د. زهراء مصطفوي(*)
تمهيدٌ
تُعَدّ عصمة الأنبياء، ودائرة شمولها، ومساحتها الموضوعية والزمانية، إحدى أهمّ أبحاث الكلام الإسلامي، حيث كانت منذ القِدَم ـ وبالتزامن مع طرح مسائل من قبيل: الكفر والإيمان، والجَبْر والاختيار، والأبحاث المرتبطة بذات وصفات وأسماء الباري تعالى، ونظائر ذلك ـ منعكسةً ومتداولة في أقوال وآراء علماء الإسلام، وكان لها مكانةٌ خاصّة بين تلك الأبحاث والمسائل.
وإن اختلاف الآراء حول مسألة العصمة ـ خلافاً لمسائل أخرى، من قبيل: الجَبْر والاختيار ـ لم تؤدِّ إلى ظهور فرقةٍ خاصّة، تتميَّز من سائر الفرق الأخرى على أساس قولها بعصمة الأنبياء، الأمر الذي يُثبت أن جميع العلماء والمسلمين قاطبةً، من جميع المذاهب والفِرَق والمشارب الفكرية والكلامية، قد أجمعوا على الإيمان والاعتقاد بنوعٍ أو مرتبةٍ من أنواع ومراتب العصمة للأنبياء. وإن الاختلاف الرئيس إنما يعود إلى سعة وضيق دائرة هذه العصمة المُجْمَع عليها.
1ـ آراء المتكلِّمين المسلمين في عصمة الأنبياء
يختلف المتكلِّمون المسلمون فيما بينهم اختلافاً كبيراً حول مسألة عصمة الأنبياء، وأنهم في أيّ مرحلةٍ من حياتهم يكونون معصومين عن ارتكاب أيّ فعلٍ من الأفعال. وقد تجلَّتْ أوسع وأشمل وأعلى مراتب عصمة الأنبياء في آراء المتكلِّمين الإمامية. كما يُنسب القول بعكس ذلك تماماً (بل حتّى القول بجواز كفر الأنبياء) إلى فِرَق من الخوارج. وأما الدرجات والمراتب التي تتوسّط هذين القولين فقد تجلَّتْ في آراء وأقوال الفِرَق الإسلامية الأخرى، أو سائر المتكلِّمين المسلمين، بغضّ النظر عن انتماءاتهم المذهبيّة.
إن هذه المساحة من الاختلاف في الأقوال والآراء قد نشأَتْ بشكلٍ رئيس من التفسير والتأويل السطحيّ لبعض الآيات القرآنية ـ التي يوهم ظاهرها عدم عصمة الأنبياء في بعض المجالات الاعتقاديّة والعمليّة ـ. وإن الاعتماد على بعض الروايات والقصص المشكوك صدورُها عن المعصوم، ويحتمل أن تكون مأخوذةً من الأحاديث الإسرائيليّة، قد عمَّق هذه الاختلافات.
ومن هنا فإن الاستناد المنطقي والمستَدَلّ إلى آيات القرآن الكريم؛ لإثبات عصمة الأنبياء، من شأنه بيان ورفع الكثير من الشبهات الواردة والمشاكل المطروحة. وترجو كاتبة هذه السطور أن تكون قادرةً على الاضطلاع بهذه المهمّة.
ويمكن تبويب وتقسيم الأقوال في بحث العصمة على النحو التالي:
أـ العصمة في تلقّي الوحي وإبلاغه
ذهب بعض المتكلِّمين إلى اعتبار هذه المسألة مُجْمَعاً عليها([1]).
بَيْدَ أن الرجوع إلى المصادر الكلامية يكشف عن وجود اختلافاتٍ حتّى في هذا المورد أيضاً؛ فإن القاضي أبا بكر الباقلاني يجيز الكذب سَهْواً في هذا الشأن([2]).
كما ينسب التفتازاني نظريّة العصمة إلى أكثر المتكلِّمين، الأمر الذي يحكي عن وجود عددٍ من المخالفين([3]).
إن الذين يؤمنون بقصّة الغرانيق المختَلَقة يُنْكِرون القول بعصمة النبيّ الأكرم| في تلقّي وإبلاغ الوَحْي في خصوص سورة السجدة.
فعلى الرغم من وضوح اختلاق هذه القصّة من حيث الإسناد التاريخي([4])، إلاّ أن الكرّامية ـ أتباع محمد بن كرّام السجستاني(255هـ)([5]) ـ، وأبو عليّ الجبّائي([6])، وابن جرير الطبري([7])، يؤمنون بأسطورة الغرانيق.
وقد نسب النحّاس بدَوْره هذا القول إلى قتادة([8]).
كما نسبها ابن كثير والسيوطي إلى «الكثير من المفسِّرين»([9])، وأضاف ابنُ كثيرٍ أن جميع طرق هذا الحديث مرسلةٌ.
وقد ارتضاه الواحدي، ونسبه إلى المفسِّرين([10]).
كما نسب ابن الجوزي([11]) والقرطبي([12]) والثعالبي([13]) هذا القول إلى أصحاب الحديث. بَيْدَ أنهم ضمن اعتبارهم ضعفه برّأوا ساحة المحقِّقين من تصديق هذه الأسطورة.
وقد نسب ابن حزم القول بجواز تعمُّد الكذب في مقام التبليغ إلى عددٍ من الكرّامية([14]). ولكنّنا لم نجِدْ شاهداً على ذلك.
ب ـ العصمة في الاعتقاد الدينيّ
يذهب أكثر المتكلِّمين إلى القول بعصمة الأنبياء من الكفر والشرك والشكّ في العقيدة، بل ادّعى التفتازاني الإجماع على ذلك([15]).
بَيْدَ أن بعض الخوارج ذهب إلى خلاف هذا المدَّعى؛ فقد ذهب بعضهم إلى جواز الكفر على النبيّ قبل الرسالة([16]). وقد نسب العلاّمة الحلّي هذا الرأي إلى الفُضيليّة([17])؛ وهناك من الخوارج مَنْ قال بجواز الكفر على النبيّ حتّى بعد البعثة أيضاً. وقد نُسب هذا القول إلى الفُضيليّة أيضاً([18]). وبطبيعة الحال لم يكن الفُضيليّة سوى شرذمةٍ قليلة من الخوارج، وقلَّما يُؤْتَى على ذكرهم في المصادر الكلاميّة([19]). وفي المقابل هناك مَنْ نسب هذا القول إلى الأزارقة، وهم من الفِرَق الكبيرة في الخوارج([20]).
ولكنْ يبدو أن نسبة هذا الاعتقاد (جواز كفر النبيّ) إلى الخوارج لم تستند إلى تصريحٍ صادر من الخوارج أنفسهم، وإنما هي حصيلة استنباط واستنتاج الآخرين من مقارنة آرائهم. وبعبارةٍ أخرى: حيث إن الخوارج يعتبرون مرتكب الكبيرة كافراً فقد استنتج البعض أن الخوارج؛ حيث يجيزون صدور الكبيرة عن النبيّ، فإن هذا سوف يُلزمهم بالقول بجواز كفر النبيّ. ويبدو لكاتبة هذه السطور أن استنباط مثل هذا اللازم بحقّ الخوارج ونسبته إليهم غيرُ صحيحٍ.
كما كان ابن فورك من جملة الذين نسبوا إليهم القول بجواز كفر الأنبياء قبل البعثة([21]). وأما ابن حزم([22]) فلم ينسبوا إليه سوى القول بجواز صدور الصغيرة.
وقد نسب ذلك ابن أبي الحديد المعتزلي([23])، والعلاّمة الحلّي([24])، والمقداد السيوري([25]) إلى بعض الحَشْوية. ونسبه الطبري([26]) إلى السُدي، كما نسبه ابن أبي الحديد المعتزلي كذلك إلى الضحّاك (من المفسِّرين) وبُرغوث (من متكلِّمي النجّارية)؛ إذ كان النبيّ ـ طبقاً لاستنباطاتهم من آيات القرآن الكريم ـ قبل الإسلام كافراً.
وقد نسب بعضهم إلى الشيعة القول بجواز أن يظهر الأنبياء الكفر عند الاضطرار والتقيّة([27]). وهذه النسبة لا تصحّ أيضاً؛ لقيامها على الملازمة. فقد وقف هؤلاء على رأي الشيعة في جواز التقيّة في إظهار الكفر، واستنتجوا منها أن الأنبياء يمكنهم التقيّة في هذه النظرية؛ في حين أن الشيعة لا يجيزون التقيّة في ما يستوجب البِدْعة في الدين أو إضلال الناس وما إلى ذلك، حتّى لعلماء الدين، ناهيك عن الأنبياء([28]).
ونُقل عن الغزالي جواز أن يختار الله كافراً للنبوّة، وتأييده بالمعجزات([29]). كما نُقل عن أبي جعفر السمناني ـ وهو من المقرَّبين من أبي بكر الباقلاني ـ قوله جواز الكفر على الأنبياء([30]).
هذا، وقد نسب المظفَّر ـ وهو من علماء الشيعة الإمامية ـ القول بجواز كفر الأنبياء قبل البعثة إلى جميع أهل السنّة؛ وذلك لما رُوي عنهم من أن رسول الله قال ما معناه: لو كان الله متّخذاً نبيّاً غيري لكان ذلك النبيّ هو عمر بن الخطّاب([31]). ومن الواضح أن عمر عاش رَدْحاً من عمره كافراً قبل الإسلام([32]). وهذه النسبة ـ مثل سائر النِّسَب الأخرى ـ لا اعتبار لها؛ وذلك أوّلاً: لضعف هذه الرواية في مصادر أهل السنّة؛ وثانياً: إن المصادر الكلامية لأهل السنّة تَعُدُّ فضائل أبي بكر أكثر من فضائل عمر بن الخطّاب.
ج ـ العصمة في الأعمال الدينيّة
إن البحث الأهمّ في مسألة عصمة الأنبياء، والذي وقع مورداً للاختلاف الشديد بين الفِرَق الإسلامية، هو بحث عصمة الأنبياء في التكاليف الدينية. وبسبب كثرة الآراء في هذا الشأن سوف نقسِّم أصحاب هذه الآراء إلى طائفتين، وهما: القائلون بالعصمة المطلقة؛ والقائلون بعدم العصمة، سواء أُريد عدم العصمة قبل الرسالة، أو عدم العصمة من الذنوب الصغيرة، أو عدم العصمة من الذنوب التي لا تستوجب امتعاض الناس ونفورهم، أو عدم العصمة من الذنوب الصغيرة بعد البعثة، أو عدم العصمة من الصغائر سَهْواً بعد البعثة، أو عدم العصمة من الصغائر الناشئة من الخطأ في التأويل، أو صدور الكبائر سَهْواً، أو صدور الكبائر سرّاً، أو صدور جميع أنواع الذنوب باستثناء الكذب في مقام تبليغ الرسالة.
وفي ضوء هذا التقسيم سوف نعمل على بيان وإيضاح كلّ واحدٍ من هذه الآراء:
1ـ العصمة المطلقة: بمعنى أن النبيّ معصومٌ من جميع أنواع الذنوب (كبيرها وصغيرها)، عَمْداً أو سَهْواً، أو تأويلاً [خاطئاً] للحكم الإلهيّ، من الولادة إلى الوفاة. وهذا القول يختصّ به الشيعة [الإماميّة] فقط([33]).
2ـ عدم عصمة الأنبياء قبل الرسالة: وهو قول الكثير من أهل السنّة، باستثناء أكثر المعتزلة، حيث لا يجيزون ارتكاب الكبائر على الأنبياء قبل البعثة([34]).
وقد نسب البحراني هذا القول إلى جميع أهل السنّة([35]). ونسبه العلاّمة الحلّي إلى أكثرهم([36]). ونسبه الفخر الرازي إلى أكثر المتكلِّمين. ونسبه أبو الهذيل العلاف وأبو علي الجُبّائي([37]) ـ من بين المعتزلة ـ والمقداد السيوري إلى الأشاعرة والحَشْوية وأهل الحديث([38])، كما نسبه في موضعٍ آخر إلى جميع المتكلِّمين من غير الشيعة([39]).
3ـ عدم العصمة من الصغائر قبل البعثة: وهو رأي أكثر المعتزلة([40]).
4ـ عدم العصمة من الصغائر غير المنفِّرة: نسب السيد المرتضى([41]) والفخر الرازي([42]) هذا الرأي إلى أكثر المعتزلة. كما أن السيد المرتضى قد نسب ذات هذا الرأي إلى الزيدية، والذين يتبعون المعتزلة في العقائد أيضاً([43]).
5ـ عدم العصمة من الصغائر بعد البعثة: لقد ورد هذا الرأي على أوجهٍ مختلفة. ولسنا هنا بصدد الخوض في تفصيلات هذه الأوجه، ولكنْ لا بُدَّ من الالتفات إلى أن هذا الرأي منقولٌ عن بعض المعتزلة([44]). واكتفى التفتازاني بذكر اسم أبي هاشم المعتزلي (الجُبّائي)؛ ومن بين الأشاعرة أشار إلى إمام الحرمين الجويني([45])؛ وارتضى هذا الرأي بنفسه([46]). وقد ذهب الجرجاني إلى اختيار هذا القول أيضاً([47]). وقد نسبه الإيجي إلى الجمهور (ومراده من ذلك أكثر الأشاعرة وأصحاب الحديث)([48]). ونسبه المقداد السيوري إلى جماعة من الحَشْوية([49]). ونُقل هذا الرأي عن ابن فورك الأشعري أيضاً([50]).
ومع ذلك فقد قال العلاّمة الحلّي: هناك من أهل السنّة مَنْ يقول بصدور الصغائر عن الأنبياء سَهْواً؛ أو تَرْكاً للأَوْلى؛ أو بواسطة الخطأ في الفتوى([51]).
وقال المقداد السيوري: إن الأنبياء لا يؤاخذون من هذه الناحية([52]).
6ـ عدم العصمة من الصغائر سَهْواً (بعد النبوّة): نسب السيد المرتضى هذا الرأي إلى النظّام وجعفر بن المبشّر وعددٍ من أتباعهما([53]). ونسبه الفخر الرازي إلى النظّام([54]). ونسبه المقداد السيوري إلى بعض المعتزلة([55])، وفي موضعٍ آخر إلى الأشاعرة([56]). وقد ذهب الإيجي([57])، وتبعه الجرجاني([58])، وكذلك التفتازاني([59])، إلى اعتبار الإجماع من قِبَل الجميع على ذلك. بَيْدَ أن الجرجاني قال بأن مرادهم من الإجماع هنا هو أكثر المعتزلة والأشاعرة، وأضاف: إن الجاحظ ـ وهو من كبار علماء المعتزلة ـ يرى أن هذا الرأي مشروطٌ بأن يلتفت النبيّ إلى ذلك مباشرةً، ويحجم عن فعله، وادّعى أن الكثير من المعتزلة المتأخِّرين، من أمثال: النظّام، والأصمّ، وجعفر بن المبشّر، يوافقونه في هذا الرأي.
وفي هذه المسألة اتّفق التفتازاني مع الجرجاني في ما ذهب إليه، ونسب هذا الرأي، بالإضافة إلى هؤلاء الأربعة، إلى المحقِّقين أيضاً. كما ارتضاه بنفسه أيضاً([60]).
وقد نسب المقداد السيوري إلى المعتزلة قولهم: إن الله لا يؤاخذ الأنبياء على هذه الأمور إذا صدرت عنهم سَهْواً([61]). بَيْدَ أن الفخر الرازي خالفه في ذلك، وقال: إن الأنبياء؛ بسبب كمال علمهم، يكونون أَوْلى بالمؤاخذة من وجهة نظر المعتزلة([62]).
7ـ عدم العصمة من الصغائر ناشئٌ من الخطأ في التأويل: بمعنى أن الأنبياء قد يشتبهون في تفسير الكلام الإلهيّ، كما أخطأ النبيّ آدم× في تحديد الفاكهة التي حرَّم الله عليه أكلها. وقد نسب الفخر الرازي هذا الرأي إلى أبي عليّ الجبّائي([63]). ونسبه آخرون إلى جماعةٍ من المعتزلة([64]).
8ـ صدور الكبائر سَهْواً: هناك مَنْ نسب هذا القول إلى أكثر المتكلِّمين من أهل السنّة، الأعمّ من المعتزلة والأشاعرة([65]). وقد ارتضاه بعض العلماء، من أمثال: الفخر الرازي([66])، وابن حزم. وقد استندوا في تبريره إلى آيات القرآن الكريم.
9ـ صدور الكبائر سرّاً: نقل السيد المرتضى هذا الرأي عن بعض أصحاب الحديث والحَشْوية([67]). وقد نسبه عبد الجبّار المعتزلي إلى عددٍ من أهل السنّة([68]).
10ـ صدور جميع أنواع الذنوب غير الكذب في مقام التبليغ: لقد نسب السيد المرتضى هذا الرأي إلى عددٍ من أصحاب الحديث والحَشْوية([69]). ونسبه الفخر الرازي إلى الحَشْوية([70])؛ ونسبه عبد الجبّار المعتزلي إلى أهل الحَشْو. ونسبه أبو عليّ الجُبّائي، والجرجاني([71])، والتفتازاني([72])، والمقداد السيوري([73])، إلى الحَشْوية. ونسبه البحراني إلى بعض الخوارج([74]). ونسبه العلاّمة الحلّي إلى الأشعرية والحَشْوية([75]). ونسبه المجلسي إلى الحَشْوية والكثير من أصحاب الحديث([76]).
11ـ عدم العصمة في ترك الأَوْلى أو ترك المستحبّ: يبدو أن جميع الذين بحثوا حول عصمة الأنبياء قد أقرّوا بإمكان أن يترك الأنبياء فعل الأَوْلى أو المستحبّ، وبذلك فقد سَعَوْا إلى توجيه الآيات التي تتنافى في ظاهرها مع عصمة الأنبياء بشكلٍ وآخر.
د ـ العصمة من الرذائل الأخلاقيّة
حيث إن الرذائل الأخلاقية تؤدّي إلى نفور الناس فقد ذهب الكثير من الفِرَق الإسلاميّة إلى اعتبار الأنبياء معصومين من الرذائل الأخلاقية([77]). وبطبيعة الحال هناك أبحاثٌ متعدِّدة حول هذه المسألة، ولكنّ الدخول في تفاصيل هذه الأبحاث لا ينسجم مع حجم هذه المقالة. وقد أشارت كاتبة هذه السطور إلى بعضها في مقالٍ مستقلّ.
هـ ـ العصمة من السَّهْو في الأمور العادية
إن هذه المسألة غيرُ مطروحةٍ عند المتكلِّمين من غير الإمامية. وأما بين الشيعة فقد ذهب أكثر المتكلِّمين إلى القول بعدم جواز سَهْو النبيّ حتى في الأمور العادية. وقد ألَّف الحُرُّ العاملي كتاباً في هذا الشأن. وقد ذكر أن الكثير من علماء الشيعة كتبوا رسائل في إثبات عصمة النبيّ من السَّهْو والخطأ، ثم ذكر بعض العبارات عن الشيخ الطوسي، والشيخ المفيد، والمحقّق الحلّي، والعلاّمة الحلّي، والفاضل المقداد السيوري، والشيخ البهائي، والشهيد الأوّل، وابن طاووس([78]).
وقد نسب المجلسي القول بعدم عصمة النبيّ من السَّهْو في الأمور العادية فقط إلى الشيخ الصدوق، وإلى أستاذه ابن الوليد([79]). بَيْدَ أن هذا البحث لا يمكن الوثوق به كثيراً؛ إذ يبدو من تفسير الشيخين الطوسي والطبرسي، في تفسير الآية 68 من سورة الأنعام، القبول بسَهْو الأنبياء في الأمور العادية، وإنْ كانوا لا يقبلون بمقالة الصدوق بالنسبة إلى سَهْو النبيّ في الصلاة([80]).
2ـ الأدلّة القرآنية على عصمة الأنبياء
تحدَّثنا حتّى الآن عن آراء المتكلِّمين المسلمين حول مختلف أبعاد العصمة.
ولا يمكن للمتكلِّمين في الأخذ بالآراء المتخالفة أن لا يلتفتوا إلى ما يقوله القرآن الكريم في هذا الشأن؛ فالقرآن الكريم هو المصدر المعرفي الأهمّ في الفكر الدينيّ، ويجب لذلك تقييم نظريّات المتكلِّمين حول العصمة في ضوء الميزان القرآني.
ومن هنا سوف نسعى في هذا القسم من المقالة إلى بيان الآيات القرآنية التي استدلّ بها المتكلِّمون على إثبات العصمة.
لا تدّعي كاتبة هذه السطور كفاية جميع هذه الآيات لإثبات مختلف أبعاد العصمة، وإنما كلّ الذي يرومه هو تقرير هذه الآيات (وذلك في حدود نقل الأدلّة فقط، دون نقدها من قِبَل المتكلِّمين)، والعمل على تبويبها وتقريرها مجدَّداً، بشكلٍ منطقيّ ومتطابق مع ضوابط علم المنطق؛ ليكون بذلك قد مهَّد الطريق أمام المحقِّقين والباحثين في سياق مناقشة هذه الأدلّة، والعمل على تحقيقها.
إن الآيات مورد البحث على ثلاث طوائف، وهي:
أـ الآيات القرآنية التي تتكفَّل وحدها ببيان هذه الحقيقة، وتعمل بمفردها على إثبات بُعْدٍ من أبعاد مسألة العصمة.
ب ـ الآيات التي تؤدّي إلى إثبات العصمة من خلال ضمِّها إلى بعضها.
ج ـ الآيات التي تثبت عصمة الأنبياء بعد ضمّها إلى الأدلّة العقليّة، أو إجماع المسلمين.
بعد دراسة هذه الآيات يمكن للمحقِّق في علم الكلام أن يجيب عن العديد من الأسئلة، من قبيل:
1ـ هل دلّ القرآن الكريم على عصمة الأنبياء؟
2ـ هل أثبت القرآن الكريم العصمة بجميع أبعادها؟
3ـ هل يرى القرآن الكريم وجوب الدعوة إلى إثبات العصمة وتبليغها؟
إن هذا البحث، بالإضافة إلى أهمّيته من الناحية الكلامية، يحظى كذلك بأهمّيةٍ قصوى على مستوى التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، وكذلك أساليب ومناهج الاستفادة من هذا الكتاب السماويّ العزيز.
أـ الآيات المشيرة إلى مسألة العصمة مباشرةً
وسوف نبحث في هذا المقام أربعة عشر مورداً، وذلك على النحو التالي:
1ـ العصمة في مقام استلام الوَحْي
1ـ كما في قوله تعالى: ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى﴾ (النجم: 2 ـ 4)؛ فإن هذه الآيات تنهض دليلاً على عصمة النبيّ الأكرم| في مقام استلام الوَحْي وإبلاغه؛ لأنها تثبت أن الموجود في أيدي المسلمين بوصفه قرآناً هو الذي تمّ إنزاله من عند الله على النبيّ الأكرم([81]).
2ـ وقوله تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً﴾ (الجنّ: 26 ـ 28)؛ إذ تدلّ هذه الآيات بدَوْرها على أن الوَحْي السماوي النازل من عند الله، والذي يوصله رسول الله| إلى الناس، إنما هو تحت إشراف الله تعالى وحفظه. ولا يقتصر هذا الأمر على رسول الله، وإنما يشمل جميع الرُّسُل الذين يكلِّفهم الله بإبلاغ وَحْيه إلى الناس.
ومن الطبيعي أن تكون النتيجة المترتِّبة على تكفُّل الله بحفظ كتابه أن النبيّ إذا أراد أن ينسب إلى الله شيئاً من عنده، دون أن يكون قد أُوحيَ إليه بذلك، لا يكون من الرُّسُل المقبولين عند الله. وعليه فإن هذه الآيات تشكِّل دليلاً على عصمة الأنبياء في مقام استلام الوَحْي، وفي مقام التصرُّف في الوَحْي، وتثبت عصمة الأنبياء عن الكذب على الله سبحانه وتعالى.
وقد رُوي هذا الدليل عن الإمام جعفر الصادق×([82])، وعن الإمام الرضا×([83]) أيضاً. وفي الوقت نفسه فقد استند إليه كلٌّ من: الطريحي([84]) والطبري([85]) أيضاً.
3ـ وقوله جلَّ وعلا: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ (ص: 82 ـ 83)؛ فإن هذه الآيات تشكِّل دليلاً على عدم سلطة الشيطان على الأنبياء؛ لأنهم القدر المتيقَّن من عباد الله المخلصين قطعاً([86]). وبناءً على دلالة هذه الآيات يكون الأنبياء معصومين من وساوس الشيطان، ومن ارتكاب جميع أنواع المعاصي (كبيرها وصغيرها) والمفاسد الأخلاقية. ويذهب الشيعة إلى الاعتقاد بأن العصمة لا تختصّ بالأنبياء فقط، بل قد يتّصف غيرهم من الناس بهذه الصفة السامية والمقام العالي أيضاً.
4ـ وقوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إِلاَّ عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ (الصافّات: 159 ـ 160)؛ فطبقاً لهذه الآية يكون وصف الأنبياء لله صحيحٌ ولا غبار عليه، فإنهم عالمون بأوصاف الله، وهم في هذا القسم من الأفعال ـ التي تأتي وصفاً لصفات الله ـ معصومون من الخطأ، كما أنهم معصومون من الكفر والشرك وجميع أنواع الشكّ([87]).
5ـ وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ (الأحزاب: 33)؛ إذ إن هذه الآية تمثِّل دليلاً على عصمة النبيّ الأكرم| من كلّ رذيلةٍ، وأنه منزَّهٌ ومطهَّرٌ من جميع الأدران في الأعمال والأخلاق والعقائد. وإن أوّل مَنْ استدلّ بهذه الآية على إثبات العصمة هو شخص النبيّ الأكرم| في ما ذكره من المسائل لسلمان الفارسي([88]).
6ـ وقوله عزَّ من قائلٍ: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ﴾ (الواقعة: 77 ـ 79)؛ فإذا كان المراد من هذه الآية هو عدم تمكُّن غير المطهَّرين من الوصول إلى القرآن الكريم كانت هذه الآية دليلاً على عصمة النبيّ الأكرم|؛ وإذا كان المراد منها هو أن القرآن الكريم في كتابٍ مكنون، وأن هذا الكتاب المكنون لا يمسّه إلاّ المطهَّرون، كانت هذه الآية دليلاً على عصمة الأنبياء الذين يصلون إلى ذلك الكتاب المكنون، وجاؤوا إلى الناس في عصرهم بآياتٍ من قبيل: القرآن والوحي الإلهي. وقد كان هذا التفسير للآية موجوداً منذ القِدَم؛ حيث نسبه الشيخ الطوسي إلى ابن عبّاس ومجاهد والضحّاك([89]). كما يُستفاد هذا التفسير من بعض الروايات أيضاً([90]). إن هذه الآية من الآيات العامّة التي تدلّ على الطهارة المطلقة، والعصمة من جميع أنواع الرِّجْس؛ وذلك لأن كلّ عقيدةٍ فاسدة أو أخلاقٍ رذيلة أو معصيةٍ، في كلّ زمانٍ، لا ينسجم مع طهارتهم المطلقة.
7ـ وقوله تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة: 124)؛ فإن المراد من العهد الإلهي المذكور في هذه الآية، حتّى إذا كان هو الإمامة ـ وهي أعمّ من النبوّة ـ يكفي لإثبات وجوب عصمة الأنبياء؛ ذلك أنه بمجرّد صدور أيّ نوع من أنواع الظلم ـ من ارتكاب المعاصي، والظلم بحقّ العباد، إلى الافتراء على الله، والتكذيب بآياته والكفر ـ سوف يخرج الشخص الظالم عن استحقاق الحصول على مقام الإمامة، ولن يبلغ مقام النبوّة بطريقٍ أَوْلى. وعليه فإن الذي يبعثه الله، ويمنحه مقام النبوّة، يكون بالضرورة منزَّهاً من ارتكاب جميع أنواع الظلم([91]). وعلى أيّ حالٍ فقد اتّضح أن الأنبياء معصومون من ارتكاب الذنوب والكفر والشرك والافتراء على الله في مقام التبليغ والدعوة([92]).
وعن الإمام الرضا×، ضمن حديثٍ، أنه ذكر هذه الآية بوصفها دليلاً على عصمة الأنبياء([93]).
وهي كذلك طبقاً لحديثٍ مأثورٍ، في كتاب (بصائر الدرجات)، عن الإمام الصادق×.
وقد ذكر الكليني في (الكافي) أيضاً أن هذه الآية إنما تنفي عن الأنبياء عبادة الأوثان فقط؛ فيكون هذا الحديث بدَوْره دالاًّ على بُعْدٍ من أبعاد عصمة الأنبياء^ أيضاً([94]).
8ـ وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾ (الأنبياء: 90)؛ حيث يتحدّث الله في هذه الآية عن بعض الأنبياء^، ويقول: إنهم كانوا يسارعون في أمور الخير. ويُفْهَم من هذه الآية أنهم لم يكونوا يتركون الأعمال الواجبة، ولم يكونوا يرتكبون الأفعال المحرَّمة أبداً.
ومما قالوه في معرض التمسُّك بهذه الآية: حيث إن الآية تفيد عموم «الخيرات» فهذا يعني أن الأنبياء كانوا معصومين في جميع الأعمال، الأعمّ من الواجبة والمحرَّمة. وقد صرَّح العلماء في أصول الفقه: إن الجمع المحلّى بـ (ال) يُفيد العموم، وعليه؛ حيث إن كلمة «الخيرات» هي من الجمع المحلّى بـ (ال)، فهذا يعني أنها تفيد العموم ـ طبقاً لهذه القاعدة ـ، وتكون لذلك شاملةً لجميع الأمور([95]).
9ـ وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ﴾ (ص: 47)؛ حيث يقول الله سبحانه في هذه الآية: إن هناك من الأنبياء مَنْ كانوا من بين الأصفياء المنتجبين، وكانوا من الأخيار.
وإن الاستدلال بهذه الآية ليس واضحاً كما هو في سائر الآيات الأخرى.
وقد ادّعى أصحاب هذا الاستدلال أن عدم ذكر الاستثناء في الجملة يدلّ على العصمة؛ إذ في حالة وجود الاستثناء قد يُتصوَّر أن الأنبياء قد تمّ اجتباؤهم لجهةٍ خاصّة فقط، وأنهم إنما كانوا من الأخيار من ناحيةٍ خاصّة فقط، دون الجهات والأنحاء الأخرى. وعليه؛ حيث لم يَرِدْ ذكر الاستثناء في هذه الآية، يتّضح أن الأنبياء كانوا من المنتجبين، وكانوا من الأخيار، من جميع الجهات. وعليه يكونون صالحين ومعصومين من جميع الجهات([96]).
10ـ وقوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (الحجر: 9)؛ إذ يُقال في دلالة هذه الآية: أوّلاً: إن هذه الآية تؤكِّد على أن القرآن قد نزل من عند الله، وأنه يحرص على المحافظة عليه؛ وثانياً: إن الشخص الأوّل الذي يُستَأْمَن على كلام الوَحْي، ويكون وحده المسؤول عن إبلاغ الوَحْي وإيصاله إلى الناس، هو شخص النبيّ الأكرم. وبعبارةٍ أخرى: إن الواسطة بين استلام الوَحْي وإبلاغه وحفظه هو النبيّ؛ وثالثاً: إن أدنى خطأ أو غفلةٍ، سواء في مقام استلام الوَحْي أو في إبلاغه وحفظه، يُعَدّ مصداقاً لنقض كلام الله سبحانه وتعالى. وعليه يمكن القول: إن الله ـ الذي تكفَّل بحفظ كلامه وقرآنه ـ يعمل على تحشيد حكمته وقدرته الأزليّة وجميع الأسباب والعلل لتحصين كتابه من التحريف، وتُعَدّ عصمته لرسوله من جميع أنواع الزَّلَل والخطأ والغفلة من أولى وأهمّ أركان تحقيق هذا المدَّعى، وأشدّها ضرورةً. ولا يخفى بطبيعة الحال أن هذا المطلب إنما يؤيِّد ذلك البُعْد من عصمة النبيّ أو الأنبياء الذي يعود إلى استلام كلام الوَحْي وحفظه وإبلاغه، وليس العصمة من السَّهْو في شؤون الحياة اليوميّة، على سبيل المثال. إن هذا الرأي القائل بأن الله سبحانه وتعالى يحفظ القرآن الكريم من عبث الشيطان وغيره؛ كي لا يحدث فيه أيّ نقصٍ أو زيادةٍ أو تحريفٍ، يُعَدّ واحداً من التفاسير المعتبرة في تفسير هذه الآية؛ وهو الرأي المنقول عن ابن عبّاس وقتادة([97]).
11ـ وقوله تعالى: ﴿لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ (فصِّلت: 42)؛ فقد كانت هذه الآية ـ مثل الآية السابقة ـ موضع استناد قتادة والسدّي، حيث قالا: ليس بمقدور الشيطان، ولا أيّ شخصٍ غيره، أن يتدخَّل أو يتصرَّف في كلام الله سبحانه وتعالى. وعليه فإن الموجود بين أيدينا هو القرآن الذي نزل على النبيّ الأكرم|، وإن النبيّ كان معصوماً في استلام الوَحْي الإلهي، وفي إبلاغه إلى الناس([98]).
لقد وقعَتْ هذه الآيات المذكورة سابقاً مورداً لاستشهاد واستناد المتكلِّمين. ولكنْ يمكن لنا أن نضيف إليها آياتٍ أخرى أيضاً؛ إذ يبدو أن هناك آياتٍ أخرى يمكن الاستناد إليها في هذا البحث أيضاً. بَيْدَ أننا لم نعثر بين التفاسير والكتب الكلامية مَنْ التفت إليها، في حين أن دلالة بعضها من الانسجام والتناغم مع مباني المفسِّرين بحيث لا يمكن اعتبارها مخالفةً لهذه الأدلّة.
وسوف نشير إلى ثلاثة موارد منها:
12ـ قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ﴾ (غافر: 78). إن هذه الآية المرتبطة بجميع الأنبياء تدلّ على عصمة الأنبياء في استلام الوَحْي الإلهي وإبلاغه.
13ـ آيات التحدّي، مثل: قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾ (البقرة: 23). إن هذه الآية، والآيات المماثلة التي تعرِّف بالقرآن الكريم كواحدٍ من المعاجز الإلهيّة، دليلٌ على أن القرآن مصونٌ من الخطأ، سواء في النزول والإبلاغ، ودليلٌ على عصمة النبيّ الأكرم| في مقام تلقّي الوَحْي وإبلاغه.
وبطبيعة الحال فإن من اختلافات آيات التحدّي عن الآيات الأخرى أنها تنظر إلى مسألة الوَحْي والقرآن من زاويةٍ خارجية، وتفتح الطريق أمام الجميع للتحقيق في صحّة وسقم ما يدَّعيه النبيّ. وهذه النقطة موجودةٌ في الاستدلال اللاحق أيضاً.
14ـ قوله تعالى: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً﴾ (النساء: 82). إن هذه الآية تدلّ بدَوْرها على صحّة إسناد القرآن الكريم إلى الله، وتعبِّر عن عصمة النبيّ الأكرم| في تلقّي الوَحْي وإبلاغه. وبطبيعة الحال فإن القارئ الكريم ملتفتٌ إلى أن هذه الآية قد تُعَدّ في الوقت نفسه إحدى الآيات المخالفة للقول بالعصمة من الخطأ؛ إذ يمكن أن يُفْهَم منها أن النبيّ ـ مثل سائر الناس ـ لو كان يريد أن يأتي بمثل القرآن لما تمكَّن من ذلك، ولشوهد فيه اختلافٌ كثير. (إن الإجابة عن هذا الإشكال، والآيات الأخرى التي تمَّت الاستفادة منها للردّ على القول بعصمة الأنبياء، تحتاج إلى مقالةٍ مستقلّة).
ب ـ الآيات المثبتة للعصمة عن طريق برهان الخُلْف
إن افتراض عدم عصمة الأنبياء يتنافى بشكلٍ واضح مع افتراض صدق بعض الآيات ولوازمها. وعليه، بناءً على تلك الآيات يكون القول بعدم العصمة للأنبياء باطلاً، وبذلك يثبت القول بالعصمة لهم بطبيعة الحال.
إن أهمّ هذه الأدلّة قد وردَتْ في كتابين للفخر الرازي([99])، ثمّ جاء الآخرون ليذكروا هذه الأدلّة، ويعيدوا طرحها بتأثيرٍ منه. وضمن هذه الاستدلالات تمّ بيان بعض المناقشات. كما ذهب بعض المتكلِّمين إلى بيان بعض الإشكالات على أصل الاستدلال، أو مقدار دلالة هذه الأدلّة. بَيْدَ أننا نعرض عن ذكرها([100])، ونكتفي بمجرّد نقل الآيات التي يمكن الاستناد إليها في هذا البحث. وفي تقرير كلّ مورد منها نعمل في بداية الأمر على بيان التركيبة المنطقية في إطار مقدّمتين، ثمّ نعمل بعد ذلك على بيان أدلّة كلّ واحدةٍ من المقدّمات التي تقوم على أساسها:
الدليل الأوّل: لو صدر الذنب عن الأنبياء لكان وضعهم من حيث الذمّ في الدنيا والعقاب في الآخرة أسوأ من المذنبين العاديّين (المقدّمة الأولى).
في حين أن الأنبياء قد انتجبهم الله واصطفاهم من بين جميع الناس، ولهم عند الله منزلةٌ عالية (المقدّمة الثانية).
ونتيجة هاتين المقدّمتين هي أن الأنبياء يجب أن يكونوا معصومين من ارتكاب الذنوب، سواء الصغائر منها أو الكبائر.
إثبات المقدّمة الأولى: يُفْهَم من الآيات الواردة في ذمّ وشجب تصرُّف نساء النبي الأكرم| أنه كلّما كان الشخص يتمتَّع بمقامٍ أسمى من مقام الآخرين فإنه سيتعرَّض للمزيد من الشجب والتأنيب. وبذلك كلّما كانت النِّعَم التي يحظى بها الشخص أكثر من غيره، ومع ذلك يتصرَّف على خلاف ما تقتضيه تلك النِّعَم، فإنه سيتعرَّض للَّوْم والمؤاخذة أكثر من غيره. قال الله تعالى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ﴾ (الأحزاب: 32). ثمّ ذكَّرهُنّ الله بعد ذلك بعددٍ من الواجبات والمحرَّمات المفروضة عليهنّ. وقال تعالى في آيةٍ أخرى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ﴾ (الأحزاب: 30). ويُستفاد من هذا التعبير أن كلّ شخص يكون على درجة نساء النبيّ الأكرم|، وفي منزلتهنّ، فإن عذابه في مقابل هذه النِّعمة سوف يكون أشدّ وأقسى. وحيث إن الأنبياء يتمتَّعون بالنعمة الإلهية الأكبر، وهي نعمة النبوّة والرسالة، فإنهم سيكونون عرضةً للَّوْم والعتاب والمؤاخذة أكثر من غيرهم.
إثبات المقدّمة الثانية: لقد اختار الله ـ طبقاً لصريح بعض آيات القرآن الكريم ـ بعض الأشخاص المنتجبين من بين الناس؛ ليكونوا حَمَلةً لرسالة الوَحْي الإلهي. كما نجد ذلك ضمن الأدلّة المباشرة التي سبق ذكرها، كما في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ﴾ (ص: 47)، وغيرها من الآيات الأخرى. يُستفاد من هذه الآيات أن وضع ومقام الأنبياء أفضل وأسمى بالمقارنة إلى غيرهم من الأشخاص العاديين، ولأنهم الأقرب من الله فإنهم يتعرَّضون للُّطْف الإلهيّ بشكلٍ أكبر.
الدليل الثاني: هناك مَنْ لا يقعون في حبائل الشيطان، ولا يرتكبون المعاصي (المقدّمة الأولى).
لو أن شخصاً أطاع الشيطان، وأسلس له القياد، وارتكب المعصية، سوف يكون أدنى مرتبةً ومقاماً من ذلك الشخص الذي لا ينخدع بوساوس الشيطان (المقدّمة الثانية).
إن الأنبياء ليسوا بأدنى درجةً ومقاماً من الآخرين (المقدّمة الثالثة).
إثبات المقدِّمات: إن قول الله تعالى بشأن إبليس: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (سبأ: 20) يُثبت المقدّمة الأولى. وهكذا قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات: 13).
وعليه فإن ملاك القُرْب من الله هو التقوى واجتناب المعاصي والذنوب، وهذا يبيِّن المقدّمة الثانية.
وأما دليل المقدّمة الثالثة فهو أن الأنبياء يتمّ اختيارهم من بين الأمم، ويكونون هم الأفضل من سواهم. وطبقاً لهذا الاستدلال يكون الأنبياء بمأمنٍ من حبائل الشيطان ومَكْره، ولا يرتكبون المعاصي، سواء في ذلك الكبائر او الصغائر.
الدليل الثالث: إن الأنبياء إذا ارتكبوا المعاصي سوف يكونون من حزب الشيطان (المقدّمة الأولى).
إن بعض المكلَّفين هم من حزب الله (المقدّمة الثانية).
إن الشخص الذي يكون من حزب الله هو أفضل من الشخص الذي يكون من حزب الشيطان (المقدّمة الثالثة).
حيث إن الله سبحانه وتعالى قد اختار الأنبياء من بين أخيار الناس يجب بالضرورة أن يكونوا أفضل من الآخرين (المقدّمة الرابعة).
وعليه تكون النتيجة هي أن الأنبياء معصومون، ولا يرتكبون المعاصي والذنوب.
دليل المقدّمة الأولى واضحٌ؛ لأن الشخص الذي يقترف الذنوب إنما يتبع الشيطان، والشيطان مهيمنٌ عليه.
ودليل المقدمة الثانية هو أن كلّ مكلَّفٍ ـ طبقاً لآيات القرآن ـ لا يخلو إما أن يكون من حزب الشيطان أو من حزب الله، وإن بعض المكلَّفين يمتازون بخصائص تجعلهم من المنتسبين والمنتمين إلى حزب الله([101]).
وأما المقدّمة الثالثة فتُستفاد بدَوْرها من مفاد هذه الآيات المذكورة نفسها؛ إذ يقول الله تعالى بشأن حزب الله: ﴿رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ (المائدة: 119)([102]).
الدليل الرابع: لو ارتكب النبيّ المعصية، رُدَّتْ شهادتُه (المقدّمة الأولى).
إن شهادة الأنبياء مقبولةٌ (المقدمة الثانية).
إثبات المقدّمة الأولى: إن كلّ مَنْ يرتكب المعصية يكون فاسقاً، وطبقاً لآيات القرآن الكريم لا يمكن الاعتماد على إخباره، كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ (الحجرات: 6). والأنبياء ليسوا استثناءً من هذه القاعدة؛ فإنْ ارتكبوا الذنب سوف يكونون من الفاسقين، ولن تقبل شهادتهم بعد ذلك.
إثبات المقدّمة الثانية: إن شهادة الأنبياء ـ طبقاً لصريح القرآن الكريم ـ تقبل بشأن أممهم، كما أن شهادة النبيّ الأكرم| لا تقبل بحقّ أمّته فحَسْب، بل هي كذلك مقبولةٌ حتّى بحقّ الأمم والأنبياء السابقين أيضاً؛ لصريح قوله تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيداً﴾ (النساء: 41). وطبقاً لهذه الآية تكون شهادة الأنبياء مقبولةً عند الله سبحانه وتعالى، وعليه يجب أن يكونوا لذلك معصومين ومبرَّأين من جميع الذنوب.
بل يُستفاد من هذه الآية أن الأنبياء معصومون حتّى من السَّهْو والنسيان والكذب وما إلى ذلك أيضاً، بل رُبَما يمكن الاستفادة منها أن لديهم علماً كاملاً بأعمال الأمّة، والأعمال المعلنة وغير المعلنة منهم أيضاً.
وبالإضافة إلى هذا الاستدلال، قد يمكن ضمّ المقدّمة الأولى من هذا الدليل إلى مقدّمات الدليل السابق، والتوصُّل إلى استدلالٍ آخر على النحو التالي:
لو ارتكب الأنبياء المعاصي فإن شهاداتهم سوف تُرَدّ. هذا في حين تكون شهادة الأشخاص العاديّين ـ بشرط الإيمان والعدالة ـ مقبولةً، وعليه يجب أن تكون شهادة النبيّ ـ الذي هو من أفضل الخلق ـ مقبولةً بطريقٍ أَوْلى، وأن يكون النبيّ معصوماً ومبرّأً من كلّ ما يسلب عنه استحقاق الشهادة. وعليه فإن الأنبياء لا يرتكبون الذنوب.
وبطبيعة الحال فإن نتيجة هذا الاستدلال إنما تثبت عصمة الأنبياء من ارتكاب الذنوب والمعاصي الكبيرة، والإصرار على الصغائر، بما يتنافى مع قبول الشهادة، وليس العصمة حتّى من ارتكاب الصغائر بشكلٍ مطلق.
الدليل الخامس: لو ارتكب الأنبياء المعصية وجب نصحهم وردعهم عن ارتكاب هذه المعصية (المقدّمة الأولى).
ردع الشخص عن ارتكاب عملٍ ما يؤذيه قطعاً (المقدّمة الثانية).
إيذاء الأنبياء محرَّمٌ، ولذلك لا ينبغي إيذاؤهم (المقدّمة الثالثة).
إثبات المقدّمة الأولى: لو ارتكب شخصٌ المعصية وجب ردعه عن فعل تلك المعصية؛ بحكم أدلّة وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ (آل عمران: 104).
إثبات المقدّمة الثانية: من الواضح أن ردع الشخص عن القيام بالمنكر يؤدّي إلى استيائه وانزعاجه وإيذائه؛ وذلك لأن كلّ شخصٍ يريد أن يفعل ما يحلو له، وما يوافق إرادته واختياره. فلو أراد الآخر أن يقيِّد إرادته ويحدّ من حرّيته فإنه سوف يتأذّى. وعليه لو تمّ ردع النبيّ عن عملٍ يقوم به فإن ذلك سوف يتسبَّب بإيذائه.
إثبات المقدّمة الثالثة: وأما دليل حرمة إيذاء الأنبياء فقد ورد النصُّ في ذلك بالنسبة إلى عموم الأنبياء؛ إذ ورد في القرآن الكريم بشأن النبيّ الأكرم| وشأن النبيّ موسى×: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى﴾ (الأحزاب: 69)، وهذا يعني حرمة إيذاء النبيّ موسى×، وحرمة إيذاء النبيّ الأكرم| أيضاً. كما وردَتْ آياتٌ أخرى بشأن حرمة إيذاء الأنبياء^.
وبالإضافة إلى الموارد الجزئية المذكورة ضمن آيات القرآن الكريم، رُبَما أمكن لنا أن نستفيد من قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً﴾ (الأحزاب: 57) حكماً كلِّياً بشأن جميع الأنبياء، وهو أن إيذاء رسول الله محرَّمٌ إلى الأبد. وبالتالي ينتج عن هذا الدليل أن الأنبياء لا يرتكبون المعاصي، حتّى يستحقّوا بسببها أن يتمّ نَهْيُهم عن المنكر، ويتعرَّضوا نتيجة ذلك للأذى.
الدليل السادس: لو ارتكب الأنبياء المعصية لم يجُزْ اتّباعهم (المقدّمة الأولى).
إن اتباع الأنبياء واجبٌ على الناس وأتباعهم (المقدّمة الثانية).
إثبات المقدّمة الأولى: من الواضح أن الأشخاص عندما يتمّ تكليفهم ببعض الأعمال يجب عليهم العمل بها، وعندما يمنعهم الله عن عملٍ، ويتوعّد على فعله بالعذاب والعقاب، يجب على الجميع أن يحجموا عن فعله. وحيث إن الشيء الواحد لا يمكن أن يكون مأموراً به من قِبَل الله، وفي الوقت نفسه منهيّاً عنه، فإن النبيّ لو ارتكب معصيةً وجب على المكلَّفين المنهيّين عن ذلك الفعل من قِبَل الله أن لا يتّبعوا النبيّ، ويجب عليهم ترك ذلك الفعل، وعليه لا تكون التَّبَعيّة للنبيّ جائزةً.
إثبات المقدّمة الثانية: لقد أنزل الله آيات مختلفة بشأن بعض الأنبياء، ومنها: آياتٌ في اتّباع النبيّ الأكرم|. ومن ذلك، على سبيل المثال: قوله بشأن النبيّ إبراهيم الخليل×: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً﴾ (البقرة: 124). والإمام هو الشخص الذي يتبعه الناس؛ كما قال النبيّ إبراهيم×: ﴿فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي﴾ (إبراهيم: 36).
وجاء بشأن النبيّ هارون× قوله تعالى: ﴿فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي﴾ (طه: 90).
وقال تعالى بشأن النبيّ الأكرم|: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي﴾ (آل عمران: 31)، وقال أيضاً: ﴿فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ﴾ (الأعراف: 158)، وغير ذلك من الآيات التي يُفهم منها وجوب إطاعة الرسول([103]).
ومن أهمّ الآيات التي يمكن أن يُستفاد منها حكمٌ كلِّي قولُه تعالى: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾ (يس: 20). والدليل على كلِّية هذا الحكم هو أن الله سبحانه وتعالى لم يضَعْ أيّ قَيْدٍ عليه، ولم يخالفه.
والأوضح من كلّ هذه الآيات على وجوب إطاعة الأنبياء قولُه تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ﴾ (النساء: 64).
تنويهٌ: هناك مَنْ تمسَّك بهذه الآية لإثبات عصمة الأنبياء بشكلٍ مباشر (وليس ببرهان الخُلْف)، وقال في هذا الشأن: لو وجبَتْ إطاعة الأنبياء بشكلٍ مطلق يتّضح من ذلك أن الأنبياء معصومون من الذنوب والأخطاء. وبعبارةٍ أخرى: إن إطلاق الآيات في وجوب إطاعة الأنبياء دليلٌ على أنهم معصومون. ومن الواضح بالنسبة إلى المطَّلعين على علم المنطق أن هذا الاستدلال عبارةٌ عن طريقٍ خلفيّ وغير مباشر على ما تقدَّم، وعليه لا يمكن اعتبار هذه الآية ضمن الطائفة الأولى من الآيات.
الدليل السابع: إن الذي لا يرتكب المعصية أفضل من الذي يرتكب المعصية (المقدّمة الأولى).
إن الملائكة لا يرتكبون المعصية (المقدّمة الثانية).
إن الأنبياء أفضل من الملائكة (المقدّمة الثالثة).
وعليه فإن الشخص الذي لا يرتكب المعصية ـ مثل: الملائكة ـ أفضل من الشخص الذي يرتكب المعصية. وحيث إن الملائكة ليسوا أفضل من الأنبياء فهذا يعني أن الأنبياء لا يرتكبون المعصية.
دليل المقدّمة الأولى قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات: 13).
دليل المقدّمة الثانية الآيةُ التي تتحدَّث عن الملائكة، وتقول: ﴿لاَ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (التحريم: 6).
دليل المقدّمة الثالثة الآيةُ التي تتحدَّث عن الكثير من الأنبياء، وتقول: ﴿وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ (الأنعام: 86)، والتي تعبِّر عن أفضلية الأنبياء على الناس والملائكة. والآية 32 من سورة الدخان تثبت بدَوْرها أن الأنبياء هم الذين تمّ اصطفاؤهم واجتباؤهم من بين جميع العالمين (أي الذين يعقلون).
كما يمكن إضافة أدلّةٍ أخرى إلى هذه الأدلّة، بمقدّماتٍ مماثلة أيضاً. بَيْدَ أن هذه الأدلّة لم يتمّ الالتفات إليها في الكتب الكلامية:
الدليل الثامن: إن الأنبياء إذا ارتكبوا المعصية فسوف يكونون من الظالمين (المقدّمة الأولى).
إن الله سبحانه وتعالى لا يهدي الظالمين (المقدّمة الثانية).
إن الله سبحانه وتعالى يهدي الأنبياء (المقدّمة الثالثة).
وعليه فإن الأنبياء لا يرتكبون المعصية.
إثبات المقدّمة الأولى: إن الظلم من المفاهيم التي تصدق في مورد الظلم بحقّ الناس، وفي مورد الشخص الذي يرتكب المعصية أيضاً. وإنما يُنسب الظلم إلى مثل هذا الشخص؛ لأنه بارتكاب المعصية يظلم نفسه. قال تعالى: ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ (فاطر: 32)، وقال أيضاً: ﴿وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (البقرة: 229). وحيث يتمّ التعبير بـ «الظلم» عن ارتكاب الذنب، وكذلك تُستعمل في مورد الاعتداء على الآخرين، وفي مورد نسبة الكذب على الله سبحانه وتعالى([104])، وفي مورد الكفر([105]) أيضاً، يكون الأنبياء؛ بمقتضى هذا الدليل، معصومين من الكفر والكذب في التبليغ والدعوة ومن كلّ المعاصي والذنوب.
دليل المقدّمة الثانية: قوله تعالى: ﴿وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (آل عمران: 86). وهناك آياتٌ أخرى مشابهة لهذه الآية قد وردَتْ في هذا الشأن أيضاً.
دليل المقدّمة الثالثة قولُه تعالى: ﴿وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (المائدة: 16)، الواردة بشأن الأنبياء^؛ والآيات المشابهة الأخرى التي تتحدَّث عن هداية الأنبياء.
الدليل التاسع: إن الأنبياء إذا ارتكبوا معصيةً فإنهم سيكونون من الظالمين (المقدّمة الأولى).
إن الله سبحانه وتعالى لا ينصر الظالمين (المقدّمة الثانية).
إن الله سبحانه وتعالى ينصر الأنبياء (المقدّمة الثالثة).
دليل المقدّمة الثانية آياتٌ من قبيل: قوله تعالى: ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾ (الحجّ: 71)، وآياتٌ أخرى بهذا المضمون.
دليل المقدّمة الثالثة: الآيات الكثيرة التي تؤكِّد على نصرة الله للأنبياء^، كما في قول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾ (الأنعام: 34).
في ضوء هذه الأدلّة التي تستفاد من لوازم آيات القرآن الكريم، دون الاستفادة من المقدّمات العقلية والخارجية، يمكن لنا أن نستنتج عصمة الأنبياء^.
وقد تقدَّم أن ذكَرْنا أن هذه الأدلّة لم يتمّ الاستناد إليها في الكتب الكلامية. وإنْ كان هناك استدلالٌ مماثل في الكتب الكلاميّة، وسوف نذكره بوصفه دليلاً ثانياً ضمن الطائفة الثالثة.
ومن هذا القبيل: يمكن الإشارة إلى عدم كون الظالمين من «المفلحين»، وأنهم لا يقعون مورداً لـ «حبّ الله»، وإلى شمول «الضلالة» للظالمين، وعدم شمول «الدلالة» الإلهيّة للظالمين. ومن خلال المقابلة بين الأنبياء والظالمين يمكن أن يُستفاد كذلك أنهم لا يندرجون ضمن دائرة ومجموعة الظالمين، في حين أنهم لو ارتكبوا المعاصي سوف يكونون من الظالمين، ولا يكون هناك معنىً للمقابلة. يمكن إثبات جميع هذه المقدّمات والحدود الوسطى من خلال الاستعانة بآيات القرآن الكريم، واعتبارها ضمن المجموعة والطائفة الثالثة.
ج ـ الآيات المحتاجة إلى مقدّماتٍ غير قرآنيّة
إن هذه الآيات لا يمكن الاستناد إليها وحدها، ولا بضمِّها إلى آياتٍ أخرى من القرآن الكريم، وإنما تدلّ على عصمة الأنبياء من خلال الاستعانة بالأدلة العقليّة أو الإجماع. وبعبارةٍ أخرى: بمساعدة هذه الآيات، وبأسلوب برهان الخُلْف، يمكن الاستدلال على إثبات عصمة الأنبياء.
الدليل الأوّل: لو ارتكب الأنبياء المعصية فإن الوَعْد بالعذاب الإلهي سوف يصدق في حقِّهم (المقدّمة الأولى).
إن الأنبياء لا يتعرَّضون للعذاب الإلهيّ (المقدّمة الثانية).
في ضوء هذه الأدلة يكون الأنبياء معصومين من ارتكاب الكبائر؛ لأن الذنوب التي يَعِدُ الله عليها بالعذاب تُعَدُّ من الكبائر.
إثبات المقدّمة الأولى: ورد الوعد بالعذاب في الكثير من آيات القرآن الكريم بالنسبة إلى الذين يعصون الأوامر الإلهية، ويتمرّدون على أحكام الله سبحانه وتعالى، ومن ذلك: قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً﴾ (الجنّ: 23)؛ وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً﴾ (النساء: 14).
إثبات المقدّمة الثانية: يذهب عددٌ من المتكلِّمين إلى الاعتقاد بأن إجماع الأمّة قائمٌ على أن الأنبياء لا يتعرَّضون للعذاب الإلهيّ. إن المتكلِّمين الذين تمسَّكوا بهذا الإجماع لم يفصحوا عن كيفيّة توصُّلهم إليه([106]). ويبدو أنه لو كان هناك إجماعٌ على هذه المسألة فإنه لن يكون شيئاً آخر غير أصل إجماع الأمّة على عصمة الأنبياء؛ إذ هناك جماعةٌ تذهب إلى الاعتقاد بإجماع الأمّة على أن الأنبياء مبرّأون عن أيّ ذنبٍ يستوجب العذاب الإلهيّ. ونتيجةً لهذا الإجماع فإن جميع الذين يخالفون هذا الأمر بطريقةٍ وأخرى سوف يخرجون من رِبْقة المسلمين، ويحكم عليهم بالكفر والخروج عن الملّة.
الدليل الثاني: لو ارتكب الأنبياء المعصية فإنهم سوف يكونون من جملة الذين يعملون على خلاف موعظتهم ونصيحتهم (المقدّمة الأولى).
إن الأنبياء ليسوا من جملة الذين يعملون على خلاف موعظتهم (المقدّمة الثانية).
إن هذا الدليل يُثبت عصمة الأنبياء من جميع الذنوب الكبيرة والصغيرة، والأخلاق الفاسدة، والكفر والشرك الذي قامَتْ رسالة الأنبياء بأجمعهم على محاربته.
إثبات المقدّمة الأولى: من الواضح أن الأنبياء يأمرون بالواجبات، وينهَوْن عن الذنوب والمحرّمات، ويبلِّغون رسالات الله إلى الناس، فإذا ارتكبوا الذنوب بأنفسهم سوف يكونون من الواعظين الذين لا يعملون بما يقولون، ويهدون الناس إلى طريق يتنكَّبونه هم أنفسهم على المستوى العملي.
إثبات المقدّمة الثانية: قال الجرجاني: لدينا إجماعٌ على أن الأنبياء ليسوا من هذه الفئة([107]). وأسند التفتازاني هذا الإجماع بقوله: إن مثل هذا الأمر يُعَدّ من أكبر المنفِّرات، والأنبياء منزَّهون عن الإتيان بأيّ عملٍ يستوجب نفور الآخرين منهم([108]). وادّعى الفخر الرازي أن الأنبياء لو ارتكبوا مثل هذا الأمر سوف يرتكبون أبشع القبائح([109]). وقد تمسَّكوا لذلك بآياتٍ من القرآن الكريم، حيث وبَّخ الله فيها أولئك الذين لا يلتزمون بما يعظون به الآخرين، كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ (الصفّ: 2 ـ 3). وقوله تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ (البقرة: 44). وعليه يتّضح ـ طبقاً لهذه الآيات ـ أن عمل الناصح بما يخالف النصيحة التي يُقدِّمها إلى الآخرين في غاية الشناعة.
كما تمسَّك الفخر الرازي ـ بالإضافة إلى هذه الآيات ـ بكلام النبيّ شعيب×([110])، عندما قال لقومه الذين اتَّهموه بأنه يريد من خلال نصحه لهم أن يصل إلى مآربه ومصالحه، على ما حكاه القرآن الكريم عنه في قوله: ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ﴾ (هود: 88).
الدليل الثالث: لو ارتكب الأنبياء الذنوب فسوف يكونون من حزب الشيطان (المقدّمة الأولى).
كلّ مَنْ يكون في حزب الشيطان سيناله الخسران (المقدّمة الثانية).
الأنبياء ليسوا من الخاسرين (المقدّمة الثالثة).
إن هذا الدليل يُثبت أن الأنبياء لا يخضعون لسلطة الشيطان، ولا يرتكبون الذنوب الكبيرة أو الصغيرة بوسوسةٍ من الشيطان، وأنهم معصومون من الكفر والشرك بوسوسة الشيطان. ولكنّه لا ينفي عنهم السَّهْو والخطأ.
دليل المقدّمة الأولى: من الواضح أن كلّ مَنْ يتّبع الشيطان يجب أن يكون من حزبه.
دليل المقدّمة الثانية قولُه تعالى: ﴿أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ (المجادلة: 19).
وقد لا نكون بحاجةٍ إلى هاتين المقدّمتين، بأن يقال: إن الأنبياء إذا ارتكبوا معصيةً، أو تخلَّفوا عن القيام بالتكاليف والأحكام الإلهية، فإن كفّة ميزان أعمالهم سوف تخفّ في يوم القيامة، والذين يخفّ ميزان أعمالهم في يوم القيامة سوف يكونون من الخاسرين؛ إذ يقول تعالى: ﴿وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ (الأعراف: 9).
وقال التفتازاني في إثبات المقدّمة الثالثة: لا شَكَّ في أن الأنبياء لن يكونوا من الخاسرين([111]). وقال الجرجاني: لو كان الأنبياء من الخاسرين لكانوا أسوأ حالاً من الزهّاد العاديّين الداخلين ضمن المفلحين، ولا شَكَّ في بطلان هذا الكلام([112]).
وعلى هذا الأساس فإن صحّة المقدّمة الثالثة تثبت إما بواسطة الإجماع المدَّعى من قِبَل التفتازاني؛ أو بواسطة عددٍ من المقدّمات التي نحصل عليها من كلام الجرجاني:
المقدّمة الأولى: إن الزهّاد المؤمنين من المفلحين.
المقدّمة الثانية: إن الخاسرين من المفلحين أدنى مرتبةً عند الله.
المقدّمة الثالثة: إن الأنبياء ليسوا أدنى من أيّ أحدٍ عند الله.
دليل المقدّمة الأولى: إن المؤمنين هم من جملة المفلحين، على ما ورد في الكثير من الآيات، ومنها: قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (المؤمنون: 1).
دليل المقدّمة الثانية الآياتُ من 19 إلى 23 من سورة المجادلة، والتي تقدَّم ذكرها، وهي التي تتحدَّث عن أتباع حزب الشيطان، وأنهم هم الخاسرون؛ وعن أتباع حزب الله، وأنهم هم المفلحون. وإن حزب الله عند الله أفضل من حزب الشيطان.
دليل المقدّمة الثالثة هو ذاتُ الدليل الأوّل القرآني غير المباشر، وهو الدليل القائل بأن الأنبياء يختارهم الله سبحانه وتعالى من بين الأمم.
وفي الختام لا بُدَّ من التذكير بأن هناك الكثير من الأبحاث الموجودة حول هذه الأدلّة، ولكنّنا نُؤْثِر عدم ذكرها؛ لعدم اتّساع المقالة لها، وندعو القارئ الكريم إلى البحث عنها في مظانّها.
الهوامش
(*) أستاذٌ مساعدٌ في قسم الفلسفة والكلام الإسلاميّ، وعضو الهيئة العلميّة، في جامعة طهران. ابنة السيد روح الله الخميني.
([1]) انظر: عبد الرحمن النيسابوري (المتولي الشافعي)، الغنية في أصول الدين: 160، بيروت، 1406هـ؛ المقداد السيوري، إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين: 303، قم، 1405هـ؛ فخر الدين الرازي، عصمة الأنبياء: 26، بيروت، 1401هـ؛ البراهين في علم الكلام، إعداد: محمد باقر السبزواري 2: 54، طهران، 1341هـ؛ ابن ميثم البحراني، قواعد المرام في علم الكلام: 215، قم، 1406هـ.
([2]) انظر: عبد الرحمن الإيجي، المواقف: 538، عالم الكتب، بيروت؛ عليّ بن محمد الجرجاني، شرح المواقف 6: 267، قم، 1370هـ ش؛ مسعود بن عمر التفتازاني، شرح المقاصد 5: 50، تصحيح: عبد الرحمن عميرة، بيروت، 1409هـ.
([3]) انظر: مسعود بن عمر التفتازاني، شرح العقائد النسفية: 170، بيروت.
([4]) انظر: عباس زرياب خوئي، سيره حضرت رسول| (سيرة رسول الله). (مصدر فارسي).
([5]) انظر: عبد القاهر البغدادي، الفَرق بين الفِرَق: 210، بيروت، 1977م.
([6]) انظر: الشيخ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 7: 330، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
([7]) انظر: محمد بن جرير الطبري، جامع البيان في تأويل آي القرآن 17: 244 ـ 250، بيروت، 1415هـ.
([8]) انظر: أبو جعفر النحّاس، معاني القرآن 4: 426، مكّة المكرّمة، 1408هـ.
([9]) انظر: تفسير ابن كثير 3: 239؛ جلال الدين السيوطي، الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 4: 366 ـ 368، دار الفكر، بيروت.
([10]) انظر: عليّ بن أحمد الواحدي، أسباب نزول الآيات: 208، القاهرة، 1388هـ.
([11]) انظر: عبد الرحمن ابن الجوزي، زاد المسير في علم التفسير 5: 302، بيروت، 1407هـ.
([12]) انظر: تفسير القرطبي 12: 81.
([13]) انظر: تفسير الثعالبي (الجواهر الحسان في تفسير القرآن) 4: 132، بيروت، 1418هـ.
([14]) علي بن أحمد (ابن حزم)، الفصل في الملل والأهواء والنِّحَل 4: 5، مكتبة الخانجي، القاهرة.
([15]) انظر: التفتازاني، شرح العقائد النسفية: 170.
([16]) انظر: ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة 7: 9، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت، 1378هـ.
([17]) انظر: العلاّمة الحلّي، مناهج اليقين في أصول الدين: 425، تحقيق: محمد رضا الأنصاري، قم، 1374هـ.
([18]) انظر: الرازي، عصمة الأنبياء: 26؛ البراهين في علم الكلام، إعداد: السبزواري 2: 54؛ فخر الدين الرازي، المحصول في علم أصول الفقه 3: 226، بيروت، 1412هـ؛ المقداد السيوري، اللوامع الإلهية في المباحث الكلامية: 170، تبريز، 1396هـ؛ عليّ بن يونس النباطي العاملي، الصراط المستقيم: 50، 207، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، 1384هـ.
([19]) انظر: عليّ بن إسماعيل الأشعري، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلّين: 118، دار إحياء التراث العربي، بيروت؛ أبو سعيد بن نشوان الحميري، الحور العين: 177، اليمن؛ ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنِّحَل 5: 54.
([20]) انظر: الإيجي، المواقف: 538؛ الجرجاني، شرح المواقف 8: 264؛ التفتازاني، شرح المقاصد 5: 49 ـ 50؛ محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، الملل والنِّحَل 1: 122، بيروت، 1404هـ.
([21]) انظر: العلاّمة الحلّي، مناهج اليقين في أصول الدين: 425؛ العلاّمة الحلّي، كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد: 273، بيروت، 1413هـ؛ السيوري، إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين: 303؛ ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة، 7: 9.
([22]) انظر: ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنِّحَل 4: 5.
([23]) انظر: ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة 7: 9.
([24]) انظر: العلاّمة الحلي، مناهج اليقين في أصول الدين: 425.
([25]) انظر: السيوري، إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين: 303.
([26]) انظر: الطبري، جامع البيان في تأويل آي القرآن 30: 293.
([27]) انظر: الإيجي، المواقف: 531؛ الجرجاني، شرح المواقف 5: 50؛ الرازي، عصمة الأنبياء: 226.
([28]) انظر: الإمام الخميني، رساله تقيه (رسالة التقية). (مصدر فارسي).
([29]) انظر: محمد حسن المظفَّر، دلائل الصدق 1: 606، القاهرة، 1396هـ.
([30]) انظر: ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنِّحَل 4: 5.
([31]) انظر: مسند أحمد بن حنبل 4: 154، دار صادر، بيروت؛ محمد بن عيسى الترمذي، سنن الترمذي 5: 281، بيروت، 1977 م؛ ابن حجر العسقلاني، فتح الباري في شرح صحيح البخاري 7: 41، دار المعرفة، بيروت؛ سليمان بن أحمد الطبراني، المعجم الكبير 17: 180، دار إحياء التراث العربي، بيروت؛ علاء الدين عليّ المتّقي الهندي، كنـز العمال في سنن الأقوال والأفعال 11: 578، بيروت، 1409هـ.
([32]) انظر: محمد بن جرير الطبري، تاريخ الملوك والأمم (تاريخ الطبري) 3: 370، مؤسّسة الأعلمي، بيروت؛ تفسير ابن كثير 3: 99 ـ 100.
([33]) انظر: السيد المرتضى، تنـزيه الأنبياء: 5، بيروت، 1409هـ؛ الشيخ الصدوق، الاعتقادات: 117، ترجمه إلى اللغة الفارسية: محمد علي الحسيني، قم، 1371هـ؛ الشيخ المفيد، أوائل المقالات: 29، تبريز، 1330هـ؛ العلاّمة الحلّي، مناهج اليقين في أصول الدين: 425؛ ابن ميثم البحراني، قواعد المرام في علم الكلام: 215؛ السيوري، اللوامع الإلهية في المباحث الكلامية: 171؛ الإيجي، المواقف: 359؛ الرازي، عصمة الأنبياء: 27؛ التفتازاني، شرح العقائد النسفية: 171.
([34]) انظر: الإيجي، المواقف: 359.
([35]) انظر: ابن ميثم البحراني، ، قواعد المرام في علم الكلام: 125.
([36]) انظر: العلاّمة الحلي، مناهج اليقين في أصول الدين: 425.
([37]) انظر: الرازي، عصمة الأنبياء: 27؛ البراهين في علم الكلام، إعداد: محمد باقر السبزواري 2: 47.
([38]) انظر: السيوري، اللوامع الإلهية في المباحث الكلامية: 171.
([39]) انظر: السيوري، إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين: 303.
([40]) انظر: الإيجي، المواقف: 359؛ التفتازاني، شرح المقاصد 5: 50.
([41]) انظر: السيد المرتضى، تنـزيه الأنبياء: 3.
([42]) انظر: الرازي، عصمة الأنبياء: 26.
([43]) انظر: السيد المرتضى، الذخيرة: 338.
([44]) انظر: السيد المرتضى، تنـزيه الأنبياء: 3؛ السيوري، اللوامع الإلهية في المباحث الكلامية: 171؛ عبد الجبّار بن أحمد، شرح الأصول الخمسة: 573، مكتبة الوهبة، مصر.
([45]) انظر: التفتازاني، شرح المقاصد 5: 50.
([46]) انظر: المصدر السابق: 170.
([47]) انظر: الجرجاني، شرح المواقف 8: 265.
([48]) انظر: الإيجي، المواقف: 539.
([49]) انظر: السيوري، إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين: 303.
([50]) انظر: ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنِّحَل 4: 5.
([51]) انظر: العلاّمة الحلّي، مناهج اليقين في أصول الدين: 425.
([52]) انظر: السيوري، إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين: 303.
([53]) انظر: السيد المرتضى، تنـزيه الأنبياء: 3.
([54]) انظر: الرازي، عصمة الأنبياء: 27؛ البراهين في علم الكلام، إعداد: محمد باقر السبزواري 2: 46.
([55]) انظر: السيوري، اللوامع الإلهية في المباحث الكلامية: 171.
([56]) انظر: السيوري، إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين: 303.
([57]) انظر: الإيجي، المواقف: 539.
([58]) انظر: الجرجاني، شرح المواقف 8: 265.
([59]) انظر: التفتازاني، شرح المقاصد 5: 50.
([60]) انظر: المصدر السابق 5: 50؛ التفتازاني، شرح العقائد النسفية: 170.
([61]) انظر: السيوري، إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين: 303.
([62]) انظر: الرازي، عصمة الأنبياء: 27.
([63]) انظر: المصدر السابق: 26؛ البراهين في علم الكلام، إعداد: محمد باقر السبزواري 2: 46.
([64]) انظر: السيد المرتضى، تنـزيه الأنبياء: 3؛ العلاّمة الحلّي، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: 349، قم، 1419هـ؛ السيوري، إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين: 303؛ السيوري، اللوامع الإلهية في المباحث الكلامية: 171.
([65]) انظر: الإيجي، المواقف: 539؛ التفتازاني، شرح المقاصد 5: 49.
([66]) انظر: الرازي، عصمة الأنبياء: 27؛ ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنِّحَل 4: 6.
([67]) انظر: السيد المرتضى، تنـزيه الأنبياء: 3.
([68]) انظر: عبد الجبّار بن أحمد، شرح الأصول الخمسة: 573.
([69]) انظر: السيد المرتضى، تنـزيه الأنبياء: 3.
([70]) انظر: الرازي، عصمة الأنبياء: 26؛ البراهين في علم الكلام، إعداد: محمد باقر السبزواري 2: 46.
([71]) انظر: الجرجاني، شرح المواقف 8: 265.
([72]) انظر: التفتازاني، شرح المقاصد 5: 50.
([73]) انظر: السيوري، اللوامع الإلهية في المباحث الكلامية: 170.
([74]) انظر: ابن ميثم البحراني، قواعد المرام في علم الكلام: 215.
([75]) العلاّمة الحلّي، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: 349.
([76]) العلاّمة محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 11: 90، بيروت، 1403هـ.
([77]) انظر: عبد الجبّار بن أحمد، شرح الأصول الخمسة: 573؛ الإيجي، المواقف: 359؛ العلاّمة الحلّي، نهج الحقّ وكشف الصدق: 142، دار الهجرة، قم؛ عبد الرزّاق اللاهيجي، گوهر مراد: 301، دار الكتب الإسلامية؛ ابن ميثم البحراني، قواعد المرام في علم الكلام: 217.
([78]) انظر: محمد بن الحسن الحُرّ العاملي، التنبيه بالمعلوم من البرهان على تنـزيه المعصوم عن السهو والنسيان: 20، تصحيح: اللاجوردي ودرودي، قم، 1401هـ.
([79]) العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار 11: 90.
([80]) انظر: الشيخ الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 1: 234.
([81]) انظر: الشيخ المفيد، أوائل المقالات: 30.
([82]) انظر: ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة 13: 27.
([83]) انظر: علي بن موسى (ابن طاووس)، جمال الأسبوع بكمال العقل المشروع: 526، مؤسّسة الآفاق، 1371هـ.ش.
([84]) انظر: فخر الدين الطريحي، تفسير غريب القرآن الكريم: 193، نشر زاهدي، قم.
([85]) انظر: الطبري، جامع البيان في تأويل آي القرآن 29: 151.
([86]) انظر: العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار 11: 96.
([87]) العلاّمة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 17: 173.
([88]) انظر: كتاب سليم بن قيس: 428.
([89]) انظر: الشيخ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 9: 510.
([90]) انظر: أحمد بن عيّاش الجوهري، مقتضب الأثر في النصّ على الأئمة الاثني عشر: 10، مكتبة الطباطبائي، قم.
([91]) لقد ذكر تعريف الظلم، وأيّ الأمور والأعمال من مصاديق الظلم، في موضعه من علم الكلام.
([92]) انظر: الرازي، عصمة الأنبياء: 33؛ الإيجي، المواقف: 359.
([93]) انظر: محمد بن يعقوب الكليني، أصول الكافي 1: 199.
([94]) انظر: المصدر السابق 1: 108.
([97]) انظر: الطبري، جامع البيان في تأويل آي القرآن 14: 12؛ الفضل بن حسن الطبرسي، مجمع البيان 6: 105، بيروت، 1415هـ.
([98]) انظر: الطبري، جامع البيان في تأويل آي القرآن 24: 155؛ الطبرسي، مجمع البيان 9: 130.
([99]) انظر: الرازي، عصمة الأنبياء: 28؛ البراهين في علم الكلام، إعداد: محمد باقر السبزواري 2: 48.
([100]) انظر: الجرجاني، شرح المواقف 8: 267؛ التفتازاني، شرح المقاصد 5: 52؛ السيوري، إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين: 302.
([101]) انظر: المائدة: 56؛ المجادلة: 22.
([102]) وانظر: التوبة: 100؛ المجادلة: 22؛ البيّنة: 8.
([103]) انظر: آل عمران: 33؛ النساء: 59؛ المائدة: 92؛ الأنفال: 20، 46.
([106]) انظر: الرازي، عصمة الأنبياء: 29؛ البراهين في علم الكلام، إعداد: محمد باقر السبزواري 2: 46؛ الإيجي، المواقف: 359؛ التفتازاني، شرح المقاصد 5: 51.
([107]) انظر: الجرجاني، شرح المواقف 8: 266.
([108]) انظر: التفتازاني، شرح المقاصد 5: 51.
([109]) انظر: الرازي، عصمة الأنبياء: 30؛ البراهين في علم الكلام، إعداد: محمد باقر السبزواري 2: 47.
([110]) انظر: الرازي، عصمة الأنبياء: 30.