أحدث المقالات

 

حيدر حب الله

 
 
 
تمهيد

من الواضح أنّ البحث الفقهي في شرعية الثورة على الأنظمة الفاسدة من الأبحاث الضرورية التي تحتاج إلى قراءة متأنية وواعية، لا تغرق في الانفعالات الحماسية ولا تخشى من الفعل والإقدام؛ وقد طرح الفقه الإسلامي هذا الموضوع، وتناولته المذاهب الإسلامية منذ القدم؛ واتخذت فيه مواقف بلغت حدّ التناقض.

وفي الوسط الشيعي، طرحت هذه القضية منذ زمن بعيد، لكن باختصار خضع ـ تارةً ـ للدراسات المتعلّقة بالمسألة الكلامية المتصلة بالإمام المهدي %، وأخرى بالمسألة السياسية المتصلة بموضوع التقية الذي حكم العقل الشيعي في غير مجال وصعيد، وقد سجلت جملة أدلّة لصالح كل فريق، بلغت ـ حسب تتبّعنا ـ ستة عشر دليلاً لصالح نظرية شرعية الثورة فقط، وكان من بينها ومن أبرزها الاستناد المرجعي لنهضة الإمام الحسين%، حيث شهد هذا الدليل تنشيطاً ملحوظاً في القرن الماضي.

بدورنا، سوف نحاول في هذه الوريقات تحليل هذه الثورة بما يتصل بهذا الموضوع؛ لنرى هل تعطي هذه النهضة تبريراً شرعياً لممارسة آلية الثورة ضدّ الأنظمة الجائرة، أم هناك ما يمنع عن توظيف هذه الحركة التاريخية الكبرى في مثل هذه الحالات؟ وإذا كان الجواب إيجابياً فمن الضروري تحديد المَدَيَات التي يعطيها هذا الدليل في نطاق حالات فساد الأنظمة أو جورها أو انحرافها، وحتى لو لم يثبت صحّة الاستدلال بهذا الدليل، فلا يعني ذلك فساد نظرية الثورة ضدّ الأنظمة الفاسدة، تبعاً لما يراه الفقيه على مستوى سائر الأدلّة المطروحة أو التي يمكن أن تطرح في هذا الموضوع البالغ الأهمية.

من هنا، كانت الصيغة الأوّلية للاستدلال بهذه الحركة؛ فثورة الإمام الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب % من المسلّمات التاريخية، كما أن صاحبها من أئمة أهل البيت (، وقد كانت خروجاً على السلطان يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، نتيجة الانحراف الذي حلّ بالسلطة والخلافة، فتكون من أقوى الأدلّة ـ سنداً ودلالةً ـ على جواز الخروج الدموي ضدّ النظام الفاسد.

 

المبرّرات الموضوعية لدراسة فلسفة الحركة الحسينية

والبحث في علاقة الثورة الحسينية بمسألة الخروج على الأنظمة الظالمة لا يمكن أن يأخذ طريقه الطبيعي بمعزل عن النظرية التي يكوّنها الباحث على مستوى تحليله لهذه الثورة نفسها وفلسفتها؛ لأنّ النظريات التي طرحت حول هذا الموضوع تلقي بظلالها على نتائج الاستناد إلى هذه الثورة في بحثنا الفقهي هنا.

ونحن نعرف أنّ فلسفة الثورة الحسينية لم توضع على نار حامية في الوسط الشيعي منذ زمن بعيد، بل إنّ بعض العلماء دعا إلى الإحجام عن دراسة هذا الموضوع واعتبره نوعاً من التكلّف، وأنّ اللازم إحالة الأمر إلى أهل البيت أنفسهم، لأنّهم معصومون([1])، وهذا الكلام ينطلق من الأصول الموضوعة المسلّمة في العقيدة الشيعية، ومن ثم فهو مشتبه من ناحيتين:

1 ـ إنّ الاعتقاد بعصمتهم لا يعني أنّ دراسة مبرّرات الثورة نحوٌ من الاعتراض عليهم، بل هو للتدبر في سيرتهم وسنّتهم التي هي مصدر تشريعي، نحاول من خلاله أخذ المؤشرات التي تدلّنا على الموقف الشرعي، وهذا البحث الذي نحن فيه خير دليل على أنّ تحليل الثورة الحسينية سوف يترك أثراً ـ ولو في الجملة ـ على نظرية سياسية هامة، هي نظرية الثورة على الأنظمة الفاسدة.

2 ـ إنّ تحليل الثورة الحسينية قد يساعد في الدفاع عنها أمام إشكالات غير الشيعة، ومن المعروف أنّه منذ قديم الأيّام كانت هناك انتقادات عنيفة ومتوسّطة العنف ضدّ الإمام الحسين في خروجه على يزيد، فأبو بكر بن العربي وابن حزم الأندلسي وابن تيمية وبعض إباضية الخوارج و.. وكثير من المستشرقين مثل فلهوزن، وجولدتسيهر، وسير وليام مور، ولامانس، انتقدوا الثورة بشدّة، وقلّة من المسستشرقين ـ مثل ماريني ـ أثنوا عليها([2])، فكيف يمكن مواجهة هذه الانتقادات التي تنطلق من مناخ عقائدي ومعرفي آخر، دون الإقدام على تحليل الثورة واكتشاف مبرّراتها ودوافعها ونتائجها؟! ولهذا وجدنا مثل السيد المرتضى (436هـ) يقوم بتحليل الثورة بهدف الدفاع عنها أمام الذين انتقدوها.

 
المشهد الشيعي التاريخي إزاء قراءة الثورة الحسينية

وعلى أيّة حال، فالقرن العشرين ـ وبالتحديد النصف الثاني منه ـ هو الذي شهد فتح باب الجدل في هذا الموضوع، وإلا فالشيعة قبل هذا التاريخ لم يتداولوا مسألة النهضة الحسينية ـ غالباً ـ سوى من زاوية تراجيدية لا يتم توظيفها في الإطار السياسي والنهضوي إلا نادراً، وقد لعب ظهور الإسلام السياسي الشيعي في الفترة الأخيرة بقوّة دوراً بالغاً في هذا التحوّل في قراءة الحركة الحسينية، مما دفع للانتقال من تفسير هذه الثورة مجموعةَ عناصر بكائية تراجيدية إلى توليفة من العوامل النهضوية والتغييرية، ويدلّنا على هذا الأمر عناوين المؤلفات التي كان يكتبها الشيعة حول الحسين، وهي مؤلفات تعجّ بالمفردات التراجيدية مثل: طريق البكاء، طوفان البكاء، عمّان البكاء، أمواج البكاء، رياض البكاء، مفتاح البكاء، منبع البكاء، مخزن البكاء، معدن البكاء، مناهل البكاء، مجرى البكاء، سحاب البكاء، عين البكاء، كنـز الباكين، مبكى العيون، مبكى العينين، المبكيات، بحر الدموع، فيض الدموع، عين الدموع، سحاب الدموع، ينبوع الدموع، منبع الدموع، دمع العين، مدامع العين، مخازن الأحزان، رياض الأحزان، قبسات الأحزان، مثير الأحزان، مهيّج الأحزان، نوحة الأحزان وصحيفة الأشجان، أحزان الشيعة، بحر الحزن، كنـز المحن، بحر الغموم، بحر الغم، قصص الغم، واحة الغموم، الهم والغم، مشرط الغم، كنـز المصائب، مجمع المصائب، وجيزة المصائب، إكليل المصائب و..

بينما شاعت في كتابات المتأخرين مفردات الثورة والحماسة والسياسة بشكل لافت من قبيل: في ظلال الحرية، زعيم الأحرار، الحسين حامل لواء الحرية، الحسين سيّد الأحرار، الحسين رمز الحرية، الملحمة الحسينية، ملحمة عاشوراء، ملحمة كربلاء، رجال الثورة، رسالة الحسين الثورية وظروفها الحرجة، ثورة الحسين، ثورة الطفّ، النهضة الحسينية، نهضة عاشوراء، الأهداف الاجتماعية عند الحسين بن علي%، تحليل دوافع ثورة كربلاء، الثورة الحسينية وأهدافها الاجتماعية، الثورة الخالدة و..([3]). وهذا كلّه يؤكّد غياب التفسيرات التحليلية لهذه الثورة قبل القرن العشرين في الوسط الشيعي.

ومن إفرازات التأثير السياسي على إعادة قراءة الحركة الحسينية، صدور كتاب «الشهيد الخالد» الذي ألّفه الشيخ نعمة الله صالحي نجف آبادي (2006م) عام 1970م، فقد شكّل هذا الكتاب منعطفاً في دراسة فلسفة قيام الإمام الحسين % في الوسط الشيعي، وقد أدى هذا الكتاب إلى صخب وجدال كبيرين في الوسط العلمي الشيعي، أفضى إلى تدخل بعض كبار الفقهاء ومراجع التقليد ضدّه، مثل السيد المرعشي النجفي والسيد محمد رضا الكلبايكاني و..

وقد كتب في ردّ هذا الكتاب مصنفات عديدة بعضها كبير الحجم، وكان من الناقدين: الشيخ لطف الله الصافي والشيخ رضا الأستادي و.. كما كانت هناك انتقادات ذات طابع أكثر هدوءاً، أبرزها ما علّقه كل من الدكتور علي شريعتي والشيخ مرتضى مطهري و..

ولم يصدر موقف من بعض الشخصيات الهامة آنذاك، سيما الإمام الخميني، الذي اعتبر أن الموضوع أشغل الحوزة عن قضايا كبرى، كما كان هناك من يرى أن للمخابرات الإيرانية التابعة للشاه (السافاك) دوراً في تأجيج الفتنة([4]).

على أية حال، منذ 1970م بالتحديد، ظهرت قفزة هامة في تاريخ دراسة الشيعة لفلسفة الثورة الحسينية، وتبلورت العديد من النظريات، التي كان بعضها ضعيفاً جداً، وبعضها أكثر حضوراً وهيمنةً على العقل الشيعي، وقد كان الإسلام السياسي الشيعي ـ كما قلنا ـ بمدارسه قد لعب دوراً في إعادة قراءة ثورة الحسين %؛ لهذا وجدنا قراءات لهذه الثورة أيضاً في العالم العربي الشيعي، كان منها قراءات: السيد محمد باقر الصدر والسيد هاشم معروف الحسني والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد باقر الحكيم وباقر شريف القرشي والسيد محمود الهاشمي والشيخ محمد مهدي الآصفي والسيد محمد حسين فضل الله وغيرهم.

وعندما نتحدّث عن تأثير الحركة السياسية الإسلامية المتأخرة على إعادة قراءة هذا الموضوع؛ فلا ننفي وجود بعض الوقفات السابقة في هذا المجال، لعلّ من أقدمها وقفة السيد المرتضى (436هـ) في كتاب: تنزية الأنبياء، قيل فيها: إنّها كانت جواباً تنزّلياً منه لبعض من لم يكن يؤمن بالإمامة سلفاً([5])، كما كان لبعض العلماء والفقهاء وقفات متواضعة في ثنايا دراساتهم الفقهية، كما سيظهر للقارئ في مطاوي هذا البحث.

والبحث في ثورة الإمام الحسين % ومنطلقاتها ومديات تعميق هذه المنطلقات طويلٌ، وقد كتب في ذلك الكثير، بل قد تحدّث بعضهم عن وجود ثمانية مناهج علمية لدراسة الظاهرة العاشورائية([6])، وسوف نحاول هنا معالجة ما من شأنه أن يتصل بموضوعنا فحسب، وإلا خرجنا عن محور البحث ودخلنا في الاستطرادات.

 
نظريات في الثورة الحسينية

قبل البحث عن أبرز النظريات في تفسير ثورة الإمام الحسين %، والتي تتصل ببحثنا هنا، من الضروري أن نعرف أنّ بعض هذه النظريات لا يهمنا مدى صحّته وصوابه إذا حسمنا النتيجة التي يعطينا إياها على مستوى بحثنا هنا، فإذا كانت هناك نظرية ما لا تنتج إمكانية الاستدلال بثورة الحسين ولا عدمها، أي أنها ساكتة حول هذا الموضوع أو متساوية النسبة، فلا يهمنا تحديد صوابها من خطئها.

وعلى أية حال، فأبرز النظريات ذات الصلة بموضوعنا هنا هي:

 
1 ـ النظرية الغيبية الاختصاصية، أو اللامعقول الحسيني

يقصد بالنظرية الغيبية الاختصاصية التي لها حضور عند بعض علماء الشيعة([7])، أنّ الإمام الحسين % إنما انطلق في ثورته لأوامر غيبية خاصّة به وجهت إليه، فلم يهدف الحسين إسقاط الأنظمة ولا تأسيس دولة إسلامية ولا إحياء ضمير الأمّة ولا.. كل ما في الأمر أنه نظراً لعصمته وإمامته فقد تلقى أوامر غيبية لا نقدر على تقديم تفسير عقلاني لها، لا سياسياً ولا اجتماعياً ولا.. وأنه اندفع لتطبيق تلك التعاليم الربانية. نعم، ترتّب على ثورة الحسين أن حقّقت نتائج باهرة على أرض الواقع، فخلقت مدرسة الثورة في حياة المسلمين، وأسقطت ـ بعد حوالي سبعة عقود ـ سلطان بني أمية الجائر، لكنّ هذا كلّه لم يكن منظوراً للحسين % لحظة خروجه، بل المنظور له أوامر غيبية وجّهت إليه واختصّت به([8]).

من هنا، يمكن تسمية هذه النظرية، بالنظرية الميتافيزيقية، وتتميّز بأربع خصائص: 1 ـ الإمام الحسين شخص متعالٍ عن التاريخ والزمكانية. 2 ـ الثورة الحسينية حركة ما فوق تاريخية تأبى التحليل العقلاني. 3 ـ الموقف من الثورة هو موقف تسليمي كامل، فلا يمكن أن تكون أنموذجاً للآخرين. 4 ـ الإمام الحسين كان مأموراً بالشهادة وفق التقدير الإلهي([9]).

ومهما كانت هذه النظرية، فإن لها تأثيراً هائلاً على الفقيه والفقه الإسلامي، وهو أنها تجعل هذه الثورة من خصائص الإمام الحسين، فكما أنّ هناك أحكاماً وواجبات وتشريعات خاصة بالنبي كوجوب صلاة الليل عليه، كذلك كانت ثورة الحسين % تكليفاً خاصاً به غير متوجّه إلى غيره، ومن المعلوم أن مثل ذلك يعني تحييد الثورة الحسينية عن أن تكون مستنداً للاستدلال الفقهي، لا في أصل حدوثها ولا ـ ربما ـ في تفاصيلها ووقائعها؛ لأن خصائص المعصوم لا يستدلّ بها على أحكام شرعية في حقّنا، كما تقرر وقرّرناه في مباحث حجية الفعل من مسألة السنّة الشريفة.

وعليه، لا يصحّ الاستدلال بثورة الحسين % لإثبات جواز الخروج على الأنظمة الفاسدة.

 
1 ـ 1 ـ نظرية اللامعقول الحسيني، الأدلّة والوثائق

وربما نستشهد ـ لتبرير هذه النظرية ـ ببعض الشواهد والنصوص المتفرّقة، منها:

1 ـ ما ورد من طلب الإمام الحسين من والي المدينة ـ عندما طلب منه البيعة ليزيد ـ أن يستمهله فترة، فذهب % إلى مرقد النبي، وهناك غلبه النوم، فرأى النبيَّ في المنام، فطلب منه الحسين أن يأخذه إليه، فأجابه رسول الله: إن الله شاء أن يراك قتيلاً([10]).

فقد يفهم من هذا النص أن هناك اتصالاً غيبياً ما هو الذي حرّك الحسين للثورة، لا أنه كان يريد إسقاط الحكم، ولا أنه أخذ يقدّر الحسابات والأرباح والخسائر، ويقوم بدراسة سياسية ميدانية للموقف.. فهذا ما لا تشير إليه الرواية إطلاقاً، بل الموضوع يغلب عليه الطابع الغيبي غير القابل لإخضاعه لأبعاد عقلانية.

2 ـ ما جاء في حوار الحسين % مع أخيه محمد بن الحنفية، حيث اتفق معه على أن يفكّر الحسين بالأمر، ولا يسارع للخروج لأهل الكوفة بعدما علم من غدرهم بأبيه، ولما علم ابن الحنفية بخروج الحسين فيما بعد طالبه بالموضوع، فأجابه بأنه رأى رسول الله وأنه أخبره أنّ الله شاء أن يراه قتيلاً وأنه شاء أن يرى أهله سبايا([11]).

وهذا النصّ كسابقه أيضاً؛ يدلّ على أنّ ثمّة مشيئة إلهيّة خاصّة تعلّقت بحركة الإمام الحسين، وأنّه ما من تفسير يقف خلف هذا الأمر سوى هذه المشيئة الإلهيّة.

