أحدث المقالات
تحول التفكير في المفاهيم يرتبط عضوياً بالسياقات الثقافية والاقتصادية والسياسية والسسيولوجية السائدة في كل مجتمع من المجتمعات البشرية. ومدرسة النجف ظلت ومازالت أهم حاضنة للاهوت والفقه الشيعي، وعادةً ما كان الشيعة خارج مؤسسة السلطة في دولة الخلافة الأموية والعباسية والسلطنة العثمانية، وطالما تعرض فقهاؤهم للمراقبة والاضطهاد والقمع، خشية ثوراتهم ومعارضتهم للخلفاء والسلاطين، فاضطروا للابتعاد عن التفكير الفقهي بالدولة ونظمها. الدعوة للدستور في مدرسة النجف وانتظم الفقه في الحوزات العلمية في المجال الفردي الشخصي، ولم يتجاوزه إلى مجال الحكومة والسلطة وتنظيمات الدولة. بموازاة ذلك تبلور موقف لاهوتي فقهي يسلب المشروعية عن أية دولة في عصر غيبة الإمام المهدي وهو الإمام الثاني عشر، ويصفها بـ «دولة الضلال». ولم تتقلص المسافة بين بعض الفقهاء والسلطان إلا في العصر الصفوي، حينما احتاج السلطان إلى الفقيه ليخلع المشروعية على دولته. لكن مدرسة النجف مكثت بمنأى عن ذلك. وفي العصور التالية ابتعد نادر شاه عن الفقهاء، لكن مع السلطنة القاجارية حرص بعض ملوكهم على تجسير العلاقة مع المرجعية الدينية، والحصول على دعمها، وخصوصاً في صراعهم المستمر مع الروس، وحاجتهم الماسة إلى تعبئة المجتمع وحثه على القتال، عبر فتاوى الجهاد. في منتصف القرن التاسع عشر ظهرت الدعوة إلى الدستور للمرة الأولى في الدولة العثمانية، عندما سعى مدحت باشا، مع جماعة من زملائه المفكرين إلى تحقيق هذه الفكرة، واستطاع في آخر الأمر أن يحمل السلطان عبدالحميد الثاني على إصدار القانون الأساسي، عقب توليه العرش، بعد خلع السلطان عبدالعزيز، والسلطان مراد؛ فصدر الدستور سنة 1876م، وتأسّس البرلمان الذي عرف بـ «مجلس المبعوثان» غير أن السلطان عبدالحميد لم يسمح له بالاستمرار في دورته الثانية؛ فأصدر في 13 فبراير/ شباط 1878م فرماناً بحل المجلس، وإلغاء الدستور. وفي اليوم الثاني أمر بإخراج النواب البارزين من اسطنبول، وإعادتهم إلى ولاياتهم، ومنذ ذلك الحين أخذ عبدالحميد يحكم الدولة على طريقته الاستبدادية، التي اشتهر بها واشتهرت به. وأقفل مجلس المبعوثان أبوابه لمدة ثلاثين عاماً؛ فمنذ تعطيله سنة 1878 لم يفتح ثانية إلا في العام 1908.

 تسرب الوعي الدستوري إلى بعض النخب في ولايات الدولة العثمانية، وكانت الحوزة العلمية في النجف تتجاوب مع المنعطفات السياسية الكبرى، ويتفاعل بعض تلامذتها وفقهاؤها مع الأصوات المنادية بالإصلاح السياسي، وخصوصاً بعد وفاة الميرزا محمد حسن الشيرازي في سامراء العام 1312 هـ الموافق 1895م، عندما عاد طلابه إلى النجف ثانية، ذلك أن الحوزة العلمية فيها لم تفتقد مركزيتها بهجرة الميرزا الشيرازي إلى سامراء، وتصدى للمرجعية اثنان من تلامذته بعد غيابه، هما محمد كاظم المعروف بالآخوند الخراساني (ت 1329 هـ/ 1911م) ومحمد كاظم اليزدي (ت 1337 هـ/ 1919م) وقد ازدهرت الحوزة العلمية في النجف في هذه الفترة بتوافد الطلاب الشيعة لها من إيران والهند وأفغانستان ولبنان وسورية.

 وطالما طغت الجداليات السياسية والفكرية في إيران على مشاغل الطلاب واهتماماتهم، لوثوق العلاقة بين المرجعية الدينية في النجف والمجتمع الإيراني، والارتباط العضوي للمقلدين الإيرانيين بفقهاء النجف، وتجاوب هؤلاء الفقهاء مع التطورات السياسية والاجتماعية في إيران. ففي الحوزة العلمية في النجف – لحظة المشروطة – جرى اصطفاف انشطر معه موقف المرجعية؛ فتبنى محمد كاظم الخراساني، وتبعاً له تلميذه محمد حسين النائيني، وغيرهما، موقفاً مؤيداً وداعماً للمشروطة، فيما ذهب محمد كاظم اليزدي إلى تأييد فضل الله النوري، ومن اصطف معه، في مناهضة المشروطة. ومثلما سادت الدعوة لتقنين عمل السلطة، ونادى بها معظم النخبة قبل المشروطة، إلى أن امتد التثقيف عليها إلى عامة المجتمع، انقسم الناس تبعاً للانقسام في مواقف الفقهاء حيال المشروطة سنة 1906، وباتت قضية المشروطة هاجساً نخبوياً وجماهيرياً شاملاً، انخرطت النخبة المدنية والدينية في الكتابة والخطابة والحديث عنه، إثباتاً أو نفياً.

وصدرت الكثير من المنشورات والرسائل والمقالات والكتب والمطبوعات المتنوعة لمعالجة هذه القضية. يمكن القول إن أخطر رسالتين صدرتا خلال هذه الضجة، وعبرتا بوضوح لا لبس فيه عن الموقف المندد والرافض، والموقف المؤيد للمشروطة، هما: «تذكرة الجاهل وإرشاد الغافل» لفضل الله النوري، المطبوعة سنة 1908 أي قبل مقتله بسنة و «تنبيه الأمة وتنزيه الملة» لمحمد حسين النائيني، المطبوعة سنة 1909.

ويبدو من عنوان الأخير لرسالته، أنه يشير إلى عنوان رسالة النوري، وينفي حكمها على دعاة المشروطة ومؤيديها، باعتبارهم «جاهلين… غافلين». يتلخص مفهوم المشروطة في تشكيل الحكومية على أساس دستور، ونظام برلماني، وتقييد سلطات الحاكم في إطار القانون. وكان الكاتب العثماني نامق كمال من أوائل من استخدم تعبيرات الدولة المشروطة «دولت مشروطه»، والإدارة المشروطة «إدارة مشروطه»، في كتاباته في القرن التاسع عشر، وهو يعني بذلك الحكومة الدستورية غير المستبدة. وكانت مثل هذه الحكومة توصف لدى الكتاب العثمانيين في ذلك العصر، بتوصيفات من قبيل: «مقيدة» و «معتدلة» و «محدودة». والقيد بمعنى الشرط، والمحدود هو المؤطر بحدود، أي بشروط. ويعتقد عبدالهادي الحائري أن هذه الكلمة وفدت من التركية، وأول من استخدم مصطلح المشروطة باللغة الفارسية، هو ميرزا حسين خان سبهسالار سنة 1868 حين كان سفيراً لإيران في الإمبراطورية العثمانية، إذ وردت هذه الكلمة في بعض التقارير التي أعدها ساعتئذ. مع أن النائيني يعتبر الحكومة وإدارة الدولة من مهمات الإمام المعصوم بحسب المنطق الكلامي، إلا أنه يرى أن إدارة شئون المجتمع المسلم، وتحقيق مصالحه، والدفاع عن حقوقه، مما لا مفر منه في زمن الغيبة، وقد وضع شرطين لشرعية هذه (الحكومة/السلطة) الإسلامية، هما عبارة عن: صياغة دستور يتضمن تعريفاً وافياً يحدد طبيعة السلطة وأغراضها وواجباتها وكيفية ممارستها، كما يميّز المصالح السياسية التي يجب على الحكومة العمل لإقامتها وحفظها، من المصالح الخاصة التي لا يحق لها التدخل فيها، كما يحدد صلاحيات الحاكم، ويعرف حقوق الشعب وحرياته، والحقوق الخاصة بكل طبقة من طبقاته، باعتبارها موافقة لمقتضيات الدين.

أحكام المراقبة والمحاسبة على الحاكم، من خلال جميع أفراد المجتمع المسلم، ومن خلال إيجاد مجلس أو هيئة. ويعتبر أعضاء هذه الهيئة ممثلين للشعب، وقوته العلمية، والمجمع الرسمي للهيئة هو مجلس الشورى الوطني… يلزم أن يكون أعضاء الهيئات الرقابية، مثل مجلس الشورى، مسئولين أمام الشعب عن أعمالهم، وظيفتها الحيلولة دون حصول أي تجاوز أو تفريط من قبل الحاكم في سلطته وواجباته ومنع تحولها إلى ملوكية. هذه الهيئة (المسددة) بحسب تعبيره تحل (محل العصمة، بدرجة ما) التي افتقدها المعتقد الإمامي بسبب غيبة الإمام المعصوم. هكذا تنخرط مرجعية النجف في رهانات الدستور وترسم الرؤية السياسية للنائيني إطاراً بديلاً للسلطة، يحدد الملكية ويقيد صلاحياتها المطلقة، ولا يسمح لها التعسف في السلطة. وما لبثت رسالة النائيني «تنبيه الأمة وتنزيه الملة» التي دوّنها في النجف، أن تحولت إلى نص محوري في جدل الدين والدولة في إيران الحديثة والمعاصرة.

 ويشير محمد إسماعيل المحلاتي المعاصر للنائيني إلى أن حكم الفقيه لم يكن مطروحاً للنقاش، فلم يسأل أحدٌ عن ذلك، ولم يتحدث فقيه عنه، ما كان مورداً للسؤال هو الاستبداد، ومشروعية تحديد السلطة وتقييدها بدستور يحد منها، ويعطي الشعب حقاً في الرقابة عليها. وينفي الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني (ت 1361 هـ)، وهو من أبرز الفقهاء والأصوليين والحكماء في الحوزة العلمية في النجف في النصف الأول من القرن العشرين، أن تمنح درجة الاجتهاد والتفقه في الشريعة تأهيلاً خاصاً للقيادة والرئاسة وتنظيم البلاد وإدارتها، «ذلك أن الفقيه بما هو فقيه، أهل النظر في مرحلة الاستنباط، دون الأمور المتعلقة بتنظيم البلاد، وحفظ الثغور وتدبير شئون الدفاع والجهاد، وأمثال ذلك، فلا معنى لإيكال هذه الأمور للفقيه بما هو فقيه، وإنما فوض أمرها إلى الإمام عليه السلام، لأنه عندنا أعلم الناس بجميع السياسات والأحكام، فلا يقاس بغيره ممن ليس كذلك».

التفكير بالدولة في المدونة الفقهية بمدرسة النجف في النصف الثاني من القرن العشرين، مع الشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيدالشهيد محمد باقر الصدر، ينتقل التفكير بالدولة إلى المدونة الفقهية، ولا يقتصر التبرير الفقهي على مشروعية تدوين الدستور، وإنما يتمدد ويتسع، بنحو لا تكتسب معه الدولة مشروعيتها إلا إذا أصبحت دولة إسلامية بشكلها ومضمونها، بمعنى أن نظام الحكم والإدارة فيها ينبغي أن يكون منبثقاً عن الميراث الفقهي، وهكذا يكون نمط النظام الاقتصادي، وتداول الثروة، والنظام المصرفي والنقدي والتربوي، وكل ما يتصل ببناء الدولة وترسيخها، من نظم وتشريعات وقوانين، ومؤسسات ومجالات متنوعة، ينبغي أن تتسلم الأحكام الشرعية التي تغتني بها المصنفات الفقهية، ويستنبط ما يستجد منها في إطار الأصول والأدلة والمدارك المقررة في الاستدلال الفقهي. فظهرت طائفة من الكتابات تعالج هذه القضايا، وتتحدّث عناوينها عن نظام الحكم والإدارة في الإسلام، واقتصادنا، ونظام العمل وحقوق العامل في الإسلام، والنظام المالي وتداول الثروة في الإسلام، والبنك اللاربوي في الإسلام… الخ.

في سنة 1954 كتب الشيخ محمد مهدي شمس الدين «نظام الحكم والإدارة في الإسلام»، وصدر في بيروت 1955، يتمحور الكتاب حول التدليل على أن الإسلام دين ودولة، وأن الحكومة جزء من التشريع الإسلامي، وهي إنما تتحقق بالنص وليس بانتخاب أو اختيار البشر، فيقول: «نحن في الإسلام نملك نظاماً للحكم والإدارة هو نظام محكم في ظل سلطة دينية وزمنية معاً»

في العام 1959 كتب السيد الشهيد محمد باقر الصدر نصاً محدود التداول، أتاحه لأعضاء حزب الدعوة الإسلامية، بمثابة أصول ومصادر إلهام للدستور الإسلامي، يتضمن تسعة أسس، يتحدّث في الأول منها عن المعنى اللغوي والاصطلاحي لـ «الإسلام»، والثاني عن أقسام «المسلم»، والثالث عن مفهوم «الوطن الإسلامي»، والرابع عن أنواع «الدولة الإسلامية»، والخامس عن ماهيتها وحقيقتها، وكون «الدولة الإسلامية دولة فكرية»، والسادس عن «شكل الحكم في الإسلام»، والسابع عن «تطبيق الشكل الشوري للحكم في ظروف الأمة الحاضرة»، والثامن عن «الفرق بين أحكام الشريعة والتعاليم»، والتاسع هو توضيح أن «مهمة بيان أحكام الشريعة وتعيين القضاة ليستا من مهام الحكم».

وهذا النص برغم أنه لا يتجاوز خمس عشرة صفحة، غير أنه وثيقة بالغة الأهمية، لتعبيره الصريح عن البناء العضوي لمفاهيم الدولة الإسلامية، والتشديد على الصلة العضوية بين هذه المفاهيم والكتاب والسنة والموروث الفقهي. واهتم الصدر بصياغة رؤية نظرية فقهية، حيال الاقتصاد في الجزء الثاني من كتابه الذائع الصيت «اقتصادنا»، الصادر سنتي 1959-1960 في النجف.

كما حاول أن يبلور موقفاً فقهياً نظرياً تجاه المعاملات المالية والنظام المصرفي وإيداع النقود وتداولها، في كتابه «البنك اللاربوي في الإسلام»، الصادر مطلع السبعينيات من القرن الماضي، مضافاً إلى اهتمامه بالنظرية السياسية في الإسلام، والأطر الدستورية الفقهية للدولة الإسلامية، في سلسلة تتكون من ستة كتيبات، صدرت العام 1979 مقارِنةًً لانتصار الثورة الإسلامية، وتناول من منظور قرآني فقهي شكل الحكومة الإسلامية.


عودة التفكير بالدولة خارج المدونة الفقهية

كان الشيخ محمد جواد مغنية، أحد الفقهاء الذين تخرجوا من النجف، وعرفوا بغزارة الإنتاج الفكري، قد أصدر أيام الثورة الإسلامية في إيران العام 1979 كتاباً عرض فيه تصوراته الفقهية بشأن الدولة الإسلامية، أوضح فيه أن مهمات الدولة لا تنحصر في الأحكام الدينية، ولا نص في كثير من القوانين الاجتماعية، ما يدل على تفويضها للعرف والعقلاء.

ومنذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي صدرت آراء شفاهية وتصريحات للشيخ محمد مهدي شمس الدين تؤشر إلى أنه أضحى يفكّر بدولةٍ خارج المدونة الفقهية، لكن تجلى بوضوح التحول لديه والإقلاع عن موقفه السابق في كتابه «نظام الحكم والإدارة في الإسلام» بعد صدور الطبعة الثانية الموسعة المنقحة من هذا الكتاب العام 1990، إذ استبعد ما لا ينسجم مع تفكيره الجديد، وعزّزه بمباحث كشف فيها عن موقف آخر، يختلف مع رؤيته السابقة. وأشار بوضوح إلى عدم توفر دليل في الإسلام يحدّد شكل نظام الحكم، فصرح «ليس في جميع ما استدل به الشيعة ما يتضمن تحديداً لنظام الحكم بعد النبي محمد (ص) وإنما تعيّن النصوص (الإمام/الخليفة) بعد النبي».

في العقدين الأخيرين لمدرسة النجف تمثل كتابات شمس الدين في الفكر السياسي رؤية اجتهادية مواكبة للحياة، ومتطلبات الاجتماع السياسي الإسلامي الشديدة الالتباس والتعقيد والتنوع، وتخلص رؤيته إلى ابتكار مفهوم سياسي يحاكي الديمقراطية وينسج على نموذجها في الحكم، فيستوعب ما يتصل بالإرادة الشعبية والانتخابات والتداول السلمي للسلطة، وما ينطوي عليه النظام الديمقراطي من حقوق وحريات، ويسمي شمس الدين ذلك بـ «ولاية الأمة على نفسها».

وتجلّت بمرور الأيام مفاهيم شمس الدين، وأضحى يتحدث عن الديمقراطية، باعتبارها الخيار الوحيد للمجتمعات الإسلامية، ولم يعد هناك ما هو ديني أو مقدّس في الدولة، بمعنى أنه يقدّم تفسيراً مغايراً لمفهوم الدولة، لا يرتبط بالسماء، وبالتالي تنتقل مشروعية السلطة في نظره، من السماء إلى الأرض، فهو يعتقد «في الإسلام مشروع الدولة كله مشروع غير مقدس، ليس لأنه مشروع مرفوض، ولكنه مشروع ناشئ من طبيعة الوظائف التي تقوم بها الدولة وهي ليست مقدسة في ذاتها في الفكر وفي الفقه الإسلاميين. وإنما المطلق والمقدّس والأساس من وضع له الشرع والشريعة، أي الأمة والدولة بالشأن التنظيمي العام للمجتمع. الأمة هي مقدّسٌ بالمعنى الذي ذكرناه، والدولة هي مؤسسة ذات وظيفة من مؤسسات الأمة».


السيستاني وكتابة الدستور

وبعد الاحتلال الأميركي للعراق، وسقوط نظام صدام عاد للنجف من جديد ألقها، وأصبحت محجّةً للسياسيين، وحرص رجال الحكم على التواصل مع المرجع السيد علي السيستاني، وحسم آرائهم في القضايا البالغة الأهمية، بالاعتماد على ما يقوله هو أو يحرّره مكتبه، مثل تدوين الدستور. فقد قررت سلطات الاحتلال تشكيل مجلس لصياغة الدستور، وتعيين أعضاء هذا المجلس، بالتشاور مع الجهات السياسية في العراق، ثم طرح الدستور بعد صياغته لاستفتاء شعبي، لكن السيستاني رفض ذلك، وشدّد على «أن تلك السلطات لا تتمتع بأية صلاحية في تعيين أعضاء مجلس كتابة الدستور… فالمشروع المذكور غير مقبول من أساسه، ولابد أولاً من إجراء انتخابات عامة، لكي يختار كل عراقي مؤهل للانتخاب من يمثله في مجلس تأسيسي لكتابة الدستور، ثم يجري التصويت العام على الدستور، الذي يقرّه هذا المجلس…».

ويكشف السيد السيستاني عن أن مرتكزات وأسس ومنطلقات النظام السياسي الجديد للعراق تقوم على «مبدأ الشورى والتعددية والتداول السلمي للسلطة، في جنب مبدأ العدالة والمساواة بين أبناء البلد في الحقوق والواجبات، وحيث إن أغلبية الشعب العراقي من المسلمين فمن المؤكد أنهم سيختارون نظاماً يحترم ثوابت الشريعة الإسلامية، مع حماية حقوق الأقليات الدينية».

منذ ثلاثة عقود بدأ التفكير بالدولة في مدرسة النجف يغادر المدونة الفقهية بالتدريج، حتى أني لم أعثر في العقد الأخير على أية كتابات، دوّنها المراجع والفقهاء في الحوزة العلمية في النجف، ترسم إطاراً فقهياً للسلطة والحكم والدولة ومؤسساتها، يتواصل مع الرؤية الفقهية النظرية للشهيد محمد باقر الصدر، ومحاولاته الجادة، التي بدأت بـ «اقتصادنا» واستمرت حتى الفترة الأخيرة من حياته في سلسلة «الإسلام يقود الحياة»، من أجل توطين مفهوم الدولة ونظمها السياسية والاقتصادية والمالية والمصرفية داخل المدونة الفقهية


Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً