أحدث المقالات

مجالاته، آثاره، أسبابه، مكافحته

أ. حيدر أمير پور(*)

السيد منذر الحكيم(**)

مقدمة

تعدّ أخلاق التجارة وآداب الاكتساب أو التعامل الاقتصادي بين المتعاملين ـ سواء كانا شخصين حقيقيين أو شخصين حقوقيين، كما إذا كان بين مؤسستين ـ موضوعاً بالغ الأهمية، وله دور أساسي في كسب الثقة وتوطيد العلاقة التجارية بين المتعاملين أو المؤسسات التجارية، وتنشيطها وتطويرها، على المستوى الخاص (الفردي والاجتماعي)، وعلى مستوى القطاع العام، وحتى على المستوى الدولي.

إنّ الاهتمام بتدوين الأصول الأخلاقية الخاصّة بحقل التجارة، والنابعة من القيم الإنسانية الشاملة، يساهم في معالجة السلوك اللاخلاقي، أو يحول دون ظهوره، ويحمّل الأطراف المتعاملة مسؤوليّات قانونية وأخلاقية تجاه أي سلوك منحرف في مجال التعامل والتعاقد. كما يساهم في تحقيق الأهداف الاقتصادية التي تبتغيها المؤسسات التجارية بشكل عام.

ومن هنا ينبغي للمؤسسات الاقتصادية أن تعيِّن المتخصِّصين في حقل الأخلاق المهنية؛ لدراسة الظواهر المنحرفة واللاأخلاقية، كالتحايل في المعاملات الاقتصادية، والذي يفتح أبواباً كثيرة للبحث العلمي، وتترتب عليه آثار قانونية وأخلاقية كثيرة.

والشريعة الإسلامية؛ بتأكيدها على مبدأ الصدق في العلاقات التجارية، تعتبر التحايل موضوعاً تترتب عليه مسؤولية جزائية ومسؤولية مدنية بالغة الأهمية، كما تفيده القاعدة الفقهية المعروفة: «المغرور يرجع على مَنْ غرّه».

إنّ إحدى وظائف علم الأخلاق هي تحديد مسؤولية الإنسان تجاه الآخرين. ومن هنا يتولّى هذا المقال تحديد مفهوم التحايل، وعناصره الإنسانية، وبيان مصاديقه المختلفة على الصعيد الفردي والاجتماعي والدولي، وأسباب انتشار التحايل في مجال التعامل التجاري، وطرق التوقي من هذا الداء العضال والبلاء الفاحش في أسواقنا وسلوكنا الاقتصادي.

لقد تطرّق الفقهاء إلى هذا الموضوع في بحث المكاسب، وفي أبواب العقود والخيارات حين تعرّضوا لقاعدة «الغرور» الفقهية، ورتّبوا على ذلك ضمان الغارّ بالنسبة للمغرور([1]). كما تعرّضوا لها في كتاب الضمان. وتعرّضوا له في كتب القواعد الفقهية بشكل خاص. كما أُلّفت رسائل جامعية في هذا الموضوع. غير أن هذه البحوث قد اختصّت بالأفراد الحقيقيين (أو الشخصيات الحقيقية)، ولم تتعرّض للشخصيات الحقوقية، لتشمل المؤسسات والمراكز الدولية. كما لم تتعرض للمسؤوليات الأخلاقية التي تترتب على التحايل في المعاملات التجارية. على أنّها لم تتعرّض لتحديد عناصر التحايل، وأسبابه، ونتائجه.

المسؤولية([2]): تحديدها، أنواعها، مميزات كلّ نوع

المسؤولية في اللغة تعني الاستعداد للمؤاخذة والإجابة عن السؤال الذي يوجّه للشخص المسوؤل([3]). وقد وردت مشتقات هذه المفردة، التي تتضمن المفهوم، في آياتٍ من الذكر الحكيم، كما في قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْؤولُونَ} (الصافات: 24)، وقوله تعالى: {لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} (التكاثر: 8).

وقد قسّم الحقوقيون وعلماء القانون المسؤولية إلى قسمين: مسؤولية أخلاقية؛ ومسؤولية قانونية.

أـ المسؤولية الأخلاقية

وقد وردت لأوّل مرة في كلمات أرسطو، حين فسّر الحُسن والقُبح الأخلاقيين باستحقاق المدح واستحقاق الذم. والمسؤول هو الذي يقع مورداً للمدح والذم باعتبار ما يصدر منه من سلوك يكون مسؤولاً عنه ومؤاخذاً عليه([4]).

إنّ الاحترام لحقوق الآخرين والالتزام بها يعدّ عملاً أخلاقياً يستحق فاعله المدح عليه، وعدم الاحترام لها وعدم الاعتراف بها يُعدّ عملاً يستحق فاعله الذمّ عليه.

وفي مجال التحايل يقال: إنّ تنبيه الآخرين إلى وقوع التحايل والتحذير منه يُعدّ عملاً يُمدح عليه فاعله، وعدم الاكتراث وعدم تنبيه الآخرين تجاه وقوع التحايل وعدم تحذيرهم منه يعدّ عملاً يذمّ فاعله عليه.

وقد عرّفوا المسؤولية الأخلاقية بالمسؤولية التي لم يتعرّض لها نصّ القانون([5]). كما أنّ اختلاف الباحثين في تحديد مفهوم المسؤولية الأخلاقية يعود إلى اختلافهم في تحديد المفاهيم الدينية والفلسفية ذات الصلة بالموضوع.

وقد عرّف إستاوسن([6]) المسؤولية الأخلاقية بالمسؤولية الاجتماعية([7]). بينما تعتبر المسؤولية الاجتماعية أهم بُعد من أبعاد المسؤولية الأخلاقية، وليست هي كلّ شيء، فلا يصحّ حصرها بالمسؤولية الاجتماعية وتلخيصها فيها([8]).

ب ـ المسؤولية الحقوقية أو القانونية([9])

وهي المسؤولية التي تعرّض لها القانون ونصّ عليها، ولها ما يضمن تحقّقها وتنفيذها من خلال القانون([10]). ويمكن تقسيمها إلى بُعدين: مسؤولية جزائية؛ ومسؤولية مدنية.

والمسؤولية الجزائية هي المسؤولية التي ترتبط بارتكاب جريمة قد صرّح بها القانون. وتتعلّق بكلّ ما يضرّ المجتمع، ويتضرّر به المجتمع، ويؤدّي إلى اختلال نظام المجتمع بشكل عام.

والمسؤولية المدنية هي عبارة عن الالتزام القانوني للفرد تجاه الأضرار التي حمّلها للآخرين، سواء كانت الأضرار بشكل مباشر أو غير مباشر، ويكون متعهداً برفعها، وضمان تبعاتها والخسائر المترتّبة عليها. وتختص هذه المسؤولية بالأضرار الناشئة عن عمل يتوجّه إلى الأفراد كأفراد، لا إلى المجتمع.

والتحايل عمل يستتبع كلتا المسؤوليتين: الجزائية؛ والقانونية.

ج ـ خصائص ومميزات المسؤولية الأخلاقية عن المسؤولية القانونية والحقوقية

وتمتاز المسؤولية الأخلاقية بأنّها غير مدوّنة في لوائح قانونية كما هو الحال بالنسبة للمسؤولية الحقوقية.

كما أنّها تمتاز بالشمول لكل شؤون الحياة الفردية والاجتماعية، الخاصّة والعامّة. ولا يمكن للفرد أن يتخلّى عنها في حال من الأحوال، إلاّ في موارد نادرة جدّاً.

وأمّا المسؤولية القانونية (الحقوقية) فهي محدودة بحدود القوانين المصرّح بها. ويمكن للفرد أن يتخلّى عنها. وهي متوجّهه إلى الحقوق الموضوعة فقط، بينما المسؤولية الأخلاقية تتوجّه إلى الحقوق الطبيعية.

مصطلح التحايل والحيل

إنّ مصطلح التحايل عند الفقهاء يرادفه أو يقاربه في المفهوم عدّة مصطلحات، هي: الخداع، التدليس، والغرور([11]).

والتدليس في اللغة هو الخداع، والجعل في الظلام([12]).

والمادة 483 من القانون المدني الإيراني اعتبرت كل عمل ينتهي إلى خداع المتعامل تدليساً.

والغرور في اللغة بمعنى الخداع، وأكل المال بالباطل. واصطلاحاً هو الفعل الصادر من شخص تجاه آخر بحيث ينتج منه الضرر([13]).

ومن مصاديقه أن يقدّم لشخص طعاماً ليس له، أو يبيع ما لا يملكه، ويسبّب بذلك ضرراً للمشتري([14]).

إنّ المسؤولية التي تترتب على التحايل في مجال الكسب والتجارة تتنوع الى نوعين: مسؤولية جزائية؛ ومسؤولية مدنية.

إنّ الخداع والتدليس يعتبر عنصراً ماديّاً، لا جريمةً. واستحصال الأموال من خلال الخداع يكون عملاً ممنوعاً بنفسه، ويستحق فاعله العقوبة عليه.

بينما تعني المسؤولية المدنية أنّ المخادع يتحمل الأضرار الناجمة عن عمله، ويقوم برفعها، وجبرها، ودفع الخسارة المترتّبة على عمله([15])، كما إذا لم يسلّم البضاعة للمشتري في الوقت المحدّد للتسليم، فعليه أن يتحمّل الخسائر المترتّبة على هذا التأخير.

ويفترق الغرر عن الغرور بأنّ الغرر هو الخطر. وقد جاء بمعنى الإغفال والاحتمال([16]). وفي الاصطلاح هو الضرر الناشئ عن الجهل في المعاملة، بحيث يوجب فسادها([17]). ويستند الفقهاء في بطلان جملة من المعاملات التجارية إلى الغرر.

وأمّا الغرور فلا علاقة له ببطلان المعاملة وصحّتها، بل يعود إلى قواعد الضمان القهري. بينما ينشأ الضرر والخسارة في الغرور (التغرير) من التدليس والخداع.

مجالات التحايل التجاري ومصاديقه

تتألف المؤسسة التجارية من الهيئة الإدارية والعاملين والمساهمين ومسؤولي التوزيع وتأمين الخدمات، وتقوم بالتعامل والتبادل مع مجموعة من الجهات الرسمية وغير الرسمية والمؤسسات الدولية، مثل: WTO([18]). ويمكن أن يتمّ التحايل في عنصر من العناصر التي تتألّف منها المؤسسة التجارية.

ومن هنا ينبغي أن نقوم باستقراء أنواع التحايل لكلّ واحد من العناصر التي تتألّف منها المؤسسة التجارية؛ لمعرفة المصاديق والنماذج والصور التي يمكن تحققّها في المعاملات التجارية، ومناشئها.

1ـ تحايل الهيئة الإدارية

الهيئة الإدارية لكلّ مؤسسة اقتصادية هي أعلى جهة مسؤولة فيها. وينبغي اختيار اعضائها على أساس الكفاءة الإدارية والفنية؛ ليتسنّى تحقيق أهداف تلك المؤسسة التجارية. إنّ توفير الجوّ الآمن والسليم للعمل يتوقّف على توثيق العلاقات الإنسانية المعقولة والمطلوبة التي يدعمها الإيمان والأخلاق الفاضلة والعلم الوافر بما ينبغي أن يكون عليه السلوك الإنساني.