3 ـ ما جاء في بعض رسائل الإمام الحسين % لأخيه محمد بن الحنفية، من أنّ من لحق به استشهد، ومن لم يلحق به لم يُدرك الفتح([12]).

فهذا النصّ لا يدع مجالاً للارتياب في أنّ الحسين كان عالماً بالهزيمة بمعناها المادي، والذي تعبّر عنه كلمة الشهادة، ولا يعقل أن ينطلق شخص لتغيير واقع قائم وهو على يقين بأنّ الأمر سيؤول إلى الموت والهزيمة وعدم النجاح.

4 ـ ما جاء في حوار عبد الله بن جعفر أو مكاتباته مع الإمام الحسين، حيث ورد فيها أنّ الإمام أخبره بأنّه رأى رسول الله في المنام، وأنّه أمره بأمرٍ وهو ماضٍ إليه، وقد رفض الحسين إخبار عبد الله بن جعفر بمضمون الرؤيا التي رآها، وذكر له أنّه لن يحدّث بها حتى يلقى الله عز وجل، وفي بعض صيغ القصّة أنّه أخبره بموته([13]).

فهذا يدلّ أيضاً على هذا البعد الغيبي الذي يتصل بهذه القضيّة فيما تعطيه مسألة الاتكال على الرؤيا من دلالات، فلو كان هناك مبرّر عقلاني سياسي لذكره بدل الاعتماد على رؤيا رسول الله .

5 ـ ما جاء في بعض النصوص والكلمات، أنّ الإمام الحسين كان يردّ بعض الذين كانوا يطالبونه بعدم الخروج بأنّه سيستخير الله تعالى، كما جاء في ردّه على المسور بن مخرمة، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مطيع([14])، فلماذا لم يوضح لهم المبرّرات بدل أن يقول لهم: إنّه سوف يدعو الله لما فيه الخير وينظر في الأمر؟! بل لو فسّرت الاستخارة بما صار لها من معنى اليوم بين المتشرّعة لكان البُعد الغيبي أكبر وأوضح، وإن كان هذا المعنى بعيداً هنا([15]).

6 ـ إنّ إقدام الإمام الحسين % على تعريض نفسه للموت وهو يعلم بأنّه سوف يستشهد يعدّ ـ من الناحية الشرعية ـ إلقاءً للنفس في التهلكة، فيكون محرّماً، وهذا معناه أنّ هذا التصرّف من الإمام انطلق من خصوصية له، وإلا فلو لم يكن الأمر كذلك للزم الالتزام بارتكابه الحرام وتعريض نفسه للهلاك، وهو التزام غير مقبول إطلاقاً.

7 ـ ما جاء في حوار الإمام مع عمرو بن لوذان عندما التقاه بُعيد خروجه من مكّة عند بطن العقبة، فبعد أن ذكر له عدم الذهاب، أجابه الحسين % بالقول: mيا عبد الله! إنّه ليس يخفى عليّ الرأي ما رأيت! ولكن الله لا يُغلب على أمره..n([16])؛ فهذا كلام واضح في أنّه يستصوب موقف ابن لوذان، وأنّ ذلك لا يخفى عليه، لكنّه يتحرّك بمشيئة إلهية تكوينية لا تحكمها حسابات البشر في قضايا السياسة والمواجهة.

8 ـ حاول بعض العلماء أن يقارن بين ثورة الحسين وبين فقه الجهاد في الإسلام؛ فرأى أنّها تمتاز عن الجهاد العام في الشريعة؛ فهي لا تخضع لقانون سقوط وجوب الجهاد بزيادة عدد العدو عن الضّعف، وكذلك يشترط في الجهاد عدم ظنّ الهلاك دونها، والجهاد لا يجب على الشيخ الهرم والصبيّ الصغير مع أنّه شارك فيها هؤلاء، فهذا كلّه شاهد اختصاصها([17]).

9 ـ ما جاء في كلمات الإمام الحسين وهو في الطريق يتحدث عن كتابة الموت على ولد آدم مخطّ القلادة في جيد الفتاة، ويتكلّم عن أوصاله المقطّعة بين النواويس وكربلاء، وأنّه لا مفرّ عن يوم خطّ بالقلم([18])؛ فهذا كلّه شاهد أكيد أنّه كان يتجه نحو مصير مأساوي محدّد سلفاً، لا نحو مشروع إسقاط سلطة سياسية فاسدة.

فهذه الشواهد ـ وغيرها ـ تؤكّد هذا الأمر، وإلا لو كان لديه مخطّط سياسي اجتماعي لبيّنه لأقرب المقرّبين إليه وهو ابن الحنفية، ولم يستعض عنه بقضية الرؤيا التي رآها، كما يعبّر بعض أساتذتنا([19]).

 
2 ـ 1 ـ قراءة نقدية في نظرية التخصيص واللامعقول الحسيني

ويمكن أن تناقش هذه النظرية من جهات:

أولاً: إن هذه النظرية والنصوص التي تدعمها تعارضها نصوص أخرى، يقدّم لنا الإمام الحسين % فيها تفسيرات عقلانية لثورته، مثل النصوص التي يشير فيها إلى قضيّة الانحراف عن الحقّ، وإلى ترك المعروف، وفعل المنكرات و.. وجعلها أسباباً ودوافع لحركته، وهذه النصوص الكثيرة المتفرّقة كلّها تعارض هذا التفسير الغيبي المتعالي عن التعقيل والعقلانية([20]).

ومن نماذج هذه النصوص ـ عدا ما سيأتي ـ ما ورد في كلماته % التي يفسّر فيها مبرّرات ثورته، مثل ما رواه الطبري وابن الأثير وغيرهما في التاريخ عن أبي مخنف عن العقبة بن العيزار: إن الحسين خطب أصحابه..: «أيها الناس! إنّ رسول الله قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله، ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله وأنا أحقّ من غيري..»([21]).

فهذه الرواية تجعل حركة الحسين في هذا الإطار الذي أسّسه الرسول ، مما يمكّننا من الاستناد إليها للترخيص في مواجهة الظالم الذي يتصف بهذه الصفات المذكورة أعلاه، وهو غير خاص بعصر حضور المعصومين، بل يوجد بعدهم إلى يوم الدين.

وفي خطبة له % أنه قال فيها ـ وقد رويت لنا بالسند المتقدم ـ: «.. ألا ترون أن الحقّ لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه؛ ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً، فإني لا أرى الموت إلاّ شهادة، ولا الحياة مع الظالمين إلاّ برماً..»([22])، ووردت في مصادر أخرى مع تغيير «إلا سعادة»([23])، وفي بعض المصادر: «..مع الظالمين إلا ندامة»([24])، وفي بعضها: «إلا ندماً»([25]).

فالمعيار في هذه الثورة هو عدم القيام بالحقّ بل عمل السلطة بالباطل، وهو معيار كلّي عقلاني ومفهوم، يجعلنا قادرين على الاستفادة من هذه الثورة لتأسيس مبدأ في شرعية الثورات العسكرية المسلّحة ضد الأنظمة الفاسدة.

ثانياً: إنّ بعض النصوص المروية عن الإمام الحسين % مثل ما تقدّم، تفيد أنه كان يجعل نفسه مصداقاً لقولٍ عام صدر عن رسول الله ، فعندما يستشهد الحسين بقول جدّه في ضرورة مواجهة انحراف الظالم، فهذا معناه أنه يعتبر نفسه مصداقاً لعنوان كلّي وتكليف عام، وهو ما يبعّد احتمال الخصوصية([26]).

ثالثاً: إن النصوص المستدلّ بها هنا حتى لو ثبتت لا تدل على المطلوب؛ إذ لا ملازمة بين أن يعرف الإنسان أنه سوف يستشهد في ثورته وبين أن تكون هذه الثورة غير عقلانية وخاصّة به، فقد يقدّر مصلحةً للأمة في شهادته، فلا ملازمة بين الأمرين حتى عند الثوار الماديين فضلاً عن الدينيين، فعلم الإنسان بشهادته لا يعني عبثية حركته دائماً، بل يمكن تقديم تفاسير عقلانية لذلك([27])، وسوف نرى في النظرية الثالثة القادمة تفسيراً ممتازاً يجمع بشكل منطقي وعقلاني بين هذه الأمور كلّها.

رابعاً: إنّ غاية ما تدلّ عليه جملة النصوص المتقدّمة أو أغلبها، أنّ الإرادة الإلهية قد تعلّقت بشهادة الحسين، وهذا لا يعني أنّ هذه الشهادة غدت خاصّة به؛ بل هذا المدلول أعمّ من الاختصاص وعدمه، وإلا فنحن نعلم أنّ الإرادة الإلهية والمشيئة العليا الربانية قد اقتضت وقوع صلح الإمام الحسن، ومن المؤكّد أنّ الإمام الحسن بن علي قد علم بإلهامٍ من الله ـ بحكم إمامته وعصمته وفق المعتقد الشيعي ـ أنّ التكليف الشرعي يستدعي منه أن يوقع الصلح مع معاوية، لكنّ هذا لا يعني أنّ هذا الصلح ـ وأيّ صلحٍ مع البغاة ـ خاص بالمعصوم، ومجرّد أنّ النص بيّن لنا تعلّق المشيئة بشهادة الحسين وسبي نسائه لا يعني الدلالة الحصرية على أنّ أمراً من هذا النوع لا يمكن أن يتعلّق بغيره، وهذه نقطة بالغة الأهمية، ولا يوجد عندنا أصل اسمه أصالة الاختصاص بفعل الأئمة، وإلا فلو شككنا في أنّ فعلهم كان خاصّاً بهم أو تطبيقاً لحكم إسلامي عام للزم عند عدم إحراز الخصوصية أن لا نستدلّ بفعلهم، وهذا ما لن يقف عند الإمام الحسين % بل سيطال مجمل أفعال المعصومين إلا ما حصل يقين من الخارج بأنّ هذا الفعل ليس فيه أي خصوصيّة، ومعه لن يصبح فعل المعصوم حجّةً إلا في موارد قليلة، ولا نظنّ أنّ هذا مما يلتزم به صاحب هذه النظرية نفسه.

واستتباعاً لما تقدّم، فإنّ تعلّق المشيئة الإلهية قد يكون لأجل النهوض بالأمة وإحداث تغيير فيها عبر الشهادة نفسها؛ وهذا معناه ـ إذا أردنا استخدام التعبير الأصولي ـ محكومية هذه الأدلّة التي تدعم هذه النظرية لأيّ دليل آخر أو فرضية معقولة يمكن أن يقيمها الطرف الآخر؛ لأنّ هذه الأدلّة هنا تفيد تعلّق المشيئة بالشهادة، فإذا استطعنا أن نتعقل وجهاً منطقيّاً لإرادة الشهادة نفسها بحيث تكون الشهادة ذات دور في إحياء الأمة، فإنّ هذه الأدلّة لن تعارض تلك التفسيرات المعقولة، كما هو واضح؛ لأنّها سوف تفسر تعلّق المشيئة ولا تنفيه إطلاقاً.

خامساً: قد بحثنا في دراسة أخرى حول حجية الفعل النبوي([28]) ما توصّلنا من خلاله إلى أنّ المرجع عند الشك في اختصاص النبي بفعل وعدمه أن نحمله على عدم الاختصاص إلا في بعض الحالات القليلة التي فصّلنا الكلام فيها هناك؛ فإذا كان الشكّ في الاختصاص موجباً لعدم الاختصاص ـ إن صحّ التعبير ـ في الأفعال النبوية، فهو كذلك ـ بطريق أولى ـ في أفعال أهل البيت؛ لندرة الفعل الخصوصي عندهم نسبةً لما عند رسول الله، كما يظهر بمراجعة الأبحاث الفقهية والأصولية عند الشيعة والسنّة في هذا الموضوع.

فالجدير ذكره أنّ مسألة الأفعال المختصّة بالمعصوم والتي لا يمكن الاستناد إليها في الاجتهاد الفقهي مسألة طرحت في حقّ النبي$، وقد لا تجري في حقّ أهل البيت(؛ لعدم وجود خصائص معتدّ بها لهم، كما يصرّح بذلك بعض علماء الإمامية([29])، إلا ما قيل من بعض الأمور، مثل جواز الجنابة لعلي% و.. في المسجد وما شاكل ذلك([30])، إلا أنّ مراجعة خصائص النبي$ في باب النكاح من مصنّفات الفقه الإمامي تؤكّد لنا أنّ السائد بين الإمامية عدم وجود خصائص شرعية لهم، اللهم إلا خصائص في مقام الإمامة والولاية، وهذا بحثٌ آخر، وأمّا بعض الكتب المسمّاة بخصائص الأئمة، مثل كتاب خصائص الأئمة للشريف الرضي، فهي تحتوي على درر كلماتهم وروائع مقالاتهم([31])، لا أنّها تذكر الخصائص بالمعنى الفقهي والأصولي الذي نقصده هنا، نعم الخصائص التكوينية كالعصمة والعلم والكرامات و.. كلّها خارجة عن إطار بحثنا؛ لدخولها في مجال الخصائص الخارجية لا التشريعية.

وقد يستند للتعميم هنا ورفع الخصوصية بما دلّ من النصوص على أنّ الحسين قدوة ومصباح يقتدى به ويستضاء بنوره؛ كقول رسول الله : mالحسين مصباح الهدى وسفينة النجاةn([32])، فإنّ هذه النصوص ـ كما يقول السيد محمد باقر الحكيم ـ تريد أن تعرّف الحسين سلوكاً قابلاً للاقتداء، وهي من ثم ترفع الخصوصية المفترضة في أعماله([33]).

لكنّ الصحيح أنّه إذا قامت الشواهد على الخصوصية في هذا الفعل أو ذاك لم يعد يمكن لمثل هذه النصوص أن تقف في وجهها، فرسول الله ورد القرآن فيه بأنّه أسوة (الأحزاب: 21)، لكن مع ذلك كانت له خصائص تشريعية لا تشمل غيره، كما اتفق عليه المسلمون تقريباً، وأمّا إذا لم تقم الشواهد على الخصوصية هنا أو هناك، رجعنا إلى دليل حجية فعل المعصوم، وكان كافياً في المقام، وقد كنّا أشكلنا على الاستناد لمثل هذه الروايات ـ بشكل عام ـ في مسألة حجية فعل المعصوم، وقلنا: إنّها مفيدة لكن بقدر، فليراجع.

سادساً: إنّ الروايات التي تشير إلى استخارة الإمام الحسين لا تنفع هنا؛ لأن الاستخارة هي طلب الخير، فكأنه قال: سوف أسأل الله أن يكتب لي ما فيه الخير، وهذا ليس إغراقاً في الغيبية التي تنفي التفسير المعقول لهذه الحركة، فضلاً عن اختصاصها بالمعصوم، ويعزز هذا الكلام أنّه % ذكر في بعض هذه الروايات ـ كما في خطابه لابن عباس ـ: mأستخير الله، وأنظر ماذا يكونn، فهذا معناه أنّه كان يريد التأمل في هذا الموضوع، والتأمّل يقرّب الصورة من المشهد العقلاني، كما أنّ في بعض الروايات أنّه في النص نفسه الذي تحدّث فيه عن الاستخارة بيّن مبررات ذهابه إلى الكوفة، وأنّ إرسال الكتب إليه والرسائل تدعوه للتوجّه ناحيتها هو الدافع والمرجّح لذلك، كما جاء في مثل خبر الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي([34]).

وهناك احتمال يرد في بعض النصوص ـ لا جميعها ـ التي نجد الإمام الحسين % يأبى فيها الجواب عن سبب خرجوه أو يحاول التهرّب من الجواب بطريقة أو بأخرى، وهو أنّه قد لا يريد البوح لأيّ إنسان بمخطّطاته، وهذا عمل منطقي ومعقول يحافظ فيه على بعض السرية أحياناً في مشروعه.

سابعاً: إنّ الحديث عن مسألة إلقاء النفس في التهلكة يمكن الجواب عنه بما ذكره بعض العلماء الباحثين من أنّ فعل الإمام ذلك يمكن أن يعدّ دليلاً على جواز العملية الاستشهادية هذه؛ كونه يخصّص الإطلاقات الموجودة في نصوص تحريم تعريض النفس للتهلكة، فبدل أن يكون هذا الحكم موجباً لجعل الثورة خاصة بالحسين يمكن أن يكون موجباً لتخصيص دليل حرمة تعريض النفس للتهلكة فيما لو كانت هناك مصالح إسلامية عليا. علماً أنّه لو كانت الثورة خاصّة بالحسين بوصفه معصوماً فما معنى مشاركة أهل بيته وأصحابه فيها؟!([35])، إلا إذا قيل: إنّ الخصوصية تستوعب ـ أيضاً ـ هذا العدد من المحيطين بالمعصوم.

ثامناً: لنفرض أن بعض الأحكام التفصيلية لم تتوافق فيها ثورة الحسين مع القواعد العامّة في فقه الجهاد في الإسلام؛ فهذا لا يعني صيرورة الثورة خاصّة بالحسين، بل هذا يعطيها خصوصية في موردها من حيث طبيعة الاستثنائية التي كانت تحيط بها، فهذا مثل بعض العناوين الثانوية التي قد تسقط الكثير من العناوين الأولية في موردها، فأيّ تلازم بين هذا الأمر وبين خصوصية الثورة أو لا معقوليّتها.

يضاف إلى ذلك، أنّ ما ذكر من خصوصيات لا نحرز كونه خصوصية على تمام النظريات الفقهية، فالجهاد ليس واجباً على الأطفال لكنّه ليس محرّماً لو رضي أهلهم بذلك، وأرادوا هم ذلك، وكانت فيه المصلحة للمسلمين، كما أنّ عدم ظنّ الهلاك إن قصد به الظنّ الذي هو دون اليقين فهذا ليس بشرط في الجهاد قطعاً، وإلا فكلّ جهاد أو أغلب أشكاله فيه ظنّ الهلاك كما هو واضح، وإن قصد به اليقين بالهلاك فهذا ما يسمّى في عصرنا بالعمليات الاستشهادية، وقد بحثناها مفصّلاً في موضعها، ورأينا كيف أنّ هناك نظريات فقهية تجيزها طبقاً لقواعد الصناعة الفقهية، وأنّ ثورة الحسين % نفسها شكّلت أحد الأدلّة التي طرحت أو يمكن أن تطرح هناك.

وأمّا مسألة اشتراط الضعف لا أزيد في الجهاد، فقد حقّقناه بالتفصيل، وقلنا: إنّه شرط الوجوب، لكنّه ليس شرط الجواز، فقد يكون جائزاً حتى من دونه.

تاسعاً: إنّ الشاهد الثاني هنا ـ وهو خبر حواره % مع محمد بن الحنفية واحتجاجه بالرؤيا التي رآها ـ يرجع مصدره الرئيس إلى كتاب اللهوف لابن طاووس (664هـ)، وقد نقل البقية عنه، ولم أعثر على هذه القصّة في مصدر أسبق من هذا المصدر، وسند السيد ابن طاووس إلى الأصل الذي نقل عنه غير معلوم، فالاحتجاج بهذه الحادثة مشكل. نعم ورد خبر المنام في أمالي الصدوق([36])، لكن بسند ضعيف بجهالة بهجة بنت الحارث بن عبد الله التغلبي المهملة جداً في مصادر الرجال الشيعية والسنيّة، وكذلك إهمال كل من صفية بنت يونس بن أبي إسحاق الهمدانية ومريسة بنت موسى بن يونس، اللتين لا ذكر لهما عندهم([37])، فالسند مشكل جداً.

أمّا خبر عمرو بن لوذان فلا يستند إليه أيضاً؛ لأنّه بهذه الصيغة ورد تارةً مرسلاً كما في إرشاد المفيد، وأخرى بسند فيه لوذان أحد بني عكرمة، وهو رجل مجهول جداً لا ذكر له في مصادر الرجال الشيعية والسنيّة؛ فالاستناد إلى مثل هذه الأخبار ـ مع قلّة ناقليها ومصادرها التاريخية والحديثية ـ مشكل. كما أن خطبة الإمام الحسين التي يعلن فيها شهادته، ويتحدّث عن أوصاله المقطّعة بين النواويس وكربلاء، لم ترد في مصادر التاريخ الأولى، وإنّما جاءت في مصادر متأخرة بلا سند، والأغلب أَخَذَها من كشف الغمة واللهوف؛ فيصعب الاستناد إليها أيضاً.

من هنا، نستنتج أنّ الثورة الحسينية ليست من خصائص الإمام الحسين % حتى نخرجها عن دائرة الاستناد الفقهي هنا، فضلاً عن أنّ العديد من الروايات التي تعدّ شاهداً لهذه النظرية يصعب إثباته تاريخياً وحديثياً، كما ألمحنا إلى بعضه آنفاً.

 
2 ـ نظرية المواجهة المفروضة والفرار من البيعة

تذهب هذه النظرية إلى أن ثورة الحسين % لم تهدف لا إسقاط نظام فاسد، ولا إحياء ضمير الأمة و.. وإنما كانت تريد الفرار من بيعة يزيد بن معاوية، فلو لم يحاول بنو أمية الضغط على الحسين % كي يبايع يزيداً لظلّ في المدينة معتزلاً الأمر، لكن حيث فرضوا ذلك عليه، وأصرّ على موقف الرفض، لم يجد بُداً من المواجهة، فالمواجهة لم تكن مشروعاً بقدر ما كانت فراراً واضطراراً فرض على الحسين ولو تمكّن من رفعه لفعل([38])، ولولا أنّه كان مهدّداً بالاغتيال لما خرج([39])، من هنا كانت حربه حرباً دفاعية([40]).

ويبدو من بعض الباحثين الكبار هنا أنّهم يرون صواب هذه النظرية ولو في المرحلة الأولى، أي مرحلة الخروج من المدينة إلى حين وصول الكتب وتواتر الرسائل الى الإمام الحسين وهو في مكة، ويظهر هذا الرأي من هبة الدين الحسيني الشهرستاني([41]) وسيأتي ما يتعلّق برأي الشهيد مطهري، إن شاء الله تعالى.

 
1 ـ 2 ـ نظرية المواجهة المفروضة، الشواهد والمستندات

وقد نعزّز هذه النظرية بجملة شواهد، أبرزها:

1 ـ لما خرج الحسين % من المدينة لم تكن قد وصلته أيّ رسائل، وما قيل عن وصول رسائل إليه من مكّة غير دقيق ولا حتى واضح، لاسيما بعدما سيأتي من أنّه لم يدم وجوده في المدينة أكثر من ثلاث ليالٍ عقب وصول خبر وفاة معاوية إلى بلاد الحجاز([42])؛ فلا مؤشر في المدينة على حركة نحو منطقة يعتزم إجراء ثورة فيها.

أمّا مكّة، فثمّة نصوص تتحدّث عن أنّ الإمام الحسين كان يريد الخروج من مكّة حمايةً لحرمة هذه المدينة؛ لأنّه بلغه أنّ يزيد بن معاوية أرسل من يغتاله ولو فيها، ولم يحبّ الإمام أن يكون سبباً في هتك حرمة الحرم؛ لهذا كان مضطراً للخروج ناحية منطقة أخرى؛ ففي حواره مع أخيه محمد بن الحنفية يصرّح الإمام بخوفه من أن يغتاله يزيد في الحرم، فيكون ممّن تستباح به حرمة البيت، وفي حواره مع عبد الله بن الزبير ـ أو ابن عباس ـ يذكر شيئاً من ذلك أيضاً([43])؛ وقد نسب العلامة المجلسي إلى ما وصفه: mبعض الكتب المعتبرةn أنّ يزيد بن معاوية أنفذ عمرو بن سعد بن العاص في عسكر عظيم وأمّره على الحاجّ، وأوصاه بقتل الحسين، وأنّه دسّ بين الحجيج ثلاثين رجلاً لفعل ذلك؛ فلما علم الحسين بالأمر حلّ من إحرامه وجعلها عمرة مفردة([44])؛ وهذا معناه أنّ الخروج كان اضطراريّاً؛ لا لمشروع يستقبله في العراق.

2 ـ ما ورد عن الإمام الحسين في حواره مع ـ ابن الحنفية أو ابن عباس أو عبد الله بن جعفر الطيار ـ من قوله: mلو كنت في جحر هامة من هوام الأرض، لاستخرجوني حتى يقتلونيn([45])؛ فهذا النصّ واضح في أنّه يعلم بخطّتهم وأنّه لا مجال أمامه ـ إذا لم يرد البيعة ـ سوى الخروج من مكة والمدينة، وليس من مكان أفضل من العراق. ومثله قوله %: mوالله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفيn([46]).

3 ـ إنّ الإمام الحسين لم يقبل بأمانهم ووعودهم لعلمه بغدرهم، يشهد على ذلك قتلهم لمسلم بن عقيل بعد إعطائه الأمان، وقول مروان لوالي المدينة بأخذ البيعة من الحسين ثم يرون فيه رأيهم، وهذا معناه أنّهم يريدون ـ بعد أخذ البيعة منه ـ أن يغدروا به([47])، فهو ـ على حدّ تعبير الشهرستاني ـ مقتول بايع أم لم يبايع([48]).

4 ـ ما جاء في كتاب يزيد بن معاوية إلى الوليد بن عتبة والي المدينة، من أخذ البيعة من أهل المدينة: m.. وليكن مع جوابك إليّ رأس الحسين بن علي..n، وأنّ الوليد استثقل ذلك جداً، وطلب الحسين ليأتيه، فخرج الحسين من ليلته تلك نحو مكة وهو يقول: mفخرج منها خائفاً يترقب قال رب نجني من القوم الظالمينn، وقصّة استدعاء الإمام الحسين إلى والي المدينة فيها الكثير من الإشارات للرغبة في قتله على تقدير عدم البيعة([49])؛ وربما لهذا ورد في المصادر التاريخية أنّه % لما استدعي إلى الوليد ـ والي المدينة ـ طلب من أهل بيته وعشيرته أن يقفوا بالباب، وأن إذا سمعوا صوته دخلوا لمنع من يريد قتله أو المساس به([50])، مما يدلّ على أنّه منذ اليوم الأوّل كان يتوقع أن يقدموا على خطوة من هذا النوع. فهذا كلّه يدلّ بوضوح على أنّه كان يوجد قرار بقتله، وأنّه كان يعلم بالأمر؛ لهذا كان خروجه من المدينة على عجلة وخوف وترقب فراراً من البيعة والموت؛ فالمصادر التاريخية تتحدّث عن أن خروجه كان بعد اجتماعه بالوليد بساعات في الليلة نفسها([51])، وبعضها يقول: في غداة اليوم اللاحق([52])، وبعضها في ليلة آتية، وبعضها بعد ليلتين.. ([53])، ومهما يكن فهذه العجلة غير طبيعية أبداً لشخص يأمر عشيرته بالتهيؤ لهجرة شاملة؛ ويعزز فرضية حالة من الفرار من أمر ما، ورغبة في عدم المواجهة.

يضاف إلى ذلك ما ذكره السيد هاشم معروف الحسني (1403هـ) من أن مسلسل الإقالات والعزل، كان جارياً مع المتساهلين مع الحسين في مكّة والمدينة، لهذا عزل يحيى بن حكيم لتركه الحسين وشأنه، ليستعمل بدلاً عنه على مكّة عمرو بن سعيد بن العاص، ثم عزل الوليد بن عتبة لاعتداله في موقفه من الحسين، وعدم استجابته لما قلناه أعلاه([54]).

5 ـ ما جاء في رسالة عمر بن سعد لعبيد الله بن زياد عقب لقائه الحسين%، حيث قال: mهذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي أتى منه أو أن يسير إلى ثغر من ثغور المسلمين، له ما لهم وعليه ما عليهم، أو أن يأتي أمير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده، فيرى فيما بينه وبينه رأيه..n، ولكن شمر بن ذي الجوشن هو الذي خرّب جهود الصلح التي قام بها ابن سعد، وأقنع ابنَ زياد بقتل الحسين، ولولا ذلك لما وقعت الحرب([55]).

ولعلّ هذا النص الذي جاء ـ أيضاً ـ في إرشاد الشيخ المفيد (413هـ) هو ما جعل تلميذه السيد المرتضى (436هـ) يذكر أنّ الإمام الحسين كان يريد ـ بعد الحيلولة بينه وبين التوجّه إلى الكوفة ـ سلوك طريق الشام؛ ليذهب إلى يزيد بن معاوية؛ لعلمه بأنّه أرأف به من ابن زياد، لكنّه واجه جيش عمر بن سعد في كربلاء فلم يستطع الاستمرار في المسير([56])؛ فهذا الكلام يدلّ على أنّه ما كان يريد المواجهة وإنّما فرضت عليه الحرب فرضاً.

6 ـ ما جاء في قصّة وصول عثمان بن محمد بن أبي سفيان الثقفي، الذي أرسله يزيد بن معاوية إلى بلاد الحجاز ليتولاها، فإنّه بعد أن أنهى الصلاة في مكّة، وعلم بخروج الحسين، قال: mاركبوا كلّ بعير بين السماء والأرض فاطلبوهn([57]). فهذا نصّ واضح يعطي دلالة على السياسة التي كانت ستتّبع لو لم يخرج الحسين من بلاد الحجاز.

7 ـ ما جاء في رسالة عبد الله بن عباس إلى يزيد بن معاوية، حيث قال له: m.. فلستُ بناسٍ اطّرادك الحسين بن علي من حرم رسول الله إلى حرم الله، ودسّك عليه الرجال تغتاله، فأشخصته من حرم الله إلى الكوفة؛ فخرج منها خائفاً يترقّب.. ولكن كره أن يكون هو الذي يستحلّ حرمة البيت وحرمة رسول الله، فأكبر من ذلك ما لم تكبر؛ حيث دسست عليه الرجال فيها ليقاتل في الحرم.. ثم طلب الحسين بن علي إليه الموادعة، وسألهم الرجعة، فاغتنمتم قلّة أنصاره، واستئصال أهل بيته؛ فعدوتم عليهم..n([58])؛ فهذا كلام واضح في أنّ السلطة كانت تريد قتله وحربه وهو في الحرمين الشريفين، وأنّه خرج منها خائفاً يترقّب، فهو نصّ صريح في نظرية الفرار من البيعة.

ويتعزّز هذا النص بما جاء في لقاء الإمام % لقرّة بن قيس الحنظلي في كربلاء، حيث قال: mفإن كرهوني أنصرف عنهم من حيث جئتn([59])، وقوله لابن سعد: m..أرجع فأقيم بمكة أو المدينة أو أذهب إلى بعض الثغور فأقيم به كبعض أهله..n([60])، وكذلك يتعزّز بقوله % في رواية أخرى: m..وطلبوا دمي فهربت..n([61])، فهذا أيضاً صريح في نظرية الفرار. ونحو ذلك أيضاً قوله % في خطاب له مع أهل الكوفة أو في الطريق: m..وإن كنتم لمقدمي كارهين، انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكمn([62]). وكذلك دعاؤه % في كربلاء قائلاً: mاللهم إنا عترة نبيك محمد قد أخرجنا وطردنا وأزعجنا عن حرم جدّنا..n([63]). كما ورد في حواره مع جيش عمر بن سعد أنّه قال لهم ـ فيما قال ـ: mأيّها الناس! إذ كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمني من الأرض..n([64]).

يضاف إلى ذلك كلّه، وجود نص ينقل عن عقبة بن سمعان الذي صحب الحسين %؛ حيث يقول: mصحبت الحسين من مكة إلى حين قتل، والله ما من كلمة قالها في موطن إلا وقد سمعتها، وإنه لم يسأل أن يذهب إلى يزيد فيضع يده في يده، ولا أن يذهب إلى ثغر من الثغور، ولكن طلب منهم أحد أمرين: إمّا أن يرجع من حيث جاء، وإما أن يَدَعُوه يذهب في الأرض العريضة، حتى ينظر ما يصير أمر الناس إليه..n([65]).

إنّ هذه الشواهد بأجمعها تدعم فرضية أنّ الحسين ما كان لديه مشروع ثورة وإسقاط أنظمة، لكن كان يريد أن لا يبايع ولم يكن يجد مكاناً للعيش مع رفض السلطة فحاصروه، وفرضوا الحرب في النهاية عليه، فحصل ما حصل.

 
2 ـ 2 ـ مطالعة نقدية في نظرية المواجهة المفروضة

ومع ما رأينا من إمكان أن نحشد لهذه النظرية من شواهد، إلا أنّه يمكننا تسجيل بعض الملاحظات عليها؛ وذلك:

أولاً: إنّ الحسين % كانت وصلته رسائل أهل الكوفة في مكّة، وقد أعطاهم كلمته وأرسل إليهم مسلم بن عقيل، فخروجه من مكّة جاء عقب شروعه في التخطيط والتواصل لحركة سياسية ثورية واضحة، وهذا لا ينافي أنّه خرج منها نتيجة علمه بمخطّط تقوم به السلطة لاغتياله، بمعنى أن الاستعجال في الخروج كان اضطرارياً نتيجة خوف الاغتيال، لا أصل الخروج، بعد أن كانت الرسائل قد بدأت بينه وبين أهل العراق، وهذه نقطة مهمة جداً في مسألة طبيعة خروج الحسين من مكّة وعدم إكماله الحج. نعم خروجه من المدينة لا توجد مؤشرات على كونه قد سبقه تخطيطٌ ما لثورة في مكان ما من جغرافيا العالم الإسلامي؛ لأنّه حصل بسرعة فائقة كما رأينا.

ثانياً: كل الشواهد التي تتعلّق ـ فقط ـ بمعلومات عن خطّة للسلطة لاغتيال الحسين أينما كان، لا تقف في مواجهة وجود مشروع سياسي ما له %، على الأقلّ في بعض الفترات، وأعني بذلك أن نتصوّر الحسين يعلم بمخطّط السلطة الأموية في اغتياله، ثمّ يفسح له في المجال لقيادة ثورة، فيقدم على فعل ذلك بعد وصول الرسائل إليه والاطمئنان على الوضع من خلال ما بعثه له مسلم بن عقيل، هنا لماذا لا يمكن الجمع بين علمه بخطّة الاغتيال وإقدامه ـ ولو فيما بعد ـ على مشروع ثوري؟! لست أرى تنافياً بين الأمرين، وهذا ما يدعم فرضية أنّ الفرار من البيعة فكرة صحيحة إلى ما قبل وصول رسائل أهل الكوفة، أي بعد خروجه من المدينة، فالخروج من المدينة لم يكن لوجود مخطّط ثوري، لكن لماذا لا يكون الخروج من مكّة لوجود هذا المخطط؟! فهذه الشواهد لا تنفي أصل المشروع السياسي الثوري للحسين، وإذا تمّت فهي تنفي هذا المشروع في بدايات خروجه من المدينة المنوّرة.

ثالثاً: إنّ بعض نصوص الإمام الحسين % نفسها تعلن مبرّرات الثورة وتغيير الواقع، كما تقدّمت وسيأتي، فكيف يمكن تفسير هذه النصوص؟ ألا تعارض الدلالة الإطلاقية الموجودة في نظرية المواجهة المفروضة والفرار من البيعة؟! إن أنصار هذه النظرية مطالبون بتفسير هذا النوع من النصوص والخطب التي صدرت عن الحسين % في مواطن متعدّدة.

رابعاً: إنّ رسالة ابن سعد لعبيد الله بن زياد (الشاهد رقم 5) الدالة على عرض الصلح من الحسين لوضع يده في يد السلطة، ينقلها الطبري ـ واتبعه في ذلك المفيد والمرتضى وغيرهما ـ وهي غير موثقة تاريخياً؛ فلم نعثر عليها سوى عنده، وغيره إما ينقلها عنه أو يرسلها بلا سند واضح، أما سند الطبري ففيه مجالد بن سعيد الهمداني المهمل في مصادر الرجال الشيعية والمتعارض توثيقه مع تضعيفه في مصادر الرجال السنيّة، حتى أنّ ابن حبّان المعروف بالتوثيقات جعله في المجروحين([66])، وكذلك فيه الصقعب بن زهير المهمل شيعياً([67])، نعم سنيّاً وثقه الحاكم النيسابوري وابن حبّان، ونقل الأوّل توثيقه عن أبي زرعة الرازي([68])، والأولان من المحسوبين على الإفراط في التوثيق.

وكذلك الحال في رسالة ابن عباس إلى يزيد؛ فإن مصدرها الرئيس ـ على ما يبدو ـ إنّما هو تاريخ اليعقوبي، ولم يذكر سندها، وفي مثل هذه الحال يصعب مع تفرّد مؤرّخ واحد بالنقل وأهمية الرسالة، الأخذُ بها، سيما مع عدم وجود سند معتبر لها، وكذلك خبر الفتوح وأمالي الصدوق الذي دلّ على أنّه طُلب دمه فهرب، حيث هو في المصادر القليلة التي نقلته بين مرسل وضعيف ببهجة بنت الحارث بن عبد الله التغلبي، وهي مهملة في مصادر الرجال السنية والشيعية، وكذلك كلّ من صفية بنت يونس بن أبي إسحاق الهمدانية ومريسة بنت موسى بن يونس، اللتين لا ذكر لهما عندهم كما أشرنا سابقاً، ومثل ذلك خبر الإرشاد الذي يفيد طلب الحسين من أهل الكوفة أن يتركوه يرجع من حيث أتى، فهو خبر تفرّد به المفيد (413هـ) والخوارزمي (568هـ) ـ حسب الظاهر ـ بلا سند، ثم ظهر عند متأخري المتأخرين، وكذلك دعاؤه في كربلاء يخبر فيه أنه أخرج من حرم جدّه فهو مرسل قليل المصادر جداً اشتهر بين المتأخرين فقط حسب الظاهر. وأما خبر عقبة بن سمعان فهو غير قابل للتصديق؛ فكيف يمكن أن يكون رجل قد تابع الحسين طوال هذه الفترة حتى اطّلع على كل أسرار الحركة الحسينية ومفاوضاتها، ولم يغب عنه شيء إطلاقاً؟ ومتى أخبر عقبة بهذا الخبر وقد كان من شهداء كربلاء على بعض المصادر على الأقلّ وإن تحدّث بعضهم عن فراره([69])، فإن كان شهيداً فمتى نقل هذا الخبر، وإن فرّ فالرجل لا دليل على وثاقته بعد ذلك؛ لأنّه لم يوثقه أحد مع صرف النظر عن شهادته. هذا إضافةً إلى أنّ هذا الخبر نفسه يعارض بعض الأخبار الأخرى كما هو واضح منه؛ حيث ينفي أن يكون الحسين قد عرض وضع يده في يد السلطة أو الذهاب إلى ثغر من ثغور المسلمين، فهو يضعّفها وهي تضعّفه نتيجة التعارض بينها من بعض الجوانب، وإن اشتركت معه في قدر من القاسم المشترك.

وبهذا يتبيّن أن هذه النظرية صائبة بقدر، لكنّها غير دقيقة بقدر آخر، وسوف نتعرّض لاحقاً لمحاولة جمع نقرّب من خلالها المقدار الصحيح من هذه النظرية، إن شاء الله تعالى.

 
3 ـ النظرية السياسية ومحاولات التعقيل

يذهب أنصار هذه النظرية ـ وهم كثير من المؤرخين كما يقول السيد محمد باقر الحكيم([70]) ـ إلى أن الإمام الحسين % كان يريد بحركته إسقاط النظام الفاسد في دولة بني أمية، ورسائله ومراسلاته لأهل الكوفة كلّها تشهد على صحّة ذلك، ومن يقرأ هذه الثورة ويحلّلها تحليلاً تاريخياً لا يفهم منها سوى إرادة تأسيس نظام إسلامي عادل في العراق مقدّمةً لعودة دولة الإمام علي % كي يكون ذلك بهدف إسقاط نظام الظلم والجور في الشام.

وقد نسبت هذه النظرية إلى السيد المرتضى فيما ذكره في كتابيه تنزيه الأنبياء والشافي([71])، حتى قيل: إن السيد ابن طاووس (664هـ) ألّف كتابه اللهوف على قتلى الطفوف، للردّ على المرتضى، وكذلك حصل مع السيد عبدالوهاب الحسيني الاسترآبادي (قرن 9هـ)، صاحب تنزيه الأنبياء، وعبد الله البحراني، ورضي بن نبي القزويني([72]). كما يذهب إلى هذه النظرية كل من الشيخ علي بن عبد الله البحراني الستري (1319هـ) في رسالته: قامعة أهل الباطل بدفع شبهات المجادل([73])، والشيخ نعمة الله صالحي نجف آبادي (2006م) في كتابه الشهير (الشهيد الخالد)، والأستاذ محمد علي خليلي([74])، والسيد علي الأمين العاملي المعاصر، على ما سمعنا شفاهاً عنه.

والشواهد على هذه النظرية ـ غير أنّ هذا هو المتبادر عقلانياً من دراسة أيّ حركة ثورية ـ لا تكاد تعدّ ولا تحصى؛ فأخذه % أهل بيته معه معناه أنه كان يريد الاستقرار في مكانٍ ما، وكذا أخذه الأموال الكثيرة على ما جاء في بعض النصوص، وتنسيقه مع أهل الكوفة لا يفهم سوى على هذه الطريقة، سيما وأنه طالبهم وذكّرهم بخذلانه والتخلّي عنه، فما معنى ذلك كلّه إلا أنه أراد إسقاط الفساد في نظام الحكم عند المسلمين، يضاف إلى ذلك النصوص السابقة التي ذكرناها والتي يطرح فيها الإمام مشروعه بطريقة عقلانية من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسير بسيرة رسول الله وتغيير الوضع القائم، بل في واحدة من أواخر رسائله لأهل الكوفة، قال: m..وقد بعثت إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي وأمرته أن يكتب إليّ بحالكم وأمركم ورأيكم، فإن كتب إليّ أنّه قد أجمع رأي ملأكم وذوي الفضل والحجى منكم على مثل ما قدمت عليّ به رسلكم وقرأت في كتبكم، أقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله، فلعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والدائن بالحق، والحابس نفسه على ذات الله، والسلامn([75])؛ فهذا النص واضح في أنّه كان يريد العمل بالكتاب والأخذ بالقسط و.. بل في كتابه إلى أهل البصرة قال: m..وكنا أهله وأولياءه، وأوصياءه وورثته، وأحقّ الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا، وكرهنا الفرقة.. وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه؛ فإنّ السنّة قد أميتت، وإنّ البدعة قد أحييت، وإن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشادn([76])، وهذا النص صريح في التذكير بأمر الإمامة بعد رسول الله، وبالإطاعة والولاية وغيرها من المفاهيم التي تتصل بالتفسير السياسي الشامل للثورة.

 
مطالعة تقويمية في التفسير السياسي
أ ـ القراءة النقدية الكلامية ـ الأيديولوجية لنظرية التعقيل السياسي

ورغم الطابع الإيجابي الذي تعطيه العناصر المترابطة لهذه النظرية، لكنّها ـ في واقع الأمر ـ تواجه مشكلين اثنين: أحدهما كلامي والآخر تاريخي.

1 ـ أما المشكلة الكلامية، فتتمثل في الاعتقاد الإمامي بأنّ الإمام يعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وأنهم يعرفون موتهم وما يطرأ عليهم عبر علوم لدنيّة غير كسبية، فطبقاً لهذه النظرية الكلامية كيف يقدم الحسين % على ثورة تهدف تغيير النظام وهو يعلم بفشلها مسبقاً، وبأنها سوف تودي به وبأهل بيته، وهل يكون غرض شخص من ذلك هو الاستيلاء على السلطة وإسقاط السلطة القائمة؟ وحيث قد ثبتت هذه النظرية الكلامية بالأدلّة العقلية والسمعية القاطعة فلا مفرّ من إبطال هذا التفسير، كونه لا يصمد في وجهها.

وهذه المشكلة التي تمثل واحدة من أعقد المشكلات عند ناقضي النظرية السياسية، لا مجال لبحث أصلها ـ أي علم المعصوم ـ هنا، لكن مع القول بأن علم المعصوم كذلك، وليس بعزيز على الله([77])، ثمة جواب يقدّمه أنصار هذه النظرية عادةً ـ أي نظرية علم المعصوم ـ لدى إيراد بعض الإشكالات عليهم، ويمكن لهذا الجواب أن يجري هنا أيضاً لصالح النظرية السياسية؛ فنظرية العلم الوسيع للإمام % تواجه عادةً بأسئلة حرجة، مثل كيف يقضي الرسول والأئمة بين الناس بالأيمان والبيّنات الظنية ولديهم العلم بالواقع؟ أليس في ذلك ظلم وإجحاف في بعض الحالات حيث لا يصيب حكم القاضي الواقع؟ كيف نفسّر الكثير من الروايات التي يفيد ظاهرها جهل الإمام بشيءٍ ما، كما في أكله % لطعامٍ من مال غير شرعي، ثم لما أخبروه دعا بطشت فقاء الطعام فيه، أو بحثه عن شيء لا يعرف أين هو وما شابه ذلك..؟

وقد ردّ أنصار نظرية العلم اللدني المطلق هنا بجواب حاصله: إن الإمام % يعلم الواقع لكنّه مكلّفٌ بالظاهر، أي أنه وإن علم بواقع الحال غير أنه في مقام العمل الخارجي يتعاطى على أنه إنسان طبيعي، يعمل بالطرق الطبيعية في الوصول إلى الواقع والحقيقة؛ ولهذا يقضي بالأيمان والبيّنات رغم علمه اللدني بأنّها هنا أو هناك لا تطابق الواقع، ومهما كان السبب في فعله هذا، إلا أنه هو التفسير الطبيعي الجامع بين هذه المعطيات عن حياة النبي والإمام وبين ما ثبت في علم الكلام من العلوم اللدنية الكثيرة التي عنده.

والذي نقوله هنا: إنّ بالإمكان رفع التناقض بين علم الإمام وبين هذه النظرية السياسية في تفسير الثورة طبقاً للمنهج عينه الذي يسير عليه كثير من أنصار هذه النظرية أنفسهم، فالإمام وإن علم بشهادته وما سيحلّ به وبأهل بيته، إلا أنه كان مكلّفاً على مستوى الظاهر بالتعاطي الظاهري مع الأمور، فعندما تصله آلاف الرسائل من الكوفة ـ بل ومن غيرها أيضاً ـ تعلن الاستعداد للجهاد، فإنّ التعاطي الطبيعي حينئذ أن يستجيب لها انطلاقاً من الموقف الشرعي في هذا المجال، متجاهلاً علمه اللدني بخذلانهم فهو يتعامل مع الظاهر، ومتجاهلاً علمه اللدني بشهادته؛ لأنه أيضاً يتعامل مع الظاهر، فالنظرية السياسية المذكورة تعدّ تفسيراً ظاهرياً للثورة بهذا المعنى، دون أن تضطرّ إلى إنكار علم الإمام اللدني، وعبر ذلك يمكن الجمع بين المعتقد الشيعي في علم الإمام من جهة وبين التفسير السياسي الذي قد يخرج به الباحث في تحليله لأحداث هذه الثورة من جهة ثانية.

وبعبارة جامعة: أيّ جواب يجيب به القائلون بعلم الإمام هناك يمكن لأنصار النظرية السياسية أن يجيبوه هنا، فالمشكلة الكلامية قابلة للحلّ، بلا حاجة لا إلى إنكار أصل المبنى الكلامي ولا إلى إنكار النظرية السياسية المذكورة هنا.

والملفت أنّني وجدت من أثار فكرة وجود تكليفين للإمام هنا؛ أحدهما ظاهري والآخر باطني، ومنهم الشيخ جعفر التستري (1303هـ) والسيد محمد صادق الصدر (1999م)([78])، وإن لم يكن قصدهما الشكل الذي ذكرناه تماماً.

2 ـ وأما المشكلة التاريخية ـ الأيديولوجية، فتتمثل في العديد من النصوص التي تتحدّث عن تنبؤ الرسول وأهل البيت %، وحتى الإمام الحسين بشهادته، مثل تلك الروايات التي مرّت في النظرية الأولى، وهي نصوص كثيرة موجودة في المصادر الحديثية.

وقد حاول أنصار النظرية السياسية هنا معالجة هذه النصوص من الناحية السندية والتاريخية، وذكروا أنها ضعيفة السند، ولسنا هنا بصدد استعراضها، لكنّها في الحقيقة عقبة أساسية عليهم حلّها لتتميم نظريّتهم، لا المرور عليها عبر بعض الكلمات التي قد يطلقها بعض الباحثين الجدد في الأوساط الإسلامية كلّما جاءتهم نصوص ذات طابع غيبي، من اتهامها بالوضع والصنع الأسطوري للمخيلة الجماعية، وأنّها ردّ فعل القهر والحرمان في التاريخ الشيعي، فهذا وحده لا يكفي هنا.

 
ب ـ القراءة النقدية التاريخية ـ التحليلية للتفسير السياسي، وقفات وتأملات

وبقطع النظر عن هذه المشكلة التاريخية ـ الأيديولوجية التي يرى الفريق الناقد للنظرية السياسية أن الضعف السندي في هذه الروايات ـ لو سلّمناه، وسلّمنا أنّه يشملها برمّتها ـ لا يضرّ بها بعد كثرتها وتظافرها وشهرتها وأخذ المشهور بها، ثمة ملاحظات أخرى أثيرت على هذه النظرية، وإن كنا نعتقد بأن المشكلتين المتقدّمتين هما الأكثر إشكالية أمام أصحاب النظرية السياسية.

وعلى أية حال، فهذه الملاحظات هي:

الملاحظة الأولى: إن التحليل التاريخي العقلاني يجعل أيّ خطوة في عصر الإمام الحسين تحاول إسقاط الحكم الأموي، فاشلةً؛ لأن الدولة الأموية كانت في عزّ سلطانها وقدرتها آنذاك، وقد كان معاوية قد أنهى قوّة أنصار عليّ في العراق، وأحكم قبضته على بلاد المسلمين، بل لاحظنا ـ كشاهد مؤكّد على ذلك ـ أن معاوية نصب ابنه يزيداً للخلافة رغم غرابة القضية، ورغم انقسام بعض وجوه المسلمين في الأمر دون أن نسمع كلمةً واحدة واجهته في خطوة كهذه، مما يكشف عن استتاب الأمر له بشكل كامل، كما لم يكن الإمام الحسين بذاك القادر على جمع الجيوش والمال والعتاد في ظلّ ظروف كهذه، ولم يكن ذلك خافياً عليه، كما أنّ اختيار الكوفة ـ رغم كل تاريخها المظلم مع علي والحسن وليس بالتاريخ البعيد، بل هو تاريخ قريب عايشه الحسين نفسه ـ يكشف عن أن الخطّة لم تكن إسقاط نظام بني أمية، وإلا كان فشلها واضحاً، ولهذا نصح الحسينَ عددٌ من وجوه المسلمين وذكّروه بحال أهل الكوفة، مثل عبد الله بن عباس، كما يذكر ابن الأعثم في الفتوح والخوارزمي في المقتل، ونصحه أيضاً عمر بن عبدالرحمن المخزومي، بل في تاريخ الطبري وابن الأثير والفتوح وإرشاد المفيد ما يفيد تحفظ عبد الله بن جعفر أيضاً، بل تشير بعض النصوص أحياناً إلى أن الحسين % كان يوافق من ينصحه في رأيهم بعدم وفاء القوم، كما جاء في حديثه إلى الفرزدق الشاعر وإلى بشر بن غالب الأسدي، طبقاً لما جاء في تاريخ الطبري وبحار الأنوار وإرشاد المفيد وفتوح ابن الأعثم و..

إنّ هذه المعطيات بأجمعها تؤكد أنّ الحسين لو كان ينظر بعين الإمساك بالسلطة لما أقدم في ظلّ مناخ كهذا على التحرّك، وهذا ما يؤكد أنّه كان له هدف آخر من ثورته([79]).

وهذه الملاحظة ليست معطياتها بهذا الوضوح حتى نرجّحها على التفسير السياسي، بقطع النظر عن المشكلة الكلامية والتاريخية المتقدّمة في هذا التفسير؛ وذلك:

أولاً: لا شك في أن عهد معاوية كان عهداً ذهبياً في دولة بني أمية، إلا أنّ الحال لم تكن كذلك في عهد يزيد؛ إذ من يحسب الأمور في تلك الأوقات، يعرف أن المسلمين لم يكونوا موافقين جميعاً على يزيد، وكان شاباً غير خبير بقضايا السلطة، ويعرف أن الصحابة والوجوه قد اختلفوا في أمره، فإذا جاءت الحسين % ـ في ظلّ ظروف كهذه ـ آلاف الرسائل ليحكم قبضته على العراق في الحدّ الأدنى، وليكن إسقاط الدولة الأموية مرحلةً أخرى، فإن من الطبيعي في ظروف كهذه أن تغدو الحركة معقولةً، لا أمراً ميؤوساً منه، ولعلّ مرور الزمن هو الذي أوحى لنا بقوّة سلطان بني أمية، فيما المفترض أن نضع أنفسنا في ذلك الزمان وظروفه.

ثانياً: كيف لم يكن الإمام الحسين بقادر على جمع الجيوش والمال، مع أنه تهيأ له آلاف المقاتلين في جنوب العراق، فأرسل إليهم مسلم بن عقيل، وسار هو بما عنده من أموال؟! وليس من الضروري أن نتصوّر حركة الحسين محاولةً مباشرة لشنّ حرب بجيش شامل على بلاد الشام، فقد تكون هناك مراحلية في العمل، والجيوش في تلك الأيام كان يغلب في تجهيزها ـ أو على الأقل يمكن في ذلك ـ أن يقوم كل فرد بتجهيز نفسه وسيفه ودرعه وفرسه إن أمكنه، وليس كحالنا اليوم، ثمة حاجة لتدخل الدولة لدعم الجيش كي يستمرّ.

ثالثاً: إنّ مسألة أهل الكوفة وغدرهم بأبيه وأخيه لابد ـ منطقياً ـ أن تكون حاضرةً في وعي الحسين %، ولا يعني ذلك أنه ـ والعياذ بالله ـ أقدم على حماقة على تقدير صحّة التفسير السياسي؛ لأن حجم الرسائل والتأييد كان كبيراً، كما أن الحسين أرسل إليهم رسوله كي يجهّز الأمر؛ ولعلّ الحسين لما تأكد من غدرهم كان قد فات الأوان ولو أنه علم من حال رسله غدرهم قبل تحرّكه ما كان خرج من مكّة نحوهم، ولهذا ورد في بعض الروايات السابقة أنه طلب من جند يزيد أن يتركوه وشأنه فيذهب في ديار الله الواسعة؛ لكنهم رفضوا وأصرّوا على مقاتلته كما أوحت بعض النصوص المتقدّمة، هذا كلّه مع عدم القول ـ كما ذكره المرتضى والمفيد ـ أنّه لا دليل من عقل ولا نقل على علم الحسين بغدر أهل الكوفة له([80])، وعدم القول أيضاً بما قاله الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، من تعرّض البداء لعلمهم ( لهذا كانوا دائماً يحتملون عروضه([81]).

وجملة القول: إنّ من الصعب وفق معطيات هذه الملاحظة أن يحصل لنا تأكد من أن هذه الثورة كانت محكومةً بالفشل سابقاً، فكل ثورة فيها احتمال الفشل. وسيأتي ـ إن شاء الله ـ ما يتصل بغير فقرة من فقرات هذه الملاحظة.

الملاحظة الثانية: إنّ الشواهد التي يذكرها أنصار النظرية السياسية ليست دقيقة؛ فإخراج الحسين % أهله وعياله وأطفاله لا يصحّ تفسيره إلاّ لأجل علمه بحصول فاجعة يراد لها أن تضاعف حجم المأساة بغية إحياء ضمير الأمة، وإلا فلماذا يخرج قائد ثوري بأهله وأطفاله وهو ذاهب إلى الثورة؟!

يُضاف إلى ذلك أنّ الحسين علم في الطريق بمقتل مسلم بن عقيل وغدر أهل الكوفة، كما أخبره الفرزدق في الطريق بأن «قلوبهم معك وسيوفهم عليك»، بل إن بعض النصوص تفيد بأنّ الحسين يصرّح بأنّ القوم لن يتركوه إلا بعد أن يستخرجوا هذه العلقة من جوفه كما تقدّم ذكرها، كناية عن قتله، مما يعني إدراكه لكونه ميتاً([82]).

وهذه الملاحظة قابلة أيضاً للنقد؛ فإن إخراج الحسين أهله وأطفاله لا حاجة لتفسيره بأنه يريد ضخّ المزيد من المأساوية في المشهد؛ إذ من قال بأن الحسين كان سيقاتل في الصحراء، فقد كان المفترض أنه سوف يذهب إلى الكوفة التي ستسقط على يد آلاف المقاتلين الذين سوف يقاتلون فيها، وأهله وعياله سيكونون وسط حماية قوّة عسكرية تقدر بالآلاف، أفهل كانت أسرته في مأمن تحت رحمة جند يزيد في المدينة؟ وكأننا نتصوّر مسبقاً ـ بصرف النظر عن المعتقد الكلامي ـ أن الحسين % كان على علم بأنّ المعركة ستقع في كربلاء وبهذه الطريقة، بل الصورة الطبيعية أنه كان سيصل إلى الكوفة سالماً، وأنه من هناك سيبدأ العمل والامتداد، لا أنه سوف يقاتل لكي يصل إلى الكوفة. وبعبارة أخرى: عندما يعزم قائد ثوري على إسقاط نظام الشام في بلاد العراق ـ ولو كمرحلة أولى ـ فمن الطبيعي أنّه سوف يجعل الكوفة عاصمةً له، فكيف يترك أهله وعياله وأمواله في المدينة أو مكّة تحت قبضة عدوّه فيما يستقرّ هو في عاصمة الخلافة الجديدة؟! فإخراج أهله وأمواله لا يعني أنّه يريد أن يضخّ المأساوية في المشهد، نعم هو احتمال أوّلي، فإن قصد هذا المقدار فهو جيد.

أمّا النصوص الدالّة على علمه فيما بعد بغدرهم، فسيأتي التعرّض لها إن شاء الله تعالى.

وأما حديث الحسين عن أنهم لن يتركوه حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفه، فهذا ليس دليلاً على علمه بالشهادة ونقض التفسير السياسي؛ لأنّ هذا النصّ معناه أنهم سيظلّون وراءه، وأنّ عليه ـ إذاً ـ أن يواجه ليمنعهم، وليس معناه الإنباء بقتله، بل الإشارة إلى ضرورة المواجهة ودفاعية الموقف، فهذا الشاهد قد يقع لصالح التفسير السياسي أو تفسير الفرار من البيعة أكثر من غيره، ولهذا تعرّضنا له في النظرية السابقة.

الملاحظة الثالثة: إنّ تتبع كلمات الحسين % منذ لحظة خروجه، لا تكشف لنا في أيّ موضع عن نصّ صدر منه في إقامة نظام إسلامي أو إزالة سلطان بني أمية، مع أنّ طبيعة الأمور تستدعي أن يفصح عن موقفه وأهدافه من الحركة، بل على العكس كان دائماً يوطّن نفسه وأصحابه على الشهادة والقتال([83]).

وهذه الملاحظة فيها بعض الغرابة؛ ففي النصوص ـ وقد تقدّم بعضها وسيأتي ـ أنه يريد أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويسير بسيرة جدّه، ويقيم العدل، ويعمل بالحق… وهو ما ورد في العديد من الروايات التي يستشهد بها في مواضع عديدة حتى عند مخالفي النظرية السياسية، أليست هذه النصوص كافية لإعلان أنه يريد إصلاح الأمور؟!

يضاف إلى ذلك: إن من الطبيعي لمن يخرج في ثورة أن يوطّن أنصاره على الشهادة، فهذه هي ثقافة الثورات ولو التي تهدف النصر والإمساك بزمام السلطة، فلا يعني إنكار علم الإمام بشهادته أنه لابد أن يكون متأكداً من الوصول إلى السلطة بدون أيّ قطرة دم، ألم يكن الرسول يهدف إسقاط قريش واستبدادها ومع ذلك حث القرآن والنبي ووطّنا المسلمين على الشهادة؟! فلا ملازمة بين هذه الظاهرة وبين عدم وجود هدف سياسي للثورة.

الملاحظة الرابعة: تؤكّد الشواهد التاريخية أنّ العديد من الصحابة والشخصيات الإسلامية الكبيرة في الأمة كانت وجهة نظرها أن لا يخرج الحسين إلى العراق، فقد نبّهه إلى ذلك مثل عبد الله بن عباس، والمسور بن مخرمة، وعبد الله بن جعفر، وأبي بكر المخزومي، وعبد الله بن جعدة، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وعبد الله بن مطيع، وعمرو بن سعيد، ومحمد بن الحنفية، وعبد الله بن عمر، وأم سلمة، وعبد الله بن الزبير وغيرهم، بصرف النظر عن نواياهم في مقولاتهم، وكثير منهم صادق([84])؛ فهل يمكن أن نفترض ـ كما قيل([85]) ـ أنّ الإمام أخطأ في قراءته السياسية والميدانية للواقع، فيما أصاب مثل هؤلاء، وهو الأعلم منهم والأخبر والمؤيّد من الله تعالى؟!

ومن الواضح أنّ هذا الاستدلال أيديولوجي قائم على العقيدة المذهبية، ولا يمكن للمؤرخ أن يقبل به إلا بعد الاعتقاد بالمذهب الإمامي، على خلاف بعض ما تقدّم من مناقشات، ولهذا استند بعض الكتّاب العرب والمستشرقين إلى مثل هذه القضية كي يفترضوا أنّ الحنكة السياسية للإمام الحسين لم تكن بالمستوى المطلوب، وأنّ هناك من كان أكثر وعياً للسياسة والأوضاع منه.

لكن ـ مع ذلك ـ لنضع أنفسنا مكان الإمام الحسين، شخصٌ تأتيه رسائل كثيرة من أهل الكوفة منذ زمن معاوية([86])، ويرفضها نظراً لعقد الصلح مع معاوية ـ كما يقول الشيخ المفيد وغيره حسبما تدلّ عليه بعض الروايات([87]) ـ بل ولغير عقد الصلح أيضاً([88])، ثم تتالى عليه آلاف الرسائل بعد ذلك حتى بلغ بها الذهبي (748هـ) المائة ألف اسم([89])، ولا يكتفي بذلك ولا يستعجل ـ خلافاً لما صوّره بعضهم([90]) ـ بل يرسل مبعوثاً له إليهم لينظر في الأمر، ثم يأتيه المبعوث ـ مسلم بن عقيل ـ بخبر مفرح بأن الأمر مستتبّ له، فيقول: mأما بعد فإنّ الرائد لا يكذب أهله، إنّ جمع (جميع) أهل الكوفة معك فأقبل حين تقرأ كتابي، والسلامn([91])، وقد نصّت بعض مصادر التاريخ أن من بايع مسلماً بلغ ثمانية عشر ألفاً، كما يقول الطبري([92])، أو نيفاً وعشرين ألفاً، كما يقول ابن الأعثم الكوفي([93])، أو أكثر من ثلاثين ألفاً كما يقول الدينوري([94])، بل ذكروا أكثر من ذلك([95])، يضاف إلى ذلك كون الكوفة أقرب البلدان إلى التشيّع آنذاك بحيث يمكن حشد الجيوش منها، فمصر أقرب إلى العثمانية والأموية منها إلى العلويين آنذاك، وفارس ليس فيها رصيد يذكر لأهل البيت، والبصرة عثمانية الهوى، ومنطقة الحجاز غير قادرة على الصمود العسكري إطلاقاً كما أكّدته أحداث ما بعد كربلاء، واليمن بلاد فقيرة آنذاك لا يمكن لها أن تستمرّ في الانشقاق عن السلطة المركزية، على خلاف الكوفة وما لها من خراج هائل وبلاد تتبع لها([96])؛ ففي ظروف كهذه هل يجوز لقائد حكيم أن يترك كل هذه المعطيات ويتكل على احتمال الغدر والخيانة؟ بل لو اغتال مسلمُ بن عقيل عبيدَ الله بن زياد ـ كما يقول الشريف المرتضى ـ في دار شريك بن الأعور، لحسم الأمر لصالح الإمام الحسين، لكنّ مسلماً رفض معللاً بالنص المعروف عن النبي بأنّ mالإسلام قيد الفتكn؛ فلعلّ الشخصيات التي أشارت على الحسين بعدم الخروج لم تكن مطّلعةً على تمام هذه التفاصيل والمجريات([97])، بل اتكلت على الصورة النمطية التي كانت تحملها عن تجربة البيت العلوي مع أهل الكوفة، وعلى فرض صحّة الروايات التي نقلت عن بعض الشخصيات الكبيرة، وبعضها ضعيف المستند تاريخياً ورجالياً، لكن هل يصحّ القبول بها مع وجود حجّة على الإمام ـ وهي الناصر والمعين ـ ونحن نعرف أنّ الإمام يعمل بالظاهر في حياته وليس بالعلوم الإشراقية الغيبية التي عنده؟! لست أدري لو أنّ الحسين % لم يخرج بعد كلّ هذه الرسائل والظروف لربما قال النقاد والمستشرقون: إنّه أيضاً غير ناضج سياسياً! فقد ترك فرصاً ثمينة، فالمشكلة تكمن في الأفكار المسبقة التي نسقطها على تحليل التاريخ، لاسيما عندما نقرؤه بعد وقوعه لا في ظرفه الزمكاني.

وربما لهذا كنا نجد في بعض الروايات أنّ الإمام يريد أن ينظر في الأمر ويفكّر فيما يقولون، ولعلّه كان ينتظر توافر المعطيات ليرى ماذا يمكن أن يتخذ من إجراء، وهذا كلّه عملٌ في غاية الحكمة والإتقان، والإنسان مكلّف بالوظيفة وطلب النتيجة الحسنة، وقد تحصل وقد لا تحصل، فالهزيمة ليست خطأ من الإمام وإنّما من تخاذل من طلبوه، فهل نحمّل أحداث معركة أُحُد للنبي ؟!

ثم لماذا نصوّر وجوه المسلمين رافضين لخروج الحسين وننسى أنّ هناك الكثير منهم كانوا معه؟! ولا يخفى على أحد كم هو عدد الصحابة والوجوه الذين كانوا مع الحسين في كربلاء، فلا يفترض أن نصوّر المشهد استبداداً بالرأي من الحسين في مقابل إجماع وجوه المسلمين، وهذه نقطة جديرة بالتأمل.

الملاحظة الخامسة: ما ذكره بعض العلماء الباحثين([98])، من أنّه إذا كان هذا التفسير صحيحاً فلماذا استمرّ الإمام الحسين في سيره شمالاً بعد علمه بمقتل ابن عقيل ومسهر بن قيس الصيداوي وغيرهما من الرجال والأنصار، وتخاذل أهل الكوفة وتركهم له؟ إنّ هذا الاستمرار ليس له أيّ معنى سياسي إطلاقاً؛ لأنّ كل المبرّرات التي طرحت لحركته على أساس سياسي ستنهار هنا، فقد كان يفترض به أن يعود فوراً، وهذا ما لم يحصل.

ويمكننا حشد الشواهد لهذا الكلام الذي ذكروه بصرف النظر عن قصة ابن عقيل و.. فلقاء الحسين بالفرزدق كان في منطقة الصفاح أو بالشقوق أو بذات عرق([99])، وهي قريبة من مكّة، أي قبل مسافة كبيرة من ملاقاة جماعة الحر بن يزيد الرياحي، وكذلك لقياه للأعرابيّين من بني أسد قبل ملاقاة الحر([100])، ولقاؤه بشر بن غالب الأسدي في ذات عرق أو الثعلبية([101]).

وهذه الملاحظة جيدة، غير أنّه يمكن التوقف عندها من ناحيتين:

أولاً: الحديث عن هذا الأمر تعارضه بعض النصوص التاريخية التي سبق التعرّض لها، والتي تتحدّث عن عرض الإمام على القوم الذهاب إلى مكان آمن وتركهم؛ فهذا الكلام معناه أنّه عندما أيقن بتحوّل الظروف طلب التوجّه إلى مكان آخر يكون فيه في أمان، ولم يكن يريد الاستمرار لو سمحوا له بهذا الخيار. وربما من هنا بدا التردّد في كلمات السيد محمد الصدر في هذا المجال؛ إذ احتمل أخيراً أن يكون الإمام غير قادر على الذهاب إلى اليمن التي كانت المنطقة الأوفر حظاً بعد الكوفة؛ حيث كان قد خرج من مكّة في ذلك الوقت وبدت الأمور بالنسبة إليه صعبة، فكأنّه صار يائساً من الحياة، بحسب تعبيره([102])، وربما من هنا أيضاً نشأت فكرة أن الحسين كان يغلب على ظنّه أنّهم لن يقتلوه لمكانه من رسول الله، وهذا يعني أنّ قتلهم لبعض الشخصيات لن يمتدّ لقتله هو بنفسه، نظراً لمكانته الاستثنائية، وقد جعل هذا الاحتمال الطبرسيُّ أحدَ احتمالين في تفسير خروج الإمام الحسين([103])؛ وعليه فمن يأخذ بهذه الروايات عليه التوقف مع هذه الملاحظة هنا، أو الجواب عنها، تماماً كما يفترض بالآخرين أن يفسّروا الاستمرار في المسير.

ثانياً: إنّ هذه الملاحظة تبطل التفسير السياسي البحت القائم على جعل دعوة أهل العراق للإمام هي محور الحركة الحسينية، لكنّها لا تنفي أن تكون الحركة الحسينية قد تعدّدت المبرّرات لها؛ إذ يمكننا للخروج من هذه الملاحظة وتبعاتها أن نجمع هنا بين نظريّتي: الفرار من البيعة والعامل السياسي، بصرف النظر عن تحديد أيّ من هذين العاملين كان هو الأساس؟ فلما علم الحسين بفشل المشروع في الكوفة، لم يرجع إلى مكة ولا المدينة؛ لأنّه سوف يقتل هناك، كما أسلفنا المؤشرات التاريخية على ذلك، فاستمرّ نحو العراق باتجاه الشمال إمّا كسباً للوقت؛ بحيث بعد أن وصله الخبر ما استطاع الرجوع، فكان يريد أن يستقرّ فترة لكسب الوقت فاتجه شمالاً ليصل مكاناً ما ثم يعود! أو أنّه يتخيّل للناظر ـ كما يقول السيد هبة الدين الشهرستاني([104]) ـ أنّه كان يريد عبور الفرات نحو الأنبار أو المدائن؛ علّه يجد لنفسه أنصاراً وشيعة، أو لعله كان اقتراحاً من الحر بن يزيد الرياحي للخروج من المأزق، كما تفيده بعض الروايات التاريخية([105]).

ونظريّة تعدّد العوامل المسبّبة للثورة كان فصّل فيها الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، ليس بقصد الانتصار للتفسير السياسي؛ فقد كان من المعارضين له، وإنّما بقصد التحليل ووضع أسباب الثورة ضمن نظام من الأولويات والرتبية؛ فقد ذهب المطهري إلى أنّ الشواهد بأكملها تؤكّد أنّ حركة الإمام الحسين انطلقت من ثلاثة عناصر، هي:

1 ـ عنصر رفض بيعة يزيد؛ وهذا العنصر الرافض هو الذي حرّك الحسين للخروج من المدينة المنوّرة، كما صار واضحاً بملاحظة النصوص التاريخية. وهذا معناه أنّ عنصر الفرار من البيعة كان عنصراً أساسياً في انطلاقة الثورة واستمراريّـتها.

2 ـ عنصر دعوة أهل الكوفة للإمام الحسين، وهذا العنصر لم يكن في المدينة بل ـ كما صار واضحاً ـ فإنّ رسائل أهل العراق وصلت للحسين بعد حوالي أربعين يوماً من خروجه من المدينة، أي بعد أن علموا بخروجه، كما تؤكّده أيضاً جلسة كبار رجال الكوفة بهذا الصدد، من هنا يلاحظ على التفسير السياسي الذي طرحه الشيخ نعمة الله صالحي نجف آبادي أنّه ركّز على هذا العنصر الثاني في حين كانت ولادة هذا العنصر متأخرةً عن انطلاقة حركة الحسين.

3 ـ عنصر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي تكشف عنه بعض النصوص الحسينية التي سبق أن أسلفنا ذكرها، وهو عنصر برز في نصوص الحسين حتى وهو في المدينة المنوّرة، ممّا يدعم فرضية أنّ دعوة أهل الكوفة كانت عنصراً ثانوياً([106]).

وأقصد من الاستعانة بنظرية المطهري، أنّه لا يوجد ما يؤكّد أنّ الإمام الحسين خرج من المدينة يحمل مشروعاً سياسياً في العراق، وإنّما لم يرد البيعة ولم يشأ أن تظلّ نساؤه وأمواله تحت رحمة القوم؛ لاحتمال ظهور مستجدّات في الأمر، لكن لما بلغته رسائل أهل الكوفة وغيرهم، بدأت تتبلور فكرة الحركة السياسية الثورية، فأقدم على مقدّماتها من إرسال مسلم وغيره، ثم لما علم بخطّة اغتياله في مكّة استعجل خروجه، وكانت أكثر الفرص آتية من ناحية العراق، فاتجه نحوها، وبلغه استتباب الوضع فاكتملت الفكرة لأخذ العراق ومناهضة حكم الشام منه، ولمّا عادت الأخبار تنبؤ بتدهور الأوضاع لم يعد يمكن وضع برنامج سياسي مضمون، لكنّه كان يحتمل أنّ توجهه إلى العراق رغم المعطيات قد يقدّم فرصاً أكبر من توجّهه نحو أيّ بلد آخر بعد عجزه عن الرجوع إلى مكّة والمدينة، فاستمرّ يجدّ السير تحدوه الآمال بوضعٍ ما لحركة سياسية ما وإن ضعفت احتمالات نجاحها، ولمّا جاء الحرّ بن يزيد الرياحي، وتفاقمت الأوضاع، عزم على الشهادة حيث رآها السبيل الوحيد للنهوض بالأمة.

من هنا؛ فهذه الملاحظات لا ترد على التفسير السياسي، بل تضيّق بعض مساحاته على امتداد المسافة الزمنية لحركة الحسين %؛ لهذا نعتقد أنّ أقوى مشكلة تواجه التفسير السياسي هي مشكلة النصوص الكثيرة الدالّة على إنباء النبي وأهل البيت ( بشهادة الحسين([107])، وبهذا تمتاز هذه النصوص عن قضية العلم اللدني للإمام، فإنّ ذاك العلم حيث كان خاصّاً بالإمام أمكن التمييز فيه بين الظاهر والواقع كما أسلفنا، لكنّ هذه النصوص تخبر عن إنباء المعصومين ( للناس بأمر الحسين، وعلى أية حال فالبحث فيها يطول، فنتركها لمجال آخر.

 
4 ـ النظرية الرسالية الإحيائية، أو مشروع التوفيق بين الغيبية والتعقيل

وتعرف هذه النظرية في الفترة المتأخرة، وقد اشتهرت بها مدرسة الشهيد محمد باقر الصدر، حيث ذكرها الشهيد وشرحها تلامذته وأنصاره، كما تبنّاها غير واحد من العلماء، مع اختلاف في كيفية التعبير([108])، وتذهب هذه النظرية إلى أن التفسير السياسي ـ على صحّته ـ يجعل حركة الحسين % محدودة مكانياً، فيما التفسير الرسالي يعطيها بُعداً عملياً وتاريخياً. وخلاصة هذا التفسير أن الحسين كان يواجه في الأمة مرض موت الضمير، وفتور الهمم، وضياع القيم، ففي فترة العشرين عاماً بعد شهادة علي % قام معاوية بحرف وعي الأمة، وكسر عنفوانها، وقتل روح العزّة والشموخ فيها، وبهذا تكون الثورة بهدف الاستشهاد كي يصحو ضمير الأمة، ويهتزّ كيانها، بمنظر مأساوي فجيع، يعيدها حيةً من جديد، لتعيد إحياء الإسلام، وبعث الروح الرسالية، وتلك النصوص كلّها التي تتحدّث عن إرادته إصلاح الأمور يمكن تفسيرها أيضاً بهذا التفسير، وهذا ما حصل فعلاً، كيف اهتزّ ضمير الأمة بعد شهادته بحركة التوابين وأحداث مكة والمدينة وغيرها([109])، وبه نجمع بين كلّ الروايات الغيبية والميدانية، ولا نقع في أيّ محذور يخصّ علم الإمام.

وهذه النظرية من النظريات التي تحمل افتراضاً منطقياً في الثقافة الدينية، إلا أنه إذا استبعدت نظرية علم الإمام، إما من أصلها أو توظيفها كما أشرنا سابقاً، إلى جانب إنكار الروايات الدالّة على التنبؤ بشهادته من قبل الرسول و.. فإنّ هذه النظرية ستغدو خلاف ظاهر النصوص والأحداث، ولا شاهد لها، بل الشيء الذي يفهمه أيّ قارئ للتاريخ هنا ـ بعيداً عن القراءات الأيديولوجية المسبقة ـ هو الاقتراب من الفهم السياسي أو الفرار من البيعة؛ إذ ليس هناك نصّ واضح أو موقف صريح يبيّن هذا الهدف الحسيني، فهو عملية تأويلية، على خلاف نظرية هدفية تغيير الواقع أو الفرار من البيعة، فهي أقرب لدلالة النصوص بدون توسّط مفهوم غير مختزن في النص نفسه؛ وعليه، فمعيار البحث في هذا الموضوع هو النصوص المذكورة ودراستها من ناحية السند والمتن، إلى جانب الرصد التاريخي لها. بعد أن تحدثنا عن سائر المعطيات والشواهد التي تقف لصالح التفسيرات الثلاثة السابقة أو ضدّها، فلا نعيد.

 
التأثيرات الفقهية لنظريات الثورة الحسينية، مقاربة ومقارنة

طبقاً لما تقدّم، ومع استبعاد التفسير الأول، ودوران الأمر بين الثلاثة الباقية، أو بالبيان الذي بيّناه بما يجمع بين بعضها، لا بد من الخروج بنتائج؛ من هنا:

أ ـ لا شك ـ مبدئياً ـ في أن التفسير الثالث أقرب هذه التفاسير إلى تصحيح الاستناد لثورة الحسين % في شرعية الخروج على الحاكم الجائر خروجاً مسلّحاً؛ لأنها تفرض أنّ الحسين خرج بصورة عسكرية لإسقاط نظام ظالم، فتكون دلالتها على ما نحن فيه واضحة جداً.

ب ـ أما إذا أخذنا بالتفسير الرابع فقد يقال: إنّ هذا التفسير يعطينا دلالة على جواز الاستشهاد العمدي لإيقاظ الأمة، دون الدلالة على شرعية الخروج المسلّح لإسقاط النظام أو إقامة نظام إسلامي؛ لأن الحسين % ـ حسب الفرض ـ لم يكن يريد لا إسقاط نظام بني أمية، ولا إقامة نظام إسلامي بديل.

لكن مع ذلك، وإذا مارسنا نظرة مقاصدية لثورة الحسين % ـ طبقاً لهذا التفسير ـ سنجد أنّ هذا الخروج عندما يراد له أن يحيى ضمير الأمة فمعناه أنه يدفعها لاستنساخه وممارسة تجربة شبيهة به، أي أنه من الناحية الطبيعية المفترضة سوف يحرّك جماهير الأمة للثورة والرفض، وإلا ماذا سيكون معنى إحياء ضمير الأمة وهزّ كيانها الذي يتحدّث عنه هذا التفسير؟!

وثمّة إشكاليات هنا نطرحها لمزيد من الدرس والبحث والتفكير؛

1 ـ إشكالية البُعد اللاديني في السلطة

وتعني هذه الإشكاليّة أنّ الحسين كان يريد كشف عدم شرعية هذه السلطة وعدم كونها دينية، وأن جمعها بين الديني والدنيوي كان جمعاً باطلاً، كما يذهب إليه العلامة محمد مهدي شمس الدين([110])، فهو يريد كشف (لا دينية النظام) بأسلوب من الصدمة الوجدانية، عندما يرى المسلمون أن هذا النظام قد قتل أسرة النبي % وشخصيات من وجوه الصحابة، وليكون ذلك انطلاقاً لعدم جعل هذا النظام ورموزه ناطقين باسم الدين ولا معبّرين عنه، بقطع النظر عن لزوم إسقاطهم من سدّة السلطة بالقوة أو لا، فطبقاً لهذا التفسير الرابع قد يصعب الاستناد إلى الثورة الحسينية للإفتاء بجواز الثورة المسلّحة إلا في حالات شبيهة، مثل إرادة كشف لا دينية الحاكم، لا إسقاطه من سدّة السلطة؛ لأن كشف لا دينيته يحمي الإسلام منه حتى لو لم يحمِ المسلمين من بطشه.

وهذه الملاحظة لا تأتي على التفسير السياسي للثورة، لأنّ هذا التفسير لا يفترض حالة الصدمة الوجدانية التي تحدثها شهادة ابن بنت النبي في الأمّة، وإنما تطال التفسير الرابع بشكل رئيس، وما دامت الاحتمالات التفسيرية في فعلٍ ما متعدّدة فيصعب ترجيح أحدها إلا بشاهد أو معطيات إضافية أو نفي تمام الاحتمالات الأخرى.

 
2 ـ إشكالية الصمت في دلالة الأفعال

وفي قراءة تخضع لمعايير الدرس الأصولي، قد يورد على الاستدلال بثورة الحسين ـ كما أورده السيد الحائري([111]) ـ حتى بالتفسير الثالث فضلاً عن غيره، أنها فعل المعصوم، والفعل ليس فيه دلالة إطلاقية؛ فقد يكون خروج الحسين % منحصراً بحالة الخوف على الإسلام أن يزول نهائياً، وفي هذه الحالة لا شك في شرعية الخروج، ولو بالعنوان الثانوي، لكنه لا يثبت جواز الخروج على الظالم لظلمه للرعية أو لعدم قانونية دولته، أو لفسقه الشخصي أو لعدم حكمه بالإسلام، مع سماحه للدين أن يواصل مسيره أو..

وهذا الإشكال يعزّزه أننا لم نشهد تكراراً لهذه التجربة طوال عهد الأئمة (، رغم ظلم وجور و.. الخلفاء الأمويين ثم العباسيين، فكونها التجربة الفريدة، إلى جانب رفض الأئمة لبعض الحركات الثورية التي عاصروها ـ على بحث مفصّل سبق أن تعرّضنا له في موضع آخر ـ شاهد على صعوبة اتخاذ تعميم من الثورة لغير القدر المتيقن المشار إليه، سيما على نظرية العلامة شمس الدين الذي يذهب إلى أن علياً والحسن لم يخرجا على الخليفة، لا من أجل الخوف من إبادة الشيعة، بل من أجل حفظ كيان الأمة الإسلامية ووحدتها، وهكذا موقف سائر الأئمة بعد الحسين([112]). فاعتداء بني أمية على الناس بالظلم والقتل والجور، يضاف إليه احتمال إحساس الخطر على الدين كلّه وقيمه، قد يجيز الخروج المسلّح، لكنه من غير المعلوم أنه يجيزه في غير هذا النطاق.

وهذه الإشكالية لابد من الأخذ بها، ومن ثم التفتيش عن المقدار المتيقن للسير خلفه، فتبقى الثورة الحسينية شاهداً فقهياً لكنّها لن تحوي إطلاقاً يستوعب تمام حالات فساد الأنظمة، والمخرج الوحيد من هذه الإشكالية هو ملاحظة بعض النصوص التي يطبّق فيها الحسين % عمومات نبوية على ثورته، فإنّ هذه النصوص ـ إذا رآها الفقيه حجةً معتبرة ـ يمكنها أن تكون دليلاً على التعميم، وقد أسلفناها، فلا نعيد؛ لأنّها تجعل حركة الحسين ضمن قانون لفظي يمكن التمسّك بإطلاقه.

 
3 ـ إشكالية التعارض في أفعال المعصومين

وهي إشكاليّة أثارها السيد محمد صادق الصدر، ويقصد بها أنّ الإمام الحسين قد خرج وترك التقية فيما التزم بها سائر الأئمة من بعده، وفي هذه الحال لا نستطيع ترجيح أحد الموقفين ما داما قد صدرا من المعصوم، فتقع المعارضة بين الأفعال وتتساقط، فتسقط الدلالة على العموم ـ أي شمول التكليف للآخرين ـ ويرجع إلى القواعد العامة([113]).

هذا الكلام جيّد إذا قصد به عدم إمكان استفادة وجوب أو جواز الخروج المسلّح بنحو القاعدة العامة، إلا أنّه لا يمنع من الأخذ بالقدر المتيقن لمورد هذا الفعل أو ذاك، فإذا حصلنا على قدر متيقّن أمكن الأخذ به بلا محذور؛ لأن التعارض هنا وقع بين إطلاقي الفعلين لا الفعلين نفسيهما؛ فنرفع اليد عن الإطلاقين ـ على تقدير انعقاد إطلاق هنا ـ لصالح القدر المتيقن لكلّ من الفعلين؛ وبهذا لا يخرج فعل الحسين عن الشمول للآخرين؛ بل حتى لو أجمل الأمر كليّاً لا يكون ذلك دليل الاختصاص به، بل هو من باب عدم الدليل على شكل التعميم لنا؛ فالمشكلة إثباتية لا ثبوتية؛ ولهذا ذكرنا هذا الوجه هنا ولم نذكره لدى بحث النظرية الأولى.

بل يمكن القول بأنّ الفعل دليل الجواز، فتدل سيرة مجموعهم على الجواز، أي جواز الثورة وجواز عدمها، وهذا هو مطلوب المستدلّين بثورة الحسين، نعم استفادة الوجوب مشكل ضمن الصيغة والإطار الذي بيّناه أعلاه، إلا إذا قيل: إنّ الاستدلال يكون بمعونة النصوص المحيطة بأفعالهم والتي تمنع عن القيام بغير ما قاموا به، مثل التي تذمّ من يترك التقيّة، أو من يتخلّف عن الحسين، وهذا بحث فقهي آخر يتعدّى دائرة الفعل، فلاحظ جيداً.

 
4 ـ إشكالية اللاثورية في الحركة الحسينية

وثمّة مشكلة أخرى أمام الاستدلال بالثورة الحسينية على جواز الثورة المسلّحة ضد النظام الفاسد، ينقلها العلامة محمد حسين فضل الله ثم يناقشها بمخالفتها لظاهر النصوص والأحداث الحسينية([114])، وهي أنّ الإمام الحسين لم يكن يريد من الأساس القيام بثورة دموية، بل أراد إرسال مسلم بن عقيل للإمساك بزمام الكوفة؛ نتيجة تأييد وجوهها له دون حرب أو سفك دماء، فلا يحرز أنّه كان يريد الخوض بمعركة دموية ضدّ النظام الفاسد، وإنّما اضطرّ إليها في آخر المطاف اضطراراً؛ دفاعاً عن نفسه وأهل بيته.

وهذه الفرضية تحتاج لوقفات جادّة لتحليل الموقف، وإن كانت المؤشرات ـ بحسب التحليل الذي أوردناه ـ تساعد على عكس ذلك، فلا نطيل؛ فإنّه من البعيد جداً أنّ حكومة الشام لن تواجه حركة الحسين حتى لو سيطر على الكوفة بلا قتال.

 
خاتمة واستنتاج

ومن خلال هذه المطالعة الموجزة لحركة الإمام الحسين، يتبيّن أن الاستدلال بهذه الثورة لصالح نظرية الثورة على الأنظمة ممكنٌ من حيث المبدأ، لكن ذلك لا يعني أن دائرة الاستناد واسعة، بل هي محدّدة بالأطر التي تمثل القدر المتيقن من العناصر المبرّرة لثورة الحسين، بحيث تتقارب مع الظروف التي تأتي فيما بعد، دون إدخال الاحتمالات البعيدة عن الذوق والعرف والعقلائية.

 


([1]) انظر ـ على سبيل المثال ـ: المجلسي، بحار الأنوار 45: 98 ـ 99؛ والنجفي، جواهر الكلام 21: 295 ـ 296؛ ومحمد رفيع الكرمرودي التبريزي (حوالي: 1330هـ)، ذريعة النجاة: 14.

([2]) حول مواقف المستشرقين وأهل السنّة وبعض الكتّاب المعاصرين، راجع ـ على سبيل المثال ـ: هاشم معروف الحسني، سيرة الأئمة الاثني عشر 2: 85 ـ 96، طبع دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1986م؛ وباقر شريف القرشي، حياة الإمام الحسين 3: 402 ـ 410، نشر مدرسة الإيرواني، قم، الطبعة الرابعة، 1992م.

([3]) لمزيد من الاطلاع على هذا المسرد من عناوين الكتب والمصنفات، أنظر: محمد اسفندياري، كتابشناسي تاريخي إمام حسين%: 38 ـ 39، طهران، وزارة الإرشاد والثقافة الإسلامية، 1380ش/2001م، ط1.

([4]) حول كتاب (الشهيد الخالد)، والمواقف وردود الأفعال عليه، والمشهد التاريخي الذي تركه، انظر: السيد حسن إسلامي، مقال: العزاء سنّة دينيّة أم فعل اجتماعي؟، ترجمة: حيدر حب الله، مجلة نصوص معاصرة، العدد 8: 13 ـ 25، بيروت، خريف 2006م.

([5]) محمد صحّتي سردرودي، عاشورا بزوهي؛ با رويكرد به تحريف شناسي تاريخ إمام حسين: 281 ـ 282، انتشارات خادم الرضا، قم، إيران، ط2، 1385ش/2006م.

([6]) انظر الدكتور علي بيات، قيام عاشورا؛ بايدها وبيامدها (بالفارسية)، مجلة حوزه ودانشكاه، ع33: 11 ـ 22، السنة الثامنة، شتاء 1381ش.

([7]) تلوح هذه النظرية من كلمات: المجلسي، بحار الأنوار 45: 98؛ والنجفي، جواهر الكلام 21: 295 ـ 296؛ والمامقاني، تنقيح المقال 2: 327 (الطبعة الحجرية)؛ وجعفر التستري، الخصائص الحسينية: 30 ـ 31، المطبعة الحيدرية، النجف، العراق، ط 4، 1950م؛ ومحمد صادق الصدر، شذرات من فلسفة تاريخ الحسين: 165 ـ 166؛ ومحمد حسين كاشف الغطاء، جنة المأوى: 189، 192، دار الأضواء، بيروت، لبنان، ط2، 1988م، ولم يمنع احتمالَها السيد محسن الأمين في لواعج الأشجان: 253.

([8]) حول هذه النظرية راجع: محمود الهاشمي الشاهرودي، الثورة الحسينية دراسة في الأهداف والدوافع، مجلة المنهاج، العدد 29: 26؛ ومحمد باقر الحكيم، ثورة الحسين، النظرية الموقف النتائج: 33 ـ 34.

([9]) انظر في سرد هذه الخصائص الدكتور علي بيات، قيام عاشورا؛ بايدها وبيامدها (بالفارسية)، مجلة حوزه ودانشكاه، ع33: 6 ـ 7.

([10]) جاءت قصّة الرؤيا عند: هاشم البحراني، مدينة المعاجز 3: 483 ـ 484.

([11]) السيد ابن طاووس، اللهوف في قتلى الطفوف: 39 ـ 40؛ والحسن بن سليمان الحلي، المحتضر: 82؛ والمجلسي، بحار الأنوار 44: 364؛ والبحراني، العوالم: 214؛ والقندوزي، ينابيع المودّة 3: 60؛ وموسوعة كلمات الإمام الحسين: 398 ـ 399.

([12]) ابن قولويه، كامل الزيارات: 157؛ والحلي، مختصر بصائر الدرجات: 6؛ وقطب الدين الراوندي، الخرائج والجرائح 2: 771 ـ 772؛ وابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب 3: 230؛ والحلي، المحتضر: 82؛ والبحراني، مدينة المعاجز 3: 461 ـ 462؛ والمجلسي، بحار الأنوار: 45: 87؛ والبحراني، العوالم: 155، 317.

([13]) انظر: تاريخ الطبري 4: 291 ـ 292؛ وابن أعثم الكوفي، الفتوح 5: 67؛ وابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب 3: 245؛ وابن كثير، البداية والنهاية 8: 176، 181؛ والبحراني، العوالم: 216؛ وابن الأثير، الكامل في التاريخ 4: 40 ـ 41؛ والطبرسي، إعلام الورى 1: 446؛ والمرعشي، شرح إحقاق الحق 33: 623.

([14]) راجع: تاريخ الطبري 4: 260 ـ 261، 287؛ والكامل في التاريخ 4: 19، 37؛ والفتوح 5: 65 ـ 66؛ وابن الصباغ، الفصول المهمة 2: 785، 796 ـ 797؛ وابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق 14: 208 ـ 209؛ والمزي، تهذيب الكمال 6: 417؛ والبداية والنهاية 8: 172، 176.

([15]) حول مسألة بُعد احتمال إرادة الاستخارة المتعارفة اليوم، أنظر: الشيخ نجم الدين الطبسي، الإمام الحسين في مكة المكرّمة (مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة) 4: 226 ـ 229.

([16]) راجع: تاريخ الطبري 4: 301؛ والإرشاد 2: 76.

([17]) التستري، الخصائص الحسينية: 30 ـ 31؛ وفهم ذلك المامقاني في تنقيح المقال 2: 327، عند ترجمة عمرو بن جنادة بن كعب الخزرجي؛ لأن هذا المناصر للحسين كان صبياً غير مراهق.

([18]) راجع: ابن نما الحلي، مثير الأحزان: 29؛ والحلواني، نزهة الناظر وتنبيه الخاطر: 86؛ واللهوف: 38؛ وكشف الغمّة 2: 239؛ والزرندي الشافعي، معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول: 94؛ وبحار الأنوار 44: 366 ـ 367؛ والعوالم: 216 ـ 217.

([19]) الهاشمي، الثورة الحسينية، دراسة في الأهداف والدوافع، مصدر سابق: 27 ـ 28.

([20])المصدر نفسه: 30.

([21]) تاريخ الطبري 4: 304؛ والكوفي، الفتوح 5: 81؛ وابن الأثير، الكامل في التاريخ 4: 48؛ وبحار الأنوار 44: 381 ـ 382؛ والعوالم: 232 ـ 233.

([22]) تاريخ الطبري 4: 305.

([23]) تحف العقول: 245؛ والقاضي النعمان، شرح الأخبار 3: 149؛ ومناقب آل أبي طالب 3: 224؛ وذخائر العقبى للطبري: 150؛ واللهوف: 48؛ والإربلي، كشف الغمة 2: 242؛ والهيثمي، مجمع الزوائد 9: 192؛ والطبراني، المعجم الكبير 3: 114 ـ 115؛ والحلواني، نزهة الناظر وتنبيه الخاطر: 87 ـ 88؛ وابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق 14: 217 ـ 218؛ والذهبي، تاريخ الإسلام 5: 12؛ وبحار الأنوار 44: 192، 381؛ والعوالم: 67، 232؛ وأعيان الشيعة 1: 598.

([24]) الزرندي الحنفي، نظم درر السمطين: 216.

([25]) الذهبي، سير أعلام النبلاء 3: 310؛ وابن الدمشقي، جواهر المطالب في مناقب الإمام علي 2: 269 ـ 270؛ ولمزيد من الاطلاع انظر: المرعشي، شرح إحقاق الحق 11: 596، 606 ـ 607، و19: 416، و27: 134 ـ 135، و27: 181؛ ويلاحظ أنّ المصادر تختلف في موضع إلقاء هذه الخطبة، وحول ذلك انظر: المولائي والطبسي، الإمام الحسين في كربلاء (مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة) 4: 102.

([26]) حبيب الله طاهري، تحقيقي بيرامون ولايت فقيه: 300.

([27]) الهاشمي، الثورة الحسينية، مصدر سابق: 32 ـ 33.

([28]) انظر: حيدر حب الله، حجية الفعل النبوي، مجلة ميقات الحج، العدد 26: 82 ـ 94.

([29]) يفهم من السيد محمد الشيرازي، الفقه 47: 113؛ ويفهم من بحثهم في خصائص النبي أنّها لا تجري في حقّ الأئمة؛ حيث ناقشوا في بعضها بانتقاضها بالإمام، فلو كانت شاملةً للأئمة لما صحّ مثل هذا النقض، فانظر على سبيل المثال: الشهيد الثاني، مسالك الأفهام 7: 72؛ وقد لاحظنا في موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت أنهم ذكروا الكثير من خصائص الأئمة، ولم يذكروا شيئاً يرجع إلى ما يرتبط ببحثنا، رغم استقصائهم في البحث عادةً، فقد ذكروا مثل وجوب الاعتقاد بإمامتهم، ووجوب محبتهم، ووجوب طاعتهم، والصلاة عليهم، واحترام أسمائهم، والتوسّل والتبرّك بهم، والتسمّي بأسمائهم، وما يتصل ببعض مسائل صلاة الجمعة، والعيدين، والجهاد الابتدائي و.. وكلّها خصائص لا علاقة لها بما نبحثه هنا، كما صار واضحاً، فانظر: موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت 1: 183 ـ 202.

([30]) نصّ الإمام الخميني على قلّة مختصّات الأئمة، وذلك في كتاب الاجتهاد والتقليد: 54؛ ولعله أراد مثل صلاة الجمعة والعيدين والجهاد الابتدائي.. مما لا يدخل في المختصّات التي نبحث فعلاً عنها؛ وحول مسألة الجنابة لمحمد وعلي و.. راجع: وسائل الشيعة 2: 207 ـ 208، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، باب 15، ح 11، 12، 13، 14، 21؛ ومستدرك الوسائل 1: 459 ـ 462.

([31]) انظر كلام الشريف الرضي في هذا الخصوص في مقدّمة كتابه خصائص الأئمة: 3.

([32]) انظر: مدينة المعاجز 4: 52.

([33]) انظر: محمد باقر الحكيم، ثورة الحسين: 35 ـ 36.

([34]) ابن الصباغ، الفصول المهمة 2: 797.

([35]) محمد حسين فضل الله، تأملات في حركة ذكرى عاشوراء، مجلة رسالة الحسين، ع 1: 16 ـ 17، السنة الأولى، 1411هـ، الطبعة الثانية، 2006م؛ وحول موضوع التهلكة وحركة الإمام الحسين، انظر: المفيد، المسائل العكبرية، سلسلة مصنفات الشيخ المفيد 6: 69 ـ 71، دار المفيد، بيروت، لبنان، ط 2، 1993م؛ وعبد الرزاق الموسوي المقرّم، مقتل الحسين: 54 ـ 66، نشر دار الثقافة، قم، إيران، ط2، 1411هـ؛ ومحمد الصدر، أضواء على ثورة الإمام الحسين: 36 ـ 45، مؤسسة العارف للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط1، 1996م.

([36]) أمالي الصدوق: 217.

([37]) راجع: التستري، قاموس الرجال 12: 344؛ والنمازي، مستدركات علم رجال الحديث 8: 584 ـ 585.

([38]) انظر: محمد مهدي الآصفي، الجهاد: 162 ـ 163.

([39]) تلوح هذه النظرية من بعض كلمات: المجلسي (على سبيل التنـزّل حسب الظاهر)، بحار الأنوار 45: 99 ـ 100؛ ومثله محسن الأمين، لواعج الأشجان: 252؛ وقد جعلها الشيخ الطبرسي أحد احتمالين في تفسير خروج الحسين، فانظر له: مجمع البيان 2: 35؛ واحتمل ذلك أيضاً المحقق الكركي، جامع المقاصد 3: 467.

([40]) محمد الشيرازي، الفقه.

([41]) الشهرستاني، نهضة الحسين: 59، 66، منشورات الرضي، قم، إيران، ط2، 1984م.

([42]) في مسألة وصول رسائل إليه في المدينة، وحصول خلط في بعض النصوص في هذا الإطار، أنظر: علي الشاوي، مع الركب الحسيني.. الإمام الحسين في المدينة المنوّرة 1: 423 ـ 426.

([43]) راجع في هذه الحوارات: محمد بن سليمان الكوفي، مناقب الإمام أمير المؤمنين 2: 260؛ والمحاملي، الأمالي: 226؛ ومناقب آل أبي طالب 3: 211؛ وذخائر العقبى: 150 ـ 151؛ واللهوف: 39 ـ 40؛ ومدينة المعاجز 3: 503؛ والمعجم الكبير 3: 119 ـ 120؛ والدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة: 130؛ وتاريخ مدينة دمشق 14: 200 ـ 201، 203، 211؛ وسير أعلام النبلاء 3: 292؛ وتاريخ الإسلام 5: 106؛ والبداية والنهاية 8: 174، 178؛ والصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد 11: 78؛ وينابيع المودة 3: 9؛ وبحار الأنوار 44: 185، 364؛ والعوالم: 54، 214؛ ومجمع الزوائد 9: 192؛ ولواعج الأشجان: 72؛ وأعيان الشيعة 1: 593؛ وشرح إحقاق الحق 11: 435، و27: 186، 188، 254 ـ 255.

([44]) بحار الأنوار 45: 99؛ وقد أشار محقق البحار إلى أنّ هذا الكتاب المعتبر هو كتاب المنتخب.

([45]) راجع ـ مع اختلافات طفيفة في النقل ـ: تاريخ الطبري 4: 289؛ والفتوح 5: 67؛ وشرح الأخبار 3: 145؛ ومدينة المعاجز 3: 485؛ وبحار الأنوار 45: 99 و..

([46]) تاريخ الطبري 4: 296؛ والإرشاد 2: 76؛ والكامل في التاريخ 4: 39؛ والبداية والنهاية 8: 183؛ وتاريخ ابن عساكر 14: 216؛ وإعلام الورى 1: 448؛ وبحار الأنوار 44: 375؛ والعوالم: 225؛ وأعيان الشيعة 1: 593.

([47]) انظر: بحار الأنوار 45: 99 ـ 100.

([48]) هبة الدين الشهرستاني، نهضة الحسين: 67، الهامش رقم: 1.

([49]) انظر: تاريخ الطبري 4: 250 ـ 252، 254؛ والفتوح 5: 18، 22؛ وروضة الواعظين: 171 ـ 172؛ والإرشاد 2: 34 ـ 35؛ والأخبار الطوال: 227 ـ 228؛ ومناقب آل أبي طالب 3: 241؛ وإعلام الورى 1: 434 ـ 435؛ وسبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص: 235 ـ 236؛ مكتبة نينوى الحديثة، طهران، إيران؛ وابن الصباغ، الفصول المهمة 2: 777 ـ 784؛ والكامل في التاريخ 4: 14 ـ 17 و..

([50]) الفتوح 5: 13؛ وروضة الواعظين: 171؛ والإرشاد 2: 32 ـ 33؛ وإعلام الورى 1: 434؛ وابن الصباغ، الفصول المهمة 2: 779 ـ 780؛ والكامل في التاريخ 4: 15؛ وبحار الأنوار 44: 324.

([51]) انظر ـ على سبيل المثال ـ: الفتوح 5: 18، على أحد التفسيرات.

([52]) انظر ـ على سبيل المثال ـ: اللهوف: 21.

([53]) انظر فيهما ـ على سبيل المثال ـ: سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص: 236، 237.

([54]) هاشم معروف الحسني، سيرة الأئمة الاثني عشر 2: 56.

([55]) تاريخ الطبري 4: 313؛ والمفيد، الإرشاد 2: 87 ـ 88؛ والطبرسي، إعلام الورى 1: 453؛ وتاريخ مدينة دمشق 45: 51؛ والكامل في التاريخ 4: 55؛ والذهبي، تاريخ الإسلام 5: 195؛ وأعيان الشيعة 1: 599 ـ 600؛ وقريب من ذلك ما في البداية والنهاية 6: 260.

([56]) المرتضى، تنـزيه الأنبياء والأئمة: 271، تحقيق: فارس حسون كريم؛ وتلخيص الشافي 4: 185؛ تحقيق: السيد حسين بحر العلوم، دار الكتب الإسلامية، منشورات العزيزي، قم، إيران، طبعة 3، 1394هـ. ولهذا وغيره رجّح المرتضى أن يكون الإمام الحسين أراد الرجوع وفعلَ ما فعله أخوه الحسن، لكن حيل بينه وبين ذلك، فانظر: تنزيه الأنبياء: 273.

([57]) انظر: ابن قتيبة، الإمامة والسياسة 1: 175 ـ 176، و 2: 3، تحقيق: الزيني (ج1: 227، و2: 6، بتحقيق الشيري)؛ والبري، الجوهرة في نسب الإمام علي وآله: 42؛ وابن الدمشقي، جواهر المطالب 2: 264.

([58]) تاريخ اليعقوبي 2: 248 ـ 249.

([59]) الفتوح 5: 87.

([60]) سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص: 248؛ ونحوه: باقر شريف القرشي، حياة الإمام الحسين 3: 128، ناقلاً ذلك عن الصراط السوي في مناقب آل النبي: 78.

([61]) أمالي الصدوق: 218؛ والفتوح 5: 71؛ واللهوف: 43 ـ 44؛ ومثير الأحزان: 33 و..

([62]) الإرشاد 2: 79؛ وانظر: الخوارزمي، مقتل الحسين 1: 232، منشورات مكتبة المفيد، إيران؛ وأعيان الشيعة 4: 612.

([63]) بحار الأنوار 44: 383.

([64]) تاريخ الطبري 4: 323؛ والبداية والنهاية 8: 194؛ والكامل في التاريخ 4: 62.

([65]) البداية والنهاية 8: 189 ـ 190؛ ووردت باختلاف بسيط في تاريخ الطبري 4: 313؛ والكامل في التاريخ 4: 54 ـ 55.

([66]) انظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى 6: 349؛ وتاريخ ابن معين، الدوري 1: 199؛ والبخاري، التاريخ الصغير 2: 74؛ والتاريخ الكبير 8: 9؛ والضعفاء الصغير: 116؛ والعجلي، معرفة الثقات 2: 264 ـ 265؛ وعلل الترمذي: 401؛ والنسائي، كتاب الضعفاء والمتروكين: 236؛ والعقيلي، الضعفاء 4: 232 ـ 234؛ والرازي، الجرح والتعديل 8: 361 ـ 362؛ وابن حبان، كتاب المجروحين 3: 10 ـ 11؛ وابن عدي، الكامل 6: 420 ـ 423؛ وغير ذلك الكثير.

([67]) لاحظ: النمازي الشاهرودي، مستدركات علم رجال الحديث 4: 268.

([68]) ابن حبان، الثقات 6: 479؛ والحاكم النيسابوري، المستدرك 1: 49.

([69]) الخوئي، معجم رجال الحديث 12: 169 ـ 170، رقم: 7736؛ ومستدركات علم رجال الحديث 5: 248.

([70]) الحكيم، ثورة الحسين: 19.

([71]) انظر: الطوسي، تلخيص الشافي 3: 86.

([72]) راجع: محمد صحتي سردرودي، عاشورا بزوهي: 296 ـ 297، 298 ـ 299.

([73]) نقل ذلك عنه، محمد صحتي سردرودي، عاشورا بزوهي: 305 ـ 307.

([74]) نقل عنه ذلك، محمد صحتي سردرودي، عاشورا بزوهي: 307 ـ 309.

([75]) انظر ـ مع اختلافات طفيفة في النقل ـ: تاريخ الطبري، 4: 262؛ والإرشاد 2: 39؛ وروضة الواعظين: 173؛ والكامل في التاريخ 4: 21؛ وبحار الأنوار 44: 334 ـ 335.

([76]) تاريخ الطبري، 4: 266؛ والبداية والنهاية 8: 170؛ وأعيان الشيعة 1: 590.

([77]) انظر في الخلاف حول هذا الموضوع ـ على سبيل المثال ـ: الشيخ المفيد في المسائل العكبرية: 69 ـ 70؛ حيث نفى العلم المطلق للإمام حتى أنّه قال بأنه يعلم ما يكون من مقتله دون أن يعلم التفاصيل؛ والطوسي، تلخيص الشافي 4: 189 ـ 190.

([78]) راجع: جعفر التستري، الخصائص الحسينية: 43 ـ 46؛ والصدر، أضواء على ثورة الحسين: 38.

([79]) انظر مجمل هذه الملاحظة عند: الآصفي، الجهاد: 157 ـ 159.

([80]) راجع: الطوسي، تلخيص الشافي 4: 183 ـ 185؛ والمفيد، المسائل العكبرية: 71.

([81]) محمد حسين آل كاشف الغطاء، جنة المأوى: 189 ـ 190.

([82]) انظر: محمود الهاشمي، الثورة الحسينية دراسة في الأهداف والدوافع، القسم الثاني، مجلة المنهاج، العدد 30: 21 ـ 23.

([83]) الآصفي، الجهاد: 159 ـ 160.

([84]) انظر المواقف كما جمعها مثل الذهبي، سير أعلام النبلاء 3: 292 ـ 298؛ وباقر شريف القرشي، حياة الإمام الحسين 3: 23 ـ 38؛ ومحمد جواد الطبسي، مع الركب الحسيني.. وقائع الطريق من مكة إلى كربلاء 3: 175 وما بعدها؛ وعلي الشاوي، الإمام الحسين في المدينة المنوّرة 1: 411 وما بعدها.

([85]) الحكيم، ثورة الحسين: 21 ـ 22؛ ومحمد الصدر، أضواء على ثورة الحسين: 75.

([86]) انظر: الفتال النيسابوري، روضة الواعظين: 171؛ وابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق 14: 205؛ والمزي، تهذيب الكمال 6: 412 ـ 413؛ وسير أعلام النبلاء 3: 293 ـ 294؛ والبداية والنهاية 8: 174؛ وشرح إحقاق الحق 27: 168، 515.

([87]) انظر: المفيد، الإرشاد 2: 32؛ والفتال النيسابوري، روضة الواعظين: 171.

([88]) حول منطلقات عدم الثورة في عهد معاوية، انظر: محمد مهدي شمس الدين، ثورة الحسين ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية: 137 ـ 165؛ وعلي الشاوي، مع الركب الحسيني.. الإمام الحسين في المدينة المنوّرة 1: 232 ـ 243.

([89]) الذهبي، سير أعلام النبلاء 3: 299؛ وانظر في الصحائف أيضاً: بحار الأنوار 44: 333 ـ 334.

([90]) انظر في التعليق على هذه الفكرة: محمد علي عابدين، مبعوث الحسين: 76؛ وحول تأنّيه في الجواب راجع: اللهوف على قتلى الطفوف: 24؛ وبحار الأنوار 44: 334؛ وأعيان الشيعة 1: 589؛ ولواعج الأشجان: 34.

([91]) تاريخ الطبري 4: 297؛ والبداية والنهاية 8: 181.

([92]) تاريخ الطبري 4: 275، 281.

([93]) الفتوح 5: 40.

([94]) ابن قتيبة الدينوري، الإمامة والسياسة 2: 8؛ وابن الدمشقي، جواهر المطالب 2: 265.

([95]) راجع: محمد علي عابدين، مبعوث الحسين: 102.

([96]) انظر حول مبرّرات ترجيح الكوفة في حركة الإمام الحسين على غيرها: باقر شريف القرشي، حياة الإمام الحسين 3: 11 ـ 20؛ ومحمد جواد الطبسي، مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة، وقائع الطريق من مكة إلى كربلاء 3: 15 ـ 27.

([97]) انظر: المرتضى، تنـزيه الأنبياء والأئمة: 270 ـ 272؛ وتلخيص الشافي 4: 187.

([98]) انظر: محمد باقر الحكيم، ثورة الحسين: 22؛ وفضل الله، تأملات في حركة ذكرى عاشوراء، مصدر سابق: 19؛ ومحمد الصدر، أضواء على ثورة الحسين: 76 ـ 78.

([99]) انظر: تاريخ الطبري 4: 290؛ والمفيد، الإرشاد 2: 67 ـ 68؛ وابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب 3: 245؛ ومقاتل الطالبيين: 83؛ وابن نما الحلي، مثير الأحزان: 28 ـ 29؛ والكامل في التاريخ 4: 40؛ والبداية والنهاية 8: 180؛ وإعلام الورى 1: 445 ـ 446؛ ومحمد بن طلحة الشافعي، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول: 396؛ وكشف الغمة 2: 253 ـ 254؛ وابن الصباغ، الفصول المهمة 2: 803 و.. وحول الخلاف في تحديد مكان لقيا الفرزدق انظر: محمد جواد الطبسي، مع الركب الحسيني.. وقائع الطريق من مكّة إلى كربلاء 3: 186 ـ 188.

([100]) انظر: مقاتل الطالبيين: 73.

([101]) انظر: الفتوح 5: 69 ـ 70؛ واللهوف: 43؛ وأمالي الصدوق: 217 ـ 218؛ وبحار الأنوار 44: 367؛ والعوالم: 217 و..

([102]) محمد الصدر، أضواء على ثورة الحسين: 77 ـ 78.

([103]) الطبرسي، مجمع البيان 2: 35؛ وقد استعرض هذا الاحتمال محمد جواد الطبسي ثم ردّه بمسألة الاعتقاد الشيعي بعلم الإمام بغدر أهل الكوفة، فراجع: مع الركب الحسيني.. وقائع الطريق من مكّة إلى كربلاء 3: 22 ـ 23.

([104]) الشهرستاني، نهضة الحسين: 87.

([105]) الإرشاد 2: 80 ـ 81؛ وروضة الواعظين: 179.

([106]) انظر حول نظرية الشيخ مرتضى مطهري: الملحمة الحسينية 2: 7 ـ 51، 227 ـ 256، نشر المركز العالمي للدراسات الإسلامية، قم، إيران، ط3، 1413هـ؛ ومهدي بيشوائي، سيرة الأئمة: 145 ـ 163، تعريب: حسين الواسطي، مؤسسة الإمام الصادق، قم، إيران، 1425هـ؛ وقد حاول بعضهم التأكيد على الامتزاج بين العوامل الثلاثة وأنّها لم تكن مترتبة زماناً بل متداخلة؛ فانظر: علي الشاوي، مع الركب الحسيني.. الإمام الحسين في المدينة المنوّرة 1: 365 ـ 369.

([107]) راجع حول هذه النصوص مختلف مصادر السيرة والمقاتل وكتب التاريخ المعروفة، ومن باب المثال انظر: مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة، الشيخ عزت المولائي والشيخ محمد جعفر الطبسي، الإمام الحسين في كربلاء 4: 36 ـ 68.

([108]) انظر: هاشم معروف الحسني، سيرة الأئمة الاثني عشر 2: 90 ـ 92؛ وجعفر السبحاني، الأئمة الاثني عشر: 77 ـ 89؛ وله أيضاً: أضواء على عقائد الشيعة الإمامية: 157 ـ 162؛ وعبد الحسين شرف الدين، المجالس الفاخرة: 44 ـ 51؛ ومحمد جواد مغنية، الحسين وبطلة كربلاء: 17 ـ 18، 22، 67 ـ 68؛ وشريعتي، الحسين وارث آدم، مجموعه آثار 19: 189؛ ومحمد حسين الطباطبائي، بحثى كوتاه درباره علم إمام: 52 ـ 56؛ نقلاً عن سردرودي، عاشوار بزوهي: 320 ـ 330.

([109]) انظر: محمد باقر الصدر، أئمة أهل البيت ودورهم في تحصين الرسالة: 309 ـ 358 (طبع المؤتمر)؛ والهاشمي، الثورة الحسينية، مجلة المنهاج، العدد 30: 19، 23 ـ 33؛ ومحمد الصدر، أضواء على ثورة الحسين: 78 ـ 82؛ والآصفي، الجهاد: 166 ـ 169؛ وله أيضاً: وارث الأنبياء الكتاب الأول، خلفيات ثورة الإمام الحسين: 205 ـ 223؛ والحكيم، ثورة الحسين: 39 ـ 52؛ وعادل الأديب، الأئمة الاثنا عشر، دراسة تحليلية: 105 ـ 138، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط3، 1405هـ.

([110]) انظر له: فقه العنف المسلّح في الإسلام: 127، 129، 138 ـ 139.

([111]) الحائري، الكفاح المسلّح: 85 ـ 88؛ وانظر: محمد صادق الصدر، شذرات من فلسفة تاريخ الحسين: 166.

([112])شمس الدين، فقه العنف المسلّح في الإسلام: 126 ـ 127، 130 ـ 131، 139.

([113]) محمد صادق الصدر، شذرات من فلسفة تاريخ الحسين: 166 ـ 167.

([114]) محمد حسين فضل الله، تأملات في حركة ذكرى عاشوراء: 18 ـ 19.

 

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً