكثر من ذلك([68]).

ولا شَكَّ أن الإسلام يقدِّم معايير عقلية واضحة، ومقوِّمات رصينة للجمال والذوق الجمالي، لا يجب حجب نظر الأجيال عنها؛ لأنها تتَّصل ـ في العمق ـ بمسوؤليّاتهم الرسالية والتزاماتهم الإسلامية، في تقوية الانتماء لهذه الهوية الحضارية المفترض أنها هويّةٌ تكاملية الأبعاد روحية مادية. فالانتماء لهذا التاريخ ولتلك الهوية والثقافة الإسلامية القارّة فيه هو أمرٌ عظيم، ويفترض أن يعبِّر عن حالة وَعْي جمالي بمضامينها بلا أدنى شَكٍّ. وأيضاً الانتماء لمحدّدات الهوية، وعلى رأسها الانتماء للرسول والرسالة ـ ولمَنْ يمثِّلها قدوةً وأسوةً حَسَنة في حركة التاريخ ـ هو فَخْرٌ عظيم، فضلاً عن كونه أمراً إلزامياً واجب الطاعة، ولكنّه يجب أن لا يكون انتماءَ التقليد والعادة والتَّبَعية للأشخاص في مركزيّتهم الذاتية، بل أن يكون انتماءً جمالياً   «للقيمة ـ المبدأ»، التي كانوا يمثِّلونها، ويلتزمون بها في وجودهم وحياتهم. هذا هو انتماء العقل الذي يبقى. فهُمْ رحلوا كأشخاص، مثل غيرهم من رجالات التاريخ الكبار، ولكنْ بقي عملهم وأثرهم ونتاجهم، بقيَتْ القيمة الجمالية والمثال (الحَسَن) والمبادئ الجمالية السامية الكبرى، التي آمنوا بها والتزموها وتمثَّلوا بها، وعبَّروا عنها في سلوكياتهم وعلاقاتهم، وهي قِيَمُ الإسلام كرسالةٍ جماليّةٍ إنسانية، إسلام الفكر المنفتح المتسامح غير المتعصِّب لفئةٍ أو رمزٍ أو شخصٍ أو تيّارٍ أو جهةٍ، إسلام العيش زماناً ومكاناً (عقلاً ووَعْياً جمالياً) في العصر، دون انقطاعٍ، ودون استغراقٍ، لا أن يكون إنساننا حاضر الجسد، مغيَّب العقل، ومهمَّش الحضور، حتّى على مستوى البُعْد الجمالي، الذي هو من الأبعاد المهمّة في حياته الفردية والجماعية؛ حيث إن الجمال عنده يجب أن يكون إدراكاً وشعوراً وغايةً، وكلما كان أكثر إدراكاً ووَعْياً بالموضوع كغايةٍ كلما كان أكثر تمثُّلاً للجمال ووَعْياً بالجميل. وهذه القناعة الذاتية لن تتولَّد أو تنبثق مجدّداً، وبصورةٍ عملية عنده، إلاّ بنَقْد الفكر المؤسِّس، وتجديد المعرفة والهوية، واكتمال منظومة الحقوق عنده؛ ليكون إنسانُنا قادراً على ممارسة معيشته ـ إنتاجاً وعملاً وحضوراً جماليّاً مميّزاً ـ في زمانه من خلال تجديد الفكر الزمنيّ التاريخيّ نفسه.

الهوامش

(*) باحثٌ وكاتبٌ في الفكر العربيّ والإسلاميّ. من سوريا.

([1]) مسلم بن الحجاج النيسابوري(261هــ)، صحيح مسلم 1: 93، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، الحديث 91، دار إحياء التراث العربي، لبنان ـ بيروت؛ مسند الإمام أحمد عن أبي ريحان   4: 133 ـ 134.

([2]) جاء في الحديث عن النبيّ الكريم|: «خلقَ اللهُ آدمَ على صورته». (راجع: صحيح مسلم، ج4، الباب 32، باب النهي عن ضرب الوجه، الحديث 2612).

([3]) عبد القادر بوعرفة، الجمال وسؤال المقصد في القرآن الكريم، مجلّة قضايا فكرية، العدد 52: 310، تاريخ النشر: 17 / 6 / 2016م.

([4]) هذا ما أشارت إليه آيات قرآنية كثيرة، كقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ (البقرة: 30)، وتتوضَّح في الآية معاني (ودلالات) عميقة لخلافة الله من قِبَل الإنسان، وطبيعة مقامه ورسالته في آنٍ واحد. فالإنسان هو خليفة الله سبحانه (هناك مستَخْلِف هو الله؛ ومستَخْلَف هو الإنسان؛ وعلاقة استخلافٍ بينهما؛ ومستَخْلَف عليه وهي الأرض)، بما يعني أنه فرضت عليه (على هذا الخليفة) أعباء الخلافة وتكاليفها وعناصرها الكثيرة، التي يجب أن يعتقد بها ويتبناها، ويقوم بمتطلّباتها والتزاماتها، ويمارسها في سياق حركته الوجودية في علاقاته الذاتية والموضوعية، على هذه الأرض. فهنا المسؤولية وجودية وشمولية في آنٍ واحد، ولا بُدَّ من تأسيس (وتدريب) نفسه (روحاً ومادّة) عليها.

([5]) محمد بن أبي بكر الرازي، مختار الصحاح: 225، مكتبة لبنان، لبنان ـ بيروت، 1986م.

([6]) إبراهيم مصطفى وآخرون، قاموسُ المعجم الوسيط (مجمع اللغة العربية): 225، مكتبة الشروق الدولية، مصر ـ القاهرة، ط4، 2004م.

([7]) الرازي، مختار الصحاح: 355.

([8]) ابن منظور، لسان العرب 11: 126، دار صادر، لبنان ـ بيروت؛ أبو الحسين أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللّغة 1: 481، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الفكر، لبنان ـ بيروت، 1979م.

([9]) ابن منظور، لسان العرب 11: 126؛ أبو الحسن علي ابن سيدة المرسي، المحكم والمحيط الأعظم 7: 450، دار الكتب العلمية، لبنان ـ بيروت، 2000م.

([10]) محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس 14: 236، دار الفكر، لبنان ـ بيروت، 1993م.

([11]) ابن سيدة المرسي، المحكم والمحيط الأعظم 9: 92.

([12]) ابن منظور، لسان العرب 13: 201 ـ 351.

([13]) عبد الجواد محمد المحص، الجمال في القرآن الكريم (مفهومه ومجالاته): 13 ـ 14، طبعة خاصّة لعام 2005م.

([14]) محمد عبد الرؤوف المناوي، التعاريف التوقيف على مهمات التعاريف 1: 251، دار الفكر المعاصر، لبنان ـ بيروت، 1979م.

([15]) علي بن محمد الجرجاني، التعريفات: 105، دار الكتاب العربي، لبنان ـ بيروت، 1984م.

([16]) محمد عبد الغفور، الجمال في ضوء السّنة النبوي (دراسةٌ موضوعية): 3، (رسالة ماجستير)، الجامعة الإسلامية بغزّة، عام 2009م.

([17]) صالح أحمد الشامي، الجمال في منهج الإسلام وتشريعه: 22، دار كنوز إشبيليا، السعودية، 2007م.

([18]) عبد الرحمن مفكير، الذوق الجمالي في الإسلام، الرابط:

https://www.alislah.ma/%D9%81%D8%B6%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA/2014 ـ 02 ـ 23 ـ 10 ـ 35 ـ 51

([19]) قراءة في كتاب «الجمال في القرآن الكريم»، صحيفة البيان الإماراتية، تاريخ: 30 / 9 / 2006م. الرابط:

https://www.albayan.ae/sports/2006 ـ 09 ـ 30 ـ 1.873781

([20]) عمر أحمد الهمشري، مدخل إلى التربية: 18، دار صفاء للنشر والتوزيع، الأردن، 2001م.

([21]) الموسوعة العربية، المجلد 6: 261. الرابط:

https://www.arab ـ ency.com/ar

([22]) د. عبد القادر علي أحمد الحاج، دور التربية الجمالية في نمو القوى الوجدانية لدى الإنسان، مجلة جامعة شندي، العدد 8: 15، كانون الثاني 2010م.

([23]) أحمد البرقاوي، دفاعاً عن الذائقة الجمالية، صحيفة العرب، العدد 10463: 14، التاريخ: 22 / 11 / 2016م.

([24]) الإحساس بالجمال في ضوء القرآن الكريم، مجلة الوارث، تاريخ: 11 / 8 / 2015م، الرابط:

http://imamhussain ـ lib.com/arb/1089

([25]) هشام محمد سعيد قربان، مقدمة في التذوق الإسلامي الجمالي، صحيفة الشرق، العدد 301: 12، تاريخ النشر: 30 / 9 / 2012م.

([26]) د. عبد القادر علي أحمد الحاج، دور التربية الجمالية في نمو القوى الوجدانية لدى الإنسان مجلة جامعة شندي، العدد 8: 20، كانون الثاني 2010م.

([27]) صحيح مسلم.

([28]) الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل، جمال الله تعالى. الرابط:

http://www.alukah.net/sharia/0/99480/

([29]) عباس توفيق، ألفاظ الجمال في القرآن الكريم، مجلة السنة، العدد 136: 99، حزيران 2004م.

([30]) وهو أحد قادة قريش، وأبرز سادتها، وأغناهم مالاً وتجارةً، إبّان العصر الجاهلي، ووالد الصحابيين خالد بن الوليد، والوليد بن الوليد بن المغيرة. أدرك الوليد بن المغيرة بعثة الرسول الكريم|، لكنه لم يُسْلِم، بل قال مستنكراً عدم نزول الدعوة عليه هو، وهو كبير قريش: «أينـزل على محمد وأترك، وأنا كبير قريش وسيّدها، ويترك أبو مسعود عمرو بن عمير الثقفي سيد ثقيف، فنحن عظيما القريتين». فأنزل الله فيه قوله: ﴿وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ (الزخرف: 31). (راجع: الموسوعة العربية، فئة أعلام ومشاهير، المجلد 22: 370).

([31]) أبو عبد الزركشي، البرهان في علوم القرآن 2: 104، دار المعرفة، لبنان ـ بيروت، 1970م؛  محمد عبد العظيم الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن 1: 150؛ 2: 224، دار المعرفة، بيروت، 1996م.

([32]) جميل علي السورجي، مفهوم الجمال في الفكر الإسلامي، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، العدد 20: 20 ـ 21، آب 2012م.

([33]) عمر عبيد حسنة، علم الجمال ومفاهيمه القرآنية، المكتبة الإسلامية. الرابط:

http://library.islamweb.net/newlibrary/display_umma.php?lang=&BabId=1&ChapterId=3&BookId=2029&CatId=201&startno=0

([34]) عباس توفيق، ألفاظ الجمال في القرآن الكريم، مجلة السنة، العدد 136: 100، حزيران 2004م.

([35]) جميل علي السورجي، مفهوم الجمال في الفكر الإسلامي، مجلة الشّريعة والدراسات الإسلاميّة، العدد 20: 4، آب 2012م.

([36]) الحسين بن محمد أبو القاسم، المفردات في غريب القرآن 1: 118، دار القلم ـ بيروت، والدار الشامية ـ دمشق، 1991م.

([37]) ألفاظ قرآنية، موقع مقالات. الرابط:

http://articles.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id=174515

([38]) عباس توفيق، ألفاظ الجمال في القرآن الكريم، مجلة السنة، العدد 136: 100، حزيران 2004م.

([39]) مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، القاموس المحيط 1: 1554، مؤسسة الرسالة،  لبنان ـ بيروت، ط8، 2005م.

([40]) ابن منظور، لسان العرب 13: 201 ـ 202.

([41]) ابن الجوزي، نزهة الأعين النواظر: 339، مؤسسة الرسالة، لبنان ـ ييروت، ط3، 1987م.

([42]) الراغب الأصفهاني، المفردات: 218.

([43]) د. زيد الرماني، مفهوم الزينة في الإسلام. الرابط:

http://www.alukah.net/web/rommany/0/19227/#_ftnref22

([44]) صفاء الدين محمد، قيمة الجمال في القرآن الكريم. الرابط:

http://www.lahaonline.com/articles/view/2211.htm

([45]) عباس توفيق، ألفاظ الجمال في القرآن الكريم، مجلة السنة، العدد 136: 100، حزيران 2004م.

([46]) علم الجمال: رؤية في التأسيس القرآني. الرابط:

http://library.islamweb.net/newlibrary/display_umma.php?lang=&BabId=1&ChapterId=3&BookId=2029&CatId=201&startno=0

([47]) عباس توفيق، ألفاظ الجمال في القرآن الكريم، مجلة السنة، العدد 136: 100، حزيران 2004م.

([48]) ابن حزم الأندلسي، طوق الحمامة في الألفة والألاّف: 115، مطبعة حجازي، 1950م.

([49]) وفاء الحكيري، فلسفة الجمال في الإسلام، مجلة ميم، تاريخ النشر: 3 / 2 / 2018م.

([50]) قدور رحماني، حقيقة الجمال عند ابن عربي: 335. الرابط:

http://revue.ummto.dz/index.php/khitab/article/viewFile/733/571

([51]) محيي الدين ابن عربي، الفتوحات المكّية 6: 223، ضبطه وجمع فهارسه: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، لبنان ـ بيروت، ط1، 1999م.

([52]) محمد أحمد، فلسفة الجمال من الوجهة الإسلامية، المجلة العربية، العدد 2: 65، السعودية ـ الرياض، 1979م.

([53]) الإحساس بالجمال في ضوء القرآن الكريم، مجلة الوارث، تاريخ النشر: 11 / 8 / 2015م. الرابط:

http://imamhussain ـ lib.com/arb/1089

([54]) فريد الأنصاري، مفهوم الجمالية في الإسلام، مجلة حرّاء، العدد 2: 92، تاريخ النشر: 17 / 3 / 2017م.

([55]) كما في قوله تعالى: ﴿وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ (النحل: 15 ـ 16)، وقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ (يونس: 5)، وغيرها من الآيات التي تتحدّث عن الحقائق الجمالية الهادفة لإشعال الإحساس الجمالي كوسيلة وجودية لاستمرار الإنسان وتمكينه وجوديّاً؛ لتحقيق الحكمة والتوازن.

([56]) فريد الأنصاري، مفهوم الجمالية في الإسلام، مجلة حرّاء، العدد 2: 92، تاريخ النشر: 17 / 3 / 2017م.

([57]) المصدر نفسه.

([58]) فريد الأنصاري، العباد عنوان الجمال وشعار المحبة في الإسلام، موقع ملتقى أهل الحديث. الرابط:

موقع حركة التوحيد والإصلاح

([59]) سليمان بن الأشعث السجستاني، سنن أبي داوود 7: 450، كتاب الأدب، دار الرسالة العالمية، سوريا ـ دمشق، ط1، 2009م.

([60]) فريد الأنصاري، مفهوم الجمالية في الإسلام، مجلة حرّاء، العدد 2: 92، تاريخ النشر: 17 / 3 / 2017م.

([61]) عبد القادر بوعرفة، الجمال وسؤال المقصد في القرآن الكريم، مجلة قضايا معاصرة، العدد 52: 310، تاريخ النشر: 17 / 6 / 2016م.

([62]) توفيق سعيد، تهافت مفهوم علم الجمال الإسلامي: 15، دار قباء للنشر، القاهرة، ط1، 1997م.

([63]) أبو الطيب محمد صديق البخاري القِنَّوجي، الوشي المرقوم في أسماء العلوم والفنون. الرابط:

https://al ـ maktaba.org/book/9579

([64]) عبد القادر بوعرفة، الجمال وسؤال المقصد في القرآن الكريم، مجلة قضايا معاصرة، العدد 52: 310، تاريخ النشر: 17 / 6 / 2016م.

([65]) رزاق محمود الحكيم، الحسّ الجمالي والمسؤولية الاجتماعية: 30، 2009م.

([66]) وهذه هي نظرية المقاصد الإسلامية، التي حفرت بعيداً في فلسفة المعرفة الإسلامية، وهي كانت بمجملها محاولة لفَهْم (ووَعْي) النصّ الديني، والغاية منه، والبحث عن الحكمة من وجود الشيء ضمن فلسفة الخلق ومعانيها في الإسلام ككلّ. فكلّ شيءٍ مخلوقٌ لغاية وهدف وحكمة نبيلة.

([67]) عبد القادر بوعرفة، الجمال وسؤال المقصد في القرآن الكريم، مجلة قضايا معاصرة، العدد 52: 310، تاريخ النشر: 17 / 6 / 2016م.

([68]) علم الجمال الإسلامي: مساهمة في الأصيل والتجديد، إسلام ويب. الرابط:

http://library.islamweb.net/newlibrary/display_umma.php?lang=&BabId=1&ChapterId=6&BookId=2029&CatId=201&startno=0

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً