أحدث المقالات

دراسة لمناخات التحقّق

ترجمة: حيدر حب الله

مقدّمة ـــــــ

الحديث عن الاتحاد والوحدة لا يحتاج إلى برهنة ولا استدلال، فأيّ إنسان ـ ولو كان يملك معلومات محدودة حول القضايا الاجتماعية ـ يعرف أن تلاحم أمّةٍ ما وتضامنها أساسٌ للكثير من الفوائد والخيرات العظيمة عليها، فيما الاختلاف والانشطار لا يبعثان سوى على الإخفاقات المتزايدة. إن ضرورة وحدة الأمّة ـ أيّ أمّة ـ من القضايا التي قياساتها معها حسب الاصطلاح المنطقي، أي أنّها ادّعاءٌ يحمل دليله معه، ومن ثم لا يحتاج إلى برهان أو دليل.

المقطع الأول من مقطعي العنوان أعلاه عبارة عن «الاتحاد القومي»، ومن الواضح أنّ الوحدة القومية والوطنية تختلف عن النزعة القومية، فالقومية مرفوضة في الإسلام، وقد ذمّ القرآن بشكل واضح هذه النزعة، فقد جاء في موضعٍ منه: {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ} (الحجرات: 13).

وتحمل النزعة القومية معها معطيات مرفوضة وسلبية، إنها تعني أفضلية قومٍ على آخرين؛ للغتهم أو دمهم أو أرضهم أو قوميّتهم، إنّهم يفتخرون بذلك، ويمارسون الإذلال والتحقير بحقّ الملل والشعوب الأخرى. إنّ هذا اللون من التفكير والنزوع مذموم من جانب العقل كما من جانب الشريعة الإسلامية المقدّسة، فهو يمثل نوعاً من التفكير اليهودي الذي يرى في بني إسرائيل أمّةً مختارة؛ ولهذا فهم ينسبون إلى الله أشياء لطالما ردّها القرآن، فقد قالوا ـ على سبيل المثال ـ: {وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى} (البقرة: 111)، و {وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْ‏ءٍ} (البقرة: 113)، و {قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآْخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ} (البقرة: 94).

إنّ هذه القومية نوعٌ من عبادة العِرق، ومع الأسف فقد تفشت هذه النزعة في العالم في القرنين الأخيرين وأفضت إلى نزاعات واضطرابات وحروب عدّة، فيما منطق الإسلام لا يرى في القومية والعِرقية أيّ قيمة ولا يعيرها أيّ اهتمام. والنتيجة أن النزعة القومية مرفوضة قرآنياً وعقلياً؛ لما تحمله من مضمون سلبي.

أما الاتحاد القومي والوطني، فهو مفهوم إيجابي لا يحمل في طيّاته أيّ تداعيات سلبية، إنّه يعني أن الأمّة التي تعيش على أرضٍ واحدة وتشرب من مياه واحدة، تستفيد منها سنين وسنين، لهذه الأرض حقٌّ عليها، وهذا الحق يتمثل في أن يتّحد البشر الساكنون على سطحها ويضعوا يدهم بيد بعضهم بعضاً، يرفعون بذلك نواقص حياتهم، ويتغلّبون بذلك على المشاكل والأزمات، دون أن يمارسوا تحقيراً للملل الأخرى أو يقوموا بأذيتها والإضرار بها، إن الاتحاد القومي والوطني ـ بهذا المعنى الآنف الذكر ـ فكرٌ فطري؛ فكل إنسان تربطه بوطنه علاقة عاطفية.

عندما هاجر النبي’ من مكة، وقعت هذه المدينة في ذاكرته وهو في وسط الطريق عند «الجحفة»، فلم يتمكّن من إخفاء مشاعره وحبّه لمسقط رأسه، فامتلأت عيناه بالدموع، وهنا نزل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ} (القصص: 85)، وكذلك عندما فتح النبي’ مكّة بعد عشر سنوات من البُعد عنها ومفارقتها، وطهّر بيت التوحيد من لوث عبادة الأصنام، نزل لدى دخوله إليها نقطةً مرتفعة فيها تسمّى «أذاخر»، وعندما وقعت عيناه على الكعبة يقول لنا التاريخ: اجتاحت قلبَه عاصفةٌ من الهمّ والحزن، وقال: «إني أحبك ولولا أنّي هجّرت لما تركتك».

ويتبين من هذا أنّ بين الاتحاد القومي والنزعة القومية مسافةً كبيرة، بل لا يمكن ـ من الأساس ـ مقارنتهما مع بعضهما بعضاً.

المدح القرآني للاتحاد والذم للانشطار والتشظي ــــــــــ

كلّما وصل القرآن الكريم إلى الحديث عن الوحدة والاتحاد أردفه بمدحهما، وكلّما مرّ بالحديث عن الاختلاف والانقسام ذمّهما، يقول في الاتحاد: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} (آل عمران: 103)، ولتحقيق هذا الاتحاد اعتبر القرآن المؤمنين إخوةً لبعضهم، فقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات: 10)، وفي الحقيقة فإنّ أقرب علاقة بين شخصين من مستوى واحد هي علاقة الأخوّة، لهذا اعتبر المؤمنون إخوة، فعلاقة الأبوّة والبنوة رغم كونها أقوى من علاقة الأخوة إلا أنّ طرفي هذه العلاقة ليسا بمستوى واحد، لهذا لم يوظف القرآن هذه العلاقة، وإنّما استعاض عنها بعلاقة الأخوة.

أما لدى حديثه عن الفرقة والانقسام، فنجده يقول: {قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآْياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} (الأنعام: 65)، فقد عرضت هذه الآية المباركة ثلاثة أنواع من العذاب في عرض بعضها:

1 ـ العذاب من الفوق، مثل حجارة السماء أو الصاعقة التي تحرق مدينةً.

2 ـ العذاب من الأسفل، كالزلزلة المدمرة والبراكين.

3 ـ عذاب الأمّة الواحدة التي تتحوّل إلى فرق مختلفة تعزف كل واحدةٍ منها على منوالها، وهذا العذاب أسوأ من العذابين السابقين، بشهادة أنه بعد ذكر العذاب الثالث المشؤوم يذكر نتيجته ألا وهي تعذيب كل واحدٍ بالآخر.

وأنهي هذا القسم من الحديث بتحليل آية الاعتصام، وأن القرآن دعا إلى الوحدة والتمسّك بالحبل الواحد؛ فبدلاً من أن يقول: تمسّكوا بالقرآن والإسلام، نراه يقول: تمسّكوا بحبل الله، وكأن الهدف من ذكر (الحبل) الإشارة إلى أن الإنسان عندما يكون في قعر البئر فإن سبيل نجاته أن يُلقى إليه حبلٌ إلى داخل البئر ليتمسك به ويصعد عليه، وإلا فإنّ موته في الداخل يغدو محتماً، إن الأمة المضطربة التي يعزف كل واحدٍ فيها على منواله تشبه ذاك الذي سقط في البئر، ذلك أن موتها قطعي ونهايتها محتومة، فما أروع أن نوحّد هذه الإيقاعات ونمسك خير إمساك بحبل الوحدة كي نحظى بالنجاة وننعم بالخلاص.

الانسجام والتضامن الإسلامي ـــــــ

تعني كلمة الانسجام النظم والانضباط، وهو أحد المحسّنات البديعية في البلاغة؛ فذاك الكلام الذي تتسم مفرداته بالجمالية وتخلو من التعقيد يطلق عليه اسم: الكلام المنسجم، والانسجام الإسلامي يختلف عن وحدة المذاهب، وهو معادل ـ بمعنى من المعاني ـ للتقريب بين المذاهب، فوحدة المذاهب أمرٌ غير ممكن التحقق؛ ذلك أن الاختلافات التي مضى عليها أربعة عشر قرناً لا يمكن بأسبوع واحد أو شهر واحد أو سنوات عدة أن تزول أو تتلاشى، إلا أنه في الوقت عينه الذي تختلف فيه المذاهب يمكنها استخراج مجموعة من المشتركات الكثيرة فيما بينها لتنطلق منها في تعاون ضروري وتحصل من خلال ذلك على نتائج مبهرة، دون أن تمتنع في الوقت عينه عن تداول القضايا الخلافية في المحافل العلمية ـ لا في مقبرة البقيع([1]) ـ عبر حوارات مثمرة لتحلّ العالق منها أو تجعل الأفكار متقاربة.

الانسجام الإسلامي في ظلال المذاكرة والحوارـــــــ

من المناسب أن أنقل هنا قصّةً تتصل بموضوعنا، فقبل سبعة وعشرين عاماً انطلق مجلس الخبراء في إيران، والتقى نيّفٌ وسبعون شخصاً هنا، وقد كنت آنذاك في لجنة (الأحوال الشخصية)، التي تشكّل الفصل الأول من الدستور. وقد كان في لجنتنا مولوي عبدالعزيز، فسألني: هل تقولون ـ أنتم الشيعة ـ بالبداء؟ فأجبت: نعم، قال: والبداء ـ بمعنى الظهور بعد الخفاء ـ لا يمكن نسبته إلى الله؛ فلا يقال: بدا لله!!

فأجبت: البداء كلمة تستخدم في موردين: 1 ـ البداء في الثبوت. 2 ـ البداء في مقام الإثبات.

أما الذي في مقام الثبوت، فيعني أن كل إنسان يمكن أن يعتقد بأن أعماله الصالحة والطالحة يمكنه عبرها تغيير مصيره، وأن لا يظنّ بأن ليس له سوى مصير واحد، وإنّما يرى أن له مصائر عدّة؛ كي يعرف كيف يحوّل مصيره عبر العمل، فمثلاً هناك عمر محدود للإنسان في لوح المحو والإثبات، إلا أن هذا المصير غير حتمي، إذ بإمكانه تغييره عبر ممارسة صلة الأرحام، فيتمكّن من زيادة عمره أو الإنقاص منه بالأعمال التي يقوم بها. وقد يُذكر في مصير الإنسان بلاء أو مرض إلا أنه لا يكون حتمياً، لذا يمكنه أن يرفع هذا البلاء بالصدقة.

وهناك عدّة آيات وروايات تدلّ على هذا النوع من البداء ذي البُعد الثبوتي، كما أن آية: {يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ} (الرعد: 39)، ناظرة إلى هذا الأمر، وقد أورد جلال الدين السيوطي في تفسير «الدر المنثور» عدداً من الروايات في هذا المضمون.

أكثر أثر للاعتقاد بالبداء متصل بعالم الثبوت، في مقابل اليهود الذين يعتقدون بعدم إمكان تغيير المصير البشري حتى بالنسبة لله تعالى، وهذا ما تشير إليه آية: {وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} (المائدة: 64).

أما البداء في مقام الإثبات، فيحمل معنى آخر، وهو أن يُخبر نبيٌّ أو ولي من أولياء الله بخبرٍ ما، غير أنه لا يتحقق، وهنا لابدّ أن نعرف أن هذا المخبر الإلهي لم يكن كاذباً في خبره، فقد كان مطلعاً على المقتضيات التي تدفع إلى تحقق الظاهرة أو الحدث، دون أن يكون مطلعاً على المانع اللابث في البَيْن، وفي هذا المورد يقال: بدا لله، تماماً كما في قصة قوم يونس، حيث أخبر بنزول العذاب، وبدت آثاره، وعبر ذلك ثبت قول هذا النبي، غير أن قوم يونس سلكوا سبيل التوبة بإرشاد من أحد العبّاد الزاهدين، وتمكّنوا بذلك من إبعاد شبح العذاب الإلهي عنهم، وهذا ما تنظر إليه الآية المباركة: {فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ} (يونس: 98).

وللبداء في مقام الإثبات موارد معدودة، أحدها ما جرى لقوم يونس، أما أنه لماذا يقولون: بدا لله، فيما كان سبحانه وتعالى مطلعاً على تمام زوايا الحدث وأطرافه، أي أنه كان يعلم بتكذيب قوم يونس وبلعنة يونس عليهم وتهديد مظاهر العذاب لحياتهم وعمرانهم… إلا أنهم حيث سلكوا سبيل التوبة، نزلت الرحمة الإلهية عليهم، وفي هذه الحالة لماذا يقال: بدا لله؟ فيما المفترض أن نقول: أبدى الله ما أخفاه، فالجواب: هو أنّ البشر يتحدثون عمّا يرونه، فحيث كان هذا الواقع بنظرهم ظهوراً بعد الخفاء، فإن الاستنتاج الأولي لهم يصوغونه في جملة: بدا لله، وإلا لابدّ من القول ـ انطلاقاً من العقائد والأصول المسلّمة ـ: بدا من الله.

إنّ هذا النوع من الاستعمالات كثيرٌ في القرآن الكريم، ونذكر هنا مورداً واحداً؛ حيث يتحدّث القرآن عن المنافقين، فيقول: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ} (الأنفال: 30)؛ فمن المسلّم أن عمل المشركين كان حيلةً، فيما لا يكون عمل الله حيلة والعياذ بالله، وإنّما يبطل سبحانه حيلهم، لكن حيث جرى التعبير عن عملهم بالمكر، بيّن فعل الله باستخدام الكلمة نفسها، كي يكون هناك نوع من التناغم والتناسق في الحوار والمجادلة، وهذا ما يسمّى في الإصلاح البلاغي بالمشاكلة التي تعطي الكلام جماله ورونقه.

ومن هذا المنطلق، عندما تحدّث رسول الله’ عن الثلاثة من بني إسرائيل الذين كانوا يتعذبون: واحد بالقرع، وآخر بـالعمى، وثالث بـالبرص، وأن الله رفع عن كل واحد منهم بلاءه فأعطى الأوّل شعراً جميلاً، والثاني عيوناً ناظرة مبصرة والثالث جلداً نابضاً نضراً، وعندما لم يشكر بعضهم هذه النعمة الإلهية أخذها الله منه؛ لأنّه لم يكن ليقوم بواجباته ومسؤولياته مقابل هذه النعم الربانية، في هذه القصّة نجد رسول الله’ يعبّر: «بدا لله في الأقرع والأبرص …»([2])، والعلّة في هذا التعبير هو ما قلناه قبل قليل.

… عندما سمع عبدالعزيز هذا البيان كلّه قال: آتني بكتاب من قدماء الإمامية يفسّر البداء بهذا الشكل الذي ذكرته الآن، وفي تلك الأيام، أتيته بكتاب «أوائل المقالات» مع «تصحيح الاعتقاد» للشيخ المفيد، وذلك عاريةً من مكتبة مسجد (جهل ستون/ الأربعون عموداً) وقدّمته له، وبعد ستة أيام أرجع الكتاب لي، وقال: إنّ البداء بهذا المعنى الذي يقوله (المفيد) متفق عليه بين علماء أهل السنّة كافة.

أستنتج من هذا كلّه،أن الحوارات الحميمة الصادقة التي تحكمها الصداقة يمكنها أن تقلّص المسافات وترفع الكثير من السُتُر التي تحجب رؤية الحقيقة.

تعاون علماء الفريقين في العصور السابقة ـــــــ

إنّ هذا البُعد والقطيعة الموجودين اليوم بين علماء الشيعة والسنّة كانا أقلّ حجماً في الماضي، وقد ضاعفت العناصر الخارجة عن المحيط العلمي منها، وأوسعت من الانشطار والتشظي، ونمرّ هنا على تاريخ هذا التعاون بين علماء الفريقين:

أ ـ عصر الصادقين‘والانسجام الإسلامي ـــــــ

يعدّ عصر الإمامين: الباقر والصادق‘ عصر التصادم بين الدولتين: الأموية والعباسية، حيث كان رجال السياسة مشغولين ببعضهم، فكان المناخ مفتوحاً أمام التعاون المعرفي، وقد استفاد منهما‘ شخصياتٌ عظيمة من فقهاء ذلك العصر، نذكر بعضاً منها:

1 ـ أبو حنيفة (150هـ) إمام الحنفية؛ فقد كان ملازماً للإمام الصادق× لعامين كاملين في المدينة المنوّرة، وهو بنفسه يتحدّث عن تأثير هذين العامين عليه، حيث يقول: «لولا السنتان لهلك النعمان»([3]).

2 ـ مالك بن أنس (179هـ) فقيه المالكية، حيث يقول عن الإمام الباقر ما مضمونه: لقد رأيت جعفر بن محمد، وكانت الابتسامة على شفتيه، كان عندما يذكر اسم رسول الله يتغيّر لونه ويصفرّ، ولم ينقل حديثاً عن رسول الله’ إلاّ وكان على وضوء، لقد كنت لمدة أكرر الذهاب عنده والتردّد عليه، فلم أره إلاّ على إحدى ثلاث حالات: إما يصلي، أو يصوم، أو يقرأ القرآن، فقد كان من العلماء والعابدين المشفقين من الله تعالى([4]).

3 ـ سفيان الثوري (161هـ) صاحب مذهب فقهي يُنسب إليه، وقد استمرّ مذهبه قائماً حتى القرن الرابع الهجري، وقد نقل الكثير من الروايات عن الإمام الصادق×.

4 ـ سفيان بن عيينة (198هـ) أحد رؤساء المذاهب التي انقرض أنصارها، وكان ينقل روايات عن الإمام الصادق×.

كانت هذه نماذج استعرضناها هنا([5]).

ولم تكن هذه العلاقة لتربط الفقهاء المعاصرين بالإمام الصادق والباقر‘ وتجعلهم يحملون رواياتهما وأحاديثهما، وإنّما امتدّت لتشمل الفقهاء الكبار في علاقتهم بتلامذة هذين الإمامين، حيث كانت بين الطرفين علاقات علمية وفكرية، فابن أبي ليلى قصد محمد بن مسلم كي يطلع منه على فتاوى وآراء الإمام الصادق×، ليتمكّن عبر ذلك من حلّ مشكلاته الفقهية([6]).

وفي سفره من المدينة إلى مرو، كان على مسير نيسابور آلاف المحدّثين ينتظرون الإمام الثامن× وفي أيديهم القلم والكاغد، وهناك بالذات سمعوا حديث السلسلة الذهبية حيث ألقاه الإمام الرضا× عليهم. ويشير الإمام الفخر الرازي في تفسيره لسورة الكوثر إلى نسل السيدة الزهراء، ويقول: في أيّ أسرة نجد علماء كبار مثل الباقر والصادق والكاظم والرضا؟! وفي المجلّد الأوّل من تفسيره، ولدى بحثه عن جزئية البسملة من كل سورة ولزوم الجهر بها، ينقل الفخر الرازي رأي الإمام علي بن أبي طالب× ويقول: «كل من اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى»، ودليله على ذلك قول رسول الله’: «اللهم أدر الحق معه حيثما دار»([7]).

أكتفي هنا بهذا المقدار للتدليل على التعاون المعرفي الذي كان قائماً بين المذاهب في عصر الأئمة الأربعة، وأسعى ـ لاحقاً ـ لبيان هذا التعاون بين علماء الفريقين في عصر الغيبة، منذ عام 260هـ فيما بعد.

ب ـ التعاون العلمي بين السنّة والشيعة، مرور تاريخي هام ـــــــ

1 ـ الكليني في طرابلس ـــــــ

محمد بن يعقوب الكليني (255 ـ 329هـ)، أحد المحدّثين الشيعة البارزين، وقد كتب «الكافي» في حوالي عشرين سنة، وأخذ عنه القميّون الحديث، ثم عزم السفر إلى بغداد، وليعرض هناك كتابه على المحدثين.

في تلك الأيام، كانت بغداد والكوفة مركز التشيّع، ومع ذلك لم يكتف الكليني بما فعل، بل واصل سيره نحو دمشق وبعلبك، وهناك في بعلبك بالذات نقل الحديث عن أستاذين هما: أبو الحسن محمد بن علي السمرقندي، ومحمد بن أحمد الخفاف النيسابوري. يكتب ابن عساكر في تاريخه أن مشايخه ضبطوا الحديث عن الكليني، ويعمد من ثم إلى نقل حديث عنه بسنده إلى أمير المؤمنين×: «إعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله»([8]). لقد كان الجوّ في بعلبك منفتحاً إلى حدّ أن محدّثي الفريقين كانوا يتبادلون الحديث فيما بينهم، وقد أخذوا الحديث من هذا الشيخ الجليل، دون أن يروا أن تشيّعه مانع من أخذ الحديث عنه.

2 ـ الشيخ الصدوق في بلاد ما وراء النهر، يأخذ ويؤخذ عنه ـــــــ

يمّم الشيخ محمد بن علي بن بابويه (306 ـ 381هـ) المعروف بالشيخ الصدوق، شطره ـ لأخذ الحديث ـ ناحية المشرق الإسلامي، وأقام لسنوات عدّة في بلخ وبخارى، ونقل الحديث عن 260 شيخاً من شيوخ الحديث، وقد كان بعضهم من محدّثي أهل السنّة، مثل أبي نصر أحمد بن الحسين الضبّي المرواني([9])، كما نقل عددٌ من محدّثي أهل السنّة عنه الأحاديث، وقد كان بعض مشايخ الخطيب البغدادي، مثل محمد بن طلحة النعّالي من تلامذة الشيخ الصدوق، ليس هذا الرجل فحسب، بل هناك آخرون من أهل السنّة أخذوا الحديث عنه([10]).

3 ـ الشيخ المفيد ، وذرف علماء السنّة الدموع على فقده ـــــــ

محمد بن محمد نعمان العكبري المعروف بالشيخ المفيد (336 ـ 413هـ) أحد العلماء المشهورين في بغداد، لقد كان مشعلاً يضيء على المحيطين به، وقد استفادت الفرق عامّتها منه، يقول ابن الجوزي عن درسه: «كان له مجلس بداره بدرب رباح يحضره كثير من العلماء من سائر الطوائف»([11])؛ وما يرشد إلى عمق العلاقة التي كانت تربط الفرق كافة ـ من الشيعة والسنّة ـ به وحبهم له، ما يقوله عنه كل من الشيخين: الطوسي والنجاشي، وهما من تلامذته، يقول النجاشي: «وصّلى عليه الشريف المرتضى بميدان الأشنان، وضاق على الناس مع كبره»([12]). ويصف الشيخ الطوسي يوم وفاته فيقول: «وكثرة البكاء من المخالف والمؤالف»([13]).

لقد كان الشيخ المفيد وكافة علماء بغداد من الفرق المختلفة يكرّمون العلم رغم اختلافهم فيما بينهم، وكانت تربطهم علاقات وطيدة، فذرف شخص سنّي الدموع على موت عالم شيعي كاشف عن عمق العلاقة والارتباط الروحيين.

4 ـ الشريف المرتضى مفزع علماء الطوائف ـــــــ

يعدّ الشريف المرتضى، علي بن الحسين (355 ـ 431هـ) من أركان العلم في العراق، وقد اعترف الجميع له بالإمامة في الكلام والفقه والتفسير والأدب، فابن بسّام الأندلسي يمتدحه في أواخر كتاب (الذخيرة) فيقول: «كان هذا الشريفُ إمام أئمة العراق بين الاختلاف والاتفاق، إليه فزع علماؤها، وعنه أخذ عظماؤها»([14]).

5 ـ الشيخ الطوسي وكرسيّ التدريس ـــــــ

ومما أنتجته يراع الأستاذين البارزين: المفيد والمرتضى، الشيخُ محمد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 ـ 460هـ)، إننا نجده ينقل في أسانيده عن عالمين سنّيين أخذ عنهما الرواية،وهما: أبو علي بن شاذان، وأبو منصور السكّري([15]). ويصف الذهبي بيته بمعقل السبّاقين إلى العلم، ويكفينا للإشارة إلى عظمته العلمية أن أعطاه الخليفة العباسي (القائم بأمر الله) كرسيَّ الكلام الإسلامي([16]).

6 ـ ابن إدريس الحلي والتعاون مع الفقيه الشافعي ـــــــ

يخبرنا محمد بن منصور الحلي، المعروف بابن إدريس (543 ـ 598هـ) ـ وهو عالم بارز مرموق صاحب رأي ونظر في الفقه ـ في كتابه الوزين (السرائر) عن علاقته وتعاونه مع أحد فقهاء الشافعية: «كتب إليّ بعضُ فقهاء الشافعية، وكان بيني وبينه مؤانسة ومكاتبة: هل يقعُ الطلاق الثلاثُ عندكم؟ وما القول في ذلك عند فقهاء أهل البيت؟ فأجبته…».

لقد عاش ابن إدريس في مدينة الحلّة فيما كان مسكن هذا الفقيه الشافعي هو بغداد أو شمال العراق، إلاّ أنّ بُعد المسافة لم يشكّل مانعاً من استفادة هذين الفقيهين من بعضهما، ليرجّحا المشتركات على نقاط الخلاف.

7 ـ الشيخ منتجب الدين الرازي ومديح الرافعي القزويني ـــــــ

منتجب الدين أحد علماء القرن السادس، وقد كتب تكملةً على فهرست الشيخ الطوسي، وفي الحقيقة فقد أكمل فهرست الشيخ الطوسي شخصان في وقتٍ واحد: منتجب الدين في الري، وابن شهر آشوب في بغداد أو دمشق.

على خط آخر، يعدّ الرافعي القزويني ـ صاحب كتاب (التدوين) ـ من المحدّثين الرفيعين لأهل السنّة، ومن مؤرخي القرن السادس، وقد لازم الشيخ منتجب الدين وظلَّ في خدمته فترة طويلة، وأخذ عنه الحديث والعلم، ومن المناسب هنا أن نطالع مكانة هذا العالم الشيعي على لسان تلميذه، إنه يعرّف أستاذه في كتاب (التدوين) كما يلي: «شيخ ريّان من علم الحديث سماعاً وضبطاً، يكتب ما يجد ويسمع ممن يجد، ويقلّ من يدانيه في هذه الأعصار في كثرة الجمع والسماع والشيوخ الذين سمع منهم وأجاز لهم، وله كتاب الأربعين، وقد قرأته عليه بالريّ سنة 584»([17]).

8 ـ فخر المحققين وإنصاف صاحب القاموس ـــــــ

فخر المحققين محمد بن الحسن بن يوسف، أحد فقهاء القرن الثامن الكبار، إنه ابن الحسن بن يوسف المعروف بالعلامة الحلّي، وقد كان هذا الولد عزيزاً ومحترماً جداً عند والده، لهذا كتب الوالدُ جملةً من مؤلفاته بناء على طلبٍ منه ورغبة، وفي آخر كتاب (قواعد الأحكام) سجّل وصيّته لولده وهي وصية تحوز على قدر عالٍ من الأهمية من الناحية الاجتماعية والأخلاقية.

على الطرف الآخر، يصنّف الفيروزآبادي،صاحب كتاب (القاموس المحيط) من الأدباء اللامعين في القرن الثامن الهجري، ويصنّف كتابه هذا مرجعاً لكتّاب القواميس اللغوية الذين جاؤوا بعده، وقد أجاز الفيروزآبادي لأحد تلامذته ـ المعروف باسم ابن الحلواني ـ نقلَ كتاب (التكملة)، ويخبره بأنه أخذ هذا الكتاب عن أستاذه ورواه عنه، ذاكراً سنده لمؤلّف التكملة، وهنا يصف الفيروزآبادي فخرَ المحققين بالقول: «بحر العلوم وطودُ العلى، فخر الدين محمد بن الشيخ الإمام الأعظم برهان علماء الأمم، جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر بحقّ روايته عن والده».

هل هناك تبادلاً علمياً وتعاوناً معرفياً أكثر من هذا؟ وهل يمكن أن يكون هناك أوضح من هذا في واقعية تقييم الآخرين؟

9 ـ الخواجه نصير الدين الطوسي ، وعدم التمييز في العلم بين الشيعي والسنّي ـــــــ

نفذ المغول من المشرق إلى داخل البلاد الإسلامية، وشرعوا بحملتهم عام 606هـ واحتلوا بغداد عام 656هـ، ومنذ بداية الحرب خربوا المدن والقرى التي مرّوا بها وارتكبوا فيها المجازر الجماعية، وعلى امتداد مسيرهم أبادوا مظاهر الحضارة الإسلامية، من هنا التجأ الكثير من العلماء والمفكرين إلى أماكن مخفية في نقاط بعيدة قاصية، وعندما وصل المغول إلى بغداد لم يرحموا الصغير ولا الكبير ولا السنّي ولا الشيعي، ولم تمض أيام إلاّ وغرقت المنطقة في مسلسل إعدامات واسع النطاق، حتى رموا بكتب علماء الإسلام في نهر دجلة حتى غدا ماؤه أسوداً.

وفي هذه الفترة، كان نصير الدين الطوسي أسيراً في يد الإسماعيليين عند فتح قلعة ألموت، وسقط أسيراً في يد المغول، وحيث بلغهم علمه بالنجوم والرياضيات، وكانت هذه العلوم مرغوبة لدى هولاكو، حفظوه تحت أيديهم في بغداد، وقدّموا له الاحترام، وقد تمكّن بخبرته ودرايته من دعوة الكثير من العلماء من أماكن اختبائهم، وأعاد بناء الحضارة الإسلامية بتأسيسه مرصداً في مراغة.

لم يكن نصير الدين يعرف في العلاقات العلمية والفكرية سنياً ولا شيعياً، لأنّه لا يميّز بينهما، فقد أخذ العلم من أستاذٍ سنّي المذهب اسمه: كمال الدين بن موسى، كما تعلّم العديد من علماء أهل السنّة على يديه فبلغوا مكانةً مرموقة في سماء المعرفة، ويكفينا أن نعرف أن قطب الدين الشيرازي، وشهاب الدين الكازروني، وأبا الحسن علي بن عمر الكاتبي القزويني ـ مؤلّف كتاب الشمسية ـ من خريجي مدرسة الطوسي. وقد حظى كتابه «تجريد الاعتقاد» باهتمام مختصّي علم الكلام الإسلامي، وبعد العلامة الحلي الذي يعدّ أوّل شارحٍ لهذا الكتاب، قام عدد من العلماء السنّة بشرحه أيضاً، مثل شمس الدين البيهقي، وشمس الدين الإصفهاني، وعلاء الدين القوشجي.

ويكتب ثالث هؤلاء الشرّاح في مقدّمة شرحه يحدّثنا عن هذا الكتاب بشكل مثير للدهشة، يجدر بطلاب المعرفة والراغبين مراجعته، وهذه بعض كلماته، حيث يقول: «تصنيف مخزون بالعجائب، وتأليف مشحون بالغرائب، فهو وإن كان صغير الحجم وجيز النظم، لكنه كثير العلم، عظيم الاسم، جليل البيان، رفيع المكان، حسن النظام، مقبول الأئمة العظام، لم يظفر بمثله علماء الأعصار، ولم يأت بمثله الفضلاء في القرون والأدوار، مشتمل على إشارات إلى مطالب هي الأمهات، مشحون بتنبيهات على مباحث هي المهمات، مملوّ بالجواهر كلّها كالفصوص، ومحتوٍ على كلمات يجري أكثرها مجرى النصوص، متضمّن لبيانات معجزة في عبارات موجزة..»([18]).

10 ـ العلامة الحلي وشرح مختصر ابن الحاجب ـــــــ

يصنّف ابن الحاجب (646هـ) من أدباء القرن السابع ومن أصوليي عصره، وقد غدت ثلاثة من كتبه محاور للتدريس والشرح، وهي: 1 ـ الشافية، في الصرف. 2 الكافية، في النحو. 3 ـ مختصر الأصول، في علم أصول الفقه. وقد شرح الكتابين الأصوليين رضي الدين الاسترآبادي، وكان شرحاه لامعين في سماء اللغة والأدب، يقول جلال الدين السيوطي: بعد الرضي كل من جاء كان يعتاش على فتاته.

أما الكتاب الثالث لابن الحاجب، فقد ظلّ كتاباً دراسياً في الحوزات الشيعية، وقد درّسه المغفور له المحقق الأردبيلي لتلميذيه: صاحب المدارك، وصاحب المعالم، ووقع الكتاب موقع القبول والترغيب من جانب علماء أصول أهل السنّة، وتعدّت شروحاته الأربعين شرحاً. ومن الوسط الشيعي كانت للعلامة الحلّي مساهمة، فقد كتب شرحاً علمياً تحقيقياً عليه، يقول فيه ابن حجر: «في غاية الحسن في حلّ ألفاظه، وتقريب معانيه..»([19]).

إلى هنا، نكون قد مررنا سريعاً على بعض جوانب التعاون العلمي بين الفريقين، حتى القرن السابع، وقد كان هذا التعاون على مستوى العلماء والمفكّرين، رغم أنه على مستويات أخرى ثمة من أوقد نار الفتنة فأوجد المشكلات للعلماء أنفسهم. ونكون بما عرضناه قد عرضنا جانباً من مشهد التعاون بين علماء السنّة والشيعة، إلا أن شرح حال هذه العلاقة المتبادلة في القرون اللاحقة يطيل بنا المقام ويزيد في الكلام، لهذا نصرف ـ فعلاً ـ النظر عنه؛ لنطلّ على هذا التعاون المعرفي بين الفريقين في القرن الرابع عشر الهجري، وبشكل موجز.

التقريب في العصر الحديث ـــــــ

1 ـ شرف الدين العاملي والشيخ سليم البشري ـــــــ

من مظاهر التعاون على مستويات عالية بين الفريقين.. اللقاءات والحوارات العلمية بين زعيمين: شيعي وسنّي، فالمرحوم عبدالحسين شرف الدين العاملي (1290 ـ 1377هـ)، سافر إلى مصر أواخر عام 1329هـ وكانت رئاسة الأزهر في ذلك الزمان بيد الشيخ سليم البشري، وبعد تعارف وتذاكر خاص، قرّرا القيام بسلسلة من الحوارات المنتجة والأساسية، وذلك كي تتحدّد للزعيم السنّي مكانة الشيعة من وجهة نظر الكتاب والسنّة، وقد جمعت حصيلة الحوارات التي وقعت بين الزعيمين الدينيين في 110 مكاتبات، ليقرّ الشيخ البشري الجليل باتّباع الإمامية لمذهب أهل البيت^ وهذه المكاتبات برمتها تشكّل مادة كتاب (المراجعات).

2 ـ دار التقريب في القاهرة ودورها في تقارب المذاهب ـــــ

وفي القرن الرابع عشر، برزت بشكل واضح مظاهر هذا التعاون، وفكّر الفريقان: السنّي والشيعي منذ عام 1325هـ/1946م بمسألة التقريب، وهذا ما أبرز مقولة الانسجام الإسلامي، وكان أعمدة هذا المشروع كل من المرحوم آية الله الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في العراق (1294 ـ 1373هـ)، والمرحوم آية الله البروجردي (1292 ـ 1380هـ) في إيران، من الطرف الشيعي، وأما من الطرف السنّي فكان الشيخ عبدالمجيد سليم، شيخ الأزهر، والشيخ محمود شلتوت، لقد رفع هؤلاء الأساطين في المعرفة شعار التقريب، وكانوا من رجال الإصلاح، ودعوا عبر تأسيس «دار التقريب بين المذاهب الإسلامية» العلماءَ والكتّاب إلى التمسّك بالمشتركات، وقد كرّر هؤلاء الرادة أنه ليس هدفهم توحيد المذاهب أو دمجها، وإنّما التقريب بينها في الرؤى ووجهات النظر، وقد أدّى رجال العلم هؤلاء رسالتهم بإخلاص تام وخطوا خطوات كبيرة في مجال التقريب، إلى أن طبع ونشر في القاهرة كتاب مجمع البيان بتصحيح وطباعة مميّزين، وكذلك كتاب «المختصر النافع» للمحقق الحلي، حتى أن الكتاب الثاني قد فقد من الأسواق في مدة شهرين.

فتوى الشيخ شلتوت ـــــــ

لقد خطت دار التقريب في القاهرة خطوات كبيرة على طريق تقريب المذاهب من بعضها، كانت من إفرازاتها الفتوى التاريخية لشيخ الأزهر فيما يخصّ الفقه الجعفري، وأنّ هذا المذهب معتبرٌ ورسمي وشرعي كسائر المذاهب الفقهية، وهذا هو نصّ الفتوى الشهيرة:

«قيل لفضيلته: إن بعض الناس يرى أنه يجب على المسلم ـ لكي تقع عباداته ومعاملاته على وجه صحيح ـ أن يقلّد أحد المذاهب الأربعة المعروفة، وليس من بينها مذهب الشيعة الإمامية ولا الشيعة الزيدية، فهل توافقون فضيلتكم على هذا الرأي على إطلاقه، فتمنعون تقليد مذهب الشيعة الإمامية الإثنا عشرية مثلاً؟

فأجاب فضيلته: 1 ـ إن الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه اتّباع مذهب معين، بل نقول: إنّ لكل مسلم الحق في أن يقلّد ـ بادي ذي بدء ـ أيّ مذهب من المذاهب المنقولة نقلاً صحيحاً والمدوّنة أحكامها في كتبها الخاصّة، ولمن قلّد مذهباً من هذه المذاهب أن ينتقل إلى غيره ـ أيّ مذهب كان ـ ولا حرج عليه في شيء من ذلك.

2 ـ إنّ مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الإثنا عشرية، مذهب يجوز التعبّد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنّة. فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلّصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معيّنة، فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب، أو مقصورة على مذهب، فالكلّ مجتهدون مقبولون عند الله تعالى، ويجوز لمن ليس أهلاً للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقرّرونه في فقههم، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات»([20]).

البروجردي والاعتقاد باشتراك الفقهين الشيعي والسني في 99% من الفتاوى ـــــــ

بدوره، المغفور له آية الله البروجردي، طبع في حياته كتاب (الخلاف) للشيخ الطوسي، وأثبت عبر ذلك أن 99% من المسائل الفقهية يوافق فيها الرأي الشيعي رأيَ أحد المذاهب الفقهية السنّية، وليست سوى مسائل معدودة تلك التي تفرّد الشيعة بها، تماماً كما هي الحال في كل مذهب حيث له متفرّداته. وما زلت أذكر عندما وردت إلى مدينة قم هيئة من علماء مصر، أذعنوا بأن ما نقله الشيخ الطوسي في هذا الكتاب عن علماء المذاهب كان صحيحاً تماماً، ومن النتائج ذات البركة التي أفرزتها دار التقريب أن الفقه الشيعي أثر في وضع بعض القوانين في مصر ممّا يرجع إلى الأحوال الشخصيّة، كما أثر في الآراء الفقهية لبعض المفتين، مثل المسائل التالية:

1 ـ إنّ حصول تعدّد الطلاق في مجلس واحد ولو بلغ الثلاث يكون في حكم طلاق واحد.

2 ـ عدم صحّة الطلاق الذي يقع في طهر قارب الزوج زوجته فيه، كما أن الطلاق في حال الحيض غير صحيح.

3 ـ لزوم وجود شاهدين عند إجراء صيغة الطلاق.

نعم، من الممكن أن تكون السياسات اللاحقة قد تلاعبت بهذه القوانين فأخرجتها عن حالتها السابقة.

رسائل الودّ بين الشيخ سليم والسيد البروجردي ـــــــ

وعندما كان المرحوم آية الله البروجردي يمسك بزعامة الشيعة كان الشيخ عبدالمجيد سليم رئيساً للأزهر، وعندما اطّلع الأخير على مرض البروجردي أرسل إليه رسالة مليئة بالأدب ممهورةً بالإخلاص والصدق، وهذا بعض ما جاء في هذه الرسالة: «حضرة صاحب السماحة آية الله الحاج آقا حسين البروجردي. سلام الله عليكم ورحمته. أما بعد، فقد بلغنا عن طريق المذياع، أن صحتكم الغالية قد ألمَّ بها طارئ من المرض، فأسفنا لذلك أشدّ الأسف لما نعرفه فيكم من العلم والفضل والإخلاص للحقّ، وإنّا لنسأل الله جلّت قدرته أن يعجّل بشفائكم ويلبسكم العافية، حتى تتمكّنوا من العودة الحمية إلى نشاطكم المعهود في خدمة الإسلام والمسلمين…».

ويضيف: «إنّ الأمّة الإسلامية اليوم أحوج ما تكون إلى رجال صادقي العزم، راجحي الوزن، يجاهدون في الله حقّ جهاده؛ ليدرؤا عنها غوائل الفتن ونوازل المحن، فقد تألّبت قوى الشر وتجمعت عناصر الفساد، وزلزل المؤمنون في كل قطر من أقطارهم زلزالاً شديداً..». وقد كتب شيخ الأزهر هذه الرسالة في 14 ـ شعبان ـ 1370هـ، ولم ننقل هنا سوى بعض فقراتها.

وكما فعل شيخ الأزهر، أرسل آية الله البروجردي رسالةً جوابية تطفح بالعاطفة والشكر له، وفي بداية الرسالة، ذكرت عصارة رسالة شيخ الأزهر، وبعدها جاء التمجيد به كونه دائم التفكير بقضايا الأمّة الإسلامية، ثم قال: «هكذا ينبغي أن يكون رجال العلم ورجال الإسلام، مهما حاقت بالمسلمين زلازل الفتن، وأحاطت بهم نوازل المحن، فأسأل الله عزّ سلطانه أن يلبسكم لباس العافية، ويوفقكم لخدمة الإسلام والمسلمين، ولما يوجبه الاهتمام بأمر الأمّة في مثل هذا الزمان من أمثال جنابكم الذين وقفوا أنفسهم لخدمة هذه الأمة، ودرء عوادي المفسدين والملحدين عنها، إنه قريب مجيب…»([21]).

وبهذا نكون قد أطللنا إطلالةً سريعة وواضحة على تعاون زعماء الفرقتين، وهو ما يمكنه أن يشكّل أنموذجاً لمزيد منه في المستقبل، إلاّ أن الشيء الذي نئنّ منه اليوم هو ذاك النوع من الإفراط المسمى بالسلفية، وهو اتجاه خدش صورة السلف من جهة وعذّب الخلف من الناحية الأخرى.

الحركة السلفية والاتجاه التمزيقي ـــــــ

رسم أحمد بن تيمية في القرن الثامن الإسلامي مدرسةً في أرض العلم والمعرفة، أرض الشام، كانت نتيجتها تقليص مقامات الأنبياء والأولياء، وإفناء الآثار الباقية عن المسلمين السابقين، وقد دفنت هذه المدرسة بموت مؤسّسها عام (728هـ) في مسقط رأسه، حيث شنّ علماء الشام ومصر الكبار من الذين كانوا يتمتعون بمكانة رفيعة في الحديث والكلام والتفسير… شنّوا عليه هجوماً نقدياً جاداً، ووقف الجميع على اشتباهاته وأخطائه.

لكن، ومرةً أخرى، جدّدت هذه المدرسة بعد عدّة قرون، عام 1160هـ على يد محمد بن عبدالوهاب، وتمكّنت من بسط نفوذها على قطر معيّن من أقطار المسلمين، والسرّ في هذا الأمر بُعد مسقط رأسه عن حواضر العلم والمعرفة، فقد كان سكان منطقته من أبناء الصحراء وأهل البادية، لذا وقعوا في خداع كلماته التي كانت تبدو في ظاهرها جميلةً رشيقة، فأعلنوه حاملاً للواء التوحيد. وفي هذه الأثناء كتبت ضدّه ردود مفصّلة في بلاد نجد والحجاز وسوريا والعراق، وقلّصت من نفوذه وتناميه، لكنّ مدرسته استطاعت قبل الحرب العالمية الثانية ـ بالتعاون والاتفاق مع الامبريالية العالمية ـ أن تطيح بحكومة الأشراف في مكة والمدينة، وهي حكومة استمرّت قرابة الألف عام، ليحكم أنصاره على الحرمين الشريفين، وفي هذه الفترة شهدت سياسته صعوداً وهبوطاً، فكانوا يظهرون الرفق والعاطفة حيناً وأخرى يردون الميدان بالخشونة والعنف.

وفي السنتين الأخيرتين، بلغت خشونتهم حدّها الأعلى فأهانت الزوّار، وحوّلت المقبرة التي يفترض بها أن تكون محيطاً هادئاً لقراءة الفاتحة والقرآن وزيارة أولياء الله الإلهيين وأنصار رسول الله’ وأصحابه، إلى مركز للدعوة إلى الوهابية، دعوة من طرف واحد بحيث لو أجاب أحد أو ناقش يجازى ويعتقل ويضرب ويشتم. أفهل يتّبع هؤلاء السلفَ وسيرتهم؟! حاشا أن يكون السلف كذلك؟ فأحمد بن حنبل (186 ـ 241هـ) غسل قميص الشافعي (204هـ) عندما مات وأخذ يتبرّك بمائه، أفهل يتبرّك إمامهم بقميص الشافعي وهم لا يتبركون بضريح النبي بل يرون ذلك ممنوعاً ومحظوراً؟!

إن زوّار بيت الله يدخلون السعودية بتأشيرة دخول رسمية ويفترض أن يكونوا محل احترام الدولة الحاكمة، إلاّ أن أغلب هؤلاء الزوّار يخشون على أنفسهم وأموالهم، ويقومون بالواجبات والمستحبات غير مرتاحين ولا مطمئنين، بل يتعرّض أكثرهم لإهانة رجال الشرطة الدينية. إنّ الحرمين الشريفين حرمٌ آمن لله تعالى، فكل الطوائف الإسلامية من حقّها أن تقوم بأعمالها في حريةٍ تامة في الوقت عينه الذي تكون فيه الأمور التنظيمية والإدارية بيد الدولة. النظم والانضباط مسألة، وإرغام الجميع على اتّباع مذهبٍ واحد ظهر في القرن الثامن الهجري، واتهام الناس ـ عبر ذلك ـ بالكفر والشرك. ذلك كلّه أمرٌ آخر. إنّ أعمال العنف التي يقوم بها هذا الفريق سبّبت عرض الإسلام في الغرب ديناً عنفيّاً، وأعاق مجال تبليغه لدى الطبقة الشابة عند هؤلاء أنفسهم.

من الجيد أن تستفيد هذه الشريحة من الملك السعودي الثاني، ذلك أنه استضيف في إيران عام 1334 سعود بن عبدالعزيز، وقد أهدى ـ احتراماً ـ عدة نسخ من القرآن الكريم وبعض القطع من لباس الكعبة وعدداً آخر من الهدايا عبر السيد يوسف أبو علي للسيد آية الله البروجردي، وقد قبل السيد البروجردي القرآن وقطعة ستار الكعبة وأهدى بقية الهدايا إلى حاملها له، وقد كتب رسالة أشار فيها: اليوم والحج في يد جناب الملك أرسل إليكم حديثاً حول حجّ رسول الله، ونقله البخاري في صحيحه وأبو داوود في سننه، فاسعوا أن يطابق الحج مفادَ هذه الرواية([22]).

من المؤسف جداً أن تُباد بـ «البلدوزر» الآثار الإسلامية التي هي علائم على أصالتنا وجذورنا، عبر حديث واحد لا يدلّ أبداً على مقصودهم، واليوم غدت مكّة والمدينة مدينتان غربيتان لا مظاهر تعرّف بهما مدينتان شرقيتان، أما ذاك الحديث وكيف دلّ على مقصودهم؟ فنوضح أمره باختصار، حيث روى مسلم في صحيحه عن أبي الهياج الأسدي عن علي× أنه قال له: «ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله: أن لا تدع تمثالاً إلا طمثته، ولا قبراً مشرفاً إلاّ سوّيته»([23]).

لا نتحدّث فعلاً عن سند هذا الحديث، حيث لا يخلو بعض رواته من الإشكال والخدشة؛ إنّما المهم هو إيضاح مدلوله، ولابد من التذكير أن فعل «سوّى» فعلٌ متعدٍّ، ويتطلّب مفعولاً واحداً فقط، {فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ} (الحجر: 29)، إلاّ أنّها قد تأخذ أحياناً مفعولين اثنين، فتحتاج في هذه الحال إلى حرف جر، تماماً كما في قوله تعالى: {إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ} (الشعراء: 98)، وكلّما أخذت مفعولاً واحداً تكون التسوية صفة لذلك الشيء تماماً كما جاء في الآية بمعنى: عندما أكمل خلق الإنسان، لكن عندما تأخذ مفعولين وينال المفعول الثاني حرف الجر، فلا تكون التسوية صفةً للشيء نفسه، بل صفةً قياساً وإضافةً إلى شيء آخر، تماماً كما جاء في الآية الثانية: إنّنا نعدّكم ـ أيّتها الأصنام ـ شيئاً واحداً مع الله.

وانطلاقاً من هذا المبدأ لابدّ أن نرى أن فعل «سوّيت» في الحديث له مفعول واحد أم مفعولين؟ الوارد في تعبير الإمام علي× ـ على تقدير صحة الحديث ـ: «ولا قبراً مشرفاً إلا سوّيته»، وفي هذه الحال تكون التسوية صفة للقبر نفسه، لا صفةً له بالنسبة إلى شيء آخر، وإذا كانت صفةً للقبر نفسه فالمقصود منها جعل القبر مسطحاً غير مسنّم، وإلاّ فإذا كان المراد تخريب القبور كان لابد من مفعول ثانٍ بحرف الجر، إذ يقول: «إلاّ سويته بالأرض». والنتيجة أنه لابدّ في متن الحديث من إعمال الدقّة لمعرفة هل هذه التسوية صفة للقبر نفسه أو صفة له بالنسبة إلى شيء آخر؟ ونصّ الحديث يعطي شهادة على كون التسوية صفةً للقبر نفسه، بمعنى إخراج القبر من حالة الاعوجاج وعدم الانتظام أو التسنيم أو الانحناء، لا أنّ المراد تخريب القبر وتسويته بالأرض.

كيف يمكن أن يكون المعنى الثاني صحيحاً والحال أن تمام فقهاء الإسلام يفتون باستحباب أن يرتفع القبر عن الأرض بمقدار أربعة أصابع؟! ومن حسن الحظ أن شرّاح صحيح مسلم فسّروا الحديث المذكور بالمعنى الذي ذكرناه([24]).

وبصرف النظر عن تمام هذه الأمور، ومع افتراض تمامية دلالة الحديث، إلا أنه يقول: سوّوا القبور بالأرض، لكنه لا يتحدّث عن حرمة البناء على القبر ورفع القباب عليه وتدمير الصروح عليه، فبورك هذا الاجتهاد الذي لا يقوم لا على كتاب ولا على حديث ولا على اتفاق العلماء!!

وأوضح شاهد على البناء على القبور هو قبر الرسول الأكرم’، فمنذ اليوم الأول دفن’ في بيته، وللبيت بناء، وقد حفظ هذا البناء عبر القرون كلّها! إلى يومنا هذا.

حفظ الأصالة وحماية التراث الإسلامي ـــــــ

إن حفظ التراث والأصالة من الوظائف الإسلامية الملقاة على عاتقنا، والمقصود منها الأشياء التي تحكي عن واقع الإسلام واستمراره عبر العصور؛ فالدين الإسلامي دينٌ عالمي، وسيظلّ إلى يوم القيامة أكمل الأديان السماوية، وحيث من الممكن أن تفصلنا عن القيامة آلاف السنين، فنحن ملزمون بحفظ ما يدلّ على أصالة الإسلام من غدر الزمان وتخريبه، لنحفظه سالماً إلى الأجيال اللاحقة.

إن وجود المسيح وديانته أمرٌ قطعي اليوم عند المسلمين وفي نظرهم، إلا أن ذلك بدأت تغلب عليه الحالة الأسطورية في رؤية الشباب الغربي، إذ لا يوجد أثر ملموس للمسيح× بين أيدينا، فكتابه طالته التحريفات، ولم يبق لدينا شيء عنه ولا من أثر أمه ولا حواريّيه؛ لهذا يقلّص مرورُ الزمان من قطعيّة هذا الدين ويذره في هالة من الإبهام والتردد، تماماً كما ضعفت أو عطّلت زيارة مرقد النبي’ بين المسلمين، وهي حاكية عن واقعية وجوده وأصالة مدرسته، وهذا ما يعرّض أصالة الإسلام واعتباره وقادته وأئمته للخطر أيضاً.

من هنا، ولكي يحول المسلمون دون هذا الخطر الكبير، لابدّ لهم من حفظ كل الآثار المتصلة بالرسالة والإمامة، والتذكير بها دوماً، وزيارة مراقد هؤلاء منطلَقٌ للتذكير بهم وحفظهم من الفناء التدريجي، وفي هذه الحال لا يمكن التغاضي عن هذه المزية الكبيرة، وإقفال باب اللقاء الروحي والمعنوي مع هؤلاء العظماء أمام المسلمين.

نعم، الحديث عن موضوع هدم الآثار كبير وطويل، لكنّنا نكتفي بهذا المختصر ونحيل التفصيل إلى فرصةٍ أخرى، وكما يقول الشاعر:

ذر الحديث عن هذا الهجران وحرقة الكبد

واتركه إلى وقت آخر.

الهوامش

(*) مرجع تقليد وأستاذ بارز في الحوزة العلمية بمدينة قم الإيرانية، من أشهر الباحثين المعاصرين في علم الكلام.

([1]) إشارة إلى دعايات الوهابيين في مقبرة البقيع، وترويجهم ضدّ العقائد الشيعية التي هي ـ بأحد المعاني ـ إسلامية.

([2]) صحيح البخاري 4: 208، كتاب الأنبياء، باب 51.

([3]) تحفة الإثنا عشرية: 8.

([4]) ابن شمسية، التوسل والوسيلة: 52.

([5]) لمزيد من الاطلاع أنظر كتاب: الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 1: 71 ـ 73.

([6]) وسائل الشيعة، ج12، أبواب أحكام العيوب، باب 1، ج1.

([7]) الفخر الرازي، التفسير الكبير 1: 204.

([8]) تاريخ ابن عساكر 56: 298.

([9]) كما يستفاد من كتابه: علل الشرائع.

([10]) الصدوق، كمال الدين: 170.

([11]) المنتظم 15: 157.

([12]) رجال النجاشي، الرقم: 1067.

([13]) فهرست الشيخ الطوسي، الرقم: 711.

([14]) وفيات الأعيان 3: 313، الرقم: 443، نقلاً عن ابن بسام.

([15]) مقدمة التبيان: 7.

([16]) الذهبي، سير أعلام النبلاء 18: 334.

([17]) التدوين في أخبار قزوين 3: 372.

([18]) علاء الدين القوشجي، شرح التجريد: 1.

([19]) ابن حجر، الدرر الكامنة 2: 71.

([20]) مجلة رسالة الإسلام، السنة الحادية عشرة، العدد الثالث.

([21]) مجلة رسالة الإسلام، العدد الثالث، السنة الثالثة.

([22]) رسالة الإسلام، السنة الثامنة، العدد الأول.

([23]) صحيح مسلم 3: 61، كتاب الجنائز؛ وسنن الترمذي 2: 256، باب ما جاء في تسوية القبور؛ وسنن النسائي 4: 88، باب تسوية القبر.

([24]) شرح النووي على صحيح مسلم 7: 36، الطبعة الثالثة، طبعة دار إحياء التراث العربي.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً