نقد الاستدلال بالسيرة العقلائية
د. محمد رسول آهنگران(*)
مقدمة
لكي يمكن الاستدلال بالرواية والخبر المأثور عن المعصوم، والإفتاء على أساسه، لابد أن يكون صحيحاً من جهة السند أولاً، ولا يمكن القدح فيه من حيث الدلالة ثانياً، ومن جهة الصدور ثالثاً. وربما يروي الخبر عدد كبير من الرواة، فيحصل اليقين بصدقه لكل شخص، فيقال للخبر: الخبر المتواتر؛ أما إذا لم يتصف الخبر بهذه الصفة، واحتاج إلى دليل للوثوق بصدقه، فإنه يقال له: خبر الواحد.
فإذا توفَّرت في خبر الواحد شرائط خاصة فهو حجة، ويمكن الاستدلال به، عند مشهور الفقهاء والأصوليين. ومن جملة أدلة اعتبار خبر الواحد السيرة العقلائية، فهل أن السيرة العقلائية يمكن أن تثبت بمفردها حجية خبر الواحد أو لا؟
وهل هي في عرض سائر الأدلة الأخرى، كالقرآن الكريم، والروايات الشريفة، والإجماع؟ وإن لم تثبت حجية خبر الواحد بمعونة الأدلة المذكورة فهل يمكن لسيرة العقلاء بمفردها إثبات حجيته أو لا؟ وما هو الإشكال الذي يرِدُ على مَنْ قال: إن السيرة العقلائية هي الدليل الوحيد لإثبات حجية خبر الواحد، وناقش في بقية الأدلة الأخرى؟ وما هو الإشكال الذي يرِدُ على من اعتبر السيرة العقلائية دليلاً مستقلاًّ؟
استدلال الأصوليين بالسيرة باعتبارها دليلاً مستقلاً رئيسياً
عند تتبع آثار الأصوليين يتبين أنهم جعلوا هذا الدليل إلى جوار بقية الأدلة التي تدل على حجية خبر الواحد، واعتبروه دليلاً مستقلاً، بل اعتبره البعض الدليل الرئيسي، فإذا نوقش في بقية الأدلة فإن هذا الدليل لا يمكن المناقشة فيه.
يقول المحقق النائيني: «وأما طريقة العقلاء فهي عمدة أدلة الباب، بحيث لو فرض أنّه كان سبيل إلى المناقشة في بقية الأدلة فلا سبيل إلى المناقشة في الطريقة العقلائية القائمة على الاعتماد على خبر الثقة والاتّكال عليه في محاوراتهم، بل على ذلك يدور رحى نظامهم»([1]).
وكذلك صرح بهذا الأمر بعض المحققين، كالسيد الخوئي&، والإمام الخميني&، حيث قالوا: «فتحصَّل مما ذكرناه أن العمدة في دليل حجيّة الخبر هو سيرة العقلاء الممضاة من الشارع، ولا يرِدُ عليها شيء من الإشكال»([2]).
وقالوا: «وقد عرفتَ أنها العمدة في الباب، بل لا دليل غيرها، ويقف على وجودها كل من له إلمام بالمجتمعات البشرية منذ دوّن تاريخ البشر، واستقرَّ له التمدن، واتخذ لنفسه مسلكاً اجتماعياً (والمقصود من التمدن هُنا هو أنَّ الحضارة والحياة الاجتماعية تكونت على هذه المسألة، فالسيرة إذا لم تكن موجودة لا يمكن وجود الحياة الاجتماعية، أو قد تظهر مشاكل جدّية)([3]).
ومن هنا يظهر أن دليل السيرة يعتبر دليلاً مستقلاً عند هؤلاء، بل هو من أهم الأدلة، ولا يمكن المناقشة فيه.
ومن خلال هذا المقال سوف يتضح أنه لا يمكن اعتبار السيرة العقلائية دليلاً مستقلاً لا يمكن المناقشة فيه، بل يحتاج إلى بقية الأدلة. ويحاول هذا المقال إثبات أنه لا يمكن الاستدلال على حجية خبر الواحد الثقة بمجرد الاستـناد لسيرة العقلاء، فإذا نوقش في بقية الأدلة على حجية خبر الواحد لا يمكن إثباتها بدليل السيرة فقط. فما هو وجه احتياج السيرة لباقي الأدلة لإثبات حجية خبر الواحد؟ لا بد من بحث ذلك في حاجة السيرة إلى دليل الإمضاء، ولو لم يحرز الإمضاء عن طريق عدم الردع فلا بد من الحصول على رضا الشارع المقدَّس بالنسبة لسيرة العقلاء عن طريق الإمضاء القولي أو الفعلي، ويأتي تفصيل هذا الأمر في البحوث التالية.
سيرة العقلاء على العمل بخبر الآحاد
لإثبات حجية خبر الواحد ـ طبقاً لهذا الدليل ـ لا بد أن نحرز أن طريقة العقلاء هي العمل بخبر الواحد، أي أنهم يرتِّبون الأثر ويعملون بالخبر الذي ينقله الثقة، أي الذي يتجنب الكذب في قوله. وفي هذه المرحلة يمكن التشكيك في انعقاد هذا العمل، أي أن العقلاء لا يعملون بخبر الثقة، بل يعملون بالخبر الموثوق الصدور، أي الخبر الذي يورث الاطمئنان. ولكنّ الأصوليين أخذوا هذه المسألة «سيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة» أخذ المسلمات، فلم يراودهم أيّ شك في هذه المسألة([4]).
وبما أن هذه المقالة تتكفل بدراسة حجية واعتبار السيرة العقلائية فسوف نتجنب الخوض في البحث الصغروي، فنفرض أن انعقاد سيرة العقلاء على العمل بخبر الواحد أمرٌ مسلمٌ وبديهي، فإذا أخذنا هذه المسألة كأمر مسلَّم فهل أن الشارع المقدس أمضى هذه السيرة أو لا؟ إذاً فإن البحث في هذه المقالة من ناحية «عقد الحمل» لا «عقد الوضع»، أي إذا رتب العقلاء أثراً على العمل بخبر الثقة (أعم من كون الخبر يورث الاطمئنان أو لا) فهل أمضيت هذه السيرة من ناحية الشارع أو ورد الردع عنها؟ والجدير بالذكر أن بعض الأصوليين قد أنكر وجود السيرة، إلا أنهم وقعوا في بعض الأخطاء، فقالوا: إنَّ عمل العقلاء بخبر الثقة وترتيب الأثر عليه إنما هو في صورة حصول الاطمئنان والوثوق لديهم بخبره؛ لأنه لا تعبُّد بسيرة العقلاء؛ بل إنهم يرتِّبون الأثر على كلِّ خبر يفيد الاطمئنان، ولو كان مصدره غير ثقة([5]).
والإشكالات التي يمكن إيرادها على هذا الرأي أولاً: إن الذي يدعي انعقاد السيرة على العمل بخبر الواحد هو في الواقع لا ينكر وجود سيرة أخرى على العمل بالخبر المفيد للاطمئنان، ولا يصح إرجاع تحقق هذه السيرة إلى سيرة العقلاء على العمل بالخبر الذي يورث الاطمئنان، فما هو الإشكال في وجود سيرتين: إحداهما: سيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة؛ والأخرى: سيرة العقلاء على ترتيب الأثر على الخبر المفيد للاطمئنان؟
وثانياً: قوله: إنه لا تعبد بسيرة العقلاء، واعتبار المعيار هو الوثوق والاطمئنان، ليس بصحيح؛ لأنه وإن لم يكن هناك تعبُّدٌ بسيرة العقلاء إلا أننا إذا سلّمنا بأن العقلاء يرتبون الأثر على العمل بخبر الثقة فيمكن القول: إن مناط العقلاء هو أنهم رأوا عن طريق الاستقراء أنه كما يمكن تطرق الخطأ للخبر القطعي يمكن تسرب الخطأ والاشتباه لخبر الثقة بنفس المقدار، ولهذا جوّزوا العمل بخبر الثقة، وهذا هو ملاك عمل العقلاء، لا أنهم يذهبون الى أن المناط الاطمئنان والوثوق؛ لأن العمل بالخبر الذي يورث الاطمئنان بنفسه هو عمل عقلائي، لا أنه علة وملاك كسيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة.
ومن خلال البيان المذكور يتبين أن السيرة على العمل بالخبر الذي يورث الاطمئنان يختلف عن سيرتهم على العمل بخبر الثقة، وهذان الطريقان مختلفان، أي إن لدينا سيرتين عقلائيتين في مجالين مختلفين، وليس أحدهما علة للآخر.
وثالثاً: إن قوله: إن المراد بالاطمئنان هو الاطمئنان النوعي ليس بصحيح أيضاً؛ لأن الاطمئنان مسبَّب، وليس سبباً حتى يمكن تقسيمه إلى: شخصي؛ ونوعي، كالظن الذي يمكن تقسيمه إلى: ظن شخصي؛ وظن نوعي، فالاطمئنان مسبَّب لا يمكن إلا أن يكون شخصياً متقوِّماً بالشخص، فلا معنى لاعتبار الاطمئنان نوعياً. ومن هذا المنطلق يمكن أن توجد سيرة للعقلاء على العمل بخبر الثقة، ولكن لا بالمعنى المذكور، وهذا البحث الصغروي موكولٌ إلى مجال آخر.
كيف يمكن إثبات اعتبار سيرة العقلاء؟
من المؤكَّد أنّ سيرة العقلاء لا يمكن أن تكون ملزمة وذات مشروعية إلا إذا كشفت عن رأي الشارع المقدَّس، فالقرآن الكريم يحصر الحاكمية بالله تعالى فقط. والآيات القرآنية التي تدل على ذلك كثيرة، ومنها: {إِنِ الحُكْمُ إِلاّ للهِ} (الأنعام: 57)، {أَلا لَهُ الحُكْمُ} (يوسف: 40، 67)، و{لَهُ الحُكْمُ}، و{فَالحُكْمُ للهِ}، كذلك الآية26 من سورة الكهف، والآية 10 من سورة الشورى، اللتان تؤكِّدان على إرجاع حكم ما يختلف فيه إلى الله تعالى. أما الآية 114 فهي تذمّ كل من يطلب حكماً غير حكم الله تعالى. ومن هذا المنطلق يتبين أن جعل الحكم وإعمال الحاكمية في الشريعة المقدسة مختصة بالله تعالى، وبما أنّ هذا الأمر لا يمكن تحقُّقه مباشرة إلا عن طريق النبي أو الإمام، كما ورد في الرواية المنقولة عن الإمام الصادق×، حيث يقول: «إنّا كما أثبتـنا أن لنا خالقاً…، وكان ذلك الصانع حكيماً متعالياً، لم يجز أن يشاهده خلقه، ولا يلامسوه، فيباشرهم ويباشروه، ويحاجّهم ويحاجّوه، ثبت أن له سفراء في خلقه، يعبِّرون عنه إلى خلقه وعباده، ويدلوّنهم على مصالحهم ومنافعهم…»([6])، ورد في دستور الجمهورية الاسلامية: إن الجمهورية الإسلامية نظام يقوم على أساس الإيمان بالله الواحد، واختصاص الحاكمية والتشريع به، ولزوم التسليم لأمره؛ الوحي الإلهي ودوره الأساسي في بيان القوانين([7]). ومن هنا يتبين أن الناس لا يمكنهم وضع القوانين، وأن القانون الذي لا ينبع من الوحي لا اعتبار له، ولا يمكن إلزام فرد به. ولهذا ذهب الفقهاء والأصوليون إلى أن السيرة أو طريقة العقلاء لا يمكن أن تكون معتبرة، ويجب اتباعها، إلا إذا كانت ممضاة من قبل الشارع المقدَّس، وإذا لم يحرز هذا الإمضاء فإن السيرة ليست ملزمة، ولا يجب اتباعها. فاعتبارها منوط بإمضاء الشارع، الذي يتحقق بثلاثة طرق:
أ ـ الامضاء عن طريق عدم الردع: إذا قام العقلاء بعمل بحضور المعصومين، الذين نصَّبهم الله تعالى لبيان الأحكام وتحقيق المقاصد الإلهية، وكان يمكن للنبي أو الإمام الردع عن هذا العمل أو منعه، ولم يكونوا في تقية، ولم يظهروا مخالفة لهذا العمل، فهذا يكشف أن هذا العمل غير ممنوع، بل هو مورد رضا النبي أو الإمام؛ إذ مع وجود القدرة على مخالفته لم يقدموا على ذلك، وهذا ما يكشف عن رضاهم بعمل العقلاء.
ب ـ الإمضاء بعمل المعصوم×: الطريق الآخر الذي يحرز إمضاء ورضا الشارع المقدس بالنسبة لعمل العقلاء هو أن يقوم المعصوم بأعمال مطابقة لسيرة العقلاء. فعلى سبيل المثال: إذا أردنا أن نعلم أن عقداً معيناً هو من جملة العقود المشروعة عند الشارع المقدَّس أو لا ننظر في سيرة أحد المعصومين^، فإذا كان أحدهم قد أتى بهذا العمل فعلاً أمكننا الاستـنتاج أنّه صحيح عند الشارع المقدس بصورة مؤكَّدة.
ج ـ الإمضاء بإظهار الموافقة القولية للمعصوم×: وهي آخر طريقة يمكن عن خلاها اكتشاف رضا الشارع بما يقوم به العقلاء، حيث يقوم المعصوم× بالموافقة قولاً على عمل من الأعمال، أو الاستفادة من القرآن الكريم بأن الشارع المقدس يرضى بذلك، كما ذهب البعض من خلال الآية الكريمة {أَحَلَّ اللهُ البَيْعَ} (البقرة: 275) إلى أن هذه الآيات هي إمضاء قولي لما يعمله العقلاء.
الآيات القرآنية الرادعة عن العمل بسيرة العقلاء
لإثبات إمضاء الشارع عن طريق عدم الردع لا بد من إثبات أن الآيات المباركة الناهية عن العمل بالظن لا تمنع من هذه السيرة. ومن هذه الآيات:
1 ـ {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ} (الأنعام: 116).
2 ـ {إِن تَتَّبِعُونَ إِلاّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلاّ تَخْرُصُونَ} (الأنعام: 148).
3 ـ {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئاً} (يونس: 10).
4 ـ {مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ} (النساء: 157).
5 ـ {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (الإسراء: 36).
والآيات القرآنية في هذا السياق كثيرة، كما يقول الشيخ الأعظم([8]). وهي تـنهى عن اتباع الظن وتأمر باتباع العلم. إضافة إلى الروايات الكثيرة المتضافرة، طبقاً لقول الشيخ الأنصاري، ثم ترقّى قائلاً: بل قد تصل إلى حد التواتر([9]). ومن خلال ظاهر هذه الأدلة يتبين أنّ الشارع المقدس يريد منا اجتـناب الطرق غير العلمية، وبهذه الوسيلة يمكن أن نثبت الردع عن العمل بسيرة العقلاء؛ لأن هذه السيرة ترتّب أثراً على العمل بخبر الآحاد، مع أن خبر الثقة لا يفيد إلا الظن، واتّباعه يعتبر مصداقاً لاتباع الظن المنهيّ عنه بالأدلة السابقة. وطبقاً لهذه الأدلة العامة لا يمكن الاعتماد على خبر الثقة. وبعبارة أخرى: إن العمل بهذه السيرة لا يرضي الشارع المقدَّس، إلا إذا دلّ دليل خاص على اعتبار ومشروعية هذه السيرة، وفي هذه الحالة فإن هذه الأدلة الخاصة تخصّص العمومات والإطلاقات. وضمن بيان الأجوبة المختلفة المطروحة من قبل الأصوليين حول عدم ردع هذه الآيات والروايات نتعرض إلى نقد تلك الأدلة، حتى يتبين أنه لا يمكن اعتبار بناء العقلاء عن طريق عدم الردع.
أجوبة العلماء عن الأدلة العامة المانعة عن العمل بالظن ونقدها
1 ـ جواب الشيخ الأنصاري، قراءة نقدية
وخلاصة رأيه في خصوص عدم ردع الأدلة السابقة عن العمل بهذا البناء هو أن مفاد الأدلة المذكورة هو حرمة التشريع، ومع أن العقلاء أنفسهم يحكمون بحرمة التشريع فإنهم يرتّبون الأثر على العمل بخبر الثقة، فترتيب الأثر هذا يدلّ أنهم لا يعتبرون العمل بخبر الواحد مصداقاً تشريعياً للأدلة الناهية، ومن هنا يثبت عدم الردع. وبالطبع فإن الشيخ الأنصاري يقسِّم الأدلة الرادعة إلى قسمين: الأول: العمومات والإطلاقات الناهية عن العمل بالظن؛ الثاني: أدلة اعتبار الأصول اللفظية والعملية. وسوف نشير هنا إلى جوابه بالنسبة إلى أدلة المجموعة الأولى فقط([10]). ومع الملاحظات المذكورة يتبيّن أنّ إشكال المحقق الخراساني على الشيخ الأنصاري ليس في محله، وكأنه فهم من كلام الشيخ الأعظم أن الالتزام وترتيب الأثر على خبر الثقة ليس تشريعاً في نظر العرف، بل هو مصداق للطاعة وهذا الأمر يستوجب الملازمة مع أن هذا العمل ليس تشريعاً في نظر الشارع، ولذلك فقد أنكر هذه الملازمة([11]). وسبب عدم توجه هذا الإشكال هو أنّ استدلال الشيخ لا يقوم على أساس وجود ملازمة بين عدم التشريع عند العرف وعدم التشريع عند الشارع، بل يذهب الشيخ إلى أن أدلة العمومات ظاهرة في حرمة التشريع، ومن جهة أخرى فإن العقلاء يحكمون بحرمة وقبح التشريع، فاستـنتج من ذلك أن الأدلة السابقة هي إرشاد لحكم العقلاء، فإذا رأينا العقلاء يعملون بخبر الثقة ـ مع أنهم يحكمون بحرمة التشريع ـ يتضح أنّ العمل بخبر الثقة ليس تشريعاً، ولذلك فهو خارج عن شمول الأدلة الرادعة بالعمل بالظن. وبأدنى تأمل يتبين عدم تمامية جواب الشيخ الأعظم؛ لأنه أولاً خلط بين خبر الثقة والخبر الموثوق الصدور، وسوف يأتي بيان هذا الخلط بتفصيل أكثر في جواب المحقق النائيني، لأنه جاء في كلام الشيخ: «ومع ذلك نجد بناءهم على العمل بالخبر الموجب للاطمئنان»([12])، مع أن البحث هو في انعقاد سيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة، سواءٌ حصل الاطمئنان به أم لا، ولكن الشيخ الأنصاري حرف البحث عن سيرة العقلاء على العمل بالخبر الموثوق الصدور. وينبغي التـنبه إلى أن النسبة بين خبر الثقة والخبر الموثوق الصدور هي نسبة العموم والخصوص من وجه، والبحث هنا في خبر الثقة، والمدعى هو أن العقلاء يرتبون الأثر على خبر الثقة، أي خبر الشخص الذي يتجنب تعمُّد الكذب، ويعملون به، ولا يجب الخلط بين هذه السيرة وسيرة أخرى للعقلاء على العمل بالخبر الموثوق الصدور، أي الخبر المورِث للاطمئنان.
وثانياً: إن ذهاب الشيخ إلى إرشادية الأدلة المذكورة يعتبر خلافاً لظاهر الأدلة؛ لأن الأصل هو مولوية الأوامر والنواهي. وأما حمل الشيخ الأدلة والعمومات على التشريع، وأن حرمة التشريع هو أمر عقلائي، وبذلك تصبح الأدلة إرشادية، فهو خلاف ظاهر تلك الأدلة؛ لأن الظاهر هو النهي عن العمل بالظن، وترتيب الأثر على كل خبر غير علمي؛ لأن لازم جعل الشارع لهذا الطريق هو أن الشخص إذا نسب أمراً إلى الشارع بدليل ظني فإنه تشريع، وهذه الملازمة تختلف عن مفاد المدلول المطابقي للأدلة مورد البحث.
2ـ جواب المحقق الخراساني، فقه وتحليل
حمل المحقق الخراساني هذه الأدلة بدايةً على الإرشاد؛ لعدم كفاية الظن في أصول الدين، وبما أن بحثنا هو في حجيّة خبر الواحد في أحكام وفروع الدين فإنّ البحث خارج عن شمول الأدلة. وفي الجواب الثاني يقول: إنّ هذه الأدلة تـنصرف إلى الظنون التي لا دليل على حجيتها، ولذلك لا تكون رادعة ومانعة عن العمل بالسيرة. وفي النهاية قال: إن رادعية هذه الأدلة لبناء العقلاء على العمل بحجية خبر الواحد يستلزم الدور؛ لأن الردع بتلك الأدلة يتوقف على عدم إمضاء السيرة والردع عنها، وبقاء الإطلاق والعموم على حاله، لأنه إذا خصصت تلك الأدلة، وخرجت السيرة عن إطلاق تلك الأدلة، فسوف لا تكون تلك الأدلة رادعة، ومن جهة أخرى فإن عدم التقييد يتوقف أيضاً على أن الأدلة رادعة، ومن هنا يأتي الدور؛ لأن الردع يتوقف على عدم التقييد، وعدم التقييد يتوقف على الردع، وهذا هو الدور المحال([13]).
والظاهر أن جميع إشكالات المحقق الخراساني على كون الآيات رادعة يمكن أن يجاب عنها؛ لأن جوابه الأول، أي إرشادية الآيات إلى عدم كفاية الظن في المسائل الاعتقادية، يعتبر خلاف إطلاق الأدلة؛ لأن إطلاق الأدلة يقتضي أن الظن منهي عنه في الأمور العقائدية، وفروع الدين أيضاً، ولذلك فالإطلاق يشمل السيرة على العمل بخبر الواحد. وأما الجواب الثاني فيمكن الإشكال عليه بسهولة أيضاً؛ لأن انصراف الأدلة إلى الظنون غير المعتبرة ـ لو قبلنا به ـ لا يشكل قرينةً على رادعية تلك الأدلة أيضاً؛ لأنه إذا لم يثبت عدم الرادعية فإن الظن المذكور يعتبر من الظنون غير المعتبرة، فالظن الناشئ عن خبر الثقة من جهة بناء العقلاء يكون حجة في حال ثبوت عدم الرادعية فقط، ولم يثبت حتى الآن. وأما مسألة الدور التي ذكرها فقد أجاب عنها كثيرون([14])، والظاهر أن ما عرضه الكاتب في هذه المقالة أدقُّ جواب عمّا قاله المحقق الخراساني؛ لأنه تصوَّر أن رادعية العمومات يتوقف على عدم التخصيص من جهة سيرة العقلاء. وتوضيح ذلك: إن المطلقات الناهية عن العمل بالظن لا تخصص بسيرة العقلاء مطلقاً، فإذا ما خصّصت تلك العمومات فلا بد أن يكون هناك دليل على اعتبار السيرة، وليس السيرة بنفسها، أي دليل يثبت حجية واعتبار الظن الحاصل من السيرة هو الذي يؤدي إلى تخصيص العمومات والإطلاقات. والخلط الذي وقع فيه المحقِّق أنه تصوَّر أن رادعية العمومات يتوقف على عدم التخصيص من جهة سيرة العقلاء، وأن عدم التخصيص يتوقف على عدم رادعية الآيات، ولكنه لم يلتفت إلى أن رادعية العمومات تتوقف على عدم اعتبار دليل سيرة العقلاء، لا أن تكون الآيات المباركة رادعة في الوقت الذي لا يتم تخصيصها بسيرة العقلاء، وعندما تخصص فبدليل اعتبار السيرة، لا السيرة نفسها، وعند ذلك لا يكون التخصيص متوقِّفاً على رادعية الآيات؛ لأنّ المخصص ليس السيرة نفسها، بل الدليل على اعتبار السيرة، ولذلك فإنّ عدم التخصيص سوف يتوقف على عدم وجود مخصص، أو عدم وجود دليل خاص على اعتبار الظن الحاصل من السيرة، لا أن عدم التخصيص متوقف على رادعية العمومات، وبهذا الترتيب يتبين أنّ مثل هذا الإشكال ليس وارداً إطلاقاً، وأن الأدلة المطروحة سوف تكون رادعة لسيرة العقلاء.
3 ـ جواب المحققين النائيني والعراقي، نقد وتعليق
الجواب الذي عرضه هذان المحققان هو أن الآيات والعمومات المذكورة ليست رادعة لسيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة؛ لأن العمل بخبر الثقة في نظر العقلاء هو في الواقع عمل بالعلم لا بالظن، وإن خبر الثقة في نظر العقلاء مفيد للعلم، لا أنه يفيد الظن حتى يمكن أن تشمله الآيات والأدلة؛ لأن الأدلة والعمومات تـنفي اعتبار الظن، لا اعتبار العلم والقطع، وخبر الثقة يعتبر علماً في نظر العقلاء. ومن هنا فهو خارج موضوعاً عن شمول تلك الأدلة([15]).
وهذا الجواب غير صحيح أيضاً؛ لأنه خلط بين خبر الثقة والخبر الموثوق الصدور، وتوضيح ذلك: إن الخبر الموثوق الصدور يعني الخبر الذي يورث الاطمئنان، والاطمئنان في عرف العقلاء يعتبر علماً مع المسامحة في التعبير، ويمكن أن يغتفر الاحتمال الضعيف في مقابل هذا الخبر، فالاطمئنان بصدق الخبر يختلف عند الأفراد، أما الخبر المفيد للاطمئنان فيعتبره العقلاء حجة ويرتبون الأثر عليه، أما خبر الثقة فهو يختلف عن الخبر الموثوق الصدور؛ لأن خبر الثقة يعني الخبر الذي ينقله الثقة، أي المتحرِّز عن الكذب، وهو يختلف عن الخبر الموثوق الصدور، لأن خبر الصادق يمكن أن يفيد الاطمئنان، ويمكن أن يفقد هذه الصفة؛ وأما الخبر الموثوق الصدور فيمكن أن يكون ناقله ثقة، وقد لا يكون كذلك؛ لأن القرينة التي تبعث على الوثوق بالخبر وحصول الاطمئنان بصحته لا تـنحصر في صدق المخبر، بل ربما تكون هناك قرائن أخرى فيه، كقوة المتـن، أو أمور أخرى، فالنسبة بين خبر الثقة والخبر الموثوق الصدور هي النسبة بين العام والخاص من وجه. والنزاع والجدال الذي وقع بين علماء الأصول هو في حجية خبر الواحد الثقة، أي الخبر الذي ينقله الصادق. ورغم أن الخبر الموثوق الصدور يعتبر حجة، بملاك السيرة العقلائية، إلا أنه يجب أن لا نخلط بين الخبر الموثوق وخبر الثقة. والمدعى في مبحث حجية خبر الواحد هو وجود سيرة على العمل به غير السيرة على حجيّة الخبر الموثوق به، ومحل النزاع هو هل أن هذه السيرة تعرضت إلى ردع أو لا؟ ولا شك أن الآيات والعمومات لا يمكن أن تردع عن العمل بسيرة العقلاء في مسألة الخبر الموثوق الصدور؛ لأن العرف يعتبر الخبر الموثوق من مصاديق العلم، لا الظن؛ ولأن المرجع في تعيين المراد من الألفاظ المستخدمة في الشريعة هو العرف، ولذلك لا يمكن أن نستظهر من الأدلة والعمومات الردع عن السيرة على العمل الموثوق به؛ أما خبر الثقة، أي خبر الصادق، فلا يفيد الاطمئنان، وليس من مصاديق العلم، حتى لا تشمله الأدلة الناهية عن العمل بالظنّ، إلا إذا توهم شخص أن الملاك في عمل العقلاء هوالوصول للعلم والاطمئنان من خلال خبر الثقة. وليس ذلك بصحيح؛ لأنه إذا كان الملاك في عمل العقلاء بخبر الآحاد هو هذا الأمر فلا فرق إذاً بين الخبر الموثوق وخبر الثقة، بل الملاك في عمل العقلاء بخبر الثقة المفيد للظن هو أمر آخر، والتعرض إليه هنا خارج عن دائرة البحث، وقد أشرنا في بداية المقال إلى هذه المسألة. وعلى أية حال خبر الثقة هو غير الخبر الموثوق، ومحل النزاع هو هل يمكن إثبات حجية خبر الثقة عن طريق بعض الأدلة، كسيرة العقلاء مثلاً، أو لا؟ وقد تبين أن خبر الثقة غير الخبر الموثوق به، وأنّ الأخير هو من مصاديق العلم، والأول لا يفيد إلا الظن، وعليه فلا كلام هنا عن خروج خبر الثقة عن شمول الأدلة الناهية عن العمل بالظن، بل إنه داخلٌ في حكم الآيات والعمومات الناهية عن العمل بالظن، وإنّ سيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة مردوع عنها.
ومن هنا يتبين جواب المحقق الخوئي القائل: إن سيرة العقلاء حاكمة على الآيات والعمومات الناهية عن العمل بالظن، لأنّ العمل بخبر الثقة ليس عملاً بغير العلم في نظر العقلاء والعرف، كسيرة العقلاء في حجية الظواهر الحاكمة على العمومات([16]). وهذا الرأي غير تام أيضاً؛ لأنه يخلط ـ كما قلنا سابقاً ـ بين خبر الثقة والخبر الموثوق؛ لأنّ العمل الذي يعتبر من مصاديق العمل بالعلم هو الخبر الموثوق، لا خبر الثقة المفيد للظن.
4 ـ الأجوبة الباقية
ذهب بعض العلماء الكبار، أمثال: السيد الخوئي&، والمحقق الأصفهاني&، إلى أن الآية: {وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئاً} تتضمن حكماً إرشادياً. ويرى المحقق الأصفهاني أن الآية الكريمة لا تتضمن بياناً تعبدياً خلافاً لطريقة العقلاء، بل إنها تَكِلُ هذه المسألة لعقل المكلَّف، وأن الظن بما هو ظن لا يجوز الاعتماد عليه، ولذلك فإن الآية ليست ناظرة لسيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة([17])، فسيرة العقلاء خارجة عن شمول الآية المباركة تخصصاً. يقول السيد الخوئي: بما أن الآية تأبى التخصيص؛ لأننا عندما نقول: إن الظن لا يغني من الحق شيئاً فلا يمكن أن يقال: إلا الظن الفلاني، وعليه فلا يكون مفادها حكماً مولوياً، ليكون رادعاً عن السيرة، فالتخصيص بهذا النحو غير ممكن؛ ولأن لدينا يقيناً بخروج بعض الظنون عن شمول الآية فيجب القول: إن الآية هي إرشاد الحكم العقل من تحصيل الحجة والمؤمِّن من العقاب المحتمل، فعندما نحمل الآية على الإرشاد لما يحكم به العقل فالظنون الخاصة تخرج عن هذه الآية تخصُّصاً، ولذا لا تكون قابلة للتخصيص([18]).
وفي الجواب عن هاتين النظريتين ينبغي القول: إذا حملنا الآية الكريمة على أنها إرشادية ـ خلافاً للأصل ـ فإن العمومات والأدلة ليست منحصرة في هذه الآية، وبهذا البيان فقط، بل هناك أدلة أخرى، كحرمة النهي عن التبعية للطريق غير العلمي، مثل: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (الإسراء: 36)، وهي ظاهرة في المولوية، ولا يمكن حملها على الإرشاد، ولاسيما إذا أخذنا بنظر الاعتبار تكملة الآية: {إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}. ويقول الإمام الخميني& في الجواب عن رادعية هذه الأدلة: «إذا كانت هذه الآيات والأدلة ناهية عن مطلق العمل بالظن أو الطريق غير العلمي ففي تلك الحالة تصبح شاملة لنفسها؛ لأن دلالة هذه الآيات على الرادعية من باب الظهور أيضاً، الذي هو جزء من موارد اتباع الظن، وعندما يتبين أن هذه الآيات لا يمكن أن تكون رادعة لسيرة العقلاء في حجية الظواهر عند ذلك نلغي الخصوصية ونقول: إن كل ما له جنبة عقلائية يكون خارجاً عن شمول الأدلة المذكورة، ولذلك فإن جميع الظنون العقلائية، كخبر الثقة، تكون غير ممنوعة»([19]).
وفي الجواب عن ذلك يمكن القول أيضاً: إننا نقطع بحجية الظواهر؛ لأن التفاهم بين الناس لا يكون إلا عن طريق حجية الظواهر، وإن طريقة الأئمة^ عندما يتكلمون مع الناس إنما هو على هذا الأساس، وهذا القطع والعمل بنفسه يكشف عن الإمضاء. ومن هنا يثبت خروج هذه المسألة عن شمول الأدلة، فكيف يمكن إلغاء الخصوصية؟! ثم نقول: إذا خرج هذا المورد فسوف يخرج كل ظن عقلائي، ألا يمكن للشارع أن يردع عن بعض الأمور ويمضي الأخرى؟!
الإمضاء القولي والعملي
يتبين مما سبق عدم ثبوت الإمضاء الشرعي بالنسبة لسيرة العقلاء عن طريق عدم الردع، فهل يمكن إحراز هذه السيرة عن طريق آخر؟ قلنا في ما سبق: إن إمضاء سيرة العقلاء إما أن يكون عن طريق عدم الردع، أو عن طريق قول أو عمل المعصومين^. وهنا نحتاج إلى أدلة أخرى يُعلم بها ثبوت اعتبار خبر الواحد، بحيث إذا ثبتت هذه الجهة عن طريق أدلة أخرى، كالآيات والروايات، فسوف تثبت حجية خبر الواحد. وعلى فرض وجود سيرة للعقلاء على العمل بخبر الثقة فإنها تكون مورداً للإمضاء القولي أو العملي. وبهذا الترتيب يمكن إثبات حجية خبر الواحد عن طريق سيرة العقلاء فقط، ولا يمكن إثبات الحجية عن طريق عدم الردع رغم كل تلك الجهود المبذولة في هذا السبيل.
والإمضاء القولي لسيرة العقلاء يكون بالصورة التالية: يجب أن يصلنا قول من الشارع يكشف عن رضا الشارع، وهذا القول لا بد أن يكون تاماً من جهة السند والدلالة وجهة الصدور، وبالطبع فإن الأول والثالث إنما يكون في مسألة الرواية، والثاني يشترك مع آيات القرآن، وبهذا الطريق نكشف عن رضا الشارع بتلك السيرة.
أما الإمضاء العملي فهو أن يُشاهَد أحدُ المعصومين يعمل طبقاً لهذه السيرة، وبهذا الشكل تحمل جميع الأدلة في باب حجية خبر الواحد على الإمضائية، لا التأسيسية. ويتبين مما سبق أن الرأي الذي ذهب إليه بعض كبار العلماء، والذي يؤكد أن الدليل الرئيسي لإثبات حجية الخبر الواحد هو السيرة العقلائية، وإذا ما فرضنا ثبوت عدم تمامية الأدلة الأخرى فإن الدليل الوحيد الذي لا يمكن القدح به هو السيرة، هذا الرأي غير صحيح، ويواجه إشكالاً جدّياً؛ لأن سيرة العقلاء بحاجة إلى إمضاء الشارع، ولم يثبت الإمضاء عن طريق عدم الردع؛ بسبب عدم تمامية الوجوه السابقة. ويمكن أن تكون السيرة دليلاً على حجية خبر الواحد عن طريق أدلة أخرى، فإذا ما أشكل على باقي الأدلة لا يمكن إثبات حجية خبر الواحد؛ ولذلك فإن السيرة العقلائية لا بد أن تكون إلى جانب الأدلة الأخرى لإثبات هذا المدَّعى، لا في حال القدح في الأدلة الأخرى.
النتيجة
تمسك بعض العلماء بعدة أدلة لإثبات حجية خبر الواحد، ومن جملتها: سيرة العقلاء. وهذه السيرة بحاجة إلى إمضاء الشارع المقدَّس، ولا يمكن اعتبارها دليلاً مستقلاً لإثبات هذا المدَّعى، والحاجة إلى إحراز رضا الشارع لا يمكن إثباته عن طريق عدم الردع، والطريق الوحيد لإثبات رضا الشارع بالسيرة على العمل بخبر الثقة عبارة عن الإمضاء القولي أو العملي، ومن هنا يتضح أن سيرة العقلاء يجب أن لا تطرح في عرض سائر الأدلة لإثبات المدّعى، بل هي في طول الأدلة الأخرى، والقدح في سائر الأدلة يعني القدح في هذا الدليل. وبعبارة أخرى: إن هذا الدليل لا يمكن أن يكون مورد استدلال. والجديد في هذه المقالة هي أنها حاولت إثبات إمضاء الشارع لسيرة العقلاء بالنسبة لحجية خبر الواحد من طريق عدم الردع. وقد تبين أن جميع الوجوه المذكورة من قبل العلماء؛ لإثبات عدم الردع، لا تخلو من القدح، فانتهينا إلى أنّ الطريق الوحيد لإثبات الإمضاء ينحصر فقط بالإمضاء القولي أو العملي.
الهوامش
(*) أستاذ مساعد في جامعة طهران، فرع قم.
([1]) الكاظمي الخراساني، فوائد الأصول 3: 194.
([2]) الواعظ الحسيني البهسودي، مصباح الأصول 2: 196.
([3]) السبحاني، تهذيب الأصول 2: 200.
([4]) الهاشمي، بحوث في علم الأصول 4: 396، المظفر، أصول الفقه 2: 91.
([5]) الفيروزآبادي، عناية الأصول 3: 249.
([7]) قانون الجمهورية الإسلامية، الأصل الثاني.
([8]) الشيخ الأنصاري، فرائد الأصول: 91.
([10]) الشيخ الأنصاري، المصدر السابق: 91 ـ 92.
([11]) الخراساني، درر الفوائد في الحاشية على الفرائد: 124.
([12]) الشيخ الأنصاري، المصدر السابق: 91.
([14]) الأصفهاني، نهاية الدراية 2: 91؛ البهسودي، المصدر السابق 2: 198.
([15]) الكاظمي الخراساني، المصدر السابق 3: 195؛ البروجردي النجفي، نهاية الأفكار 3: 138.
([16]) البهسودي، المصدر السابق 2: 200.
([17]) الأصفهاني، المصدر السابق 3: 14.