أحدث المقالات

 

(مجال إدارة التربية والتعليم)

 

د. محمد رضا سرمدي(*)

د. محمد جعفر پاك سرشت(**)

أ. عذرا شالباف(***)

أ. حيدر أمير ﭘور(****)

 

المقالة I.  مقدمة ـــــ

تتطوّر المؤسسات التعليمية وتتكامل كأيّ كائن حيّ يخضع لقوانين التطوّر والتكامل.

والمهمة التعليمية والتربوية بحاجة إلى سياسات وخطط وأساليب توفّر إمكانية تحقيقها، من خلال المسؤولين عن ترشيد هذه المؤسسات، والقائمين على إدارتها على أسس ومعايير تضمن تحقق رسالتها، وتُعبّىء كلّ الطاقات الفاعلة في هذه المؤسسات باتجاه الأهداف الرسالية لها.

وعلم الإدارة هو أحد أهم العلوم التي تأخذ على عاتقها المهمة الترشيدية والتوجيهية لهذه المؤسسات؛ لتفعيلها، ولإحلال نظام يكفل تطويرها على أسس علمية تستنهض كلّ الطاقات والعناصر، وتوائم بينها بشكل مستمر، وباتجاه توحيد حركتها بشكل يتناسب مع أهدافها الكبيرة.

إنّ نظرية (T.Q.M)([i])، التي نعبّر عنها بنظرية الإدارة النوعية الشاملة، هي واحدة من تلك النظريات، التي تقوم بمهمة تطوير الإدارة على أسس إنسانية، منبعثة من أسس فلسفية تكفل التغيير الجذري في الرؤية والتعامل مع العناصر الإنسانية الفاعلة في الساحة الإدارية في خصوص المؤسسات التعليمية.

وذلك من خلال دراسة حقيقة الإنسان، واكتشاف أبعاد وجوده، وطاقاته (قدراته)، التي تجعل منه عنصراً متميزاً وفاعلاً ومتطوّراً في كلّ مجالات الحياة، ثمّ كيفيّة توظيف هذه الطاقات والقابليات في مجال تطوير الإدارة التعليمية والتربوية للمؤسسات التعليمية.

 أهداف البحث وفرضياته ــــــ

لا حاجة إلى طرح فرضية خاصّة في هذا المجال، بعد أن كان البحث متوقِّفاً على تحليل علمي، وتصوير فلسفي، عن الإنسان؛ لتبنى عليه النظرية التي نريد تطبيقها في مجال إدارة المؤسسات التعليمية، وتطوير إدارتها النوعية؛ لتكون عامة وشاملة وفاعلة في الميدان الإداري التعليمي.

1ـ ما هي الأسس الفلسفية المفترضة حول الإنسان، الذي يُراد التنظير له باعتباره عُنصراً أساسياً في المؤسسات التعليمية؟

2ـ ما هي حقيقة الإنسان في هذه النظرية الإدارية؟ وكيف يتمّ توظيفها؟

3ـ ما هي المميزات الفارقة للنظرية الإدارية المقترحة؟ وما هو الذي يفصلها عن النظرية الإدارية الكلاسيكية؟

4ـ ما هي وجوه الشبه بين النظريتين؟

 

 منهج البحث ــــــ

إنّ طبيعة الموضوع المراد بحثه يختلف عن سائر الموضوعات العلمية المختبرية. ومن هنا فالبحث يعتمد على التحليل والنقد لكلّ ما يرتبط بموضوع البحث، بعد جمع كلّ المعلومات والوثائق وتنظيمها بما يخدم هدف البحث.

إدارة التعليم والإدارة النوعية الشاملة ــــــ

خلال العقدين 1920 و1930 تأثَّرت العلاقات بين الأفراد والمجتمع بنهضة العلاقات الإنسانية، وأثّرت في فهم العوامل الرئيسية التي تفسّر سلوك مديرية التعليم. وتجلّت هذه النهضة في هذه البيئة التعليمية. وفي العقد 1950 أثَّر تطوير العلوم السلوكية والاجتماعية في دفع الباحثين في حقل الإدارة والتعليم باتجاه المشاركة والبحث بنشاط في هذا المجال العلمي، والوصول إلى نظريات حديثة ترتكز على تفعيل السلوك الفردي في المؤسسات التعليمية، وإدارتها، من دون التفات منها إلى السلوك الجمعي والتنظيمي للمؤسسات التي تتولى المهام التعليمية والتي تسيطر عليها طبيعة نظامية تتطلب الوئام والانسجام بين عناصر بشرية ذات طبائع مشتركة، واتجاهات متفاوتة، وأهداف مشتركة. إنّ نظرية الإدارة النوعية الشاملة كانت قد أخذت مسارها، وبدأت تعطي ثمارها، في المجالات الإدارية الأخرى: الصناعية؛ والتجارية؛ والزراعية؛ وسائر المجالات. غير أنّها لم توظَّف في مجال إدارة التعليم والتربية. ونحن نريد في هذا البحث أن نقوم بتوظيفها في مجال إدارة التعليم، وبيان إمكان تطبيقها في المؤسسات التعليمية، كسائر المجالات التي شهدت نجاحاً باهراً فيها، ولا سيّما ونحن نلاحظ مجموعة من الانتكاسات والمشاكل التي تعترض المؤسسات التعليمية، وإخفاقاتها المتتالية في مجال مهمّتها التربوية والتعليمية للطاقات الإنسانية، وهي تتمثل في ترك الدراسة، والاعتياد على المخدرات، وسائر المشاكل التي يعاني منها الأولياء تجاه أبنائهم. وقد بدأت المدارس الأمريكية تتأثّر بهذه النظرية العلمية في حقل الإدارة التعليمية، ثم تبعتها المدارس الإنگليزية، وأخذت تظهر نتائجها بشكل باهر وملفت للنظر، ممّا دعا الباحثين إلى التوجّه بجدّ إلى هذه النظرية، وضرورة توظيفها ونقلها إلى المجال التعليمي والمؤسسات التعليمية، حيث يمكن تطبيقها واستثمارها بحيث تتحقَّق الأهداف الكبيرة لهذه المؤسسات إذا ما خضعت إدارتها لرؤية عميقة للإنسان، وخصائصه، وما يمتاز به من طبيعة متميزة، ومرونة في التعامل إنْ أُعطي للإنسان دوره الحقيقي في المؤسسة التعليمية، وأخذت العلاقات الإنسانية اتجاهاً واقعياً يتناسب مع حقيقة الإنسان، وموقعه في الكيان الاجتماعي، وما يتميز به من كرامة، وقابلية، وطاقات معنوية جبّارة.

ويبقى السؤال الأساسي لدينا: كيف يمكن توظيف هذه النظرية وتطبيقها على إدارة المؤسسات التعليمية والتربوية؟

إنّ إدارة التعليم تحتاج إلى العزم والصبر، والجهد المتواصل، والبرمجة الدقيقة. والإدارة النوعية لهذه المؤسسة التعليمية تتطلب الالتفات والاهتمام بتوجُّهات واندفاعات العاملين فيها؛ إذ يتوقَّف نجاح الإدارة على قدرتها في توظيف الطاقات الإنسانية، وتعبئتها باتجاه الأهداف الكبرى للمؤسسة التعليمية. وكلّما كان المدير أكثر اطلاعاً وإلماماً بنفوس واتجاهات عناصر المؤسسة التعليمية كلّما كان أجدر وأقوى في إدارتهم وتعبئتهم باتجاه أهداف المؤسسة الكبرى، وإنجاحها في حقل التعليم والتربية، بما يُحرِز لها التفوّق الباهر أمام غيرها من المؤسسات.

على أنّ كلّ الأجزاء المكوّنة للمؤسسة التعليمية ذات أثر بالغ في هذا النجاح. وما دامت كلّ الأجزاء هي عناصر بشرية تنطلق من رؤيتها لنفسها، وتنطلق من طبيعة تصوراتها التي تنطوي عليها، أصبح من الضروري أن يقوم المدير بتغيير النظرة لهذه العناصر تجاه نفسها، وتجاه المؤسسة الإنسانية التعليمية، وتطوير هذه الرؤية من تحسين إدارة التعليم إلى تحسين إدارة التعلّم؛ إذ إنّنا إذا أحسنّا التعلّم فقد اقتربنا من تحسين التعليم. فالمدير المتفوّق هو الذي يُحسن التعامل مع الآخرين، بحيث ينتهي بهم إلى أن يحملوا تصوّرات صحيحة عن أنفسهم، وعن تقييم نفوسهم، وجعلها في الموقع اللائق بها في هذا الكون، وفي هذه المجموعات البشرية، التي أُنيطت بها مهام كبرى في مجال تحقيق التكامل الإنساني، وتطوير هذا النوع البشري.

 

 إدارة التعليم: أطروحة حديثة ــــــ

قدّم اسميت (2001) رؤية جديدة عن إدارة التعليم، وعبّر عنها بالمفهوم التفسيري لإدارة التعليم. يعتقد اسميت بأنّ الإدارة تحتاج إلى تدبّر وتأمّل ينطلق من البداية الطبيعية ومِنْ ألف بائها. ويرى أنّه رغم التجارب الطويلة التي حصل عليها خلال عقدين ونصف من عمره، الذي قضاه في إدارة التعليم، فإنّه دائماً يشعر بالحاجة إلى مفهوم فلسفي جامع وعميق يربط بين عناصر أطروحته ورؤيته التي يحملها عن الإدارة، وأنّه طالما غفل عنه، هو وسائر المدراء؛ لأنّهم يقبعون تحت وطأة أصول علم الإدارة المتوارثة، ولا يكادون ينفكّون عنها.

وهذه هي النقطة الأساسية التي أحبّ كتّاب هذا المقال الوقوف عندها، والبحث عنها فيه، وهي ضرورة الالتفات والتوجُّه إلى الجذور الفلسفية التي تحملها كلّ أُطروحة في الإدارة، وأن تحليلها والتعمّق فيها يعود على أصحابها، والملتزمين بها، بنتائج إيجابية كبيرة، وأنّ إغفالها، أو إجمالها، سوف يترك آثاره السلبية على الأداء والإنجاز الإداري للمدير. والطريق إلى الوصول إليها هو التحليل والتأمّل فحسب، مادامت لا تخضع لمعايير وقيم مختبرية، وعلوم طبيعية تجريبية.

وهذه المفاهيم الأساسية والجذور والبُنى التحتية لعلم الإدارة النوعية تعود إلى ضرورة معرفة الإنسان، ومعرفة قيمته، وموقعه، في الوجود؛ لأن التعليم يرتبط بتربية الإنسان وتكامله. وما لم نعرف الإنسان الذي نريد تربيته، وإدارة عمليات تربيته وتعليمه، فإنّنا سنتعامل مع كائن نجهل خصائصه الأساسية، التي تدخل في صميم العملية التربوية والإدارية بشكل مباشر.

إنّ الإحاطة الشاملة بكل خصائص هذا الانسان، الذي يراد تقديم أطروحة نموذجية لتربيته، وإدارة المهمة التعليمية في حقّه، ممّا لا يسعه هذا المقال. ومن هنا فإنّنا سنكتفي بأهمّ مميزات هذه النظرية التي نبحث عنها تحت عنوان: (الإدارة النوعية الشاملة في حقل التعليم والتربية)، وما يترتب عليها من آثار ونتائج.

الرؤية الإنسانية في نظرية T.Q.M ـــــ

من الطرق المفيدة والمناسبة التي نطلّ من خلالها على الإدارة النوعية الشاملة الاهتمامُ بعنصر الكيف، أي النوعية، وتعميمه، وتوسعته إلى كلّ الأبعاد في الجانب الإداري. وهذه الرؤية النوعية تتجلى في نوعية القدرات والقابليات الإنسانية التي تتمخّض عن عملية إسهام الإنسان المتعلّم ومشاركته في الإدارة كعنصر أساسي في تحقيق الإدارة النوعية، باعتبار أن إسهامه يشكّل ركناً أساسياً في تحقيق وتطوير التعليم وإدارته، حيث يدخل إسهامه في العملية التعليمية في تحقيق القدرة اللازمة التي تحتاج القرارت إلى تنفيذها. وحين يقتدر الفرد (العنصر)، الذي يُراد إدارته، على اتخاذ القرار المناسب في الموقع المناسب تصبح الإدارة حينئذ لهذا الإنسان إدارة نموذجية ونوعية ومتطوّرة.

إنّ الرغبة والوعي والشعور بالمسؤولية تجاه القرارات التي يُراد تنفيذها في هذه المؤسسة التعليمية تدخل كلّها في تصعيد وتطوير تكامل المهمة الإدارية، التي يعود حاصلها إلى الأفراد تحت الإدارة أنفسهم. ومن هنا تكون مشاركتهم حقيقية، ومنبعثة من أعماق وجودهم، وعائدة عليهم بكلّ خير، انطلاقاً من مبدأ إنساني قرآني عظيم أشارت إليه الآية القرآنية الكريمة: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإنسَانِ إِلاّ مَا سَعَى (النجم: 39). فتكون المساهمة من الفرد سعياً حقيقياً له، وتعود عليه نتائجه الإيجابية، مادام السعي إيجابياً، ومتَّجهاً إلى تطويره وتكامله بشكل خاص، حيث لا يشعر الفرد بأن القرار يُفرض عليه. وربما يكون الشعور بفرضه عليه عقبة دون الانصياع له، أو الانقياد إليه. وواضح أن كلّ إنسان يتحمل من المسؤولية بقدر مشاركته في المؤسسة الاجتماعية، ويستحق التقدير فيها بنسبة مشاركته وتحمّله للمسؤولية.

إنّ دور الإنسان في المؤسسة الاجتماعية يعتبر في هذا العصر علامة فارقة ومميزة عن دوره في المؤسسة في ما مضى. فأخذ هذا الدور في نظر الاعتبار، والتوجه إلى ذلك، من أولى ضرورات المهمة التطويرية للمؤسسات التعليمية وغيرها على المستوى العالمي.

إن الطاقات الإنسانية والكفاءات البشرية ـ باعتبارها محدودة ـ لا تترك فرص الاختيار مفتوحة للمؤسسات المتنافسة فيما بينها على هذه الطاقات. فلا بد أن تسعى هذه المؤسسات للإفادة منها بأحسن شكل ممكن؛ لئلاّ تفرّط بها، وتفتقدها حين تحتاج إليها. وهذا الموقع المتميّز للكوادر البشرية في المؤسسات، وبهذه الرؤية الخاصّة لها، يعطي لإدارتها اتجاهاً جديداً، وينتهي إلى أُطروحة حديثة جدّاً في حقل الإدارة لهذه العناصر البشرية. وإنّ التطوير النوعي المراد بحثه في هذه النظرية T.Q.M الإدارية يتّكئ على أصول ومفاهيم مهمّة، تيسّر التعامل الأنسب مع هذا الإنسان، الذي يشكل العمود الفقري في هذه المؤسسات الاجتماعية (التعليمية؛ وغيرها). وهذه المفاهيم هي:

1ـ أن لا يكون للخوف والاضطراب أي مجال في ميدان العمل.

2ـ أن يرى كلّ عضو في المؤسسة نفسه عضواً في أسرة واحدة.

3ـ أن لا يحرص الفرد على مصالحه الخاصة، بل يتجه إلى تحقيق المصلحة العامة للمؤسسة.

4ـ أن تتوفر المحفّزات اللازمة لتطوير المعلومات والمهارات والقدرات البشرية في المؤسسة.

5ـ إنّما يتحقّق التطوير النوعي من خلال غلبة جانب الكيف على جانب الكم، واعتماد مبدأ أصالة الكيف، وتبعية الجانب الكمي له.

6ـ مبدأ استهداف الوصول إلى الإنسان النموذجي بشكل أساس.

وإذا تحققت هذه الظروف فإنّ كلّ عنصر بشري من عناصر المؤسسة سوف يحظى بمكانته اللائقة. كما يحظى باعتماد متبادل بين أعضاء المؤسسة وإدارتها. وسوف يصبح كلُّ فرد قادراً بنفسه على إدارة نفسه، والتكيف بما يحقِّق كل هذه الأهداف المقصودة للمؤسسة. كما يصبح كلّ عضو وعنصر من عناصرها ركناً أساسياً فيها.

إنّ (T.Q.M) نظرية إنسانية في مجال الإدارة. وهي تعتبر الرضا أساساً في الإدارة. فهي تعتبر الإنسان مفتاحاً حقيقياً لكلّ توفيق؛ لأنّه العنصر الأساس في المؤسسة التعليمية، بل في كلّ مؤسسة ذات عناصر بشرية. ومن هنا لزم أن تكون كل العناصر البشرية لهذه المؤسسة، وفي جميع مستوياتها، ذات خصائص نموذجية، تتجلى في شعورها بالمسؤولية المهنيّة. ويكفي أن يفتقد بعض عناصرها بعض هذه الخصائص الأساسية لتسقط المؤسسة وتتدهور أحوالها. ولكل مؤسسة ثقافة مهنية خاصّة بها، وقيم أخلاقية تتكئ عليها. وحين افتقادها، أو ضمورها، تندحر تلك الأسس الثقافية، التي يكون نجاح المؤسسة مرتبطاً بها. ومن هذه القيم: الوضوح في التعامل، المساواة أمام القانون، الصراحة، حُسْن إبلاغ الأوامر، التزام المدراء بواجباتهم بشكل دقيق، إشراك وإسهام الآخرين في تنضيج القرارات وواقعيتها والابتعاد عن الاستبداد. ويمكن لكلّ واحدٍ من هذه القيم أن يلعب دوراً كبيراً في إنجاح المؤسسة، وفقد أيّ واحد منها بإمكانه أن يترك أسوأ الآثار على نجاح المؤسسة، ودحرها، وبالتالي سقوطها.

 أبعاد الاقتدار الإداري للإنسان في الإدارة النوعية للتعليم ــــــ

إذا أحسنا إدارة طاقات الإنسان وقدراته فقد حصلنا على القدرة المطلوبة التي تختزن في الإنسان. وأولى الأبعاد الموجودة للقدرة في المؤسسة الإنسانية هو بُعد وحدة الاتجاه والهدف عند العاملين في المؤسسة. والخطوة الأولى لتحقيق وحدة الاتجاه والهدف هي النوعية في رسالة المؤسسة، وأهدافها، وتطلّعاتها، وقيمها، وقرارتها الأساسية، وأهدافها القريبة والبعيدة. وهذا الهدف هو بمنزلة الخط البياني الذي يرسم لكل فرد دوره وحدوده في تلك المؤسسة. وبمقدار ما يُصاب هذا البُعد بالفشل تُصاب قدرة المؤسسة به أيضاً.

وثاني الأبعاد الموجِدة للقدرة هو استحداث قابليات وإمكانيات لدى أصحاب الطاقات والعاملين في المؤسسة، وذلك من خلال إعطائهم العلم والفن الذي يحتاجونه في ما يزاولونه من مهامّ، وما تتوقف عليه مسؤولياتهم من خبرات ومهارات.

وثالث الأبعاد الموجِدة للقدرة هو الاعتماد المتبادل بين المدير والعاملين، وذلك أن وحدة الاتجاه عند العاملين، واتساع خبراتهم، من شأنه أن يستثير طاقاتهم، ولا تتفعّل هذه القابليات إلاّ إذا تحقّق عنصر الاعتماد على الإدارة، وأنّها تريد الاستثمار الصحيح والمطلوب والمناسب، ولا تريد الاستغلال والابتزاز، وأنّها تخلص في تطويرها للطاقات الفنية والمهنية الانسانية، واعتقادها بضرورة تطويرها وتـنميتها، وحُسن الاستفادة منها، ضمن الاحتفاظ بحقوقها وكرامتها الإنسانية التي منحها الله إياها، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِير مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ (الإسراء: 70)، فإنّ هذا التكريم التكويني والذاتي للإنسان، الممنوح له من قبل مكوِّنه وخالقه، لا يمكن سلبه وابتزازه منه، وهو جزء من فطرته، ومكوِّن من مكوِّنات شخصيته. وبمقدار اعتماد المؤسسة، وإيمان مديرها بهذا التكريم، سوف يتحدّد مستوى التعامل مع العاملين المكرّمين. وكلما سُحقت هذه الكرامة منهم، أو استُهين بها، كلّما ضعفت الدوافع نحو التعاون والمساهمة في تحقيق أهداف المؤسسة بشكل وآخر. ومن هنا لزم أن يتجنّب المدير هذه الآفة الكبرى التي تحيط بإدارة المؤسسات الإنسانية. والإدارة النوعية هي الإدارة التي تتصدّى لدفع هذه الآفات، والعقبات التي تحول بينها وبين إحراز النجاح المطلوب، وذلك من خلال اعتماد عنصر الكرامة الإنسانية، وتكريم الأعضاء الذين تقوم المؤسسة التعليمية على أكتافهم.

محورية القيم الأخلاقية في المؤسسة والإدارة النوعية في التعليم ــــــ

تتوقف الإدارة النموذجية النوعية على القيم الأخلاقية التي يلتزم بها عناصر المؤسسة وأفرادها. وهذه القيم هي التي تقرِّر التطوّر الكيفي، والمستوى النوعي، للإدارة، من خلال انعكاس هذه القيم والإيمان بها على سلوك الأفراد، وعلى نوع تعاملهم فيما بينهم وبين الإدارة.

إن ما يحمله كل عنصر من عناصر المؤسسة من رؤى وانطباعات حول القيم الأساسية للعمل لا يكفي لإحداث التغيير والتطوير إذا لم تتبلور هذه الرؤى والقيم في سلوك يتجسّد في تعامل الأفراد، وتعامل المجموعة التي تتكوّن منها المؤسسة.

ومن هنا يلزم أن يحمل المدراء تصوّراً صحيحاً عن الأفراد الذين يعملون في مجال إدارتهم؛ لأن هذه الإدارة النوعية تختلف في طبيعتها عن الإدارة الكلاسيكية، التي لا تعتمد كسب الثقة بمقدار ما تعتمد على الرقابة، والدقة، والحرص على عدم غفلة المدير عمّا يجري حوله من تصرفات أفراده. إن الإدارة النوعية، بدل الاعتماد على الرقابة، تعتمد على تقوية الوازع الداخلي للفرد؛ ليراقب نفسه بنفسه، وليكون طموحاً في إبراز وإظهار قابلياته وقدراته ومهاراته. كما تعتمد على تعميق الرؤية الإيجابية والاعتقاد بالمسؤولية تجاه العمل في المؤسسة الهادفة إلى خدمة الإنسان، وفي كلّ عنصر من عناصر المؤسسة.

وقد قام بعض الباحثين بإجراء مقارنة بين مؤسَّسات تعطي لأفرادها حرية الفكر والقرار والإبداع وبين مؤسسات تعتمد الإدارة الكلاسيكية، فلاحظ أنّ الإدارة التي تمنح عناصر المؤسسة الثقة بهم، وبأنفسهم، وتمنحهم الحرية في التعامل، يزداد عناصرها اهتماماً وجدّيّة وشوقاً إلى عملهم، ويكسَبُون ويُكسِبون ثماراً أكثر من خلال هذا النوع من التعامل الإداري معهم. فإنّ الإدارة النوعية هي إدارة هادفة. وتتلخَّص رسالتها في إعطاء المزيد من القدرة للإنسان الفاعل في الساحة العملية. والإنسان القادر والفاعل هو الذي يحمل في نفسه أسمى مراتب الطموح في العمل، ويتجاوز المنافع المادية الجزئية العاجلة، والمصالح الفردية الخاصة، إلى حمل هموم المؤسسة ككُلّ، والتي تصبح جزءاً من كيانه وفكره، وتكون مجالاً خصباً لإبداعاته وطموحاته. وهذه الحقيقة تؤثِّر على تطوير المؤسسة كما تؤثِّر على ظاهرة التضخّم الاقتصادي تأثيراً محسوساً؛ لأنّ الابتزاز والسرقة من العمل ـ وهو كطاقات وإمكانيات تذهب سُدى ـ له تأثير إيجابي على التضخُّم في حقل القيم والأسعار للسلع والبضائع التجارية، وبمقدار ضمور هذه السرقات اللامحسوسة تقلّ النفقات، ويزداد الإنتاج كيفيةً وتطوّراً.

المبدأ الذهبي في الإدارة النوعية للتعليم «أنا مهمّ، وأنت مهم» ــــــ

إنّ إعطاء الفرد قيمته الحقيقية، واعتباره الأساس في المؤسسة الإنسانية، يفوق كلّ مبدأ، ويجعله الركن الأوّل في الثقافة الإدارية. وإلى ذلك تعود كلّ الأصول الأخرى التي سنتكلّم عنها لاحقاً.

في الجدول التالي تجد عدّة تركيبات للخصائص الإنسانية ذات العلاقة بالرؤية الإدارية للإنسان.

 

لنفسي قيمة أعرفها وأحترمها أنا قادر (مقتدر)
أنا أريد السلطة على الآخرين أنا مسؤول
أنا إنسان ناقد أنا مشارك (مساهم)
أنا إنسان غير صادق أنا منصف
أبحث عن مَنْ ينافسني أنا صادق
أنا أتأمّر على مَنْ سواي أنا شجاع
أعتقد بحرية الفكر للآخرين، للآخرين عندي قيمة واعتبار أنا أحاكم الآخرين في تصرّفاتهم
أنا يائس لا أحتقر نفسي
أنا محافظ ومحتاط لا أحسد الآخرين
أنا عصبي ومتوتّر أنا واعٍ
أنا منزوٍ وغير اجتماعي أنا خلوق
لا أحاكم نفسي أنا أعتمد على نفسي

 

إن النقاط التي ينبغي فهمها من المقارنة بين الحالات المختلفة للناس أن الإنسان حين يتجلى الأنا في سلوكه يختلف من حال إلى حال. فإذا كانت شخصيته سويّة لم يكن سلوكه يصدر عن أنانية سلبية، وإنّما يصدر عن وضع نفسي متعادل ومتّزن، يوائم بين مختلف جوانب شخصيته. وحينئذ فهو ينظر إلى العاملين بما هم عليه من مكانة إنسانية، وحرية، واستقلال، وقابليات تستحق التقدير والإعجاب. وهذا يستدعي منه النقد البنّاء، بدل النقد السلبي اللاذع، وينتهي إلى إيجاد فرص حقيقية لتطويرهم، والارتقاء بمستوياتهم إلى حيث يليق بهم.

وأمّا إذا كان الإنسان إنساناً تسيطر عليه الأنانية، بحيث لا يرى إلاّ نفسه، ولا يجد في الآخرين مَنْ يستحقّ التقدير والإعجاب، فسوف يحتقر من سواه، ولا يصدر في تعامله من موقع المدير الناجح، وإنّما من موقع الناقد الحاقد، الذي لا يثمر سلوكه إلاّ الابتعاد والانقطاع عنه، مادام لا يرى لأحد قيمة إلاّ بمقدار ما يحقّق له أنانيته. ومثل هذه الشخصية لا تستطيع أن تعتمد على الآخرين، أو توظّف قدراتهم وطاقاتهم في سبيل الهدف المنشود. وهذا ما ينتهي إلى شلل العمل في مثل هذه المؤسسة، وإحباط قدرات وطاقات أفرادها، والتبذير بها، أو تجميدها، وتبديل الآمال إلى يأس خانق، وشعور بالفراغ القاتل.

إنّ الفرضين الثالث والرابع هما أقرب إلى نظرية الإدارة النوعية، التي تعتبر الاعتماد على الآخرين، وتفعيلهم الذاتي، محوراً أساسياً في الإدارة ونجاحها.

إنّ الاتجاه العام في الإدارة النوعية النموذجية هو إيمان المدير للمؤسسة التعليمية بأني قادر، وأنت قادر، وأنّ كلّ عنصر بشري يتجّه إلى الاعتقاد بامتلاكه المؤهِّلات اللازمة للعمل، وأنّها موجودة لدى المدير كما هي موجودة لدى غيره، وأنّ عملية الضبط والانضباط هي عملية وازع داخلي، قبل أن تكون من خارج الذات البشرية، باعتبار رفضه مستوى الشعور بالمسؤولية والفاعلية المطلوبة لدى عناصر الجهاز الإداري. وكلّما ازداد الضبط الداخلي، وارتفع الشعور بالمسؤولية، كلّما اقتربنا من نظرية الإدارة النموذجية، التي عرفناها تحت عنوان (T.Q.M)، وهي إعطاء الدور الإستراتيجي للإنسان نفسه، من أجل إحراز النجاح الكامل في الإدارة، على أساس الهدفية، والاختيار، والانضباط الذاتي للأفراد، الناتج من نموّ الوعي وتصعيده لدى الأفراد إلى مستوى رفيع، يجعلهم في غنى عن رقابة المدير، باعتبار امتلاكهم لرقابة داخلية تصونهم من التسويف والإهمال والفتور؛ لأنّهم يعون موقعهم الإستراتيجي في المؤسسة، ويحترمونه، كما يحترمون أهدافها، وينصهرون بها انصهاراً يغنيهم عمَّنْ سواهم.

 

الأسس المعرفية في أطروحة الإدارة النوعية الشاملة T.Q.M ــــــ

الإنسان هو المفتاح الحقيقي لتكامل المجتمع على كلّ الأصعدة ـــــ

إنّ أغلب المؤسسات اليوم تعتبر الإنسان وسيلة وآلة تستخدم لأغراضها. فالأغراض هي الأساس، والإنسان هو الوسيلة الخادمة والمحقِّقة للأغراض. غير أنّ الإنسان إذا كان هدفاً بنفسه، باعتباره هو القمّة في الكائنات، ويُراد خدمته بواسطة سائر الكائنات، فإن الرؤية لهذا الإنسان سوف تختلف تماماً؛ إذ تصبح الأهداف في خدمة الإنسان، وليس الإنسان في خدمتها. ويكون تكريمه هو الهدف، ولا يتعامل معه كخادم، بل كمخدوم، ويكون دور الإنسان في المؤسسة هو الدور الأوّل والأساس، ولا يتعامل معه المدير معاملة الآلة والوسيلة، بل معاملة الهدف الذي ينبغي احترامه، وتقديمه على كلّ شيء.

 

الإنسان هو الذي يراقب نفسه، ويقوم بضبطها وإدارتها ــــــ

الإنسان كائن وقادر على أن يجمع بين الاختيار (حرية الإرادة) وضبط النفس ضبطاً إيجابياً، فاعلاً ومتفاعلاً مع الأهداف. وكلّما اقتربت المؤسسة من توفير هذا العنصر الأساسي كلّما اقتربت من الإدارة النوعية الشاملة.

 

الإدارة تهيّئ عناصر الإبداع والخلاّقية ـــــ

إنّ البوابة الأساسية لإيجاد أرضية للإبداع هي إطلاق مجال الفكر، وإعداد ظرف يدعو كلّ عناصر المؤسسة للتفكّر، والاستعداد للإبداع من خلال الفكر. إن الشعور باحترام الفكر، ومطلوبيته، والشعور بالأمن عند التعبير عن كلّ ما يخطر بالبال من أفكار، وإمكان توظيفها بشكل صحيح ومحترم، سوف يعطي للمدير أكبر مجال لإنتاج الفكر من خلال عناصر مؤسسته، التي يشعر فيها كل واحد منهم بالقيمة الحقيقية لوجوده ولأفكاره.

الهدف الأسمى هو نيل الكمال وتطوّر الاستعدادات الذاتية بشكل صحيح ــــــ

على الرغم من تنوع حاجات الإنسان في الحياة فإن أسمى الحاجات وأرفعها في الحياة هي الحاجة إلى الكمال، والحاجة إلى التكامل والتسامي بشكل طبيعي تحصل من خلال الشعور بالكرامة، وضرورة اهتمام الإنسان بنفسه، وأن ليس له إلاّ مقدار ما يسعى لنيله من الكمال في هذه الحياة. والمدير الناجح هو الذي يعيِّن هؤلاء الناس؛ لنيل كمالاتهم اللائقة بهم، من خلال معرفة النفس، ووعي الذات، ووعي رسالتهم في هذه الحياة، وأنّهم هم الرابحون، وهم الخاسرون.

 

الإنسان خلاّق ومبدع ــــــ

إذا آمنت المؤسسة بالإنسان وقيمته فسوف يتجاوز الأعضاء في هذه المؤسسة ضرورة العمل بالواجبات، وينطلقون إلى ضرورة تكاملهم، ويبحثون عن أعمال تتجاوز اداء الواجبات وإسقاط التكاليف الأساسية إلى كلّ عمل ينتهي بهم إلى الكمال المطلوب، فتصبح للإنسان بصيرة وخلاّقية متميزة، تدفعه للتعامل مع المؤسسة على أنّ المؤسسة والإنسان العامل فيها حقيقة واحدة مندمجة، ولا انفكاك بينهما.

 

النضج الفكري للعاملين في الإدارة النوعية الشاملة ــــــ

يعتبر النضج الفكري للإنسان من الأسس الهامة في الإدارة النوعية للإنسان. ومن هنا تسعى هذه الإدارة لتعبئة طاقاتها وتوجيهها باتجاه توفير أكبر قدر ممكن من الوعي، وإعداد برامج لتحقيق النضج الفكري المطلوب لدى العاملين في المؤسسة، باعتبار العلاقة الطردية بين مستوى الوعي والنضج وبين الإنتاج والإثمار. قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَات مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلـكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (الأعراف: 96).

 

الإنسان كائن ذو أبعاد شتى ـــــ

يخطئ من يتصوّر أنّ الإنسان كائن ذو بُعد واحد، ولا ينظر إليه إلاّ من زاوية واحدة؛ وذلك لأنّ الإنسان كائن ذو أبعاد عديدة. ومن هنا لزم أن يُنظر إليه من كلّ الزوايا والأبعاد التي ينطوي عليها، ويتألّف منها.

 

الإدارة والأسس المعرفية للنفس والمجتمع الإنساني ــــــ

يتسنّى للمدير الناجح اختيار نموذج صحيح للعلاقات الإنسانية إذا كان على وعي كامل بالنفس الإنسانية والمجتمع الإنساني، باعتبارهما موضوع التعامل الذي يهتم به المدير كمدير لمؤسسة تتكوَّن من عناصر بشرية ذات علاقات اجتماعية متعددة الأطراف.

 

القيادة والتوجيه ركن أساسي في الإدارة ـــــ

ليس من شأن المدير أن يتصدّى للأمر والنهي، وأن يقول للآخرين: افعلوا كذا، ولا تفعلوا كذا، وإنّما المطلوب منه هو ترشيد حركة العناصر البشرية التي تعمل تحت قيادته. والقيادة هي أن تعيِّن الأفراد على أن يحسنوا الإنجاز المطلوب منهم عن رغبة واختيار، وعلى أساس الانجذاب إلى شخصية المدير وقابلياته النفسية والروحية والاجتماعية التي تجعل منه قدوة وأسوة للآخرين.

 

المفتاح لحل التناقضات الناتجة عن المصالح الفردية والاجتماعية ــــــ

قبل التصويت على أيّ قرار أو قانون إداري إذا أراد المدير أن لا يقع في فخ التعارضات الناشئة من المصالح الذاتية للأفراد ومصالح المؤسسة (الاجتماعية) فعليه أن يراعي كلّ المصالح الذاتية لأتباعه ومَنْ هم تحت أمره وإدارته، ويوائم بينها وبين مصالح المؤسسة. وهذا يكفل له القضاء على كلّ الآثار السلبية الناشئة من هذا التعارض، والقضاء على كلّ ما يُحبط القرارات، أو ينتهي إلى فشلها، على المدى القريب أو البعيد. فإذا كانت مصالح الفرد هي مصالح المؤسسة، وأصبحت مصالح المؤسسة مصالح للفرد، اندمجت المصلحتان، وأصبحت شيئاً واحداً، وهدفاً واحداً قائماً، يسعى الجميع لتحقيقه عن رغبة واختيار.

 

الإنسان في الإدارة النوعية الشاملة ــــــ

الإنسان هو المفتاح الحقيقي لتطوير المجتمع في كل أبعاده.

العلاقات بين الأفراد على أساس الاعتماد المتبادل.

للإنسان قدرة وجودية.

الإنسان خلاّق مبدع.

الإنسان يحب مساعدة الآخرين.

الإنسان مفكّر.

الإنسان يلتزم بالقيم.

القيم هي منطلق سلوك الإنسان.

الإنسان يتحكم في عواطفه وإرادته.

يولد الإنسان هادفاً، ويعيش هادفاً.

الإنسان يتقبّل المخاطرة، ويقدم على المجهول؛ ليكتشفه.

الهدف الأساس للإنسان في الحياة بلوغ الكمال والرشد.

الشعار الأساس للإنسان: أنا محترم، أنت محترم.

يتمتَّع الإنسان بالصدق، والشجاعة، وحرية الفكر.

شعار الآخرين: أنا قادر، أنت قادر.

الإنسان كائن متطور، ينبغي النظر إليه من أبعاد شتى.

ضرورة اهتمام المدير بالأسس المعرفية والنفسية والاجتماعية.

النوازع الداخلية للإنسان هي العامل الأساس في تنشيط العاملين داخل المؤسسة.

الآلة من صنع الإنسان، فلا يمكن استبدال الإنسان بها.

الترشيد مبدأ أساس في الإدارة.

يهتم المدراء بالتقييم الذاتي للإنسان.

النضج الفكري للإنسان من أسس الإدارة النوعية الشاملة T.Q.M.

 

الأسس المعرفية للإنسان في أطروحة الإدارة النوعية الشاملة (في مجال التعليم) ــــــ

الإنسان كائن اجتماعي ــــــ

بالرغم ممّا يحظى به الإنسان من خصائص فسيولوجية، يتميّز بها عمَّن سواه من كائنات، فإنّه كائن اجتماعي. فالتعليم الذي يحتاجه في مسيرته التكاملية ضرورة من ضروراته، التي ينبغي أن يتعلّم من خلالها ضرورة الانتماء الاجتماعي، وضرورة التعاون في تشييد حياة اجتماعية. وعليه أن يعي متطلّبات الحياة الاجتماعية، وينسجم معها، ويتفاعل مع الآخرين على أساسها.

قيمة التجارب البشرية في تطوير فن الإدارة ــــــ

لإدارة التعليم علاقة كبيرة بعملية التعلّم. ولابدّ أن تتناسب هذه المهمة الإدارية مع هذا الحقل (حقل التعلم). فكل تجربة يخوضها المتعلّم، ويخرج منها بنتائج، تستطيع أن تؤثّر على العملية التربوية، والإدارة التربوية. وعلى المؤسسة التربوية أن تهيّئ الفرص اللازمة لجميع أعضائها لممارسة التعلّم، ونقل تجاربهم إلى إدارة المؤسسة التربوية.

 

من عرف نفسه فقد انتهى إلى غاية كلّ معرفة ــــــ

هناك علاقة طردية بين معرفة الإنسان نفسه بنفسه وبين معرفته لغيره، ولسائر ما يحيط به. وليست معرفة الحقيقة هي مجموعة صور ذهنية تجمعها النفس الإنسانية في ذهن الإنسان، وإنّما هي مرتكزة على معرفة حقيقة النفس، والتي هي ذات علاقة بسائر الكائنات.

 

ضرورة استمرار التطوير في حقل التعليم ــــــ

التطوير أمر تدريجي. وعلى الإدارة أن تبحث عن طرق ووسائل تتكفل تقليل الأضرار والأخطاء، وتتولّى تصعيد العملية التربوية. ومن هنا يصبح التطوير همّاً أساسياً للجميع. وعلى المدير أن يعتمد على الأعضاء وعناصر المؤسسة التربوية في هذا المجال، حين يفسح لهم مجال التطوير، بعد أن يصبح التطوير همّاً أساسياً لهم، ويفسح المجال لإيكال المسؤوليات الممكن إيكالها إليهم.

 

5ـ اهتمام إدارة التعليم بالخصائص الفردية للمتعلمين ــــــ

يتفاوت أبناء آدم فيما بينهم. ولكلٍّ منهم خصائصه النفسية. وأحسن أساليب التعليم هو الأسلوب الذي يراعي خصائص كلّ من المتعلمين. وحين لا تُراعى هذه الخصائص المائزة لكلّ فرد عن غيره فإنّ الإدارة التعليمية قد لا تستطيع أن تصل إلى المستوى النوعي الذي يفعِّل كلّ عنصر بحسب قدراته وقابلياته التي يمتاز بها، لكي يخرج بنتائج باهرة لكلّ متعلّم منهم.

الإبداع والبحث مفاتيح التعليم الأمثل ــــــ

لكلّ إنسان قدرة على الإبداع. ولو أعطي الفرد المنهج الصحيح لحلّ العُقد، وكشف المجاهيل، لاستطاع كلّ فرد أن يعبر المراحل التعليمية بجدارة وبسرعة وبسهولة فائقة، ولاستطاع أن يكون فاعلاً ومبدعاً في كلّ وسط علمي واجتماعي، ويكون حافزاً للتطوير الكيفي والكمّي.

 

حاجة الإدارة النوعية للتعليم إلى مناهج جديدة ــــــ

إنّ المناهج القديمة، التي كانت تتناسب مع متطلّبات الماضي، ينبغي أن تستبدل بمناهج جديدة، تتـناسب مع التطور العلمي والتكنولوجي الحديث والسريع؛ لتتمكَّن المؤسسة التربوية أن تساير الزمن، وتبلغ مرحلة التطلّع نحو المستقبل المشرق.

 

الأسس المعرفية للإنسان في نظرية الإدارة النوعية الشاملة في مجال التعلّم ــــــ

ماهية الإنسان ماهية فيزيو ـ اجتماعية ــــــ

ينبغي الاهتمام بالعلاقات الاجتماعية بين المتعلم والمعلم والأولياء.

التطوير المستمر في مجال التعليم ضروري جداً.

إدارة التعليم تهتم بالخصائص الفردية لكلّ واحد من المتعلِّمين.

المدراء يهتمون بتطوير روح البحث عند المتعلِّمين.

كلّ الطلاب يتمتعون بالخلاّقية والإبداع، وإمكان التكامل، ولكلٍّ منهم قيمته واعتباره.

كلّ من يعلّم ويتعلّم فهو إنسان يستحق التقدير والتكريم.

تستبدل إدارة التعليم الأطروحات الكلاسيكية الفردية بالأعمال الجماعية.

 

الإنسان هو المفتاح الحقيقي للتوفيق في المؤسسات التعليمية (التربوية) ــــــ

يعتقد «دُمنيك» أن نظرية الإدارة النوعية الشاملة تستند إلى أساس فلسفي، يتلخّص في «الحبّ للإنسان»، وأنّه يتقبّل التعليم، وأنّه يحبّ الخير، وأنّه يستحق الاحترام والتكريم. فالذي يستحق الاحترام والتكريم هو الإنسان الذي يتعلّم ويعلّم، وبذلك يتخطّى النظام الكلاسيكي للتعليم وللإدارة، ويتجاوز النجاح الكمّي، باتجاه تحقيق النجاح في الكيف والنوعية؛ لاعتماده على الانسان المفطور على الخير، وعلى فطرة سليمة، وأنّه يحتاج إلى أن تعطى له فرص النمو والتكامل الحقيقي، والنضج الذاتي، وأنّ الانسان هو المفتاح الحقيقي لكلّ تطوّر ونجاح في العمل إذا عرف نفسه وقدراته وقابلياته. وبذلك تتجنّب الإدارة النوعية كلّ الإشكاليات التي تمرّ بها الإدارة الكلاسيكية، التي تلتزم النمو الكمّي فقط، وتقف عند الظواهر والمظاهر الفوقية للإنسان، وتترك التركيبة الإنسانية المتميّزة بكلّ عناصر التقدّم والتطوير، ومنها: قابلية التعاون والمساهمة في الإنجازات الجماعية، التي تعبّر عن الإنسان الاجتماعي المتطوّر، وغيرها من الأسس، مثل: المهارة، والعلم، والالتزام، والبحث عن الكمال، والإبداع، و…

 

مميزات الإدارة النوعية الشاملة ــــــ

1ـ القضاء على الخوف من دخول العلوم الحديثة داخل المؤسسة.

2ـ إيجاد قدرة إيمانية بإمكان التغيير والتطوير لدى العاملين.

3ـ رؤية جديدة عن دور العنصر البشري.

4ـ الروح المسيطرة على المؤسسة هي الحبّ والسعي.

5ـ يتم الضبط من خلال التوعية اللازمة للأفراد على أساس أنّهم أحرار وملتزمون، وتحكمهم علاقات والتزامات عامة (يتم توجيههم إليها).

6ـ الاعتقاد بقدرة العاملين على الإبداع.

7ـ الإيمان بالتطوير المستمر عند الإنسان.

8ـ الاعتقاد بسمّو الإنسان والنظم الإنسانية.

9ـ الإنسان كائن معنوي يتميز بروح إنسانية متعالية.

10ـ الإدارة والقيادة الاجتماعية.

11ـ دراسة المؤسسات الإنسانية.

12ـ تطوير الاستعدادات الفردية.

13ـ الاهتمام بالإنسان النموذجي المعقَّد التركيب، والمكتشِف لنفسه.

14ـ الاهتمام بالمنطلقات المعنوية للإنسان، وإدارتها، بدل السيطرة عليها.

 

مميزات الإدارة العلمية (تيلوريزم) ــــــ

1ـ التحكم والرقابة الشديدة؛ لحفظ استقرار المؤسسة وحركتها.

2ـ عدم السماح بالسؤال والاستفهام عن أيّ تصرّف.

3ـ الرؤية الكلاسيكية للعنصر البشري.

4ـ حكومة القانون الحدّيّة، البعيدة عن كلّ مرونة.

5ـ يتم الضبط والسيطرة من خلال مراعاة التسلسل الإداري.

6ـ تنفيذ بلا نقاش.

7ـ ثنائية الجسم والروح الإنسانية، وعدم ارتباط أحدهما بالآخر.

8ـ الإنسان كائن له ميكانيكية وهندسة خاصة.

9ـ تتم الإدارة بصورة فردية.

10ـ المؤسسة هي كلّ شيء، وليس الإنسان هو الهدف.

11ـ التطوير الميكانيكي لاستعدادات الأفراد.

12ـ الاهتمام بالإنسان ذي البُعد الواحد.

13ـ ضبط العاملين بشكل حديدي.

 

وجوه الشبه بين الإدارتين ــــــ

1ـ إيجاد الشعور بالمسؤولية المشتركة عبر المدير.

2ـ الالتفات إلى سلامة بيئة العمل.

3ـ الاهتمام بالفرد، باعتباره الركن الأساس في المؤسسة.

 

دور الإدارة النوعية الشاملة في مديرية التعليم ــــــ

1ـ محورية العناصر البشرية والتعاون في داخل المدرسة.

2ـ التشجيع، بدل التهديد.

3ـ الاتجاه إلى تصحيح طريقة الحياة عند الطلاب.

4ـ الاهتمام الفائق بالخصائص الفردية لدى الطلاب.

5ـ المدير يقوم بتسهيل عملية التعليم.

6ـ إيكال إدارة الصف والمؤسسة إلى الطلاب والمعلِّمين.

7ـ الاهتمام بتطوير روح الإبداع عند الطلاب.

8ـ الاهتمام بالحاجات على أساس هَرَميّ، والتأكيد على الأولويات، والترتيب الهَرَميّ لها (أطروحة مزلو).

9ـ إعطاء الحرية للمعلِّم في تطبيق المنهج التعليمي مع الطلبة أنفسهم.

 

 دور الإدارة العلمية في مجال التعليم (تيلوريزم) ــــــ

1ـ الطلاب مواد أولية للمعمل التعليمي.

2ـ العنصر البشري له أدنى التأثيرات في المؤسسة التعليمية.

3ـ التعليم للجميع على نسق واحد.

4ـ المدير يقوم بإعانة المعلِّم في التعليم؛ للوصول إلى الأهداف الدراسية.

5ـ الطلاب منفعلون، ويتقبّلون كلّ ما يُعطى لهم.

6ـ الاهتمام بالنجاح الكمّي في القبول.

7ـ التحكم الشديد من قبل المعلِّمين.

8ـ الاهتمام بالمسلسل الإداري الرتيب.

 

نتائج البحث ــــــ

إن ثقافة الإدارة النوعية الشاملة تبتني على ما يلي:

1ـ الإنسان كائن ديناميكي (متطوّر بنفسه، وباستمرار)، وطموح إلى مستقبل مشرق. فهو يستقبل كلّ تطوير، ويوائم بين نفسه وظروفه المحيطة به، ويحاول تحليل ما يواجهه من مسائل ومشاكل بشكل جذري، ليخرج بنتائج صحيحة، ومعالجات واقعية.

2ـ الإنسان كائن هادف ينشد الكمال، ويسير وفق غايات معقولة مقبولة، ويوائم بين أهدافه وأهداف المؤسسة التي ينتمي إليها، ويتقبّل كلّ تغيير داخل الأهداف التي يختارها لنفسه، ويحاول تحسين ظروفه وبيئته بما يتوائم مع أهدافه الكبرى. وهذا ما يحقّق له ديناميكية مستمرة، وتطوّر مستمر.

3ـ ومن هنا فإنّه يستفيد من تجاربه، ويطوّرها باستمرار. كما يقوم بتقييمها بشكل مستمر، وباتجاه تكامل مسيرته. وبذلك فهو يطوّر مهاراته وعلمه والتزاماته، بحيث تصبح عملية التطوير جزءاً من كيانه ووجوده. وهذه الميزة هي التي تجعل المؤسسة في تطوير نوعيٍّ مستمر.

4ـ إنّ الإنسان كائن اجتماعي له علاقاته الاجتماعية بالآخرين، فلا يمكن إغفال هذا الجانب المهم من حياته، وفي بيئة العمل أيضاً.

5ـ لكلّ إنسان علائقه الخاصة، وخصائصه الذاتية، التي لا يمكن إغفالها إذا أردنا أن نقف عند عوامل تكامله وتطوّره الذاتية، إلى جانب العوامل (الكمالية)، التي قد تسيطر على بعض العوامل الذاتية، وتتفوّق عليها، في شدّه وجذبه إلى بعض الأمور.

وترى نظرية الإدارة النوعية ضرورة توظيف العوامل الجانبية والكمالية بشكل صحيح؛ لئلا يضمر دور العوامل الذاتية والحقيقية، التي هي الأساس في كلّ تطوير، والتي ينبغي تطويرها بشكل صحيح. ومن هنا لزم توظيف عنصري اللّذة والوعي عند الإنسان؛ من أجل تحقيق الإبداع المستمرّ لديه.

T.Q.M (الإدارة النوعية الشاملة) هي إدارة هذا الإنسان بالشكل الأحسن والأنسب؛ من أجل الحصول على أحسن ما يمكن استحصاله. ويمكن تلخيص هذه النظرية بكلمة واحدة هي: «كُنْ مع غيرك كما تحب أن يكونوا معك، وتعامل معهم كما تحب أن يتعاملوا معك». هذه الكلمة، التي طالما وردت على لسان قادتنا الكرام: «لا يؤمِنُ أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه»، و«لا تحبّ للآخرين ما لا تحب لنفسك».

ويتلخص برنامج هذه النظرية في الإدارة النوعية الشاملة في ثقافة متطوّرة باستمرار، على أساس توفير كلّ فرص المساهمة من أعضاء المؤسسة باتجاه تطويرها نوعيّاً. ويكون تطوير قابليات كل فرد هو الأساس في تحقيق هذا الهدف الكبير. والأسس الفلسفية لهذا النوع من الإدارة هي الثقافة المتطوّرة، التي ينبغي ايجادها في البيئة (المؤسسة). وبذلك يصبح الإنسان هو العنصر الأهم، إلى جانب المدير، كرأس الهرم الإداري، الذي يريد أن يعمل في قاعدة بشرية متميزة بالمميزات التي وقفنا عندها في ما سبق.

(*) عضو الهيئة العلمية في جامعة پيام نور.

(**) أستاذ جامعة شهيد چمران.

(***) ماجستير فرع الاجتماع جامعة طهران، وطالبة دكتوراه.

(****) طالب دكتوراه في قسم «فقه ومباني حقوق إسلامي»، جامعة طهران.

(1) Total Quality Management

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً