المقدّمة
إنّ العلاقات الثقافية القائمة بين الشعوب المختلفة في عصرنا هذا تستدعي مزيداً من الدراسة والبحث في بعض المسائل الشّرعية التي أفتى بها الفقهاء المتقدّمون، ومن أهمّ تلك المسائل ما يتعلّق بأهل الكتاب؛ كمسألة نجاستهم الذاتيّة، التي يبتلى بها كثيرٌ من المسلمين، لضرورة التعامل معهم والاختلاط بهم وتلقّي العلم منهم وغير ذلك من الأمور الواضحة. والذي نريد عرضه هنا هو موضوع المناكحة بينهم وبين المسلمين، وهي القضيّة التي قد باتت تتصدّر لائحةً من الموضوعات التي تستدعي إعادة النّظر فيها بدقّة متناهية.
النظريات الفقهية في الزواج من الكتابية
اختلفوا في نكاح الكتابيّة([1]) على ثلاثة أقوال:
1 ـ المنع مطلقاً، وهو قول المفيد ([2]) والمرتضى ([3]) وابن إدريس ([4]) والطبرسي ([5]) والمقداد ([6]) والحرّ العامليّ ([7])، واعتمد عليه أبو العباس([8])، واختاره فخر المحققين ([9]) من الشيعة الإماميّة. كما ذهب إليه الهادي والقاسم والنفس الزكيّة وجميع المتأخرين من الزيديّة([10]).
2 ـ التفصيل بين المتعة والدائم، بتجويز الأوّل ومنع الثاني؛ وهو المشهور بين
الإماميّة؛ فممّن ذهب إليه الطوسي([11]) وأبو الصّلاح ([12]) وابن البرّاج ([13]) وسلاّر ([14]) والعلامة ([15]) والمحقق ([16]) والشهيد الأوّل ([17]) وأكثر المعاصرين، وأشهرهم الإمام
الخميني ([18]).
3 ـ الجواز مطلقاً؛ وهو قول جمهور أهل السنّة بأجمعهم([19]). كما قال ابن قدامة الحنبلي: <ليس بين أهل العلم بحمد الله اختلاف في حلّ حرائر نساء أهل الكتاب، وممّن روي عنه عمر وعثمان وطلحة وحذيفة وسلمان وجابر وغيرهم. قال ابن المنذر: ولا يصحّ عن أحد من الأوائل أنّه حرّم ذلك. وروى الخلال باسناده أنّ حذيفة وطلحة والجارود بن المعلى وأذينة العبدي تزوَّجوا نساءً من أهل الكتاب. وبه قال سائر أهل العلم، وحرّمته الإماميّة>([20])، ومن هذا ظهر انفراد الإماميّة بالمنع. كما صرّح بذلك المرتضى؛ حيث قال: <وممّا انفردت به الإماميّة حظر نكاح الكتابيّات، وباقي الفقهاء يجيزون ذلك>([21]). وممّن أجازه مطلقاً من الإماميّة ابن أبي عقيل([22]) وابن بابويه ([23]) والشهيد الثاني ([24]) والفيض الكاشاني ([25]) وصاحب الجواهر ([26]) والمحقّق الخوئيّ مع الاحتياط([27]) ومثله المحقق الإصفهاني([28]).
موقف القانون المدنيّ في البلاد الإسلاميّة
إيران: يمنع القانون المدنيّ الإيراني نكاح المسلمة بغير المسلم (المادّة 1059) ويسكت عمّا نحن فيه من نكاح المسلم بغير المسلمة من كتابيّة أو من غيرها. فهل يمكن حمل سكوته على التجويز؟ قال بعض المحققين: نعم، إلا أنّ المسكوت عنه من القانون يدور مع المشهور من فتاوى الفقهاء([29])، والمشهور هو التفصيل كما علمت.
وأمّا المادّتان 1060 و 1061 فهما أجنبيتان عمّا نحن فيه؛ لأنّهما تعلّقان نكاح الإيرانيّة بالأجنبي ـ وإن كان مسلماً ـ ونكاح عمّال الدولة بالأجنبيّة وإن كانت مسلمةً على الإذن الدوليّ. واللائح من سياقهما أنّ المقنّن يطلب بهما مصالح الدولة السياسيّة. وهذا خارج عمّا نحن بصدده من البحث الفقهي.
سوريا: ينصّ قانون الأحوال الشخصيّة السوري بأنّ <زواج المسلمة بغير المسلم باطل> (المادّة 48، الفقرة الثانية) بمعنى أنّه لا ينعقد أصلاً؛ فلا يترتّب عليه أثر من آثار الزواج الصحيح ولا ينشأ عنه التزام من قبل أحد الطرفين نحو الآخر، بل يعتبره الشارع كأنّه غير موجود سواء كان قبل الدخول أم بعده([30]). ولا يخفى أنّه ساكت أيضاً عن نكاح المسلم بغير المسلمة. فهل يمكن حمل سكوته على التجويز مطلقاً؟ أمّا في غير الكتابيّة فلا يمكن ذلك، لأنّه إجماعيّ الأمّة كما علمت. وأمّا في الكتابيّة فيمكن مطلقاً، لأنّ جوازه مفروغٌ عنه عندهم خلافاً للقانون الإيراني.
العراق: ينصّ قانون الأحوال الشخصيّة العراقيّ رقم 188 لسنة 1959م في مادّته السّابعة عشرة: <يصحّ للمسلم ان يتزوّج كتابيّةً>. وهذا صريح في موضوعنا، وقد اشترط القانون العراقي تسجيل عقد الزواج في المحكمة المختصّة، وهي هنا المحكمة الشرعيّة؛ لأنّ الزوج مسلمٌ وعلى هذا يجري العمل في المحاكم الشرعيّة في العراق([31]).
مصر: لم يضع مشروع قانون الأحوال الشخصيّة المصريّ أحكاماً لزواج غير المسلمين أو زواج الكتابيّات إلا ما وضعه تحت باب الفسخ لاختلاف الدّين، وهو موضوع المواد من 149 إلى 151 ينصّ فيها: يصحّ زواج المسلم بالكتابيّة، نصرانّيةً كانت أو يهوديّة، ذميّة أو غير ذميّة، وإن كره الزواج بغير الذمّيّات. يصحّ زواج الكتابيّة على المسلمة والمسلمة على الكتابيّة وهما في القسم سيّان. لا تتزوّج المسلمة إلا مسلماً، فلا يجوز تزوّجها مشركاً ولا كتابيّاً يهودّياً أو نصرانيّاً ولا ينعقد النكاح أصلاً. والرّأي المفتى به في مصر أنّه زواج باطل لا يثبت به نسب ولا توارث([32]).
لبنان: لم ينصّ قانون حقوق العائلة إلا على نوع واحد من الزواج الباطل هو زواج المسلمة من غير المسلم (المادّة 8). أمّا زواج المسلم من غير المسلمة فجائز إذا كانت من أهل الكتاب([33]). وممّا يلفت النظر أنّ المحاكم الشرعيّة الجعفرية في لبنان تزوّج المسلم من الكتابيّة دواماً وتسجّل الزواج وترتّب عليه جميع الآثار([34])، وهذا خلاف المشهور.
مسألة التزويج مع اختلاف الدِّين، دراسة ونقد
1 ـ أدلّة نظرية الحظر المطلق للزواج من أهل الكتاب
استدلوا للمنع بثلاثة: الكتاب والسنّة والإجماع، وانضمّ إليها أصالة المنع والاحتياط.
أ ـ أمّا دليل الكتاب، فمّما يستدلّ به منه قوله تعالى: >وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إلى النَّار< (البقرة: 221)، وقوله تعالى: >وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ< (الممتحنة: 10)، وقوله تعالى: >وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً< (الروم: 11)، بضميمة قوله تعالى: >لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ< (المجادلة: 22)، وقوله تعالى: >لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ< (الحشر: 20).
وكيفية الاستدلال أنّه لا ريب في دلالة قوله تعالى: >وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ…< على منع النكاح مطلقاً؛ لأنّ تعليق النهي على الغاية التي هي الإيمان يدلّ على اشتراطه في النكاح، بل تعقيب النهي بقوله تعالى: >أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إلى النَّارِ< يقتضي كونه علّة للمنع؛ فإنّ الزّوجين ربّما أخذ أحدهما من دين صاحبه فيدعو ذلك إلى دخول النّار، وهذا المعنى مطّرد يجري في جميع أقسام الكفر، ولا اختصاص له بالشرك، كما أنّه قيل: إنّ اليهود والنصارى من المشركين أيضاً؛ لقول النصارى بالأقانيم الثلاثة، وقد قال الله تعالى: >وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ الله وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ الله< (التوبة: 30)، وقال أيضاً: >اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ< (التوبة: 31)، والإشراك كما يتحقّق بإثبات إله آخر مع الله سبحانه كذلك يتحقق بإثبات إله غيره، فتكون الآية حينئذ دالّة على المطلوب ([35]).
بل قوله تعالى: >وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِر< دالّ على المطلوب أيضاً؛ فإنّ العِصَم جمع عصمة، وهي ما يُعتصَم به من عقد أو ملك؛ لأنّ المرأة بالنكاح تُعصَم من غير زوجها، والكوافر جمع كافرة؛ فالمراد نهي المؤمنين عن المقام على نكاح الكافرات لانقطاع العصمة بين الطرفين بالإسلام، وقد روي <إنّها لمّا نزلت أطلق المسلمون نساءهم اللاتي لم يهاجرن حتى تزوج بهنّ الكفار>. وفي مرسل عليّ بن إبراهيم عن أبي جعفر % في تفسيرها: <من كانت عنده امرأة كافرة على غير ملّة الإسلام ـ وهو على ملّة الإسلام ـ فليعرض عليها الإسلام، فإن قبلت فهي امرأته وإلاّ فهي بريئة منه؛ نهى الله أن يُمسك بعصمهم>. ومتى ثبت انقطاع العصمة الثابتة بالنكاح السابق لزم منه عدم تأثير النكاح اللاحق بل لعلّه أولى. بل يمكن إرادة الأعمّ من السابق واللاحق من الإمساك المنهيّ عنه فيها؛ فإنّ الاستدامة من لوازم التحصيل عادة والمنع من اللازم يقتضي المنع من الملزوم، وعلى كلّ حال فلا ريب في دلالتها على ذلك من غير اختصاص بالمشركات وإن نزلت فيهنّ على ما قيل؛ لأنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب([36]).
هذا إلى جانب قوله تعالى: >وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً< مع >لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ<؛ فمن المعلوم أنّ المودّة الممدوحة في الآية الأولى لا تجتمع مع المودّة المنهيّ عنها في الآية الثانية؛ فكأنّ النكاح في مثل هذا يصبح مقدّمةً للحرام. بل إنّ قوله تعالى: >لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ< يبدو منه نفي التساوي في سائر الأحكام التي من جملتها المناكحة([37]).
ولا ينبغي للمعارض أن يستدلّ بآية المائدة، أعني قوله تعالى: >الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ـ إلى قوله ـ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ< (المائدة: 5)؛ لأنها منسوخة بآية البقرة أو آية الممتحنة. كما روي في الأحاديث، منها صحيح زرارة عن أبي جعفر % قال: سألته عن قول الله سبحانه: >وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ< فقال: هذه منسوخة بقوله: >وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ<([38]). وموثق ابن الجهم قال: قال لي أبو الحسن الرضا %: <يا أبا محمد! ما تقول في رجل تزوّج نصرانيّة على مسلمة؟ قلت: جعلت فداك، وما قولي بين يديك؟! قال: لتقولنّ فإنّ ذلك يُعلم به قولي؛ قلت: لا يجوز تزويج النصرانيّة على مسلمة ولا غير مسلمة، قال: ولم؟! قلت: لقول الله عزّ وجلّ: >وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ<؛ قال: فما تقول في هذه الآية: >وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ<؟ قلت: فقوله: >وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ< نسخت هذه الآية؛ فتبسّم وسكت>([39]) وهو التقرير.
ب ـ وأمّا دليل السنّة، فيستدلّ منها بما روي عن أهل البيت ( في منع نكاح الكتابيّة؛ كخبر زرارة عن أبي جعفر % قال: <لا ينبغي نكاح أهل الكتاب، قلت: وأين تحريمه؟ قال: قوله: >وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِر<>. وصحيح ابن سنان عن أبي عبدالله % قال: وما أحبّ للرجل المسلم أن يتزوّج اليهوديّة ولا النصرانيّة مخافة أن يتهوّد ولده أو يتنصّر>، وخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر % قال: <سألته عن نصارى العرب أتؤكل ذبائحهم؟ فقال: كان عليّ % ينهى عن ذبائحهم وعن صيدهم وعن مناكحتهم>، وخبر أبي بصير، قال: <سألت أبا عبدالله % عن تزويج اليهودّية والنصرانية؟ قال: لا>([40])، إضافةً إلى ما تقدّم من أخبار النسخ.
ج ـ وأمّا دليل الإجماع، فقد ادّعاه المرتضى قائلاً: <وممّا انفردت به الإماميّة حظر نكاح الكتابيّة، وباقي الفقهاء يجيزون ذلك، دليلنا بعد الإجماع المتقدم..>([41]). والظاهر أنّه منفرد بهذه الدّعوى.
د ـ وأمّا أصالة الاحتياط والمنع، فلا يخفى أنّه إذا تعارض الدليلان على جواز نكاحٍ أو عدمه، فالأصل هو العدم؛ لموافقة الاحتياط الشرعي؛ ولعلّ المحقق الخوئي أشار إلى هذا حيث قال: <الاحتياط لا ينبغي تركه>([42])، وكذلك المحقق الإصفهاني ([43]). وهذا الأصل قويّ جداً؛ فللمانعين عن هذا الزواج أن يقولوا: إنّا لا نحتاج إلى أيّ دليل للمنع؛ لأنّه هو الأصل والخروج عنه يحتاج إلى الدليل؛ فإذا وجدنا أدلّة القائلين بالتفصيل والجواز غير كافية للخروج نتمسّك بالأصل؛ ونقول بالمنع مطلقاً.
وقفات نقدية مع مستندات نظرية الحظر المطلق لزواج مختلفي الدِّين
أ ـ وقفة مع دليل الكتاب: إذا ألقينا نظرةً على استدلالاتهم هنا نراها تحمل مغالطات عديدة لفظيّة وغيرها؛ لذا لابدّ من ترتيبها في صورة قياس منطقي؛ كي يظهر ما فيها من خلل:
1 ـ أمّا استدلالهم بآية البقرة، فيحمل قياساً منطقيّاً من الشكل الأول، صورته: اليهوديات والنصرانيات مشركات + وكلّ مشركات نكاحهنّ حرام = نكاح اليهوديات والنصرانيات حرام. أما المقدّمة الأولى؛ فلقوله تعالى: >وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ الله وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ الله ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ الله أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ< (التوبة: 30)، وأمّا المقدّمة الثانية؛ فلقوله تعالى: >وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ< (البقرة: 220)، والجمع المعرّف بلام الجنس (المشركات) يفيد العموم([44]).
لكنّ هذا القياس لا يخلو من مغالطة لفظيّة؛ وذلك أنّ العنصر الأوسط ـ وهو المشركات ـ لم يتكرّر بعينه في المقدّمتين؛ لأنّ الشرك مفهومٌ مشكّك ومشترك لفظي. و <في القرآن غير ظاهر الإطلاق على أهل الكتاب بل إنّما أطلق فيما يعلم مصداقه على غيرهم من الكفار>([45])، كقوله تعالى: >لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ< (البيّنة: 1)، وقوله تعالى ـ وهو أظهر دلالةً ـ: >إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ< (الحج: 17)، فالله تعالى ميّز كلّ فرقة بـ <الذين> وصرّح بوقوع الفصل الدالّ على مغايرتهم يوم القيامة. بل و <ظاهر العطف يقتضي مغايرةً بين المعطوف والمعطوف عليه>([46]). وعليه فظاهر: >وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ< قصرٌ للتحريم على المشركات من الوثنيّات دون أهل الكتاب([47]).
وأمّا الاستدلال بـ >أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ< على أساس أنّها سبب للمنع، فمردود بإمكان أن يكون المراد منها حدّاً معيّناً من الدّعوة أو نوعاً خاصّاً منها كالدّعوة إلى الكفر بالله واليوم الآخر مثلاً ممّا لا يصدر عن أهل الكتاب قطعاً لإيمانهم بالله واليوم الآخر.
2 ـ أمّا استدلالهم بآية الممتحنة، فيحمل قياساً منطقيّاً من الشكل الأول؛ صورته: النكاح تمسّكٌ بعصمة ـ وكلّ تمسّك بكلّ واحدة من عصم الكوافر حرام ـ نكاح الكوافر حرام؛ أمّا المقدّمة الأولى فواضحة؛ إذ بين الزوجين عصمة، وأمّا الثانية؛ فلقوله تعالى: >وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِر< والجمع المضاف (عصم الكوافر) يفيد العموم([48]).
لكنّ يناقش هذا الكلام <بأنّ المراد بالكوافر هنا عبدة الأوثان ممّن لا يجوز ابتداءً نكاحهنّ، فهي خاصّة بالكوافر من غير أهل الكتاب>([49]) يضاف إليه ما نصّ عليه المفسّرون من أنّ ظاهر الآية أنّ من آمن من الرّجال وتحته زوجة كافرة يحرم عليه الإمساك بعصمتها، أي إبقائها على الزوجية السّابقة إلاّ أن تؤمن فتمسك بعصمتها فلا دلالة لها على النكاح الابتدائيّ للكتابيّة([50]). وفي كتاب مسالك الأفهام للشهيد الثاني: <إنّ الآية ليست صريحة في إرادة النكاح ولا فيما هو أعمّ منه>([51]).
3 ـ وأمّا استدلالهم بآية المودّة فيحمل قياساً منطقيّاً، صورته: إنّ النكاح مستلزم للمودّة؛ لقوله تعالى: >وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً<. وكلّ مودّة لكل كافر حرام؛ لقوله تعالى: >لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ<([52]).
لكنّ المقدّمة الأولى هنا فيها مغالطة؛ لأن المودّة ليست مستبطنة في النكاح نفسه الذي هو عقد أو أثر لعقد؛ فلا ملازمة بين المودّة وأصل النكاح. كما يمكن ـ وما أكثر ذلك ـ أن يكون الزوجان لا مودّة بينهما في حياتهما المشتركة ولا تنتفي الزوجيّة بانتفاء المودّة كما هو واضح. بل ويمكن أن يكون النكاح لغاية غير المودّة والمحبّة، كما نشاهد اليوم فريقاً من الشبّان يتزوّجون هوايةً للمال والجمال؛ وعليه فالآية <محمولة على الغالب لتحقق النشوز والشقاق المنافيين للمودّة قطعاً>([53]).
كما أنّ المودّة المنهيّ عنها هي المودّة من حيث هي المحادّة ظاهراً. ومن الواضح أنّها لا تجتمع من هذه الحيثيّة مع الإيمان بالله واليوم الآخر، فلذا >لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ< كذلك. وأمّا من سائر الحيثيات فلا تتعرّض إليها الآية فيما يبدو. بل عسى أن تدلّ آيات كثيرة على جواز المودّة والمحبّة من حيث الإنسانيّة مثلاً أو الوالديّة والولدية أو حيثيات أخرى غير الكفر والعقائد الباطلة، كقوله تعالى: >عَسَى الله أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَالله قَدِيرٌ ـ إلى قوله ـ: لا يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ< (الممتحنة: 7 ـ 8)، إن كان البرّ دالاً على المودّة بدلالة التزامية. وقوله تعالى في سياق مدح المسلمين وذمّ أهل الكتاب: >هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ< (آل عمران: 119)؛ فتعقيب الوصف بقوله تعالى: >وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ< يقتضي كونه علّة للمحبّة الممدوحة ظاهراً. وقوله تعالى في إحسان الوالدين مطلقاً من دون تقييده بالإسلام: >وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ< (الإسراء: 24)، وصريح قوله: >وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً< (لقمان: 15).
هذا كلّه ممّا يدلّ على جواز المودّة والمحبّة لغير المسلمين لا من حيث عقائدهم الباطلة؛ مضافاً إلى أن من حادّ الله ورسوله في الآية يحتمل أن يكون أخصّ مطلقاً من الكافر، بمعنى أنّه مَن جحد من الكفار ظاهراً دون من كان جاهلاً أو غافلاً من عامّتهم، كما عليه اليوم أكثر أهل الكتاب.
4 ـ وأمّا استدلالهم بآية الاستواء فيحمل قياساً منطقيّاً من الشكل الأوّل أيضاً صورته: إنّ أهل الكتاب والمسلمين متغايرون في الشرع؛ لقوله تعالى: >لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ<؛ وكلّ متغايرين في الشرع متغايران في جميع الأحكام، ومن جملة الأحكام المناكحة([54]).
لكنّ مقدّمتي هذا الدليل قائمتان على استقراء ناقص؛ إذ بين المسلم وأهل الكتاب لا يوجد تباين محض، بل هناك قواسم مشتركة من الإيمان بالله واليوم الآخر وقبول الرسالة بشكل عام والالتزام بكثير من المحاسن الأخلاقية. بل روي ما يدلّ على مشابهة المسلمين بأهل الكتاب <حذو القذة بالقذة>([55]).
فما المراد بنفي التساوي في المناكحة؟! فإذا عنى أنّ الزواج بالكتابيّة باطل لعدم وجود تساوي؛ فهذا ما لا نسلّمه، كما أنّ لازمه بطلان نكاح الفاسقة من المسلمات؛
لقوله تعالى: >أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ< (السجدة: 18)، خاصّة وأنّ مفهوم <أصحاب النار> يعمّ أهل الكتاب والفسّاق من المسلمين. بل لو جاز الاستدلال بمثل آية الاستواء لجاز الاستدلال بقوله تعالى: >هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ<(الزمر: 9)، نعم، حكي عن بعضهم أنّ <الجاهل ليس كفواً لعالمة>([56]) لكنّه يختلف بكثير عن القول ببطلان زواجهما.
ب ـ وقفة مع دليل السنّة: أمّا ما استدلوا به من الأحاديث فضعيف لثلاثة أسباب:
1 ـ عدم وجود دلالة على التحريم في مثل خبر زرارة عن أبي جعفر %: <لا ينبغي نكاح أهل الكتاب> حتى لو فهم زرارة منه التحريم؛ حيث قال: <وأين تحريمه>؟ وكذا خبر محمّد بن مسلم حيث يَحتَمل الكراهة، مع أنّه سأل الإمام % عن نصارى العرب لا مطلق النصارى، وهم أهل البادية ممّن لا يلتزم بشريعة النصرانيّة أحياناً ولا يُحسن الذبحَ والصّيدَ والنّظافة عادةً ولا يلتزم بكثير من الآداب الإنسانيّة غالباً ممّا له دخل في المناكحة؛ ويؤيّد هذا الأمر ما روي عن أبي جعفر % أنه قال: <قال أمير المؤمنين %: لا تأكلوا ذبيحة نصارى العرب فإنهم ليسوا أهل الكتاب>([57])، وهو ما يفهم منه الحكومة على أدلّة الجواز والتحريم بإخراج نصارى العرب عن أهل الكتاب؛ فمن المحتمل جداً ـ بل هو الظاهر ـ أن يكون النهي مختصّاً بتلك الجماعة المسؤول عنها. وهذا هو الحال في خبر أبي بصير، بل إنّه يتضمّن دعوى نسخ آية المائدة؛ وهي دعوى غير صحيحة يقيناً، كما سيأتي.
وبعض الروايات ظاهر في الكراهة؛ كصحيح ابن سنان عن أبي عبدالله %: <وما أحبّ للرجل المسلم أن يتزوج اليهوديّة ولا النصرانيّة مخافة أن يتهوّد ولده أو يتنصّر>. بل نحن نرى في تتمّة خبر ابن سنان قال: <سأله أبي ـ وأنا أسمع ـ عن نكاح اليهودية والنصرانيّة، فقال: نكاحهما أحبّ إليّ من نكاح الناصبيّة، ولا أحبّ للرّجل المسلم..>؛ وهذا معناه دلالة الخبر على الجواز؛ والعجب من حذف مطلع الرواية، ثمّ الاستناد إلى القسم الأخير منها!
2 ـ معارضة هذه الروايات لنصّ القرآن الحاكم بحليّة نكاح أهل الكتاب صريحاً بلفظ التحليل؛ ممّا يسقط حجيّتها بعد هذا التعارض الواضح؛ لأنّ النسبة بينهما هي التباين لا العموم والخصوص.
3 ـ معارضة هذه الأحاديث للروايات الدالّة على الترخيص في الزواج منهنّ، وسوف تعرف أنّها مستفيضة أو متواترة دالّة منطوقاً ومفهوماً([58]).
ج ـ وقفة مع دليل الإجماع: إنّ دعوى الإجماع هنا غريبة جداً؛ لأنّ نظرية المنع المطلق لم يسبقها إجماع ولم يلحقها، بل <المتبيّن خلافه خصوصاً في المتعة وملك اليمين>([59])؛ فلعلّ المرتضى المدّعي للإجماع هنا لم يبلغه خلاف ابن أبي عقيل وغيره من المتقدّمين، أو قصد من الإجماع غيرَ المصطلح.
د ـ وقفة مع قاعدة الاحتياط: إنّ قاعدة الاحتياط هنا ملغيّة بقوله تعالى: >وأحِلّ لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ< (النساء: 42)، حيث جاء هذا المقطع بعد إحصاء المحرّمات من النساء؛ فتمثل هذه الآية مبدأ وقانوناً سارياً في سائر أصناف النساء، ومنهنّ الكتابيات، إلاّ أن يقال: إنّ الآية ليست في مقام الإحصاء حيث لم تذكر المشركات المحرّم نكاحهنّ إجماعاً. وحتى لو سلّمنا بهذا الإشكال لا محلّ لقاعدة المنع مع وجود الأدلة على الخلاف وكذلك أصالة الاحتياط. وسيأتي.
2 ـ أدلّة نظرية التفصيل بين زواجي المتعة والدائم
استدلّ أنصار نظرية التفصيل هنا بدليلين اثنين: الكتاب والسنّة، إلى جانب الشهرة.
أ ـ أمّا دليل الكتاب: فهو قوله تعالى: >الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي
أَخْدَانٍ< (المائدة: 5).
ولا نقاش في دلالة هذه الآية على جواز زواج الكتابيّات؛ وفرضية نسخها بآيتي البقرة والممتحنة ـ مع تأخّرها نزولاً ـ ممّا يدفعه العقل؛ لاستحالة نسخ السابق اللاحقَّ؛ لذا يجوز نكاحهنّ؛ إلا أنّ باقي الآية ـ أعني قوله تعالى: >إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ< ـ دالّ على نوع خاصّ من النكاح، وهو المتعة لا الدائم؛ على أساس أنّ <الأجر> في القرآن إنّما يطلق على عوض يصالح عليه في الزواج المؤقّت، على خلاف الدائم <فإنّ عوضه يسمّى بالمَهر والصّداق ونحوهما>([60]). ويشهد على ذلك قوله تعالى: >فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً< (النساء: 24)، قال ابن عباس والسّدي: هو المتعة إلى أجل مسمّى وهو مذهبنا؛ لأنّ لفظ الاستمتاع إذا أطلق لا يستفاد منه في الشرع إلا العقد المؤجّل ولو كان المراد به عقد النكاح الدائم لوجب لها جميع المهر بنفس العقد؛ لأنّه قال: >فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ< يعني مهورهنّ عند أكثر المفسّرين، وذلك غير واجب بلا خلاف، وإنّما يجب الأجر بكماله في عقد المتعة([61])، ويؤكّد ذلك أيضاً ما روي عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر % عن المتعة فقال: <نزلت في القرآن: >فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً<>، وقراءة ابن عباس..([62]). وأمّا قوله تعالى: >وَلاَ تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ< فهي غير منسوخة بهذه الآية؛ لأنّ ما يباح في هذه الآية هو النكاح المؤقت فقط، والمنهيّ عنه في آية البقرة هو النكاح الدائم؛ وبهذا يرتفع التعارض بين الآيتين، وكذلك في آية الممتحنة، أعني قوله تعالى: >وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِر<.
ب ـ وأمّا دليل السنّة: فهو يتكوّن عبر جمع فئتين من الرّوايات: التي تمنع نكاح الكتابيّة مطلقاً، كما مضت في أدلة المانعين، والتي تجيز الزواج منها متعةً؛ مثل خبر التفليسيّ عن الرّضا %: <يتمتّع الرجل من اليهوديّة والنصرانيّة؟ قال: يتمتّع من الحرّة المؤمنة وهي أعظم حرمة منها>([63])، وخبر زرارة: <سمعته % يقول: لا بأس أن يتزوج اليهوديّة والنصرانيّة متعةً وعنده امرأة>، وموثق الأشعري: <سألته % عن الرجل يتمتّع من اليهوديّة والنصرانيّة فقال: لا أرى بذلك بأساً>، ومرسل ابن فضّال عن أبي عبدالله %: <لا بأس أن يتمتّع الرجل باليهوديّة والنصرانيّة وعنده حرّة>([64]). ومقتضى الجمع بين هذه الأخبار حمل المنع على الزواج الدائم وحمل الجواز على المتعة. وإن شئت قلت: إنّ المنع المطلق ثابت بإطلاق أخباره إلاّ ما خرج من تحته بالروايات المقيّدة، وهو المتعة، فيبقى الدّائم تحت إطلاق المنع.
ج ـ وأمّا دليل الشهرة: فليس خافياً أنّ فقهاء الشيعة منذ القديم قالوا بهذا التفصيل بين المتعة والدائم، حيث أجازوا الأوّل ومنعوا الثاني، وهذه هي الشهرة العملية المطابقة للرواية المرجّحة عند التعارض، قال في المبسوط: <قد أجاز أصحابنا كلّهم التمتّع بالكتابيّة>([65]).
مناقشة لأدلّة نظرية التفصيل بين الدائم والمؤقّت
أ ـ أمّا دليل الكتاب: فاعتمادهم فيه على كلمة الأجور في قوله تعالى: >إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ< (المائدة: 5)، حيث فهموا من الأجور عوض المتعة، وهذا واضح الضعف؛ <لأنّ الأجر يطلق على مطلق المهر>([66])، كما في آية أخرى: >فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ< (النساء: 25)، أي <مهورهنّ> بلا خلاف؛ كما أنّ الآية قد اشتملت على المحصنات من المؤمنات والمحصنات من أهل الكتاب، والمراد أجور الجميع؛ ولا شك في عدم اختصاص الجواز في المؤمنات بالتمتّع واحتمال اختصاص القيد بالكتابيّات يدفعه ظهور الآية في خلافه([67]).
وأمّا قوله تعالى: >فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً< (النساء: 24)، فليس بشاهد على ذلك؛ لأنّ مراده ـ أعني المتعة ـ إنّما يفهم من قرينة أخرى تكون في الآية أحياناً كلفظ <الاستمتاع>، أو من الأحاديث.
ب ـ وأمّا دليل السنّة: فالجمع الذي مارسوه بين الروايات مخالف للقاعدة؛ لأنّ أخبار المنع المطلق تعارض أخبار الجواز المطلق ـ كما سيأتي في أدلّة المجوّزين ـ والجمع ينبغي أن يكون بينهما على القاعدة؛ ثمّ تقييد مطلق المنع قبل خلاصه عن معارضة مطلق الجواز ـ مع أنّه غير ثابت الحجيّة لأجل المعارضة ـ خطأ واضح. ولا يخفى أنّ الأخبار الدالة على جواز المتعة لا تدلّ ـ بأيّ نحو من أنحاء الدلالة ـ على عدم جواز الدائم، ولا ملازمة بينهما كما هو واضح؛ بل ربّما تكون الملازمة بين جواز المتعة وجواز الدائم، وسيأتي الكلام عنها، إن شاء الله.
ج ـ وأمّا دليل الشهرة: فالحق ـ خلافاً لما قاله الشيخ محمد رضا المظفر([68]) ـ أنّه لا مبرّر لاتّباع المشهور المتبيّن خلافه من الأدلة، والشهرة على قسمين: الشهرة الروائيّة والشهرة الفتوائيّة. والحجّة أولها لإيجادها الظنّ بصدور الحديث، أمّا الثانية فقد أجمع الفقهاء على أنّها ليست بحجّة ولا يستدلّ بها على شيء خصوصاً إذا كانت في المتأخّرين، والذي يبدو أنّ شهرة القول بالتفصيل شهرةٌ فتوائيّة لا روائية، بل يمكن أن يقال: إنّ الشهرة الروائيّة هي شهرة القول بالجواز المطلق وله شواهد كثيرة، كالروايات الواردة في ميراث الزوجة الكتابيّة وحقوقها ممّا هو متفرّع على جواز نكاحها الدائم، إضافةً إلى ما تقدّم من إجماع الصحابة والتابعين وعدم ثبوت الخلاف في صدر الإسلام.
3ـ أدلّة نظرية الترخيص المطلق في الزواج من الكتابيّات
استدلّ المرحوم محمد جواد مغنية للجواز بأدلّة ثلاثة: عمومات التجويز، الكتاب، والسنّة.
أ ـ عمومات التجويز: وهي الأدلة الدالة على إباحة الزواج بوجه عامّ، خرج منه زواج المسلم بالمشركة والمسلمة بالمشرك والكتابي، وبقي ما عدا ذلك مشمولاً للعمومات والإطلاقات.
ب ـ نصوص القرآن: وهي قوله تعالى: >الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ< (المائدة: 5)، فإنّ هذه الآية ظاهرة في حلّ أهل الكتاب دواماً ومتعةً وملك يمين. أمّا قوله سبحانه: >وَلاَ تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ< (البقرة: 221)، فهو خاصّ بالمشركات وهنّ غير الكتابيّات. وأمّا آية >وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِر< (الممتحنة: 10)، فليست صريحةً في الزواج؛ لأنّ الإمساك بالعصم كما يُكنى به عن الزواج يُكنّى به عن غيره أيضاً.
ج ـ نصوص السنّة: وهي الروايات الكثيرة عن أهل البيت (، وهي الأساس هنا في الموضوع، وقد ذكرها صاحب الوسائل والجواهر ووصفها هذا بالمستفيضة، أي بلغت حدّاً من الكثرة يقرب من التواتر؛ منها أنّ رجلاً سأل الإمام الصّادق % عن رجل مؤمن يتزوّج اليهوديّة والنصرانيّة فقال الإمام: <إذا أصاب المسلمة فماذا يصنع باليهوديّة والنصرانيّة؟ قال السائل: يكون له فيها الهوى؛ فقال الإمام: إن فعل فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، واعلم أنّ له في دينه غضاضة>، فلم يمنع الإمام السائل من الزواج بالكتابيّة بل أذن له بذلك حيث قال: <إن فعل فليمنعها من شرب الخمر> هذا من حيث الدّلالة. أمّا من حيث السند فقال صاحب المسالك: <إن هذه الرواية أوضح ما في الباب سنداً؛ لأنّ طريقها صحيح، وفيها إشارة إلى كراهيّة التزويج المذكور فيمكن حمل النهي الوارد عنه على الكراهة جمعاً بين الروايات ـ ثم قال: ـ وقد انتهى الفقهاء في الخلاف والأدلّة إلى ما لا طائل تحته>([69]).
أدلة الترخيص المطلق، تطوير ومنافحة
الإنصاف أن النظرية الثالثة ـ مع كون المشهور خلافها ـ من أوضح النظريات الفقهية، وقد عرفت ما يُستدلّ به عليها،لكنّ المفترض لفت النظر إلى بعض الأمور:
أولاً: إنّ عمومات التجويز ليست دليلاً مستقلاً هنا، بل هي من نوع الأصول، بمعنى أنه لمّا لم يُحرز الخروج عن ذلك بأدلّة المانعين والمفصّلين يبقى في مكانه شاملاً للكتابيّات. والظاهر أنّ مرادهم من عمومات تجويز النكاح قوله تعالى: >وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ< (النور: 32)، لكنّه ليس بعام؛ لأنّ قوله: <منكم> يخصّص العامّ، يعني: منكم أنتم المسلمين؛ فلعلّ مرادهم قوله تعالى بعد ذكر المحرّمات: >وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ< (النساء: 24)، لكنّه ليس من عمومات التجويز، بل هو ممّا خرج عن عمومات التحريم؛ لأنّ الأصل في الفروج هو التحريم كما هو ظاهر الآية. نعم، قوله تعالى: >فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ< (النساء: 3) عامّ؛ لكنه ـ فيما يبدو ـ ليس في مقام بيان من يجوز نكاحها من النساء بل يكون في مقام التحديد العددي للزواج، فلا يبقى للعامّ ظهور.
هذا حول عمومات الكتاب، أمّا عمومات السنّة، فالمهم منها بصدد بيان شرعيّة أصل النكاح واستحبابه في الجملة؛ لذا لزم البحث عن أدلّة أخرى لموضوعنا هنا.
ثانياً: إنّ قوله تعالى: >أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ… وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ< (المائدة: 5)، نصّ دالّ هنا، وما قالوا فيه لا يخلو من تكلّف، حيث ناقشوا من جهتين:
الأولى: دعوى النسخ، بافتراض أنّ هذه الآية منسوخة بآية البقرة: >وَلاَ تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ< وآية الممتحنة: >وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ<، واستشهدوا على ذلك بما رواه زرارة عن أبي جعفر % قال: <هذه ـ الآية ـ منسوخة بقوله: >وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ<>([70]) وما قاله ابن الجهم بحضور الرضا % من أنّ هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: >وَلاَ تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ< فتبسّم الإمام تجاهه وسكت([71]).
لكنّ هذا الكلام غير معقول؛ <لأنّ سورة البقرة أوّل سورة نزلت بالمدينة بعد الهجرة، وسورة الممتحنة نزلت بالمدينة قبل فتح مكّة وسورة المائدة آخر سورة نزلت على رسول الله 2 ناسخةً غير منسوخة، ولا معنى لنسخ السابق اللاحق>([72])، بل هو ملحق بالمُحال، إضافةً إلى ما روي عن رسول الله 2 أنّه قال: <إنّ سورة المائدة آخر القرآن نزولاً فأحلّوا حلالها وحرّموا حرامَها>([73]). بل يدلّ على انتفاء النسخ في خصوص هذه الآية ـ بل هي ناسخة لما ادّعوا نسخها به ـ : ما رواه السيّد في المحكيّ من رسالة المحكم والمتشابه نقلاً عن تفسير النعمانيّ بإسناده عن عليّ % قال: <وأمّا الآيات التي نصفها منسوخ ونصفها متروك بحاله لم ينسخ وما جاء من الرخصة في العزيمة، فقوله تعالى: >وَلاَ تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ< إلى آخرها، وذلك أنّ المسلمين كانوا ينكحون في أهل الكتاب من اليهود والنصارى وينكحونهم حتّى نزلت هذه الآية نهياً أن ينكح المسلم في المشرك أو ينكحونه، ثمّ قال الله تعالى في سورة المائدة ما نسخ هذه الآية فقال: <والمحصنات..>، فأطلق الله تعالى مناكحتهنّ بعد أن كان نهى وترك قوله: <ولا تنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا> على حاله لم ينسخه>([74]).
وأمّا الروايتان الدّالتان على نسخ آية المائدة فغير مقبولتين بالضرورة، بل إنّ الثانية منهما غير صريحة في الموضوع، ويمكن أن يكون تبسّم الإمام % من باب التعجّب والاستبعاد، وهذا قريب جدّاً.
الثانية: قال بعض المانعين في تأويل الآية: <قد يجوز قبل ورود هذا أن يفرّق الشرع بين المؤمنة التي لم تكن قطّ كافرة وبين من كانت كافرة ثم آمنت، ففي بيان ذلك والجمع بين الأمرين في الإباحة فائدة>([75]). يعني بذلك أنّ <المحصنات من المؤمنات> من لم تكن قطّ كافرة، و <المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم> من كانت كافرةً ثم آمنت! وهذا تكلّف ظاهر وتحكّم.
ثالثاً: هناك نصوص في السنّة مثل صحيح أبي بصير عن أبي جعفر % قال: <سألته عن رجل له امرأة نصرانيّة له أن يتزوّج عليها يهوديّة؟ فقال: إنّ أهل الكتاب مماليك للإمام وذلك موسّع منّا عليكم خاصّة، فلا بأس أن يتزوّج..> ومنها صحيح أبي مريم الأنصاريّ عن أبي جعفر % قال: <سألته عن طعام أهل الكتاب ونكاحهم حلال هو؟ فقال: نعم، قال: كانت تحت طلحة يهودية>، ومنها صحيح محمد بن مسلم عنه % قال: <سألته عن نكاح اليهوديّة والنصرانيّة؟ فقال: لا بأس به، أما علمت أنه كانت تحت طلحة بن عبدالله يهوديّة على عهد رسول الله 2؟>([76]) بل روي في بعض أبواب الإرث ما يستظهر منه أنّ جواز نكاح الكتابيّة مطلقاً كان مفروغاً عنه عند الأئمة ( وعند شيعتهم؛ كصحيح أبي ولاد قال: سمعت أبا عبدالله % يقول: <المسلم يرث امرأته الذميّة وهي لا ترثه>([77]). وصحيح جميل عنه % في الزوج المسلم واليهوديّة والنصرانيّة أنه قال: <لا يتوارثان>([78])، وهذه المجموعة من الأخبار ممّا يرجّح على غيرها قطعاً لموافقتها الكتاب دلالةً، وسندُ غير واحد منها صحيح، ومع التعادل بين المجموعتين ـ أي الجواز والمنع ـ يجمع بينهما بحمل الأولى على الإباحة وحمل الثانية على الكراهة، كما يقال ذلك في أصول الفقه.
ويمكن أن يقال: إنّ مجموعة الجواز من الروايات واردة مورد التقيّة؛ لأنّ القول بالجواز المطلق متّفق عليه بين أهل السنّة، ويقرّب هذا أنّ في عدّة منها ذكر طلحة، ومن المعلوم أنه لا حجّة في فعله إلاّ عندهم. ولكن يردّ هذا الكلام <أنّ جملة من رواة تلك النّصوص ممّن لا يعطون جراب النورة، على أنّ فيها ما ينافي التقيّة كالخبر المشتمل على كونهنّ ملكاً للإمام وغيره. كلّ ذلك مع عدم المعارض الذي يحمل لأجله الخبر على التقيّة المسقطة لحجّيته وعدم الإشعار في شيء منها بذلك كما هو المتعارف في الأخبار الواردة مورد التقيّة. والاستدلال بفعل طلحة باعتبار تقرير النبيّ 2 له، وعليه فلا دلالة فيه على ذلك، كما هو واضح>([79]).
ودعوى أنّ موافقة أهل السنّة كافية لترجيح الطرف الأخر حسب أصول الشيعة مرفوضة؛ لأنّ ترجيح كلّ ما يخالف أهل السنّة مطلقاً ممّا لا أصل له من العقل.
مقولة الترابط بين الزواجين: الدائم والمنقطع في نكاح الكتابية
يمكن أن يقال: إنّ العلّة المنصوصة ـ عند المفصّلين ـ في منع نكاح الكتابيّة دواماً هي مخافة أن تدعوه الكتابيّة إلى النار([80])، وأن يتهوّد ولده أو يتنصّر([81])، ومثل ذلك ممّا تضمّنته الآيات والرّوايات. وهذه العلة موجودة أيضاً في الزواج المنقطع؛ إذ من الجائز شرعاً ـ وعلى مبدأ المفصّلين ـ أن يتزوّج المسلم بالكتابيّة إلى أجل بعيد جدّاً مثل خمسين سنة أو أقصى من ذلك، بحيث تصير المتعة مطابقة في الآثار للدّائم، خصوصاً إذا شرط الولد والميراث ـ ولو من جانب ـ وغيرهما من حقوق الزوجين الدائمين في ضمن العقد؛ وبهذا تُلغى فائدة القول بالتفصيل، وهذا يدلّ على عدم صحّته أيضاً؛ فالصحيح أنّ الشارع إمّا لا يجيز نكاح الكتابيّة مطلقاً أو يجيزه مطلقاً، ولا معنى للتفصيل، وكأنّنا نخرج بقاعدة تقول: كلّ من يصحّ نكاحها متعةً يصحّ نكاحها دواماً.
مسألة التأثير الديني على الأسرة في الزواج من الكتابيات
إنّ الحديث عن تأثير الزوجة الكتابيّة على زوجها بدعوته إلى النار وحملها الأولاد على الضلالة الدينية يجري أيضاً في مجموعة من المسلمات، كما يشهد على ذلك قوله تعالى: >يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ< (التغابن: 14)، إلى جانب الاتجاه العالمي في عصرنا نحو التسامح الدينيّ وحرّية العقيدة، ممّا يوجد عادةً في كثير من أهل الكتاب.
والنتيجة: أنّ النظريّة الثالثة ـ أي جواز نكاح الكتابيّة مطلقاً ـ هي الصحيحة.
حكمة جواز نكاح الكتابيّة
هنا سؤال يجدر الجواب عنه: لماذا يجوز نكاح الكتابيّة مطلقاً مع أنه لا يجوز نكاح المشركة؟ ولماذا لا يجوز تزويج المسلمة بالكتابي؟ ما سبب هذا التفريق بين المسلم والمسلمة؟
لابدّ لفهم الحكمة في ذلك أن ننظر في الحقائق التالية:
1 ـ إنّ للزوج رئاسة الأسرة والقوامة على الزوجة والسلطة الأدبيّة عليها في كلّ شرائع العالم وقوانينه، وله القدرة على التأثير عليها في أفكارها واتجاهاتها أكثر ممّا للمرأة على الرجل في الأعمّ الأغلب النابع من طبيعة المرأة على السواء([82]).
2 ـ إنّ الإسلام يذعن بالديانتين اليهوديّة والنصرانيّة ويعترف بأنهما من عند الله سبحانه وأنّه وقع فيهما تحريف، ويأمر أتباعه المسلمين بأن يقولوا: >آمَنَّا بِالله وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ<(البقرة: 136)، ولذا لا يجوز للمسلم أن يسبّ نبيّاً من الأنبياء ومنهم موسى وعيسى’. بل لو فعل ذلك كان كافراً بحكم الإسلام وخارجاً عن الدين ومهدوراً دمه كما روي عن رسول الله 2 قال: <من سبّ نبيّاً من الأنبياء فاقتلوه>([83])، فيُؤخذ منه ماله ويُفرّق بينه وبين زوجته. وهذا ضمان بيّن أمام زوجته الكتابيّة أن لا يحاول إيذاءها في عقيدتها الدينيّة.
3 ـ وأمّا الديانتان اليهوديّة والنصرانيّة فلا تعترفان بديانة الإسلام ولا تذعنان بأنها من عند الله سبحانه، بل تقولان فيها: إنها مختلقة من عند محمد 2 ولذا لا تمنعان أتباعهما من القول فيها وإظهار التكذيب لها مع الإمكان. فلا يبقى أيّ ضمان لليهوديّ والنصرانيّ ـ بعدما عرفت من قوّة تأثير الزّوج أمام زوجته المسلمة ـ أن يكفّ عن إيذائها وممارسة الضغوط العاطفيّة عليها. وفي هذا تصدّع الأسرة وشقاء الحياة الزوجيّة، مع إمكان التأثير الديني للزّوجة المسلمة خصوصاً إذا كانت ضعيفة في إيمانها.
لهذا بادرت الشريعة إلى سدّ هذه الذريعة؛ فحرّمت زواج المسلمة بغير المسلم ولم تفرّق بين وثنيّ وكتابيّ؛ لأنّ العلّة واحدة فيهما معاً؛ فليس تعصّباً ولا أنانّية ولا استعلاءً على النّاس أن يبيح الإسلام للرّجل المسلم أن يتزوّج المرأة الكتابيّة ولا يبيح للرّجل الكتابيّ أن يتزوّج المرأة المسلمة، بل هو تقدير دقيق لكلّ حالة من الحالتين، ولو أمعن النّظر فيهما ذو رأي غير متعصّب لما خرج إلاّ بهذا الحكم([84]).
والحكمة في حلّ زواج الكتابيّة دون المشركة، أنّ الكتابيّة تتّفق مع المسلم في الإيمان بالله واليوم الآخر وكثير من الفضائل، واختلافهما إنّما هو في رسالة محمّد 2 وما جاء به من كتاب؛ فلهذا الاتفاق حلّ الزواج بها لإمكان العشرة بينهما المحقّقة للأغراض التي شرّع لها الزواج في الجملة([85])، أمّا المشركة فلا تتّفق في شيء من العقائد الرّئيسة مع المسلم؛ فمن البعيد جدّاً أن يجتمع الشرك والتوحيد في بيت واحد! هذا ما لا يكون تماماً كاجتماع الضدّين.
حقوق الزّوجة الكتابيّة
الحديث عن حقوق الزوجة الكتابيّة يكون من ناحيتين:
1 ـ الحقوق المشتركة بين الزوجة الكتابيّة والزوجة المسلمة
قال الشيخ الطوسيّ ): <إنّ لها ـ يعني الزوجة الكتابيّة ـ على زوجها حقاً ولزوجها عليها حقّ؛ تستحقّ عليه المهر والنفقة والسكنى والقَسم وأحكام المولى وتطالب عند انتهاء المدّة بالفئة أو الطلاق كالمسلمة، وأمّا الخدمة فلا يجب عليها لزوجها>([86])، وقال النوويّ: <الكتابيّة كالمسلمة في النفقة والقَسم والطلاق وعامّة أحكام النكاح> ([87]). فكأنّه لا خلاف بين أهل السنّة والشيعة في ثبوت هذه الحقوق للزوجة الكتابيّة، لكنّ الخلاف في الناحية الثانية.
2 ـ الحقوق المتمايزة بين الزوجة الكتابيّة والزوجة المسلمة
أعني ما يختص بالزوجة الكتابيّة دون المسلمة، وهو يحوي جملة نقاط:
1 ـ الزوجة الكتابيّة بين الإجبار على أحكام الإسلام وحريّة الاختيار: هل للزوج المسلم إجبار زوجته الكتابيّة على مراعاة الأحكام الإسلاميّة مثل الحجاب والغسل من الجنابة وغير ذلك ممّا هو في معتقدها غير واجب؟
فيه قولان؛ أحدهما ليس له ذلك والثاني له إجبارها، والأوّل هو ما اختاره الشيخ الطوسي([88]) وهو الصحيح؛ لأصالة البراءة، ولأنّ العمل بالأحكام الإسلاميّة فرع قبول الإسلام. فمتى لم يجز إجبار الزوجة الكتابية على أصل الإسلام كيف يجوز إجبارها على فروعه؟
2 ـ الزوجة الكتابيّة بين المنع عن محظورات الأعمال وحقّ الاختيار والحريّة: هل للزّوج المسلم منع زوجته الكتابية من الأعمال المحظورة التي هي في دينها مباحة كشرب الخمر وأكل لحم الخنزير؟
للفقهاء هنا مبدأ متفق عليه، وهو: كل مانع من الاستمتاع بالزوجة الكتابية عليها إزالته، أمّا ما لا يمنع الاستمتاع بل يمنع كماله فعندهم فيه قولان: أقواهما أنه لا يجب عليها؛ لأنّ الأصل براءة الذمّة، أمّا منعها من شرب المسكر من الخمر فله ذلك قدر ما يسكرها([89]). لا من جهة منع الاستمتاع؛ لأنّ الاستمتاع بها في حالة السكر ممكن. بل لما روي في الصحيح أنّه: <إن فعل فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير>([90]) وهو ظاهر في وجوب منعها مطلقاً، ولعلّ ذلك لتأثير الخمر في الخُلق والخَلق والنسل وغير ذلك ممّا هو مذكور في محلّه.
وأمّا منعها من أكل لحم الخنزير قيل: فيه قولان أقربهما أنّه ليس له ذلك([91])؛ لما يقتضيه أصل الإباحة، نعم يعارضه ظاهر الصحيح المتقدم. وأمّا اللباس فلها لبس ما شاءت إذا كان طاهراً نظيفاً، سواء كان من الديباج أو غيره، فلها لبس الحرير الحلال لهنّ([92]). وقيل: تمنع الكتابية من البيَع والكنائس([93]). فهل مرادهم حرمة خروجها بدون إذن الزوج؟ الظاهر من قولهم حرمة ذلك مطلقاً إلى البيع والكنائس، لكنّه مردود بأنه لا دليل عليه، بل هو من نوع الاستحسانات. نعم، إذا كان المراد وجوب طاعة الزوج في الخروج أو عدمه فهو مصرّح به في الشريعة القرآنية بل والإنجيلية أيضاً حيث جاء: <يا أيتها النساء! أطعن أزواجكنّ كما ينبغي في الله>([94]) وجاء: <وليكن علاقات عفيفات مخدّرات محسنات مطيعات لأزواجهنّ>([95]) ومثل ذلك في التوراة وغيرها من كتبهم؛ فلذا يجب على الكتابيّات طاعة أزواجهنّ المسلمين بحكم شرائعهنّ.
3 ـ قانون الإرث بين الزوج المسلم والزوجة الكتابيّة: وقع خلاف بين الفريقين المسلمين، فقال الجمهور: لا، مطلقاً؛ لقول النبي 2: <لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم>([96]) نعم، روي عن عمر ومعاذ ومعاوية أنهم ورّثوا المسلم من الكافر ولم يورّثوا الكافر من المسلم، وحكي ذلك عن محمد بن الحنفية وعلي بن الحسين وسعيد بن المسيب ومسروق وعبدالله بن معقل والشعبي والنخعي ويحيى بن يعمر وإسحاق، وليس بموثوق عنهم([97])، ولو صحّ عنهم فلم يصحّ الإجماع.
وقالت الإماميّة: المسلم يرث زوجته الكتابية وهي لا ترثه إجماعاً([98])، وفي ذلك روايات عن أهل البيت (؛ منها قول الإمام الصادق %: <المسلم يرث امرأته الذميّة وهي لا ترثه>([99])، وهو نصّ صحيح فلا سبيل إلى تخطّيه.
4 ـ حدّ المسلم إذا قذف زوجته الكتابية: يعدّ الإسلام شرطاً من شروط الإحصان عند جمهور أهل السنّة([100])، وكذلك عند الإماميّة؛ فإذا قدف المسلم زوجته الكتابية فلا حدّ عليه وإنّما يعزّر([101]) وليس الإسلام بشرط عند الظاهرية، ولذا قالوا: يحدّ المسلم حدّ القذف إذا قذف ذميّةً([102]). وعلى رأي سعيد بن المسيّب وابن أبي ليلى، إذا قذف المسلم ذميّةً ولها ولد مسلم فعليه في هذه الحالة حدّ القذف([103])، وهذا لا يخلو من وجه؛ للأصل، ولما روي عن أبي عبدالله % قال: <إذا قذف المسلم مشركةً زوجُها مسلم أو ابنها أو قذف مشركاً وله ولد مسلم، فقال المسلم يطلب الحدّ، جلد القاذف حدّ القذف>، وكذلك ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره: <إن اليهوديّة والنصرانيّة متى كانت تحت المسلم فقذف ابنها يحدّ القاذف؛ لأنّ المسلم قد حصنها>([104]). ولا فرق بين أن يكون القاذف أجنبياً أو الزّوج نفسه؛ لأنّ العلة المنصوصة ـ وهي الإحصان بالمسلم ـ موجودة في الحالتين.
5 ـ حقّ الزوجة الكتابية في القَسَم بين الزوجات: قالوا: للكتابية الحرّة نصف القَسم مثل ما يكون للأمة([105])، وخالف فيه الشهيد الثاني؛ حيث قال: <مساواة الحرّة الكتابيّة للأمة في القسمة لا نصّ عليه ظاهراً، لكنه مشهور بين الأصحاب، وذكر ابن إدريس أنه مرويّ. وربّما استدلّ له باقتضاء الإسلام أن يعلو على غيره ولا يُعلى عليه؛ فلو ساوت المسلمة لزم عدم العلوّ، وفيه نظر؛ لأنّ مثل ذلك لا يقاوم الأدلّة العامة المتناولة لها. وعلو الإسلام يتحقق في غير أداء الحقوق الشرعية؛ فإنّ المسلم والكافر فيه سواء>([106]).
والحقّ ما قاله ابن إدريس؛ فقد روى عبدالرحمن بن أبي عبدالله قال: سألت أبا عبدالله %: هل للرجل أن يتزوّج النصرانيّة على المسلمة والأمة على الحرّة؟ فقال: <لا تزوّج واحدة منهما على المسلمة وتزوّج المسلمة على الأمة والنصرانيّة، وللمسلمة الثلثان وللأمة والنصرانيّة الثلث>([107]). إلا أنّ في الإسناد ضعف بعبد الله بن محمد وهو مجهول الحال فلا يوجد في شأنه جرحٌ ولا تعديل([108]). كما أنّ أبان بن عثمان ـ وهو في طريقه ـ من الناووسية على ما صرّح به الفاضل الكشي([109])؛ فالخبر لا يقيّد الإطلاقات الواردة في الأخبار الصحيحة، مع أنّ القَسم مبنيّ على حاجة جسمية متساوية بين الكتابيّة والمسلمة، والأصل أيضاً عدم التفاوت؛ وعليه فالحقّ ما قاله الشهيد الثاني.
نتائج البحث
1 ـ المشهور بين الإماميّة القول بجواز التمتّع بالكتابيّة وحرمة النكاح الدائم، وهو موقف القانون المدني في إيران، أمّا المتفق عليه بين أهل السنّة فهو جواز الدائم، وهو موقف القانون المدني في سوريا والعراق ومصر ولبنان.
2 ـ القول بحرمة نكاح الكتابيّة مطلقاً ضعيفٌ من حيث الاستدلال بالكتاب والسنّة والإجماع وأصالة المنع والاحتياط.
3 ـ القول بالتفصيل بين المتعة والدائم بتجويز الأوّل ومنع الثاني ـ مع أنه مشهور الإماميّة ـ ضعيفٌ من حيث الاستدلال بالكتاب والسنّة والشهرة الفتوائيّة.
4 ـ الصحيح جواز نكاح الكتابية متعةً ودواماً؛ لصريح الكتاب والنصوص المستفيضة المرجّحة، بعد عدم صحّة القولين الآخَرين.
5 ـ الحكمة من زواج الكتابيّة هو اتفاقها مع المسلم في الإيمان بالله واليوم الآخر وكثير من الفضائل الإنسانيّة ممّا لا يوجد في غير الكتابية من المشركات.
6 ـ الزوجة الكتابية كالزوجة المسلمة في جميع الحقوق غير التوارث، فإنّ الكتابية لا ترث زوجها المسلم. وليس للمسلم إجبار زوجته الكتابية على مراعاة أحكام الإسلام أو منعها من الأعمال المحظورة التي هي في دينها مباحة، إلاّ من الخمر ولحم الخنزير، ويقام الحدّ على المسلم إن قذفها، ولا فرق بين الكتابية والمسلمة في القَسم بين الزوجات، خلافاً للمشهور.
الهوامش
([1]) وهذا بعد إجماعهم على حرمة نكاح المسلمة من غير المسلم. فعسى أن يدلّ عليها قاعدة نفي السبيل مضافاً إلى النصّ والإجماع، راجع: الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلّته: 6651 ـ 6653؛ وكذلك أجمعوا على تحريم من لا تدين بدين سماوي، فانظر: الشلبي: 220.
([2]) المقنعة: 500.
([3]) الناصريات: 117.
([4]) السرائر 2: 542.
([5]) مجمع البيان 2: 144.
([6]) التنقيح الرائع 3: 97.
([7]) وسائل الشيعة: 125.
([8]) المقتصر: 239؛ المهذب البارع 3: 97.
([9]) إيضاح الفوائد 2: 22.
([10]) المرتضى، أحمد 2: 208.
([11]) النهاية: 490؛ والمبسوط 4: 209.
([12]) الكافي في الفقه: 299.
([13]) المهذب 2: 250.
([14]) المراسم العلوية: 150.
([15]) التبصرة: 126؛ وإرشاد الأذهان 2: 22.
([16]) المختصر: 179؛ وشرائع الإسلام 2: 343.
([17]) اللمعة: 166.
([18]) تحرير الوسيلة 2: 285.
([19]) الشلبي: 224.
([20]) المغني 6: 414.
([21]) الانتصار: 117.
([22]) حكي عنه في: التنقيح الرائع 3: 96.
([23]) المقنع: 308.
([24]) مسالك الأفهام 7: 3609.
([25]) مفاتيح الشرائع 2: 277.
([26]) جواهر الكلام 30: 31.
([27]) منهاج الصالحين 2: 277.
([28]) 3: 91.
([29]) كاتوزيان: 126.
([30]) السباعي: 179.
([31]) زيدان: 354.
([32]) الدجويّ 1: 159.
([33]) الخطيب: 41 و 42.
([34]) مغنية، الزواج: 33.
([35]) النجفيّ، جواهر الكلام 30: 28.
([36]) المصدر نفسه: 29.
([37]) المرتضى، الانتصار: 117.
([38]) الكليني، الكافي 5: 360.
([39]) الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة 14: 410.
([40]) راجع للإطلاع على الأخبار: الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 14: 410؛ والنوري، مستدرك الوسائل 14: 433.
([41]) الانتصار: 117.
([42]) منهاج الصالحين 2: 277.
([43]) 3: 191.
([44]) المقداد، التنقيح الرائع 3: 9.
([45]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 2: 203.
([46]) تفسير القرطبي 2: 64.
([47]) الطباطبائي، تفسير الميزان 2: 203.
([48]) المقداد، التنقيح الرائع 3: 98.
([49]) تفسير القرطبي 18: 59.
([50]) تفسير الميزان 2: 204.
([51]) الشهيد الثاني، مسالك الأفهام 7: 360.
([52]) المقداد، التنقيح الرائع 3: 98.
([53]) النجفي، جواهر الكلام 30: 41.
([54]) المرتضى، الانتصار: 117.
([55]) أي طابق النعل بالنعل، وهو في الطبراني، المعجم الكبير 10: 39 عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله 2:>أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل، لتركبنّ طريقتهم حذو القذة بالقذة، حتى لا يكون فيهم شيء إلاّ كان فيكم مثله..<.
([56]) النّووي، المجموع 7: 83.
([57]) الطوسي، تهذيب الأحكام: 2259.
([58]) النجفي، جواهر الكلام 30: 35.
([59]) المصدر نفسه: 42.
([60]) المصدر نفسه: 39.
([61]) الطوسي، التبيان 3: 165، 166.
([62]) الحر العاملي، وسائل الشيعة 14: 436، 438.
([63]) ابن بابويه، من لا يحضره الفقيه 3: 430.
([64]) وسائل الشيعة 14: 415.
([65]) الطوسي، المبسوط في فقه الإمامية 4: 210.
([66]) الفيض الكاشاني، مفاتيح الشرائع 2: 249.
([67]) النجفي، جواهر الكلام 30: 39.
([68]) أصول الفقه 2: 186.
([69]) مغنية، فقه الإمام جعفر الصادق 5: 209 ـ 221.
([70]) الكليني، الكافي 5: 360.
([71]) الحر العاملي، وسائل الشيعة 14: 410.
([72]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 2: 204.
([73]) السيوطي، الدر المنثور 2: 252.
([74]) النجفي، جواهر الكلام 30: 33.
([75]) المرتضى، الانتصار: 117.
([76]) الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 14: 417، 420.
([77]) ابن بابويه، من لا يحضره الفقيه 4: 336.
([78]) الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 17: 378.
([79]) النجفي، جواهر الكلام 30: 39.
([80]) البقرة: 221.
([81]) الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 14: 410.
([82]) السّباعي: 175.
([83]) المجلسي، بحار الأنوار 79: 221.
([84]) عبدالحميد: 65.
([85]) شلبي: 228.
([86]) المبسوط 4: 210.
([87]) المجموع 7: 136.
([88]) الطوسي، المبسوط 4: 211.
([89]) المصدر نفسه.
([90]) الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 4: 214.
([91]) الطوسي، المبسوط 4: 211.
([92]) المصدر نفسه: 212.
([93]) النووي، المجموع 7: 137.
([94]) رسالة بولس إلى كوليسان 3: 18.
([95]) رسالة بولس إلى تيوطوس 2: 5.
([96]) ابن رشد، بداية المجتهد: 2075.
([97]) ابن قدامة، المغني 6: 203.
([98]) الطوسي، المبسوط 4: 211.
([99]) ابن بابويه، من لا يحضره الفقيه 4: 336.
([100]) ابن رشد، بداية المجتهد: 2251.
([101]) الطوسي، المبسوط 4: 210.
([102]) ابن حزم، المحلّى 14: 126.
([103]) ابن قدامة، المغني 8: 149.
([104]) النّوري، مستدرك الوسائل 18: 101.
([105]) الشهيد الأوّل، اللمعة: 174.
([106]) مسالك الأفهام 8: 323.
([107]) الحر العاملي، وسائل الشيعة 14: 419.
([108]) التفرشي، نقد الرجال 1: 303.
([109]) الأردبيلي، جامع الرواة 1: 12.