أحدث المقالات

أ. مهدي جامي(*)

ترجمة: السيد حسن مطر

 

1ـ قال سروش: «إنّ على المسلمين أن يهتمّوا بقوانين الشريعة وضوابطها على جميع الأصعدة ومختلف المجالات، أثناء العمل والراحة، وفي الحمام، وعند الأكل والشرب وسائر الأمور».

النقد: إنّ هذا الأمر لا يقتصر على المسلمين، بل إنّ اليهود يشكِّلون نموذجه الأكبر ومثاله الأبرز. وليس وضع الهندوس والزردشتيون بأفضل حالاً من غيرهم. بل إنّ المسيحيين الإنجيليين في الولايات المتحدة الأمريكية قد أعجزوا جميع المسلمين والهندوس من هذه الناحية.

2ـ قال سروش: «هناك مفهومان رئيسان يميّزان التشيّع عن غيره، ويمنحانه خصوصية لا يتوفر عليها التسنن بتلك الشدّة والقوّة. وأول ذينك المفهومين هو مفهوم الولاية».

نقد ومسألة: لستُ أدرك مفهوم تحديد التكليف والوظيفة الشرعية تجاه سنة عمرها أكثر من أربعة عشر قرناً، إلا إذا كان يعتقد بالانسلاخ عن العقائد الشيعية. وفي هذه الصورة لن يبقى هناك شيعيٌّ، أي إنّ المسألة ستختلف، ولا يمكن النصح بمثل هذا الشيء، فالإمامة والشيعة لا ينفكان عن بعضهما. ثمّ إنه كيف يفهم الخاتمية حتى يعتبر الإمامة هادمة لها؟ وما هو مفهوم ولاية جميع الأفراد؟ وهل يعني الديمقراطية؟ وهل هو ما كان يدعو إليه بني صدر من تعميم مفهوم الإمامة؟ ومن الذي قال: إنّ الخلافة عند أهل السنة ليست وراثية، ولا ينالها كل شخص؟ في نظام الإمامة تم لحاظ نوع من النظام الملكي الوراثي كان سائداً في جميع الأنظمة المعروفة في العالم قبل الجمهورية المعاصرة. إنّ بحث (الإجماع) يبقى أمنية حتى في الحضارة المعاصرة التي أثيرت فيها مسألة حقوق السود والنظام العنصري، وقضايا حقوق المرأة الذي يواجه الكثير من المشاكل. وعليه لا تزال الولاية الجماعية حلماً بعيد المنال. من أين يبدأ الدكتور سروش انطلاقته حتى يطلب الولاية الجماعية في صدر الإسلام من الشيعة.

3ـ قال سروش: «يذهب الشيعة إلى أنّ ما يقوله الإمام الصادق وغيره من الأئمة ليس رأياً فقهياً، بل هو عين الحكم الإلهي. ويتعاملون معه كما يتعاملون مع أقوال النبي والقرآن.. أما أهل السنة فمهما بالغوا في احترامهم لأبي حنيفة إلا أنهم لا يقولون بعصمته، ولا يرونه حاملاً للولاية الإلهية..».

نقد ومنطق: لا أدري سبب لجوء الأستاذ سروش إلى دليل على هذه الدرجة من الضعف. فهو يقول: بما أن الشيعة لا يعترضون على الإمام لا يمكن أن يتطور النقد بينهم، في حين يعد الغزالي ناقداً ومجتهداً؛ لأنه يعتبر أبا حنيفة شخصاً مثله. هذا في حين أن قياس الإمام على أبي حنيفة قياس مع الفارق. كما أنّ عصمة الإمام لا ربط لها بمسألة تطوير قوة النقد والاعتراض. من خلال هذا القياس لا نصل إلا إلى نتيجة مفادها أنّ الحوزات الدينية عند أهل السنة أكثر تطوّراً وتقدماً من الحوزات العلمية الشيعة، وأنها تخلو من معضلة الولاية، التي تسببت للشيعة ـ من وجهة نظر سروش ـ بالكثير من المشاكل، فهل هذه هي الحقيقة؟!

4ـ يقول سروش: «لدينا في إيران تشيّع غالٍ، وهو ما كان الدكتور علي شريعتي يدعوه بالتشيُّع الصفوي، وفكر أخباري يصطلح عليه عنوان الاجتهاد، ولكن الحقيقة هي أننا لا نشاهد في الحوزة العلمية سوى التقليد».

تنويه: هنا نشاهد أيضاً أن المسألة أوسع وأعم من الشيعة والسنة. فإنّ الدكتور سروش يرى التقليد محصوراً بالإسلام الشيعي، في حين أن كلّ دين مهما كان شكله ولونه إنما يقوم على التقليد وسماع رأي العلماء، سواء كانوا أئمة أم فقهاء أم حواريين أم حاخامات، وما إلى ذلك.

5ـ يقول سروش: «إنّ خلاصة كلام إقبال اللاهوري في ما يتعلق بإحياء الفكر الديني في الإسلام هو أنّ سبب ختم النبوّة يعود إلى ظهور العقل الاستقرائي عند الناس. فحتى ما قبل ظهور هذا العقل الاستقرائي كان ظهور الأنبياء ضرورياً، ولكن ما إن بلغوا ذروة العقل فإنهم قد استغنوا عن حضور الأنبياء… وفي الجزء الأخير من الفصل الخامس يُشير إقبال إلى المهدوية. وقد اقتبس إقبال اللاهوري في هذا الموضع من كتابه عن ابن خلدون نقله لجميع الروايات المتعلقة بالإمام الغائب، ثمّ قام بردّها، وإذا كان من المفترض أن يأتي مهديٌّ يتمتع بنفس صلاحيات النبي فإننا سنحرم من منافع الخاتمية».

نقد الأسلوب المعرفي: أنا لا أدخل في البحث المضموني في هذا الباب. ولكن هناك مسألتان من ناحية الأسلوب المعرفي:

الأولى: إذا اعتبرنا كلام الغزالي هو المعيار، والذي يبدو أنّ الدكتور سروش كثير التعلق به، فعلينا القول بأنّ الغزالي حاله حال أبي حنيفة؛ فإن استند في كلامه إلى القرآن والنبي أخذنا به، وأما إذا كان من عندياته فنحن في حلّ منه. إنّ إقبال مثل جميع العقلانيين الأقحاح يقلِّل من مستوى الدين بمقدار توظيفه لعقله وما أوتي من الذكاء العام والسائد في مرحلته، جاهلاً أن ليس هناك في الأساس عقل قحّ، وأنّ كلّ عقل يقوم على أسس من القيم والمعتقدات التي تحدِّد العقل، شئنا ذلك أم أبينا. هذا مضافاً إلى شذوذ استدلاله بشأن الخاتمية والنبوّة، ومخالفته للاستنباط العام الذي عليه المتكلِّمون وتاريخ الفكر الديني.

الثانية والرئيسة: ليس من الممكن أن نطلب من الشيعي والمسلم التخلي عن عقائده التي مضى عليها أكثر من 1400 سنة ليعتنق نعمة الديمقراطية. إنّ الدكتور سروش يروم القول من خلال هذا الكلام: ما دام الشيعة متمسكين بالولاية والمهدوية فإنهم لن يتوصّلوا إلى الديمقراطية، ولن يتوصلوا إلى الفردية الناقدة والمعترضة والمستقلة، والتي هي من مستلزمات الديمقراطية أيضاً. وعليه فإنه يدرك أكثر من غيره أنه لا يمكن نقد الدين والعقائد بنحو أكثر دكتاتورية وتعسفاً من ذلك. إنّ طريق النقد لا يتمّ عبر حصر النبي بعشرين حديثاً، وطمس الإمامة، وإنكار المهدي، وجعل العقل دائراً مدار كلّ شيء. إنّ طريق النقد بأن نثبت أنه لولا إجراء هذه الجراحات المستحلية فكيف يمكن أن يتسنى لنا التقدم ولو لخطوة واحدة إلى الأمام. يجب عليكم التصديق بأنّ الثورة الفكرية والعمل الراديكالي هو أمر مستحيل، سواء كان سياسياً أم دينياً أم غير ديني.

سماحة الدكتور سروش لقد استيقظتَ بعد ارتفاع الضحى. وأما ماركس والثورة فقد بليت عظامهما منذ عقود.

 

د. سروش، ظلامتك ليست دليلاً على صدقك ــــــ

إنني أذهب إلى أنه يسير على خلاف الاتجاه التاريخي الذي يستند إليه. وليس بالإمكان الحيلولة دون هذه الخلافات، وإلا لما شهدنا كلّ هذه الفرق المختلفة والمتنوّعة في تاريخ الإسلام، بل في تاريخ سائر الأديان الأخرى. إنّ أصل الدين ـ خلافاً لتصوّر الدكتور سروش ـ لا يتجلى في رفع الاختلاف بين الفرق الدينية، وإيصالها إلى أصل واحد مشترك بينها. إنّ هذه العودة إلى الأصل أمر مستحيل المنال والتحقق. إنّ هذه العقيدة التي ظهرت على صور تاريخية مختلفة ـ ولا تنحصر بالدين فقط ـ هي غير تاريخية أو مثالية بالمرّة. ليس سروش وحده الذي يستطيع توظيف التاريخ فقط، بل إنّ نقد نشاط وخمول أشخاص من أمثاله يستند إلى هذا التاريخ الذي يروم الاهتمام به وأخذه بنظر الاعتبار أيضاً.

إنّ عالم الأديان يدور حول هذه الشرور إذا كان هناك من شر [إنّ هذا هو حديثه بشأن العالم الذي عمدت هنا إلى تحويره إلى عالم الدين]. وإذا كان الدكتور سروش يدخل في السياسة، والتربص بعورات السياسيين من الناحية العقائدية، وحشرهم في الزاوية، فيحسن به أن لا يصبّ جام غضبه على العقائد الدينية نفسها. وإلاّ فإنه سيضيف خلافاً جديداً إلى الخلافات المتقدمة لا أكثر. إنّ الأفكار الإصلاحية التي تقوم على الاختلاف لا يرجى منها خيراً، ومن البعيد أن تفضي إلى الإصلاح.

الأمر الآخر هو أنّ الدكتور سروش قد ظهر مؤخراً بحلة الفقاهة، وكأنه قد نال درجة الاجتهاد دون أن نعلم بذلك، فإنه يفتي بصراحة ويقول: «إنني أذهب إلى جواز تقليد أيّ واحد من الفقهاء، سواء كان من الشيعة أو من غير الشيعة، فيجوز تقليد الفقيه السني والشيعي في الأمور الشرعية والفقهية، أي في القشريات والعرضيات المطلوبة للشارع ثانياً وبالعرض.

فهل تحوّل الدكتور سروش من ناقد مشفق ومصلح ديني إلى واحد من رجال الدين وأصحاب الفتوى؟ وهل توصل إلى هذه النتيجة إثر بحثه في النصوص الروائية والنقلية أم إثر دراسة عقلية؟ وهل أخذ مؤخَّراً يدعي شيئاً أكثر ممّا عُرف عنه حتى الآن؟

وبالتالي يفتح الدكتور سروش فصلاً شاملاً ومستوعباً في شرح إساءة النظام الإسلامي في حقه. وطبعاً إنّ ما يقوله في هذا الشأن جدير بالاستماع، ولكن إذا كان مراده من ذلك أن يقول: «ما دمت مظلوماً فإنني على حق» يكون قد لجأ إلى مغالطة كبيرة ومفضوحة. ففي الأوضاع الراهنة يمكن أن يكون هو والذين ينتقدهم في جهاز السلطة على خطأ؛ لأن كلاًّ منهما يتخذ الدين ذريعة لذمّ السلطة أو مدحها. ويجدر بالدكتور سروش عدم خلط البحوث الاستدلالية بالتظلم واستدرار العواطف؛ فإنّ هذا النهج لا يعزز استدلاله.

(*) ناشط في المجال الإعلامي والسياسي.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً