تشغل المسائل المستحدثة حيزاً مهمّاً من دائرة البحث الفقهي، فهي مسائل محل ابتلاء يكثر السؤال عنها، وهي متجدّدة دائماً؛ لارتباطها بالتطوّر العلمي والتقني الذي تعيشه البشرية اليوم، وقد يعبّر عنها بالمسائل المستجدّة أو النوازل الفقهية.
وجرياً على العادة، لا بد لنا ـ أولاً ـ من التعرّض للتعريف المطروح لهذه المسائل؛ فقد عرفت المسائل المستحدثة بأنها: «كلّ موضوع جديد يُطلب له حكم شرعي سواء لم يكن في السابق أو كان لكن تغيّرت بعض قيوده، فالأول من قبيل النقود الاعتبارية التي لم تكن من قبل، والثاني من قبيل اعتبار المالية لبعض الأعيان النجسة والتي لم تكن لها ماليةٌ في الماضي» ([1]).
لكنّ رأياً آخر يتحفظ على هذه التوسعة في ضابطة المسألة المستحدثة، ويخُص ذلك بكون الموضوع مما لم يعقل وجوده خارجاً في عصر النص كي يبحث عن شموله له، وذلك مثل ترقيع اليد وتركيبها على فاقدها، فإنه لم يكن أمراً متصوّراً، أعني ممكناً في أنظارهم ([2])؛ فالمدار في هذه الضابطة هو عدم المعقولية بمعنى عدم الإمكان أو فقل: استحالة ذلك.
وبناء على هذا التضييق، فإن المسائل التي لا تكون متعارفة الوقوع في الأزمان السابقة لا ينبغي حسبانها مسألةً مستحدثة بعدما كان موضوعها بحيث لو وجد في السابق أو رآه بعض أهل تلك الأزمنة لعبّر عنه بالتعبير الوارد في النص، والذي هو الضابط في الاندراج تحت المطلقات.
إن نظر هذا القائل لمّا كان إلى ملاحظة إطلاق الأدلة اعتبر أن الضابطة في الحقيقة ـ وإن لم يُصرّح بذلك ـ هو الاندراج تحت إطلاقات الأدلّة وعدمه؛ فإذا اندرج تحت إطلاقات الأدلة امتنع عدّه من المسائل المستحدثة.
ولعلّ ما يؤخذ على هذا الكلام أنّه لما كان ناظراً إلى إطلاقات الأدلّة امتنع عليه إدراج كثير من المسائل تحت عنوان المسائل المستحدثة، ولأجل ذلك اعتبر أن مثل إعطاء وحدات الدم للإنسان أو السفر بالوسائط الحديثة ليس من المسائل المستحدثة، لكن هل من الصحيح اعتبار الاندراج تحت إطلاقات الأدلّة وعدمه معياراً؟ وكيف يصحّ ذلك إذا كان إرجاع كلّ المسائل المستحدثة لا بد وأن يكون إلى الأدلّة الشرعية لتشملها بإطلاقاتها؟
والطريق الصحيح للخروج بضابطةٍ ما هو أن نلحظ ما بحثه الفقهاء تحت عنوان كونه من المسائل المستحدثة، وهذا الضابط ببساطة تامّة هو عبارة عن كلّ ما لم يتعرّض له الفقهاء من موضوعات مستجدّة، سواء دخل تحت إطلاقات الأدلة أو لا، والبحث في المسائل المستحدثة يكون عن تحديد دخوله تحت الإطلاقات أو فقل: بيان حكمه من خلال ملاحظة الأدلّة الشرعية؛ ولأجل ذلك نجد أن السيد الخوئي! يُعلّل رفضه لبعض دعاوى الإجماع والاتفاق بين الفقهاء بكون المسألة مستحدثة لم يتعرّض لها الفقهاء ([3])، كما يُدرج بعض المسائل تحت عنوان كونها مُستحدثة من جهة عدم الابتلاء بها في الأزمنة السابقة، كمسألة العجز عن الذبح في منى ([4]).
مصطلحات ملامسة لنظرية المستحدثات
هذا، وقد تمّ تداول مصطلحين في الأبحاث الفقهية حول المسائل المستحدثة وهما: (التخريج الفقهي) و (التكييف الفقهي)، والمصطلح الأول هو الأكثر رواجاً في مدرسة الفقه الإمامي.
ونشرح هذين المصطلحين باختصار:
التخريج الفقهي: تمّ تعريفه بأنّه «استخراج شيء من مذاق أحوال الأدلّة والمدارك وغوامضها بالنظر التعقّبي (النظر الدقيق البرهانيّ) بعد النظر الاقتضائيّ (الأوليّ)، واستنباط حكم جزئي بخصوصه خفيّ من دليل بعينه من الأدلّة، كتابٍ أو سنة مثلاً، غير منسحب الحكم على ذلك الجزئي في ظاهر الأمر، وجليل النظر بتدقيق النظر الفحصيّ فيه ليستبين اندراج هذا الجزئي في موضوعه. وهذا معنى قولهم: تعدية الحكم من المنطوق إلى المسكوت عنه من غير أن يكون قياس» ([5]).
لا يبتعد تعريف التخريج الفقهي في الحقيقة عن عملية الاستنباط؛ لأنها تعرّف أيضا باستخراج الأحكام من الأدلّة الشرعية ([6])، لكن لعلّ استخدام هذا المصطلح كان لأنّ المسائل المستحدثة فيها نوعٌ من الخفاء أشدّ مما هو في المسائل التي بحثت من قبل الفقهاء السابقين.
التكييف الفقهي: وهو مصطلح مستخدم قانونياً أيضاً، ويعنون به تحديد طبيعة العلاقة القانونية ([7])، والتعريف القانوني الأكثر تفصيلاً له هو أنه «تحديد القاضي الطبيعة القانونية للعلاقة ذات العنصر الأجنبي المعروضة أمامه بغية إخضاعها لقاعدة الإسناد التي تعيّن القانون الواجب التطبيق بالنسبة لها» ([8]).
أمّا في الاصطلاح، فالتكييف الفقهي (adjustment or framing) هو تحرير المسألة وبيان انتمائها إلى أصل معيّن معتبر ([9]).
وعرّفه آخرون بأنه «إلحاق عقد بعقدٍ معيّن شبيه به من العقود التي عرّفها الشارع، وعندئذ يعطى العقد الملحق الحكم الذي رتّبه الفقهاء على العقد الملحق به من صحّةٍ أو بطلان وفساد» ([10]).
وهذا التعريف يحدّد التكييف الفقهي بدائرة المعاملات، لكن استخدامهم لهذا المصطلح أوسع دائرةً من ذلك؛ ولذا يعرّفه القرضاوي بأنه: «تطبيق النص الشرعي على الواقعة العملية» ([11]).
منهج البحث في المسائل المستحدثة
يعتمد البحث في المسائل المستحدثة ـ ضمن ما هو موجود ـ على البحث في الأدلّة لمعرفة حكم الواقعة، ولكن لما كانت خصوصية المسألة المستحدثة أنها ليست منصوصةً بالنص الجليّ، بل كان سعي الفقهاء في البحث عنها إلى استنطاق النصوص والأدلة الشرعية.. كان سير البحث فيها يعتمد على المنهجية التالية:
أولاً: البحث عن الحكم الأولي للواقعة المستجدّة.
ثانياً: البحث عن الحكم الثانوي للواقعة المستجدّة.
ثالثاً: البحث عن الحكم الولائي للواقعة المستجدّة.
وهذا التقسيم هو الذي سوف يُشكّل العناوين الرئيسة لهذه السطور، على أنّ ممّا لا بد منه هو البحث عن تحديد هذه الأنواع الثلاثة للحكم مقدّمةً للبحث.
أمّا الحكم الأولي، فهو الحكم المجعول للشيء بواقعه من دون ملاحظة ما يطرأ للشيء من عوارض([12])، وهو الذي ينقسم إلى الواقعي والظاهري، وإلى التكليفي والوضعي.
وأمّا الحكم الثانوي فهو الحكم المجعول للشيء بلحاظ العناوين الطارئة عليه، وهي عناوين خاصّة بحثها الفقهاء، كالاضطرار والإكراه والعُسر والحرج وغير ذلك.
وقد اختلفت أنظار الفقهاء في بيان العلاقة بين الأحكام الأولية والأحكام الثانوية، فتبنّى بعض الفقهاء ـ كالسيد الخوئي([13]) ـ كونها علاقة التخصيص؛ فالأحكام الثانوية تخصّص الأحكام الأولية، وبعضهم ذهب إلى كون الأحكام الثانوية حاكمةً على الأحكام الأولية.
وأمّا الحكم الولائي، وهو المعبّر عنه بالحكم الحكومتي، فهو عبارة عن الحكم الصادر من الحاكم من جهة كونه ولياً وحاكماً، أي لمن له ولاية الأمر والنهي.
القسم الأول: قواعد الحكم الأولي في المسائل المستحدثة
لا بد وأن نعالج هذه القواعد ضمن نقطتين؛ وذلك لأن قسماً من المسائل المستحدثة يرتبط بالعقود والمعاملات ذات الطابع التعاقدي، فيما لا يرجع قسمٌ آخر منها إلى ذلك. ولاختصاص الأولي بقواعد محدّدة كان المنهج الصحيح هو الفصل بينها.
الحالة الأولى: المسائل المستحدثة التي لا ترتبط بالعقود
إن سير عملية استنباط الحكم الأولي لهذه الحالات من المعاملات المستجدّة يمكن توضيحه ضمن النقاط التالية:
النقطة الأولى: تحديد الموضوع في المسألة المستحدثة
يعتمد البحث في المسائل المستحدثة بدايةً على الخروج بتصوّر عن موضوع المسألة وتحديد جميع خصوصياته، ولا يخفى أنّ ذلك له الدور الأساس في تحديد الفقيه للحكم الفقهي المرتبط بهذا الموضوع، من هنا قد يُسجّل على بعض الباحثين في هذه الموضوعات الإخفاق في تحديد الموضوع بما أدى إلى تحديد حكم غير دقيق للمسألة المستحدثة.
ولأهمية هذه النقطة بالذات نقدم أنموذجين لذلك:
الأنموذج الأول: تحديد حقيقة العملة الورقية
يبحث الفقهاء عن أحكام متعدّدة ترتبط بالعملة الورقية، وأهمّ هذه الأبحاث مسألة ضمان القيمة الشرائية لهذه الأوراق لو انخفضت قيمتها، لا سيّما في مسألة الدَّين؛ فلو استدان شخصٌ من آخر مبلغ مائة ألف، ثم أراد أن يرجعها له في الأجل، وقد سقطت القيمة الشرائية لهذا النقد سقوطاً فاحشاً، فكيف يكون أداء هذا الدين؟ اتّجه البحث في هذه المسألة إلى تحديد حقيقة العملة الورقية أو النقد، فمنهم من بنى على أن العملة الورقية من المثليات([14])، وضمان المثلي إنما يكون بمثله سواء انخفضت قيمته أو ارتفعت. إذ لا يكون الملاحظ في المثليات القدرة الشرائية حتى تكون مضمونةً، ومن المحاولات اعتبار الأوراق النقدية مجرّد وسيلة مبادلة فهي ليست سلعةً ولا منفعة استهلاكية لها؛ ولذا يكون ضمانها بقيمتها لا بمثلها([15])، ومن المحاولات اعتبار النقود عبارةً عن القيمة والمالية المحضة، فحقيقة النقد كونه قيمةً محضة للأموال الأخرى فيكون ضمانه قيمياً، ومن المحاولات أنّ النقد وإن كان مثلياً لكنّ حقيقة النقدية تتقوّم بالقوة الشرائية والقيمة التبادلية، ومن المحاولات اعتبار أن حيثية النقد التي يكون بها قوامه وحقيقته تتمثل في قيمته التبادلية، فهنا يحافظ على كونه مثليّاً، لكن تعتبر قوته الشرائية مقوّمةً له، وذلك في خصوص ما إذا كان هبوط أو ارتفاع قوّته الشرائية مرتبطاً بتغيّر سعر النقد نفسه.
تُظهر لنا هذه المحاولات جميعها مدى ارتباطها بتحديد الموضوع، فما هي حقيقة العملة الورقية أو النقود؟ والاختلاف بين الفقهاء في تحديد حكم هذه المسألة المستحدثة يرتبط بشكلٍ وثيق بتحديد الموضوع الموجود خارجاً.
الأنموذج الثاني: الزيادة الحكمية بين الربح والفائدة
في مسألة ارتفاع القيمة السوقية دون أن تكون هناك زيادة عينية، وهو ما يعبّر عنه بالزيادة الحكمية، التزم بعض الفقهاء بتعلّق الخمس بهذه الزيادة؛ وذلك لصدق الربح والفائدة ـ وهو موضوع وجوب الخمس ـ وإن لم يحصل بيع هذا المال خارجاً؛ لأن الاستفادة في نظر العقلاء منوطةٌ بزيادة القيمة([16])، لكن قد يقال بالمنع من وجوب الخمس فيها؛ لعدم صدق حصول الفائدة، إذ لا فائدة في الحقيقة إذا كانت تلك الزيادة راجعةً إلى هبوط قيمة النقد لا ارتفاع قيمة السلعة التجارية لعدم صدق الربح والفائدة([17]).
النقطة الثانية : تحديد الموضوع في الأدلّة الشرعية
من الواضح أنّ الأحكام الواردة من الشارع قد انصبّت على عناوين، وهذه العناوين تشكّل موضوعات لهذه الأحكام. ومما ينبغي ملاحظته عند البحث عن أحكام المسائل المستحدثة هو تحديد عناوين هذه الموضوعات بدقة لئلاّ يقع الفقيه في مشكلة إدراج الموضوع تحت عنوانٍ من هذه العناوين، فيما يشكّل التدقيق في هذا العنوان مانعاً من إدراج الموضوع المستحدث تحته، ونماذج ذلك:
الأنموذج الأول: التخدير في العقوبات الجسدية
قد يقال في مسألة حكم التخدير عند إجراء العقوبات الجسدية بجواز ذلك في بعضها كقطع اليد أو إزهاق الروح أي الإعدام، وذلك باعتبار أن العقوبة هي عبارة عن نفس القطع أو إزهاق النفس وفقدان الجاني للعضو المقطوع كاليد في حدّ السرقة أو للروح في عقوبة الإعدام. وهذا لعلّه يظهر من ملاحظة أن الموضوع الوارد في أدلّة حد السرقة أو الجناية بالقتل هو مجرّد فقدان الجاني للعضو المقطوع.
لكنّ إعمال التدقيق في موضوع هذا الحدّ يمنع من الحكم بالجواز؛ وذلك باعتبار أن الموضوع ليس هو ما تقدّم من مجرّد فقدان العضو، بل هو عبارة عن العذاب الحاصل بنفس القطع، فالموضوع هو القطع أو القتل مع الإيلام([18]).
ولعلّ المسألة تغدو أكثر وضوحاً في أبواب القصاص؛ فان نفس عنوان القصاص كافٍ ـ بعد تحكيم مناسبات الحكم والموضوع المركوزة عرفاً وعقلائياً ـ في التوصّل إلى النتيجة عينها ([19]).
الأنموذج الثاني: التضخّم النقدي والربح
من المسائل المستحدثة مسألة التضخم النقدي، أي ارتفاع قيمة النقد، فلو حصل التضخّم بما أدى إلى ارتفاع قيمة مال التجارة دون أن يكون لهذا الارتفاع أي سبب سوى هذا التضخّم النقدي، فهل يجب خُمس هذه الزيادة؟
قد يلتزم بعض الفقهاء بأنّ هذه الزيادة مما يجب فيها الخمس؛ وذلك لأن الخمس واجب في كلّ زيادة. لكن التدقيق في موضوع وجوب الخمس يظهر أن الحكم بوجوب الخمس قد تعلّق بعنوان الربح والغنيمة، وفي حالات التضخم وإن كانت قيمة مال التجارة قد شكّلت رقماً أكبر، لكنّ ذلك لما كان بسبب هبوط قيمة النقد في جميع السلع الحقيقية فلا ربح للتاجر؛ إذ الربح والفائدة ليس قوامه بالرقم العددي والقيمة الإسمية للنقود، بل بواقع ماليّتها وقوتها الشرائية، وهي لم ترتفع بحسب الفرض([20]).
الأنموذج الثالث: المثلة والتشريح
في مسألة جواز تشريح الميت، أورد الفقهاء بعض الروايات الواردة في حكم المثلة أي التمثيل بالميت، وذلك كرواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله % قال: «إن النبي- كان إذا بعث أميراً على سريّة، أمره بتقوى الله في خاصّة نفسه، ثم في أصحابه عامّة، ثم يقول: اُغز بسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر بالله، ولا تغدروا ولا تغلّوا ولا تمثلّوا ولا تقتلوا وليداً» ([21]).
لكنّ الفقهاء أعملوا التدقيق في عنوان التمثيل ومنعوا من صدق هذا العنوان على عملية التشريح الطبيّة؛ لأنّ التمثيل لا يصدق على مجرد شقّ الجسد وخرقه، بل هو ما كان من القطع بغاية التنكيل والتعذيب بحيث يصير عبرةً لغيره([22]).
الأنموذج الرابع: مسألة التلقيح الصناعي
استدلّ بعض الفقهاء على تحريم هذا العمل إذا كان بنطفةٍ من رجل أجنبي برواية علي بن سالم عن أبي عبد الله % قال: «إنّ أشد الناس عذاباً يوم القيامة رجلٌ أقرّ نطفته في رحمٍ يحرم عليه» ([23])؛ وذلك لأن موضوع المنع هو إقرار الرجل ماءه في رحمٍ يحرم عليه من غير دخلٍ للمباشرة بحسب المتعارف فيه، ولذا استدلّوا بالحديث على وجوب العزل في الزنا؛ لأنه دلّ على أن الإقرار محرّم آخر زائد على أصل الجماع([24])، أو يقرّب ذلك بأنّ مجرد كون العادة في إقرار النطفة هو الوطء، لا يجعل الموضوع مختصاً بذلك؛ ولذا لو أخذ الزاني نطفته بيده حرم عليه إدخالها في رحم المزني بها زائداً على حرمة الزنا ([25]).
لكنّ من الفقهاء من لم يتبنّ هذا الرأي، بل التزم بأنّ موضوع المنع في هذه الرواية هو خصوص الزنا، وأنّ المراد منه المباشرة فقط([26]).
الأنموذج الخامس: مسألة موضوع السفر الموجب للقصر في الصلاة
ثمّة محاولة قد تقول بأن موضوع السفر الموجب للقصر هو السفر الملازم ـ بشكلٍ نوعي ـ للتعب والمشقة؛ ولذا لا ينبغي الحكم بوجوب القصر في الصلاة في بعض أقسام السفر في هذا العصر، حيث يتم بالوسائل المتطورة كالطائرات ونحوها. لكنّ آخرين يتوقفون أمام هذه المحاولة باعتبار أن مجرّد وجود ملازمة نوعية بين التعب والمشقة والسفر في عصر المعصوم، لا يعني إطلاقاً أن يكون الموضوع الشرعي للقصر محدّداً بهذا الملازم النوعي، بل حتى تكون الملازمة موجبةً لتضييق دائرة الموضوع لا بد وأن تكون ملازمةً دائمية وفي جميع أعصار ثبوت الحكم([27]).
الأنموذج السادس: مسألة تحريم بيع شيءٍ لحرمة ما يناسبه
فالدم مثلاً تحريمه هل كان بعنوانه أو بعنوان الأكل الذي كان استعمالاً متعارفاً له آنذاك؟ من هنا يمكن التأسيس لقاعدة وهو أنّ المحرم هل هو الشيء كالدم بعنوان كونه مشيراً إلى الفعل المناسب كالأكل، وهذا معناه حرمة الأكل فقط وجواز نقل الدم إلى الحي وبيعه بهذا الغرض، أو أن المحرّم هو الشيء بعنوان كونه موضوعاً، فالمحرّم هو الدم ولو تبدّل الفعل المناسب له حرُم ذلك الفعل فالمناسب في كلّ عصر من الاستعمالات هو المحرّم؟ ([28]).
يبقى أن تحديد هذا الموضوع في غالب موارده يخضع لاستظهار الفقيه من النصّ الذي يشكّل دليلاً، والالتفات إلى حيثيات هذا النص، وليس أمراً خاضعاً للتقعيد أو التقنين. نعم هذا الاستظهار يخضع لعوامل متعدّدة نذكر منها: مناسبات الحكم والموضوع، التدقيق العرفي وعدم الاعتماد على التسامحات العرفية، ملاحظة الملازمات النوعية للموضوع، تحديد أن الموضوع الذي انصبّ عليه الحكم هل هو عنوانٌ موضوعي أو مشير؟
النقطة الثالثة : تحديد الأصل العملي
يعمد الفقهاء ـ بدايةً ـ إلى تحديد الأصل العملي في المسألة المستحدثة، والأصل العملي يُشكّل المرجع عند عدم إمكانية الوصول إلى أيّ دليل اجتهادي سواء ارتبط بالحكم الأولي أو الثانوي، ومثاله التمسّك بالاحتياط في مسألة الفروج لإثبات حرمة التلقيح الصناعي؛ وذلك أنا علمنا من طريقة الشارع وتحذيره وتشديده في أمر الفروج ومبدأ تكوّن الولد أنها لا تستباح إلا بإذنٍ شرعي؛ فمجرد احتمال الحرمة كافٍ في وجوب الكفّ والاحتياط ([29]).
النقطة الرابعة: البحث عن العمومات المحلّلة أو المحرمة لموضوع المسألة المستحدثة
تشكّل الإطلاقات في الأدلّة اللفظية عنصراً أساسيّاً لمعرفة حكم المسائل المستحدثة، وفي هذه النقطة موضوعات للبحث:
أولاً: هل تملك الأدلّة اللفظية إطلاقات تشمل الموضوعات المستحدثة؟ لقد أسس البحث الأصولي لمقولة كون الأدلّة الشرعية وردت بنحو القضايا الحقيقية لا الخارجية، أي بمعنى أنها تشمل الأفراد التي كانت موجودةً في عصر النص وما سيوجد إلى يوم القيامة، وهذا هو الأساس في شمول هذه الأدلّة للموضوعات المستجدة.
ثانياً: يشكّل إلغاء خصوصية الوارد في النصّ أحد عوامل تعميم الحكم، ويعتمد إلغاء الخصوصية هذا على عوامل متعددة، كتنقيح المناط، وتعطيل خصوصية الأحكام، وخروج الحكم مورد التمثيل، ومنصوص العلة، والأولوية العرفية([30]).
ثالثاً: قد يختلف الفقهاء في الالتزام بتعميم النص للمسألة المستحدثة وعدمه، وهذا الأمر يخضع للاستظهارات العرفية من النصوص الشرعية، ونماذج ذلك:
الأنموذج الأول: مسألة التلقيح الصناعي، فقد تمسّك بعض الفقهاء لإثبات الحرمة لجميع أنواع التلقيح الصناعي أو بعضها بقوله تعالى: >ويحفظوا فروجهم<، وقوله تعالى: >ويحفظن فروجهنّ<؛ وذلك باعتبار أن الآية فيها إطلاقٌ، وذلك لعدم ورود متعلّق فيها؛ فتدلّ على حفظ العضو من كلّ شيء حتى التلقيح، واعتبار أن لا انصراف في الآية لخصوص الزنا؛ لأنّ مجرد الأغلبية لا يكفي لانصراف الدليل عن عمومه وإطلاقه([31]).
لكنّ بعض الفقهاء منع من التمسّك بعموم هذه الآية؛ وذلك باعتبار أنّ مراد الآية الثانية حفظ الفرج من الغير، ولا يعمّ ذلك إفراغ المرأة مني الأجنبي في رحمها مباشرةً أو بأداةٍ صناعية، وأنّ المراد من الآية الأولى حفظ الفرج من خصوص النكاح([32]).
رابعاً: إنّ إعمال التحليل في بعض الموضوعات المستحدثة قد يُدخلها تحت بعض العمومات، وبعبارةٍ أخرى: إن البحث كما يقع عن بعض العمومات المباشرة يقع أيضاً عن بعض العمومات غير المباشرة التي قد تندرج تحتها هذه الموضوعات المستجدّة، وهذا ما تختلف درجته من ناحية الوضوح والخفاء، ومن نماذج ذلك:
الأنموذج الأول: مسألة تشريح الميت، حيث التزم بعض الفقهاء بتحريمه لانطباق عنوان هتك حرمة الميت عليه، وقد وردت النصوص بلزوم احترام الميّت، فعن أبي عبد الله%: «حرمته ميتاً كحرمته وهو حي»، أو قول أبي جعفر%: «إنّ الله حرّم من المؤمنين أمواتاً ما حرّم منهم أحياء» ([33]).
الأنموذج الثاني: عموم «المؤمنون عند شروطهم» الذي يؤدّي دوراً أساسياً في حلّ حكم بعض الحقوق المستحدثة، وذلك كالحقوق المعنوية كحقّ التأليف، بتقريب أن البائع يشترط على المشتري أن لا يطبع هذه النسخة؛ لأن الطبع من منافعها، فهذا الشرط بمنـزلة قوله: بعتك هذه النسخة مسلوبة المنفعة، واشتراط بقاء هذه المنفعة على ملك المالك الأول([34]).
خامساً: اتّجه بعضهم لإثبات عموم الإطلاقات للموضوعات المستجدّة بوجهٍ لا يخلو من غرابة، حيث اعتبر أن من وجوه العموم وجود أشياء مناسبة لهذه المصاديق الجديدة في عصر التشريع والسابق عليه، بحيث لم يكن المصداق الجديد غريباً عن الأذهان بالمرّة. وإن كانت تلك الأشياء وجدت بإعجاز ونحوه أو بصورة طبيعية إلا أنّه يساعد على شمول الإطلاقات لمثله حيث وجد.
وذلك مثل الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي صرّح به القرآن، ومثل طيّ الأرض وبساط سليمان الذي كان يطير به مع جمعٍ، فإنها تناسب إطلاق نصوص السفر للسفر بالوسائل الحديثة السريعة أضعاف ما كان يقع السير بحسب المتعارف والعادة، ومثل إحياء الموتى بإذن الله فإنه يناسب مسألة ترقيع العضو، وإطلاق دليل طهارة الحي لجزئه الترقيعي.. ومثل وجود يوم كان مقداره خمسين ألف سنة يساعد على إطلاق اليوم والنهار لما إذا كان النهار في مكانٍ قريباً من عشرين ساعة.
إلى أن يقول: «وان شئت فعبّر عن هذا الوجه بتقريب آخر وهو أن الاعتقاد بوقوع المعاجز والكرامات بل والسحر ونحوه يعطي عدم البناء على عدم انحصار سنّة التكوين الإلهي فيما هو المتعارف من الأسباب والعلل الطبيعية» ([35]).
وغرابة هذا الكلام تظهر في أن هذه المصاديق التي حصلت بنحو الإعجاز لا تدخل تحت العمومات؛ لأن المرجع في العمومات إلى العرف، والعرف لا يلحظ هذه المصاديق ضمن الإطلاقات، فمثلاً عند الأمر بالقصر في السفر لا يدخل في ذهن العرف على الإطلاق مسألة الإسراء والمعراج، وأغرب من ذلك أن يقال: إن كلمة اليوم لمّا كانت تصدق على ما كان مقداره خمسين ألف سنة تقرّب إطلاق اليوم على ما كان يستمرّ إلى عشرين ساعة، فهل المراد أنّ هذا يوجب صدق وجوب الصوم على يوم كان مقداره خمسين ألف سنة؟ وبعبارة أخرى: إن السامع العرفي لإطلاقات الأدلّة لو سئل عن الصلاة في حالة الإسراء والمعراج أو طي الأرض أو بساط سليمان فإنّه لن يتمكّن من إدراجها تحت هذه الإطلاقات، بل يتوقّف في ذلك.
ولأجل ذلك، حكم بعض الفقهاء ـ كالسيد الخوئي والسيد الحكيم ـ بأنّ النهار الذي يستمرّ لستة أشهر ـ وكذلك الليل ـ خارجٌ عن الأدلّة المتكفلة لوجوب الصلوات الخمس في كل يوم وليلة؛ وذلك لأنه لا يُطلق عليه اليوم عرفاً، بل المنسبق إلى العرف هو اليوم الذي يكون جزءاً من السنة، والذي قد يكون نهاره أطول من ليله وقد يكون أقصر وقد يستويان ([36]).
سادساً: إنه لا بد عند البحث عن حكم المسألة المستحدثة من البحث عن حيثيات الموضوعات المستجدة؛ وذلك لأنّ بعض العناوين المحرّمة قد لا تنطبق على هذه الموضوعات. ولكن قد ينافي الحكم بالحلية مثلاً واجبٌ آخر، وأنموذج ذلك مسألة تشريح الميت، فإنه وإن لم ينطبق على عملية التشريح عنوان المثلة أو هتك حرمة الميت، لكن بعض الفقهاء اعتبر أن الحكم بالمنع ينطلق من خلال ملاحظة الروايات الآمرة بوجوب تجهيز الميت ودفنه على نحو الفورية. والذي يحدّد مصداق الفورية هو العرف والتشريح المتوقف على مضي أيام ينافي الفورية العرفية ([37]).
سابعاً: بالإمكان التمسّك بالعمومات في الموضوعات المستجدّة وإن لم تكن هذه الموضوعات متعارفة في عصر صدور النص؛ وذلك لأنّ انحصار مصداق الموضوع في عصر صدور هذه العمومات في فردين أو أفراد لا يمنع من انطباق المفهوم على ما استجدّ من مصاديق، بل يعمّ المفهوم كلّ ما ينطبق عليه، وأنموذج ذلك الروايات الواردة بأن من لا تحبل مثلُها لا عدّة عليها؛ ففي رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر% قال: «التي لا تحبل مثلها لا عدّة عليها» ([38])، وقد استدّل بعض الفقهاء بهذه الرواية وأمثالها لإثبات عدم وجود عدّة لمن لا رحم لها أو التي تُجرى لها عملية نزع الرحم باعتبار أن انحصار مصداق الرواية في عصر النص بالصغيرة التي لم تبلغ أو من جازت سنّ المحيض لا يعني انحصار المفهوم فيهما ([39]).
ثامناً: لابدّ من البحث عن دور العرف في التصرّف بإطلاقات الأدلّة الأولية، ويمكننا أن نذكر دورين للعرف في المسائل المستحدثة:
أحدهما: دور العرف في إيجاد موضوع تنطبق عليه إطلاقات الأدلّة الأولية، ومثال ذلك مسألة الحقوق المعنوية كحقّ التأليف، حيث يُقال: إننا نتلقّى الموضوعات من العرف والأحكام من الشرع، والشارع حرّم الظلم والتجاوز على الحقوق وأما الموضوع أي التجاوز على الحقوق، فهو موضوع يُرجع فيه إلى العرف، وجميع عقلاء العالم يرون في هذه المسألة حقاً ([40])؛ وعليه فكل حقّ جديد إذا اعتبره العرف فقد أوجد موضوعاً للأحكام الأولية([41])، أو من خلال اعتبار أن العرف يعتبر التأليف مالاً مملوكاً للغير ولا يجوز التصرّف في مال الغير بغير رضاه([42]).
ثانيهما: دور العرف في انصراف الأدلّة الأولية عن الموضوعات المستجدّة؛ فقد يُقال بأن العرف لا يرى محلاً لهذه الأدلّة الأولية في بعض المسائل المستحدثة؛ وذلك لأن الارتكاز العرفي يمنع من شمول الأدلة الأولية لها، ومثال ذلك مسألة حرمة النظر إلى العورة، أو حرمة هتك حرمة المؤمن المستلزم للقول بحرمة التشريح، وهي ما يُسمى بالأحكام الاحترامية، وذلك بالالتزام بأن هذه الأحكام منصرفة عن صورة كون التشريح أو النظر إلى الأجنبية بهدف إنقاذ المجتمع الإسلامي، والتقريب العلمي لذلك اعتبار أن الارتكاز العرفي هذا يكون بمثابة المخصّص المتّصل، ولعلّ هذا الوجه جدير بأن يُولى الاهتمام في فقه المسائل المستحدثة؛ من هنا قد تستحضر الشواهد المتعدّدة لإثبات مثل هذا الارتكاز الموجب لانصراف الأدلة الأولية، كأهميّة تعلّم الطب الذي فيه حفظ المسلمين وهو يتوقف على التشريح، أو كما لو ادّعي على بنت باكر بالزنا وقام الشهود على ذلك وأنكرت هي ذلك، وأمكن فحصها لإثبات أنها بكر، فهل يُقال: إنّه ولأجل حرمة النظر إلى هذه الفتاة عليها أن تتحمّل الحد، إن الفهم العرفي الاجتماعي لا يقبل ذلك، بل يرى أن حرمة النظر إلى عورتها من قبل الطبيب ليست إلا لاحترامها. وهذا لا محلّ له إذا كان لرفع تهمة الزنا عنها ([43]).
النقطة الخامسة: البحث عن الارتكازات المتشرّعية أو العقلائية التي تنطبق على الموضوعات المستجدّة
وضمن هذه النقطة جهات من البحث:
أولاً: في حجية السيرة المستحدثة
هل قيام سيرة عقلائية على بعض الأمور يوجب البناء عليه بوصفه دليلاً على الحكم الشرعي؟
يلتزم بعض الفقهاء ـ كالسيد الخوئي! ـ بأنّ حجية السيرة ترتبط بوجود تطبيق فعلي لهذه السيرة في عصر المعصوم؛ وذلك لأن حجية السيرة تتوقف على الإمضاء الشرعي من قبل المعصوم، وهذا الأمر لا يمكن إحرازه إلا إذا كان هناك عمل بمرأى ومسمع من المعصوم([44])؛ ولذا فإن هذه السير العقلائية المستحدثة لا تشكل دليلاً يمكن الاعتماد عليه لإثبات حكمٍ شرعي.
لكن العديد من الفقهاء يتبنّى مقولة الاعتماد على الارتكاز العقلائي حتى مع عدم وجود أيّ مصداق لهذا الارتكاز في عصر المعصوم؛ فقد ذكر الشهيد الصدر! بحثاً تحليليّاً تعليقاً على كلام أستاذه السيد الخوئي! في مسألة عدم الاعتماد على الارتكاز بعد أن أورد نقضاً على السيد الخوئي في المسألة بأنّ اشتراط وجود تطبيق فعلي للارتكاز في عصر المعصوم يستلزم الاستشكال في تملّك الكهرباء والغاز؛ لأنها لم يكن لها تطبيق فعلي آنذاك، وهذا البحث التحليلي للشهيد الصدر! يرجع إلى ملاحظة ملاك استكشاف الإمضاء وعدم الردع؛ فهل يرجع إلى وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ فإنّه إذا كان كذلك كان لا بد من الاقتصار على التطبيق الفعلي والسيرة العملية، أو أنّه يرجع إلى ملاحظة حال المعصوم ووظيفته كمشرّع ومقنن؟ فانه إن كان كذلك كان عدم الردع كاشفاً عن الإمضاء حتى للارتكازات المتشرعية أو العقلائية([45]).
ونجد هنا أنموذجاً آخر للتمسّك بالارتكاز العقلائي، وهو ما ذكره الإمام الخميني! في كتاب الاجتهاد والتقليد؛ فقد استدلّ لإثبات مشروعية التقليد بالسيرة العقلائية القائمة على رجوع الجاهل إلى العالم، وبعد أن طرح الإشكال المعروف بينهم من عدم معروفية الاجتهاد ـ بمعناه الذي عليه الآن ـ في عصر المعصوم؛ لأنه أصبح الآن من الأمور النظرية.. يبحث في مسألة حجية الارتكاز العقلائي، وللإمام الخميني ! طريق آخر لإثبات حجية هذا الارتكاز، وهو يرجع إلى ملاحظة وظيفة المعصوم لـ : «أن الأئمة قد علموا بأن علماء الشيعة في زمان الغيبة وحرمانهم عن الوصول إلى الإمام، لا محيص لهم من الرجوع إلى كتب الأخبار والأصول والجوامع، كما أخبروا بذلك، ولا محالة يرجع عوام الشيعة إلى علمائهم بحسب الارتكاز والبناء العقلائي المعلوم لكل أحد، فلولا ارتضاؤهم بذلك لكان عليهم الردع، إذ لا فرق بين السيرة المتصلة بزمانهم وغيرها، مما علموا وأخبروا بوقوع الناس فيه، فإنهم أخبروا عن وقوع الغيبة الطويلة، وأن كفيل أيتام آل محمد ـ صلى الله عليه وعليهم ـ علماؤهم، وأنه سيأتي زمان هرج ومرج يحتاج العلماء إلى كتب أصحابهم، فأمروا بضبط الأحاديث وثبتها في الكتب» ([46]).
وهنا نجد أن الإمام الخميني! يسوق؛ لإثبات شمول وظيفة المعصوم وملاحظة حاله، شواهد وردت عنهم، وهذه التوسعة من ملاحظة السيرة لها دور أساسي في كثير من المسائل المستحدثة.
ثانياً: التوسّع في الارتكاز أو في مصاديق الارتكاز
إنّ ما يمكن للارتكاز الحجّة أن يُثبته من أحكامٍ إنما يرتبط بالموضوعات المستجدّة التي تشكّل مصاديق جديدة لهذا الارتكاز، دون ما يشكّل توسعةً في نفس الارتكاز، ولأجل توضيح الفكرة نذكر أنموذجين لذلك:
الأنموذج الأول: مسألة الحيازة بالأدوات الحديثة الصناعية فإنّ كون الحيازة من أسباب التمليك من المرتكزات العقلائية الممضاة من المعصوم، لكنّ هذه الحيازة كانت تتمّ في عصر المعصوم بأدوات يدوية، وشمول هذا الارتكاز لوسائل الحيازة الحديثة لا مانع منه؛ لأنّ هذا من التوسعة في مصاديق الحيازة لا في مفهومها بنحوٍ يوجب توسعةً في الارتكاز الذي كان ممضى من قبل المعصوم([47]).
الأنموذج الثاني: الحقوق المعنوية مثل حقّ الطبع والنشر وجميع الحقوق الأدبية أو حقوق الابتكار، فقد يقال: إن مثل هذه الحقوق لا تثبت عبر التمسّك بالارتكاز العقلائي؛ لأنه ارتكازٌ حديث لم يكن في زمن المعصوم كي يدلّ عدم الردع على إمضائه والتوسّع الجديد في الارتكازات لا يثبت إمضاؤه بعدم الردع.
وقد يناقش في هذا الكلام باعتبار أن الاعتماد على الارتكاز العقلائي في إثبات هذه الحقوق المعنوية هو من التوسعة في تطبيقات ومصاديق الارتكاز العقلائي على أساس اعتبارها نوعاً من أنواع الصنع المعنوي ويقابله الصنع المادي([48]).
وعلى أيّ حال، فمرجع المسألة إلى تحديد أن هذه التوسعة هل هي من التوسعة في الارتكاز، أو في مصداق هذا الارتكاز؟ مع الحفاظ على أن المتّبع هو ما كان من التوسعة في المصداق دون الارتكاز عينه.
النقطة السادسة: البحث عن العلل المنصوصة أو المستنبطة
تشكّل علل الأحكام أداةً رئيسة لتعميم الأحكام، سواء فيما يرجع إلى الموضوعات التي لم يصل فيها نصّ وإن كانت غير مستجدّة، أو الموضوعات المستجدّة، واعتماد الفقهاء على العلّة باعتبار أن النص المعلّل يدلّ على أن تمام الموضوع هو العلّة دون المعلّل في خصوص النص المتضمّن للعلّة. وحيث انحصر بحثنا في خصوص الموضوعات المستجدّة، نستحضر بعض نماذج ذلك:
الأنموذج الأول: عدّة من لا رَحِمَ لها
توصّل الطبّ الحديث إلى إجراء عمليات نزع للرحم عند الإصابة بمرضٍ ما، ونتيجة ذلك استحالة الحمل للمرأة التي تُجرى لها هذه العملية، وهنا وقع البحث حول ثبوت العدّة على مثل هذه المرأة وعدمه، ومما وقع الاستدلال به هو التمسّك بعلّة ثبوت العدّة وإثبات انتفاء هذه العلّة في من لا رحم لها؛ وذلك لأن العديد من الروايات ورد لبيان علّة الاعتداد من الطلاق، كقول أبي جعفر الثاني%: «فلاستبراء الرحم من الولد»، وقول الباقر %: «وإنما يستبرأ رحمها بثلاثة قروء»، فإذاً استبراء الرحم هو علّة الحكم بالعدّة؛ فإذا كان هذا الاستبراء من الولد حاصلاً قطعاً من أول الأمر فليس لوجوب الاعتداد عليها وجه([49]).
نعم، تمّت مناقشة كون علّة الاعتداد هو مسألة استبراء الرحم، إمّا من خلال عدم استظهار كون العلّة هي مجرّد الاستبراء، أو من جهة ما ثبت في موارد أخرى منصوصة من لزوم الاعتداد مع وجود الأمن من اختلاط الأنساب.
الأنموذج الثاني: المسافة الشرعية للتقصير في هذا العصر
ورد في بعض الروايات أنه إذا ذهب بريداً ورجع بريداً فقد شغل يومه وأن كُلّ يومٍ بعد هذا فهو كسابقه، فلو لم يوجب مسيرة يوم للتقصير لما أوجبه مسيرة ألف سنة([50])؛ وعلى أساس هذا التعليل يمكن أن يقال: إنّ الموضوع ليس هو الفراسخ الثمانية دائماً، بل العبرة بمقدارٍ من المسافة يشغل يوماً، حيث يقع السير بالوسائل المتعارفة، فالعبرة في كلّ عصر بوسائل النقل المتعارفة في ذلك العصر([51]).
إذن، تخضع الاستفادة من التعليل؛ لإثبات حكم الموضوعات المستجدّة، لأمرين:
1ـ استظهار العلّة من النص، فإن من النصوص ما صُرّح فيه بالعلّة بنحوٍ يتفق عليه الجميع، ومنه ما يخضع لاستظهار الفقهاء.
2ـ تحديد كون العلّة منحصرةً أو لا، ولذا لا بدّ من استقراء البحث حول علل الأحكام، نعم الظهور الأوليّ للعلّة هو كونها هي العلّة دون غيرها ولو كان منشأ ذلك الإطلاق.
النقطة السابعة: البحث عن الأولويات المعتبرة شرعاً
استثنى فقهاء الإمامية من التزامهم بعدم حجيّة القياس قياس الأولوية، فالتزموا بحجيّته، وهذه الأولوية من القواعد التي تفيد في تحديد أحكام بعض الموضوعات المستجدّة، ومثال ذلك: مرض الأيدز وفسخ عقد النكاح، حيث ورد النصّ على عيوب محدّدة تعطي للزوجة الحقّ في فسخ النكاح، وكذلك الحال للزوج، ولكن هل يتعدّى حكم الفسخ هذا إلى المرض المنتشر في هذا الزمان وهو الأيدز؟ حيث تكون العلاقة الجنسية من موجبات انتقال العدوى إلى الآخر، وقد تسجّل محاولة للالتزام بذلك من جهة أنّ جواز الفسخ حيث كان ورد النصّ به في جذام أحد الزوجين أو برصهما، وكانت العلّة في جواز الفسخ هي العدوى بهذين المرضين غير المميتين؛ فيكون جواز الفسخ في الأيدز المعدي المميت أولى([52]).
الحالة الثانية: العقود والمعاملات المستحدثة
فرض تطوّر الحياة الإنسانية تطوراً في أنواع المعاملات القائمة بين الناس، بحيث أصبحنا نشهد تعداداً من المعاملات التي لم تكن معهودةً سابقاً، وهي تشهد رواجاً بل أصبحت تشكّل ضرورةً في حياتنا الاجتماعية، كعقود التأمين.
والبحث عن شرعيّة هذه العقود، وكيفية تخريجها فقهياً، أخذ حيّزاً مهمّاً من الدراسات الفقهية التي تناولت المسائل المستحدّثة، ومنهج البحث الفقهي يعتمد على أسلوب الاستنباط لمعرفة حكم هذه المعاملات، وتفصيل ذلك ضمن نقاط:
النقطة الأولى: طرق التخريج الفقهي للعقود المستحدثة
تعتمد عملية البحث عن حكم هذه العقود المستحدثة على الخطوات التالية:
الخطوة الأولى: الاندراج تحت عنوان من العقود المعروفة
البحث عن دخول العقود المستحدثة تحت واحدٍ من الصيغ المعروفة للعقود هو أوّل ما يتمّ العمل عليه، ونماذج ذلك متعدّدة:
أ ـ عقود التأمين: وهو اتفاق بين المؤمن (الشركة أو الدولة) وبين المؤمن له (شخص أو أشخاص) على أن يدفع المؤمن له مبلغاً معيناً شهرياً أو سنوياً نصّ عليه في الوثيقة (المسمى بقسط التأمين) لقاء قيام المؤمن بتدارك الخسارة التي تحدث في المؤمن عليه على تقدير حدوثها.
ذهب بعض الفقهاء ـ كالسيد الخوئي ! ـ إلى أن عقد التأمين بمنـزلة الهبة المعوّضة، فإن المؤمن له يهب مبلغاً معيناً من المال في كلّ قسطٍ إلى المؤمن، ويشترط عليه ضمن العقد أنّه على تقدير حدوث حادثة معينة نُصّ عليها في الاتفاقية، أن يقوم بتدارك الخسارة الناجمة له ([53]).
وذهب بعضٌ آخر من الفقهاء إلى اندراجها تحت الضمان المعاملي، بمعنى أن الشركة قد أنشأت تعهّداً بتحمّل الخسارة وتداركها على تقدير وقوعها بشروط، فإذا قبل طالب التأمين ذلك تحقق عقد الضمان بينهما ([54]).
وذهب آخرون إلى اعتبار التأمين عقداً مستقلاً.
الخطوة الثانية: الاندراج تحت صيغة مركّبة
قد لا تندرج بعض العقود المستجدّة تحت صيغةٍ واحدة من الصيغ المعروفة للمعاملات، لكنها تندرج ضمن صيغ متعدّدة من صور المعاملات المعروفة؛ وذلك يتمّ عبر القيام بعملية تفكيك أجزاء العقد المستحدث الواحد إلى أجزاء متعدّدة، ينطبق على كلّ جزء منه معاملة مستقلّة من المعاملات المعروفة. ومثال ذلك التكييف الشرعي المذكور لبطاقات الائتمان، وهي عبارة عن سند يعطيه مصدّره لشخص طبيعي أو اعتباري بناء على عقد بينهما، يُمكّنه من شراء أو بيع السلع أو غيرها ومن الحصول على الخدمات أو تقديمها.
ويتم تحليل هذه البطاقات إلى ما تحمله من عمليات، وتكييف كلّ عملية تتم فيه بالنحو المطابق له شرعاً، وقد ذكر لهذه البطاقات العمليات التالية: 1ـ رسم العضوية: وتكييفه بأنه أجر على عمل أو منفعة تؤديه الشركة المصدّرة للبطاقة، ولو كانت هي منفعة التمكين من الشراء. 2ـ رسم التجديد للاشتراك وهو كالسابق أي يرجع إلى الإجارة على العمل. 3ـ أخذ البنك نسبةً من ثمن البضاعة أو الخدمة. وهنا ذكرت العديد من التكييفات الفقهية كتصويره بأنه قرض من مصدّر البطاقة للعميل وعمولة من التجار، أو تصويره بأنه عمولة على تحصيل الثمن من العميل لدفعه إلى أصحاب المحلات، أو أجر على قبول البنك لضمان العميل، أو أجر على قبول البنك للحوالة من العميل على البنك للمحتال، وهو التاجر..([55]).
الخطوة الثالثة: الاندراج تحت عمومات باب المعاملات والعقود
اختُلف في العمومات الواردة في باب المعاملات، كقوله تعالى: >أوفوا بالعقود<، وقوله: >تجارة عن تراض<، وقوله: >أحلّ الله البيع<، فهل تشمل هذه العمومات المعاملات المستحدثة أو لا؟
وتعتمد النظرية التي تلتزم التعميم على ما تقدّم سابقاً من كون القضايا الشرعية بنحو القضايا الحقيقية، فالحكم فيها انصبّ على موضوع معين، ومتى وجد هذا الموضوع وجد حكمه، وهذه العمومات موضوعها العقد العرفي، فيجب الوفاء بكلّ عقد عرفي ولو لم يكن معروفاً في عصر الشارع، وقد التزم الإمام الخميني! بهذا الرأي مشدّداً النكير على من يرفضه، قال!: «فإنّ دعوى قصر العمومات على العهود المتداولة في زمن الوحي والتشريع خلاف المفهوم منها وتضييقٌ لدائرتها، حيث إن تلك القضايا العامة تأبى عن مثل هذا الجمود والتحجّر المخالف للشريعة السمحة السهلة، ولا أظن أنّه يختلج ببال أحد من العرف ـ العارف باللسان العاري الذهن عن الوساوس ـ أنّ قوله تعالى: >أوفوا بالعقود< الوارد في مقام التقنين المستمرّ إلى يوم القيامة منحصرٌ في العهود المعمول بها في ذلك الزمان، فإن مثل هذا الجمود مستلزم للخروج عن دائرة الفقه، بل عن ربقة الدين، نعوذ بالله من ذلك» ([56]).
والتمسك بهذه الخطوة عند البحث عن حكم العقود المستحدثة قد يصدر من بعض الفقهاء ابتداء، من جهة أنهم لم يروا أيّ داعٍ لبحث اندراج العقود المستحدثة تحت العقود بصيغها المعروفة، وقد يصدر من بعض الفقهاء بعد عدم إمكان تخريج العقود المستحدثة تحت واحدٍ من العقود المعروفة.
ملاحظات عامّة في حكم العقود المستحدثة
الملاحظة الأولى: تطابق التخريج الفقهي مع العقد الخارجي
بناء على تخريج العقود المستحدثة ـ كالتأمين ـ ضمن أيّ واحدٍ من العقود المعروفة، لابدّ من ملاحظة تطابق العقد المستحدث مع الصيغة المعروفة للعقود من ناحية الشروط. ولذلك يعمد الفقهاء ـ بعد تبنّي اندراج العقد المستحدث تحت صيغة محدّدة من العقود المعروفة ـ إلى البحث عن عملية التطابق هذه، فمثلاً تخريج عقد التأمين على أنّه من عقود الضمان المعاملي يستدعي البحث عن شمول أدلّة الضمان لهذا النوع من الضمان؛ لأنه من ضمان الأعيان، والروايات قد وردت في ضمان الذمم، أو رفع الإشكال الوارد بأنّ الضمان عبارة عن نقل الحقّ من ذمّةٍ إلى أخرى؛ فلا ينطبق على الضمان بمعنى نقل العين إلى العهدة أو الإشكال عليه أنّه ضمان ما لم يجب([57]).
الملاحظة الثانية: شروط الصحّة وعدم المانع
بناءً على تخريج العقود المستحدثة تحت عمومات أبواب المعاملات كأوفوا بالعقود، لا بد من البحث عن أمرين: أحدهما أن يكون هذا العقد المستحدث مشتملاً على الشروط العامّة لصحّة العقود. وثانيهما أن يكون خالياً من الموانع المعدودة مانعاً عن صحّة العقود العامة.
أما الأمر الأول، فمن الشروط العامة لصحّة العقود الرضا القلبي؛ فلا يصحّ تصحيح العقود المستحدثة إذا كانت تشتمل على الإكراه. ومثال ذلك عقود الإذعان، وهي عبارة عما يجري في شركات التأمين وشركات الغاز والمياه ومصالح البريد وغيرها، فقد وقع البحث في صدق الإكراه المبطل للعقد على هذه المعاملة؛ وذلك لأن القبول بهذا العقد ليس سوى إذعانٍ لما يمليه عليه الموجب([58]).
وأما الأمر الثاني، فلا بدّ من البحث عن عدم اشتمال المعاملة على موانع الصحّة كالجهالة والغرر والربا، ولذلك نماذج، مثل عقد التأمين؛ فقد يقال بعدم صحّته من جهة اشتماله على الغرر؛ وذلك بناءً على تحليله إلى معاوضة بين ما يدفعه المؤمن له وبين ما يدفعه المؤمن عند وقوع الخسارة؛ وذلك لعدم معلومية الخسارة التي قد ترد، ويُجاب عن ذلك بأن التأمين معاوضة بين ما يدفعه المؤمن وبين التعهّد وقبول المسؤولية، أو من جهة معلومية الخسارة عند الشركة التي تتكفّل بالتأمين([59]).
الملاحظة الثالثة: البحث عن العناوين المنهيّ عنها في المعاملات
إن التخريج أو التكييف الفقهي للعقود ـ سواء كان من خلال إدراجها تحت واحدةٍ من الصيغ المعروفة، أو تحت العمومات ـ لابدّ وأن يتمّ فيه استقصاء عدم انطباق إحدى المعاملات التي أبطلها الشارع عليه، ومثال ذلك عقود التوريد، وهي عبارة عن عقدٍ بين طرفين على توريد سلعة أو مواد محدّدة الأوصاف في تواريخ معيّنة لقاء ثمن يُدفع على أقساط، فقد وقع بحث هنا عن انطباق عنوانين من المعاملات التي أبطلها الشارع على هذه العقود، وهما صدق بيع الدين بالدين أو صدق بيع الكالي بالكالي ([60])، وهما من المعاملات التي نهى عنها الشارع، فإذا انطبق أحد العنوانين عليها لم يمكن الحكم بصحّتها.
الملاحظة الرابعة: آثار اختلاف التخريج الفقهي للعقود المستحدثة
يظهر أثر اختلاف التخريج الفقهي للعقود من ناحية الآثار والأحكام، وبعبارة أخرى: إن اختلاف الفقهاء في التخريج الفقهي للعقود المستحدثة وإدراج بعض الفقهاء له ضمن عقدٍ ما، وإدراج آخرين له ضمن عقدٍ آخر، له أثره من ناحية الأحكام والشروط، ومثال ذلك عقد التأمين، فإنه ـ كما تقدم ـ قد أدرج من جانب بعض الفقهاء ضمن الهبة المعوّضة، أو ضمن الضمان؛ فمن أحكام الهبة المعوّضة الخاصّة توقف صحتها على القبض، وجواز الرجوع قبل القبض فيها، فإذاً لابدّ وأن يشترط من يتبنّى إدراج التأمين في الهبة المعوّضة ذلك، وأما من يدرجه تحت عقد الضمان، فلابد وأن يلتزم بجريان أحكام الضمان عليه.
الملاحظة الخامسة: ملاحظة الآثار العامّة للعقود
يستدعي تخريج العقود المستحدثة ضمن العمومات ـ كأوفوا بالعقود ـ ترتيب آثار العقود العامّة عليها، ونماذج هذه الآثار:
1ـ اللزوم، فالمعاملات المستحدثة تكون لازمةً لا يجوز فيها الفسخ من قبل أحد الطرفين مع عدم وجود المسوّغ الشرعي لذلك، ومثال ذلك عقود التوريد؛ فهي لازمة إمّا من جهة انطباق قوله تعالى: >أوفوا بالعقود< عليها، وهو يدّل على اللزوم، أو من جهة استصحاب بقاء العقد أي الملك، وذلك لأنّ عقد التوريد بعد انعقاده وحصول الاتفاق بين الطرفين فيه يقتضي ملكيّة كلّ طرفٍ لما في ذمّة الآخر، ومع فسخ أحد الطرفين يحصل الشك في زوال هذه الملكية، فيجري استصحاب بقائها، ونتيجة ذلك لزوم المعاملة([61]).
2ـ ثبوت الخيارات في الجملة: وتوضيح ذلك أن الخيارات التي بحثها الفقهاء على أنواع ثلاثة:
النوع الأول: الخيار الذي يختصّ بالبيع كخيار المجلس، حيث ذكر الفقهاء بأنّه يختص به، وعليه فجريان هذا الخيار في العقود المستحدثة يتوقف على إدراج العقد المستحدث تحت عنوان البيع.
النوع الثاني: الخيار الذي يجري في كلّ عقد، كخيار الشرط؛ حيث صرّح الفقهاء بجريانه في جميع العقود، وهذا يعني جريان خيار الشرط في العقود المستحدثة لانطباق عنوان العقد عليها، ومثال ذلك عقود التوريد؛ حيث يُلتزم بجريان خيار الشرط فيها.
النوع الثالث: الخيار المختلف فيه فقهيّاً، وأنّه هل يختصّ بالبيع أو يجري في جميع العقود؟ وذلك يتبع ما يتمّ لدى الفقيه من الدليل المثبت لهذا الخيار، ومثاله خيار الغبن، فإنّ مدركه إن كان هو الإجماع اختصّ بالبيع، بل بقسمٍ خاص منه وهو البيع المبنيّ على التدقيق، وإن كان حديثَ لا ضرر، شمل جميع العقود والمعاوضات([62])؛ وعليه تندرج العقود المستحدثة ضمن ذلك، ومثاله عقد التأمين؛ فإذا وقع عقد التأمين على مالٍ بأقلّ من قيمته الواقعية أو زاد المؤمن له في قيمة المال ثبت للطرف الآخر خيار الغبن([63]).
نعم، لابدّ من الإشارة إلى أمر مهمّ، وهو أن الالتزام بجريان بعض الخيارات لابدّ وأن يُبنى على ملاحظة شروط جريان الخيار وتوفرّه في العقود المستحدثة، ونموذج ذلك عقود التوريد فهي لا يمكن جريان خيار الرؤية فيها وإن اعتبرناها داخلةً ضمن البيع؛ وذلك لأن مورد خيار الرؤية هو العين الشخصية الغائبة إذا بيعت بالوصف وتبيّن خلاف ذلك دون بيع الكلي، فإذا كان عقد التوريد قد وقع على الكلي لم يمكن إجراء خيار الرؤية فيه([64]).
الملاحظة السادسة: ضرورة تطابق التخريج الفقهي مع حقيقة العقود المستحدثة
وذلك لأن الملاحظ من خلال تتبّع الدراسات والبحوث التي تناولت المسائل المستحدثة وجود منهجين في تناول هذه المسائل وموضوعاتها المستجدّة:
المنهج الأول: وهو ما يمكن تسميته بالمنهج الردي أو التحليل التناظري([65])، ويعتمد على السعي إلى نحو من الحصر لجميع المعاملات ضمن الصور التي كانت سابقاً، ومحاولة تطبيق جميع المعاملات المستحدثة ضمن إطار هذه المعاملات.
وما يمكن أن يُسجل نقداً على هذا المنهج:
أولاً: إن الملاحظ هو أن بعض التخريجات الفقهية والتكييفات المذكورة لبعض العقود المستحدثة لا يتطابق مع العقود المتعارفة بين الناس الذين يخوضون هذه المعاملات، ولعل الإشكال يصبح أكثر وضوحاً وجلاء إذا بُنيت عملية التخريج الفقهي للمعاملة على النحو المركّب من أكثر من صورة من صور المعاملات السابقة.
والأنموذج الذي نورده لتوضيح ذلك عقود الصيانة، وهي في العرف عقد يتعهّد بمقتضاه أحد المتعاقدين بصيانة شيء لقاء أجرٍ يتعهّد به المتعاقد الآخر، وقد ذكر بعض الباحثين لتخريج عقد الصيانة هذا وجوهاً متعدّدة، وعدّها بعضهم أربعة، وهي أن يكون إجارةً أو جعالة أو تأميناً أو عقد استصناع([66])، واختار كونها إجارة، ولكن توقف آخر أمام ذلك من جهة أن العرف لا يرى عقد الصيانة داخلاً في باب الإجارة؛ لأن الإجارة متقوّمة بحصول سلطنة فعلية منجّزة على المنفعة، من هنا فنقطة الإشكال الأساسية هي أن مجرّد الإمكان العقلي لإنشاء عقد الصيانة على نحو الإجارة لا يغيّر نظر العرف ولا الواقع في الخارج من عدم وقوع عقد الصيانة بهذه الصياغة ([67]).
ثانياً: لعلّ بالإمكان تقديم صيغة علمية للإشكال السابق؛ وذلك أنّ الفقهاء أسسوا لقاعدةٍ تقضي بتبعيّة العقود للقصود، وعلى أساس ذلك اعتبروا القصد ركناً من أركان العقد، ومع عدم تحقق المطابقة بين التخريج الفقهي الذي يؤسّسه الفقهاء وبين النحو الذي تسير عليه المعاملات في الخارج، فإنّ القصد من المكلّفين بشكل عام لن يتمّ على طبق التخريج الفقهي، بل على طبق ما هو متداول في الخارج، ولو أردنا أن نعتبر هذا إشكالاً تطبيقياً فإن بالإمكان تقديم الإشكال بصورة ثالثة، وهي أن المتعبّد بالشرع لو أراد أن يطبّق هذا التخريج الفقهي على معاملةٍ، فقصد الهبة المعوّضة من عقد التأمين مثلاً نتيجة اختيار مقلَّده لهذا الرأي فيما اختار الطرف الآخر من المعاملة الضمان اتّباعاً منه لرأي مقلَّده، فما هي حقيقة هذه المعاملة؟ هل تقع هبةً معوّضة أو ضماناً؟ لا سيّما مع ملاحظة ما ذكرناه سابقاً من أن ثمرة اختلاف التخريج الفقهي للمعاملة يظهر في الأحكام، وأحكام الهبة المعوّضة تختلف عن أحكام الضمان.
ثالثاً: اقتصار الأبحاث الفقهية على تقديم التخريج الفقهي لهذه المعاملات المستحدثة دون استكمال البحث في الكيفية التي يتمّ من خلال اتّباعها تنفيذ المعاملة بنحوٍ تضع صورةً كاملة للمعاملة أمام المكلّفين.
المنهج الثاني: ويعتمد على اعتبار هذه المعاملات عقوداً مستقلّة، وهذا يؤدي إلى تقديم صورةٍ أكثر تطابقاً مع واقع المعاملات المستحدثة؛ ذلك أن العقود أمورٌ اعتبارية يتبع حقيقتها الاعتبار الموجود في الخارج وكيفية الإنشاء، وليست لها حقائق منفصلة، ومجرّد تشابه عقدين في بعض الأركان لا يجعلهما يحملان عنواناً واحداً ([68]).
الملاحظة السابعة: ضرورة تحديد حقيقة المعاملة المستجدّة
لا بدّ وأن يمتلك الفقيه صورةً تامّة للمعاملة المستحدثة؛ وذلك حفظاً لسلامة الاستدلال على حكمها، والصورة الخاطئة للمعاملة قد تؤدّي إلى إطلاق حكم خاطئ عليها؛ ومثال ذلك عقود الصيانة، حيث قيل في توجيه عدم صحّتها بأنّها توجب الغرر، وذلك بتصوّر أن متعلّق العقد هو الصيانة الخارجية، ولكن توهّم حصول الغرر في هذا العقد يرتفع إذا لوحظ أن متعلّق العقد هو عبارة عن استعداد الشركة أو الشخص للقيام بخدمات الصيانة، وهو أمر معلوم لدى العرف لا جهالة فيه ([69]).
الملاحظة الثامنة: ضرورة هيمنة مقاصد الشريعة على فقه المستحدثات
لابدّ وأن تخضع الدراسات والأبحاث الفقهية التي تتناول الموضوعات المستجدّة ـ لا سيّما في المعاملات القائمة بين الناس ـ لمقاصد الشريعة. وهذه المقاصد هي عبارة عن الخطوط التشريعية العامة التي ينبغي للفقيه استحضارها عند استنباطه للأحكام، ولعل بعض هذه المقاصد تملك درجةً من الوضوح عند بعض الفقهاء فيما لا يراها آخرون على تلك الدرجة، ولمّا كان البحث عن هذه المقاصد يحتاج إلى تفصيلٍ لا مجال له هنا، نقتصر على ملاحظة كلمات بعض من لاحظ دور هذه المقاصد وحاكميّتها على عملية الاستنباط؛ فقد ذكر الإمام الخميني! في كتاب البيع عندما وصل إلى البحث عن وجوه الحيل التي ذكرت للتخلّص من الربا، قال: «نعم، هنا كلام يجب التعرض له ـ وإن كان خارجاً عن محطّ البحث ـ لأهميّته، وعدم تحقيق الحقّ فيه، وهو أن الربا مع هذه التشديدات والاستنكارات، التي وردت فيه في القرآن الكريم والسنّة من طريق الفريقين; مما قلّ نحوها في سائر المعاصي، ومع ما فيه من المفاسد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية; مما تعرّض لها علماء الاقتصاد، كيف يمكن تحليله بالحيل الشرعية، كما وردت بها الأخبار الكثيرة الصحيحة، وأفتى بها الفقهاء إلا من شذّ منهم؟! وهذه عويصة بل عقدة في قلوب كثير من المفكّرين، وإشكالٌ من غير منتحلي الإسلام على هذا الحكم، ولابد من حلّها»([70]).
وعلى هذا كانت فتوى الإمام الخميني! قال: «ذكروا للتخلّص من الربا وجوهاً مذكورة في الكتب، وقد جدّدت النظر في المسألة فوجدت أن التخلّص من الربا غير جائز بوجه من الوجوه»([71]).
وكذلك لو أردنا ملاحظة ما سجّله الشهيد السيد محمد باقر الصدر! في كتابه اقتصادنا، والمبادئ التي عمل على اكتشافها من ملاحظة أحكام متعدّدة فأسّس للاقتصاد مبادئ ثلاث أساسية هي: مبدأ الملكية المزدوجة، مبدأ الحرية الاقتصادية في نطاقٍ محدود، ومبدأ العدالة الاجتماعية ([72]).
وقد حدّد الشهيد الصدر! طريقةً لتحديد هذه القواعد التشريعية العامة، وتقوم على دراسة عددٍ كبير من الأحكام الشرعية لملاحظة كونها تشترك جميعها في اتجاه واحد؛ فنكتشف بذلك قاعدةً عامّة في التشريع([73]).
إلى هنا، نكون قد وضعنا النقاط الرئيسية لقواعد فقه المسائل المستحدثة فيما يرجع إلى تحديد الحكم الأولي.
القسم الثاني: قواعد الحكم الثانوي للمسائل المستحدثة
تشكّل العناوين الثانوية تخريجاً لحكم بعض الموضوعات المستجدّة، ولعلّ الانتقال إلى مرحلة التمسّك بالعناوين الثانوية إنما يكون متى اصطدم الحكم الأولي ببعض العناوين الثانوية التي تكون ملازمةً للمسائل المستحدثة، ولهذا نماذج متعدّدة نقدّم البحث بطرح واحدٍ منها وهو الاستنساخ، فقد فرض التطوّر العلمي في موضوع علم الهندسة الوراثية التوصّل إلى ما أطلق عليه الاستنساخ، وهو عبارة عن «دمج نواة خليّة جسدية مع سيتوبلازم بيضة منزوعة النواة ليأتي جنين بدون عملية جنسية يطابق صاحب النواة تماماً»، وذكر الأطباء له فوائد، كعلاج حالات العقم، أو نزع الجين المريض الوراثي وإبداله بجينٍ صحيح.
وهذه العملية لا محذور شرعي فيها بعنوانها الأولي؛ لأننا لو أردنا ملاحظتها ضمن ما قدّمناه من قواعد استنباط حكم المسائل المستحدثة فهي لا تندرج تحت واحدٍ من العمومات المحرّمة، ولا يشملها أي ارتكاز شرعي أو عقلائي ممضى من الشارع على الحرمة، ولا تشملها أي علّة منصوصة تثبت بها الحرمة؛ ولذا أفتى الفقهاء بجواز هذه العملية بعنوانها الأولي([74]).
نعم، لوحظ العنوان الثانوي من جهة كون عملية الاستنساخ تقترن ـ إذا توسّعت ـ بعنوان ثانوي محرّم، وهو الإخلال بالنظام، ففي النكاح مثلاً يختلط الأمر بين الزوجة والأجنبية وبين المحرم وغيره، ولا يمكن التمييز في المعاملات وفي القضاء والشهادات ولا تمييز المدعي عن المدعى عليه ([75]).
النقطة الأولى: العناوين الثانوية في المسائل المستحدثة، ونماذج تطبيقية
الأول: الضرورة أو الاضطرار، الضرورة من العناوين الثانوية التي توجب تبدّل الحكم الأولي، وهي كسائر الأحكام الثانوية يتعلّق الحكم بها بعنوانها ويقدّر الحكم بقدرها، فمتى ارتفعت الضرورة ارتفع الحكم الثانوي؛ ومثال ذلك من الموضوعات المستجدّة مسألة التشريح؛ حيث إن الحكم الأولي فيها يقتضي الحرمة، إما لانطباق عنوان هتك حرمة الميت أو نحو ذلك، ولكن لمّا كان التشريح من الأمور الضرورية في هذا العصر لعلم الطب، وكان علم الطبّ من العلوم الضرورية التي يتوقّف عليها حفظ النفوس، كان ـ أي التشريح ـ جائزاً ([76]).
الثاني: العسر والحرج، وهما أيضاً من العناوين الثانوية الرافعة للأحكام الأولية، وقد يكون الحكم الأولي لبعض الموضوعات المستجدة هو التحريم مثلاً، لكنّ العسر والحرج يوجب تبدّل هذا العنوان إلى الإباحة، ومثال ذلك، مسألة التلقيح الصناعي؛ حيث إنّ انطباق بعض العمومات عليه موجب للالتزام بحرمته كعمومات حرمة النظر واللمس للأجنبي، ولكن يُقال: إن عدم التلقيح الصناعي قد يكون فيه نوعٌ من الحرج على الزوجين إذا ابتليا بمشكلة عدم الإنجاب.
الثالث: الضرر والضرار المنفي في الشريعة، اعتمد الفقهاء على العديد من الروايات لإثبات قاعدة نفي الأحكام الضررية، وعلى أساس هذه الروايات أسّس الفقهاء القاعدة المعروفة بقاعدة لا ضرر ولا ضرار، وهذا العنوان قد ينطبق على بعض الموضوعات المستجدّة بنحوٍ تكون هذه المسألة المستحدثة دائماً من مصاديق الضرر، وعليه يفتي الفقهاء بحرمة هذا الفعل المُدرج تحت هذه المسألة، ومثال ذلك مسألة زراعة الأعضاء، فإن عنوان الضرر ـ وهو من العناوين الثانوية ـ يصدق دائماً على عملية بذل الأعضاء لتزرع لآخرين إذا كان من الحي، فقطع الأعضاء للترقيع غير جائز وان وجدت الدواعي العقلائية لذلك([77]).
وكذلك يمكن التمسّك بقاعدة لا ضرر لإثبات ضمان النقود الورقية حيث يقال: إنّ النقد حيث كان قوامه وحقيقته بقيمته التبادلية السوقية حيث لا منفعة أخرى فيه فيصدق الإضرار عرفاً بمجرد نقصان ماليّته في زمان الأداء عن زمان الأخذ ([78]).
وقد ينطبق عنوان الضرار على بعض الموضوعات المستجدّة أيضاً، ومثال ذلك مسألة الحقوق المعنوية كحقّ التأليف؛ حيث يطبّق عليها قاعدة لا ضرار من جهة أن التجاوز عن هذا الحقوق فيه إضرار بالغير([79]).
الرابع: حفظ النظام، بنى الفقهاء على اعتبار حفظ النظام من العناوين التي تحمل إلزاماً وجوبياً على كلّ فعلٍ يؤدي إليه، كما أن عنوان الإخلال بالنظام يحمل إلزاماً تحريمياً على كلّ فعل يؤدي إليه.
ومن تطبيقات هذه العنوان الثانوي ما ذكرناه في مسألة الاستنساخ، وهو ما يأتي أيضاً في موضوع آخر من الموضوعات المستجدّة وهو الاستتئام، والذي هو عبارة عن إيجاد توائم صناعية تحصل من التحام الجدار المتمزق للخلية الجنسية الملقّحة المنقسمة، بحيث تصبح كلّ خلية منقسمة خليةً قابلة للانقسام لتولد جنيناً مستقلاً لوحدها، وحيث لا عنوان أولي موجب لحرمة هذا العمل كان لابدّ من ملاحظة العناوين الثانوية كالإخلال بالنظام، وذلك فيما لو وزّعت اللقيحة إلى عدّة أجنّة، واستعملت في وقت واحد ضمن عدّة أرحام، فأوجب ذلك عدم التشخيص بين التوائم بينما التمايز والاختلاف بين أبناء البشر ضرورة للمجتمعات الإنسانية اقتضتها حكمة الله سبحانه([80]).
القسم الثالث : قواعد الحكم الولائي للمسائل المستحدثة
الحكم الولائي أو الحكم الحكومتي هو الحكم الصادر من الفقيه بصفته حاكماً وولياً، وقد شكّل هذا الحكم منطلقاً في بعض الدراسات الفقهية لحلّ بعض الموضوعات المستجدّة والمسائل المستحدثة، ونماذج ذلك:
الأنموذج الأول: الحقوق المعنوية كحقوق التأليف والابتكار والاسم التجاري، فبعد أن انسدّ باب الالتزام بثبوت هذه الحقوق ـ سواء بالعنوان الأولي أو الثانوي ـ لوحظ أنّه قد يشكّل العنوان الولائي طريقاً لتحديد الموقف، ولذلك إذا وجد الوليّ الفقيه أن المصلحة الاجتماعية تقتضي حماية هذه الحقوق، يحكم بشرعيتها وعدم جواز التعدّي عليها([81]).
الأنموذج الثاني: الاستنساخ، فإنّ لوليّ الأمر تحريم هذه العملية إذا كانت المصلحة الإسلامية تقتضي ذلك، ولهذا نجد أن بعض الدول الغربية قد التزمت بالتحريم ([82]).
الأنموذج الثالث: مسألة التسعير أو تحديد الأسعار، فإن الأدلة الأولية تُفيد أن لكلّ مالكٍ لمال أن يبيع ماله بأيّ قيمةٍ شاء، ولكن المصلحة العامة ورعاية السير الاجتماعي المتوازن يقتضي تدخل الولي الفقيه في هذه المنطقة، وذلك ضمن حقّه في التدخل في المسائل الحكومية ([83]).
الأنموذج الرابع: ثبوت الزكاة في النقود الورقيّة، حيث لا دليل أولي يُمكن من خلاله إثبات لزوم الزكاة فيها، ولكن يُقال: إننا إذا التزمنا بكون الزكاة حكماً ولائياً يكون تشخيصها في كلّ زمان ومكان بيد ولي الأمر وإن كان أصل الزكاة ـ على الإجمال ـ حكماً إلهياً ([84]).
* * *
الهوامش
([1]) الشيرازي، ناصر مكارم، المسائل المستحدثة، مجلة فقه أهل البيت، العدد الرابع، 1997.
([2]) القائيني، الشيخ محمد، المبسوط في فقه المسائل المعاصرة 1: 19، مركز فقه الأئمة الأطهار.
([3]) الخوئي، الاجتهاد والتقليد: 168، ط الأولى.
([4]) المصدر نفسه.
([5]) ميرداماد، الرواشح السماوية: 162 ـــ 163، دار الحديث، 1422هـ.
([6]) الدكتور أحمد فتح الله، معجم ألفاظ الفقه الجعفري: 50، ط أولى، 1995م، الدمام.
([7]) الفاروقي، حارث سليمان، المعجم القانوني: 120، ق 1، مكتبة لبنان، 1991.
([8]) كرم، عبد الواحد، معجم مصطلحات الشريعة والقانون: 130.
([9]) قلعجي، محمد، معجم لغة الفقهاء: 143، الطبعة الثانية، دار النفائس، بيروت، 1988.
([10]) الحفيف، علي، شهادات الاستثمار: 11، هدية مجلّة الأزهر، ربيع الثاني، 1417.
([11]) القرضاوي، الفتاوى: 72، نقلاً عن كتاب: التكييف الفقهي للوقائع المستجدّة وتطبيقاته الفقهية، د. محمد عثمان شبير، دار القلم، دمشق، 2004.
([12]) فتح الله أحمد، معجم ألفاظ الفقه الجعفري: 166؛ والمشكيني، اصطلاحات الأصول: 73.
([13]) الخوئي، السيد أبو القاسم، التنقيح في شرح العروة 9: 358، ط الأولى.
([14]) الخرازي، السيد محسن، الأوراق النقدية، مجلّة فقه أهل البيت، العدد 26: .16.
([15]) الهاشمي، السيد محمود، قراءات فقهية معاصرة 2: 173، مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي، 2003.
([16]) الخوئي، المستند في شرح العروة، ج 25 من موسوعة الإمام الخوئي: 233؛ والحكيم، السيد محسن، مستمسك العروة 9: 528.
([17]) الهاشمي، السيد محمود، قراءات فقهية معاصرة 2: 197.
([18]) المصدر نفسه 1: 18.
([19]) المصدر نفسه: 24.
([20]) المصدر نفسه 2: 197، وكذلك للمؤلف كتاب الخمس 2: 192، نشر مكتب الإعلام الإسلامي، 1410هـ.
([21]) الحر العاملي، الشيخ محمد بن الحسن، وسائل الشيعة، الباب 15 من أبواب جهاد العدو، حديث 3.
([22]) الشيرازي، ناصر مكارم، التشريح، مجلة فقه أهل البيت، العدد 1: 86؛ والخرازي، السيد محسن، حكم التشريح: 90، مجلة فقه أهل البيت، العددان 5 و 6.
([23]) الحر العاملي، الشيخ محمد بن الحسن. وسائل الشيعة، باب 4 من النكاح المحرم، ح 1.
([24]) حرم بناهي، الشيخ محسن، التلقيح الصناعي، مجلة فقه أهل البيت، العدد 10: 70.
([25]) القائيني، الشيخ محمد، المبسوط في فقه المسائل المعاصرة 1: 380.
([26]) الروحاني، السيد محمد، المسائل المستحدثة: 9، دار الكتاب، الطبعة الرابعة، قم؛ واليزدي، الشيخ محمد، التلقيح الصناعي: 120، مجلة فقه أهل البيت، العددان 5 و 6.
([27]) القائيني، الشيخ محمد، المبسوط في فقه المسائل المعاصرة 1: 32.
([28]) المصدر نفسه: 48.
([29]) السيد محمد صادق الروحاني، المسائل المستحدثة: 9؛ والخرازي، السيد محسن، التلقيح، مجلة فقه أهل البيت، العدد 16: 114.
([30]) راجع مقالة للكاتب تحت عنوان «إلغاء الخصوصية عند الفقهاء»، مجلة فقه أهل البيت، العدد 27.
([31]) مغنية، محمد جواد، مجلة رسالة الإسلام، السنة العاشرة، العدد 3: 258؛ وخرازي، السيد محسن، التلقيح، فقه أهل البيت، العدد 16: 126.
([32]) حرم بناهي، الشيخ محسن، التلقيح الصناعي، مجلة فقه أهل البيت، العدد العاشر: 68.
([33]) الحر العاملي، الشيخ محمد بن الحسن، وسائل الشيعة، باب 24 من ديات الأعضاء، ح 3.
([34]) سند، الشيخ محمد، فقه البنوك والحقوق الجديدة: 285.
([35]) القائيني، الشيخ محمد، المبسوط في فقه المسائل المعاصرة 1: 92.
([36]) الخوئي، السيد أبو القاسم الموسوي، المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الصوم 22: 145، من موسوعة الإمام الخوئي؛ وكذلك راجع: مستمسك العروة الوثقى 8: 480.
([37]) الخرازي، السيد محسن، حكم التشريح، فقه أهل البيت، العددان 5 و 6: 90.
([38]) الحر العاملي، الشيخ محمد بن الحسن، وسائل الشيعة، باب 3 من أبواب العدد، ح 2، ج 22: 182.
([39]) المؤمن، الشيخ محمد، عدّة من لا رحم لها، فقه أهل البيت، العدد 2: 72.
([40]) هذه المقولة هي للشيخ ناصر مكارم الشيرازي، راجع مجلة (فقه) الفارسية، العدد 37 و 38: 82 مقالة لعبد الله شفائي بعنوان: حق التأليف.
([41]) سند، الشيخ محمد، فقه البنوك والحقوق الجديدة: 278.
([42]) الروحاني، المسائل المستحدثة: 223.
([43]) الجواهري، الشيخ حسن، بحوث في الفقه المعاصر 2: 359، دار الذخائر.
([44]) الخوئي، السيد أبو القاسم، التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الطهارة 1: 329، ط الأولى.
([45]) الصدر، السيد محمد باقر، بحوث في شرح العروة الوثقى 2: 129.
([46]) الخميني، السيد روح الله الموسوي، الاجتهاد والتقليد: 80، مؤسسة تنظيم ونشر آثار.
([47]) الصدر، السيد محمد باقر، بحوث في شرح العروة الوثقى 2: 129، نشر مكتب الإعلام الإسلامي.
([48]) الحائري، السيد كاظم، فقه العقود 1: 160.
([49]) المؤمن، الشيخ محمد، العدّة، فقه أهل البيت، عدد 2: 83.
([50]) الحر العاملي، وسائل الشيعة، باب 1 من أبواب صلاة المسافر، حديث 1، ج 8: 541.
([51]) القائيني، الشيخ محمد، المبسوط في فقه المسائل الطبية: 31،
([52]) الجواهري، الشيخ حسن، مرض الايدز وما يترتب عليه من أحكام فقهية، مجلة الفكر الإسلامي، العدد 11: 78.
([53]) الخوئي، السيد أبو القاسم الموسوي، منهاج الصالحين 1: 421، ط 28.
([54]) الفياض، محمد إسحاق، أحكام البنوك: 55.
([55]) الجواهري، الشيخ حسن، بحوث في الفقه المعاصر 1: 252.
([56]) الخميني، السيد روح الله الموسوي، التأمين، تقرير محمدي الجيلاني، مجلة فقه أهل البيت، العدد 1: 8.
([57]) الروحاني، السيد محمد صادق، المسائل المستحدثة: 67؛ والخرازي، السيد محسن، التأمين، مجلة فقه أهل البيت، العدد 17: 59.
([58]) الجواهري، الشيخ حسن، عقود الإذعان، مجلة فقه أهل البيت، العدد 34: 164.
([59]) الخرازي، السيد محسن، التأمين، مجلة فقه أهل البيت، العدد 17: 65.
([60]) الجواهري، الشيخ حسن، عقود التوريد والمناقصات، مجلة فقه أهل البيت، العدد 21: 73 ـ 74.
([61]) الجواهري، الشيخ حسن، بحوث في الفقه المعاصر 3: 78.
([62]) الخوئي، السيد أبو القاسم الموسوي، التنقيح في شرح المكاسب، تقرير الميرزا علي الغروي 38: 407، موسوعة الإمام الخوئي.
([63]) الخرازي، السيد محسن، التأمين، مجلة فقه أهل البيت، العدد 17: 47 ـ 48.
([64]) الجواهري، الشيخ حسن، بحوث في الفقه المعاصر 3: 78.
([65]) الزهراني، محمد بن حسن بن سعد، الأزمة المنهجية لفقه المعاملات العصرية: 151، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، السنة 6، العدد 24.
([66]) الجواهري، الشيخ حسن، بحوث في الفقه المعاصر 3: 239.
([67]) التسخيري، الشيخ محمد علي، عقود الصيانة وتكييفها، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد 11، سنة 1998.
([68]) المصدر نفسه.
([69]) المصدر نفسه: 128.
([70]) الخميني، السيد روح الله الموسوي، كتاب البيع 2: 540 ـ 541، مؤسسة نشر آثار، 1421هـ.
([71]) الخميني، السيد روح الله الموسوي 1: 538، دار الكتب العلمية،1390هـ.
([72]) الصدر، السيد محمد باقر، اقتصادنا: 375، ط مكتب الإعلام الإسلامي، قم، 1425هـ.
([73]) الصدر، السيد محمد باقر، المعالم الجديدة للأصول: 162، ط مطبعة النعمان، النجف، 1975م.
([74]) استفتاءات السيد السيستاني وملاحظة من تبنّى هذا الرأي.
([75]) الجواهري، الشيخ حسن، بحوث في الفقه المعاصر 3: 128.
([76]) الشيرازي، ناصر مكارم، المسائل المستحدثة في الطب، مجلة فقه أهل البيت، العدد 9: 146.
([77]) الخرازي، السيد محسن، زراعة الأعضاء، مجلة فقه أهل البيت، العدد 19: 86.
([78]) الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود، قراءات فقهية معاصرة 2: 187.
([79]) التسخيري، الشيخ محمد علي، الحقوق المعنوية، مجلة التوحيد، العدد 40: 120.
([80]) الجواهري، الشيخ حسن، بحوث في الفقه المعاصر 3: 123.
([81]) التسخيري، الشيخ محمد علي، الحقوق المعنوية، مجلة التوحيد، العدد 40: 120.
([82]) الجواهري، الشيخ حسن، بحوث في الفقه المعاصر 3: 130.
([83]) التسخيري، الشيخ محمد علي، مسألة تحديد الأسعار، مجلة التوحيد، العدد 43: 84.
([84]) الحائري، السيد كاظم، الأوراق المالية الاعتبارية، مجلة رسالة الثقلين، العدد 8: 34.