أحدث المقالات

ترجمة: فرقد الجزائري

مدخل  ـــــــ

نلقي في ما يلي نظرة خاطفة على كيفية تعامل المتكلّمين المسلمين مع قضيّتي bالعقلv وbالوحيv الشائكتين. وإن كان التحدّث عن موضوع واسع ومليء بالملابسات في مقال مختصر كهذا يتطلّب درجة عالية من الجرأة، خاصة وأنّ البحوث التي قدّمت في هذا المجال محدودة جدّاً، وهذا ما يضاعف من مسؤولية الكاتب.

يتضمّن هذا المقال، إضافةً للسرد التأريخي، عدّة نقاط أساسية، نرى من المناسب الإشارة إليها ابتداءً.

السعي لحلّ إشكالية العقل والوحي، والجمع بين bالإيمانv وbالعقلانيةv ـ كما سنرى ـ من أوّل اهتمامات المفكّرين المسلمين، سواء من استند إلى حكم العقل في معرفة الدين أو من وضع الدين خارج تناول العقل، وعفاه عن فهمه واستيعابه، وكشف كلاهما عن اهتمامه البالغ بهذه المسألة، حيث سلبتهم استقرار التفكير وهوادته، ذلك أنّ التجاذب بين العقل والدين ليس بالأمر الهيّن، فلا يترك الإنسان المهتم الحرّ يخرج عن التفكير به بسهولة، فإذا كانت جذور العقل في جوهر الإنسان وذاته، فقد ارتبط الدين ـ بارتباطه بالعقل ـ بأهم وأسمى حقيقة يهتمّ بها الإنسان، ومن السذاجة بمكان حبس الدين في الأطر الضيقة للتجربة والعقل البشريين، كما هي الحال في تحوير العقل إلى عدّة أحكام وضوابط عامّة.

تؤكّد الجهود التي بذلها علماء المسلمين في عقد المصالحة بين العقل والدين ـ والتي سنذكر بعضاً منها في هذا المقال ـ على عدم إمكان إنهاء هذا الصراع بإصدار حكم عام أو اتباع طريقة ساذجة.

الفائدة الأخرى المستقاة من هذه الدراسة التاريخية، هي المعرفة بأنّ العقل والاتجاهات العقلانية في التعامل مع الدين، لم تكن بمعنى واحد في كلّ مكان وزمان، حتى في القرون الأولى من بزوغ الإسلام، فقد أخذت علاقة العقل بالدين أشكالاً مختلفة تماماً، ولعلّ دراسة هذه الآراء وتقييمها من جديد، والسعي لفهم هؤلاء المفكّرين، يعين على حلّ هذا اللغز وتقديم منهج جديد لحلّ هذه المعضلة.

وسوف نرى أنّ أغلب الحلول التي طرحت في تاريخ الفكر الإسلامي تصنّف إمّا في إطار المُفرطة أو المفرّطة؛ فمنذ العصر الأول وحتى اليوم، نواجه ـ في الأغلب ـ تيارين فكريين متضادين، ففيما سعى العقلانيون لتبرير القضايا الدينية وتأويلها بطريقة عقلانية، وصبّوا ـ قدر استطاعتهم ـ العقائد الدينية في قوالب فلسفية خاصة، اعتبر المؤمنون والنصّانيون ـ في المقابل ـ العقل أجنبياً، ووقفوا بصلابة أمام نفوذه عالم الدين وأجواءه، وهذا ما يثير العجب، خاصة مع ما نلاحظه من منهج القرآن المعتدل في التعامل مع هذه القضية. كما أنّ هناك من المفكرين من خطى خطوات في سبيل مصالحة العقل والدين، ولاحظ الاعتدال في ذلك، لكنه انزلق في نهاية المطاف إلى أحد الاتجاهين، أو وقع في عدم الاستقرار على رأي، ذلك كلّه حال دون إعطائه نظرية شاملة، كما حصل مع الإمام الغزالي الذي يمكننا اعتباره واحداً من رجال هذا الفريق([1]).

وما ذكرناه يصدق على التراث الشيعي والسنّي على حدّ سواء، لكن لا ينبغي لهذا الشبه العام أن يصرفنا عن فوارق هذين المجالين من الفكر الديني، وسنرى أنّ النزعة النصّية عند الإمامية تختلف كلّ الاختلاف عن النزعة السلفية عند أهل السنّة بما تتمسك به من روايات أهل البيت (، تماماً كما ابتعد المتكلّمون الشيعة عن متكلّمي السنّة، بما استقوه من معارف أهل البيت (.

وفي ختام هذه المقدمة، يجدر بنا التنبيه إلى أنّ هذا البحث لا يتعدّى القرن السادس الهجري، ما عدا استثناءً واحداً.

لقد تطوّر الكلام الإسلامي مستقلاً عن الفلسفة والتصوّف إلى القرن الخامس الهجري، وكان هذا القرن بداية تأثر هذه العلوم الثلاثة ببعضها، حيث حصل بينها تزاوج ومعاملة، فلا كان بوسع الغزالي أن يفكر منعزلاً عن الفلسفة والعرفان، ولا أمكن لابن رشد أن يغفل العرفان والكلام، فازدادت العقلانية تعقيداً مذ ذاك، وأصبح تحليلها بحاجة إلى بحوث أعمق؛ لهذا ننهي المقال بتحليل عابر لآراء الغزالي وتقرير مختصر عن ابن رشد، تاركين باقي البحث لفرصة أخرى.

دور أهل الحديث في ظهور الاتجاه النصّي  ـــــــ

يجب اعتبار التيار النصّي أول تيار فكري شامل في الإسلام، ولا يخصّ هذا الأمر الدين الإسلامي، بل اتسمت أوّل الاتجاهات في الأديان كافة بالتوجه إلى الوحي وحفظ السنن الدينية؛ فمن الطبيعي أن لا تجد المناهج الغريبة رونقاً ومجالاً في مجتمع ما زال يحسّ بدفء حضور نبيّه، ومازال صوت الوحي يترنم في أذنه، وسرعان ما تفقد هذه المناهج بريقها وتزول.

أمّا النصيّة فقبل أن تكون مدرسةً كلاميّةً، كانت أرضية ثقافية ورؤية خاصة، انبعثت منها أفكار مختلفة، فقد نشأ في أحضانها كلّ من المرجئة والجبرية والخوارج والتشبيه والتجسيم وعشرات الأفكار الأخرى، التي ألقت بظلالها على الفكر الإسلامي حتى قرون متأخرة، وقد أصبح هذا التيار الفكري مستقلاً بشكل تدريجي، ليحمل عناوين مختلفة، منها: أهل الحديث، الحنابلة، الحشوية، والسلفية.

وعلى الرغم من ذلك، لا يجوز لنا اعتبار غلبة النزعة النصيّة في العهود الأولى أمراً طبيعياً وحسب، بل كان للسلطة السياسية دور في الأمر، فقد ضغطت الخلافة على أصحاب الرسول % وشهود السنّة النبوية من ناحية، ومنعت الناس من نقل أحاديثه، جاعلةً ذلك حصراً على جماعة محدّدة من ناحية أخرى، مما أتاح لها التسلّط على أفكار المتدينين أيضاً([2])، ومن الواضح مدى المنفعة التي اكتسبتها السلطة السياسية من الإقبال الأعمى على bالسنّة المنتقاةv في مثل هذه الظروف.

وقد ظهر تيار فكري آخر قبال النصيّة الإفراطية، ليستقرّ في نهاية المطاف داخل الهيكل المعتزلي، وإذا كان الصراع بين هذين التيارين قد بدأ حول مسألتي الجبر والاختيار، والتشبيه والتنزيه، إلا أنه كان يتّسع بمرور الزمن، حتى اتّضح أنّ الفارق الأساسي إنما هو في منهج التعامل مع النصوص الدينية؛ فأهل الحديث يأخذون بظاهر ألفاظ القرآن الكريم والروايات، لكن المعتزلة يستعينون بالعقل لتأويلها.

أسباب نشوء الظاهرة العقلانية في التاريخ الإسلامي  ـــــــ

يجب البحث عن جذور العقلانية في الإسلام نفسه قبل أيّ شيء آخر، فلطالما أكّد القرآن الكريم على التعقّل والتفكّر، خلافاً لنصوص اليهود والنصارى([3])؛ فاليهودية دين الشريعة والتأريخ، والمسيحية دين الإيمان والأخلاق، لكن الإسلام قبل هذا وفوق ذاك كلّه، يدعو الإنسان لمعرفة نفسه ومعرفة العالم، ويدفعه لتبني رؤية واضحة حول الوجود والتاريخ والشريعة والأخلاق.

وعلى الرغم من ذلك، لابدّ وأن تكون العقلانية في الإسلام قد تأثرت بعوامل خارجية، فاتساع رقعة الإسلام واطلاع المسلمين على حضارات أخرى، ترك آثاراً مهمة في الفكر الإسلامي: فقد أثرت العلوم والأفكار الدخيلة بشكل تدريجي على ذهنية المجتمع الإسلامي من ناحية، وأثارت علماء المسلمين للردّ عليها والذبّ عن المتبنيات الدينية من ناحية أخرى([4])، وما نراه أحياناً من إفراط في عقلانية المعتزلة إنما هو ناشئ عن هذا الوضع.

إذا اعتبرنا القرن الأول عصر شيوع النصيّة الدينية، فيجب اعتبار القرنين الثاني والثالث فترة رواج العقلانية، لكن لا يفوتنا أنّ العقلانية مهما راجت وشاعت، تبقى منحصرةً في دائرة النخب، ويبقى عامّة المتدينين يفضّلون الإيمان والتعبد الديني على الأقاويل العقلانية؛ ومن هذا المنطلق بقي مذهب عامّة أهل السنّة يفضّل باستمرار وفي كل مكان الدوران حول السنن الدينية، دون أن يرتضي نفوذ العقل مجالَ الدين.

ومع تلألؤ نجم الاعتزال، تفاقمت الخلافات الكلامية داخل إطار هذه المدرسة أيضاً؛ فالإفراط في استخدام العقل زعزع أساس الدين وجوهره، وهو الإيمان بالله وعبادته والتسليم له والتعبّد، لقد أدّى نمو العقلانية من ناحية، وأفول الحنبلية وجمودها من ناحية أخرى، إلى إعادة علماء السنّة النظر في آرائهم التقليدية وتنقيحها، فكان القرنان الثاني والثالث في الحقيقة فترة بروز الاتجاه النصّي قبال العقلانية والخروج من التعصب والجمود الفكري، ومع بزوغ القرن الرابع، دخلت النصيّة مرحلة جديدة؛ فقد شرع اثنان من كبار علماء السنّة، هما أبو الحسن الأشعري (330هـ) في البصرة، وأبو منصور الماتريدي (333 هـ) في خراسان وماوراء النهر، كلّ على انفراد، بإعادة صياغة الفكر الديني وإحيائه وجذب علماء الكلام المعتزلي([5])، والفارق بينهما أنّ الماتريديّ اقترب من المعتزلة، فيما صاغ الأشعريّ أصول الحنابلة في قوالب جديدة، ولهذا السبب اعتُبر الأشعري متوسّطاً بين أهل الحديث والمعتزلة، والماتريدي بين الأشعرية والمعتزلة، وهكذا اكتملت حلقات التقريب بين النصيّة والعقلانية في القرن الرابع، وتمّت أول محاولة لها بين هاتين المدرستين.

الأشعرية وتاريخ الصيرورة العقلانية  ـــــــ

لمعرفة أهمية هاتين المدرستين الكلاميّتين، لا بأس بإجراء مقارنة بين تياراتهما المختلفة من جهة والمعتزلة من جهة أخرى؛ ولأجل ذلك، يجب التعرّف سلفاً على مواقف أهل الحديث والمعتزلة من العقل، فمنذ البداية كان لمفهوم العقل من وجهة نظر علماء المسلمين لحاظان: نظري وعملي، ويمكننا ملاحظة الاختلافات بين المعتزلة وأهل الحديث في كليهما، وإن لم يكن هذا التفكيك واضحاً منذ البداية، لكن بإمكاننا اعتبار المسألتين الكلاميّتين الرئيستين في ذلك العصر، وهما التشبيه والتنزيه، والجبر والاختيار، انعكاساً لهذين اللحاظين للعقل.

اعتقد أهل الحديث أنّ من الواجب الأخذ بصفات الباري تعالى كما وردت في ظاهر الآيات والروايات، ولا يحقّ للعقل التساؤل عن كمّها وكيفها، ولعلّ تعبير الإمام مالك بن أنس في الإجابة على من سأل عن bاستواءv الله على العرش، أبلغ تعبير عن هذا النمط من التفكير: bالاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعةv([6])، وهكذا يقول الأشعري في وصف الحنابلة: إنّ كلّ ما يقولونه عن الله، أخذوه من القرآن وروايات الرسول، لا يتعدّونهما([7]).

يبيّن ما ذكرناه موقف أهل الحديث من العقل النظري، كما أنّهم من ناحية أخرى اعتبروا الإنسان مجبراً والله خالقاً لأفعاله، كما اعتقدوا أنّ الله يمكنه تعذيب الإنسان على ما لم يفعل، أو القذف بالصغار في جهنّم دون سبب، دون أن يجوز لأحد السؤال عن أفعاله سبحانه، >لا يُسأل عمّا يفعل<، ولا قيمة لحكم العقل في هذه الأمور، فلا قِبَل له بفهم حسنها وقبحها، بل ليس الحسن والقبح من ذات الأفعال، إنما يختلفان حسب غرض الفاعل.

وفي مقابل هذا الرأي، أخذت المعتزلة بحكم العقل في مجال bالمعارف العقليةv وbالأحكام العقليةv أيضاً، فهم يعتقدون بأنّ b المعارف كلّها معقولة بالعقل، واجبة بنظر العقل، وشكر المنعم واجب قبل ورود السمع، والحسن والقبح صفتان ذاتيتان للحَسَن والقبيحv([8]).

وقد بلغ بعض المعتزلة ـ كالنظّام ـ درجةً دفعته للقول بأنّ العقل يدرك حسن جميع الأفعال وقبحها، بل لقد اعتقد المعتزلة بشكل عام أنّ دور الوحي قبل كلّ شيء تأييد حكم العقل والإرشاد إليه، ويكشف البيان الذي أورده الشهرستاني في تبيين عقيدة أبي علي الجبائي (303هـ) وابنه أبي هاشم (321هـ) عن حقيقة العقلانية الحاكمة على المعتزلة، فيقول: واتفقا على أنّ المعرفة وشكر المنعم، ومعرفة الحسن والقبح واجبات عقلية، وأثبتا شريعة عقلية، وردّا الشريعة النبوية إلى مقدّرات الأحكام ومؤقتات الطاعات التي لا يتطرّق إليها عقل، ولا يهتدي إليها فكر. وبمقتضى العقل والحكمة يجب على الحكيم ثواب المطيع وعقاب العاصي، إلا أنّ التأقيت والتخليد فيه يعرف بالسمع([9]).

ومن جملة ما اختلف فيه أهل الحديث والمعتزلة هو: هل إنّ معرفة الله أمر نظري واكتسابي، أم أنّها من الأمور البديهية التي يدركها العقل البشري والفطرة الإنسانية بالضرورة؟

اعتبر النصيّون، بشكل عام، المعرفة الإلهية أمراً بديهياً، واجتنبوا النقاش في هذا المجال، وعلى خلافهم، ذهب المعتزلة إلى عدم حصول معرفة بالله إلا عبر النظر والاستدلال، وقد أدّى هذا الرأي بالمعتزلة إلى تأسيس علم الكلام، وتنظيم أصول لمعرفة الله وصفاته وأفعاله.

نشأ الأشعري في أسرة سنّية متعصّبة، فكان أبوه من علماء أهل الحديث، وقد انحاز في بادئ الأمر إلى المعتزلة، وتلمّذ على كبار أساتذتهم، خاصّةً أبي علي الجبائي نفسه، لكن أدرك ـ وبمرور الزمن ـ ضعف عقائد الاعتزال ومغايرتها للمذهب السنّي، فابتعد عنهم، ثمّ اقتنع بالإطار العام للفكر الحنبلي([10])، وصار يدافع عنه بالآليات والأسس العقلية، وقد فرّق الأشعري بين البعدين: النظري والعملي للعقل، فقبل استيعابات العقل المعرفية، بيد أنه رفض استطاعة العقل إدراك حُسن الأفعال وقبحها.

وهكذا ذهب الأشعري إلى أنّ الواجبات سمعية كلّها، وأن العقل لا يوجب شيئاً ولا يقتضي تحسيناً ولا تقبيحاً، فمعرفة الله بالعقل تحصل وبالسمع تجب، قال الله تعال: >وما كنّا معذّبين حتى نبعث رسولاً<، وكذلك شكر المنعم وإثابة المطيع وعقاب العاصي، يجب بالسمع دون العقل، ولا يجب على الله تعالى شيء ما بالعقل، لا الصلاح ولا الأصلح ولا اللطف، وكلّ ما يقتضيه العقل من جهة الحكمة الموجبة، يقتضي نقيضه من وجه آخر([11]).

لقد قرّب الأشعري أهلَ الحديث خطوةً نحو العقل بهذا التفكيك الذي مارسه، واستطاع نشر علم الكلام وترويجه بذلك، وذلك بعدما كان حصراً على المعتزلة، وقد وضع أسس هذه النظرية في رسالة حملت عنوان: استحسان الخوض في الكلام، رادّاً على تحريم أهل الحديث لهذا العلم، وبذلك دوّن علم الكلام العقلي لأهل السنّة في كتاب: الإبانة عن أصول الديانة، ومن ثمّ في كتاب اللمع.

يجب ملاحظة دور الأشعري وأهمية ما قام به في التأثير الذي تركه على كبار المتكلّمين بعدَه، وهم: القاضي أبوبكر الباقلاني (403هـ)، أبو إسحاق الاسفراييني (418هـ)، وإمام الحرمين الجويني (478هـ).

لقد استفاد هؤلاء كلّ الاستفادة من الجوّ الذي خلقه الأشعري، ومهّدوا الأرضية لدخول العقل في المباحث الاعتقادية، استخدم الأشعري العقل، حسب الظاهر، لتثبيت متبنيات أهل الحديث والدفاع عنها فحسب، لكن دخول العقل أدّى إلى تعديل كثير من المعتقدات الدينية التي كانت تعتبر مسلّمة آنذاك، فخرجت نظرية الصفات المشبّهة بقيد bبلا كيفv([12])، ونظرية الجبر مع القول بـbالكسبv([13])، وعدم خلق القرآن مع التقيّد بـbالكلام النفسيv([14]) من الفهم المتحجّر لأهل الحديث، وأخذت مظهراً مقبولاً عقلاً، والأهم من ذلك كلّه، أصبحت معرفة ذات الله وصفاته أمراً يحتاج إلى استدلال وبراهين، ولم يعُد أمراً بديهياً.

ذهب الباقلاني([15]) في هذه الأمور جميعها أبعد مما وصلت إليه تصوّرات الأشعري نفسه؛ فأعطى العقل مجالاً أوسع في فهم المعتقدات الدينية وتفسيرها، وبهذا أخذ علم الكلام في المدرسة الأشعريّة طابعاً عقلياً وجدلياً كاملاً بمجيء الجويني، والذي تحدّث مفصلاً في مقدمة كتاب: الشامل في أصول الدين([16]) عن أسس المنهج العقلي، وردّ على من يشكل على bالاستدلالv ويعتبره بدعةً لا جدوى منها، وبالإمكان مقارنة هذا القسم من كتاب الشامل مع كتاب المغني للقاضي عبد الجبار المعتزلي (415هـ)([17])، ليظهر مدى تأثير المغني على الشامل للجويني، وإن كان الجويني لا يعدّ مؤسّساً لعلم الكلام، لكن على أيّ حال، أدّى ظهوره إلى وصول العقلانية قمّتها في الكلام الأشعري([18]).

كانت النصيّة السلفية طوال هذه الفترة معرّضةً للضغوط من ناحيتين، فقد أخذ المعتزلة بالانتشار بدعمٍ من السلطات المحلية، واتحادها مع التشيّع، من ناحية؛ فيما بات الكلام الأشعري نفسه يهدّد النصية عبر منهجه العقلاني الجديد، من ناحية أخرى، فلم تتمكّن السلفية ـ خاصّة في شكلها الإفراطي ـ من إعادة نشاطها إلا بعد ظهور ابن تيمية في القرن السابع (661 ـ 728هـ)، وقد تأثرت عقائد السنّة بالتفكير الأشعري إلى درجة لم يجد فيها الشهرستاني في القرن السادس بياناً أبلغ من عقيدة الأشاعرة لشرح رأي أهل السنّة بالعقل والشرع، فقال: وأمّا السمع والعقل، فقد قال أهل السنّة: الواجبات كلّها بالسمع، والمعارف كلّها بالعقل، فالعقل لا يحسّن ولا يقبّح، ولا يقتضي ولا يوجب. والسمع لا يعرّف، أي لا يوجد المعرفة، بل يوجب([19]).

وعلى هذا الأساس، قبل ببساطة التعريف التالي في مجال أصول الدين وفروعه: bكلّ ما هو معقول، ويتوصّل إليه بالنظر والاستدلال، فهو من الأصول. وكلّ ما هو مضنون أو يتوصّل إليه بالقياس والاجتهاد فهو من الفروعv([20]).

وقد شاعت المجادلات الكلامية بين أهل السنّة في القرن الخامس، فوقف أبو حامد محمد الغزالي (505هـ) بوجه العقلانية الإفراطية، وساق الكلامَ الأشعريّ إلى وجهة أخرى، وسوف نعود إلى آراء الغزالي في ما بعد إن شاء الله تعالى.

المنهج الماتريدي والتوظيف العقلاني  ـــــــ

في الوقت نفسه الذي برز فيه الأشعري، ظهر عالمٌ من علماء خراسان السلفيّين، يتبع الأهداف التي تتبّعها الأشعري، وهو الماتريدي. كان الماتريدي، خلافاً للأشعري الذي انتمى إلى المذهب الحنبلي والمالكي، تابعاً للمذهب الحنفي، وكما نعلم فإنّ أبا حنيفة (150هـ) كان من أصحاب الرأي، يعمل بالقياس في الأحكام، لذا كان من السهل للماتريدي إدخال العناصر العقلية في المعتقدات الدينية، وتعديل النزعة النصيّة، وكما قلنا فإنّ الأشاعرة أخذوا بالمعارف النظرية للعقل، ولم يعيروا الأحكام العملية اهتماماً، أمّا الماتريدي فقد أدخل العقل العملي أيضاً في مجال علم الكلام، مقترباً بذلك من التفكير المعتزلي، فقبل الحُسن والقبح العقليين، وقبّح التكليف بما لا يطاق، واعتبر الفعل الإلهي حكيماً، كما وعدّ العدالة ونفي الظلم من صفات الباري تعالى وأفعاله([21]).

لم يكتف الماتريدي بهذا المقدار، بل اعتمد العقل في البعد النظري أيضاً، واستخدمه ـ بكثرة ـ في تحليل جزئيات المسائل الكلامية، كما اعتقد بأنّ الإنسان صاحب قدرة واختيار وأنّ مشيئته مؤثرة في وجود الأفعال، وقد قبل الماتُريدي نظرية الكسب معتبراً الله فاعلَ أفعال الإنسان، لكنه ـ خلافاً للأشعري ـ كان يعتقد بحريّة الإنسان بشكل تام في bقدرة الكسبv، وأنه هو الذي يقوم بفعل ما بمحض إرادته.

لقد لاقت آراء الماتريدي في بادئ الأمر إقبالاً واسعاً بين الأحناف، إلا أنه وبعد انتشار الأشعرية تحوّل علماء الحنفية إليها، ولهذا لم تجد أفكار الماتُريدي قبولاً بين أهل السنّة([22]).

موقع الغزالي في تجاذب العقل والنص  ـــــــ

أسلفنا أن أبا حامد محمد الغزالي كان أشعريّ المسلك، ومن تلامذة إمام الحرمين الجويني، وتأتي أهمية الغزالي في تاريخ العقلانية الإسلامية من التحوّل الفكري الذي حصل له منتصف عمره، فقد أدّى هذا التحوّل إلى تغيير أساسي في مسار الفكر الإسلامي، ولو لبرهة معينة.

تتكوّن الحياة العلمية للغزالي من فترتين مختلفتين؛ ففي الفترة الأولى كان يكمل المسيرة التي خطّها الكلام الأشعري خلال قرنين، وقد قدّم الغزالي في هذه الفترة الكلامَ الأشعري خطوةً نحو الأمام بإدخاله المنطق الأرسطي فيه([23])، إذ لم يكن قد استخدم هذا المنطقَ حتّى ذلك الحين أيّ من المتكلّمين، بمن فيهم أستاذه الجويني، وقد تمكّن الغزالي بفراسة تامّة وبنحته مصطلحات جديدة للمفاهيم المنطقية أن يدّعي استخراج قواعد المنطق من القرآن الكريم([24])، بل ادّعى أنّ أرسطو واليونانيين كانوا أخذوا المنطق عن سالف الأنبياء، فللمنطق ـ إذاً ـ جذور دينية([25])، وقد ألّف الغزالي في هذه الفترة كتباً ورسائل كلامية للدفاع عن المتبنّيات السنّية، والتعريض بسائر الفرق الإسلامية.

وكان من أهمّ أعماله في هذه الحقبة نقده الذي كتبه على الفكر الفلسفي آنذاك؛ حيث بيّن ـ أولاً ـ مسائل الفلسفة المشائية في كتاب مقاصد الفلاسفة، ثم كشف ـ حسب زعمه ـ تناقضها وتعارضها مع العقائد الدينية في كتاب تهافت الفلاسفة، وفي ختام هذه الفترة، أعاد الغزاليّ صياغة الكلام الأشعري بشكل متقن ورزين، وذلك في كتاب الاقتصاد في الاعتقاد.

لكن مناقشة الفلاسفة وأصحاب المذاهب والتعمّق في الأفكار الكلامية أدّى بشكل تدريجي إلى تذمّره من علم الكلام نفسه؛ ويمكننا لمس هذه المسألة حتى في كتابه الكلامي bالاقتصادv؛ إذ يعدّ فيه علم الكلام وسيلةً لدفع الشبهات وردع الخصوم، لا سبباً للوصول إلى اليقين، وبهذا لم يستقرّ عقل الغزالي الوقّاد في نهاية المطاف، ولم تطمئن روحه التوّاقة بالأفكار الفلسفية والكلامية، بل شكّك في كل شيء([26]).

من هذه اللحظة بالذات، بدأت المرحلة الثانية من حياة الغزالي، التي وجد فيها ضالّته في التصوّف، واليقين الذي يمنحه السكون والطمأنينة، في السلوك العرفاني، الذي زعم أنه منطلق طريق النبوة.

فبعدما وصل الغزالي بالكلام الأشعري إلى القمّة، وفّر مقدمات سقوطه؛ وسار العقل الأشعري في اتجاهٍ أدّى إلى فقدان حقيقة الدين بريقها، فنسي جوهر الدين، وصار الفقهاء والمتكلّمون يتباهون بصورته ويتناقشون حولها، فأصبحت علوم الدين في أمسّ الحاجة إلى حياة جديدة.

انتقد الغزالي في كتاب إحياء علوم الدين الفكرَ الديني في عصره، وبيّن المنهج الديني القويم من وجهة نظره، لكنه أبخس العقل والتعقل حقّه في منهجه الجديد هذا([27])، وفي المقابل أعطى الغزالي السلوك العرفاني والتعبّد الديني حصة الأسد؛ فالتعريف الذي قدّمه للعلم والعقل يكشف هذه المسألة بجلاء، حيث أصبح العلم طريق الآخرة، وهو على شقين لا ثالث لهما: علم المكاشفة (علم الباطن) وهو غاية العلوم، وعلم المعاملة وهو الأخلاق([28])، كما عدّ الفقه في هذا التصنيف من العلوم الدنيوية الشرعية، مخرجاً علم الكلام تماماً عن دائرة العلوم الشرعية.

إنّ الصورة التي يرسمها لنا الغزالي عن علم الكلام في كتاب إحياء علوم الدين مهمة جداً؛ إذ يعتقد بأنّ هذا العلم مؤلّف من قسمين: أدلة مفيدة موجودة حرفياً في الكتاب والسنّة، ولا حاجة لنا بها؛ وجدال مذموم ومطالِب إمّا مضلّلة أو لا طائل منها؛ ولهذا السبب لم يؤلَّف علم الكلام في الصدر الأول، بل كانوا يعدّون الدخول فيه بدعة([29]).

ويقرّ الغزالي بحاجتنا اليوم للكلام بسبب رواج البدع، لكنه يؤكّد أنّ واجب المتكلّم هو الذبّ عن الدين والدفاع عنه، ولا يمكنه شقّ طريقه للمعرفة بعلم الكلام، فمن حيث العقيدة، ليس للمتكلّم أكثر مما لدى العامة، وما يميّزه عنهم ليس إلا امتلاكه سلاحاً يجب أن يدافع به عن طريق الآخرة، والذي هو طريق الدين والعرفان([30]).

ويقرّ الغزالي لاحقاً في كتاب إلجام العوام عن علم الكلام، بأنّ علم الكلام قد يؤدّي أحياناً إلى الحقيقة، لكن حدوث هذا الأمر فيه بدرجة من الندرة، لا تتعارض وواجبنا في نهي العالِم وغيره عن الولوج فيه([31]).

إنّ الصورة التي يقدّمها الغزالي للعقل مهمة أيضاً؛ فقد اعترف بالعقل النظري وجعله أساساً للفكر العقلاني للإنسان([32])، لكنه قال: إنّ الإيمان بالله ومعرفته، وحتى معرفة حقيقة الأشياء، ركيزة فطرية في نفوس البشر، ويتوصل العقل البشري إليها بالتذكير([33])، وهذا ما يكشف أيضاً عن عدم إيمانه بالعقل البشري ولا بالاستدلالات الكلامية المعقدة.

الخطوة المهمة الأخرى للغزالي كانت تقسيمه الحقائق والمعارف الدينية إلى طبقات، فإذا كانت للحقيقة درجات وبطون مختلفة، وكان الناس على مراتب مختلفة من حيث الوجود والعقل، يجب تعليم كلّ شخص وفق مستواه الوجودي وقابلياته([34]) من هنا يفتح الغزالي باباً لدخول العرفان في المعارف الدينية ويضعه فوق الفقه والكلام.

لقد استفاد ابن رشد من نظرية الغزالي هذه للجمع بين العقل والدين، لكن الفارق بينهما هو أنّ الغزالي نسب الحقائق والمعارف المتعالية إلى العرفان، بينما نسبها ابن رشد إلى الفلسفة، فاعتبر الأخير تأكيد القرآن على التفكّر وكسب المعرفة تأييداً للعقل الفلسفي([35])، كما اعتقد بأنّ ظواهر النصوص إنما جاءت لعامة الناس، وعلى الفيلسوف تأويل النصوص عن طريق اكتشاف الحقائق البرهانية([36])، ولا يجوز تعليم الحقائق الباطنية للعوام، بل من الواجب عدم إطلاعهم أنّ النصوص الدينية قابلةٌ للتأويل، ويجب طرح الحقائق الدينية، التي هي نفس الحقائق الفلسفية، بلغة غامضة في المصادر الفلسفية، كي لا يتوصل إليها من ليس أهلاً لها.

من هنا، يعتبر الغزالي وابن رشد التأويل خاصاً بـ bالراسخون في العلمv، وما يميّزهما في هذا الاعتقاد، أنّ الغزالي يعتبر المتصوّفة هم الراسخين في العلم، بينما يعتقد ابن رشد أنّهم الفلاسفة([37]).

مدرستا العقل والنصّ في القرون الأخيرة  ـــــــ

أهان الغزالي ـ كما رأينا ـ التفكير العقلاني بفسحه المجال للتصوّف، كما أخرج الفلسفة من دائرة الدين وأبعد الكلام إلى ثغور الدين للدفاع عنه، وفي المقابل، دافع ابن رشد عن مكانة العقل بتأليف تهافت التهافت، وجمع بين العقل والدين في فصل المقال والكشف عن منهاج الأدلة. ومن الطرائف أنّ ابن رشد قد ترك أثراً في الكلام الأشعري في المراحل التالية أكبر مما تركه الغزالي نفسه، فعلى الرغم من جهود الغزالي، نضج التراث الكلامي وقوت جذوره، حيث كان يلج أعماق الفلسفة أحياناً.

ومن أهم رموز هذا التراث: عبد الكريم الشهرستاني (548هـ)، والفخر الرازي (606هـ)، والقاضي عضد الدين الإيجي (756هـ)، وسعد الدين التفتازاني (793هـ)، والشريف الجرجاني (816 هـ)؛ فلم تخمد جذوة النزعة العقلية في كلام أهل السنّة، بل زاد أوارها يوماً بعد يوم، وما زلنا نشهد آثار ذلك إلى يومنا هذا.

يجب علينا البحث عن تأثير الغزالي في مكان آخر أيضاً؛ فقد كان سبباً ـ أو على الأقل ممهّداً ـ لتيّارين هامّين، حيث صبغ التصوّف بصبغة دينية ـ وكان يعدّ آنذاك حركةً مستقلة منزوية ـ وأدخله المجتمع من ناحية، فيما مهّد لانتعاش النزعة النصية من ناحية أخرى، وبتضعيفه الفلسفة والكلام، وتوجّهه إلى الوحي، هيّأ الغزالي بشكل غير مباشر الأرضية لبروز النزعة السلفية، فبزغت النصيّة الإفراطية من دمشق مرة أخرى، بعدما أفلت بوفاة ابن حزم الأندلسي (456هـ). وقد وضع هذه المرّة تقي الدين أحمد بن عبد الحليم المعروف بابن تيمية (728هـ) ومن بعده تلميذه ابن القيّم (751هـ) أساس منهجٍ مازال مستمراً إلى يومنا هذا بلباس المذهب الوهابي.

يرث العالم السنّي اليوم هاتين المدرستين كليهما: النصوصيّة الإفراطية لأتباع ابن تيمية، والعقلانية الفكرية على طريقة الأشاعرة.

النزعة العقلانية والنصيّة عند الشيعة الإمامية  ـــــــ

نموضع حديثنا ـ من بين ثلاث فرق شيعية مهمة ـ حول الشيعة الإمامية فقط؛ فالزيدية سلكت طريق المعتزلة، وأخذت عقلانيّتهم بشكل كامل، فيما ابتعدت الإسماعيلية عن الفكر الديني متأثرةً بالغنوصيّة (المذهب العرفاني Gnoticism), والمانويّة (Manichaeism)، والفلسفة الأفلاطونية المحدثة (Platonism ـNeo ).

يجب بدء الكلام عن الإمامية بالأئمة أنفسهم، لكن بما أنّ هدفنا مطالعة آراء المسلمين وأفكارهم لا تحليل النصوص الأساسية، نبدأ الحديثَ بعلماء الشيعة.

هناك صنفان مختلفان بين أصحاب الأئمة، خاصة الإمامين: الباقر % والصادق %: جماعة تسمّى bالمتكلمينv، وأخرى تسمّى bالمحدّثينv أو bالفقهاءv؛ فمن الصنف الأول: هشام بن الحكم، وهشام بن سالم، وحمران بن أعين، ومحمد بن الطيّار، ومؤمن الطاق. ومن الصنف الثاني: محمد بن مسلم، وأحمد بن محمد بن خالد البرقي، ومحمد بن الحسن الصفّار، وما يميز الصنفين عن بعضهما بشكل أساسي، هو كيفية استخدام العقل في المعارف الدينية ومديات هذا الاستخدام وكميته، لهذا بإمكاننا اعتبارهم ممثلي العقلانية والنصيّة في الدائرة الشيعية.

ويعتبر حفيد ميثم التمّار (علي بن إسماعيل بن ميثم التمّار) أوّل متكلّم شيعي([38])، وإن كان بعضهم يرجع تاريخ الكلام الشيعي إلى فترة أبعد من ذلك، ويعتبر الشاعر الشيعي الكميت بن زيد، وعيسى بن روضة من روّاد الكلام الشيعي ومؤسّسيه([39])، ويعتقد الكثيرون أنّ جذور المعتزلة تضرب في الكلام الشيعي. فكما يقول المعتزلة: إنّ مؤسس الاعتزال ـ وهو واصل بن عطاء ـ قد أخذ علم التوحيد عن أبي هاشم عبدالله بن محمد الحنفية، وهذا الأخير أخذه عن أبيه علي بن أبي طالب %([40]).

على أيّ حال، كان هشام بن الحكم أول من أذاع صيت الكلام الشيعي ودافع عن المباني الشيعية باستخدام قواعد الجدل، كان هشام من أصحاب الإمام الصادق %، ويمكننا ملاحظة مناقشاته مع المخالفين، وتقدير الإمام له في المجاميع الروائية الشيعية، وقد اشتهر هشام بعلم الكلام وهيمنته على فنّ المجادلة إلى حدّ نصّبه يحيى بن خالد البرمكي (وزير هارون الرشيد) رئيساً للمتكلّمين، وأعطاه منصب الحكم والرئاسة في مجالس المناظرة الكلامية التي كانت تقام آنذاك([41])، وقد اتّهمت كتب الملل والنحل والكلام السنّي هشاماً وعدداً آخر من متكلّمي الشيعة بالتشبيه والتجسيم، لكن أسلاف الشيعة نفوا هذه التهم وبرّؤوهم منها([42]).

ويبدو أنّ لاختلاف هشام بن الحكم وكبار المعتزلة والمرجئة دوراً في رواج هذه التهم، كما ويظهر من القرائن أنّه لم يكن على مذهب أهل البيت (، وإنما تشيّع فيما بعد، وصار يذب عن أسس التشيّع([43])، هذا ويمكننا ذكر الفضل بن شاذان النيسابوري (260هـ)، وابن قبة الرازي من متكلّمي الشيعة في عهد الأئمة (.

في المقابل، هناك عدد غفير من محدّثي الشيعة الذين رأوا دورهم في تدوين معارف أهل البيت ( وحفظها، ويمكننا مطالعة تاريخهم في كتب الرجال.

ومن الملفت أن لا نرى في الدائرة الشيعية إلى القرن الثالث الهجري خلافاً بين المتكلّمين والمحدّثين، عكس ما نراه لدى أهل السنّة، وإن كان يدور بينهم حوار ونقاشات، لكن القطيعة التي حصلت بين الحنابلة والمعتزلة، لا نراها بين النزعتين: النصية والعقلية عند الشيعة، ويعود هذا الأمر إلى اعتدال علماء الشيعة في استخدام العقل واستنادهم إلى النصوص الدينية؛ فحضور الأئمة وتوجيهاتهم منعَ الإفراط وظهور الاختلاف، حيث اعتمد منهج الأئمة على قبول العقل وتناول مسائله، لكنّهم حددوا دائرة الإدراك العقلاني، وحذّروا المؤمنين من اتّساع دائرته أبعد من إمكاناته.

وبشكل تدريجي، ابتعد هذان التياران عن بعضهما، وتحوّلا إلى مدرستين مستقلّتين منذ القرن الثالث، الذي يصادف عصر التقية وغياب الأئمة (، وإذا لم يحصل التقابل الحنبلي ـ المعتزلي في أيّ فترة من فترات التاريخ الشيعي، إلا أن النزعتين وقفتا مقابل بعضهما في القرن الثالث والرابع، لقد كان أبرز المتكلّمين حينذاك آل نوبخت، والمحدثين في قم والري.

كان آل نوبخت أسرة منجّمة إيرانية، دخلت البلاط الأموي، وأسلمت على أيديهم، ثم تشيّعوا بعد فترة من الزمن، وقد حازوا على مكانة مرموقة في عهد الخلافة العباسية، لاسيما في زمن المنصور، ولعبوا دوراً مهماً في حركة الثقافة آنذاك، خاصة في حركة ترجمة النصوص الفارسية إلى العربية، وإدارة bبيت الحكمةv في عهد هارون الرشيد، كان امتيازهم في معرفة الفلك والفلسفة، وقد اقترب بعض من كبار النوبختيين من أهل البيت ( درجة، عدّوا فيها من أصحاب الأئمة (، وقدّموا على مدى ثلاثة قرون علماء كبار للعالمين الإسلامي والشيعي، ووصلوا بالعقلانية الشيعية قمّتها؛ حتى عدّهم بعض الباحثين، مؤسّسين للكلام العقلاني الشيعي.

مكّنت معرفة النوبختيين بالفلسفة اليونانية والإيرانية، وكذلك الكلام المعتزلي، من بناء منظومة كاملة من القواعد والأسس العقلية، تركت بصماتها على الكلام الشيعي قروناً متتالية([44]).

وللقيام بمقارنة بين العقلانية والنصيّة في الدائرة الشيعية في هذه الفترة، بإمكاننا مطالعة كتاب الياقوت، وهو الكتاب الكلامي الوحيد للنوبختيين المتوفر بين أيدينا، ومقارنته بكتب الشيخ الصدوق (381هـ) الممثل الأبرز للتيار النصّي، فإذا قمنا بهذه المقارنة، سنكتشف دور الشيخ المفيد (413هـ)، والسيد المرتضى (436هـ) في الجمع بين هاتين المدرستين.

كان الصدوق محدّثاً، ولذا حدّد نفسه في الفقه والعقائد بإطار المعارف القرآنية والروائية، كان ملتزماً بالنصوص درجةً دفعته إلى استخدام نصّ ألفاظ الروايات وتعابيرها في كتبه الفقهية والاعتقادية، فكان يتحاشى قدر الإمكان إعطاء رأي في المسائل، ويكشف كتاب المقنع منهجه في الفقه، كما يكشف ذلك في العقائد كتاب الاعتقادات، ولا نعتقد أنّ الصدوق كان مجرد ناقل ومدوّن للروايات، بل كان يقيّم الروايات وينتقي منها ما يراه منسجماً والقواعد، ويختاره معتقداً أو فتوى، بما أحاط به من الروايات ومعرفة ضوابط التمييز بينها وترجيح بعضها على بعض، إلا أن عنوان المحدِّث أصبح لدى البعض معادلاً لعنوان أهل الحديث، لكن الشيخ الصدوق لم يوافق أفكار أهل الحديث، لا من قريب ولا من بعيد، ولم يعتقد بجواز مناقشة المخالفين وردّهم فحسب، بل كان يرى وجوب ذلك؛ والدليل على ذلك ما نقل عنه من مناظرات([45]).

يرى الصدوق معرفة الله والتوحيد أموراً bفطريةv جُبل الجميع عليها([46])، وبإمكان الإنسان التوصّل إلى رؤية الله القلبية بالتهذيب واتّباع الفطرة([47])، ومع هذا كلّه، لا يرى العقل عاجزاً عن معرفة الله وصفاته؛ فقد شكّل نقل احتجاجات
الأئمة ( على مخالفيهم وتبيين استدلالاتهم، قسطاً كبيراً من كتبه، وإن اعترف بمحدودية العقل في هذا المجال، لكنّه لم يستسغ المحاججات إلا في الضرورة وفي دائرة النصوص وتعاليم الكتاب والسنّة، خلافاً للمتكلّمين؛ فلا عجب أن لا نرى بين مئات الكتب التي وصلتنا منه، كتاباً واحداً في الكلام.

وإجمالاً، يمكننا القول: إنّ الصدوق يعتقد بضيق المنهج العقلي وموضوعه ودائرته، وابتناء المعرفة الدينية على الفطرة والعقل الفطري([48]).

في المقابل، نرى كتاب الياقوت كلامياً تماماً([49])، حيث يعتقد ابن النوبخت أنّ معرفة الله أمر نظري واكتسابي، والطريق الوحيد للوصول إلى هذه المعارف هو النظر والاستدلال العقلي([50])، فالشيخ الصدوق يرى التوحيد أمراً فطرياً، بينما يعدّه ابن النوبخت اكتسابياً([51])، وتماماً على خلاف ما رأيناه عند الصدوق، لا يعتبر مؤلّف الياقوت الدليل السمعي مفيداً لليقين، فهناك اشتراك لفظي ومجاز وتخصيص في النصوص الدينية، ومع وجود هذه الاحتمالات جميعها لا يمكننا الاعتماد في العقائد على الروايات وحدها، فإذا ضمّنت الآيات والروايات القرائن، يمكنها حينذاك أن تفيدنا القطع واليقين.

إضافة لذلك، الاستناد إلى الأدلة السمعية يفيدنا إذا أثبتنا مسبقاً وجود الله والنبوّة والعصمة وسائر المقدّمات بالاستدلال العقلي، وإلا سينتهي بنا الأمر إلى دور باطل([52]). وملخّص الكلام، أنّ هذا الكتاب تعمّق في الأبحاث العقلية إلى درجة اعتبره العلامة الحلّي مطابقاً تماماً للمدرسة الفلسفيّة والكلاميّة للخواجة نصير الدين الطوسي؛ ولهذا قام بشرحه.

يمهّد ابن النوبخت في مستهلّ الكتاب للمقدمات الكلامية، ثمّ يعرّف الجوهر والعرض والجسم، ويبحث الجزء الذي لا يتجزأ والخلأ، فإبطال التسلسل ومسائل أخرى، أمّا وجه الإبداع في هذا الكتاب فهو في تقسيمه الموجود إلى bواجبv وbممكنv، والاستدلال ببرهان الوجوب والإمكان([53])، وإذا كان تخمين بعض الباحثين صحيحاً في أنّ الياقوت قد تمّ تأليفه عام 350 للهجرة، فسيصبح مؤلّفه أوّل من أدخل مفهوم الوجوب والإمكان وبرهانه في الكلام والفلسفة الإسلامية([54])، ولا يخفى علينا أنّ هذا البرهان لم يُر حتى عند الشيخ المفيد والسيد المرتضى، لكن لا يجوز الاهتمام كثيراً بهذه النتيجة، فكتاب الياقوت يعود للقرن الخامس، لكنّه يعكس ـ على أيّ حال ـ ميولاً عقلانيةً من صنف عقلانية المعتزلة.

يندرج ما أوردناه في أفق العقل النظري، أمّا أحكام العقل العملي، فخلافاً لما رأيناه عند أهل السنّة، نادراً ما نرى اختلافاً بين المتكلّمين والمحدِّثين الشيعة، فقد أجمعت الإمامية على أنّ الحسن والقبح عقليان، ومن ذاتيات الأفعال، ولم نجد للقيود التي وضعها أهل الحديث والأشاعرة على العقل العملي مصداقاً واحداً لدى محدّثي الشيعة، وإن كان هناك اختلاف بين المتكلّمين والمحدّثين حول مصاديق الأحكام العقلية، كما أنّ الاختلاف في هذا الموضوع حدث بين المتكلّمين أنفسهم، وبإمكاننا رؤية مثال لهذه الخلافات في bقاعدة اللطفv، ومسألة bوجوب الأصلحv.

عقلانية الشيخ المفيد ودوره التوفيقي  ـــــــ

كان الشيخ المفيد (336 ـ413هـ) جامعاً لشتى العلوم كالحديث والكلام والفقه؛ لهذا تميّز من بين علماء الشيعة، وقد نهل من كبار محدّثي عصره، كجعفر بن قولويه والشيخ الصدوق من ناحية، ومن النوبختيين من ناحية أخرى([55])، كما استفاد من المعتزلة.

عاصر المفيد فترة احتدام الصراع بين نصيّة المحدثين وعقلانية النوبختيين؛ فسعى للتقريب بين التيارات الشيعية المختلفة بالجمع بين الأحكام العقلية والنصوص الدينية ومراعاة جوانب المسألة([56])، ولا يسعنا المقام هنا لتناول جميع أفكار المفيد الكلامية، لكن يجب أن نشير ـ ولو باختصار ـ لما يرتبط من آرائه بشكل مباشر ببحثنا الحاضر.

لم يقبل المفيد نظرية bفطرية التوحيدv، بينما استند الصدوق في هذا المجال على روايات تقول: إنّ جميع الخلائق جُبلوا على التوحيد، bفطرهم جميعاً على التوحيدv، وقد اعتقد المفيد أنّ الروايات المذكورة تعني أنّ الله خلق الناس كي يوحّدوه ويعبدوه([57])، ويصرّح في أوائل المقالات بأنّ معرفة الله والنبي وكلّ غائب هي معرفةٌ اكتسابية، لا تحصل إلا بالاستدلال([58])، وفيما ضعّف الصدوق علم الكلام ومنهج المتكلّمين واستند ـ بدلاً عنه ـ إلى روايات أهل البيت([59])، نرى المفيد يقسّم علم الكلام إلى حقّ وباطل، ولا يعتبر الكلام المستخدم للدفاع عن الدين مطلوباً فحسب، بل واجباً، مستنداً ـ لإثبات مدّعاه ـ إلى الآيات والروايات التي تدعم الكلام والمتكلّمين([60]).

وعلى الرغم من هذا، لم ير العقل مستقلاً في معرفة الحقائق الدينية، خلافاً للنوبختيين، بل محتاجاً للوحي والدين، فإذا كان العقل البشري يتوصل للأمور الدينية عن طريق الاستدلال، إلا أن تعلّم كيفية هذا الاستدلال يجب أن يكون من الرسول2 والنصوص الدينية.

لقد اتفقت الإمامية على أنّ العقل محتاج في علمه ونتائجه إلى السمع، وأنّه غير منفكّ عن سمع ينبّه العاقل على كيفية الاستدلال، وأنّه لابدّ في أوّل التكليف وابتدائه في العالم من رسول، ووافقهم على ذلك أصحاب الحديث، واجتمعت المعتزلة والخوارج والزيدية على خلاف ذلك، وزعموا أنّ العقول تعمل بمجرّدها من السمع والتوقيف([61]).

هذه العبارة لا تتحمّل أيّ تأويل([62])، إذ يعتقد المفيد أنّ موقف الإمامية من هذا الأمر موافق لأهل الحديث ومخالف للمعتزلة، هذه النظرية لا تعكس احتراماًَ بحتاً للشريعة، فالالتزام بها يعني أنّ قبول القواعد والمسائل الكلامية يجب حصره في دائرة الدين فقط، ويؤخذ بها حين تنتهي إلى نتائج محددة، وقد أثرت هذه القاعدة إلى حدّ ما على الشيخ المفيد، وسبّبت تمايز نظامه الكلامي عن النوبختيين وحتى عن أتباعه نفسه.

وعلى سبيل المثال، يمكننا مراجعة تعريف العقل عند الأعلام الثلاثة (أي الصدوق وابن النوبخت والمفيد)، فقد عرّفه الشيخ الصدوق بمضمون الروايات القائلة: bما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنانv، وفي عبارة أخرى: bالتجرّع للغصّة، حتى تنال الفرصةv([63])، وإذا كان هذا التعريف يختصّ بالعقل العملي، لكنّه يحدد بشكل جليّ العقل النظري في إطار أهداف العقل العملي واستنتاجاته، وغالباً ما يتمتّع العقل بهذه الميزة في الآيات والروايات([64]).

لكنّ ابن النوبخت يعير اهتماماً أكبر للميزة النظرية والاستدلالية للعقل، وفي الوقت عينه يبيّن هذان التعريفان موقع العقل وصلاحياته، ولا ننسى أنّ ابن النوبخت اعتبر العقل رصيد الإنسان الوحيد لمعرفة الله والحقائق العينية، خلافاً للصدوق الذي اعتبر معرفة الله أمراً فطرياً، ويؤدي كلّ من هذين التعريفين إلى نظامين اعتقاديين متفاوتين.

وقد اختار الصدوق طريقاً وسطاً بين التعريفين، لكنّه كان أقرب للنوبختيين، فعدّ معرفة أصول الدين عقليةً واكتسابية، وفي الوقت ذاته اعتبر طريق المعرفة يسيراً، ولكلّ إنسان، مهما كان مستواه المعرفي، أن يصل إلى معرفة الله بعقله، من دون الاطلاع على علم الكلام أو فنون الجدل([65]).

لاشكّ في انحياز المفيد هنا للعقلانية الإفراطية ولو قليلاً، فتعريف العقل الذي قدّمه في رسالة النكت عند الحديث عن مقدّمات الكلام، يعكس منهج الاعتدال والوسطية، ويذكّرنا أيضاً برأي الصدوق حين يقول: b العقل معنى يتميّز به من معرفة المستنبطات، ويسمّى عقلاً لأنه يعقل عن المقبّحاتv([66]).

ويمكننا القيام بمقارنة آراء هؤلاء الأعلام في مجالات أخرى، كـ bقاعدة اللطفv وbوجوب الأصلحv([67]).

وخلاصة الكلام: إنّ الشيخ ينحاز للعقلانية أكثر من النصيّة، وإن كان من المحدِّثين المشهورين، لكن ميله الكلامي أدّى به إلى عدم القبول بالروايات الاعتقادية إلا بعد معالجتها وتفسيرها؛ خاصة إذا تعارضت المنقولات وأحكام العقل، فيلزم حينئذ جانب العقل([68]).

ومن المناسب متابعة البحث بتتبّع أثر منهج المفيد على تلامذته، وملاحظة نتيجة صراع العقل والنصّ عند الشيعة.

الاتجاه العقلاني الشيعي بعد المفيد  ـــــــ

أبرز تلامذة المفيد هو المتكلّم الشهير السيد المرتضى المعروف بعلم الهدى، وقد تبع المرتضى خطى أستاذه، إلا أنّ مساهمته في عقلنة علم الكلام كانت أكبر، فقد تأثر السيد المرتضى بالنوبختيين بشدّة، ويتجلّى ذلك في المقارنة بين كتابي الياقوت والذخيرة، يتّفق المرتضى مع المفيد وابن النوبخت على أنّ معرفة الحقائق الدينية معرفةٌ اكتسابية([69])، لكنّه يرفض قول المفيد بأنّ العقل يحتاج إلى مسموعات في الاستدلال، ويصرّح بأنّ طريق معرفة الله منحصر بالعقل، ولا حظّ للسمعيّات في هذا المجال.

أمّا دليل المرتضى فهو ما قاله ابن النوبخت، حيث ينقل كلام الشيخ المفيد حول تقدّم السمع على العقل، ناسباً له إلى bبعض أصحابناv، ثمّ يردّه([70])، ويقول في هذا المجال: إننا إذا أخذنا بكلام الإمام لكونه إماماً، يستلزم ذلك الدور الباطل، وإذا كان كلام الإمام من باب الإرشاد إلى حكم العقل، فالملاك الحقيقي حينئذ حكم العقل لا كلام الإمام، وقد كرّر هذا الرأي في كتاب الذخيرة.

ونلاحظ هنا أنّ السيد المرتضى ابتعد قليلاً عن أستاذه، فيما اقترب خطوةً من النزعة العقلانية، لكن خلافاته مع المفيد لا تنتهي عند هذا الحد، فمن آرائه العجيبة، أنّه يعتقد بلزوم كون المعرفة الدينية اكتسابية.

ذهب الصدوق إلى أنّ معرفة الله ضرورية، فيما قال المفيد: إنّها اكتسابية، أمّا المرتضى فلم يكتف بوصفها بالاستدلالية والاكتسابية، بل رأى لزوم كونها اكتسابيةً، بل إن فطريتها عنده مخالفة للطف الله وحكمته، فكما يهتمّ الإنسان أكثر بالبيت إذا بناه بجهد كبير، ويسكن فيه مدّة أطول؛ كذلك حال من يحصل على المعرفة بالتدبّر والتفكّر، فإنه يثبت عليها أكثر، وبناءً على قاعدة اللطف، يجب على الله أن لا يجعل المعرفة فطريةً عند الإنسان، بل يمهّد الطريق لتوصّل الإنسان إليها بعد جهود عقلية([71]).

وعادة ما نلمس الاختلاف عينه بين السيد المرتضى والشيخ المفيد في المسائل الكلامية الأخرى التي ترتبط بدائرة العقل.

هذا، وقد أكمل تلامذة السيد المرتضى وأتباعه هذا النهج العقلي، وكان من أهمّ المصادر التي ساعدت على تنامي هذا المنهج وانتشاره كتاب تقريب المعارف لأبي الصلاح الحلبي (447هـ)، وتمهيد الأصول للشيخ الطوسي (460هـ).

استمرّ هذا المنهج العقلاني حتى امتزج الكلام الشيعي بصورة تدريجية بالمنطق الأرسطي، ومن ثمّ الفلسفة في القرنين الخامس والسادس، وقد وصل هذا الامتزاج بالفلسفة أوجه بظهور الخواجة نصير الدين الطوسي (672هـ) في القرن السابع، فأخذ الكلام صبغةً فلسفية كاملة، وبظهور العلامة الحلي (726هـ) وصل النهج العقلاني في الكلام الشيعي قمّة كماله.

تعرّفنا لحدّ الآن على ثلاث مراحل من الكلام الشيعي:

المرحلة الأولى: فترة متكلّمي عصر حضور الأئمة.

المرحلة الثانية: الشيخ المفيد والسيد المرتضى وأتباعهما.

المرحلة الثالثة: الخواجة نصير الدين الطوسي وأتباعه.

ورأينا أنّ العقلانية في هذه المراحل الثلاث تنمو وتشتدّ، حتى توصّل متكلمو الشيعة إلى أنّ الفلسفة المشائية تمثل قالباً مناسباً لطرح المعارف الدينية والمفاهيم الدينية حول العالم، وإذا أكملنا مطالعتنا، سنصل إلى المرحلة الرابعة التي ما زالت قائمةً إلى اليوم، وهي المرحلة التي ابتدأت بالفيلسوف والعارف الشيعي صدر المتألهين الشيرازي (1050هـ)، مؤسّس الحكمة المتعالية، وفي هذه المرحلة، استخدمت الأسس والمفاهيم العرفانية إضافةً للمقولات الفلسفية في علم الكلام، وانصهر الدين بالعقل والإشراق، فإذا لبس الكلام في المرحلة الثالثة ثوب الفلسفة، لبس العرفان والفلسفة هنا ثوب الكلام.

النصيّة الشيعيّة في الفترة المتأخرة  ـــــــ

استمرّت النصيّة كالعقلانية بعد المفيد في طريقها، وفي الحقيقة لم يُفلح المفيد في دمج هذين المنهجين، إذ استمرّ كلّ منهما في طريقه عبر التاريخ، نتناول هنا باختصار آراء اثنين من كبار هذا الخط، هما: رضي الدين علي بن طاووس (598 ـ 664هـ)، وزين الدين علي بن أحمد العاملي (911 ـ 965هـ).

للسيد ابن طاووس كتاب تحت عنوان: كشف المحجة لثمرة المهجة، وهو في الحقيقة وصيّة روحية كتبها في أواخر عمره لابنه وسائر الشيعة، يتناول فيها بحث معرفة الله وطرقها من الفصل الخامس عشر، مبتدءاً بالكلام التالي:

إنني وجدت كثيراً ممن رأيته وسمعت به من علماء الإسلام قد ضيّقوا على الأنام ما كان سهّله الله جلّ جلاله والرسول % من معرفة مولاهم ومالك دنياهم وأخراهم؛ فإنّك تجد كتب الله جلّ جلاله السالفة والقرآن الشريف مملوّ من التنبيهات على الدلالات على معرفة مولاهم ومالك دنياهم، محدث الحادثات ومغيّر المتغيرات ومقلّب الأوقات، وترى علوم سيّدنا محمد خاتم الأنبياء وعلوم من سلف من الأنبياء صلوات الله عليه وآله وعليهم، على سبيل كتب الله جلّ جلاله المنزّلة عليهم في التنبيه اللطيف والتشريف بالتكليف، ومضى على ذلك الصدر الأول من علماء المسلمين وإلى أواخر أيام من كان ظاهراً من الأئمة المعصومين عليهم السلام أجمعين([72]).

وجدت النزعة النصية الشيعية كلمات السيد ابن طاووس أفضل تعبير لها، فكما نرى، لا ينكر العقل ولا يتمسّك بالنص في معرفة الله، إذ يعتبر أصل وجود الصانع أمراً وجدانياً غير قابل للإنكار، ويعتقد بأنّ عقول جميع البشر تتفق على أصل وجود الخالق، لكنّها تختلف في حقيقة ذاته تعالى وصفاته، فالصورة التي يعطيها ابن طاووس عن العقل تختلف عما يقدّره الفلاسفة والمتكلّمون له.

يبيّن ابن طاووس هذا الاختلاف في مثال؛ فيعتقد بأنّ المتكلّم كالأستاذ الذي يأخذ الشمعة من تلميذه ويُبعدها عنه، ثمّ يطلب منه قطع طريق طويل، وعدّ المتاع لنفسه للوصول إليها([73])، فهو لا يعتقد أنّ النقاش في الجواهر والأجسام والأعراض حرام، أو أنّه لا ينتهي إلى معرفة، بل يرى أنّ هذا الطريق من الطرق الطويلة المحفوفة بالمخاطر، ولا ضمان لسلامة سالكها([74]).

وينتقد ابن طاووس الكلامَ العقلي الرائج في زمانه (المعتزلة ومن اتّبعهم) بشكل خاص، ويستدلّ بتشتّت آرائهم على مخاطر طريقهم([75])، ويستشهد برسالة لقطب الدين الراوندي، عدّ فيها اختلافات الشيخ المفيد والسيد المرتضى في خمسة وتسعين مسألة([76]).

ويوصي السيد ابن طاووس من يقومون بتعليم الآخرين وإرشادهم بما يلي: من يعلّم المسترشدين إلى معرفة ربّ العالمين، أن يقوّي ما عندهم في الفطرة الأولية بالتنبيهات العقلية والقرآنية والهدايات الإلهية والنبوية، ويقول للمسترشدين إنّما يحتاج إلى معرفة صفات هذا المؤثر والصانع، ويثبت صفاته عنده بأسهل ما يريد منه مولاه جلّ جلاله من تكليفه بتدبير صاحب الشرائع وتسليمه من القواطع، ومن خسارة عمر ضائع([77]).

أوردنا عبارات ابن طاووس بشكل مفصّل؛ إذ حسب اعتقادنا، ترَك هذا الكتاب أثراً عميقاً في علماء الشيعة من بعده، منهم الشهيد الثاني الذي نقل كلام السيد في رسالة الاقتصاد والإرشاد، وتناولها بالشرح والبيان، واللطيف في البحث، أنّه من البداية أخذ الفكر والاستدلال بمعنى مرادف لما جاء في الآية: >فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها< الروم: 30، والرواية القائلة: bكلّ مولود يولد على الفطرةv([78])، وتكشف هذه المسألة عن الرأي الشائع عند محدّثي الشيعة وفقهائهم عن العقل في اعتباره bعقلاً فطرياًv([79]).

ويصرّح الشهيد الثاني بأنّ هذه المرتبة من المعرفة لا تحتاج إلى تعلّم أيّ علم، وتحصل بالإشارات والتنبيهات الشرعية([80])، فينتقد علم الكلام وخاصّة النقاشات الشائعة في زمانه بشدة، ويعتبره ـ خلافاً للمتكلمين ـ أبعد وأصعب وأخطر طريقٍ إلى الله([81]).

وقد رأينا أنّ المتكلّمين يعتبرون bالمعرفة الاستدلاليةv أساسَ الإيمان، لكنّ الشهيد الثاني يعتقد بأنّ bالجزم والإذعانv معتبرٌ في الإيمان، مهما كان منشؤه؛ لذا يقول: والحاصل أنّ المعتبر في الإيمان الشرعي هو الجزم والإذعان، وله أسباب مختلفة من الإلهام والكشف والتعلّم والاستدلال، والضابط: هو حصول الجزم بأيّ طريق اتّفق، الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق([82]).

وقد اكتمل هذا الطريق فيما بعد بجهود أعلام كالشيخ الحرّ العاملي (1104هـ)، والعلامة محمد باقر المجلسي (1110هـ)، ووصل ذروته.

وعلى أقلّ تقدير، يمكننا اعتبار الاتجاه النصيّ الشيعي مستمراً في نموّه وتطوّره من حيث إجلاء مواقفه بمرور الزمن، ورفعه الالتباس عنها، وفك ألوان الإبهام فيها([83]).

العقلانية والنصيّة تقويم تاريخي  ـــــــ

بعدما قدّمنا موجزاً عن هذين التيارين العتيدين في تاريخ الكلام الإسلامي، يجدر بنا الابتعاد قليلاً عن عالم التاريخ، لنلقي نظرةً شاملة على هذه الساحة الفكرية الملوّنة:

1 ـ كما أسلفنا، غالباً ما انجرّ هذان التياران إلى الإفراط، وغفلا عن مصاعب الطريق والحلول التي يمكن للتيار المقابل تقديمها، فتغرق المباحث الكلامية بعض الأحيان في النقاش والجدال درجةً تضيّع النصوص الدينية أو تُفقدها مغزاها إثر التأويل والتبرير، لا يمكننا إنكار أنّ العقلانية الإفراطية غفلت عن حقيقة الدين في بعض المقاطع، مما أدّى إلى انزعاج المتديّنين، وفي المقابل، فارقت النصيّة في بعض الأحيان العقل درجةً، تركت الدين بلا حمى ولا ملاذ، فالنصيّة كلما أفرطت، تركت الدين منزوياً ومعزولاً.

صحيح أنّ جذور الدين تضرب في أعماق روح الإنسان وأساسه قائم على الإيمان والأنس بالله، لكن في الوقت عينه كان رسل الأديان أنفسهم يدافعون عن أسسهم الدينية في الساحات الفكرية بكل جدارة ونجاح؛ فالدين بلا دعامةٍ عقلية محكمة يحرم ـ على أقلّ تقدير ـ من عنصر العقل.

2 ـ تكشف مطالعة تاريخ هذين المسارين الفكريين عن وجود فارق أساسي بينهما؛ إذ تتمتّع العقلانية بحماس أكبر، خلافاً للنصيّة التي تتشبّث بمواقفها أكثر، ولا نقصد بذلك أنّ آراء المحدّثين لم يطرأ عليها أيّ تغيير، أو لم تتأثر بسائر حقول المعرفة، بل الحديث عن الثبات النسبي الذي تتمتّع به آراء المحدّثين، فالفكر جوّال، لو ترك بلا عقال ضلّ الطريق.

وفي المقابل، ما دامت النصوص الدينية مرجعاً وحَكَماً، فهي كفيلة بتقويم حركة الفكر ودعمها وإرشادها، فإذا كان الثبات خصلة الدين >ذلك الدين القيّم< وإذا كان الإيمان لا يقبل الشك والترديد، فمن الضروري قيام منظومة الدين على النصوص الدينية، ذلك أنّ التعبّد والتسليم أمام الوحي من أركان الإيمان الأساسية في الأديان الإلهية، وأقولها صراحةً: من يعتبر العقل حجّةً لتأويل الدين، والوحي ألعوبةً بيد انقباض الفكر وانبساطه، أوّل ما عليه مفارقته هو الإيمان.

3 ـ لم يكن هدفنا في هذا المقال مناقشة الآراء، بل أردنا طرح الأفكار المختلفة، لكن ما لا يمكننا الالتزام به بتاتاً، هو حذف أحد البعدين: الدين، والعقل، أو الإجحاف في حقهما، بل الجمع بينهما من أهمّ أهداف علم الكلام في عصرنا الحاضر، مع الحفاظ على كلّ منهما، ومن العجيب أن يكون البحث عن العقل والدين منحازاً دائماً لأحد القطبين المتضادين، وكأنّما هناك طاقة تدفع الباحثين إلى أحدهما، فما حقيقة قوّة الطرد المركزي هذه؟ وكيف يمكن التغلّب عليها؟

*    *     *

الهوامش



(*)  مسؤول مركز دراسات المكتب الإعلامي الإسلامي في قم، باحث مهتم بقضايا المرأة.



[1] ــــ يقول ابن رشد عن الغزالي: bهو مع الأشاعرة أشعريّ، ومع الصوفية صوفيّ، ومع الفلاسفة فيلسوفv. انظر: فصل المقال: 27، وإن لم يكن هذا الكلام منصفاً، لكنّه لا يخلو من الصحّة.

[2] ــــ راجع: مرتضى العسكري، معالم المدرستين، دور الأئمة في إحياء الدين.

[3] ــــ راجع: عباس محمود العقّاد، التفكير فريضة إسلامية. وكذلك: م.م.شريف، تاريخ فلسفه در إسلام [تاريخ الفلسفة في الإسلام] 1: 195 فما بعد.

[4] ــــ راجع: حنّا الفاخوري وخليل الجرّ، تاريخ الفكر الفلسفي عند العرب، نشر: مكتبة لبنان ناشرون والشركة المصرية العالمية للنشر ـ لونجمان، ط1، 2002م، الفصل الثالث والرابع من الباب الثاني؛ وكذلك: دليسي أوليري، انتقال العلوم اليونانية إلى العالم الإسلامي.

[5] ــــ كما يجب أن نذكر شخصاً ثالثاً، هو أحمد بن محمد الطحاوي (321هـ)، فقد كان ناشطاً في مصر. راجع: تاريخ فلسفه در إسلام 1: 348 فما بعد.

[6] ــــ الشهرستاني، الملل والنحل 1: 105، بيروت، دار المعرفة.

[7] ــــ أبو الحسن الأشعري، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلّين، ترجمه للفارسية: محسن مؤيدي، أمير كبير: 110.

[8] ــــ الشهرستاني، الملل والنحل 1: 56.

[9] ــــ المصدر نفسه 1: 72.

[10] ــــ الأشعري، الإبانة عن أصول الديانة، طبعة مصر: 9.

[11] ــــ الملل والنحل 1: 115.

[12] ــــ الإبانة: 8 و9؛ وذهب الأشعري فيما بعد في كتاب اللمع إلى أبعد من هذا، وقال ـ كالمعتزلة ـ بجواز تأويل الصفات.

[13] ــــ راجع: اللمع للأشعري وتاريخ المذاهب الإسلامية: 172.

[14] ــــ الإبانة، من ص20 فما بعد، وكذلك: اللمع، وإن كان الأشعري لم يصرّح بالكلام النفسي، لكنّ كلامه يوصل إلى النتيجة عينها.

[15] ــــ راجع كتابيه المعروفين: التمهيد، تصحيح: محمود الخضيري ومحمد عبد الهادي؛ والإنصاف، تحقيق: محمد زاهد الكوثري، المكتبة الزاهرية للتراث.

[16] ــــ الشامل في أصول الدين، تحقيق: ر.م. فرانك، مؤسسة المطالعات الإسلامية: 12 فما بعد.

[17] ــــ المغني، ج14. هذا المجلد مخصّص بالكامل لمباحث العقل وأهمّية الكلام العقلاني، ويردّ فيه على شبهات أهل الحديث والأشاعرة بشكل مفصّل.

[18] ــــ تاريخ الفكر الفلسفي عند العرب: 184 ـ 187.

[19] ــــ الملل والنحل 1: 55.

[20] ــــ المصدر نفسه: 54.

[21] ــــ أبو زهرة، تاريخ المذاهب الإسلامية، دار الفكر العربي: 164 فما بعد؛ شبلي النعماني 1: 70.

[22] ــــ للمقارنة بين آراء الأشعري وأصحاب العقل وأصحاب النقل، راجع: تاريخ الفكر الفلسفي عند العرب: 180 فما بعد.

[23] ــــ شبلي النعماني، تاريخ علم الكلام: 51.

[24] ــــ الغزالي، القسطاس المستقيم، في مجموعة رسائل، بيروت: دار المكتبة العلمية، ج3. وكذلك راجع: تاريخ المذاهب الإسلامية، أبو زهرة؛ ومذاهب الإسلاميين، عبد الرحمن بدوي.

[25] ــــ المصدر نفسه: 21.

[26] ــــ يشرح هذه القصّة في كتاب المنقذ من الضلال، راجع: مجموعة رسائل الغزالي، ج7.

[27] ــــ راجع: قواعد العقائد في إحياء العلوم، ج1. وقارنه بالباب الثاني من bكتاب العلمv من نفس الكتاب.

[28] ــــ إحياء علوم الدين، دار الهادي 1: 32 و33.

[29] ــــ المصدر نفسه 1: 35 و36. وأيضاً راجع: 63 فما بعد حول مذمّة المجادلة والمناظرة.

[30] ــــ المصدر نفسه: 36.

[31] ــــ راجع: مجموعة رسائل الغزالي، ج4، رسالة إلجام العوام عن علم الكلام. يقصد الغزالي بـbالعوامv في هذه الرسالة، الفقهاء والمتكلّمين أيضاً. راجع: 49 من المصدر نفسه.

[32] ــــ إحياء علوم الدين 1: 125.

[33] ــــ المصدر نفسه: 126.

[34] ــــ المصدر نفسه: 127 فما بعد.

[35] ــــ ابن رشد، فصل المقال (مطبوع ضمن كتاب فلسفة ابن رشد، طبعة القاهرة): 10، 11.

[36] ــــ المصدر نفسه: 24 ـ 26.

[37] ــــ المصدر نفسه: 18، 19. وكذلك: 30، 31. لاتّضاح رأي ابن رشد في هذا المجال، راجع كذلك كتاب الكشف عن مناهج الأدلة.

[38] ــــ ابن النديم، الفهرست: 223.

[39] ــــ حسن الصدر، تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام: 351.

[40] ــــ ابن المرتضى، طبقات المعتزلة؛ ابن النديم، الفهرست: 302.

[41] ــــ بإمكاننا مشاهدة أنموذج من مناظراته في مجالس يحيى في كتاب كمال الدين للشيخ الصدوق: 362 فما بعد، من طبعة دار الكتب الإسلامية.

[42] ــــ راجع: رجال النجاشي؛ رجال وفهرست الطوسي؛ واختيار معرفة الرجال للكشي.

[43] ــــ اختيار معرفة الرجال، نشر مؤسسة آل البيت 2: 526 فما بعد.

[44] ــــ للتعرّف على هذه الأسرة راجع: خاندان نوبختي [آل النوبخت] لعبّاس إقبال؛ تأسيس الشيعة: 362 فما بعد؛ مقدّمة فرق الشيعة، نوبختي، للسيد هبة الله الشهرستاني.

[45] ــــ مقدّمة معاني الأخبار: 27 فما بعد. كذلك كتاب كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق.

[46] ــــ الاعتقادات للصدوق، مطبوعة في مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد 5: 36، 37.

[47] ــــ التوحيد: 119، 120.

[48] ــــ الاعتقادات للصدوق: 42، 43. ينقل الشيخ الصدوق هنا مناظرة بين هشام بن الحكم وأبي هذيل، تعكس رأيه بالضبط. bقال أبو هذيل العلاف لهشام بن الحكم: أناظرك على أنّك إن غلبتني رجعت إلى مذهبك، وإن غلبتك رجعت إلى مذهبي. فقال هشام: ما أنصفتني! بل أناظرك على أنّي إن غلبتك رجعت إلى إمامي، وإن غلبتني رجعت إلى مذهبكv.

[49] ــــ هناك خلاف في أنّ الكتاب يعود لأيّ من النوبختيّين. راجع: مقدّمة الياقوت في علم الكلام، نشر مكتبة السيد المرعشي النجفي؛ ومقدمة أنوار الملكوت في شرح الياقوت، العلامة الحلي، نشر رضي ـ بيدار، كذلك راجع هامش رقم 54.

[50] ــــ أنوار الملكوت: 3.

[51] ــــ المصدر نفسه: 13.

[52] ــــ المصدر نفسه: 3، 10، 12.

[53] ــــ المصدر نفسه: 52، 99.

[54] ــــ يرجعه عباس إقبال إلى سنة 340هـ، بينما يعيده مادلونغ إلى القرن الخامس. انظر كتاب انديشه هاى كلامى شيخ مفيد [الأفكار الكلامية للشيخ المفيد]: 33. ولهذا استندنا في دراستنا إلى أجزاء من هذا الكتاب، نسبتها مصادر أخرى كأوائل المقالات (للشيخ المفيد) إلى النوبختيين. علماً بأنّ بعضهم (كمقدمة الياقوت في علم الكلام، تحقيق علي أكبر ضيائي) اعتبر تأليفه في القرن السادس، لكننا لا نراه صحيحاً.

[55] ــــ تأسيس الشيعة: 367، نقلاً عن الصراط المستقيم للنّباطي البياضي.

[56] ــــ راجع: مقدمة انديشه هاى كلامى شيخ مفيد [مقدّمة الأفكار الكلامية للشيخ المفيد].

[57] ــــ تصحيح الاعتقاد، نشر رضي: 45.

[58] ــــ أوائل المقالات، نشر مؤسسة مطالعات إسلامى [مركز الدراسات الإسلامية]: 17.

[59] ــــ الشيخ الصدوق، الاعتقادات: 42، 43، 34، 35. ينقل الشيخ الصدوق في كتاب التوحيد 35 رواية تحت عنوان bالنهي عن الكلامv.

[60] ــــ تصحيح الاعتقاد: 42، 44، 53 ـ57.

[61] ــــ أوائل المقالات: 7، 8.

[62] ــــ آينه پژوهش [ مجلة مرآة التحقيق]، العدد 17 ـ 18، مقال bمقام عقل در انديشه شيخ مفيدv [منـزلة العقل عند الشيخ المفيد]، حلّل كاتب هذا المقال رأي الشيخ المفيد على ضوء آراء السيد المرتضى والشيخ الطوسي، وهو خطأ بلا شك. كذلك ما توصّل له مكدرموت حول العقلانية عند المفيد غير صحيح. ونرى ما توصّلنا إليه، خلافاً للرأيين المذكورين، لا يتنافى مع أيّ رأي للشيخ المفيد.

[63] ــــ معاني الأخبار: 239.

[64] ــــ راجع: كتاب العقل والجهل من أصول الكافي وبحار الأنوار.

[65] ــــ مجموعة مصنفات الشيخ المفيد، ج2، الفصول المختارة من العيون والمحاسن.

[66] ــــ مجموعة مصنفات الشيخ المفيد، ج10، النكت في مقدمات الأصول: 22، رقم [7].

[67] ــــ راجع: الياقوت: 156؛ التوحيد للصدوق: 398، باب bأنّ الله لا يفعل بعباده إلا الأصلح معهمv؛ أوائل المقالات: 16 وهامش ص98. دقق في الفوارق الدقيقة بين هذه النظريات الثلاث.

[68] ــــ تصحيح الاعتقاد: 125.

[69] ــــ السيد المرتضى، الذخيرة: 154 ـ 158، 167.

[70] ــــ رسائل الشريف المرتضى 1: 127 و128.

[71] ــــ الذخيرة: 168.

[72] ــــ كشف المحجة، النجف: منشورات المطبعة الحيدرية، 1950م: 7، 8، فصل 16، 17.

[73] ــــ المصدر نفسه: 9، فصل 16 و17.

[74] ــــ المصدر نفسه: 19 ـ 22، فصل 28 ـ 36.

[75] ــــ المصدر نفسه: 12 و13، فصل 21 ـ 23.

[76] ــــ المصدر نفسه: 20، فصل 30.

[77] ــــ المصدر نفسه: 23، فصل 36.

[78] ــــ المصدر نفسه: 22، فصل 35.

[79] ــــ رسالة الاقتصاد، مطبوعة في كتاب حقائق الإيمان، طباعة مكتبة السيد المرعشي النجفي: 169.

[80] ــــ حقائق الأديان: 170.

[81] ــــ المصدر نفسه: 171.

[82] ــــ المصدر نفسه: 176 فما بعد.

[83] ــــ المصدر نفسه: 174.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً