الشيخ محسن باغبان(*)
«من أيّ البلاد هذا المطرب الذي أنشأ نغمات العراق، ثمّ عزف أنغام العَوْدة من طريق الحجاز؟» (حافظ).
مقدّمة ــــــ
لن يُعتَرض علينا إذا قلنا بأنّه لا يوجد أيّ مذهب أو فرقة في العالم يحتلّ فيها «الدعاء» و«دوره في الفكر الديني» هذا القدر من الاهتمام والتميّز والمكانة الخاصّة التي يحتلّها في المذهب الشيعيّ. هذا والحال أنّ الدعاء جزء لا يتجزّأ من باطن الإنسان، وهو أمرٌ نابعٌ من الفطرة الإلهيّة المودعة فيه.
إنّ للدعاء حضوراً لافتاً في المذهب الشيعيّ، إلى درجة أنّنا لو أردنا يوماً أن نعدّد وجوه الافتراق بين الشيعة وغيرهم من الفرق والمذاهب الأخرى لأمكننا أن نعدّ اهتمام أئمّة الشيعة بالدعاء أحد هذه الوجوه.
كما أنّ موضوع الدعاء له أهميّة كذلك من جانب آخر أو عدّة جوانب أخرى.
مثلاً: لقد تمكَّن الدعاء أن يتغلّب على العوامل التاريخيّة وتجاذباتها المختلفة، واستطاع أن يقاوم تأثير مرور الزمان في إضعاف الأفكار والعقائد، وتغيير الثقافات والسنن، ليحافظ على العلاقة بين الأئمّة المعصومين وأتباعهم محكَمةً راسخةً لمدّة تربو على عشرة قرون. ولذا يمكننا أن نقول: إنّ الدعاء ـ في الحقيقة ـ يمثِّل نوعاً من الضمانة للحضور الدائم والمستمرّ عبر التاريخ.
إنّنا قلّما نعرف كاتباً أو مفكّراً أو أديباً استطاعت أفكاره وأقواله أن تحافظ بعد ألف سنة على مكانتها وموقعيّتها في قلوب وأرواح الناس، بينما نجد أنّ دعاء كميل، ومناجاة مسجد الكوفة لأمير المؤمنين×، لا يزالان ينبضان بقوّة في قلوب الشيعة، ونشاهد كيف أنّ الساهرين في أسحار شهر رمضان المبارك ما برحوا غرقى الأنفاس القدسيّة للإمام السجّاد× في دعاء أبي حمزة الثمالي.
حقّاً مَنْ هم يا ترى هؤلاء المتهجِّدون بالأسحار، الذين عاشوا قبل ألفٍ وبضع مائة سنة، الذين اقشعرّت أبداننا لصيحاتهم المنادية «واحسرتاه، ووانفساه»، واهتزّت لها جميع فقرات تفكيرنا، والذين ما تزال تنبعث في أسماعنا مناجاتهم المترنّمة بلحن «واشَوْقاه» النابع من شوقهم إلى لقاء ربّهم؟ ومن أين انطلقت «قافلة الحلّة» تلك، وعلى أيّ «جودي» ستحطّ رحالها؟ و«منزل سلمى» هذا الذي ينام على صوت الحدّائين ودقّ الجرس، وذلك الناي المهجور الذي فارق موطنه، فصار يبكي من الحنين، وينشد نغماته النابعة من إحساس الفراق والبعد، من أيّ أنواع نفخ صور إسرافيل هما: صور الممات بعد الحياة أم صور الحياة بعد الممات؟
إن تاريخ حفظ وتدوين أدعية المعصومين، وشرحها، وكتابة الحواشي عليها، يعود إلى عصر الغيبة، والمئات الأولى من السنين من بعد الهجرة النبويّة. ويمكن الإشارة في هذا المجال إلى الآثار التالية: كتاب الدعاء للكليني(329هـ)، وكامل الزيارات لابن قولويه(367هـ)، وكتاب الدعاء والمزار للصدوق(381هـ)، والمزار للمفيد(413هـ)، ومصباح المتهجّدين للطوسي(460هـ)، وروضة العابدين للكراجكي([1]). وقد فُقد بعض هذه الكتب بمرور الزمان وحوادثه، بحيث لم يبقَ منها إلاّ اسمها، حتّى جاء ابن طاووس(664هـ)، ليحدث أوّلَ نهضة لإحياء أدعية وزيارات المعصومين^([2]).
وبعد ابن طاووس تبعه في هذه النهضة ثلّة من العلماء الآخرين، ممّا أدّى إلى ظهور مجموعة من الكتب في هذا المجال، وذلك من قبيل: المزار للشهيد الأوّل، والبلد الأمين للكفعمي، ومفتاح الفلاح للبهائي، وزاد المعاد للمجلسي، وأخيراً كتاب مفاتيح الجنان للقمّي، ومفتاح الجنّات لمحسن الأمين العاملي.
إنّ هذه الكتب، والعديد من الكتب الأخرى التي أُلّفت لشرح الأدعية الشريفة، والتحشية عليها ـ بالرغم من قيمتها العظيمة بالنسبة لنا، وبالرغم من الجهود التي تكبَّدها أصحابها في جمعها وتأليفها ـ، لم تكن خاليةً من العيوب والنقائص؛ بمعنى أنّ بعضاً منها كان هدفه جمع وتوضيح آداب الدعاء وفضائله، وقسمٌ آخر منها يشتكي من سطحيّة المعالجة (بحيث لا يتجاوز الترجمة العادية، والشرح البسيط الذي يستهدف العوام)، وبعضها الآخر يعالج الموضوع من بُعْد واحد (مثلاً: من خلال نظر عرفاني، أو فلسفي، أو حكميّ، أو أخلاقي، أو…). هذا بالإضافة إلى عدم اشتمالها على جميع الأدعية التي وصلتنا عن أحد المعصومين^، أو عدم ارتباطها مع أدعية المعصومين الآخرين.
ولكنّ الأمر المسلَّم به هو أنّ نقطة الضعف الأساسيّة والأهمّ في هذه التحقيقات تكمن في غياب أسلوب منظَّم ومنسجم لدراسة الأدعية وتحقيقها، وبعبارة أخرى: في (ضعف منهجيّة دراسة الأدعية).
ومن هنا سوف نسعى أثناء دراستنا لفنّ الدعاء في هذا المقال إلى البحث ـ بقدر الطاقة وحدود الوسع ـ في مواضيع جديدة لم يُتطرّق إليها سابقاً في حقل دراسة الدعاء وتحقيقه. و سنحاول من خلال هذا الطريق أن نتناول كأساً من الحوض المترع لأدعية سيّد الشهداء×. ومن جهة أخرى لا يخفى أنّ هذه الدراسة؛ حيث كانت مجرَّد مقدّمة ومدخل لدراسة أدعية سيّد الشهداء×، لم يكن بوسعها إحصاء جميع أدعيته×، والبحث فيها.
تعريف الدعاء (تحديد مفهوم) ــــــ
تعرّف المعاجم اللغوية الدعاء بالشكل التالي:
يقول صاحب معجم مقاييس اللغة: «الدعاء أن تُميل الشيء بصوتٍ وكلام منك»([3]).
وجاء في لسان العرب: «دعا الرجل ناداه»([4]).
ويقول الراغب في المفردات: «الدعاء كالنداء، إلاّ أنّ النداء قد يقال بـ (يا) أو (أيا)»([5]).
ما يمكن استخلاصه من هذه التعريفات هو:
أوّلاً: الدعاء هو كالنداء له طرفان: مَنْ يصدر منه الدعاء، ويسمّى (الداعي)؛ والطرف الذي يتوجّه إليه خطاب الداعي، ويسمّى (المدعوّ).
ثانياً: هدف الداعي من دعائه للمدعوّ هو عطف نظره، وجلب انتباهه إليه([6]).
ثالثاً: إنما يصدر الدعاء من الداعي لتحقيق حاجة ورغبة عنده. وهذه الحاجة التي يريدها الداعي قد تكون مادّية أحياناً ـ كما هي عليه كلّ حاجاتنا الدنيويّة ـ؛ وقد تكون معنويّة في أحيان أخرى، وذلك كأنْ تكون الحاجة هي نفس توجُّه المدعوّ والارتباط بالذات الإلهيّة المقدّسة. وهنا يمكننا أن نلاحظ فَرْقاً آخر بين الدعاء والنداء؛ ففي الدعاء يجب أن يكون المدعوّ أعلى مرتبةً من الداعي، حتّى لو كانت هذه الأفضليةُ أفضليّةً نسبيّة؛ وأمّا في النداء فقد يكون المنادَى أقلّ رتبة من المنادِي، أو مساوياً له. ومن هنا يتضّح سبب اعتبارهم الدعاء شبيهاً للنداء.
إنّ النسبة القائمة بين الدعاء والنداء هي نسبة «العموم والخصوص من وجه» من بين «النسب الأربعة»، لا نسبة «العموم والخصوص المطلق». وعلّة ذلك أنّ الدعاء قد يصدُق في بعض الدوائر والمجالات التي ليس للكلام دخل فيها([7])، كالتوجهات القلبيّة والذهنيّة([8])؛ أمّا النداء فإنّه لا يتجلّى ولا يصدق إلاّ في محيط الفعل الخارجيّ والكلام.
وما يعنينا هنا باعتباره دعاءً اصطلاحيّاً وشرعيّاً هو الدعاء الذي يكون المدعوّ فيه هو «الذات الإلهيّة المقدّسة»، بواسطة أو بدون واسطة.
إجابة عن سؤال ــــــ
لو مررنا مروراً عابراً على فهرس عناوين كتب الأدعية فسنواجه أسماء من قبيل: دعاء، مناجاة، زيارة، ذكر، تسبيح، تعويذ، وغيرها. والسؤال الذي يطرح هنا هو: هل من فرق وتفاوت ماهويّ بين هذه العناوين؟ وهل يمكن أن نطلق عليها جميعاً عنوان الدعاء؟
للإجابة عن هذا السؤال ينبغي أن نبدأ بالقول: إنّ هذه الأسماء جميعاً إنّما هي عناوين اختارها لهذه الأدعية مصنِّفو الكتب، وبالتالي فقد كان للذوق والسليقة تأثير في اختيارها. ولهذا نجد أنّ بعض مؤلِّفي هذه الكتب قد سمّى «زيارة أمين الله» بـ «دعاء أمين الله». ومن هنا؛ ونظراً إلى اشتراكها جميعاً في عنصرين أساسيّين، هما: «التوجّه إلى الله سبحانه وتعالى»؛ و«طلب الحاجة منه» بواسطة أو بدون واسطة، فليس من المستبعد أن نطلق عليها جميعاً عنوان الدعاء، وندرسها في ضمن هذا الإطار. وأمّا بالنسبة للذِّكر فيمكننا أن نقول الكلام المتقدِّم عينه. فالفقر الذاتيّ للإنسان وغنى الخالق المطلق يجعل الإنسان في موضع الحاجة، أو بتعبير القرآن الكريم: «فقراء إلى الله». ومن هنا نجد أنّ ذكر «يا ربّ» منطوٍ كذلك على توجُّه وطلب، وبالتالي فهو أيضاً أحد أنواع الدعاء.
وهناك نوعٌ آخر من الأدعية لم يحظَ باهتمام المحقِّقين في مسائل الدعاء، وهي الأدعية التي يدعو فيها الإمام لشخصٍ معيّن أو لجماعةٍ خاصّة، أو الأدعية التي تحوي دعاءً على فرد معين أو على فئةٍ محدَّدة. ونظراً لما يتمتّع به هذا النوع من الأدعية من أهميّة متميّزة، ولما يمكن أن يستخرج منه من نكات عديدة؛ وكذلك لوفرته وكثرة مصاديقه ـ خصوصاً في آثار الإمام الحسين× ـ، فقد قمنا في مقالنا هذا بدراسته كواحدٍ من أنواع الدعاء.
والنكتة التي لا ينبغي الغفلة عنها هي أنّ الأدعية والزيارات والمناجاة وأمثالها مملوءة بأنواع الحمد والتمجيد والسلام والصلوات، وذكر الحاجات، وطلبها. والتفكيك بين هذه الأمور غير ممكن أوّلاً؛ وثانياً: حتّى لو أمكن ذلك فإنّه سيسبِّب نوعاً من عدم التجانس المعرفيّ في الدراسة.
كما تجدر الإشارة إلى أنّ بحثنا هذا إنّما ينحصر في الأدعية المكتوبة، أي تلك التي رُويَتْ عن الأئمة الطاهرين^، ووصلت إلينا اليوم، بداهة أنّ البحث في الأدعية الأخرى لم يعُدْ ممكناً في عصرنا الحاضر.
من هنا سيدور حديثنا في دراسة أدعية الإمام الحسين× حول جميع الآثار التي وصلتنا عنه في قالب الدعاء. وهدفنا منها هو الوصول إلى معرفة تعتمد على «النصّ».
مناهج كلٍّ من عمليَّتي: دراسة الأدعية؛ وفهمها ــــــ
ترتبط «الدراسة» بـ «الفهم» ارتباطاً مباشراً، بحيث يمكن أن نعدّهما لازماً وملزوماً. وبعبارة أخرى: فإنّ أيّ نوعٍ من أنواع الاستنتاج من نصٍّ ما هو مستلزم لدراسته دراسةً صحيحة. ولا يخفى أنّنا عندما نتحدّث عن دراسة نصٍّ ما فليس مقصودنا هو مجرّد دراسته في حدّ ذاته، بل نقصد، إضافةً إلى ذلك، دراسة العوامل التي كان لها تأثيرٌ في صياغته وتشكُّله. ومن هذا المنطلق ربما كان نصيب الأسد في هذه المعرفة يتعلَّق بدراسة سلسلة العِلل والمعلولات التي وُلد هذا النصّ بين ثناياها.
وكقاعدة عامّة يمكن لدراسة أيّ نصٍّ والتحقيق فيه أنْ نأخذ بعين الاعتبار ـ من حيث النصّ نفسه ـ دائرتين «منفصلتين»، وفي الوقت نفسه «ترتبط» إحداهما بالأخرى، وهما:
1ـ دائرة الدراسات الخارجة عن النصّ (النظرة الخارجيّة).
2ـ دائرة الدراسات المتعلِّقة بنفس النصّ (النظرة الداخليّة).
ويمكن للرسم البياني أدناه أن يلقي ضوءاً ما على نوع العلاقة بين هاتين الدائرتين؛ فكما نلاحظ أنّ دراسة أيّ نصّ تستلزم الاطّلاع على الكثير من المعلومات الخارجة عنه كذلك يمكن لهذا النصّ نفسه أن يكشف الستار عن العديد من الأسرار الخفيّة، التي لم تدوَّن أو تذكر من قبل في أيِّ مكانٍ آخر.
1ـ دائرة الدراسات الخارجة عن النصّ ــــــ
تتّسم بعض دراسات هذه الدائرة بكونها مقدّمات لحقائق أخرى، يؤدّي إغفالها إلى نقاط ضعف في أيّ كلام يتناول النصّ. ولهذه الدائرة كما أشير ارتباطٌ مباشر ووثيق بدائرة الدراسات المتعلّقة بالنصّ نفسه، وهي تشمل العناوين التالية:
أـ معرفة مصادر أدعية الإمام الحسين×: ينبغي أن تكون هذه المصادر مستقاةً من كتب القدماء، ومن أكثر المصادر اعتباراً في هذا المجال. وللأسف يلاحظ أنّ نقل أدعية الإمام الحسين× في الآونة الأخيرة كثيراً ما يعتمد على كتبٍ من الدرجة الثانية أو الثالثة، بل حتّى على مصادر معاصرة، وفي نفس المستوى. وقد ذكرنا في بداية هذا المقال أهمّ مصادر الأدعية، إلاّ أنّه يمكن للقرّاء المحترمين أن يراجعوا مصادر كلّ دعاء في فصل الدراسة الإجماليّة لأدعية الإمام الحسين×، وكذلك قائمة مصادر المقالة؛ ليطَّلعوا على قِدَمها، ويتأكّدوا من أصالتها.
ب ـ جمع متون الأدعية المختلفة: يمكن أن يوجد هذا الاختلاف في النسخ الخطّية المتعدّدة للكتاب نفسه، أو في متون كتب مختلفة. كما يمكن لهذا الاختلاف أن يوجد حتّى في دعاءين متشابهين جدّاً، تمّ نقلهما عن معصومين اثنين([9]).
ج ـ استخراج سلسلة السند، والتحقيق في طرق انتساب الدعاء إلى الإمام المعصوم×: وللأسف فقد تمّ في الكثير من الكتب حذف ذلك القسم الخاصّ بالسند من الرواية. والحال أنّ الدعاء الخالي من السند ينبغي فصله وتمييزه عن الدعاء ذي السند الصحيح. وكذلك نجد أنّ بعض الأدعية قد نُقلت بطرقٍ مختلفة عن عدّة معصومين (راجع: دعاء العشرات، رقم 2 من هذه المقالة). وبالتالي فإنّ من المسلَّم به أنّ بيان أحد الطرق، وتجاهل الاحتمالات الأخرى في تحقيقٍ ما، لن يكون خالياً من العيب والإشكال.
د ـ دراسة عصر صدور الأدعية من الأبعاد الثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة وغيرها: بشكلٍ عامّ للاطّلاع على العوامل التي أثّرت على النصّ ـ بحيث يحتمل أن يكون قد صدر كردّ فعلٍ أو كجوابٍ وبيان وشرح لها ـ دورٌ كبير ومهمّ في فهم الدعاء. مثلاً: حين نضع في معرفتنا أنّ (أحد أهمّ أقسام دعاء عرفة يعالج مبحث القضاء والقَدَر والمشيئة الإلهيّة ومسألة الجَبْر والاختيار)، إلى جانب معلوماتنا التاريخيّة بأنّ «الجبريّة» كانت تتمتَّع بعصر ازدهارها وقوّتها في زمان حياة الإمام×، وأنّ المباحث المرتبطة بالتشكيك في الصفات الإلهيّة أو ردّها كان قد ظهر في ذلك الزمان، فإنّ ذلك سيغيِّر جذريّاً طريقة معالجتنا، وكيفيّة نظرتنا، لدعاء عرفة. وبنفس الطريقة نلاحظ أنّنا إذا جمعنا بين دعاء الإمام على أهل العراق وبين اطّلاعنا على خِسَّة أهل الكوفة وخيانتهم فإنَّ فهمنا وإدراكنا له سيزداد عمقاً.
هـ ـ ملاحظة المسائل الواقعة في هامش أدعية الإمام الحسين×، وذلك من قبيل:
ـ زمان الدعاء، ومكانه، ومناسبة صدوره.
ـ هل دعا الإمام× بالدعاء في جمعٍ من الحاضرين أم كان وحيداً؟ وهل كان ذلك الجمع من الناس العاديّين أم من خواصّ أصحابه×؟ وهكذا…
ـ الحالة الروحيّة للإمام (والحاضرين معه) في وقت الدعاء.
ـ التأثيرات التي أوجدها الدعاء في الأفراد أو المجتمع أو العاملين في الحكومة، وما أشبه ذلك.
و ـ الاطّلاع على فقه اللغة: إنّ اللغة تنمو مع مرور الزمان، فتدخل كلمات جديدة إلى دائرة المصطلحات المستخدمة في اللغة. كما تندثر كلماتٌ أخرى؛ بسبب قلّة الاستعمال. وبالتالي فإنّ دراسة النصوص المعاصرة لنصوص الأدعية، وكذلك معرفة تاريخ استعمال الألفاظ، سيكون لها أثرٌ كبير في تشخيص مدى أصالة الألفاظ، وبالنتيجة أصالة الدعاء نفسه. هذا وسنتحدّث حول هذا الموضوع ضمن كلامنا عن (دائرة الدراسات المتعلِّقة بالنصّ نفسه)، في ذيل النقطة 2ـ ب.
ز ـ الإلمام بعلوم القرآن والحديث: رغم أنّ هذا العنوان عامّ جدّاً إلاّ أنه في الوقت نفسه مهمّ جدّاً. وسنتحدّث عنه في قسم (دائرة الدارسات المتعلِّقة بالنصّ نفسه)، وذلك في النقطتين: 2ـ ب؛ و2ـ ج.
ولا تقتصر دائرة الدراسات المستقلّة عن المتن على النقاط السبع المذكورة، فهناك العديد من الموضوعات الأخرى التي يمكن إضافتها في هذا المجال([10])، ولكنّنا فضّلنا هنا الاكتفاء بهذا المقدار.
2ـ دائرة الدراسات المتعلِّقة بالنصّ نفسه ــــــ
قبل الخوض في أيّ حديث حول هذا الموضوع ينبغي علينا أن نجيب عن هذا السؤال: من أيّ أنواع النصوص هو نصّ الدعاء؟
وفي مقام الإجابة نقول: إنّ نصوص أدعيتنا هي نصوص « أساسها المعنى»؛ أي إنّ « المعنى وأسلوب بيانه» هو ما يشكِّل المحور الأصليّ الذي يُصاغ الدعاء على أساسه، وإنّ جميع الإمكانات الصوتيّة والاصطلاحيّة والنحويّة تسُخّر بتمامها لخدمة إنشاء المعنى وصياغته. ومن هذا المنطلق نجد أنفسنا في الأدعية أمام نظام معنويّ خاصّ، يتكوّن من أربع منظومات دلاليّة، يقع بعضها في طول بعضها الآخر، ويراعي كلٌّ منها نوعاً خاصّاً من المخاطَبين. وهو من هذه الناحية له شبَهٌ خاصّ بالقرآن الكريم([11]). والشكل البيانيّ التالي يوضِّح العلاقة بين هذه المنظومات الأربع وبين مخاطَبي كلّ منها:
واستناداً إلى هذا البيان يمكننا في مقام الإجابة عن السؤال التالي: «هل نصوص الأدعية نصوص مفتوحة وقابلة للتوسّع أم أنّها نصوص مغلقة ومحدودة؟»، يمكننا أن نؤيد بسهولة صحّة كون نصوص الأدعية مفتوحة قابلة للتوسّع؛ حيث لا نجدها ذات معنى محدود ـ خلافاً للمتون المغلقة ـ، بل لها معانٍ عديدة، وهي، بالرغم من أنّها قد تبدو بسيطةً، عميقةٌ ودقيقة.
وحيث إنّنا هنا لسنا في صدد تعداد الفروق الأساسيّة بين نصوص الأدعية والنصوص الأخرى فإنّنا سوف نكتفي ببيان بعض النقاط في هذا المجال:
أـ بنظرةٍ عامّة وكلّية يمكن القول: إنّه باستثناء الأدعية المستخدَمة في المحاورات، والتي تحتوي على اللعن لأحد الأفراد والدعاء عليه، أو الدعاء لشخصٍ ما، وما شابه ذلك، فإنّ جميع متون الأدعية تقريباً هي متونٌ أدبيّة. وهذا الأمر في حدّ نفسه قابلٌ للدراسة والبحث من جهاتٍ متعدّدة:
أوّلاً: من حيث كون الدعاء في الحقيقة عبارة عن حادثة تقع في باطن الإمام، أي إنّها تنشأ في روحه وساحة فكره، وبعد ذلك تجري بصورة ألفاظ وعبارات على لسانه المبارك. ومن هنا ينبغي أن يقال: إنّ الدعاء يشبه الظواهر الفنّية، من حيث إنّه ناشئ عن التأثير والتأثّر الداخليّ والباطنيّ للإنسان. فكما أنّ الفنون الكلاميّة ـ كالشعر مثلاً ـ هي حوادث تتجلّى في اللسان فإنّ الدعاء كذلك عبارة عن حادثة تظهر على اللسان. ومع التسليم بذلك نجد أنّ هناك تفاوتاً أساسيّاً بين هاتين الظاهرتين؛ إذ إنّ ما يظهر من باطن أحد الأدباء قد تخفى حقيقته حتّى عليه هو، وقد لا يكون مفهوماً ولا جليّاً حتّى بالنسبة له نفسه. والفهم الفنيّ الذي لديه ناشئ من الطبقات الخفيّة لباطنه. أمّا الأئمّة^ فإنّهم يفهمون بجلاءٍ ووضوح تجلّيات أنوار الحقّ التي تسطع في داخلهم، وهم على إدراكٍ مباشر ودقيق لها. ولذا فإنْ قلنا بأنّ الأديب أو الشاعر يمكن أن يظهر خبايا نفسه بطرقٍ عدّة ووسائل مختلفة فإنّ مثل هذا الفرض غير وارد في حال الأئمّة^، بمعنى أنّ الأئمّة^ يستفيدون من جميع إمكانات اللغة والأدب وأقصى قابليّاتها في بيان مرادهم، وبالتالي فإنّ ما يجري على لسانهم هو «النسخة الوحيدة» والإصدار الفريد لهذه الظاهرة اللغويّة وتلك التجربة المعنويّة. وبالتالي يمكن القول: إنّه لا يمكن أن يكون هناك بيانٌ آخر لما قاله المعصوم في لحظات الدعاء؛ إذ إنّ هذا هو الحدّ الأقصى الذي يمكن للكلمات والعبارات أن تؤدّيه، فهي عاجزة عن تحمُّل معنى أكثر من هذا. وانطلاقاً من هنا إذا تمّ إثبات كون نصوص الأدعية تقريراً لنفس المعصوم× فإنّه لن يبقى مجال للشكّ في رقيّ لغته ومستواه الأدبي، أو للتردُّد في علوّ معناه ومضمونه.
ثانياً: لقد أثّر هذا النظام الخاصّ ـ والذي يستغلّ الألفاظ بشكلٍ أمثل؛ لإيصال المعاني ـ على الأساليب المعتادة في البنية الشعريّة أو النثريّة، فمثّل إطلالة نوعٍ جديد من الكلام أو من الإيقاع والتناغم والصياغة المختلفة والمتميّزة. إنّ هذا البنية الجديدة ـ وخصوصاً في الأدعية الحاوية على الحمد والتمجيد والمناجاة التي صدرت من الأئمّة^ في الخَلَوات التي كانت بينهم وبين ربِّهم ـ تتطوّر وترتقي إلى درجة أنّها في عين إيصالها للمعنى الأساسيّ تولّد كذلك معنىً ما ورائيّاً خفيّاً. ومن البديهيّ أنّه مع ازدياد تعقيد هذا النظام فإنّ عمق هذه المعاني سوف يزداد ويتضاعف.
ب ـ نواجه في معظم الأدعية سلسلةً من العناصر المشتركة. ويمكننا أن نعثر على أساس هذا الاشتراك وجذوره في روايات الأئمة^. فالإمام الصادق× يقول، مجيباً عن سؤالٍ حول جهة الدعاء وطريقته التي ينبغي أن يؤدّى عليها: تبدأ فتحمد الله، وتذكر نعمه عندك، ثمّ تشكره، ثمّ تصلّي على النبي [وآله]، ثمّ تذكر ذنوبك فتقدِّمها، ثمّ تستعيذ منها، فهذا جهة الدعاء([12]).
ونلاحظ هنا أنّه تمّ إطلاق جهة الدعاء على العناصر الأربعة التالية: الحمد والثناء الإلهي، وذكر نعم الله والشكر عليها، والصلاة على النبيّ وآله الأطهار، ثمّ الإقرار بالذنوب والاستغفار منها. أمّا السرّ في الاهتمام بهذه العناصر في مجال الدعاء والوجه في ذلك فإنّ البحث فيه موكولٌ إلى محلّه المناسب.
ج ـ لا ينبغي أبداً أن ننظر إلى حقيقة المتن وباطنه والقيمة الفنيّة الأدبيّة له بعين المساواة. ولكنْ في نفس الوقت لا ينبغي عند دراسة وتحليل نصٍّ ما أن نغفَل عن الارتباط القائم بين هذين الأمرين. فعلاوة على أنّ القيمة الفنيّة لنصوص الأدعية قد أدخلتها في دائرة الآداب، وجعلت العثور على معاني متعدِّدة للدعاء أمراً ممكناً، فإنّها كانت أيضاً سبباً لتعلّق المخاطبين بها، وانجذابهم إليها، مما أدّى إلى خلودها وحفظها رغم مرور الزمان؛ إذ في غير هذه الصورة (أي لو أنّ الأدعية كانت فاقدة لقيمتها الفنّية والأدبيّة) كانت ستضيع وتُفقد، ولما بقيت محفوظةً في الأذهان، أو إنّها كانت ستفقد قيمتها؛ بسبب النقل المتعدِّد بالمعنى.
وللأسف فإنّ أغلب بل جميع الدراسات التي أُجريت في موضوع الأدعية قد أغفلت دراسة هذه الحركة الجماليّة منها، فبقيت هذه الرحاب الكلاميّة الواسعة مهجورةً. ولهذا السبب تحوّلت الأدعية إلى «آثار استهلاكيّة»، بدلاً من كونها «متوناً إنتاجيّة». وتبعاً لذلك فليس عجيباً أن نرى أنّ نصيب المجتمع الإسلامي في الإفادة من «فنّ الدعاء» و«أصل الدعاء» في هذا الزمان قد بات قليلاً جدّاً.
بملاحظة الأمور التي تقدَّم ذكرها فقد أصبح معلوماً من أيّ أنواع النصوص هي الأدعيّة. كما تبيَّن جليّاً مدى أهميّتها. وبذلك يمكننا أن نعتبر أنّ (دائرة الدراسات المتعلِّقة بنفس المتن) هي مسؤولة عن بحث ودراسة الأمور التالية:
أـ تصحيح وتنقيح متن الدعاء بصورة علميّة ونقديّة: فبعد طيّ المراحل رقم 1ـ أ، و1ـ ب، و1ـ ج، المذكورة سابقاً، يصل الدور إلى تصحيح المتن. وأهمّية هذا العمل مستمدّة من القيمة التي يحملها الدعاء؛ إذ إنّ أيّ نوع من النقيصة أو الزيادة أو التغيير والتبديل، سواءٌ كان على مستوى الكلمات والجمل أم على مستوى مقاطع الدعاء، يعتبر نوعاً من أنواع التحريف، الذي يؤدّي بالنتيجة إلى أن يُنسب إلى الإمام المعصوم ما لم يصدر منه. إنّ أهمّية هذا المطلب تتجلّى لنا بوضوح في أشهَر أدعية الإمام×، أي دعاء عرفة. راجع: (دعاء عرفة، الدعاء رقم 1 من هذه المقالة).
ب ـ التحقيق في المقاطع والكلمات، وحتّى في المفردات المشكوكة: بعد تصحيح المتن قد نلاحظ أنّ بعض أقسام الدعاء لا تنسجم مع الآيات والروايات وسيرة المعصومين^. وفي هذه الحالة ينبغي مراجعتها اعتماداً على الموازين الموجودة في علوم القرآن الكريم والحديث، كعلم الدراية، أو فقه اللغة؛ حتّى نتأكّد من انتساب هذه الأقسام المشكوكة إلى الإمام×.
ج ـ تخريج الآيات التي ذُكرت بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، أو كان الدعاء مقتبساً منها: إنّ هذا العمل سيكون ذا فائدة أيضاً في التعرُّف على الأدعية، ودراسة علاقتها بالقرآن الكريم. كما أنّه قد يكون نافعاً أحياناً في توضيح الآيات القرآنية وتبيين معناها. وهذا يمثّل أحد النتائج التي يمكن استخراجها من متن الدعاء.
د ـ تخريج ومقارنة أدعية الإمام الحسين× مع سائر الأدعية: يمكن لهذا الأمر أن يتمّ في مرحلتين اثنتين: مرحلة (ارتباط أدعية الإمام الحسين× بعضها ببعض)؛ ومرحلة (ارتباط أدعية الإمام الحسين× مع أدعية الأئمّة الآخرين^). ويمكن للبيانات الإحصائيّة الناتجة عن هذه المقارنات أن تلعب دوراً كبيراً في توضيح العديد من النكات المهمّة.
هـ ـ استخراج المواضيع الأصليّة والفرعيّة لكلّ واحد من الأدعية: في المستوى العامّ تكتسب هذه المعطيات أهميّة أيضاً. ومن أجل تحديد الموضوع الأصليّ لأحد الأدعية هناك العديد من الأساليب التي يمكن الاستفادة منها. ولكنَّ الأسلوب المعتمد في هذا المقال هو نوعٌ من التحديد التركيبيّ للموضوع؛ وذلك بأن نبدأ ـ من خلال الالتفات إلى محتوى نفس الدعاء ـ بتحديد موضوعه على أنّه اعتقادي، أو عرفانيّ، أو فلسفيّ، أو…؛ ومن ناحية أخرى يمكن لنا ـ من خلال الالتفات إلى نوع العلاقات الموجودة في الدعاء، كعلاقة الإنسان بالله، وعلاقة الإنسان بالإنسان، وعلاقة الإنسان بالطبيعة، أن نضيف إلى ما تقدَّم تصنيفاتٍ اجتماعيّة وثقافيّة وحقوقيّة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الزمان والمكان وسائر المؤثِّرات غير اللغويّة فمن الممكن أن تتكشَّف لنا جوانب سياسيّة ـ اقتصاديّة أيضاً. أمّا الموضوعات الفرعيّة فيمكن تحديدها من خلال اتّباع نفس هذه المراحل والخطوات ولكنْ على مستوى مقاطع الدعاء وجمله. وهذا ما يمكن ملاحظة صورته الإجماليّة وبعض نماذجه في تحديد موضوعات أدعية الإمام الحسين×، الذي سيأتي في الصفحات التالية.
و ـ استخراج الأسماء والصفات التي استخدمت في دعاء الله سبحانه، وفي مدحه والثناء عليه: ومن زاوية أخرى يمكن لهذا الأمر أن يكون ناظراً إلى التعريف بأهل البيت^ في الزيارات والأدعية. ودراسة هذه المعلومات والبحث فيها له قيمة كبيرة في التعرّف على الله سبحانه وأسمائه الحسنى وصفاته العليا. كما أنّه مفيدٌ في التعرّف على الأئمة المعصومين^ أيضاً.
ز ـ استخراج الموارد الأخرى المهمّة: مثل استخراج حروف النداء في كلّ واحد من الأدعية. وقد أوردنا نموذجاً من ذلك في هذه الدراسة (راجع: المخطَّط البياني رقم (1): تكرار ألفاظ المنادى في أدعية الإمام الحسين×)، وغير ذلك من الأمور التي من هذا القبيل.
ح ـ دراسة القيمة الأدبيّة لمتن الدعاء وأسلوبه: وتستوعب هذه الدراسة طَيْفاً واسعاً من التحقيقات الأدبيّة، التي تمتدّ من الصناعات والفنون الأدبيّة إلى دراسة أسلوب الدعاء وصياغته.
ولا شكّ أنّ لدائرة الدراسات المتعلِّقة بنفس النص فروعاً أخرى أعرضنا عن ذكرها هنا.
ولكنْ ما ينبغي التنبيه عليه هو أنّ كلتا الدائرتين اللتين بحثناهما هنا تعتبران طريقاً ووسيلة من أجل التعرّف على الدعاء والاستنتاج الصحيح منه. ويظهر لنا أنّه في ظلّ وجود معرفة صحيحة بالدعاء، فإنّ القراءات والاستنتاجات المتعدِّدة، التي يمكن أن تحصل من نصٍّ ما، سيكون بعضها في طول بعضها الآخر، لا في عرضه. وفي هذه الحالة من الممكن أن يكون فهمٌ معيَّنٌ أعمق من فهمٍ آخر، ولكنّه لن يكون بالضرورة في موقع التضادّ والتعارض معه. وهذه من خواصّ أيّ نصّ عميق يفيض من منبع الوحي ومنشئه.
والآن سوف نشرع بالبحث في أدعية الإمام الحسين×، وسنخوض في دراسة إجماليّة لها. ولكنْ للأسف فإنّ ما بقي من روايات الإمام×، سواءٌ في المصادر الشيعيّة أو السنيّة، هو نزرٌ يسير جدّاً؛ والسبب في ذلك يرجع إلى أمور عدّة:
الأوّل: الاضطراب الشديد الذي كان موجوداً في زمان معاوية، والاضطهاد الذي تجاوز الحدود الذي كان يمارسه على الشيعة في أوان حكومته، بحيث إنّ الناس كانوا يتجنَّبون إظهار التشيُّع، فضلاً عن نقل الروايات عن الإمام×.
الثاني: ظهور بعض الأفراد الذين قدَّمت الحكومة لهم الدعم والمساعدة، فتمّ تصويرهم كمصدرٍ ومرجع للأحاديث النّبوية في ذلك الزمان، كـ «عبد الله بن الزبير»؛ و«عبد الله بن عمر»؛ و«عبد الله بن عمرو بن العاص».
ثالثاً: إنّ نهضة تدوين الأحاديث وحفظها عند الشيعة إنّما بدأت في أواخر حياة الإمام السجّاد×، واستمرّ ذلك حتّى بدأت تقلّ وتضعف في عصر الإمام الجواد×([13]).
لم تتزامن حياة الإمام الحسين الحافلة مع هذه النهضة، ومع ذلك فإنّ أكثر الأحاديث المرويّة عن هذين الإمامين العظيمين قد نقلت لنا في عصرها. وإنّ نظرةً عابرة على سلسلة أسانيد روايات الإمام الحسين× توضِّح ذلك بجلاء. ومن هذا المنطلق ليس من المستغرب أن نجد أنّ الأدعية التي وصلت إلى أيدينا عن هذا الإمام الهمام ليست إلاّ نزراً يسيراً، وأنّ ما بقي منها قد ضاع في غبار التاريخ، وصار نسياً منسيّاً.
الدراسة الإجمالية لأدعية الإمام الحسين× ــــــ
يبلغ عدد الأدعية الواردة في الكتب التي جمعت أدعية الإمام الحسين× حوالي سبعة عشر إلى عشرين دعاءً، بالمعنى المشهور للدعاء؛ وحوالي 95 دعاءً، بحسب التعريف الذي اعتمدناه في هذه المقالة. وإذا كان هناك أدعيةٌ أخرى غير هذه فإنّ راقم هذه السطور لا اطّلاع له عليها.
وفي ما يلي نقدّم مجموعة منتخبة من أدعيته×، تمثّل مجموعة العيّنات لدراستنا هذه.
المصادر: الإقبال لابن طاووس: 339 ـ 350، وكذلك مصباح الزائر؛ البلد الأمين لإبراهيم الكفعمي: 251 ـ 258؛ بحار الأنوار، للعلامة المجلسي 95: 214، كتاب أعمال السنين والشهور والأيام، باب أعمال خصوص يوم عرفة وليلتها.
السند: رواه كلٌّ من ابن طاووس في الإقبال ومصباح الزائر؛ والكفعمي في البلد الأمين؛ والعلاّمة المجلسي في بحار الأنوار؛ والمحدّث القمّي في مفاتيح الجنان، عن «بشر بن غالب» و«بشير بن غالب» من قبيلة بني أسد. وقد اعتبر علماء الرجال هذين الرجلين من المحدِّثين العارفين الضابطين. كما عدّ الشيخ الطوسي بشيراً الأسدي في رجاله (رجال الكشّي)([14]) من أصحاب سيّد الشهداء×.
التوضيح الأوّل: روى بشر وبشير الأسديّان أنّ الحسين بن عليّ بن أبي طالب’ خرج عشية عرفة يومئذٍ من فسطاطه، متذلِّلاً خاشعاً، فجعل× يمشي هوناً هوناً، حتّى وقف هو وجماعة من أهل بيته وولده ومواليه في ميسرة الجبل، مستقبل البيت، ثم رفع يديه تلقاء وجهه، كاستطعام المسكين….
التوضيح الثاني: زمان صدور هذا الدعاء من الإمام× ليس معيّناً، ولكنّه يقيناً لم يكن في آخر سفرٍ تشرَّف فيه الإمام بالذهاب إلى الحجّ (أي عام 60هـ). وعلّة ذلك أنّ الإمام× كان قد خرج من مكّة في يوم التروية، وبالتالي فهو لم يشهد يوم عرفة في صحراء عرفات في تلك السنة أصلاً. ومن هنا يحتمل قويّاً أن يكون هذا الدعاء قد صدر في فترة إمامته× التي سبقت تلك السنة، أي في الفترة ما بين عام 50 إلى عام 59هـ.
التوضيح الثالث: نقل العلاّمة في زاد المعاد؛ والكفعمي في البلد الأمين؛ وابن طاووس في مصباح الزائر، هذا الدعاء إلى العبارة التي أوردناها بعنوانها نهاية الدعاء. ولكنّ صاحب بحار الأنوار أورده كاملاً، ثم قال في آخره:
أقول: قد أورد الكفعمي& أيضاً هذا الدعاء في البلد الأمين، وابن طاووس في مصباح الزائر، كما سبق ذكرهما، ولكنْ في آخره فيهما نقص بقدر صفحة تقريباً، وهو من قوله: «إلهي أنا الفقير في غناي» إلى آخر هذا الدعاء.
وكذا لم يوجد هذه الورقة في بعض النسخ العتيقة من الإقبال أيضاً.
وعبارات هذه الورقة لا تلائم سياق أدعية السادة المعصومين أيضاً، وإنّما هي على وفق مذاق الصوفيّة. ولذلك قد مال بعض الأفاضل إلى كون هذه الورقة من مزيدات بعض مشايخ الصوفيّة، ومن إلحاقاته وإدخالاته.
وبالجملة هذه الزيادة إما وقعت من بعضهم أوّلاً في بعض الكتب، وأخذ ابن طاووس عنه في الإقبال؛ غفلةً عن حقيقة الحال؛ أو وقعت ثانياً من بعضهم في نفس كتاب الإقبال. ولعلّ الثاني أظهر، على ما أومأنا إليه من عدم وجدانها في بعض النسخ العتيقة، وفي مصباح الزائر. والله أعلم بحقائق الأحوال([15]).
وقد ذكر هذا الاختلاف الأستاذ جلال الدين همائي أيضاً في كتاب مولوي نامه، ثمّ أضاف قائلاً: النقطة المهمّة الأخرى، والتي ربما لم يذكرها هذا الحقير سابقاً، هي أنّني قد رأيت جميع هذه الفقرات [الملحقة] بعينها، ودون نقص أو زيادة، في نسخة قديمة من كتاب «الحكم العطائيّة»، وهو يشتمل على الأدعية والمقامات العرفانيّة التي ألَّفها «ابن عطاء الله الإسكندراني» (الشاذلي)، تاج الدين أبو الفضل أحمد بن محمد الصوفي، العارف المعروف للمائة السابعة الهجريّة، والذي كانت وفاته في سنة 709هـ. ومن المسلَّم عندي أنّ خلطاً قد وقع في هذا المقام، وأمّا تفصيل ذلك فهو خارج عن عهدة هذه الحواشي. والله أعلم([16]).
وفي ما يلي مجموعة نقاط تستحقّ التأمُّل، تتعلّق بهذه الفقرة الملحقة من الدعاء:
1ـ إنّ وزن الفقرة الملحقة وإيقاعها يختلف عن إيقاع الفقرات السابقة لها، أي إنّها أقرب شَبَهاً إلى دعاء أبي حمزة الثمالي منها إلى دعاء عرفة.
2ـ يُلاحظ أنّ استعمال المنادى على طول الدعاء كان بشكلٍ متنوّع، ولم يتكرَّر استخدام المنادى إلاّ في مورد واحد، حيث ورد في مقام الجملة الأساسيّة، وتكرّر 11 مرّة؛ بينما نلاحظ أنّ كلمة (إلهي) قد تكرَّرت في المقطع الملحق حوالي 25 مرّة. (راجع: المخطط البياني رقم 1 أيضاً).
3ـ إنّ خصائص أسلوب الدعاءين تختلف بشكلٍ واضح؛ فأسلوب المقطع الملحق يختلف عن أسلوب الدعاء الأصليّ. فعلى سبيل المثال: يمكن أن نلاحظ اختلافاً فاحشاً بين صيغ الأفعال المستخدمة في كلٍّ منهما. فالمقطع الملحق يستخدم صيغة المتكلِّم وحده بشكلٍ ملحوظ، ويكثر فيه ضمائر المتكلم المفرد: (أنا) و(ي)، كما أنّه مليء بالمحسّنات البديعيّة، كالتضادّ والطباق؛ ومن جهة أخرى فإنّ عباراته تخلو من التسلسل المنطقيّ من الناحية المفهوميّة، كما يظهر فيها التشتُّت بشكلٍ جليّ.
ومن الأمور التي يختلف فيها القسمان مسألة تكرُّر الطلبات والرغبات، وهو أمرٌ يمكن الالتفات إليه من قراءةٍ واحدة عاديّة للدعاء.
4ـ إنّ اختلاف نوعَيْ الجناس والسَّجْع المستخدم في كلّ واحد من القسمين يدلّ على وجود أسلوبين مختلفين في إنشاء كلٍّ منهما.
5ـ نشاهد وجود بعض الكلمات المشكوكة في المقطع الملحق، والتي يظهر أنّها لم تكن مستخدمة أصلاً في عصر النصّ، كما في كلمة (أهل الجذب) التي وردت في العبارة التالية: (واسلك بي مسلك أهل الجذب).
المنادى: اللهمّ (24)، يا إلهي (9)، ياربّ (3)، ربِّ (11)، إلهي (34)، يا مَنْ… (35)، يا… (32)، يا الله (2)، سيِّدي (1)، يا مولاي (4).
الموضوع العام: اعتقادي، عرفاني، أخلاقي، ثقافي ـ اجتماعي.
الموضوع الأساسي: علاقة الإنسان بالله، علاقة الإنسان بالإنسان، علاقة الإنسان بالدنيا.
المواضيع الفرعية:
يقول الإمام الحسين× في أواخر الدعاء: اللهمّ هذا ثنائي عليك ممجّداً، وإخلاصي لذكرك موحّداً، وإقراري بآلائك معدّداً….
الموضوعات التي تمّ بحثها في هذا الدعاء هي كما يلي:
ـ الحمد والثناء الإلهي.
ـ شكر نعمه التي لا تعدّ ولا تحصى.
ـ بيان صفات الله سبحانه.
ـ المباحث التوحيديّة العميقة: التوحيد الذاتي، التوحيد الصفاتي، التوحيد العبادي والأفعالي، وغير ذلك، والتعرُّض لكثيرٍ من العلوم والمعارف المختلفة.
أمّا الموضوعات الأخرى الواردة في هذا الدعاء فهي:
ـ طريقة الدعاء في مقابل الله سبحانه.
ـ طلب أفضل الأشياء من الله.
ـ وصف صحراء عرفات بأنّها موضع للتضرّع والسؤال.
ـ نداء الله سبحانه بأفضل أسمائه وصفاته.
ـ مباحث متعلّقة بالقضاء والقدر والمشيئة الإلهيّة.
ـ مباحث متعلّقة بالجبر والاختيار عند الإنسان.
ـ كيفيّة خلق الإنسان ومراحل نموّ الجنين.
ـ وغيرها…
وبسبب طول هذا الدعاء واحتوائه على موضوعات كثيرة أخرى فإنّنا نكتفي بهذا المقدار.
كما أنّ الأدعية الأخرى تتضمَّن موضوعات جديرة بالاهتمام أيضاً.
المصادر: مصباح المتهجد للشيخ الطوسي: 84؛ فلاح السائل لابن طاووس: 202، وكذلك جمال الأسبوع: 280؛ بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي 83: 274؛ وإقبال الأعمال 3: 52.
السند: عدّ الشيخ عبّاس القمّي& هذا الدعاء في غاية الاعتبار، وذكر أنّ هناك اختلافات بين نسخه. أمّا العلاّمة المجلسي فقد كتب، عند تعرّضه لهذا الدعاء: لهذا الدعاء أسانيد جمّة، وفيه اختلافٌ كثير بحسب اختلاف الروايات؛ ولذا أوردناه في مواضع. وقد أورده السيد في جمال الأسبوع، بسنده إلى الشيخ، بإسناده إلى ابن عقدة، بثلاث أسانيد إلى أبي جعفر×… ورواه في كتاب مهج الدعوات من كتاب الدعاء لسعد بن عبد الله بإسناده عن معاوية بن وهب، عن الصادق×؛ وبسند آخر عن الحسين صلوات الله عليه… ووجدته أيضاً في كتابٍ عتيق من أصول أصحابنا، أظنّه من كتب محمد بن هارون التلعكبري، بسنده عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر×، أن أمير المؤمنين× علَّمه الحسين…([17]).
وقد وردت هذه الرواية من طريق آخر عن الإمام الحسن المجتبى×. وعلى كلّ حال فقد كتب صاحب جمال الأسبوع: 279: إنّي وقفتُ على خمس روايات بدعاء العشرات، تختلف روايتها في النقصان والزيادة.
المنادى: اللهمّ (15)، يا مولاي (1)، يا الله (1)، يا (13).
توضيح: بسبب التشابه بين أسلوب هذا الدعاء وبين أدعية أمير المؤمنين× يبدو لنا أنّه ممّا علّمه أمير المؤمنين للإمام الحسن والإمام الحسين^. ومن هذا الباب نشأ الاختلاف في انتسابه إلى بقيّة الأئمّة^. وبناء على ذلك نلاحظ أنّه لا يمكننا أن نجعل هذا الدعاء في زمرة أدعية الإمام الحسين، ولا أن ننسبه إليه×.
الموضوع العام: اعتقادي، وأخلاقي، واجتماعي ـ سياسي.
الموضوع الأساسي: علاقة الإنسان بالله.
المواضيع الفرعية:
ـ الثناء على الله سبحانه وتعالى بأفضل أسمائه وصفاته.
ـ انحصار الهداية في الله سبحانه.
ـ التعريف بأمير المؤمنين والأئمة المعصومين^، وبيان منزلتهم.
ـ بيان الكثير من النعم الإلهيّة، والشكر عليها.
ـ علاقة عبارات الدعاء بالعبارات القرآنيّة.
ـ الدعاء.
المصادر: مَنْ لا يحضره الفقيه 1: 537، ح1504؛ قرب الإسناد: 157، ح576، مع اختلافٍ بسيط: (مظانّها) = من أهلها؛ وبحار الأنوار 91: 322، ح9.
السند: نقل في قرب الإسناد هذه الرواية بالشكل التالي: (عن أبي البختري، عن الإمام الصادق، عن أبيه، عن جدّه). كما نقلها الحميري أيضاً بطريقٍ آخر (عن أمير المؤمنين، أنّه قال للحسين×: ادعُ، فقام الحسين يدعو…).
المنادى: اللهم (1)، يا ربّ (1).
الموضوع العام: اجتماعي، واعتقادي.
الموضوع الأساسي: علاقة الإنسان بالله؛ علاقة الإنسان بالطبيعة.
المواضيع الفرعية:
ـ الله سبحانه منزل الغيث.
ـ دعاء الإمام في الاستسقاء.
ـ صفات وخصوصيّات مطر الرحمة.
المصادر: عيون الأخبار لابن قتيبة الدينوري(276هـ) 2: 278.
السند: روى هذا الدعاء ابن قتيبة، عن إسحاق بن راهويه، عن الحسين بن عليّ الجعفي، عن إسرائيل، عن الإمام الحسين×.
المنادى: اللهمّ (3).
الموضوع العام: اجتماعي ـ اعتقادي.
الموضوع الأساسي: علاقة الإنسان بالله؛ علاقة الإنسان بالطبيعة.
المواضيع الفرعية:
ـ خصوصيّات المطر: رحمة إلهيّة، مفيد، وسيع، لا ضرر فيه، و….
ـ العطاء الإلهي عامّ للجميع.
ـ النِّعم الإلهيّة ينبغي أن تكون سبباً لزيادة الإيمان، وشكر المنعم.
ـ المطر ومسألة إنبات الزرع في البراري والحقول.
ـ الدعاء.
المصادر: مهج الدعوات لابن طاووس: 49؛ البلد الأمين للكفعمي: 551، حاوياً بعض الإضافات؛ بحار الأنوار 82: 211، ح1.
السند: يقول ابن طاووس بخصوص هذا القنوت، ودعاء القنوت الذي يليه: وجدتُ في الأصل الذي نقلت منه هذه القنوتات… ممّا يأتي ذكره بغير إسناد، ثمّ وجدت بعد سطرٍ هذه القنوتات، إسنادها في كتاب عمل رجب وشعبان وشهر رمضان، تأليف أحمد بن عبد الله بن عياش (أحمد بن محمّد بن عبد الله بن عبّاس)& فقال: حدَّثني أبو الطيِّب الحسن بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن البغدادي الكاتب، أنّ….
وعلى كلّ حال فهو يوصل سند هذين الدعاءين إلى الحسين بن روح، أحد النواّب الأربعة لإمام الزمان×.
المنادى: اللهمّ (2).
الموضوع العام: أخلاقي وعرفاني.
الموضوع الأساسي: علاقة الإنسان بالله؛ علاقة الإنسان بنفسه.
المواضيع الفرعية:
ـ الملجأ والمأوى الواقعي هو الله سبحانه.
ـ يجب الاستعاذة بالله من شرّ الشيطان وبليّاته.
ـ إنّما تأتي الدعوة من الله سبحانه فقط.
ـ الدعاء.
المصادر: مهج الدعوات: 48؛ وبحار الأنوار 82: 214.
يرجى مراجعة دعاء القنوت السابق.
المنادى: اللهم (2).
الموضوع العام: اعتقادي، وأخلاقي ـ عرفاني.
الموضوع الأساسي: علاقة الإنسان بالله؛ علاقة الإنسان بنفسه؛ وعلاقة الإنسان بأوليائه.
المواضيع الفرعية:
ـ الدعاء.
ـ القضاء والمشيّة الإلهية.
ـ ذكر خصوصيّات أولياء الله.
ـ أهمية الحشر مع الصالحين والأبرار في الآخرة، ومجالستهم.
توضيح: بملاحظة العبارة الأخيرة من الدعاء يمكننا أن نقول: إنّ هذا الدعاء يرجع إلى فترة إمامته×، أي إلى الفترة التي تلي استشهاد والده ووالدته وأخيه^ أجمعين، إذ المقصود من «الآباء» هنا والده أمير المؤمنين×، وجدّه رسول الله|، وأبو طالب، وعبد المطَّلب، و…. كما يتمثّل المقصود من ذوي الرحم كحدٍّ أدنى في أمّه وأخيه’.
المصادر: المصنَّف لابن أبي شيبة 2: 200؛ كنز العمّال 8: 82، ح21992، نقلاً عن المصنّف؛ ترجمة الإمام الحسين× من الطبقات: 38؛ ومسند أحمد بن حنبل، حيث أورده مع ذكر سند هذا الدعاء منسوباً إلى الرسول الأكرم|: قال أحمد بن حنبل: حدَّثنا عبد الله، حدَّثني أبي…، عن الحسين بن عليّ’، قال: علَّمني جدّي ـ أو قال النبيّ| ـ كلمات أقولهنّ في الوتر، وذكر الحديث.
السند: كما ذكرنا سابقاً فإنّ هذا الدعاء يرجع بإسنادٍ واحد إلى النبيّ|؛ ولكنّه يرجع إلى الإمام الحسين× بطريقين آخرين، قد وردا في كتاب المصنّف، وفي الترجمة، ولكنْ مع اختلاف بسيط في المتن: الحافظ ابن أبي شيبة: حدَّثنا وكيع، عن حسن بن صالح، عن منصور، عن شيخٍ يكنّى أبا محمد، أنّ الحسين بن عليّ كان يقول في قنوت الوتر….
محمد بن سعيد بن منصور، عن جرير بن عبد الحميد، عن منصور، عن محمد بن أبي محمد البصري قال: كان الحسين بن عليّ يقول في وتره….
الموضوع العام: اعتقادي؛ وأخلاقي وعرفاني.
الموضوع الأساسي: علاقة الإنسان بالله.
المواضيع الفرعية:
ـ الله سبحانه يَرى ولا يُرى (مسألة رؤية الله).
ـ مرجع كلّ الأمور إلى الله.
ـ أهمّية الذلّ والمسكنة للفرد المسلم.
ـ ملجأ الإنسان الوحيد هو الله سبحانه.
ـ الدعاء.
المصادر: مقتل الإمام الحسين× للخوارزمي 1: 152؛ وإحقاق الحقّ 11: 424.
السند: رواية مرسلة يرويها شُريح القاضي.
المنادى: سيّدي (2)، مولاي (1)، اللهمّ (1).
الموضوع العام: أخلاقي وعرفاني؛ عقائدي.
الموضوع الأساسي: علاقة الإنسان بالله.
المواضيع الفرعية:
ـ ليس الهدف من خِلقة الإنسان إلقاؤه في جهنّم.
ـ ملجأ الإنسان الوحيد هو الله سبحانه.
ـ قيمة محبّة الله سبحانه.
ـ جود الله وكرمه هما السبب في عفوه ومغفرته، وليس أعمالنا الصالحة.
ـ الدعاء.
المصادر: الإرشاد للشيخ المفيد 2: 99؛ تاريخ الطبري 3: 318؛ تاريخ ابن عساكر: 214 (ترجمة الإمام الحسين)؛ وبحار الأنوار 45: 4.
السند: روي هذا الدعاء بدون ذكر السند، نقلاً عن الإمام السجّاد، ولكنّ صاحب تاريخ الطبري قد رواه عن أبي خالد الكاهلي.
المنادى: اللهمّ (1).
الموضوع العامّ: أخلاقي؛ وعقائدي.
الموضوع الأساسي: علاقة الإنسان بالله.
المواضيع الفرعية:
ـ اللجوء إلى الله عند ورود كلّ بلاء وشدّة.
ـ ملجأ الإنسان الوحيد هو الله سبحانه.
ـ كيفيّة تعامل الإمام الحسين× مع أحداث القتال في يوم عاشوراء.
ـ الدعاء.
توضيح: يظهر أنّ هذا الدعاء كان أوّل دعاءٍ أورده الإمام× عند شروع القتال في يوم عاشوراء.
المصادر: الإرشاد للشيخ المفيد: 272؛ بحار الأنوار 47: 172، ح21 (لم يذكر الدعاء كاملاً في هذين الكتابين)؛ نور الأبصار: 146؛ ووفيّات الأعيان 2: 294.
السند: روى هذا الدعاء عبد الله بن الفضل بن الربيع، عن أبيه الفضل، عن الإمام الصادق×، عن الإمام الحسين×.
المنادى: اللهمّ (3)، يا (2).
الموضوع العام: عقائدي؛ واجتماعي؛ وحقوقي.
الموضوع الأساسي: علاقة الإنسان بالله؛ وعلاقة الإنسان بالإنسان.
المواضيع الفرعيّة:
ـ الاستعاذة بالله من شرّ الناس.
ـ الله سبحانه وتعالى مطَّلع على أعمال جميع خلقه.
ـ الله سبحانه هو حافظ الإنسان.
ـ الدعاء عند الكرب والشدّة.
ـ الدعاء.
المصادر: مهج الدعوات: 298؛ بحار الأنوار 91: 374، ح1.
السند: أورد العلاّمة هذا الدعاء دون ذكر السند. ولكنّنا وجدنا أنّه في مصباح المتهجّد: 825؛ وفي إقبال الأعمال 3: 352، وفي الصحيفة السجّاديّة: 207، قد نُسب ـ مع اختلافٍ بسيط ـ إلى الإمام السجّاد×.
المنادى: اللهمّ (1)، يا مَنْ (2)، يا (1).
الموضوع العام: عقائدي؛ واجتماعي؛ وحقوقي.
الموضوع الأساسي: علاقة الإنسان بالله؛ وعلاقة الإنسان بالإنسان.
المواضيع الفرعية:
ـ من شؤون الله تعالى كفاية أمور الخلائق.
ـ الله يحفظ الإنسان من المصائب والأذى.
ـ أنواع أعداء الإنسان ومَنْ يريد به الضرر والأذى.
ـ الدعاء عند الشدّة والكرب.
ـ الدعاء.
المصادر: المحجّة البيضاء في تهذيب الإحياء 4: 227؛ كشف الغمّة للإربلي: 148، 185؛ أخلاق الأئمّة وآداب الشيعة، للملاّ محسن الفيض الكاشاني؛ وبحار الأنوار 75: 127، ح9، حيث نقله عن النسخة الخطّية لكتاب الدرّة الباهرة.
السند: ورد الدعاء بدون إسناد في كلٍّ من كتابَيْ: المحجّة البيضاء؛ والبحار، ولكنَّ عبارة كتاب المحجّة البيضاء الواردة في ذيل الدعاء لا تخلو من اللطف: وهذا دعاءٌ شريف المقاصد، عذب الموارد، وقد جمع بين المعنى الجليل واللفظ الجزيل القليل، وهم مالكو الفصاحة حقّاً، وغيرهم عابر سبيل([18]).
المنادى: اللهمّ (1).
الموضوع العام: أخلاقي؛ اجتماعي ـ ثقافي.
الموضوع الأساسي: علاقة الإنسان بالله؛ وعلاقة الإنسان بالدنيا.
المواضيع الفرعيّة:
ـ الدعاء.
ـ الاستدراج.
ـ تأديب الإنسان بالبلاء.
المصادر: الدعوات للقطب الراوندي: 92، ح228؛ وبحار الأنوار 91: 206، كتاب الذكر والدعاء، باب عوذات الأيّام، ح3.
السند: ورد الدعاء بدون ذكر السند.
المنادى: لا يوجد.
الموضوع العام: عقائدي.
الموضوع الأساسي: علاقة الإنسان بالله.
المواضيع الفرعية:
ـ بيان الصفات الإلهيّة.
ـ عجز البصر والعقل والوَهْم واللسان أمام الله سبحانه.
ـ شكر الله وحمده.
المصادر: إحقاق الحقّ 11: 595؛ وبحار الأنوار 96: 197 (نقلاً عن: كشف الغمّة 2: 414)، وقد نسب هذا الدعاء ـ بأدنى اختلاف ـ إلى الإمام الحسن×: (قيل: إنّ الحسن بن عليّ بن أبي طالب التزم الركن فقال: إلهي أنعمت عليّ…، ولا أنتَ أدمت…).
السند: ورد الدعاء بدون ذكر السند.
توضيح: قرأ الإمام× هذا الدعاء حال انشغاله بالدعاء والمناجاة عند ركن الحجر الأسود من الكعبة، وبالتالي فهذا الدعاء يعدّ من أدعية الإمام في الخَلَوات.
المنادى: إلهي (2).
الموضوع العام: أخلاقي؛ وعقائدي.
الموضوع الأساسي: علاقة الإنسان بالله؛ وبالعكس.
المواضيع الفرعية:
ـ لا يقطع الله الرزق عن عباده؛ بسبب عدم شكرهم.
ـ لا يديم الله بلاءه، حتّى مع ترك أعمال الخير.
ـ لا يُنتظر من الكريم إلاّ الكَرَم.
ـ عباد الله الذين بلغوا أعلى مراتب الكمال المعنوي لم يتمكَّنوا من شكر نعمةٍ واحدة من آلاف النِّعم الإلهيّة.
ـ الدعاء.
المصادر: مهج الدعوات: 157؛ وبحار الأنوار 91: 191، ح5.
السند: أورده العلاّمة بدون ذكر السند. وكذلك اعتبره ابن طاووس من المرسَلات.
المنادى: اللهمّ (2).
الموضوع العام: عرفاني، وأخلاقي.
الموضوع الأساسي: علاقة الإنسان بالله.
المواضيع الفرعية:
ـ درجات الناس، وعلامة كلّ منها: أهل الهداية علامتهم التوفيق، وأهل التقوى علامتهم العمل، وأهل التوبة علامتهم الخلوص والصدق، وأهل الصبر علامتهم الهمّة والعزيمة، وأهل الخشية علامتهم الحذر، وأهل العلم علامتهم الطلب، وأهل الورع علامتهم الزينة، وأهل الجزع علامتهم الخوف.
ـ طلب أفضل الأمور من الله سبحانه.
ـ تأثير الخشية من الله في اجتناب المعاصي، والإتيان بالطاعات.
ـ الدعاء.
المصادر: بحار الأنوار 99: 300، ح31؛ ومستدرك الوسائل 2: 373، ح2223.
السند: أورده العلاّمة مرسَلاً، وأرجع سنده إلى الشيخ المفيد: روي في المراسيل، عن بعض مؤلَّفات أصحابنا، عن المفيد، قال: ورُوي عن الحسين بن عليّ×….
المنادى: اللهمّ (1).
الموضوع العام: اجتماعي؛ ثقافي؛ عقائدي.
الموضوع الأساسي: علاقة الإنسان بالله؛ علاقة الإنسان بالإنسان؛ علاقة الإنسان بالدنيا.
المواضيع الفرعيّة:
ـ تأثير الدعاء على أهل القبور.
ـ ثواب الداعي للأموات.
ـ طلب «الرَّوْح» من الله سبحانه لأموات المسلمين.
ـ الله ربّ الأرواح الفانية، والأجساد البالية، والعظام النَّخِرة.
ـ عاقبة الإنسان في الدنيا.
ـ الدعاء.
المصادر: القمقام الزخّار 2: 631؛ كشف الغمّة 2: 275؛ ومعالي السبطين 2: 313.
السند: جاءت هذه الرواية نقلاً عن راشد بن أبي روح.
المنادى: اللهمّ (2)، يا ربّ (1).
الموضوع العام: أخلاقي؛ اعتقادي.
الموضوع الأساسي: علاقة الإنسان بالله؛ علاقة الإنسان بالدنيا.
المواضيع الفرعية:
ـ تأثير الشوق إلى الآخرة في العزوف عن الدنيا.
ـ تأثير البصيرة في أمر الآخرة في أداء الخيرات، واجتناب السيئات.
ـ شهادة القلب على رغبة الإنسان في الدنيا أو الآخرة.
ـ طلب الشوق إلى الآخرة، والبصيرة في أمرها.
ـ الدعاء.
المصادر: مقتل الحسين للمقرّم: 357([19])؛ مصباح المتهجّدين: 827؛ وينابيع المودّة: 418، وقد ورد في هذا المصدر حتّى قوله: «يا غياث المستغيثين».
السند: لم يتمّ العثور عليه([20]).
المنادى: اللهمّ (1)، يا (مقدّرة) (23)، يا ربّ (1).
الموضوع: علاقة الإنسان بالله؛ علاقة الإنسان بالإنسان.
المواضيع الفرعيّة:
ـ صفات ربّ العالمين.
ـ تبلور شخصيّة الإمام في آخر دعاء له×.
ـ طلب الإمام من الله أن (يحكم بينه وبين أعدائه).
ـ الله هو الملجأ الوحيد.
المصادر: الإرشاد 2: 120؛ تاريخ الطبري 3: 333؛ وبحار الأنوار 45: 53.
السند: قال أبو مخنف: حدَّثني سليمان بن راشد، عن حميد بن مسلم.
المنادى: اللهمّ (2).
الموضوع العام: اجتماعي ـ سياسي.
الموضوع الأساسي: علاقة الإنسان بالله؛ علاقة الإنسان بالإنسان؛ علاقة الإنسان بالدنيا.
المواضيع الفرعية:
ـ مكر أهل العراق وخداعهم للإمام.
ـ غدرهم وعدم نصرتهم للإمام.
ـ دعاء الإمام عليهم.
ـ تأثير الفرقة وعدم الاتّحاد في المجتمع.
ـ الاستجابة لدعاء الإمام عليهم في المستقبل.
المصادر: كلاهما منقولٌ عن مقتل الخوارزمي 2: 91.
السند: قال الخوارزمي: أخبرنا الشيخ الإمام الزاهد أبو الحسن عليّ بن أحمد العاصمي: أخبرنا شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد البيهقي: أخبرنا والدي شيخ السنّة أبو بكر أحمد بن الحسين: أخبرنا أبو الحسين بن بشران: أخبرنا الحسين بن صفوان: حدَّثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا: أخبرني العباس بن هشام بن محمد الكوفي، عن أبيه، عن جدّه…
التوضيح الأوّل: عندما استشهد أصحاب الإمام توجّه× إلى شريعة الفرات، ولمّا وصل إليها أخذ قَدَراً من الماء؛ ليشرب، فرماه زَرْعة بسهمٍ وقع في حَنَكه الشريف، فجرى الدم منه، فلم يقدر الإمام أن يشرب.
التوضيح الثاني: أصيب زَرْعة بعد واقعة كربلاء بمرض الاستسقاء، بحيث كان يظلّ عطشاناً. ويُروى أنّه شرب قَدْراً كبيراً من الماء، حتّى صارت بطنه كبطن البعير. ثمّ مات زَرْعة بهذا المرض نفسه.
المنادى: اللهمّ (3).
الموضوع العام: اجتماعي ـ اعتقادي.
الموضوع الأساسي: علاقة الإنسان بالإنسان.
المواضيع الفرعية:
ـ دعاء الإمام على زَرْعة.
ـ استجابة دعاء الإمام.
ـ المقابلة بالمثل، حتّى في الدعاء.
ـ تنبّؤ الإمام.
ـ مصير قَتَلة الإمام الحسين.
ـ عدم شمول الغفران الإلهي لأعداء الإمام.
المصادر: كتاب الأمالي للصدوق، المجلس 30؛ مقتل الخوارزمي 2: 22؛ وتاريخ الطبري 7: 355.
السند: قال أبو مخنف: حدَّثني فضيل بن خديج الكندي أنّ يزيد بن زياد، وهو أبو الشعثاء الكندي….
كان أبو الشعثاء رامياً مجرَّباً، وكان معه في يوم عاشوراء مئة سهم، رماها جميعاً، فما سقط منها خمسة أسهم. وكان كلّما رمى سهماً ارتجز، ودعا له الإمام بقوله:…. وأبو الشعثاء كان أحد الأفراد الذين تركوا معسكر عمر بن سعد في يوم عاشوراء، والتحق بالإمام×.
المنادى: اللهمّ (1).
الموضوع العام: اجتماعي؛ اعتقادي.
الموضوع الأساسي: علاقة الإنسان بالله؛ علاقة الإنسان بالإنسان.
المواضيع الفرعية:
ـ دعاء الإمام بالخير.
ـ ثواب الدفاع عن الولاية.
ـ مراتب الجنّة.
ـ تأثير التوفيق الإلهيّ في مواجهة الأعداء.
المصادر: مقتل الحسين للخوارزمي 1: 245؛ وبحار الأنوار 44: 388.
السند: لم نعثر عليه.
التوضيح الأوّل: بعد استشهاد الإمام الحسين×، وقيام المختار بثورته، استجاب الله دعاء الإمام على عمر بن سعد؛ حيث قام رجال المختار بقطع رأس عمر بن سعد على فراشه.
التوضيح الثاني: كما قاموا بقطع رأس ابن عمر بن سعد أيضاً.
المنادى: لا يوجد.
الموضوع العام: سياسي ـ اجتماعي؛ واعتقادي.
الموضوع الأساسي: علاقة الإنسان بالإنسان.
المواضيع الفرعية:
ـ دعاء الإمام عليه.
ـ المقابلة بالمثل، حتّى في الدعاء.
ـ الاستجابة الحتميّة لدعاء الإمام.
ـ تنبّؤ الإمام× بالمستقبل.
دور الإمام الحسين× في تطوُّر الأدعية ــــــ
1ـ التحوُّل في نظام تاريخ الشيعة ــــــ
تبلورت بعد شهادة الإمام الحسين× حادثتان مهمّتان في العالم الإسلامي:
الأولى: إنّ حكام ذلك الزمان، الذين كانوا قد أدركوا خطورة وجود أئمّة الشيعة، قاموا ببذل قصارى جهودهم في الحيلولة بين الأئمّة^ وعامّة الناس. وفي موازاة ذلك سعَوْا؛ من خلال تحريف تاريخ سيّد الشهداء وبواعث ثورته؛ ومن خلال منع شيعته من زيارة قبره؛ والقيام بهدم مرقده ومحو آثاره، إلى إزالة ذكر ذلك الإمام الشهيد من أذهان الناس، والقضاءِ على القِيَم التي يمثّلها. وقد تزامن ذلك مع مواجهة أيِّ ميلٍ إلى العلويّين بأشدّ صنوف العذاب والأذى.
الثانية: ظهرت بعد الإمام الحسين× فرقٌ مختلفة بين الشيعة، ووقع الخلاف في تعيين الإمام من بعده؛ إذ إنّ الشيعة حتّى زمان الإمام الحسين× كانوا يعتقدون بإمامة أمير المؤمنين والحسنين^ بعد النبيّ الأكرم|، أمّا بعد شهادة الإمام الحسين فقد ذهب بعض الشيعة إلى إمامة محمد بن الحنفيّة (الكيسانيّة)؛ بينما ذهب الشيعة الواقعيّون إلى إمامة الإمام السجّاد×. وهكذا عندما توفّي محمد بن الحنفية ذهب بعضهم إلى الوقوف عليه، زاعمين أنّه المهديّ الموعود؛ بينما ذهبت فرقةٌ أخرى بعد شهادة الإمام السجّاد إلى إمامة الإمام الباقر’؛ وذهب آخرون إلى إمامة زيد بن عليّ (الزيديّة). وعلى هذا المنوال سارت أمور الشيعة([21]). ومن هنا صار الإمام الحسين يمثِّل نقطة انعطاف وتحوُّل في النظام التاريخيّ للشيعة.
2ـ التحوُّل في الأدعية ــــــ
بناءً على ما تقدَّم يمكننا أن نقسِّم أدعية المعصومين^ ـ من حيث موقعيّتها الدينيّة وتنوّعها ـ إلى مرحلتين: الأولى: تمتدّ من رسول الله إلى شهادة الإمام الحسين؛ والثانية: هي فترة الإمام السجاد فما بعد.
وفي الفترة الأولى كان الغالب على الأدعية مضامينها الأخلاقيّة والعقائديّة؛ أمّا في الفترة الثانية فنلاحظ ظهور أدعية وزيارات ذكرها الأئمة^، وعلَّموها لأصحابهم، تحمل ـ بالإضافة إلى ما سبق ـ مضامين ومفاهيم اجتماعيّة وسياسيّة أيضاً.
يدور قسمٌ من هذه الأدعية والزيارات حول المقام الرفيع للأئمّة الأطهار، وبيان نسبهم ومحلّهم من الله سبحانه، وإبراز المحبّة لهم، والبراءة من أعدائهم. وكان المحور الأساس لأكثر هذه الأدعية هو شخصيّة أبي عبد الله× وشهادته ومظلوميّته، بحيث يمكننا أن نقول: إنّ هذه المجموعة من الأدعية والزيارات كانت سبباً لتكريم الثورة الحسينيّة، وإبقائها حيّة، وباعثاً للحفاظ عليها من التحريف والتشويه (راجع: زيارة وارث، وزيارة عاشوراء، وزيارة الناحية المقدَّسة، والزيارة الجامعة الكبيرة، و…).
ومن هنا فليس من المبالغة أن نقول: إنّ انتخاب الدعاء بعنوان أنّه الأداة الأساسيّة لبيان الحقائق من بين أساليب البيان وفنون الكلام الأخرى، وخصوصاً بعد شهادة الإمام الحسين×، والتضييق الشديد الذي تعرّض له الأئمة في بيان مقاصدهم ومنهجهم، كان انتخاباً أيْديولوجيّاً بامتياز، مبنيّاً على إدراكٍ صحيح للظروف والأوضاع المسيطرة على تلك الحقبة من التاريخ، وخصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار الاحتياجات الفكريّة للمخاطبين فيها، وفي ما يليها من حَقَبات أيضاً([22]).
كان ما ذكرناه عَرْضاً مختصراً لدور الدعاء، وارتباط ذلك بالإمام الحسين×. والبحث في تفاصيل هذا الموضوع موكولٌ إلى محلٍّ آخر.
سيرة الإمام وكلامه حول الدعاء ــــــ
لم يبقَ بين أيدينا من الروايات التي تتحدَّث عن الدعاء وأساليبه وما يرتبط به ممّا رُوي عن سيّد الشهداء× إلاّ عددٌ محدود من الروايات:
وأولاها: الرواية التي يقول فيها: «أعجز الناس مَنْ عجز عن الدعاء…»([23]). والعلّة في ذلك ـ كما ذكرنا في بداية هذه المقالة ـ هي أنّ الدعاء أمرٌ فطريّ، يستطيع أيّ إنسان من خلال أدنى توجُّه أن يجده في نفسه. وبالتالي فالشخص الذي يعجز عن الدعاء هو في الواقع غافلٌ عن نفسه، وعاجز عن إدراك باطنه.
إنّ من أهمّ المباحث في موضوع الدعاء مسألة «الاستجابة». فلماذا نجد أنّ بعض أدعيتنا مستجاب، بينما البعض الآخر ليس كذلك؟ وهذا البحث في حدّ نفسه يحتاج إلى وقتٍ وفرصة أخرى خاصّة به؛ حيث إنّ الروايات قد تحدَّثت عنه مراراً؛ بسبب كثرة سؤال الناس عنه. وقد تحدَّث الإمام الحسين× في هذا المضمار أيضاً، حيث يقول: أما إنّهم لو كانوا دعَوْا الله بمحمّد وآله الطيّبين، بصدقٍ من نيّاتهم، وصحّة اعتقادهم من قلوبهم، أن يعصمهم حتّى لا يعاندوه بعد مشاهدة تلك المعجزات الباهرات، لفعل ذلك بجوده وكرمه، ولكنَّهم قصَّروا، فآثروا الهُوَيْنا، ومضَوْا مع الهوى في طلب لذّاتهم([24]).
لقد عيَّن الإمام× في هذه العبارات الشروط العمليّة والفكريّة والعقائديّة والقلبيّة لقبول الدعاء. ولكنّ البحث في سيرة وكلمات الإمام× حول الدعاء لا ينتهي هنا، بل يمكن لهذا الموضوع أن يؤلِّف تحقيقاً مستقلاًّ في أدعية الإمام الحسين×.
ونحن هنا نذكر بعض النقاط التي تمثِّل خلاصة الموضوع:
ـ يشكّل حمد الباري سبحانه، والثناء عليه، أهمّ قسم من أدعية الإمام الحسين×. فالإمام يدعو الله بمختلف الأسماء والصفات. وهنا نجد أنّ حجم الطلبات والحاجات التي وردت في أدعية الإمام× ضئيلٌ جدّاً، بالمقارنة مع الحمد والتمجيد والثناء.
ـ يمكن لنا في نظرةٍ كلّية أن نقسّم حاجات الإمام وطلباته إلى: طلبات مباشرة؛ وغير مباشرة. وهنا نجد أيضاً أنّ الطلبات المباشرة التي ذكرها الإمام ليست بالكثيرة. كما يمكننا أن نلخِّص الطلبات غير المباشرة في أمرٍ واحد، هو «القرب والوصال المحض». ومن هنا ينبغي أن نقول: إنّ أصل العلاقة مع الله سبحانه والتوجُّه إليه كان أهمّ بكثيرٍ في نظر الإمام من الحصول على أيّ شيءٍ آخر. ولذا فنحن لم نجِدْ في حاجات الإمام× وطلباته المباشرة أيّ حاجة مادّيّة صِرْفة، بل كلّ ما ورد منها ليس إلاّ حاجات وأمور معنويّة، وأمّا ما يظهر كحاجة مادّيّة فهو واقعاً يحمل صبغة معنويّة بشكلٍ كامل، ومآله في الحقيقة إلى الأمور المعنويّة.
وقد أورَدْنا في الصفحات التالية فهرساً بالأدعية المباشرة للإمام×؛ حتّى يتمكّن القرّاء الأعزاء من مطالعة الحاجات المباشرة للإمام. وينبغي الالتفات إلى أنّ العبارات التي وردت داخل معقوفتين […] هي إضافاتٌ من الكاتب، وهي تمثِّل عبارات مقدّرة في الكلام؛ بقرينة معنويّة، أو ألفاظاً محذوفة.
ومن المسلَّم أنّ ما يهمّنا من دراسة هذه العبارات هو التعرّف على الفضاء الفكريّ للإمام×. فهذه العبارات تعكس لنا ـ إلى حدٍّ ما ـ علوّ درجته، ورفعة مقامه. وهذا في حدّ ذاته واحدٌ من أهمّ الأمور والخصائص التي يمكن أن نستخلصها من دراسة الأدعيّة.
الحاجات المباشرة في أدعية الإمام الحسين× ــــــ
الهوامش
(*) أستاذٌ في الحوزة العلمية.
([2]) قام ابن طاووس لوحده بتأليف سبعة عشرة كتاباً في هذا المجال. وهذه الكتب تعتبر اليوم من أهمّ مصادر الأدعية الشريفة. هذا وقد طُبع بعض هذه الكتب؛ وبعضها الآخر لم يطبع: 1ـ الإقبال؛ 2ـ جمال الأسبوع؛ 3ـ فلاح السائل؛ 4ـ فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين ربّ الأرباب في الاستخارات؛ 5ـ مهج الدعوات ومنهج العبادات؛ 6ـ الأمان من أخطار الأسفار والأزمان؛ 7ـ المجتنى من الدعاء المجتبى؛ 8ـ الدروع الواقية؛ 9ـ مصباح الزائر الكبير؛ 10ـ مصباح الزائر الصغير؛ 11ـ أسرار الصلاة؛ 12ـ أسرار الدعوات؛ 13ـ الأسرار المودعة في ساعات الليل والنهار؛ 14ـ مسالك المحتاج إلى اليد في مناسك الحاج؛ 15ـ زهرة الربيع في أدعية الأسابيع؛ 16ـ المضمار للسباق واللحاق.
([3]) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة 2: 279.
([5]) الراغب الأصفهاني، مفردات القرآن: 171.
([6]) إنّ أحد وجوه الافتراق بين الدعاء والنداء هو عدم الاشتراك في هذه النقطة؛ وذلك أن النداء قد يصدر أحياناً لتنبيه الشخص المنادى إلى وجود خطرٍ قريب، أو للفت نظره إلى حادثة توشك أن تقع، لا لجذب انتباه هذا الشخص إلى نفس المنادي، أمّا في الدعاء فإنّ جذب انتباه المدعوّ له أهميّة خاصّة.
([7]) إذا اعتبرنا أنّ نفس التوجُّه إلى شخصٍ آخر؛ لتحقيق حاجة؛ أو لجذب انتباهه، من مصاديق الدعاء، فسيكون ممكناً لنا أن نعثر على مصاديق كثيرة للدعاء. فعلى سبيل المثال: سيكون بكاء الطفل الرضيع؛ طلباً لأمّه، من الدعاء، وهو ما أطلقوا عليه (الدعاء التكويني). وارتباط الإنسان القلبي بخالقه، وهو ما يسمّى بـ (الدعاء القلبي)، سيكون أيضاً أحد أنواع الدعاء الأخرى. (راجع: حسن ممدوحي، شهود وشناخت: شرح دعاهاي صحيفة سجّاديّة 1: 11 ـ 16، مبحث تعريف الدعاء).
([8]) من الممكن أن يُشكل بأنّه بناء على هذا التعريف فإن التفكر بالله سبحانه سيكون من الدعاء، والحال أنّه ليس كذلك. والجواب على ذلك هو أنّه ليس كلّ تفكُّر يصاحب التوجّه، فمجرّد التفكُّر بالله ليس بدعاء، ولكن صرف التوجه إلى الله تعالى يعدّ من الدعاء، سواء كان ذلك مصاحباً للتفكّر أم كان أثناء المشي أو النوم.
([9]) راجع: الدعاء رقم 11، و14، في فصل الدراسة الإجمالية لأدعية الإمام الحسين× من هذه المقالة.
([10]) من باب المثال على ذلك يمكننا أن نذكر: إتقان الأدبيات العربيّة، ودراسة أهميّة وموقعيّة الدعاء في زمان الأئمة^، بمعنى أن نبحث في أنّه هل كان غير المعصومين ـ كعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وغيرهما من كبار القوم ـ في زمانهم يهتمّون أيضاً بإيراد أدعية من هذا القبيل أيضاً؟
([11]) يقول الإمام الحسين× في وصف كتاب الله: «كتاب الله عزَّ وجلَّ على أربعة أشياء: على العبارة؛ والإشارة؛ واللطائف؛ والحقائق. فالعبارة للعوامّ؛ والإشارة للخواصّ؛ واللطائف للأولياء؛ والحقائق للأنبياء». وقد استقينا بحثنا الأخير من هذه العبارة التي تفضَّل بها×. (جامع الأخبار: 48؛ وبحار الأنوار 92: 20، ح18).
([12]) آثار الصادقين 6: 56 (نقلاً عن: تفسير الصافي: 54).
([13]) راجع: عباس صفائي حائري، تاريخ سيّد الشهداء: 41 وما بعدها؛ جواد مشكور، تاريخ الشيعة والفرق الإسلامية: 32.
([14]) لا يخفى على القارئ المحترم أنّ كتاب رجال الكشّي مفقودٌ، وإنّما بقي منه هو ما انتخبه منه الشيخ الطوسي في كتاب رجاله.
([15]) بحار الأنوار 95: 227. إنّ ما ذكره العلاّمة المجلسي& في هذا الموضوع يمكن تلخيصه في النقاط التالية التي تعرّضنا لها في المباحث السابقة، وهي:
ـ الفقرة الملحقة من دعاء عرفة ليست موجودة في النسخ القديمة من كتاب إقبال الأعمال لابن طاووس، ولكنّها موجودة في النسخ الجديدة.
ـ جاء الدعاء في كتاب ابن طاووس الآخر، أعني مصباح الزائر، بدون الفقرة الملحقة أيضاً.
ـ لا تنسجم عبارات الفقرة الملحقة مع أدعية الأئمّة المعصومين، بل هي أقرب إلى مذاق الصوفية، وأقرب إلى مشربهم.
ثمّ يستنتج& نتيجتين: الأولى: إنّه من الممكن أن يكون نفس السيّد قد أضاف هذه الفقرة على كتابه؛ اشتباهاً؛ والثانية: أن يكون أشخاص آخرون قد أضافوا هذه الفقرة على كتاب الإقبال، دون أن يكون للسيّد دخلٌ في ذلك. ثمّ اعتبر& أن الاحتمال الثاني هو الأظهر.
([16]) مولوي نامه 2: ب. أورد هذا المطلب السيّد أحمد زمرديان في كتاب وصال العارفين، بدون ذكر معلومات الكتاب التفصيليّة.
([17]) بحار الأنوار 83: 274، ح40.
([19]) جاء في الفارسي «مقوم» بالواو. وهو اشتباهٌ واضح. [المترجم].
([20]) يبدو أنّ هناك سقطاً في الطباعة، حيث لم تذكر كلمة «سند». وهذا هو موضعها بحسب الاستقراء. [المترجم].
([21]) راجع كتاب: تاريخ شيعه وفرقه هاي إسلامي تا قرن چهارم هجري: 40 ـ 55.
([22]) إن تاريخ التحوّلات الواقعة في الإسلام بعد النبيّ يدلّنا أن جذور الفرق والجماعات التي نشأت كانت جذوراً سياسيّة في الأساس، ثمّ انتقلت تلك الخلافات بالتدريج إلى دائرة المسائل المذهبيّة؛ ليؤدّي ذلك إلى نشوء المذاهب والفرق المختلفة. ومع تطوّر الاختلافات في التأويلات والتفاسير المتباينة التي انبثقت من المعارف الإسلامية ظهرت أولى الفرق الكلاميّة الإسلاميّة، التي تتمثّل في القَدْريّة، والمعتزلة، والجبريّة، والأشاعرة. ولا يخفى أنّ هذه الفرق كانت سياسيّة أيضاً. هذا وقد اعتبر محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، صاحب كتاب الملل والنحل، أنّ أساس الاختلافات بين الفرق الإسلاميّة يبتني على أربعة أصول أساسيّة: إثبات ونفي الصفات الإلهيّة؛ والجبر والقدر؛ والعقائد والأعمال؛ والعقل والنقل. أمّا أهم اختلاف سياسي ـ مذهبي بين الفرق الإسلاميّة فيتمثّل في مسألةٍ واحدة هي خلافة النبيّ|، وتولّي الأمور من بعده. إنّ نظرة عابرة على أدعيّة المعصومين ستدلّنا على الحقيقة التالية، وهي أنّ موضوعات المحاور الخمسة المذكورة قد تمّ استيعابها في الأدعية. (راجع: تاريخ الشيعة والفرق الإسلاميّة حتّى القرن الرابع؛ وشبلي نعمان، علوم الكلام الجديد 1: 161).