والخداع والتدليس والتحايل في هذا المضمار، وفي مستوى الهيئة الإدارية، يمكن أن يتجلّى في ما يلي:

1ـ التزوير في الوثائق التي تستند إليها شرعية المؤسسة التجارية أمام القانون والقضاء. وتترتب المسؤولية الجزائية على هذا النوع من التزوير. وتصرح المادة 586 من قانون التجارة بأنّ المؤسسات التي تستهدف مقاصد غير قانونية أو غير شرعية لا يجوز تسجيلها وتأييدها. وكلّ مؤسسة تتخلف عن هذا المبدأ تعتبر متجاوزة ومتخلّية عن مسؤوليتها الاجتماعية التي تفرضها مصالح الأمة([19]).

2ـ كتمان الحقائق: إنّ كتمان الحقيقة؛ لغرض كسب الزبائن، وقلب الواقع، وتقديم صورة غير واقعية عن الأمور، تترتب عليه مسؤولية جزائية، وأخرى مدنية، ويعدّ خروجاً عن الالتزمات الأخلاقية للهيئة الإدارية أمام الآخرين([20]).

فلو حصل التباني بين أعضاء الهيئة الإدارية في مجال كتمان الحقائق، أو بينهم وبين المفتشين المسؤولين عن الرقابة والتفتيش؛ بهدف تضليل الزبائن، وجلب ثقتهم، اعتبر هذا السلوك أحد مصاديق التحايل والتغرير.

2ـ تحايل العاملين ومصاديقه

يتميز العاملون في المؤسسة الاقتصادية بأنواع المهارات والقدرات التي تساهم في تحقيق الأهداف الاقتصادية للمؤسسة التجارية. وهم مصدر من مصادر توفير الثروة وجلب الأرباح التجارية للمؤسسة. ويعدّ الكذب، والتزوير، والتملّق، وإخفاء الحقائق، وإعطاء معلومات خاطئة للزبائن، وتحقيرهم، واعتبارهم وسائل لتحصيل الربح ليس إلاّ، أو إيقاعهم في الشبهة أو الترديد، من عوامل عدم الثقة بالمؤسسة التجارية([21]). وهكذا يعدّ عدم الاكتراث والاهتمام بالزبائن، وعدم الموضوعية في التعامل، أو التحيّز لبعضهم، مصاديق للتحايل والتزوير المؤدّي إلى خسائر اقتصادية، وبالتالي إلى إفلاس المؤسسة وانهيارها.

3ـ تحايل المستشارين

يعتبر المستشار الاقتصادي ـ داخل المؤسسة الاقتصادية أو خارجها ـ عنصراً من عناصر تقدّم المؤسسة وتطوّرها، وسبباً من أسباب استمرار حياتها. وتعتبر خبرات المستشارين مصدراً من مصادر تعميق الثقة بين المؤسسة وزبائنها. ومن هنا كانت للمستشار الاقتصادي منزلة فائقة، ومسؤولية مهمة يتحمّلها من خلال احتلاله لهذه المنزلة، ويعدّ إعطاؤه لكلّ معلومة خاطئة، أو كتمانه لأية حقيقة تعود على المشتري بسلب الثقة أو إغرائه وإغوائه تجاه ما يريد أن يقرّره من معاملات يُجريها مع المؤسسة التجارية، مصداقاً من مصاديق التزوير والتحايل، الذي تترتب عليه آثاره السلبية بالنسبة للمؤسسة.

4ـ تحايل المحاسبين

يُعتبر المحاسب المالي في كلّ مؤسسة اقتصادية عنصراً مهمّاً فيها، وإنّ ارتكاب أي خطأ أو إغراء أو تزوير في الوثائق والمستندات المالية، أو إعطاء معلومات ناقصة، سواء كان بقصد التغرير أم لم يكن كذلك، يعدّ عملاً غير أخلاقي، وذا مسؤولية أخلاقية خطيرة([22]).

5ـ التحايل في مجال شبكات التوزيع

تعتبر شبكات التوزيع حلقة الوصل المباشرة والمهمة بين المؤسسة التجارية وبين الزبائن. وتقوم هذه الشبكات للتوزيع بدور تحقيق أهداف المؤسسة الاقتصادية بشكل فاعل. وبإمكانها أن تقوم بتزوير العلائم التجارية. أو التخلف عن الالتزامات القانونية، وعدم تحويل البضاعة للزبائن في وقتها المقرّر لها، أو تقديم نوعية غير مرغوبة من البضاعة، أو إعطاء معلومات خاطئة أو بضاعة مستعملة بدل البضاعة المطلوبة، أو تقوم بالتباني والتواطؤ مع المؤسسات التجارية المنافسة لتلك المؤسسة؛ لإضعاف أو تسقيط المؤسسة المنتمية إليها.

6ـ تحايل المؤسسات الرافدة

إنّ أية مؤسسة اقتصادية إنّما تستطيع أن تقوم بتقديم خدماتها التجارية حين تتوفّر لديها البضاعة التي تهتم بتقديمها لزبائنها. ومن هنا كانت مثل هذه المؤسسات تسترفد بمجموعة أخرى من المؤسسات ومصادر الإنتاج الأولى والمصادر المالية ومصادر الخدمة التي تتوقف عليها حياة هذه المؤسسات. وكلّ نوع من أنواع التحايل المذكورة أعلاه يمكن أن نجد له مصاديق في هذه المؤسسات الرافدة. وبذلك يمكن أن نقول: إن هذه المؤسسات أيضاً تتحمل مسؤوليات أخلاقية وقانونية في الوفاء بوعودها، والقيام بواجباتها تجاه المؤسسات الاقتصادية التي تتوقف حياتها عليها.

كما أنّ المؤسسات الاقتصادية المسترفدة تتحمّل مسؤوليات أخلاقية تجاه المؤسسات الرافدة لها بما يحفظ لها حقوقها المادية والمعنوية([23])، وما يختص به من ملكيات معنوية، أو أسرار مهنية، فيكون التحايل والتزوير والتجاوز للحدود المقرّرة ممكناً لكلٍّ من الطرفين (الرافد والمسترفد).

7ـ تحايل المنافسين

يمكن للمنافسة في التجارة أن تلعب دوراً إيجابياً في التنمية الاقتصادية، كما يمكنها أن تؤدّي دوراً سلبياً مضرّاً بالمؤسسات المتنافسة؛ لأنّها تتنافس في نوع البضاعة المقدّمة للزبائن، كما تتنافس في جذب الزبائن وكسبها إلى جانبها. ومن هنا فهي بحاجة إلى الابتعاد عن أنواع التحايل والتزوير؛ لكسب الزبائن، ورفع مستوى الطلب للبضائع التي تعرضها المؤسسة للبيع والتجارة بها.

إنّ هذه المنافسة تجعل بعض المؤسسات الأخرى في حلبة التنافس أسرع وقوعاً في شَرَك التحايل والخداع والتزوير من غيرهم. وأهم مصاديق التحايل في هذا المضمار: الدعاية الكاذبة؛ والثقة الكاذبة.

أـ الدعاية الكاذبة

للدعاية الكاذبة دور كبير في الإقناع وترغيب الزبائن لشراء بضاعة ما. وبإمكان أيّة مؤسسة تجارية أن تسيطر على السوق من خلال الدعاية. وكلّما كانت الدعاية واقعية ومتناغمة مع أهداف المؤسسة التجارية، ومقاربة للواقع الذي عليه المؤسسة، وكان الصدق شعاراً حقيقياً لها، كانت لها المصداقية اللازمة، والقدرة على تحدّي المنافسين لها في سوق التجارة والعمل([24]).

وإذا كانت الدعاية لا تعكس واقع المؤسسة الاقتصادية كما هو، وتحاول التحايل على الزبائن، فتصوّر لهم ما ليس بواقعي واقعياً، كانت هذه الدعاية سبباً للإفلاس والانهيار لا محالة.

ب ـ الثقة الكاذبة

إنّ الثقة بالمؤسسة هو رصيدها الذي يُكسبها القدرة الحقيقية في الحقل الاقتصادي([25]). وكلّما كانت الثقة مستمرة وواقعية كانت المؤسسة الاقتصادية موفّقة وناجحة. وكلّما ابتعدت عن الواقع، وكانت الثقة مؤقتة وفي معرض الزوال، كانت المؤسسة أقرب إلى الانهيار.

أسباب التحايل في حقل العمل والتجارة

1ـ الاعتقاد بأنّ التحايل فطنة وذكاء

يتصوّر البعض ـ جهلاً ـ بأنّ التحايل والتزوير نوع من أنواع الذكاء والفطنة، بينما هو إحدى آفات الذكاء، وقد قال الإمام علي×، في جواب سائل سأله عن عقل معاوية، الذي رفع المصاحف، وبالخداع والتزوير تغلّب على خصومه: «تلك الشيطنة، تلك النكراء، ليست هي العقل، وهي شبيهة بالعقل»([26])، وقال الله تبارك وتعالى: {يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ…} (النساء: 142)، وقال: {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ} (البقرة: 9)؛ وذلك لأنّ التزوير ينتهي إلى التهلكة([27]) والدمار، وضياع أية مؤسسة تجارية تريد التسلّق عبر التزوير إلى قمة الانتعاش، ولا يمكنها أن تبلغه.

2ـ اعتبار الإنسان وسيلة من وسائل الإنتاج

يتمتع الانسان بقيمة وكرامة ذاتية تتبع من إنسانيّته وتكريم الخالق له، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} (الإسراء: 70). وهذا التكريم يتطلب احترام الإنسان للإنسان، والتعامل معه فوق مستوى التعامل مع وسائل وآلات الإنتاج. وهذا يستلزم عدم استثمار الإنسان للإنسان، أو عدم استغلاله كما تستثمر وسائل وأدوات الإنتاج.

وحين يُستثمر الإنسان، ويعتبر عنصراً من عناصر الإنتاج، شأنه شأنها، وقيمته قيمتها، فسوف ينتهي هذا التصوّر إلى تعامل مادي ميكانيكي وغير أخلاقي مع هذا العنصر، الذي له حقوقه وكرامته، التي بها أصبح إنساناً كريماً مكرّماً عند خالقه، وكريماً على مخلوقاته.

وهذا التعامل الاستثماري سوف ينتهي إلى سلب الثقة منه وإهانته وتحقيره.

3ـ فقدان الحسّ الأخلاقي لدى المسؤولين والمدراء

المدير هو العضو المسؤول عن البُعد الأخلاقي والثقافي والمعنوي للمؤسسة الاقتصادية([28]). وعليه أن يُحسن التعامل مع زبائنه، ويقدّم لهم الخدمة اللازمة مع كلّ احترام وتقدير. وتعود النتائج الإيجابية لحُسن التعامل مع الزبائن، والوفاء بالعهود على المؤسسة الاقتصادية أيضاً.

إنّ عدم الاكتراث بالمسؤولية الأخلاقية تجاه الآخرين، وتجاه المؤسسة وكوادرها ومستقبلها وموقعها، وكلّ مدير لا يكترث بالأخلاق الإنسانية، ولا يعير اهتماماً للمسؤولية الأخلاقية، سوف يرتكب شططاً في تدمير العناصر الإنسانية التي تتكوّن منها المؤسسة الاقتصادية، وذلك بإفسادها أو فقدانها، فإنّه بين أحد أمرين خطيرين، وهما: أن يضطرها إلى الرضوخ لأخلاقيّته، فيفسد أخلاقها كأخلاقه؛ أو يجبرها للهروب من هذا الجو اللاأخلاقي الذي يسيطر على سلوك مدير المؤسسة.

يقول كريس أجريس: «أمّا المؤسسة التي تؤيد القيم الأخلاقية الإنسانية (وتقوم بترويجها في ميدان العمل والتجارة) فإنّها سوف تزرع الثقة المتبادلة بين الناس، وتقوم بتنظيم العلاقة بينهم، ممّا يؤدّي إلى ارتقاء نسبة الصلاح بين الناس، وازدياد نسبة التعاطف والمرونة بين الأصناف. وهذا ينتهي إلى تكامل النشاط الاقتصادي وتناميه باستمرار»([29]).

4ـ الاغترار بالأرباح اللامحدودة

إنّ كلّ مؤسسة اقتصادية تريد بقاءها وتكاملها وتنامي أرباحها وأرصدتها على المدى البعيد؛ لتكون قادرة على تلبية كلّ متطلبات عامليها والمنتفعين بها.

إنّ الاهتمام بالربح إنّما هو ـ في الواقع ـ من أجل تحقيق ضمانات بقاء المؤسسة الاقتصادية، وتكامل نشاطها، واتساع دائرة اهتماماتها. غير أنّ ذلك يتم من خلال الالتزام بالقوانين المقبولة عالمياً ودولياً، والتي تعتبر معياراً لسلامة النشاط الاقتصادي والتجاري، بحيث يكون تجاوزها تجاوزاً للصراط المستقيم في ميدان العمل الاقتصادي.

ولا يمكن تقنين التحايل والتزوير بحال من الأحوال ما دام أمراً خاطئاً وعملاً فاشلاً وغير أخلاقي. وإنْ كان الإنسان مسلّطاً على أمواله التي يمتلكها، كما ورد ذلك في قوله’: «الناس مسلّطون على أموالهم»([30])، فإنّ هذا التسلّط لا يسوّغ أي عمل غير أخلاقي وغير إنساني. ولا يعني ذلك ـ في الشريعة ـ أنّ الناس لهم حق الاحتكار، أو حق التزوير، أو حق الاكتناز والامتناع من تداول الثروة التي أعطاها الله للإنسان وملّكه إيّاها، فهو الذي يملّكه ويحدّد له دائرة صلاحياته في التصرّف في ما ملّكه، كما يحدّد له دائرة ملكيّته، فكما لا يسمح له بإعدام أمواله والإسراف فيها كذلك لا يسمح له بالتزوير والتحايل بسببها لجرّ أرباح غير قانونية من خلالها.

ومن هنا نصّ القرآن الكريم على مبدأ خلافة الانسان لله، وأنّه الخليفة المؤتمن على ما استخلفه عليه، وأنّه يحمل أمانة في عنقه للمالك الحقيقي، وهو الله سبحانه وتعالى.

ومن يجد نفسه أميناً للمالك لا يسوغ له أن يتصرّف في ما استؤمن عليه كيف شاء وكيف رغب، بل سوف يجد نفسه تابعاً للمالك الحقيقي بالضرورة، ومنقاداً لقوانينه لا محالة، ومنها: القوانين والحدود الأخلاقية، التي تتحكم في كلّ تصرّفات الإنسان، ولا سيّما في ما اعتبر فيه أميناً في الحقيقة، وإن سمّي هذا تمليكاً؛ وذلك لكونه تمليكاً اعتبارياً، وهو في الواقع يعدّ اختباراً للإنسان، وإعطاء لفرصة التصرّف، لينظر المالك كيف يعمل هذا العبد الممتحن، قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} (يونس: 14).

إنّ التغافل أو الغفلة عن هذا الرصيد الحقيقي والخطير للملكية يُدخل الإنسان في فخّ الطمع، والشعور بالأصالة، والإحساس بالخلود، كما قال الله تعالى: {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} (الهمزة: 3).

إنّ الطمع والحرص ذلّ معجّل ورذيلة أخلاقية، قال عنها الإمام علي×: «ثمرة الطمع ذلّ الدنيا والآخرة»([31]).

والذي يجرّ الإنسان إلى الحرص والطمع في عالم المادّة هو حبّه للدنيا الدنية، التي تتلخص في لذائذ هذه الحياة المادية، ولا يرتبط الإنسان فيها بحياة أكبر وأوسع وأدوم وأكبر حيوية ونشاطاً.

وإنّ توجه الإنسان إلى تلك الحياة، التي قال الله عنها: {وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} (الأعلى: 17)، يجعل الحياة الدنيا ميداناً للاستباق إلى العالم الآخر، والحياة المُثلى هي التي ترتكز على الانقطاع عن الدنيا وملاذها، والإقبال على الحياة الأبدية الخالدة، وتوفير كلّ مقدّمات الوصول إليها. قال أمير المؤمنين×: «ألا وإنّ اليوم المضمار، وغداً السباق، والسبقة الجنّة، والغاية النار…».

5ـ عدم وجود الجهاز الرقيب وفقدان الرقابة اللازمة

إنّ المؤسسات الاقتصادية تتحلّى بالقدرة على ممارسة أعمالها في ظلّ جهاز سياسي وإداري يحكم البلد ويوفّر الأمن له.

والدولة ـ كما تقدّم هذه الخدمة للمؤسسات التجارية ولكلّ مواطن ـ تتمتع بجملة من منافع وأرباح هذه المؤسسات الاقتصادية؛ لأنّها بحاجة إلى ضرائبها التي توفّر للدولة الرصيد اللازم لتقديم الخدمات لها. فهنا خدمات متبادلة بين الدولة والمؤسسات التجارية، تستدعي أن تقوم الدولة بتوفير جانب آخر لهم، يضمن للمؤسسات استمرار نشاطها بكلّ قوّة، وهو الرقابة العامة على النشاط الاقتصادي؛ لئلا تنحرف المؤسسات التجارية عن مسارها الطبيعي الذي يضمن لها سلامة نشاطها، ويحول دون هروب المؤسسات والأفراد عن واجب دفع الضرائب الأساسية، التي تتوقّف عليها حياة الدولة والجهاز الإداري الذي يحكم البلد. وربما يساهم عدم توفّر الجهاز الرقيب في انتشار المظاهر اللاأخلاقية في ميدان الاقتصاد، كالارتشاء، والحيل، والتزوير، الذي ينتهي بالمؤسسات إلى دمارها واضمحلالها.

6ـ الفقر الثقافي (هبوط المستوى الثقافي والمعيشي)

حين يهبط المستوى الثقافي في المجتمع تأخذ أنواع الحيل طريقها إلى مكاسب الناس. وتنمو الأساليب الخدّاعة حين تجد فرصة للظهور والنمو، وذلك عند تدنّي وهبوط المستوى المعرفي والثقافي عند الناس.

وعندما يتعرف أبناء المجتمع على حقوقهم وحقوق المؤسسات التجارية بشكل واضح وشفّاف، وتتضح مسؤولية كلّ فرد وكلّ جهة قبال الآخرين، ولا تبقى نقاط مبهمة في ما يجب وما لا يجب، وفي ما يحسن وما يقبح من أنشطة ومعاملات، فحينئذ يأمن الناس بعضهم بعضاً، وتسير قافلة المجتمع الاقتصادية بأمان، وتبلغ شاطئ السلام، دون ريبة أو تردد وتأرجح.

7ـ تعلل المؤسسة الاقتصادية في الالتزام بواجباتها

إنّ عدم الالتزام بالواجبات التي تفرض على المؤسسة قبال زبائنها وعمّالها والعناصر الدخيلة في استمرار نشاطها وقوّة فاعليّتها سوف يجرّ العاملين والمتضرّرين إلى أنواع التحايل؛ من أجل أن يستوفوا حقوقهم منها، إنّ لم يتمكّنوا من استيفائها بالشكل القانوني وبسهولة مطلوبة. هذا فضلاً عن أن التخلّف عن الالتزامات القانونية هو عمل غير أخلاقي، وخروج عن المسؤولية التي هي على عاتق المؤسسة التجارية.

طرق التخلّص من مشكلة التحايل والتزوير

إنّ الوقاية هي خير من العلاج دائماً. ومن هنا كان لزاماً علينا في هذا البحث ـ بعد التعرّف على المشكلة، وأسبابها، ومناشئها، ومجالاتها، وآثارها، ومضارّها ـ أن نقدّم الحلول الممكنة؛ للحيلولة دون وقوع التحايل في النشاطات الاقتصادية التجارية، أو تقليل وقوعها.

1ـ إعداد نظام كامل لاختيار العناصر الإنسانية الكفوءة

يعتبر العنصر الإنساني هو الركن الأول من أركان نجاح أية مؤسسة أو شركة. وإن كانت هذه العناصر التي تتكون منها المؤسسة كفوءة من كلّ الجهات، من حيث الخبرة، ومن حيث القابليات المهنية والالتزامات الأخلاقية، فسوف تنخفض ميزانية كثير من الخدمات التي تكون المؤسسة بحاجة ماسّة إليها، حين يهبط مستوى الكفاءة عند العاملين، ويهبط مستوى الشعور بالمسؤولية لديهم.

وسوف تؤدّي الكفاءة المهنية والأخلاقية دورها في تحسين الإنتاج، وارتفاع مستوى الدخل للمؤسسة التجارية. ويكفي لذلك مطالعة كتاب ديل كارنجي، الذي كتبه عن النتائج الكبرى التي يجلبها حُسن الخُلق في كتابه الشهير «كيف تكسب الأصدقاء؟». وقد دلّت الأحاديث الواردة عن الرسول وأهل بيته^ على هذه الحقيقة، مثل: قوله’: «حُسن الخُلق مجلبة للرزق».

2ـ الاهتمام بحفظ الكفاءات البشرية الماهرة والنشيطة

كلما كانت المؤسسة أقدر على حفظ الكفاءات الماهرة، والعناصر الإنسانية الملتزمة، التي تشعر بالمسؤولية الأخلاقية تجاه العمل والمؤسسة والزبائن، كانت أقدر على حفظ نفسها وحفظ مستقبلها وتقدّمها وضمان تطوّرها. وهذه القدرة متفرّعة على الاعتراف بهذه الكفاءات، وبحقوقها المادية والمعنوية التي تستدعي عدم التعامل معها كمعاملة المؤسسة مع سائر وسائل الإنتاج؛ فإنّ الإنتاج والاستثمار هو من أجل خدمة الإنسان، وليس الإنسان في خدمة الإنتاج. فالثروة وسيلة لا غاية، والناس هم الغاية التي تخدمها المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية؛ من أجل سدّ حاجتهم، وتحقيق رغباتهم في هذه الحياة.

إنّ تطوير ثقافة العاملين في المؤسسة الاقتصادية ـ سواء كانت الثقافة مهنية أم أخلاقية ـ، إلى جانب حفظ حقوقهم، وشعورهم بأنّ المسؤولين يحرصون على الالتزام بالعدل والموضوعية فيما بينهم، واحترامهم بمستوى تحقيق الكرامة التي خصّهم الله بها، والصدق في التعامل معهم برفع الكفاءة المطلوبة أخلاقياً ومهنياً وأمنياً، بحيث يشعر العامل بالأمن في مجال عمله، وأنّه غير مهدّد بسلب عمله وحقوقه، سوف يجعله حريصاً على حفظ هذا الموقع الذي ارتقى إليه. وبذلك تعود نتائج هذا الشعور بالأمن وبالعدالة والسلامة في العمل على المؤسسة نفسها، وتظهر في صورة استقرار المؤسسة الاقتصادية، وتطوّرها، وتكاملها، والحصول على الشعبية المطلوبة في المجتمع، ممّا يؤدّي إلى كسب زبائن جدد. وهذا الرصيد الاجتماعي يعود على المؤسسة بقيم مادية ومعنوية كبيرة.

إنّ تحديد وظائف كلّ عامل في المؤسسة أوّلاً، وبيان مجالات إبداعه وخلاّقيته في العمل ثانياً، ودعمه في تحقيق واجباته والوفاء بها ثالثاً، والاهتمام بمتطلبات عمله وما يتوقّف عليه حفظ كرامته وإنسانيته رابعاً، يشدّ العاملين إلى عملهم وإلى مؤسَّستهم. كما أنّه يؤدّي بالزبائن إلى الالتفاف حول هذه المؤسسة التي تلتزم بكلّ الضوابط والأصول القانونية، التي يمكنهم من خلالها تقسيم أعمال المؤسسة، وتقييم مستقبلهم من خلال التعامل معها؛ لأنّها تضع كلّ شيء في موضعه، وتتجنب أي عمل محظور في القانون والقيم الأخلاقية في التعامل.

3ـ الالتفات إلى متطلبات العاملين مختلفي الجنسية

إنّ المؤسسات التي تتسع دائرة العاملين فيها إلى الجنسيات المختلفة لابد لها أن تلاحظ متطلّبات كلّ جنسية، من حيث الخصائص الثقافية والأخلاقية والدينية التي تحملها كلّ جنسية معينة، بحيث تكون قادرة على احتواء كلّ هذه المجاميع المتنوّعة مهما كانت توجّهاتها والتزاماتها.

4ـ الإدارة الناجحة

إذا كانت اللجنة الإدارية للمؤسسة الاقتصادية لم تبلغ في نضجها وأساليبها المستوى المطلوب في الإدارة فإنّها سوف تؤثّر على العاملين فيها تأثيراً سلبياً، ينتهي إلى سخطهم وفقدانهم الثقة بها، ممّا يزعزع أركان الاستقرار والرقي لهذه المؤسسة الاقتصادية.

5ـ نشر وترويج أخلاق وآداب التعامل التجاري

إنّ تعميم القيم الأخلاقية اللازمة في ميدان الكسب والتعامل التجاري للموظفين والعاملين والمدراء، وتغيير رؤيتهم إلى المال والمادة من الأرباح العاجلة إلى الأرباح الآجلة، ومن المدى القصير إلى المدى الطويل، ومن المصالح والنتائج المادية القريبة المنال إلى المصالح الحقيقية البعيدة المدى، والتي تعود على المؤسسة وعلى المجتمع وعلى العاملين وعلى الزبائن بالنتائج المقبولة والمطلوبة لديهم جميعاً، كفيلٌ باستمرار عمر هذه المؤسسة ونموّها وتطوّرها.

النتائج والمقترحات

إنّ التحايل سلوك غير أخلاقي، سواء كان على الصعيد الفردي أم الاجتماعي، وله آثاره السلبية الواضحة، ولا سيّما في عصر العولمة، الذي لا يبقى فيه شيء تحت الظلام، وإنّما ينكشف فيه كلّ شيء لكل أحد. فأيّ انحراف في التعامل عن القيم والقوانين المقبولة إنسانياً وعالمياً يعتبر تهديداً حقيقياً للفرد وللمؤسسة التجارية بلا ريب.

إنّ الاهتمام بالبحث عن أبعاد التحايل ومصاديقه وأسبابه ونتائجه يعدّ موضوعاً مهمّاً في حقل الأخلاق المهنيّة. كما أنّ الاهتمام ببيان الآثار السلبية للتحايل على المستوى الأخلاقي والحقوقي والاقتصادي والاجتماعي، وما يترتب على ذلك من مسؤوليات قانونية، يعتبر جزءاً من مهمة الباحث الأخلاقي المهني. ومن هنا نجد أن الدين الإسلامي قد اهتمّ بشكل بالغ بأخلاق وآداب الكسب والتجارة، وبيّن ما يحرم وما يستحب وما لا يحرم في مجال الكسب والتعامل التجاري، كما بيّن الآثار الفقهية التي تترتب على الغرر والتغرير، وأعطى الضمانات اللازمة للمغرّر به، وبيّن تبعات التغرير التكليفية والوضعية، وما يستحقّه كلّ من الغارّ والمغرّر به؛ حفظاً للفرد والمجتمع الإنساني من أضرار السلوك اللاأخلاقي، الذي يحيق بالمجتمعات، ويؤدّي إلى انهيارها.

ومن هنا يمكن أن نقترح ما يلي:

1ـ إنّ توقّي المجتمع والمؤسسات الاقتصادية من هذا الخطر الذي يهدّد المؤسسات يستدعي اهتمام المؤسسات التجارية بعلم أخلاق التعامل والأخلاق المهنية بشكل خاص.

2ـ إنّ المؤسسات الاقتصادية ينبغي أن تدرس وتوفر عوامل نجاحها، ومنها: أخلاق التعامل والكسب المقبولة إنسانياً وإسلامياً.

3ـ من الضروري أن يتعرّف الناس على المؤسسات التي لا تلتزم بالأصول الأخلاقية. كما أن من الضروري لكلّ مؤسسة اقتصادية أن تتعرّف على العناصر والكوادر التي لا تلتزم بالأصول الأخلاقية.

4ـ من الضروري أن يكون لكلّ مؤسسة نظام واضح في التعامل والتبادل التجاري، تتعرّف عليه الكوادر العاملة، ويتعرّف عليه الزبائن وأطراف التعامل مع المؤسسة، ويؤمن به الجميع من مدراء وعمّال، وكذلك سائر العناصر التي تقوم المؤسسات عليها، أو ترتبط بها.

5ـ إنّ وجود مؤسسة أو جهاز للرقابة يرصد المؤسسات والأفراد في كيفية تعاملهم، ويرصد مدى الالتزام بالقوانين الإنسانية والإسلامية، لهو أمرٌ ضروري في عالمنا المعاصر.

الهوامش

(*) طالب دكتوراه في فرع «فقه ومباني حقوق إسلامي»، جامعة طهران.

(**) أستاذ الدراسات العليا في جامعة المصطفى’ العالمية.

([1]) انظر: محمد حسن النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 22: 301، بيروت، دار إحياء التراث العربي، الطبعة السابعة؛ والأنصاري، المكاسب المحرّمة والخيارات، دار الكتاب، 1381؛ الشهيد الثاني، فوائد القواعد 1: 533، مركز انتشارات دفتر تبليغات إسلامي، قم؛ الدربندي الشيرواني، خزائن الأحكام، الطبعة الحجرية، 1284هـ؛ الموسوي البجنوردي، القواعد الفقهية 1: 299، نشر الهادي، قم، 1421هـ؛ الحسيني المراغه اي، العناوين 2: 440، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثانية، 1425هـ؛ طالبي، قاعده غرور وموارد استناد به آن در مذاهب خمسه، رسالة دكتوراه، بإشراف: الدكتور أبو القاسم گرجي، كلية الإليهات، جامعة طهران؛ محسن صفري، قاعده غرور وتتبع آن در حقوق إيران، رسالة ماجستير، بإشراف: الدكتور حسين ميقاتي، كلية القانون، جامعة طهران؛ حيدر أمير پور، مسؤوليت مدنى غار در فقه وحقوق موضوعه، رسالة ماجستير، بإشراف: الدكتور علي مظهر قراملكي، كلية الإلهيات، جامعة طهران.

([2]) responsibility

([3]) انظر: آذرتاش، فرهنگ معاصر عربي ـ فارسي: 273، طهران، نشر ني، الطبعة الثانية، سنة 1381، مادة (س.ا.ل).

([4]) فرامرز قراملكي، أخلاق حرفه اي: 222.

([5]) عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد 1: 743، بيروت، دار إحياء التراث العربي.

([6]) فرامرز قراملكي، سازمان هاى أخلاقي در كسب و كار: 220.

([7]) jurisprudential responsibial responsibility

([8]) جعفري، لنكرودي، مبسوط در ترمنولوژي حقوق: 642، طهران، گنج دانش، الطبعة الرابعة، إسفند 1382هـ ش.

([9]) الخميني، البيع: 335 ـ 336، مطبعة مهر، قم.

([10]) إبراهيم أنيس وآخرون، المعجم الوسيط، مادة (د.ل.س).

([11]) البجنوردي، القواعد الفقهية 1: 269، قم، نشر الهادي، 1419.

([12]) الحسيني المراغه اي، العناوين 2: 440.

([13]) عبد المجيد قائم مقامي، حقوق تعهدات 2: 227، طهران، جامعة طهران.

([14]) انظر: ابن منظور، لسان العرب 10: ذيل مادة «غر».

([15]) انظر: الحسيني المراغه اي، المصدر السابق 2: 310.

([16]) world trade orgnazation

([17]) انظر: سازمان هايي أخلاقي كسب و كار: 216.

([18]) المصدر السابق: 210.

([19]) المصدر السابق: 141.

([20]) انظر: راسل، ال، ايكاف، باز آفريني سازمان: 56.

([21]) intellectuial property rights

([22]) ويمكن التمثيل لذلك بأمريكن إكسپرس وفورد و.. (انظر: كالينـز جميز وبوراس جري، ساختن براي ماندن: 102.

([23]) ديويد فردآر، مديريت إستراتژيك: 60، ترجمة: علي پارسائيان ومحمد أعرابي، طهران، دفتر پژوهشهاي فرهنگي.

([24]) الكافي 1: كتاب العقل والجهل.

([25]) قال تعالى: ﴿وَلا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ (البقرة: 195).

([26]) محمد علي حقيقي وآخرون، مديريت رفتار سازماني 2: 219، طهران، ترمه، 1382.

([27]) المصدر السابق: 48.

([28]) انظر: عوالي اللآلي 1: 222، ح99؛ مكاسب الشيخ مرتضى الأنصاري 3: 41، طبعة مجمع الفكر الإسلامي، 1418هـ.

([29]) غرر الحكم، 4639.

([30]) نهج البلاغة، الخطبة 28.

([31]) ناصر ميرسپاسي، مديريت إستراتژيك منابع إنساني وروابط كار 22: 207، طهران، مدير، 1382هـ ش.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً