المقدمة
للحكومة الإسلامية دورٌ محوري في المسيرة الاجتماعية التي خطّط لها الإسلام في إطار نظريّته الاجتماعية العامة، وقد حدّد الإسلام هذه المسؤوليات التي تجاوزت كثيراً ما كان متعارفاً في عصر انطلاقته، ومع عظم المسؤولية يتطلّب الأمر إمكانات تنفيذية كبرى لا على الصعيد المادي فحسب، بل على المستوى القانوني، فضلاً عن الجوّ العاطفي المطلوب لعمل هذا المحور المهم.
وهذا البحث يتكفل الإشارة لهذه الجوانب، مع تركيز خاص على الإمكانات القانونية للحاكم الإسلامي؛ وهو الرأس الأعلى للحكومة الإسلامية، وبتعبير أدقّ: يتم التركيز على الصلاحية القانونية التي يملكها الحاكم، وإن كانت الإمكانات القانونية أعمّ من هذه الصلاحيات.. ذلك أننا نعتبر انسجام طبيعة التشريع الإسلامي بشكل دقيق مع الأهداف المرجوّة للحكومة الإسلامية إمكاناً قانونياً يستفاد منه في تحقيق تلك الأهداف، وسيأتي توضيح هذه المقولة إن شاء الله تعالى.
ورغم أنّ فقهاءنا ومفكرينا قد بذلوا جهدهم الكبير في هذا المجال، إلا أننا نعتقد أن المجال ما زال مفتوحاً للبحث واستنباط النظرية الإسلامية، فيجب هنا أن نلاحظ أنّ الخلط بين واجبات الفقيه في عملية الاستنباط وواجباته في عملية القضاء وفضّ النزاعات، وبين واجبات الحاكم في مسألة إدارة دفّة الحكم، وكذلك الخلط بين دور المصلحة في استنباط الموقف الشرعي الخالد من القضايا والنوازل، ودورها في العملية الإدارية الاجتماعية وما يتبعها من نوازل، وهو موقف غالباً ما يكون تابعاً للظروف الزمانية والمكانية؛ ولذا لا يعدّ موقفاً خالداً، ذلك كلّه أدّى إلى نوع من إبهام النظرية، واختلاف نتائجها، الأمر الذي يتطلّب التنقيح والتنبيه.
ونلاحظ أيضاً أن تنوّع منافذ الزمان والمكان إلى ضيق أفق الفقيه وسعته، وكذلك الأحكام من حيث دورهما في تغيير الموضوع، أو قيوده، أو مصاديقه، أو ظروف تطبيق الحكم أو تحوّله من حقّ خاص إلى حق عام أو غير ذلك.. أدّى إلى نوع من تصوّر الميوعة ــ لدى البعض من غير المتعمّقين ــ مما يتنافى مع خلود الشريعة وبقائها، فيما المرونة الإسلامية هي التي تعتمد على هذه الخواص دون أن يؤدي ذلك إلى الميوعة المرفوضة.
وينبغي أن لا يغيب عن البال، أنّ الفقيه الذي يعمل على اكتشاف الحكم الشرعي من القضايا يحتاج إلى إمكانات علمية واسعة يذكرها علماء الأصول والفقه، وهي نفسها ضرورية لعمل الحاكم الفقيه بالإضافة لضرورة معرفة الدور الذي يلعبه هذا الحكم الجزئي الاجتماعي في إطار الكلّ الإسلامي المترابط؛ لأنه يُراد طرحه على صعيد تطبيق مجمل الأطروحة الإسلامية على المجتمع، وهي أطروحة متكاملة مترابطة؛ فإذا كان الفقيه يحاول استنباط الموقف المعين مع التركيز عليه وعلى أدلته، فإنّ الحاكم يجب أن يلحظ في الوقت نفسه مناسبات الموضوع مع سائر المواضيع، ومدى التأثيرات التي سيتركها التطبيق على مجمل العملية الاجتماعية، ولا أدلّ على ذلك من ملاحظة آثار عملية تطبيق الحدود الإسلامية على مجمل العلاقات الاجتماعية، والحقوقية، والاقتصادية، والسياسية، والدولية وغيرها، ومن ثمّ على مجمل التكامل الاجتماعي المطلوب.
وهذه الإشارات ــ وغيرها ــ كافية لتصوّر بقاء الباب مفتوحاً أمام الفقهاء والمفكّرين في هذا المجال.. وقد نملك أن نقول: إنّ القسط الأكبر من المباحث النظرية الاجتماعية ما زال مجهولاً مع الأسف، بعد أن اتجه الكثير من بحوثنا اتجاهاً تقطيعياً تجزيئياً ولم يعبر المجالات المقطعية إلى مجالات التنظير التي تستطيع أن تمنحنا الرؤية العامة لمعالمنا، وافتراقاتها عن معالم النظريات والمذاهب الحياتية الأخرى، لئلا نقع ــ كما وقع الكثيرون من المفكّرين ــ في وهدة الالتقاط أو التهجين أو التركيب بين الإسلام وغيره؛ مما أنتج في ذهنهم إسلاماً رأسمالياً أو اشتراكيةً إسلامية، أو حتى علمانية إسلامية!
نطاق البحث ومنهجته
ويجب أن ننبّه هنا إلى أننا نركّز على موضوع الحكم الحكومي الصادر من الفقيه الحاكم شرعاً، دون الفقيه الذي يحاول إصدار فتواه في الموضوع، فالفتوى لا تتحمل انتخاباً واختياراً، وإنما المطلوب معرفة الواقع الشرعي، أما الانتخاب والاختيار فإنما يتصور على صعيدين:
الأول: انتخاب غير الفقيه للفتوى التي يعمل بها، وهذا المعنى لا يتصوّر في من يقول بضرورة كون المقلّد أعلم من غيره؛ لأن الأعلم لا يتكرّر؛ فإذا تمّ له الإيمان بحذف شرط الأعلمية أمكنه أن يتخيّر بين الفتاوى.
الثاني: أن يقوم الحاكم الشرعي باختيار الأحكام والفتاوى المنسجمة مع المصلحة العامة وتعميمها على الآخرين، وهذا ما سنبيّنه ــ إن شاء الله تعالى ــ لاحقاً في هذا البحث، فما سمّي بالعمل، إنما يتصور في هذا المجال لا غير، وهذا ما دعانا للتركيز على جانب الحكم الحكومي لا غير.
وسيسير بحثنا على النمط التالي:
المحور الأول: ونتحدث فيه بشكل مقدّمي عن المصطلحات التي سنركّز عليها، كالحكم الحكومي، والحكم الأولي والثانوي، والعلاقة بين هذه الأقسام.
المحور الثاني: ونركز فيه على شرعيّة الحكم الحكومي، متعرّضين ــ بالطبع ــ لبعض تطبيقاته.
المحور الثالث: ويتمّ البحث فيه عن مسؤوليات الحكومة الإسلامية، والملاكات التي تحدّد لها عملية تنفيذ هذه المسؤوليات.
المحور الرابع: ونركز فيه على الإمكانات التشريعية التي يملكها الحاكم لتنفيذ مسؤولياته.
المحور الخامس: ونتعرّض فيه للإمكانات الأخرى التي تساعده في ذلك.
المحور الأول: تقسيمات الحكم الشرعي والفروق بينها، الأولي والثانوي والولائي و…
عرّف الحكم بأنه: (الاعتبار الشرعي المتعلّق بأفعال العباد تعلّقاً مباشراً أو غير مباشر)([1])، ولعله أسلم التعاريف.
وقد قسّم الحكم إلى أقسام باعتبارات مختلفة، والذي يهمّنا تقسيمه إلى الحكم الأولي والحكم الثانوي والحكم الولائي، وقد عرّف الحكم الأولي بأنه: الحكم المجعول للشيء أولاً وبالذات، أي بلا لحاظ ما يطرأ عليه من العوارض الأخر([2])، كما عرّف الحكم الثانوي بأنه: الحكم المجعول للشيء بلحاظ ما يطرأ عليه من عناوين خاصّة تقتضي تغيير حكمه الأولي([3])، وهذه الحالات الطارئة من قبيل الضرر، والعسر والحرج، والعجز، والإكراه، والخوف، والمرض، والتقيّد، وتزاحم الحكم عند تنفيذه مع حكمٍ آخر أهمّ منه، ووقوعه مقدّمةً لحكم آخر، ووقوعه مورد النذر والعهد والقسم، وغير ذلك، من قبيل تحوّل الحكم الوجوبي الكفائي للصناعات التي يتوقف عليها نظام الحياة إلى الحكم التعييني الوجوبي إذا انحصرت بشخص واحد.
والحكم الأولي ثابتٌ لموضوعه دائماً دونما تغيير؛ لأنه جاء لذات الموضوع بغضّ النظر عن الطوارىء عليه، كما أنه يشترك فيه العالم والجاهل؛ لأنه أيضاً ثابت لذات الموضوع رغم كون الجاهل معذوراً، فيما الحكم الثانوي ثابتٌ ما ثبتت الحالة الطارئة، ولخصوص هذا الشخص الذي عرضت له؛ ولذا نجده يعبّر عن مرونة تشريعية؛ ذلك أنّ المرونة تعني الاستجابة للحالة الضاغطة بمقدار ما تحمله من ضغط، ثم العودة إلى الحالة الطبيعية، وهي هنا الحكم الأولي، وهذه بنفسها قاعدة عامة يجب أن يلحظها الفرد عند اتباعه الحكم الثانوي، كما يجب أن يلحظها الحاكم الشرعي في حكمه الولائي؛ فلا يتجاوزها إلى حالة طارئة بشكل دائم، بل يتبع في ذلك مقتضيات المصلحة العامة ملتفتاً إلى كون الحالة استثنائيةً.
ولسنا هنا بصدد استقصاء العناوين الطارئة بشكل ثانوي، وإنما نشير إلى أن القرآن الكريم يشير إليها، فقد جاءت حالة الاضطرار في الآيات التالية: >إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ< (البقرة: 172)، >فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ< (المائدة: 3)، >وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ< (الأنعام: 119)، وغيرها.
وكذلك الحرج، قال تعالى: >مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ< (الحج: 78)، إلى غيرها من العناوين الأخرى.
وهذا المعنى جاء ــ أيضاً ــ في الروايات الشريفة، ومنها حديث الرفع الذي روي بسند جامع لشرائط الصحّة، عن حريز، عن أبي عبدالله الصادق %، قال: قال رسول الله 2: <رفع عن أمتي تسعة: الخطأ، والنسيان، وما أكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطرّوا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكّر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة>([4]).
الأحكام الحكومية، تفكيك المفهوم وتمييز المصطلح
وربما سمّيت بالأحكام الولائية أو السلطانية، ومنها الأحكام القضائية، وقد عُرفت بأنها: <إنشاء إنفاذ من الحاكم ــ لا منه تعالى ــ لحكم شرعي أو وضعي أو موضوعهما في شيء مخصوص>([5]).
ويطرح صاحب الجواهر هنا ــ رغم تعرّضه لتعريف الحكم القضائي ــ المسألة بشكل أعم؛ ليشمل كلّ حكم يصدر من الحاكم الشرعي، وهو في ذيل التعريف يشير إلى هذا التعميم؛ فإذا صدر الحكم في مقام الخصومة والترافع كان حكماً حكومياً قضائياً وإلا كان عاماً.
ويعرّفه الشهيد الأول: <إنشاء إطلاق أو إلزام في المسائل الاجتهادية وغيرها، مع تقارب المدارك فيها مما يتنازع فيه الخصمان لمصالح المعاش>([6])، وهو تعريف يختصّ بالأمور القضائية.
وإذا شئنا أن نجاري أسلوب تعريف الحكم الأولي، قلنا: إن الحكم الحكومي هو <الاعتبار الصادر من الحاكم الشرعي بمقتضى صلاحيّته الشرعية والمتعلّق بأفعال العباد مباشرةً أو بشكل غير مباشر>؛ ليكون شاملاً للأحكام التكليفية والوضعية، وإذا أردنا أن نخصّه بالأحكام القضائية أضفنا إليه عبارة: <في مقام رفع التخاصم>.
الفرق بين الأحكام الأولية والأحكام الولائية
وعلى ضوء ما سبق، يمكن أن نحصر الفروق فيما يلي:
أولاً: إنّ الأحكام الأولية أحكامٌ للشارع المقدّس، يتمّ كشفها من قبل الفقيه مباشرةً، فيما الأحكام الولائية أحكامٌ يصدرها الحاكم الشرعي بمقتضى صلاحياته الشرعية.
ثانياً: إنّ الأحكام الأولية أحكامٌ كلية غير مطبّقة على مصاديقها الخارجية، كقول الفقيه: الصلاة واجبة، والماء طهور؛ فيما تعبّر الأحكام الولائية عن تطبيق حكم كلّي على الموضوعات الخارجية([7]).
ثالثاً: إنّ الأحكام الفتوائية ــ الأولية والثانوية ــ يمكن نقضها من قبل فقيهٍ آخر؛ لأن المقام مقام كشف عن الحكم الشرعي، أما الأحكام الولائية فلا يمكن نقضها، وفي نقض الأحكام القضائية منها كلامٌ.
رابعاً: إنّ الأحكام الأولية الفتوائية قائمة على أساسٍ من مصالح ومفاسد في ذوات الأشياء، يلحظها الشارع المقدس ــ جلّ جلاله ــ ويصدر حكمه فيها، أما الأحكام الولائية فتتبع المصالح التي يدركها الحاكم الشرعي أو التطبيقات التي ينصرف نظره إليها على الموضوعات الخارجية.
خامساً: تعبّر الأحكام الأولية عن الحالة الطبيعية للأشياء، كما يراها الإسلام، أما الأحكام الولائية فهي تعبّر عن مقتضيات المصلحة التي يراها وليّ الأمر، وتشكّل حالةً استثنائية.
سادساً: قيل([8]): إنّ الأحكام الأولية أحكام فردية واجتماعية، أما الأحكام الولائية فهي اجتماعية دائماً؛ إلا أن الصحيح أن كلاً منهما يعمّ الاثنين، وإن كان المنطلق مختلفاً.
سابعاً: وقيل([9]): إنّ الأحكام الحكومية تنفيذٌ للأحكام الأولية، وربما كان المراد أنها في الواقع تعتمد على الأحكام الأولية وتحاول تبيين السبل لتنفيذها كما سيأتي، لكنّ الحقيقة أن أسلوب التنفيذ يعدّ أحد الموارد التي يكلّف بها الحاكم الشرعي ليعيّنها ــ اجتماعياً ــ رغم وجود بدائل أخرى للتنفيذ، من قبيل أن يأمر بنظام اقتصادي معيّن لا ربا فيه مع وجود بدائل أخرى، إلا أنه يمكن إرجاع هذا الفرق إلى الثاني، واعتبار أنّ كلّ ما يقوم به الحاكم الشرعي إنما هو العمل على تطبيق كليات شرعية معطاة له بالحكم الأولي من قبيل: لزوم مراعاة المصلحة العامة، أو رجحان فكرة >كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم<، كما سيأتي.
الفرق بين الأحكام الثانوية والأحكام الولائية
ويمكن أن نذكر هنا الفروق التالية:
أولاً: إنّ الأحكام الثانوية تنحصر عناوينها بما ذكر في القرآن الكريم والسنّة الشريفة فهي ترتكز عليها، فيما ترتكز الأحكام الولائية على المصلحة العامة ومقتضيات المؤشرات العامة، كما سيأتي.
ثانياً: إنّ الأحكام الثانوية يمكن أن يدركها الفرد ويعمل بها، فيما تتوقّف الأحكام الولائية على نظر ولي الأمر، وهناك من يرى الوحدة بينهما على أساس أنهما حكمان استثنائيان، إلاّ أن ما ذكرناه يوضح الفرق بينهما.
ثالثاً: إنّ الأحكام الثانوية أحكامٌ شرعية وضعت للعناوين الطارئة، أما الأحكام الولائية فهي أحكام يصدرها ولي الأمر بمقتضى صلاحياته، وربما استند في حكمه إلى توفر هذه العناوين الطارئة، لكنه على أيّ حال حكمٌ صادر من ولي الأمر لا من الشارع، وإن كان واجب الطاعة شرعاً.
المحور الثاني: شرعيّة الحكم الحكومي الولائي
قد لا نكون بحاجة ماسّة لإثبات شرعيّة الحكم الحكومي بعد أن كاد أن يكون من الواضحات، رغم تشكيك بعض العلمانيين، بل بعض المتحجّرين من ذوي الاتجاه الديني أحياناً، ويكفي أن نشير إلى بعض أدلّة الشرعية، مع طرح بعض الملاحظات في البين:
1 ــ المستند القرآني
يطرح القرآن الكريم حقّ إصدار الحكم الحكومي للأنبياء وأولي الأمر بكلّ وضوح، يقول تعالى: >فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا< (النساء: 65)، ويقول: >إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إذا دُعُوا إلى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ< (النور: 49 ــ 50)، ويقول: >يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ< (النساء: 59)، ويقول: >النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ< (الأحزاب: 6)، وغيرها من الآيات الكريمة.
2 ــ المستند الحديثي
السنّة طافحة بما لا مزيد عليه من الأحكام التي أصدرها 2 باعتباره ولياً للأمر، ونشير فيما يلي إلى بعضها:
1 ــ الحكم بإعدام كعب الأشراف([10]). 2 ــ الحكم بإهدار دماء 4 نفر في فتح مكة([11]). 3 ــ إصدار الأمر بمنع مجالسة الممتنعين عن الجهاد([12]). 4 ــ الحكم بقطع نخيل بني النضير([13]). 5 ــ النهي عن أكل لحم الحمير في خيبر([14]). 6 ــ النهي عن التخلّف عن جيش أسامة([15])، بل يمكن القول: إنّ قيادته 2 تمثلت في أوامر حكومية كان يصدرها بشكل مستمر إلى جانب إبلاغ الأوامر الإلهية التي يبلّغها الوحي الصادق الأمين.
وقد تعرّض الشهيد الصدر في كتابه القيّم (اقتصادنا) لهذا الموضوع؛ وذلك في معرض حديثه عن مسألة اتخاذ موقف معيّن بصورة مسبقة تجاه النصوص ممّا يؤدي ــ أحياناً ــ إلى إخفاء بعض معالم التشريع أو إلى التضليل في فهم النص والخطأ في استنباط الحكم الشرعي منه.. قال: <فقد جاء في الرواية أنّ النبي قضى بين أهل المدينة في النخل، لا يمنع نفع بئر، وقضى بين أهل البادية أنه لا يمنع فضل ماء ولا يباع فضل كلأ، وهذا النهي من النبي عن منع فضل الماء والكلأ يمكن أن يكون تعبيراً عن حكم شرعي عام ثابت في كلّ زمان ومكان، كالنهي عن الميسر والخمر، كما يمكن أيضاً أن يعبّر عن إجراء معيّن اتّخذه النبي بوصفه ولي الأمر المسؤول عن رعاية مصالح المسلمين، في حدود ولايته وصلاحياته، فلا يكون حكماً شرعياً عاماً بل يرتبط بظروفه ومصالحه التي يقدّرها ولي الأمر، وموضوعية البحث في هذا النص النبوي تفرض على الباحث استيعاب كلا هذين التقديرين، وتعيين أحدهما على ضوء صيغة النص وما يناظره من نصوص، أما أولئك الذين يتخذون موقفاً نفسياً تجاه النصّ بصورة مسبقة، فهم يفترضون ــ منذ البدء ــ أن يجدوا في كلّ نص حكماً شرعياً عاماً، وينظرون دائماً إلى النبي من خلال النصوص بوصفه أداةً لتبليغ الأحكام العامة، ويهملون دوره الإيجابي بوصفه وليّ الأمر؛ فيفسّرون النص الآنف الذكر على أساس أنه حكم شرعي عام، ويفرّعون على هذا الأساس أن النهي ليس نهي تحريم، وإنما هو نهي كراهة؛ لأنهم يستبعدون أن يكون منع المالك لفضل مائه حراماً شرعاً، في كلّ زمان ومكان>([16]).
وهكذا نجد تفريقه ) بين الموقفين تماماً، أي بين الأمر الكاشف عن الحكم الشرعي الأولي والأمر الولائي الحكومي.
أما من حيث دلالة هذه الأوامر الولائية على الكشف عن الحكم الشرعي الأوّلي، فقد تعرّض الأصوليون لذلك؛ فذكر في (سلّم الوصول) أنه ليس كلّ ما روي عن الرسول عليه الصلاة والسلام من أقواله وأفعاله وتقريراته تشريعاً يطالب به المكلّفون؛ لأن الرسول بشر كسائر الناس اصطفاه الله رسولاً لهداية الناس وإرشادهم؛ قال تعالى: >قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ< (الكهف: 10)، فما صدر منه ينتظم الأقسام التالية:
1 ــ ما صدر منه بحسب طبيعته البشرية، كالأكل والشرب والنوم، وما إلى ذلك من الأمور التي مرجعها طبيعة الإنسان وحاجته.
2 ــ ما صدر منه بحسب خبرته وتجاربه في الحياة، وفي الأمور الدنيوية، وبحسب تقديره الشخصي للظروف والأحوال الخاصة، وذلك مثل شؤون التجارة والزراعة والمسائل المتعلّقة بالتدبيرات الحربية، وما إلى ذلك من الأمور التي يعتمد فيها على مقتضيات الأحوال ومراعاة الظروف.
وهذان القسمان ليسا تشريعاً؛ لأنّ مرجع القسم الأول الطبيعة والحاجة البشرية، ومرجع القسم الثاني الخبرة والتجارب في الحياة والتقدير الشخصي للظروف الخاصة، من غير أن يكون هناك دخل للوحي الإلهي وللنبوة والرسالة.
3 ــ ما صدر منه على وجه التبليغ عن الله تعالى، بصفته رسولاً يجب الاقتداء به والعمل بما سنّه من الأحكام، مثل تحليل شيء أو تحريمه، والأمر بفعل أو النهي عنه، وكبيان العبادات، وتنظيم المعاملات، والحكم بين الناس، فهذا القسم الأخير تشريعٌ عام يجب على كلّ مكلف العمل به، والأحاديث الواردة في هذا القسم تسمّى بأحاديث الأحكام.
وبالجملة، فإنّ أقوال الرسول وأفعاله وتقريراته إنّما تكون دليلاً من الأدلة، ومصدراً من المصادر التشريعية التي تستمدّ منها الأحكام الشرعية إذا صدرت منه بمقتضى رسالته لسنّ القوانين وتشريع الأحكام أو بيانها([17]).
وقد أشكل عليه أستاذنا السيد محمد تقي الحكيم بأنّ هذا التقسيم غريبٌ، بناء على: أ ــ علمنا بأنه ما من واقعة إلا ولله فيها حكم. ب ــ صدور هذه الأفعال عن إرادة. ج ــ أدلّة العصمة؛ فكلّ ما يصدر عنه 2 بطبيعة الحال يكون موافقاً لأحكام الشريعة ومعبراً عنها، ويختلف الحال بين القسم الأول والثاني والثالث، واستثنى من ذلك مختصّاته كالزواج بأكثر من أربع، وكذلك أفعاله الطبيعية غير الإرادية.. وأضاف <أقصاه أنّ بعض أفعاله تختلف عن البعض الآخر من حيث دلالتها على الحكم بعنوانه الأولي أو العنوان الثانوي، ودلالتها أحياناً على جواز العمل بالحكم الظاهري، وهكذا>([18]).
وما قاله أستاذنا الحكيم صحيح، إلا أنه يمكن توجيه كلام صاحب (سلّم الوصول) بأن القسم الأول لا يعني الأساس الذي صدر عليه هذا السلوك الخاص، وأنّ القسم الثاني لا يكشف عن حكم شرعي ثابت، كما هي الحال في القسم الثالث، إلا أنّ الذي يرد عليه أنه خلط في القسم الثاني بين الآراء الشخصية والمواقف الحكومية الولائية، حيث تعبّر المواقف الحكومية عن مراعاة كاملة للأطر التشريعية العامة، والتوجيهات الإسلامية للحاكم الشرعي ــ كما سيأتي بيانه ــ والمصلحة العامة للأمّة، ممّا يمكن أن يساعد في الكشف عن الحكم الإسلامي الثابت، وإن كان هو لا يعبّر عن حكم ثابت شامل باعتبار قيامه على أساس مراعاة الظروف الزمانية والمكانية.
وقد نستغرب أن يدخل في القسم الثالث مسألة الحكم بين الناس، وهي لا تعبّر عن حكم إسلامي ثابت؛ إلا أن يريد القواعد الثابتة لهذه المسألة.
هذا، وهناك أمثلة كثيرة للأحكام الصادرة عن الأئمة، لا مجال هنا للتعرض إليها بالتفصيل.
معيار التمييز بين الأوامر الشرعية والولائية
وربما كان هذا البحث من البحوث الأصولية الأصلية، وإن لم يتمّ الاهتمام به على النحو المطلوب، وما يبدو لنا وجود معايير فنية من قبيل:
أولاً: أن يتعلّق الأمر بالقضايا الخارجية.
ثانياً: أن يحمل معه قرينة تدلّ على ذلك، كأن يكون في موقف القضاء أو الحكم بين الناس.
ثالثاً: أن يصدر في جوّ مخالف لمضمونه، مجمع على عمومه الآبي عن التخصيص.
رابعاً: أن يفسّره الأئمة والأصحاب بذلك وفق قرائن معيّنة عندهم مما يخلق لنا الاطمئنان بالجوّ الذي صدرت فيه هذه الأوامر، كما جاء في بعض الروايات عن أهل البيت ( من قبيل:
1 ــ محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن الحلبي، قال: سئل أبو عبدالله عن شراء النخل والثمار ثلاث سنين أو أربع سنين فقال: <لا بأس، تقول: إن لم يخرج في هذه السنة خرج في قابل، وإن اشتريته في سنة واحدة فلا تشتره حتى يبلغ، وإن اشتريته ثلاث سنين قبل أن يبلغ فلا بأس>، وسئل عن الرجل يشتري الثمرة المسمّاة من أرض، فتهلك ثمرة تلك الأرض كلها، فقال: <قد اختصموا في ذلك إلى رسول الله 2 فكانوا يذكرون ذلك، فلما رآهم لا يدعون الخصومة نهاهم عن ذلك البيع حتى تبلغ الثمرة، ولم يحرّمه، ولكن فعل ذلك من أجل خصومتهم>([19]).
2 ــ محمد بن يعقوب، بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر %، أنه سئل عن .. والحمير والبغال والخيل، فقال: <ليس الحرام إلا ما حرّم الله في كتابه، وقد نهى رسول الله 2 يوم خيبر عنها، وإنما نهاهم من أجل ظهورهم أن يفنوه وليست الحمر بحرام>([20]).
3 ــ نقل الترمذي عن رافع بن خديج أنه قال: نهانا رسول الله 2 عن أمر كان لنا نافعاً إذا كانت لأحدنا أرض أن يعطها ببعض خراجها أو بدارهم، وقال: <إذا كانت لأحدكم أرضاً فليمنحها أخاه أو ليزرعها>([21])، ويعلّق الشهيد الصدر عليه بقوله: <.. ونحن حين نجمع بين قصّة هذا النهي، واتفاق الفقهاء على عدم حرمة كراء الأرض في الشريعة بصورة عامة، ونضيف نصوص كثيرة واردة عن الصحابة تدلّ على جواز إجارة الأرض، نخرج بتفسير معيّن لهذا النص.. وهو أنّ النهي كان صادراً من النبي بوصفه ولي الأمر، وليس حكماً شرعياً عاماً>([22]).
هذا، وإذا لم يقم أيّ من هذه المعايير على تشخيص الموقف، فإنّ الأصل ــ والله أعلم ــ هو اتباع الطبيعة الغالبة، وهي كونه 2 في موقف التبليغ.
3 ــ مستند الإجماع الإسلامي
مرّ بنا أنّ هذا الأمر يعدّ من الأحكام الواضحة في الإسلام، وذلك نتيجةً لإجماع الأمة الإسلامية على استمرار الحكومة الإسلامية التي بدأت بعهد النبي 2 والخلفاء الراشدين واستمرّت بأشكال أخرى، ورغم الانحراف الذي أصاب بعض الحاكمين إلا أن أصل الحكومة لم يكن ليعترض عليه أحد، بل شكّلت ــ عند البعض ــ أمراً يجب احترامه حتى ولو كان الحاكم فاقداً للشروط المطلوبة.
4 ــ طبيعة التشريع الإسلامي، ودليل العقل
إنّ المتتبع للشريعة الإسلامية بسعتها وعرضها العريض، وأهدافها المعلنة بوصفها شريعة حياة، لكلّ واقعة فيها حكم، ولكلّ مشكلة منها رأي وموقف، ولكلّ جانب من جوانب الحياة الإنسانية نظام شامل ومتشعب، هذا المتتبع لابدّ له أن يصدّق تماماً بوجود نظام سياسي حكومي إسلامي، وأنّ لهذا النظام صلاحياته التي تتطلب قيامه بفض النزاعات وملء المناطق المتعلّقة بالشؤون الإدارية والتنفيذية، والتي ترتبط بالجانب المتغيّر من الحياة.. وهذا المسلك ربما أطلق عليه اسم : مسلك العقل، والمراد به المسلك الذي يعتمد على النتيجة المنطقية التي يخرج بها من يلاحظ مجمل الخصائص الإسلامية ومقاصد الشريعة وأهدافها. والحقيقة أن التصوّر القائل بعدم الحكومة يعني أن الإسلام سلّم كلّ نظمه وقوانينه الحياتية بيد حكومة لم يخطّط لها، ولا تؤمن به، وهو أمر يدعو للسخرية([23]).
المحور الثالث: مسؤوليات الدولة وملاكات الحكم الولائي
لا تجدنا بحاجة للتأكيد على المسؤولية الخطيرة التي يتحمّلها الحاكم الشرعي ورئيس الدولة الإسلامية؛ فهي ممّا يؤكّد عليه كلّ الذين تعرضوا للموضوع وإن اختلفت تعبيراتهم؛ يقول القاضي أبو يعلى الفراء: <ويلزم الإمام من أمور الأمة عشرة أشياء:
أحدها: حفظ الدين على الأصول التي أجمع عليه سلف الأمة، فإن زاغ ذو شبهة عنه بيّن له الحجّة وأوضح له الصواب، وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود؛ ليكون الدين محروساً من خلل، والأمة ممنوعة من الزلل.
الثاني: تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين، وقطع الخصام بينهم، حتى تظهر النصفة؛ فلا يتعدّى ظالم ولا يضعف مظلوم.
الثالث: حمية البيضة والذبّ عن الحوزة؛ ليتصرّف الناس في المعاش وينتشروا في الأسفار آمنين.
الرابع: إقامته الحدود؛ لتصان محارم الله تعالى عن الانتهاك، وتحفظ حقوق عباده من إتلاف واستهلاك.
الخامس: تحصين الثغور بالعدّة المانعة، والقوة الدافعة، حتى لا تظفر الأعداء بغرة ينتهكون بها محرماً، ويسفكون فيها دماً لمسلم أو معاهد.
السادس: جهاد من عاند الإسلام بعد الدعوة حتى يسلم أو يدخل في الذمّة.
السابع: جباية الفيء والصدقات على ما أوجبه الشرع ــ نصّاً واجتهاداً ــ من غير عسف.
الثامن: تقدير العطاء وما يستحقّ في بيت المال من غير سرف ولا تقصير فيه، ودفعه في وقت لا تقديم فيه ولا تأخير.
التاسع: استكفاء الأمناء وتقليد النصحاء فيما يفوّضه إليهم من الأعمال ويكله إليهم من الأموال؛ لتكون الأعمال مضبوطةً والأموال محفوظة.
العاشر: أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور، وتصفّح الأحوال؛ ليهتمّ بسياسة الأمة، وحراسة الملة، ولا يعوّل على التفويض تشاغلاً بلذةٍ أو عبادة، فقد يخون الأمين ويغش الناصح>([24])، وقد نقل الشيخ القرشي هذه العبارة دونما تعليق([25]).
وهكذا نجد الفراء يحصر مسؤوليات الدولة الإسلامية في الصيانة العقائدية، والوظائف القضائية، والدفاعية، وإقامة الحدود، وتنظيم الشؤون الاقتصادية والإدارية، والإشراف على الشؤون العامة.
ويمكننا أن نتصوّر واجبات أخرى تعدّ مسؤوليات إضافية على الدول في مجالات التعليم والإعلام، والعلاقات الدولية، والمواصلات وغير ذلك، إلا أننا نعتقد أنّ روح هذه الواجبات يتمثل في جملة عامة، جاءت على لسان الإمام علي % حين قال: <أيها الناس! إنّ لي عليكم حقاً ولكم عليّ حق، فأما حقّكم عليّ فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم كيلا تجهلوا، وتأديبكم كيما تعلموا، وأمّا حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والإجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم>([26]).
فالنصيحة وحدها تعني القيام الحقّ بكل الواجبات العامة التي تناط عادة بالمسؤولين من قبيل الإعلام، والدفاع، وتطبيق الشريعة، وتنظيم العلاقات الدولية، وبالتالي سدّ كل النقائص التي تتجاوز الواجبات الفردية وتحوّل إلى حقوق عامة.
وقد عقد إمام الحرمين الجويني باباً واسعاً تحت عنوان (فيما يناط بالأئمة والولاة من الأحكام) فصّل فيه هذه الواجبات؛ فليراجع هذا الباب([27]).
إما الإشارة للجانب الاقتصادي والتعليمي والتربوي، فهي ــ فيما أتصوّر ــ إلى بعض الجوانب الرئيسة والمهمة لا استقصاءً لها، ولا أتصوّر ــ من خلال استطلاع النصوص الإسلامية ــ أن هناك حدوداً لواجبات الدولة الإسلامية ومسؤولياتها لا يمكنها أن تتعداها أو تتخلى عن بعضها، فالحالة مرنة ومتروكة لمختلف الظروف الزمانية والمكانية، والمهم أنّ الدولة مكلفة بأن تنصح للأمة وتتكفل كلّ شؤونها العامة، مهما اتسعت هذه الشؤون أو ضاقت بما يحقّق مصالحها في إطار الشريعة الإسلامية.
والذي أتصوره أنّ نظام الحكم الإسلامي يمثل أكثر النظم الإسلامية مرونةً في التطبيق، رغم أنه يملك القواعد والضوابط التي تبقي عليه نظاماً مهماً وحساساً، ومن هذه القواعد الثابتة:
أ ــ الشروط التي أكّد على ضرورتها في الحاكم الشرعي من الفقه والعدالة والكفاءة.
ب ــ اعتماد مبدأ الشورى ــ إجمالاً ــ قال تعالى:>وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ< (الشورى: 38).
ج ــ اعتماد بعض الشروط في الموظفين وفي طليعتها الأمانة والتناسب، كما جاء في قوله تعالى: >قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرض إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ< (يوسف: 55)، >قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ< (القصص: 26).
وتكمن مرونته في:
أولاً: عدم تحديد إطار خاصّ لنوع الحكم وتفصيلاته.
ثانياً: إعطاء الحاكم حق إصدار الحكم الولائي وفقاً لما يراه في عملية تطبيق الأحكام الأولية، وتحقيق مقاصد الشريعة ومقتضيات النصيحة للأمة ومصالحها العامة.
ثالثاً: إعطاء الحاكم بعض المؤشرات التنظيمية التي تهديه في مجال انتخاب أصلح الصور التنظيمية، لكن دون تقييد معيّن له.
والأمران: الأول والثاني ممّا أجمعت عليه الأمة، مما يجعلنا في غنىً عن الاستدلال عليهما، نعم حاول بعضٌ أن يؤكّد على نوع خاص من الحكم، معتمداً على التطبيقات التي تمّت في عصر الرسول 2 أو بعده، كما رفضت بعض الفرق الإسلامية الإيمان بالمصلحة مصدراً يقوم عليه الحكم الصادر، إلا أن رفضها إنما هو في مجال الإفتاء، فليس للفقيه أن يعتمد المصلحة المرسلة ــ في تصوّره ــ لإصدار فتواه، لكنّ ذلك إنما هو في المجال الفردي الإفتائي، أما المجال الاجتماعي الحكومي فلم نجد من يخالف اعتماد الحاكم الإسلامي على المصلحة، وحتى المصلحة المظنونة ظناً عقلائياً، في إصدار أحكامه الولائية فيه([28]).
أما الأمر الثالث، فهو الذي يحتاج إلى نوع من الشرح والتوضيح، وربما كان المرحوم الشهيد الصدر خير من تعرّض له بشيء من التفصيل، حيث يقول في عرضه لصورة اقتصاد المجتمع الإسلامي: <إنّ هناك عناصر ثابتة تتمثل في الأحكام المنصوصة في الكتاب والسنّة، وأخرى متحرّكة تستمد من المؤشرات الإسلامية العامة التي تدخل في نطاق العناصر الثابتة، أمّا كيف يمكن استنباط العناصر المتحركة من المؤشرات الإسلامية؟ فإن الامر يتطلّب:
1 ــ منهجاً إسلامياً واعياً للعناصر المتحرّكة وإدراكاً معمقاً لمؤشراتها ودلالاتها العامة.
2 ــ استيعاباً شاملاً لطبيعة المرحلة وشروطها، ودراسة دقيقة للأهداف التي تحدّدها المؤشرات العامة وللأساليب التي تتكفّل بتحقيقها.
3 ــ فهماً فقهياً قانونياً لحدود صلاحيات الحاكم الشرعي (ولي الأمر) والحصول على صيغة تشريعية تجسّد تلك العناصر المتحركة في إطار صلاحيات الحاكم الشرعي وحدود ولايته الممنوحة له>.
ويضيف: <ومن هنا كان التخطيط للحياة الاقتصادية في المجتمع الإسلامي مهمةً يجب أن يتعاون فيها مفكّرون إسلاميون واعون، ويكونون في نفس الوقت فقهاء مبدعين وعلماء اقتصاديين محدثين>([29]).
ويؤكد ــ بعد هذا ــ على أن هناك خطوطاً عامة للمؤشرات، يذكرها على النحو التالي:
أ ــ اتجاه التشريع: بمعنى أن تتواجد أحكام منصوصة في الكتاب والسنّة تتحد كلها نحو هدف مشترك يهتم به الإسلام، ويمثل له بمسألة ربط الإسلام للكسب بالعمل، والتي يستفيدها من مجموعة أحكام، كسماح الإسلام للملكية الخاصة لرقبة المال في مصادر الثروة الطبيعية، وتحريم الحمى وغير ذلك.
ب ــ الهدف المنصوص عليه، من قبيل قوله تعالى: >مَّا أَفَاء الله عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ< (الحشر: 7)، حيث يدلّ على لزوم إيجاد التوازن ونشر الثروة بين أفراد المجتمع..
ج ــ القيم الاجتماعية التي يؤكّدها الإسلام، كالمساواة والأخوة والعدالة والقسط.
د ــ اتجاه العناصر المتحرّكة على يد المعصوم %، من قبيل ما ذكرناه من قبل عنه2.
نماذج من المؤشرات العامة الثابتة
قلنا: إنّ هذه المؤشرات عناصر ثابتة يستفيد منها الحاكم الشرعي لقيادة الساحة وهدايتها على أساسٍ من مقاصد الإسلام، ومقاصد الإسلام واضحة في نصوصه، كالعدالة والأخوة وحفظ النسب والدين والمال والعرض، ولن ندخل في تفصيلاتها، ولكننا نرى أن نمثل لها في مختلف النظم الإسلامية، ومنها:
أ ــ نظام الحكم الإسلامي
هناك نصوص تتعلّق به، وتشكل منبعاً لهذه المؤشرات من قبيل:
1 ــ قوله تعالى >وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ< (الشورى: 38)، وقوله تعالى >وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ< (التوبة: 71)، ولسنا نريد الاستدلال بهاتين الآيتين على مشروعية نتائج الانتخاب لتأتي بعض الإشكالات الفنية الأصولية التي أوردها السيد الحائري على هذا الاستدلال([30])، وإنما نقصد القول: إنّ هاتين الآيتين تشكلان منبعاً لولي الأمر يستنبط منهما بعض القواعد لتنظيم عمليات الإدارة العامة والاستفادة من المشاركة الشعبية، وعمليات الانتخاب والاستفتاء واعتماد مبدأ مجالس الشورى، وغير ذلك.
2 ــ قوله تعالى على لسان يوسف: >اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرض إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ< (يوسف: 55)، وقوله على لسان ابنة شعيب: >يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ< (القصص: 26)، وتشكّلان منبعين لمعرفة شروط الموظفين، وإيكال المسؤوليات الإدارية إلى الأشخاص والجهات المناسبة، وحلّ مشكلة التخصّص والتعهد، وفي هذا السياق يقول الإمام علي % في عهده التاريخي المعروف لمالك الأشتر حين ولاه على مصر: <وانظر في أمور عمّالك، فاستعملهم اختباراً، ولا تولهم محاباة وأثرة؛ فإنهم جماع من شعب الجور والخيانة، وتوخّ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة، والقدم في الإسلام المتقدّمة؛ فإنهم أكرم أخلاقاً، وأصحّ أعراضاً، وأقلّ في المطامع إشراقاً، وأبلغ في عواقب الأمور نظراً>([31]).
والواقع أنّ هذا العهد التاريخي يعدّ من أروع النصوص في مجال تنظيم الحياة العامة، وينبغي أن يقتف أثره الحاكمون في عالمنا، وفي كلّ زمان ومكان، ينقل الدكتور نوري جعفر عن الإمام علي % قوله الرائع: <ولا تقبلن في استعمال عمالك وأمرائك شفاعةً إلا شفاعة الكفاءة والامنة> ويقول: إنّ إخضاع التوظيف للشفاعة وسائر المؤثرات إنما هو تدميرٌ لمصالح الأمة وتضييعٌ لحقوقها([32]).
3 ــ قوله 2: <إنا والله لا نوالي هذا العمل أحداً سأله أو أحداً حرص عليه>([33])، وهو نصّ يستفيد منه الحاكم الشرعي الكثير الكثير في اختياره للموظفين وغير ذلك.
ب ــ النظام الاقتصادي
والنصوص التي تذكر هنا متعدّدة منها:
1 ــ قوله تعالى: >كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ< (الحشر: 7)، وقد قلنا: إنه يشير إلى أنّ التوازن وتوزيع الثروة أمرٌ مطلوب إسلامياً.
2 ــ النصوص الواردة في مسألة الزكاة، وأنها تعمل على إيصال الفقير إلى مستوى الغنى([34]).
ج ــ النظام الاجتماعي
والنصوص التي نشير إليها ــ مثالاً ــ هي:
1 ــ >وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ< (البقرة: 228)، حيث يشير النصّ إلى ضرورة التناسب بين الحقوق والمسؤوليات.
2 ــ كلّ النصوص التي تتجه لحفظ الكيان العائلي وعدم المساس به ونفي المقدمات التي تؤدي إلى انحلاله؛ فإنها تؤكّد أن العائلة أساس البناء الاجتماعي، ويجب سدّ تمام الذرائع المؤدية إلى تفسّخها وطرح البدائل عنها.
3 ــ قوله على لسان لوط B: >قَالَ يَا قَوْمِ هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ< (هود: 78)، وهي واضحة في لزوم طرح البدائل الاجتماعية للعادات والتقاليد الضارّة.
د ــ نظام العلاقات الدولية
ونشير إلى بعض النصوص فيه:
1 ــ قوله تعالى: >قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إلى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ الله وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ الله< (آل عمران: 64)؛ حيث تطرح مبدأ الحوار مع الآخرين والاجتماع على النقاط المشتركة لتقويتها.
2 ــ >وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً< (الإسراء: 34)، وهي تعبّر عن مبدأ عام في مجال المعاهدات الدولية.
3 ــ >وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا< (البقرة: 143)، وهي تعبّر تماماً عن الأنموذج الحضاري الذي يجب أن تكون الأمة الإسلامية دائماً على مستواه.
4 ــ قوله تعالى: >وَلَن يَجْعَلَ الله لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً< (النساء: 141)، وهي تمثل أروع قاعدة في مجال التعامل الدولي.
وغير ذلك من النماذج التي نكتفي منها بما ذكرناه، والحديث عنها واسع الأبعاد.
ملاحظات هامّة
الأولى: يجب التأكيد على أنّ الحالة الطبيعية التي يريدها الإسلام هي أن تطبّق كلّ أحكامه في كلّ مناحي الحياة، فهي الأصل الطبيعي المطلوب، وأي خروج عن هذا الأصل يجب أن يعدّ استثناءً بمقدار ما تفرضه الظروف، ويسمح به الإسلام، بل قد يقال: إنه ينبغي العمل على تقليل حالة الاستثناء مهما أمكن؛ للعودة إلى الحالة الطبيعية المطلوبة، وهذا يعني أنّ المباحات الخاصة، أي تلك التي نعلم أن إباحتها ــ سواء كانت الإباحة بالمعنى الخاصّ أي الاستحباب أو الكراهة، أو بالمعنى العام أي ما عداهما ــ جاءت بمقتضى ملاك خاصّ للإباحة، أقام الإسلام الحكم على أساسه، كما في مسائل الزواج والطلاق والزراعة والصناعة والتناسل وغير ذلك؛ فهذه المباحات تدخل في نفس القاعدة التي ذكرناها معبرةً عن الحالة الطبيعية، بل يمكن أن يقال: إنّ المباحات التي لا تقوم على ملاك خاص يقتضى الإباحة وإنما جاءت الإباحة من عدم وجود ملاك ملزم فيها، هذه المباحات أيضاً تشكّل حالةً طبيعية ينبغي مراعاتها مهما أمكن.
وهكذا يعدّ من مسؤوليات الحكومة الإسلامية العمل على التقيّد التام بالأحكام الأولية، إلا إذا اقتضت المصلحة العامة ــ ووفق الضوابط الإسلامية ــ القيام بتحويل الأحكام المباحة إلى أحكام إلزامية أو تحويل بعض الأحكام الإلزامية إلى أحكام مباحة؛ نتيجة تزاحمها مع أحكام أهمّ.
الثانية: قد تصدر الدولة الإسلامية حكماً حكومياً على أساس من عنوان ثانوي تشخصه هي، فيجب التزام الأفراد به حتى لو لم يدركوا بأنفسهم انطباق العنوان الثانوي هذا، وذلك طاعةً لها، اللهم إلا أن تترك الأمر لمثل هؤلاء الذين لا يدركون الملاك الثانوي كالعسر والحرج والضرر أن لا يطبقوا الأمر على أنفسهم فهذا أمر آخر.
الثالثة: إنّ المؤشرات التي ذكرناها أو التي لم نتعرّض لها قد تحمل اتجاهاً إلزامياً، وقد لا تملك ذلك، وإنما تعين المسير العام للحاكم الشرعي مع طرح البدائل المتنوّعة؛ فيجب الانتباه إلى هذا الجانب بدقة.
المحور الرابع: الإمكانات التشريعية للحاكم الشرعي
بعد أن لاحظنا المسؤوليات الكبرى الملقاة على عاتق الحاكم الشرعي أو ولي الأمر، من الطبيعي أن تتناسب هذه المسؤوليات مع الإمكانات. وهذه الإمكانات بعضها تشريعي وبعضها الآخر اقتصادي وغيره، وسوف نركّز في هذا المحور على الإمكانات القانونية التي تفسح المجال للحاكم للقيام بمسؤولياته الكبرى.
وتلخص هذه الإمكانات التشريعية في نفوذ أمره شرعاً في مجال واسع، اختلفت التسميات التي تطلق عليه؛ فسمّي ــ أحياناً ــ بمنطقة الفراغ التشريعي، ولا يقصد به وجود نقص في التشريع وإنما المراد به الفراغ الذي تركه الشارع ــ مرونةً منه ــ ليملأ ذلك الحاكم الشرعي، كما سمّي بمنطقة المباحات ــ بمعناها الأعمّ الشامل للمستحبات والمكروهات ــ ونحن نفضل تسميته بالمنطقة الولائية؛ لأسباب موضوعية، فما هي مساحة هذه المنطقة الولائية؟ وهل تختصّ بالمنطقة المباحة ــ بالمعنى الأعم ــ أو تشمل المنطقة الإلزامية في الأحكام الولائية؟ هذا ما نودّ التعرض إليه فيما يلي.
من الواضح أننا نستطيع تقسيم المنطقة التشريعية إلى منطقتين لا غير: المنطقة المباحة، والمنطقة الإلزامية، ولا يتصوّر حكمٌ يخرج عنهما، وباستعراض موارد نفوذ حكم الحاكم نجدها تشمل المنطقتين معاً، لكن على أسس مختلفة؛ ولذلك تختلف الآثار.
تقيّد طاعة الحاكم بموافقة الشريعة، وإشكالية تغييره لأحكامها
وقبل الدخول في هذه المجالات، لابد من رفع شبهة قد تُعرض في البين، وملخصها: إنّ طاعة الحاكم الشرعي غير مطلقة، وانما تجب إذا اتفقت مع التشريع الإسلامي، وقد تظافرت الأخبار بذلك؛ فقد أثر عن النبي 2 أنه قال: <إنما الطاعة في المعروف، فمن أمركم بمعصية فلا تطيعوه>، وقال: <السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحبّ وكره ما لم يؤمر بمعصية؛ فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة>، وقال 2: <سيكون عليكم أمراء يأمرونكم بما لا تعرفون، ويفعلون ما تنكرون؛ فليس لأولئك عليكم طاعة، إنّ الطاعة إنما تجب فيما إذا أمر الولاة بالحقّ والعدل وأما إذا جافوا ذلك، فلا طاعة لهم>([35]).
هذه حقيقةٌ لا مراء فيها، فإذا ضممنا إلى ذلك حقيقةً أخرى، وهي أنّ الحكم بالإباحة حكمٌ إلهي أيضاً، أمكننا أن نستنتج أنّ أي أمر يمكن أن يصدر من الحاكم الشرعي ــ حتى لو كان في المنطقة المباحة، فضلاً عن المنطقة الإلزامية ــ هو حكم إلهي، ليس لأحد أن يحكم بخلافه، وبهذا لا يبقى أي مجال لنفوذ حكم الحاكم الشرعي.
إلا أن الإجابة على هذا التوهم واضحة؛ وذلك بأنّ الشارع نفسه هو الذي أعطى وليّ الأمر صلاحية تغيير الحكم على ضوء مقاييس محدّدة؛ فلا يعد الالتزام بأمره مخالفةً ومعصية لأمر الله، حتى ولو كان الأمر يتعلّق بالحكم الإلزامي، وإنما المهم أن يكون الحاكم قد سلك الطريق الشرعي الصحيح لإصدار حكمه هذا، وهذه الروايات تشير إلى الحكّام المستبدين الذين لا يلتزمون السبيل الشرعي لإصدار الأحكام، وإنما ينطلقون في ذلك من منطلق أهوائهم وشهواتهم واستبدادهم؛ فلننظر ــ إذاً ــ لمسألة نفوذ حكم الحاكم في كلتا المساحتين.
دائرة نفوذ حكم الحاكم
أ ــ المساحة المباحة
وقبل كلّ شيء، لابد أن نذكر أنّ الأحكام المباحة تنقسم ــ على الظاهر ــ إلى قسمين:
الأول: ما كان مباحاً لعدم وجود ملاك إلزامي فيه.
الثاني: ما كان مباحاً لوجود ملاك يلزم بالإباحة فيه، لكن دونما إلزام بالفعل أو بالترك، بل قد رجّح لدى الشارع الفعل أو الترك رجحاناً غير إلزامي.
فهل يدخل القسم الثاني في دائرة الأحكام الإلزامية من زاوية بحثنا؟
الذي نعتقده أنّ الأمر في هذا القسم الثاني أصعب منه في القسم الأول، وأن الحاكم الشرعي ما لم تقم لديه الحجّة الشرعية لا يستطيع الدخول في هذه المنطقة، لكن الأمر فيها لا يبلغ ــ على الظاهر ــ مبلغه في الأحكام الإلزامية.
وعلى أيّ حال، فنحن نتصور الأقسام التالية في منطقة المباحات، وربما كانت متداخلةً أحياناً.
القسم الأول: المباحات الفردية المعروفة في الشريعة كالمشي، والتكسّب، والإقامة، والزراعة، والإحياء، وغيرها مما يباح للمرء أن يقوم به أو يتركه إلى بديل عنه.
القسم الثاني: المباحات الاجتماعية، ويقصد بها الأساليب التي يباح للمجتمع أن يسلكها في عملية تطبيق النظم التشريعية الإسلامية إذا كانت هناك بدائل تطبيقية متنوّعة، وذلك كما في تطبيق النظام اللاربوي ونظام الحكم الإسلامي، أو كيفية تنفيذ العقوبات الإسلامية، وما إلى ذلك.
القسم الثالث: تعيين المصاديق المتنوّعة التي تعمل على تشخيص الموارد الإنسانية أو غير الإنسانية لتحقيق المسيرة المحدّدة، وهي ــ كما قلنا ــ تشمل تعيين الأشخاص، كتعيين الوالي أو القيّم، كما تشمل تعيين الموضوعات كتعيين نوع الطعام، أو نوع السلوك، أو المساحة المكانية، أو الزمانية، أو تعيين الهلال، أو الحكم في الموارد القضائية.
وللحاكم القيام بإصدار أحكامه الإلزامية ــ منعاً أو إيجاباً ــ في كل هذه الأقسام، وذلك على أساس من المباني التي ذكرناها في المحور السابق، فـ <حدود منطقة الفراغ التي تتسع لها صلاحيات أولي الأمر، تضمّ في ضوء هذا النص الكريم ــ يقصد آية الإطاعة ــ كلّ مباح تشريعاً بطبيعته، فأيّ نشاط وعمل لم يرد نصّ تشريعي يدلّ على حرمته ووجوبه.. يسمح لولي الأمر بإعطائه صفةً ثانوية بالمنع عنه أو الأمر به، فإذا منع الإمام عن فعل مباح بطبيعته أصبح حراماً، وإذا أمر به أصبح واجباً>([36]).
والواقع أنّ هذا هو القدر المتيقن من نفوذ حكم ولي الأمر، وبدونه لا يبقى أيّ معنى لإطاعته بما هو وليٌ للأمر، وعلى ضوء الحاجة إلى قيادته وولايته لأنه يحتاج إليه في ملء هذه المنطقة عبر عمله على تحقيق المصلحة الاجتماعية وسعيه لسنّ القوانين التنفيذية، والقوانين ــ بطبيعة الحال ــ تخالف الحال الأولية، أو الأحكام الأولية للسلوك؛ وذلك لما فيها من تنظيم وتحديد، ولا يمكن تصوّر قانون من دون تحديد أو تقييد، نعم يمكن أن يكون القانون مرناً لكن الميوعة والتسيّب تعني فناء القانون، كما أنّ هذا هو المعروف دائماً من عمل الحكّام؛ وعليه يحمل مقصود الشرع من تعيين ولي الأمر وصلاحياته.
يقول المرحوم الشيخ الأنصاري: <ثم إنّ الظاهر من الروايات المتقدمة ــ يقصد روايات تعيين الفقيه حاكماً ــ نفوذ حكم الفقيه في جميع خصوصيات الأحكام الشرعية، وفي موضوعاتها الخاصّة بالنسبة إلى ترتب الأحكام عليها؛ لأن المتبادر عرفاً من لفظ (الحاكم) هو المتسلّط على الإطلاق، فهو نظير قول السلطان لأهل بلد: جعلت فلاناً حاكماً عليكم، حيث فهم منه تسلّطه على الرعية في جميع ما له دخل في أوامر السلطان جزئياً أو كليّاً.. ومنه يظهر كون الفقيه مرجعاً في الأمور العامّة>([37]).
وينبغي هنا أن نذكر أنّ مسألة تشخيص الموضوعات الاجتماعية من هذه الموارد؛ فبالإضافة إلى وضوح موضوع إسناد أمر القضاء ــ وهو يركّز على تعيين الموضوعات قبل كلّ شيء ــ للفقيه الحاكم، نجد أنّ هذه المسألة في الواقع تعود إلى مسألة اتخاذ الموقف العملي الفردي والاجتماعي الذي يرفع أيّ إبهام في المسيرة الاجتماعية، وهي من وظائف الفقيه الحاكم بلا ريب([38]).
ويمكننا أن نقول: إنّ القسم الثاني المذكور ــ من أقسام المباحات ــ يعود في الواقع إلى القسم الثالث؛ لأنه يعني تعيين أسلوب معيّن من بين الأساليب البديلة لتطبيق الحكم الشرعي، فإذا عيّن الحاكم الإسلامي نظاماً مصرفياً خاصّاً يتجنّب فيه الربا ويطبّق فيه نظريات الإسلام الاقتصادية، فقد وجب على المجتمع الطاعة والالتزام به، التزاماً بتوحيد الموقف الاجتماعي والمسيرة السليمة، وكذلك الأمر في المسألة الاجتماعية والحقوقية وغيرها.
ويتحدّث صاحب الجواهر عن هذه الولاية العامة في سياق تعريفه للقضاء، مشيراً إلى أنّها أعمّ من القضاء، وأنّ القضاء من فروع الرئاسة العامة؛ فيقول: <وفي الدروس: القضاء ولاية شرعية على الحكم والمصالح العامة من قبل الإمام %.. ولعلّ المراد بذكرهم الولاية ــ بعد العلم بعدم كون القضاء عبارة عنها ــ بيان أنّ القضاء الصحيح من المراتب والمناصب، كالإمارة، وهو غصن من شجرة الرئاسة العامة للنبي 2 وخلفائهG، وهو المراد من قوله تعالى: >يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرض فَاحْكُم..< (ص: 26)، بل ومن الحكم في قوله تعالى: >آتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً< (مريم: 12)>.
قال أميرالمؤمنين % لشريح: <قد جلست مجلساً لا يجلسه إلا نبي أو وصي أو شقي>([39])، وقال الصادق %: <اتفوا الحكومة، إنما هي للإمام العالم بالقضاء العادل بين المسلمين كنبي أو وصي>([40]).
ويضيف: <من السياسة الواجبة على الإمام % نصب ما يستقيم به نظام نوع الإنسان>([41])، وعند حديثه عن الفرق بين الفتوى والحكم يقول: <والظاهر أن المراد بالأولى ــ الفتوى ــ الإخبار عن الله تعالى بحكم شرعي متعلّق بكلّي، كالقول بنجاسة ملاقي البول أو الخمر، وأما قول : هذا القدح نجس لذلك، فهو ليس فتوى في الحقيقة، وإن كان ربما يتوسع بإطلاقها عليه، وأمّا الحكم فهو إنشاء إنفاذ من الحاكم ــ لا منه تعالى ــ لحكم شرعي أو وضعي أو موضوعهما في شيء مخصوص، ولكن هل يشترط فيه مقارنته لفصل خصومة (أي أن يكون في خصوص القضاء) كما هو المتيقن من أدلته ــ لا أقل من الشكّ والأصل عدم ترتب الآثار على غيره ــ أو لا يشترط؛ لظهور قوله %: <إني جعلته حاكماً>([42]) في أنّ له النفاذ والإلزام مطلقاً، ويندرج فيه قطع الخصومة..>.
ب ــ المساحة الإلزامية، مرجعية قانون التزاحم
وما يبدو لأول وهلة أن لا نفوذ لحكم الحاكم فيها؛ لأنها المنطقة الممنوعة في الشريعة؛ إلا أن الحقيقة أن لأمر الحاكم مجالاً في هذه المنطقة أيضاً. يقول الإمام الخميني ) في إحدى رسائله: <إن كانت صلاحيات الحكومة تنحصر في إطار الأحكام الفرعية الإلهية أمكن القول بأنّ الحكومة الإلهية والولاية المطلقة المعطاة لنبي الإسلام 2 ظاهرة بلا معنى ولا مضمون، وأشير إلى أن نتائج هذا التصوّر مما لا يمكن أن يلتزم بها أحد، فمثلاً نلاحظ أن عملية شقّ الشوارع تستلزم التصرّف في بيت أو حريم هذا البيت، وهي مسألة لا تدخل في إطار الأحكام الفرعية، ومسألة التجنيد والإرسال الإجباري للجبهات، والمنع من دخول العملة الصعبة وخروجها، والمنع من دخول البضائع أو خروجها، ومنع الاحتكار في غير بعض الموارد.. ومئات الأمثلة هي من صلاحيات الدولة؛ فهل يمكن الالتزام بها وفق تفسيركم؟! يجب أن أقول: إن الحكومة ــ وهي شعبة من الولاية المطلقة لرسول الله 2 ــ أحد الأحكام الأولوية والمقدّمة على كلّ الأحكام الفرعية، حتى الصلاة والصوم والحج. وللحاكم أن يهدم مسجداً أو منزلاً يعترض شارعاً، ويدفع قيمته لصاحبه، يستطيع الحاكم أن يهدم مسجداً عند اللزوم، ويهدم المسجد الضرار.. وللحكومة أن تفسخ ــ من طرف واحد ــ عقودها مع الناس عندما تجد أن هذه العقود تخالف المصلحة العامة للبلاد والإسلام>([43]).
قد يبدو هذا غريباً لأول وهلة، بل قد يبدو أنّه نقضٌ لغرض الشارع لا إجراءً لأوامره تعالى، إلا أننا إذا رجعنا إلى مبادئ التزاحم وما يقرّره العلماء فيها نجد الأمر عقلائياً وشرعياً تماماً؛ فالأحكام الإلهية قد تتزاحم نتيجة بعض الظروف، فلا يمكن تنفيذها معاً، وحينئذٍ فإما أن يترك الحكمان المتزاحمان على حالهما من عدم التنفيذ ــ وهو أمر مرفوض قطعاً، إذ المفروض القدرة على أحدهما ــ أو يعمل على تقديم الأهمّ على المهم، وهذا هو الأمر الصحيح الذي أجمع عليه العقلاء والعلماء، وربما رجعت إليه بعض تعريفات الاستحسان المقبولة([44]).
فإذا كان الفقهاء عموماً يقدّمون الحكم المضيّق على الموسع، وما كان أمره معيناً على ما كان أمره مخيراً، وما كان مشروطاً بالقدرة العقلية على ما كان مشروطاً بالقدرة الشرعية، وبالتالي ما كان أهمّ على غيره، فإنّ الأمر هنا يتجلى بشكل أوضح عندما يتزاحم بقاء مسجد مع حاجة الناس الماسة والضرورية إلى شارع تتنفس به البلدة وينتظم فيه أمرها، وعندما يتزاحم أمر تمتع الأفراد بحريّاتهم في الإقامة مع الحفاظ على استقلال البلاد وكيانها؛ فإن مقتضى الحكم والشرع إجبارهم على الذهاب إلى الجبهة للدفاع. وعندما يهدّد الاستيراد اقتصادَ الدولة فإن للدولة منعه أو فرض ضرائب تصاعدية عليه، وعندما يؤدّي خروج العملة الصعبة إلى ضعضعة الوضع النقدي العام فمن الطبيعي أن يتمّ منعه وفرض عقوبات عليه قد تصل إلى حدّ المصادرة، إنّ الحالة الطبيعية تقتضي هذا الأمر بكل وضوح.
بل يمكن القول: إنّ الحاكم الشرعي عندما يجد أن تطبيق حكم شرعي معيّن قد يؤدي إلى نتائج عكسية كبرى لظروف خاصّة، كما في تطبيق الرجم اليوم مع وجود معارضة عالمية وضجّة مفتعلة قد تؤدي إلى القضاء على وجود الدولة وكيانها؛ فإنّ بإمكانه تنفيذ قوانين التزاحم وتقديم الأهم على المهم بالانتقال إلى عقاب أكثر قبولاً يرفع به هذا التزاحم، طبعاً مع ملاحظة أنّ الحالة استثنائية وأنه يجب الالتزام الكامل بالحكم عند ارتفاع الضغط، وإلى هذا المعنى تعزى مسألة التدرّج في إعطاء الأحكام في صدر الإسلام أو تدرّج بعض الدول الإسلامية في تطبيق الأحكام الإسلامية لكي تتلافى الصدمة وتمهّد للمستقبل.
لكن يجب هنا التحوّط الكامل وسلوك كلّ الطرق التي تحافظ على تنفيذ الحكم الإلزامي، فالمندوحة هنا مطلوبة متبعة؛ فإذا تأكّد الحاكم الشرعي من ذلك عمد إلى بديل موقت لهذا الحكم، وهذا هو مقتضى المنطق والحكم الشرعي للفقهاء.
وهناك حالة أخرى يمكن أن نتصوّرها وهي تكشف عن مجال لنفوذ حكم الولي في الساحة الإلزامية؛ فقد يجب الحج على الفرد إلا أن الحاكم يوجب عليه الجهاد، أي يوجد حالة من حالات التزاحم لديه، وحينئذٍ يقدّم هذا الفرد عملية التزامه بالجهاد على عملية التزامه بالحجّ؛ لأهمية الأوّل؛ فالحاكم إما أن يقوم هو بعملية ترجيح الحكم الأهم أو يوجد عملية التزاحم ليتمّ ترجيح الأهم على أساسها، وذلك كلّه قائم على أساس من تحقيق مقاصد الشريعة وأهدافها ومؤشراتها، ومن هنا يعبّر الإمام الخميني عن نفس عملية تمتع الحاكم بهذه الصلاحية بأنها من الأحكام الأولية، أي من الأحكام الثابتة في الشريعة بنفسها، وإن كان تطبيقها يؤدي إلى عملية استثنائية أو ثانوية كما يعبّر الشهيد الصدر([45])، تراعى ما دامت ظروف الصدور قائمةً في نظر الحاكم الشرعي.
والذي أعتقده أنه لا خلاف بين الرأيين السابقين؛ فإن الشهيد الصدر، عندما يتحدّث عن منطقة المباحات يتحدّث عن الأحكام التي أصدرها ولي الأمر على أساس من المقاصد العامة والمؤشرات المعطاة له لتنظيم شؤون الأمّة، ولا يمانع في قيامه في الحالات الاستثنائية بمواجهة مرحلة التزاحم الاجتماعي بالموقف اللازم، وبعض الأمثلة التي يضربها الشهيد الصدر بعد مقولته السابقة تدلّ على ذلك، فقد ذكر موضوع نهي النبي 2 عن منع فضل الماء والكلاء وتحديد الأسعار، وهي تعبّر عن تصرّفٍ في ملكية الآخرين، وهو تصرّف ممنوع بعنوانه الأولي.
هل للحاكم صلاحية الإلزام مع فقدان قانون التزاحم؟
لكن إذا عبرنا مسألة التزاحم إلى مسألةٍ أخفّ منها، وهي ما لو رأى الإمام مصلحةً غير ملزمة في التصرّف بأموال البعض مثلاً؛ لتحقيق قدر أكبر من التوازن الاجتماعي، أو لشقّ الطرق التي تعترضها مساجد أو بيوت؛ لتحقيق رفاه اجتماعي أكبر، فما هو الموقف؟ إنّ قواعد التزاحم لا تجري هنا، فهل من سبيل إلى اتخاذ هذا القرار؟ وما الملزم في إطاعته؟
قد يمكن الاستناد إلى كون النبي 2 أولى بالمؤمنين من أنفسهم؛ وحينئذٍ فله أن يحقّق المصلحة بأيّ وجه كانت، وهذه الأولوية ليست من باب التسامي الروحي مثلاً، وإنما من باب ولايته العامة على المؤمنين؛ ولذا نجده يفرّع على هذه الأولوية بعض الأعمال التي تتصل بها، من هنا يقال بانتقال هذه الأولوية ــ بطبيعة الحال ــ إلى ولاة الأمر بعده؛ فتكون لهم هذه الصلاحية.
وقد يقال: إنّ الساحة الاجتماعية لا تتحمّل التقسيم إلى اللازم وغير اللازم، فكلّ عمليات الرفاه الاجتماعي، والتوازن الاجتماعي من الواجب على الإمام أن يحقّقها بأي أسلوب شاء؛ لأن المصلحة الاجتماعية في التصوّر الإسلامي مقدّمةٌ على المصلحة الفردية، كما قد يقال: إن الملكية والمالية إنّما شرعت لتقويم المسيرة الاجتماعية، ولذلك يقول القرآن الكريم: >وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أموالكُمُ الَّتِي جَعَلَ الله لَكُمْ قِيَاماً<، فرغم أن هذا المال ملكُ السفيه إلا أن القرآن ينسبه إلى المجتمع، ويؤكّد ذلك على أن المال إنما هو قوام المجتمع وقيامه، وحينئذٍ فالمصلحة الاجتماعية في الواقع مصلحة للفرد نفسه.
إلا أن ذلك كلّه يحتاج إلى تفصيل ودقة أكبر؛ كي يتسنّى الوصول إلى اليقين في هذا المجال.
ولي الأمر وانتخاب الفتوى الملائمة، منهج التلفيق الفقهي
في أحد بحوثنا الماضية حول التلفيق والأخذ بالرخص، قلنا: إنّ للفرد أن يأخذ بمسألة التلفيق بين الفتاوى بعد أن بنينا ذلك على عدم لزوم اتباع الأعلم في التقليد، وهي مسألة اختلفنا فيها مع المشهور بين علماء الإمامية، واتفقنا فيها مع المشهور بين علماء المذاهب الأربعة.
ولسنا نريد إعادة البحث هنا، لكنا نريد أن نتحدث عن حقيقة مهمة، وهي أن الحاكم الشرعي يستطيع أن يعتمد فتواه أو فتوى غيره مما يراه منسجماً أكثر من غيره مع مجمل الخطّ العام الإسلامي؛ فيصدر أمره بجعل هذه الفتوى حكماً عاماً وقانوناً تتبعه الأمة بما فيها سائر المجتهدين بما يشمل القائلين بخلاف تلك الفتوى، وهذا المعنى يتصوّر في مجال الحياة العامة لا السلوك الفردي([46]).
ولتوضيح الأمر نقول: إنّ المجال هنا ليس مجال تقليد العامي لمجتهد؛ ليأتي بحث الأعلمية، وإنّما مجال إدارة الحياة العامة بما يحقّق المقاصد الإسلامية وفق الأحكام التي شرّعها الشارع الحكيم تعالى في إطار تخطيط إسلامي للحياة قد يتطلّب ــ أحياناً ــ اللجوء إلى فتوى معيّنة أكثر انسجاماً مع المصلحة العامة، وتشكّل مع غيرها مجموعةً متكاملة؛ مما يدفع إلى انتقائها وجعلها قانوناً بعد أن كانت حصيلة اجتهاد إسلامي جارٍ وفق الطريقة الشرعية لاستنباط الأحكام. فلو كان الحاكم ممّن يقول بتعدّد الآفاق ــ كما هي فتوى الشافعية ــ وبالتالي تعدّد أوائل الشهور القمرية في العالم الإسلامي، إلا أنه كانت هناك فتوى معتبرة ــ وحبّذا لو كانت مشهورةً أيضاً ــ تقول بوحدة الآفاق وكفاية رؤية القمر في أيّ مكان من العالم للحكم بدخول الشهر القمري، كما هي مثلاً فتوى المذاهب الثلاثة: الحنفي والمالكي والحنبلي، وبعض علماء الإمامية كالمرحوم الإمام الخوئي والإمام الشهيد الصدر([47])، فإنّ للحاكم الشرعي، لا بصفته يفتي لمقلّديه، بل بصفته يدير شؤون الأمة الإسلامية، أن ينتخب هذه الفتوى ويحوّلها إلى حكم إلزامي تدار على أساسه شؤون الأمة.
فملاك عمل الفرد في تقليده هو الوصول إلى الرأي الحجّة بينه وبين ربّه في المجال العملي، فيما ملاك عمل الحاكم الشرعي هو ما بيّناه في المحور الثالث من تحقيق مقاصد الشريعة وإشاراتها مع الحفاظ على المصلحة العامة للأمة في إطار ما منحته الشريعة من صلاحيات قانونية.
ولكي نقرّب الأمر إلى الذهن، نلاحظ أنّ الباحث المسلم لكي يكتشف مذهباً حياتياً كالمذهب الاقتصادي الإسلامي، أو المذهب الاجتماعي، أو الحقوقي أو غير ذلك، قد يجد فتاوى منسجمة مع بعضها لدى مفتين متعدّدين، لكنها تشكّل وجهاً واحداً لخطّ عام منسجم، وحينئذٍ يستطيع أن يطرح ذلك الخطّ بوصفه صورةً اجتهادية عن المذهب المذكور، وهذا ما فعله المرحوم الشهيد الصدر ــ وهو من كبار المجتهدين ــ في كتابه <اقتصادنا>، وقال مفسّراً ذلك: <إن اكتشاف المذهب الاقتصادي يتمّ خلال عملية اجتهادية في فهم النصوص وتنسيقها والتوفيق بين مدلولاتها في اطراد واحد، وعرفنا أن الاجتهاد يختلف ويتنوّع تبعاً لاختلاف المجتهدين في طريقة فهمهم للنصوص، وعلاجهم للتناقضات التي قد تبدو بين بعضها والبعض الآخر، وفي القواعد والمناهج العامة للتفكير الفقهي التي يتبنّونها، كما عرفنا أيضاً أنّ المجتهد يتمتع بصفة شرعية وطابع إسلامي ما دام يمارس وظيفته ويرسم الصورة ويحدّد معالمها ضمن إطار الكتاب والسنّة، ووفقاً للشروط العامة التي لا يجوز اجتيازها.. وينتج عن ذلك كلّه ازدياد ذخيرتنا بالنسبة إلى الاقتصاد الإسلامي ووجود صور عديدة له كلّها شرعي وإسلامي، ومن الممكن أن نتخير في كلّ مجال أقوى العناصر التي نجدها في تلك الصورة وأقدرها على معالجة مشاكل الحياة وتحقيق الأهداف العليا للإسلام، وهذا مجال اختيار ذاتي يملك الباحث فيه حريته ورأيه>.
ويضيف: <إن ممارسة هذا المجال الذاتي، ومنح الممارس حقاً في الاختيار ضمن الإطار العام للاجتهاد في الشريعة قد يكون ــ أحياناً ــ شرطاً ضرورياً من الناحية الفنية لعملية الاكتشاف>، ثم يضيف متسائلاً: <هل من الضروري أن يعكس لنا اجتهاد كلّ واحد من المجتهدين ــ بما يتضمّن من أحكام ــ مذهباً اقتصادياً متكاملاً وأسساً موحّدة منسجمة مع بناء تلك الأحكام وطبيعتها؟ ونجيب على هذا التساؤل بالنفي؛ لأن الاجتهاد الذي يقوم على أساس استنتاج تلك الأحكام معرّض للخطأ، وما دام كذلك فمن الجائز أن يضمّ اجتهاد المجتهد عنصراً تشريعياً غريباً على واقع الإسلام.. ولهذا يجب أن نفصل بين واقع التشريع الإسلامي كما جاء به النبي 2 وبين الصورة الاجتهادية كما يرسمها مجتهد معين>([48]).
فإذا كانت الحال هذه مع اكتشاف النظرية العامة للإسلام من قبل مجتهد ما مشروعةً فهي أولى بالشرعية عندما يراد إصدار قانون عام؛ وذلك:
أولاً: لما يملكه الحاكم الشرعي من صلاحية واسعة لتحويل الأحكام وفق المبادئ المعطاة.
ثانياً: لكون هذه الحالة مؤقتة في حين يراد للنظرية أن تكون دائمة.
ثالثاً: لأنه يعتمد على خبراء الدولة ومشاورتهم في معرفة الواقع القائم واكتشاف التلاؤم بين الفتاوى، الأمر الذي قرّبه من الواقع.
رابعاً: لأنه لا مفرّ من انتخاب إحدى الفتاوى للعمل بها بشكل عام من قبل الحاكم الشرعي؛ لذا فمن الطبيعي أن تنتخب الفتوى الأكثر انسجاماً مع سير الأمور، ذلك كلّه شريطة أن تكون قد صدرت على أساس من قواعد الاجتهاد المعروفة، بل وقد نشترط فيها ــ أحياناً ــ أن تكون من الفتاوى المشهورة.
ونشير هنا إلى أنّ الكثير من الدول في دساتيرها لم تعتمد مذهباً إسلامياً معيناً حتى في قضايا الأحكام المدنية، رغم أنها ركّزت على خصوص أحد المذاهب، فقد اضطرّت ــ لكي تحفظ سلامة العائلة وصيانتها ــ للاعتماد على الرأي الإمامي القائل بعدم شرعية الطلاق بالثلاث، واعتباره طلاقاً واحداً، رغم أنها اعتمدت في عموم أحكامها على المذاهب الأخرى.
المحور الخامس: الإمكانات والعوامل المساعدة الأخرى لتحقيق المسؤوليات
وبالإضافة للإمكانات التشريعية التي أشرنا اليها في المحور السابق، نجد الإسلام قد حشد إمكانات ضخمة، وعوامل مساعدة تحقّق للحاكم الإسلامي الجوّ المناسب والمساعد لتحقيق مسؤولياته الكبرى، ومنها: أ ــ طبيعة التشريع الإسلامي. ب ــ الأرضية المساعدة لإقامة النظام الإسلامي. ج ــ إيكال أمر التطبيق الاجتماعي والفردي للحاكم الإسلامي. د ــ الإمكانات المالية الواسعة. وسوف نتحدث بشكل موجز عن هذه الأمور:
1 ــ طبيعة التشريع الإسلامي
إذا لاحظنا الانسجام الكامل بين كلّ الأنظمة الإسلامية فيما بينها يشكّل كل نظام قطعة مكملة للوحة فنية متكاملة لهداية الحياة الإنسانية، ندرك بكل وضوح أنّ هذه الطبيعة تشكل عاملاً قوياً لتسهيل عملية تطبيق الشريعة وتحقيق مسؤوليات الدولة المطبّقة لها.
ويمكننا أن نستعرض الأحكام المتناسقة مع أيّة مفردة تشريعية، من قبيل مسألة التوازن والتكافل الاقتصادي، أو تحكيم الأواصر الاجتماعية والعائلية، أو المسؤولية العامة، أو الدفاع عن كيان المجتمع؛ لنجد أن الكلّ التشريعي مهما تنوّعت مجالاته ينسجم مع تحقيق هذه المسائل.
2 ــ الأرضية المساعدة لإقامة النظام الإسلامي
ونقصد بها التهيئة الروحية التي يقوم بها الإسلام ممهّداً بها لإقامة النظام، وتتركّب هذه الأرضية من عناصر ثلاثة: 1 ــ العقيدة الإسلامية. 2 ــ المفاهيم الإسلامية. 3 ــ العواطف الإسلامية.
فالعقيدة الإسلامية تربط الإنسان بالله تعالى خالق الكون ربطاً قوياً ينفذ إلى أعماق ذاته ووجدانه؛ فيملأها ويسخّرها للحق، وكلما تأصلت تأصّل شوقه لتطبيق أوامر الله تعالى كما تربطه بالرسول القائد، بل بكل قائد يعمل على تطبيق شريعة الله في الأرض، وبالتالي تشدّه إلى عالم الآخرة، عالم الثواب والعقاب.
وعلى أساس من هذه العقيدة، تأتي تصوّرات الإنسان عن الكون والحياة والتاريخ والإنسان بكل أبعادها الرحبة التي تترك أثرها المباشر على الحياة الفردية والاجتماعية؛ ليعود الإنسان خليفة الله في أرضه، ويعود الكون مسخّراً له، ويعود مأموراً بإعمار الأرض إلى جانب أخيه الإنسان المؤمن المتقي عاملاً على تشكيل المجتمع المؤمن القوي الذي لا يخشى إلا الله، وممهّداً لعالم الأخوة بما له من أبعاد وتأثيرات مباشرة، وبعد مرحلة التصوّرات هذه، تأتي مرحلة تأجّج العواطف المتعالية، حيث يسود الحبّ حياة الإنسان، حبّ لله تعالى بكل سموّه، والحب للكون والحب لأخيه الإنسان، وبالخصوص الإنسان الذي يشترك معه في هذه المسيرة.
هذه العوامل جميعها التي تشكّل أروع تربة صالحة لإقامة النظام الإسلامي، تساعد القائد على تسهيل مهمّته، وتهيء الانقياد المطلوب، خصوصاً إذا لاحظنا أن النصوص الإسلامية تعمّق العلاقة إلى حدّ تصبح معه الطاعة لولي الأمر ديناً يبعث الإنسان للتعاون مع الحاكم الشرعي.
3 ــ إيكال أمر التطبيق الإسلامي إلى الحاكم
الحاكم الشرعي ــ قبل كلّ شيء ــ منفّذ لأحكام الله ومطبّق لشريعته، ومنفذ للأمر والمعروف، وهو نظام إشراف على عملية التطبيق، >الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ< (الحج: 41)، وهذا المعنى يقتضي أن يشارك القائد مجتمعه في عملية التطبيق، وأن يتحمّل الإثنان المسؤولية كاملةً، كما يؤدي إلى أن يتعهّد الحاكم والأفراد بالعمل بواجباتهم بشكل كامل، فإذا قصّر الحاكم قام المجتمع بواجبه تجاهه، وإذا قصّر الأفراد في القيام بواجباتهم الفردية والاجتماعية ألزمهم الحاكم بالعمل بها. من هنا فنحن نرفض الفكرة التي يطرحها بعض الليبراليين، والقائلة بأنّ الأفراد في المجتمع الإسلامي أحرارٌ في تنفيذ واجباتهم الفردية، وليس للدولة الإسلامية التدخل في شؤونهم الفردية، كالحجاب، والغناء، واللباس، والشغل، ونوعية المأكل والمشرب وغير ذلك.
إنّ هذاالنمط من التفكير مرفوضٌ إسلامياً ونظام العقوبات الإسلامي يحاسب الإنسان حتى على موقفه من الصلاة والصيام، وهما عملان فرديان في حساب هؤلاء، وقد يصل الأمر إلى حدّ الإعدام.
4 ــ الإمكانات المالية
وهذا باب واسع الأبعاد، نشير فيه إلى أن الإمكانات المادية والمالية للدولة الإسلامية متناسبة مع وظائفها العامة، وخزينة الدولة الإسلامية (بيت المال) تستوجب الأمور التالية:
1 ــ الزكاة: ولها شروطها وتفصيلاتها.
2 ــ الخمس: ويجب في غنائم الحرب، والمعادن ــ إن لم نقل بمالكية الدولة لها ــ والكنوز، والغوص، والأراضي التي اشتراها الذمّي من المسلم، والحلال المختلط بالحرام، وما يفضل عن مؤونة السنة ــ حسب رأي الإمامية ــ وهذا الأخير يعني دفع خمس خالص الأرباح للصالح العام، أي دفعه لبيت المال ــ على تفصيل يذكر في محلّه ــ فإنّ الخمس وجه الإمارة، وهو لله والرسول والأئمة، وهو إلى الإمام، وهو صاحب الخمس، وغير ذلك من تعبيرات([49]).
3 ــ الخراج: وهو ما يفرضه الإمام من مال على الأرض العامرة المستولى عليها من الكفار، وربما عبّر عنه بالأموال التي يفرضها وليّ الأمر على الأراضي التي يحييها الفرد المسلم من الموات.
4 ــ الجزية.
5 ــ الفيء.
6 ــ الضرائب المالية الأخرى التي يمكن لولي الأمر أن يفرضها.
7 ــ واردات الأنفال من الأراضي الموات، وكل أرض لا ربّ لها، والأراضي العامة، كرؤوس الجبال والأودية والغابات وغير ذلك كالمعادن.
8 ــ الواردات المستحبة: كالذي يرد من الأوقاف والهبات الشعبية والوصايا، والكفارات.
9 ــ نتاج النشاطات الاقتصادية.
وغير ذلك مما يعطيها القدرة المناسبة على تحقيق أهدافها.
* * *
الهوامش
(*) فقيه معروف، ورئيس رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية، من أبرز وجوه التقريب بين المذاهب في العالم الإسلامي.
([1]) أصول الفقه المقارن: 55.
([2]) المصدر نفسه: 73.
([3]) المصدر نفسه.
([4]) وسائل الشيعة 5: 345، طبعة المطبعة الإسلامية بطهران، وحديث رفع القلم مشهور في الصحاح، كالبخاري، كتاب الطلاق والحدود، وسنن أبي داوود، والترمذي، ومسند أحمد، وابن ماجه، وغيرها.
([5]) جواهر الكلام 40: 100.
([6]) القواعد والفوائد 1: 320.
([7]) مسالك الأفهام 1: 162؛ والجواهر 21: 43.
([8]) مجموعة من الباحثين، ملاكات الأحكام والأحكام الحكومية 7: 251، من منشورات مؤتمر دراسة المباني الفكرية للإمام الخميني.
([9]) صاحب جواهر الكلام حسب تعريفه لها إذ يقول: mأما الحكم فهو إنشاء أنفذ من الحاكمn.
([10]) صحيح البخاري، ك48، ب3، صحيح مسلم. ك32، ح119؛ تاريخ الطبري 3: 178؛ ومجمع البيان 9 ـ 10: 386، طبعة دار المعرفة.
([11]) مجمع البيان 9 ـ 10: 848.
([12]) المصدر نفسه 5 ـ 6: 120.
([13]) وسائل الشيعة 11: 43 ـ 44، آداب أمراء السرايا؛ وصحيح البخاري، ك56، ب154، وصحيح مسلم، ك32، ح29 ـ 31، والترمذي ك19، ب4.
([14]) وسائل الشيعة 16: 39؛ وكتب الصحاح في كتاب الجهاد والسير، مثل البخاري، الباب 130.
([15]) بحار الأنوار 28: 207؛ والواقدي، المغازي: 433.
([16]) اقتصادنا 2: 376، والعبارة الأخيرة جاءت في الحاشية (ويفرغون..).
([17]) سلم الوصول: 262 وما بعدها.
([18]) أصول الفقه المقارن: 230 ـ 231.
([19]) وسائل الشيعة 13: 3.
([20]) المصدر نفسه 16: 394.
([21]) سنن الترمذي.
([22]) اقتصادنا: 643.
([23]) للتوسّع راجع: المنتظري، ولاية الفقيه 1: 161 ـ 191.
([24]) الأحكام السلطانية: 28.
([25]) القرشي، نظام الحكم والإدارة في الإسلام: 229.
([26]) نهج البلاغة: 79، الخطبة 34، طبعة صبحي الصالح.
([27]) غياث الأمم في إثبات الظلم: 263.
([28]) الإمامية في طليعة المخالفين لاعتماد أصل (المصلحة المرسلة)، لكنهم في تطبيقهم لنظام الحكم الإسلامي في إيران أيدوا تشكيل (مجمع المصلحة)؛ لكي يلحظ العنصر المكاني والزماني في مجال تحقيق المصالح وإصدار الأوامر الحكومية.
([29]) الإسلام يقود الحياة: 40، طبعة وزارة الإرشاد الإسلامي بطهران.
([30]) ولاية الأمر: 163.
([31]) نهج البلاغة: 435.
([32]) فلسفة الحكم عند الإمام: 34.
([33]) سنن البيهقي: 118، وجاء في الصحيحين أيضاً.
([34]) وسائل الشيعة 6: 178 فما بعد.
([35]) القرشي، نظام الحكم والإدارة: 248 ـ 249.
([36]) اقتصادنا: 641.
([37]) كتاب القضاء: 49، إصدار المؤتمر العالمي للذكرى المئوية الثانية للشيخ الأنصاري.
([38]) يراجع بهذا الصدد ما كتبه السيد كاظم الحائري ـ تعليقاً على رأي الشهيد الصدر ـ في كتاب ولاية الأمر في عصر الغيبة: 128.
([39]) وسائل الشيعة، الباب الثالث من أبواب صفات القاضي، ح2.
([40]) المصدر نفسه، ح 3.
([41]) جواهر الكلام 40: 9 ـ 10.
([42]) المصدر نفسه: 100، وقد رأينا أنه ) رأى التعميم من قبل، وإن كان تأمل فيه هنا، وربما كان تأمله هنا من باب قيام القاضي بإصدار أمرٍ خارج صلاحياته القضائية، لا من باب إمكان إصدار الحاكم الشرعي لأوامره في غير مقام الخصومة.
([43]) الإمام الخميني، صحيفة النور 20: 74.
([44]) راجع: أصول الفقه المقارن: 362.
([45]) اقتصادنا: 641.
([46]) راجع كتابنا: المرجعية: 44، طبع بيروت.
([47]) راجع الفتاوى الواضحة، للإمام الصدر، ومنهاج الصالحين، للإمام الخوئي.
([48]) اقتصادنا: 280.
([49]) راجع: وسائل الشيعة 6: 341 فما بعد.