أحدث المقالات
أكد الشيخ عبدالله دشتي معقبا على ما ورد في بعض مناهج الصفين التاسع والعاشر (في مدارس وزارة التربية في دولة الكويت) أن التكفير الذي يوجد في المناهج ليس رأي أهل السنة والجماعة، مشيراً إلى أن الدعاء عند قبر نبي أو صالح أو ولي هو ليس من الشرك الأكبر لمن يزعم أنه من قول أهل السنة والجماعة.
وأضاف دشتي: إن أكبر تضليل نسبة الأمر إلى أهل السنة والجماعة فلو كان الأمر كما تقولون لماذا اختلفتم مع العلامة الجليل محمد عبدالغفار الشريف وكيل وزارة الأوقاف في دولة الكويت ومع العلامة الجليل الشيخ علي الجمعة مفتي الديار المصرية وبرز خلافكم معهما على صفحات الجرائد اليومية الصادرة في دولة الكويت.
الأمر الواضح أن البعض يسعى أن ينسب رأيه وفهمه الضيق لبعض الأمور إلى أهل السنة والجماعة زورا وبهتانا، فيدعي أن الدعاء عند قبر نبي أو ولي أو صالح هو من الشرك الأكبر ويزعم إنه قول أهل السنة والجماعة ويزعم إجماعهم على ذلك.
إن هذه الدعوى الآثمة أي إطلاق القول بشركية الدعاء عن القبر هو خلاصة ما تضمنته بعض دروس مناهج التربية الإسلامية للمرحلة التاسعة والعاشرة من الثانوية في دولة الكويت، نعم للأسف رأي هو أقرب لقول الخوارج ينسب إلى أهل السنة وهم براء منه، فعظماء أهل السنة والجماعة أجل من أن يتفوهوا بذلك الإطلاق المذكور في مناهج التاسع والعاشر.
فالنص المذكور في منهج العاشر هو التالي "الشرك نوعان: أ- الشرك الأكبر: وهو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله سبحانه وتعالى كالدعاء لغير الله عز وجل" ..
فقل لي بحق الإسلام: مَن من علماء أهل السنة والجماعة أطلق مثل هذه العبارة التي أطلقها كاتب المنهج؟! فابن تيمية نفسه حينما يتحدث عن أنواع الأدعية عند القبر لا يعتبرها كلها من الشرك الأكبر فيقول في كتابه (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة) : "وقد ذكر علماء الإسلام وأئمة الدين الأدعية الشرعية وأعرضوا عن الأدعية البدعية فينبغي اتباع ذلك والمراتب في هذا الباب ثلاث:
إحداها: أن يدعو غير الله وهو ميت أو غائب سواء كان من الأنبياء والصالحين أو غيرهم فيقول: يا سيد فلان أغثني.. أو انصرني على عدوي.. فهذا شرك بهم وإن كان يقع كثير من الناس في بعضه.
الثانية: أن يقال للميت أو الغائب من الأنبياء والصالحين: ادع الله لي أو ادع لنا ربك أو اسأل الله لنا..، فهذا أيضا لا يستريب عالم أنه غير جائز وأنه من البدع التي لم يفعلها أحد من سلف الأمة..
الثالثة: أن يقال: أسألك بفلان أو بجاه فلان عندك ونحو ذلك الذي تقدم عن أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما أنه منهي عنه، وتقدم أيضا أنه هذا ليس بمشهور عن الصحابة.
وكما ترى فإنه اعتبر فقط دعاء الميت مباشرة وكأنه القادر على قضاء الحوائج هو الموجب للشرك، وأما الاحتمالان الآخران -أي طلب الشفاعة من غير الله في المرتبة الثانية والتوسل بمكانة شخص في المرتبة الثالثة- فقد أدخلهما في بحث السنة والبدعة، واعتبر الأول منهما من البدع وتردد في بدعية الآخر.
وحتى النوع الأول استدرك العلماء على ابن تيمية، فقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
"الدعاء ينقسم إلى قسمين:
الأول: دعاء عبادة مثاله الصوم والصلاة.. وهذا القسم كله شرك…
الثاني: دعاء المسألة فهذا ليس كله شركا بل فيه تفصيل، فإن كان المخلوق قادرا على ذلك فليس بشرك..، وأما من دعا المخلوق بما لا يقدر عليه إلا الله فإن دعوته شرك مخرج عن الملة" .
إحياء الموتى باذن الله
واعلم أن هذا الكلام الأخير لم يقل به أهل السنة والجماعة بل هو قول خاص لمتبعي الرؤية الوهابية وإلا لا يقول أحد بشركية طلب إحياء الموتى أو إبراء الأكمه والأبرص من عيسى (عليه السلام) لأنه أمر لا يقدر عليه إلا الله، فلا شك أن الله قدره على هذا الأمر الذي لا يقدر عليه إلا الله أصالة، قال تعالى (وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَْكْمَهَ وَالأَْبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) آل عمران/49، فهل يجرؤ عالم أن يحكم على كفر من يطلب من المسيح (عليه السلام) إحياء ميت وشركه لأنه طلب منه أمرا لا يقدر عليه إلا الله، وحتى لو طلب طالب من المسيح ذلك بعد مغادرته هذا العالم، هل يجرؤ أن يقال: أشرك لمجرد غياب المسيح أم من عنده حظ من العلم لا يستطيع أن يقول أكثر من أن طلبه سفه وبدعة.
نعم هو شرك لو ادعى مدع بأن ما وقع على يد عيسى بن مريم (عليه السلام) هو دون إذن الله وادعى أن عيسى (عليه السلام) هو قادر بذاته على ذلك بذاته ودون إذن الله وما عداه ليس من الشرك في شيء وإن أمكن دخوله تحت عنوان البدعة إذا لم يقم عليه دليل.
فمن المسلمات بين المسلمين أن رد السلام قدرة جعلها الله لخاتم الرسل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهو في قبره وحياته البرزخية روى أحمد في مسنده عن أبي هريرة قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم): « ما من أحد يسلم علي إلا رد الله إلي روحي حتى أرد عليه السلام»، صححه الألباني ونقل رأي بعض العلماء في سنده قائلا: «قال الحافظ العراقي في (تخريج الإحياء): سنده جيد، وأما النووي فقال في (الرياض): إسناده صحيح ووافقه المناوي في (التيسير) .
فهل يستطيع بعد هذا أن يقول قائل ان أهل السنة والجماعة اجمعوا على أن دعاء صاحب القبر شرك ويشمل مثل سلام على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) عند قبره الشريف طلبا لجوابه ورده.
عرض لأقوال علماء أهل السنة والجماعة في ذلك
استشهد دشتي بأحد عظماء علماء أهل السنة والجماعة القاضي عياض يقول في كتابه (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : «وزيارة قبره (عليه السلام) سنة من سنن المسلمين مجمع عليها وفضيلة مرغب فيها.. وقال ابن أبي فديك:  سمعت بعض من أدركت يقول: بلغنا أنه من وقف عند قبر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) فتلا هذه الآية إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ..) الأحزاب/56 ثم قال: صلى الله عليك يا محمد ! من يقولها سبعين مرة ناداه ملك: صلى الله عليك يا فلان! ولم تسقط له حاجة..
وأضاف: قال بعضهم: رأيت أنس بن مالك أتى قبر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) فوقف فرفع يديه حتى ظننت انه افتتح الصلاة فسلم على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) ثم انصرف.. ورئي ابن عمر واضعا يده على مقعد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) من المنبر ثم وضعها على وجهه..
وعن محمد بن سيرين: كان الناس يقولون إذا دخلوا المسجد صلى الله وملائكته على محمد، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، باسم الله دخلنا، وباسم الله خرجنا، وعليه توكلنا".
وقال ابن الجوزي في كتابه (الوفا بأحوال المصطفى): «عن أبي الجوزاء قال: قحط أهل المدينة قحطا شديدا فشكوا إلى عائشة فقالت: انظروا قبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فاجعلوا منه كوّا إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف، فقال: ففعلوا فمطروا مطرا حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى فتقت فسمي عام الفتق..
عن أبي بكر المنقري قال: كنت أنا والطبراني وأبو الشيخ في حرم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وكنا على حالة فأثر فينا الجوع، فواصلنا ذلك اليوم، فلما كان وقت العشاء حضرت قبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وقلت: يا رسول الله الجوع الجوع!! وانصرفت، فقال لي أبو الشيخ: اجلس فإما أن يكون الرزق أو الموت.
قال أبو بكر فنمت أنا وأبو الشيخ والطبراني جالس ينظر في شيء، فحضر بالباب علوي فدق الباب، فإذا معه غلامان مع كل واحد منهما زنبيل كبير في شيء كثير فجلسنا وأكلنا وظننا أن الباقي يأخذه الغلام، فولى وترك عندنا الباقي، فلما فرغنا من الطعام، قال العلوي: يا قوم أشكوتم إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟ فإني رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في النوم، فأمرني بحمل شيء إليكم « (1) .
تفصيل السبكي
وأشار دشتي إلى أن السبكي في (شفاء السقام في زيارة خير الأنام) قال: «اعلم أنه يجوز ويحسن التوسل والاستعانة والتشفع بالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى ربه سبحانه وتعالى، وجواز ذلك وحسنه من الأمور المعلومة لكل ذي دين المعروفة من فعل الأنبياء والمرسلين وسير السلف الصالحين والعلماء والعوام من المسلمين.. وأقول إن التوسل بالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) جائز في كل حال قبل خلقه وبعد خلقه في مدة حياته في الدنيا وبعد موته في مدة البرزخ وبعد البعث في عرصات القيامة والجنة وهو على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: أن يتوسل به بمعنى أن طالب الحاجة يسأل الله تعالى به أو بجاهه أو لبركته فيجوز ذلك في الأحوال الثلاثة، وقد ورد في كل منها خبر صحيح.
وأضاف: أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته فلقي ابن حنيف فشكى ذلك إليه فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فتقضى لي حاجتي وتذكر حاجتك وروح حتى أروح معك فانطلق الرجل فصنع ما قال له ثم أتى باب عثمان بن عفان رضي الله عنه فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان رضي الله عنه فأجلسه معه على الطنفسة فقال: حاجتك فذكر حاجته وقاضاها له ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كان الساعة وقال: ما كانت لك من حاجة فأذكرها ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيرا ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلمته في فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته ولكني شهدت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأتاه ضرير فشكى إليه ذهاب بصره فقال له النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): فتبصر فقال: يا رسول الله ليس لي قائد وقد شق علي فقال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم ادع بهذه الدعوات قال ابن حنيف: فو الله ما تفرقنا وطال بن الحديث عن دخل علينا الرجل كأن لم يكن به ضر قط..، والاحتجاج من هذا الأثر لفهم عثمان رض الله تعالى عنه ومن حضره الذين هم أعلم بالله ورسوله وفعلهم.
أما النوع الثاني فهو: التوسل به بمعنى طلب الدعاء منه وذلك في أحوال: أحدها في حياته، وهذا متواتر والأخبار طافحة به..، الحالة الثانية بعد موته (صلّى الله عليه وآله وسلم) في عرصات القيامة بالشفاعة منه (صلّى الله عليه وآله وسلم)..، الحالة الثالثة المتوسطة في مدة البرزخ وقد ورد هذا النوع فيها أيضا..
النوع الثالث من التوسل: أن يطلب منه ذلك الأمر المقصود، بمعنى أنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) قادر على التسبب فيه بسؤاله ربه وشفاعته إليه، فيعود إلى النوع الثاني في المعنى وإن كانت العبارة مختلفة، ومن هذا قول القائل للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أسألك مرافقتك في الجنة قال: أعني على نفسك بكثرة السجود..».
وفي قوله الأخير أراد الرد على من قال ان مجرد الطلب من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) حالة موته شرك بالله، بل اعتبرها نوعا من التوسل والشفاعة المستحبة والمندوب لها.
وأما من المعاصرين فقد قال سماحة العلامة السيد محمد بن علوي بن عباس المالكي الحسني بعد أن تحدث عن حياة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) حياة لائقة بمقامه: «وإنما أطلت الكلام في هذا المبحث لأن فيه اتحافا عظيما للزائر الذي يقف بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهو يعلم انه حي حياة برزخية كاملة لائقة بمقامه فهو يسمع صوته وتوسله وشغفه به وسؤاله منه أن يشفع له إلى ربه حتى يرضى عنه ويعطيه ما يحبه من خير الدنيا والآخرة فأي فائدة اجل من هذه الفائدة؟ وأي تحفة أعظم من هذه العائدة؟ فاشدد حينئذ بزيارته (صلّى الله عليه وآله وسلم) يديك واسع في تحصيلها ما أمكنك لتساق هذه الخيرات والفوائد عليك، وتحظى بالمثول في ذلك الموقف المتكفل بحصول المأمول وإجابة السؤال وبصلاح الأحوال والسعي في التحلي بحلي أهل الكمال..».
فهل كل هؤلاء الفطاحل ليسوا من أهل السنة، وأنت فقط تعرف رأي أهل السنة والجماعة؟!
فهل بعد هذا كله يقال ان ما في المناهج هو رأي أهل السنة والجماعة؟! أم هي شماعة يدعي من سمته سمة الخوارج المكفرين، وأهل السنة والجماعة براء من ذلك كله.
افتراء جديد
إن الأدهى اليوم سعي أحدهم للي عنق بعض النصوص الواردة في مصادر أهل البيت (عليهم السلام) إلى تلك الرؤية السلفية الضالة، فحديثنا يتركز حول اتهام المسلمين المخالفين للرؤية الوهابية بالشرك، تلك التي ادعى الكاتب زورا وبهتانا أنها منهج أجداده أئمة أهل البيت. فكل الحديث والاعتراض يتركز على تصوير ما يجري عند القبور هو شرك كما هي نص عبارة منهج العاشر والتصريح بالقول إن: «ومع الأسف الشديد فقد اتخذت القبور في بعض البلاد أوثانا تعبد من دون الله». هروبا من نقطة الاعتراض الأساسية يقحم أمورا ليست هي موضع البحث في المنهج:
فأولا: يقحم النهي عن اتخاذ القبر قبلة وهذا لم يقل به مسلم لا شيعي ولا سني فالكل من يصلي لله سواء عند قبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أو عند قبر الأئمة الطاهرين من ذريته يصلي للقبلة ولا يوجد من يصلي للقبر، ولم يرد ذكر لهذا الأمر في المقطع المعترض عليه من المنهج، لكنه فقط كي يكثر الروايات التي ينقلها من مصادر الشيعة يقحم هذا الأمر.
أما الأمر الثاني فقد أقحم النهي عن الحلف بغير الله، وليست هي النقطة المعترض عليها فعلا وإن هذا أمر غير صحيح في نفسه، ولكنه فقط كي يكثر الروايات المنقولة من مصادر أهل البيت، يذكر نصوصا لا تتحدث عن تهمة الشرك المعترض عليها، بل ليس فيها لفظة الشرك بل ولا إشارة إليه.
أما الأمر الثالث ما علاقة الاعتراض على ما في المقطع بالنهي عن تصوير التماثيل، نحن نتحدث في واد وهو يسعى بلعبته السياسية والإعلامية تصوير الخلاف بنحو آخر فيقحم التصاوير والتماثيل التي لا علاقة لها بالأمر المختلف عليه وينقل القراء إلى واد آخر، فأيضا كل القصد أن يكثر منقولاته من مصادر أهل البيت (عليهم السلام) فيأتي بروايات ليس لها علاقة بالموضوع المختلف عليه.
الذبح لغير الله
أما الأمر الرابع فهو النهي عن الذبح هذه التهمة الباطلة التي لا وجود لها في الخارج عند قبور أئمة أهل البيت ويسعون أن يلبسوها للشيعة بكل قواهم الإعلامية زورا وبهتانا، وقد رد عليها المرجع الكبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء حينما كتب لبعض من اتهم الشيعة بذلك قائلا:
لا يشك أحد من المسلمين في أن من ذبح لغير الله ذبح العبادة كما يذبح أهل الأصنام لأصنامهم حتى يذكروا على الذبايح أسماءهم ويهلون بها لغير الله خارج عن ربقة المسلمين سواء اعتقدوا آلهيتهم أو قصدوا أن يقربوهم زلفى لأن ذلك عبادة لغير الله.
وأما من ذبح عن الأنبياء والأوصياء والمؤمنين ليصل الثواب إليهم كما نقرأ القرآن ونهدي إليهم ونصلي لهم وندعو لهم ونفعل جميع الخيرات عنهم، ففي ذلك أجر عظيم وليس قصد أحد من الذابحين للأنبياء أو لغير الله سوى ذلك…
وأضاف «والذي نفسي بيده منذ عرفت نفسي إلى يومي هذا ما رأيت ولا سمعت أحدا من المسلمين ذبح أو نحر ذاكرا لاسم نبي أو وصي أو عبد صالح، وإنما يقصدون إهداء الثواب إليهم، فإن كان في أطرافكم قبل تسلطكم مثل ذلك فصاحب الدار أدرى بالذي فيها».
نعم النقطة المختلف عليها في النقطة الخامسة التي أوردها وهي قوله في المقالة: النهي عن الدعاء لغير الله: جاء في مستدرك الوسائل أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: « افزعوا إلى الله في حوائجكم وألجئوا إليه في ملماتكم وتضرعوا إليه وادعوه فإن الدعاء مخ العبادة ».
"ومع الأسف الشديد فقد اتخذت القبور في بعض البلاد أوثانا تعبد من دون الله يذهب إليها الناس يطلبون من أصحابها قضاء حوائجهم بحجة أنهم أناس صالحون وله جاه عند الله وقد نسوا إن هذا قول المشركين".
وقد ذكر علماء الإسلام وأئمة الدين الأدعية الشرعية وأعرضوا عن الأدعية البدعية فينبغي اتباع ذلك والمراتب في هذا الباب ثلاث:
إحداها: أن يدعو غير الله وهو ميت أو غائب سواء كان من الأنبياء والصالحين أو غيرهم فيقول: يا سيد فلان أغثني.. أو انصرني على عدوي.. فهذا شرك بهم وإن كان يقع كثير من الناس في بعضه.
الثانية: أن يقال للميت أو الغائب من الأنبياء والصالحين: ادع الله لي أو ادع لنا ربك أو اسأل الله لنا..، فهذا أيضا لا يستريب عالم أنه غير جائز وأنه من البدع التي لم يفعلها أحد من سلف الأمة..
الثالثة: أن يقال: أسألك بفلان أو بجاه فلان عندك ونحو ذلك الذي تقدم عن أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما أنه منهي عنه، وتقدم أيضا أنه هذا ليس بمشهور عن الصحابة..».
فبربك قل لي أي مقطع من الخبر الذين نقلته من مصادر الشيعة يدل على دعوى ابن عثيمين بأن النوع الثاني من دعاء المسألة وأن من دعا المخلوق بما لا يقدر عليه إلا الله فقد أشرك، فضلا عن دلالته على الدعوى الواسعة المذكورة في منهج العاشر، هل قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) الدعاء مخ العبادة -الذي قصد به أن دعاء المسألة مخ قبول العبادة ورفع العمل الصالح- دل على ذلك؟! بأي منطق بشري دل الخبر على ذلك المنطق الصوري أو الاستقرائي أم اللامنطق السلفي.
أم بالمقطع الذي فيه قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم): «افزعوا إلى الله في حوائجكم» نعم افزعوا إلى الله ولكن ألم يقل عز وجل (وابتغوا إليه الوسيلة) إذن مقتضى الجمع افزعوا إليه بالوسيلة، وسنختلف معكم في سعة الوسيلة وضيقها وشمولها للاستشفاع برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) والتوسل بهم، لكن هل الاختلاف في السعة والضيق موجب لتهمة الشرك؟
ويظهر العجب من استشهادك بالمقطع الآخر الذي نقلته من كلام الشيخ مغنية، فنعم نتفق كلنا أننا نرفض الوسائط في العبادة وكما قال الشيخ: يتقرب إليه بفعل الخيرات من غير شفيع ولا وسيط، لكن كل الحديث عن عبادة الوسائط تقربا إلى الله وليس عن مجرد دعاء المسألة، فحديثه في ذيل تفسير قوله تعالى (وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا).
الدعاء قسمان
كما اتضح من كلمة الشيخ محمد بن صالح العثيمين التي نقلناها سابقا وقوله: الدعاء ينقسم إلى قسمين: الأول: دعاء عبادة مثاله الصوم والصلاة.. وهذا القسم كله شرك…الثاني: دعاء المسألة فهذا ليس كله شركا.
وهذا كلام باطل من ابن عثيمين لا دليل عليه، فلا دليل على شرك من دعا غير الله دعاء مسألة إلا في إحدى حالتين:
الأولى: إذا دعا غير الله واعتقد بأنه قادر على الإجابة دون إذن الله ودون حول وقوة منه وهذا كفر سواء كان العمل مما لا يقدر عليه إلا هو أو لا.
الثانية: أن يقصد عبادة غير الله بدعائه دعاء المسألة – وهذا لم يأت في ذهن مسلم – دون ما لو لم يقصد العبادة بدعاء المسألة كما في دعائنا للطبيب أن يعطينا العلاج والدواء المناسب .
المسلمون يرفضون الواسطة
نعم كل المسلمين يرفضون الواسطة في العبادة فقد صرح القرآن بكفر من يقوم بذلك وذمهم كما في قوله تعالى (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى)، لكن المصيبة التي وقع فيها كتاب المنهج ووقعتم فيها أنكم تطلقون التكفير في مطلق أنواع الدعاء.
لكن اعلموا أن العمل الذي يرقى إلى كفر هؤلاء المشركين تكفير المسلم الذين ينادي بأعلى صوته إنني لا أعبد إلا الله، وتنادون أنتم: لا أنت تشرك، وقد قال (صلّى الله عليه وآله وسلم): « إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء به أحدهما» ، وستعلمون غدا عند الحساب من الذي باء بها.
كل هذا التكفير يكتب في المناهج بناء على أوهام عقول قاصرة عن فهم حقائق القرآن، ولا تكتفون بأن تنسبوا ذلك زورا وبهتانا إلى أهل السنة والجماعة بل تريدون اليوم نسبته إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ساء ما تفترون.
————————-
– المصدر : جريدة الدار الكويتية 7/6/2009
(*) إمام مسجد الإمام المهدي (عج) في الكويت.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً