أحدث المقالات

قيم السلام والديمقراطية في الإسلام(*)

د. إدريس خليفة

إن موضوع (قيم السلام والديمقراطية في الإسلام) هو من أهم القضايا التي تشغل بال المسلمين، فالمسلمون اليوم يعانون من التشويه الذي تعانيه من قيمهم ومثلهم العليا في الحياة إذ يصور الإسلام على أنه دين إرهاب، وأنه يمثل خطراً على الإنسانية، والمسلمون على أنهم همج، فاقدون كل وعي وشعور بالحضارة وقيمها معادون للسلام، ويتصور البعض أن أعمال بعض الجماعات الإرهابية المشتتة والتي تعمل تحت جنح الظلام وتدعي تمثيل الإسلام مكون لإرهاب إسلامي شديد الخطر والانفجار، وأن هذا يدخل في نطاق ما سموه صدام الحضارات ليتحول الغرب إلى عدو للإسلام والمسلمين، ويوجه أسلحته الفتاكة نحو ديارهم وينفق أموالاً طائلة لحربهم، وينادي بحرب صليبية جديدة لا تبقي ولا تذر، ويجعل من حرب الإعلام أداة ضروساً لتشويه سمعة الإسلام والمسلمين، وذلك في غياب معطيات وحقائق عن الإسلام والحضارة الإسلامية وواقع المسلمين، فالإسلام دين السلام يدعو إلى البر والرحمة ويكرم الإنسان، ويجعل منه خليفة في الأرض، ويوصي بالمودة إزاء أهل الكتاب خاصة النصارى منهم، وإنما بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رحمة للعالمين، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) فالرحمة خلق أصيل في هذا الدين وهي من بين قيمه، التي من شأنها تعزيز السلام، وهي تتنافى مع الإرهاب واغتيال الأبرياء والآمنين وبث الرعب العشوائي الذي يزعزع الثقة في الأمن والاستقرار، والذي يسقط ضحاياه بين أبناء المسلمين أنفسهم ويلحق خسائر بديارهم واقتصادهم، فهو عدو المسلمين قبل أن يكون عدواً للغرب، وليس له من سبب غير الجنوح وتأويل الإسلام تأويلاً مخالفاً لأحكامه وحقائقه، فإن الله تعالى يقول: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، وليس الذين يقومون بهذا الإرهاب كل المسلمين بل فئة قليلة نمت في أحضان مساعدة الغرب وتشجيعه، وأمدها بسلاحه، ودربها على الحرب والقتال، وأسند إليها مهمة تقويض دعائم دولة شرقية شيوعية، فلما فرغ منها أدار لها ظهر المجن، فبارزته بالعداوة، وسلكته مسلك خصمه، وهي ليست إلا فئة قليلة، وأقلية ضئيلة بين المسلمين، إن أجرمت عاد عليها جرمها، وإن انتقمت كان عليها حسابها، وذلك كما يقول القرآن الكريم {لاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}(1) وهذا هو ميزان العدل الذي يقول به الإسلام، وهو الميزان الذي قامت به السماوات والأرض، يقول القرآن الكريم: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}.(2)

وهذا هو خبر عن كل من بعثهم الله من الأنبياء والمرسلين، أمرهم بالقسط والعدل وعدم الظلم، لينتشر السلام في الأرض، ويعيش الناس إخوة لا يتفاضلون إلا بالتقوى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} وبدلاً من ميزان القسط الذي يتساوى أمامه الأفراد والدول والشعوب في ميزان الإسلام، يحاسب المسلمون بجرم أفراد قلائل، ويحسب الناس أن هذا صداماً للحضارات وإنما هو صدام للجهالات، عبئت له كل الطاقات وحشدت له كل الأسلحة وصار صوت السلام خافتاً، وعلت أصوات الإنذار، وجلبة الاستكبار، وصار المجتمع الدولي في هم وغم، فالأمم المتحدة حائرة وجامعة الدول العربية عاثرة، ودول العالم مترددة، وفي جنح الظلام يعبث الذئب ويفترس الفريسة آمناً مطمئناً، وكان حرياً بالمجتمع الدولي بعد هذا أن يفيق من هول الصدمة ويقيم العدل وينصف المظلوم ويكبح جماح الظالم، ويعيد للعالم الطمأنينة والسلام والمثل الكريمة والقيم الفاضلة التي دعت إليها الأديان وفي طليعتها الإسلام الذي يرى أن الناس إخوة، بنو آدم وحواء، خليق بهم أن لا يسفكوا الدماء ولا ينتهكوا الحرمات والأعراض، وأن يتعارفوا على كلمة سواء {يا يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.

ومن أجل أن يكون التعارف تعارفاً، لابد من التعارف على قيم السلام والإنصاف، أو قيم السلام والديمقراطية التي تمثل مجموعة من القيم والوسائل التي تخدمها والتي نجد لها في دين الإسلام وتاريخه وحضارته أمثالاً وموجبات تدعمها وتشد من أزرها ولابد من القول في هذا المجال بأن الإسلام شرع للمسلمين الاجتهاد في الدين وذلك لموافقة أحكامه قضايا العصر ومصالح المسلمين الضرورية، ورفع الإصر عنهم، وفي نطاق أحكام التيسير وعدم التعسير ونطاق المصالح المعتبرة والمصلحة المرسلة، ورعاية مقاصد الشريعة، وكون العبرة بالمعاني لا بالألفاظ والمباني، إذ يمكن تجاوز الألفاظ إلى الحقائق، فإذا وافق اللفظ ديننا وشريعتنا ولو من وجوه كثيرة أخذنا به، وأمكن الاحتياط على ما تبقى من المعاني بالاستثناء أو غيره من الوسائل مراعاة للأكثر والأغلب، ولهذا ينقسم البحث عن موجبات السلام والعدل إلى قسمين: السلام في الإسلام، وقيم العدالة والديمقراطية:

 

أولاً: السلام في الإسلام

والسلام في الإسلام ينطلق من اسم الله العظيم (السلام) يقول الحق تبارك وتعالى في سورة الحشر، آية 23: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ} والله تعالى لا يوصف إلا بما هو محمود. ولذلك كان اسم السلام اسماً من أسماء الله الحسنى، التي أمرنا أن نؤمن بها، ولهذا نؤمن بهذا الاسم من أسمائه كما نؤمن بالسلام أن يعم الأرض خيراً وبراً ونقاء وصفاء وأمناً وعدلاً، والمراد بوصفه تعالى في الآية أنه ذو السلام، فيكون مصدراً لمعنى السلامة، وصف به تعالى مبالغة في كونه سليماً من النقائص والعيوب: وقد يكون المراد بالوصف كونه معطياً للسلامة، ولا يكون السلام كذلك إلا إذا كان خالصاً من الآفات والعيوب، بأن يقوم على العدل والإنصاف والاعتراف بالحقوق والسلامة من ظن السوء والاغتيالات والغدر ونقض العهود ولهذا كان (السلام شعاراً للمسلمين عقيدة وخلقاً وسلوكاً ونظاماً)، والإسلام والسلام معناهما واحد، فالإسلام هو السلام إذ تعني كلمة: السلام الخضوع والانقياد لله تعالى وأحكامه وتعني السلم والسلام ومنه قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً}(3) أي ادخلوا في الإسلام والسلام واتركوا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وقوله سبحانه: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ} بمعنى إذا طلب العدو السلم والمسالمة فاقبل عرضهم واترك حربهم وهادنهم أو اعقد معهم عقد أمن وسلام، فيكون عقد السلام واجباً مفروضاً بمجرد عرضه إذا وقع الظن بأن طالب السلام يريده فعلاً، فبين الإسلام والسلام تماسك وتلاحم وتواشج، لا يعرف مثلها في غير دين الإسلام، وحسبك من التواشج العقدي كون السلام اسماً لله، ومن التواشج الخلقي الوفاء بالعهود والعقود و الشروط وتحريم الغدر وتأمين الناس بما في ذلك تأمين المشرك حتى يسمع كلام الله ويرجع إلى بلده، قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ}(4) ومن معاني ارتباط السلام بعقيدة الإسلام كون الله تعالى جعله علامة على الهداية إلى الدين، قال تعالى: {قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}، فهذا الدين يهدي إلى السلام والى طرق السلام، ففيه من الخير والعافية للبشر، ما لا يعرفه إلا من خبره وعاش في ظلاله وارتوى من ينابيعه واهتدى إلى معانيه الكلية والجزئية، وقواعده العلمية والعملية وارتباطاته الكونية والعالمية، في كل لحظة من لحظات النفس المفردة ولحظات الإنسانية، فإن السلام مرتبط بانقياد الإنسان الكامل لخالقه ورازقه ومصوره في الأرحام أبداً، ولهذا سمى الله تعالى الجنة دار السلام: {لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ} لأنه جعلها للكُمّل من أوليائه الذين انقادوا لأحكامه، وهدوا لطرق السلام التي رسمها لهم: سلام مع النفس وسلام مع الأهل وسلام مع المجتمع وسلام مع بني البشر، سلام نابع من تعاليم الدين الذي يأمر بإفشاء السلام باعتباره شعاراً لهذه الأمة يعلنه بعضهم لبعض عند كل لقاء وافتراق، قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} وقال: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ}(5) ويقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم) ومعنى إفشاء السلام بداية أن يقول بعضهم لبعض: السلام عليكم صوت مسموع، ويدخل في معناه أن يسلم الإنسان على أهله إذا دخل منزله قال تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} (6).

ودعوة السلام في الإسلام تتسع لتكون من أدعية التشهد في صلاة الفرض والنفل إذ يقول المؤمن عند تشهده: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)، وليقول عند السلام: (السلام عليكم) وليكون ذكراً بعد الصلاة، يقول فيه القائل: (اللهم أنت السلام ومنك السلام) وهكذا يكون الإسلام في عقيدة المسلم وشريعته وعبادته ووجدانه نوراً ويقيناً وهداية مع الخلق وهداية إلى سبيل السلام، كأنما أريد منه أن يكون صانعاً للسلام عمره، ليله ونهاره، وليس تحية غير المسلمين هو السلام إذ لا يبلغ بهم حب السلام أن يجعلوه شعارهم ويحسبونه جزءاً من عقيدتهم ودينهم، ويلهجوا به هذا اللهج كما يفعل المسلمون، وما هو في النهاية إلا سلام لصالح الإنسانية، وقيمها ومثلها في الحق والإنصاف والعدل والمساواة وغيرها من القيم والمثل، وهي قيم كقيمة الإيمان بالله وحده تدخل في حساب الإسلام، وفي اعتبارات الحرب والسلام، ولا تعاني الإنسانية ما تعانيه من أرق وخوف وشقاق إلا من اختلال هذه القيم، وعدم إنصاف المظلوم من الظالم، والتنكر لحقوق الشعوب وحقوقها، واستغلال خيراتها استغلالاً مفرطاً دون اعتبار ما لها من حقوق، وعدم المساواة بين الدول في الحقوق والواجبات، إلى غيرها من مظاهر الإخلال بالقيم بسبب الجشع والأهواء وحب الذات واحتقار الإنسانية وغرور القوة وجنون السباق للقوة.

يحدد هذا في عصر تقارب الزمان والمكان، إذ أصبح العالم كما يقولون قرية، لكنها قرية تعاني من التفاوت والاستغلال واحتقار البعض للبعض، واستهتار القوي بالضعيف والظلم، وهذا لا يسوغ في شرع الإسلام ولا في منطق العقل ولا في ميزان العدل، فلا جرم في مثل هذا المناخ أن يتعرض السلام للآفات التي كسبها أبناء الإنسان كما يقول القرآن الكريم: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) وعلاج هذا الواقع الوخيم ظاهر، بالرجوع عن الغي وكبح جماح الظلم والتآخي على البر والتقوى والتراحم بين أبناء البشر ورد الحقوق إلى أصحابها، وعدم اغتصاب الأوطان، والكف عن دعم البهتان، ومن أجل هذا فإن من مزايا الإسلام، وما هو مسطر في صحائف فضائله العناية بتلك القيم التي وردت الإشادة بها في تعاليم الإسلام، يقول القرآن الكريم آمراً بالعدل: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط لا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون)(7) ويقول سبحانه: {إن الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً} (8) ويقول: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً} (9).

وهكذا يأمر القرآن بالعدل مطلقاً ويحذر من الظلم، ويجعل الناس سواء في ضرورة أعطاء حقوقهم والعدل نحوهم، لا فرق بين غني وفقير، وحبيب وبغيض وذكر وأنثى، وصغير وكبير، ويقول القرآن الكريم في شأن التسوية بين الناس: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} (10) ويقول تعالى في أمر التفاوت الطبقي: (لن تنفعكم أرحامكم ولا أموالكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون خبير) ويقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (الناس سواسية كأسنان المشط…) وهكذا تكون الأمم يوم تعرض على ربها في نفس الوضع، إذ تـُسأل عن أعمالها: {وترى كل أمة جاثية، كل أمة تدعى إلى كتابها، اليوم تجزون ما كنتم تعملون} (11)وقد حذر القرآن من أكل أموال الناس بالباطل، ويدخل في هذا أكل ثروات الأمم والشعوب بالباطل، ونهى عنه فقال{يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل…}(12) وقال: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون} (13).

ورغبة من الإسلام في السلام ظل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمون معه يعانون من الاضطهاد والأذى والجرح والسباب والسخرية عشر سنوات بمكة عند البعثة واضطر مئات المسلمين إلى الهجرة إلى الحبشة، احتماء بها من ملكها النجاشي الذي كان لا يظلم عنده أحد، وحوصر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقومه في الشعب، مقاطعين في قبل أهل مكة وكبرائها، لا يقاتلون، ولا يردون بعنف، وكان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) ولا يدعو عليهم بمكروه، فكان هذا مظهراً ودليلاً على أن السلام هو الأصل، وأن الدعوة للإسلام دعوة سلمية، ثم لما هاجر الرسول وأصحابه للمدينة: أذن الله لهم بقتال حيث يعلل القرآن ذلك بالظلم الذي لحق المؤمنين:{أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز} (14).

وهكذا لم يكن الجهاد إلا دفاعاً من أجل الحق والوطن ضداً على الظلم والإخراج من الوطن، وليكون ذلك فرضاً ضد من يعتدي على الكنائس والبيع والمساجد التي يذكر فيها اسم الله كثيراً، وفي هذا التفات إلى ضرورة تأكيد المودة بين الأديان وأهلها، إذ الكنائس هي معابد للنصارى والبيع معابد اليهود والمساجد معابد المسلمين والاعتداء عليها اعتداء على الدين وما يمثله من قيم، وذلك حرام في دين الإسلام، ولم يكن الجهاد لهذا ضد الإسلام، بل كان حرباً من أجل السلام بموجبات يقتضيها، ولأجل ما عرى المثل والقيم الأخلاقية من وهن وما أصابها من عدوان، فالإسلام هو الأصل والجهاد استثناء، وعندما يدعو الخصم للسلام فالواجب موافقته وإجابته لما يدعو إليه: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم} (15).

ونحن إذا تكلمنا عن الجهاد في هذا المقام فإنما نتحدث فقط عن مبدأ مشروع، وواقع بعيد عنا، فالمسلمون الآن ليسوا في حالة حرب بل في سلام، رغم الفتنة المحيطة بهم والاعتداء على أوطانهم، وهذا الذي يسمى بالإرهاب ليس من صناعتهم ولا هو من صناعة دولهم، والدول الإسلامية لا تشكل حلفاً ولا تشكل تهديداً للسلام، بل هي أضعف من أن تشكل خطراً إلا أن يكون الخطر هو إيمانها بالله وإيمانها بحقوقها وتطلعها نحو غد أفضل، يظل العالم بظلال السلام والعدل والتعاون والإخاء، والمسلمون لا يؤمنون بصراع الحضارات ولا يقولون بهذه النظرية التي تفتقد مقومات الواقع والفكر والعزم، فقد عايش المسلمون الحضارات واقتبسوا منها، وقبلوا فنونها وعلومها، وحاوروا فكرها، وهم بطبعهم ومقتضى تاريخهم وحضارتهم مستعدون لحوار الحضارة الغربية حواراً يفضي إلى خير الناس وأمنهم وسلامهم.

 

قيم الديمقراطية

كلمة ديموقراطية كلمة يونانية الأصل، تعني أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، ويعنون بها سياسياً أن يتول الشعب السلطة العليا في الدولة، بأن يقوم بوضع التشريعات اللازمة للمجتمع بواسطة جمعية عامة، ولما كان من المتعذر أن يقوم الشعب كله بهذه المهمة فقد صار من الضروري أن يتولى أمر ذلك بعضهم، يصدرون تشريعات باسمهم، تختارهم الأمة، وعن هذا الإطار تنبعث الحكومة التي تنفذ، على أن تتمتع هيئة قضائية بسلطة مستقلة فيكون الحكم مؤسسة، كما ذكر منتسكيو على ثلاث قواعد أو ثلاث سلط هي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية أو الحكومة والسلطة القضائية، وهو نظام تكفل فيه الحريات العامة ويتوخى تحقيق العدالة الاجتماعية وضمان حقوق الإنسان، وكان هذا النظام في أصله يونانياً، لكن المجتمع اليوناني كان عاجزاً عن تطبيقه، وكيف ما كان الأمر فإن النظام الديمقراطي يفخر بالانتخابات وبالحرية الفردية وبحقوق الإنسان، وهو قبل أن يكون نظاماً أو شكلاً حكومياً أمر اعتباري فكري يمكن أن يتخذ عدة أشكال، وإذا كان العالم قد عرف عدة أشكال لممارسة الحكم، وكان النظام الديمقراطي مستوحى من اليونان، فإن الإسلام يعرف نظاماً للشورى أسسه الإسلام وأوضحه القرآن وذلك ما يمنح الديمقراطية فرصة كبيرة للانتشار في العالم الإسلامي الذي يدين بدين لم يهتم بما يتعلق بالعبادات فحسب، بل عنى بتنظيم المجتمع تنظيماً سليماً، قائماً على الاعتراف بحقوق الفرد والجماعة، ويتطور فيه المجتع تطوراً يتحقق به الانسجام والتعارف والتعاون والمساواة والترابط مع المجتمعات، ولذلك اهتمت الديمقراطية الإسلامية بالإنسان، وقضاياه، كما اهتمت بالسلطة التي تحكم وهي سلطة دينية زمنية، باعتبارها أداة تنفيذ للشريعة الربانية وتطبيقها على واقع المجتمع، وأداة اجتهاد في مجال المصالح المرسلة الضرورية والحاجية للمجتمع، باعتبار الحكم أمانة ومسؤولية، وكون الحاكم مسئولاً عن مصالح الأمة، لا يجوز له التصرف إلا وفق المصلحة كالوكيل المقيد بها، وكان في هذا النطاق يتمتع الحاكم بسلطات واسعة، وكانت سلطة القضاء مستقلة عن السلطة التنفيذية، وكان الفقهاء يعبرون عن رأي الشرع ويجتهدون في استنباط الأحكام، وهو نظام شبيه بنظام فصل السلطة في العصر الحديث، وكانت الشورى هي أساس هذا النظام، وهي فريضة دينية، أمر القرآن الكريم بها، إذ قال تعالى مخاطباً نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم): (وشاورهم في الأمر) (16) وقال تعالى واصفاً نظام المجتمع الإسلامي: {وأمرهم شورى بينهم} (17) وقد ذكر العلماء لها عدة تعريفات منها قول الطبرسي: (هي المفاوضة في الكلام ليظهر الحق) وقال الراغب الأصفهاني: (هي المفاوضة في الكلام ليظهر الحق) وقال الراغب الأصفهاني: (التشاور والمشاورة والمشورة استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض) ـ المفردات 270 ـ وعرفها ابن العربي في أحكام القرآن بأنها: (الاجتماع على الأمر ليستشير كل واحد صاحبه ويستخرج ما عنده) ووردت في فضل الشورى أحاديث كثيرة، منها حديث أبي هريرة قال: (ما رأيت أحداً أكثر مشورة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رواه الترمذي، وعنه قال، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): (المستشار مؤتمن) رواه أبو داود، وعن سمرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (المستشار مؤتمن، إن شاء أشار وإن شاء لم يشر) رواه الطبراني في الكبير، وعن الحسن قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ما تشاور قوم قط إلا هداهم الله لأفضل ما يحضرهم) أخرجه البخاري في الآداب المفرد وابن أبي حاتم بسند قوي، وعن أنس بن مالك قال: (سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إن أمتي لن تجتمع على ضلالة، فإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظم) رواه ابن ماجة، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يستشير أصحابه في مهمات الأمور كما كان أصحابه بعده يستشيرون، قال ابن العربي في الأحكام: 4/1656: (الشورى ألفة للجماعة ومسبار للعقول، وسبب إلى الصواب وما تشاور قوم إلا هدوا)، وقد قال حكيم:

إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن برأي لبيب أو مشورة حازم

ولا تجعل الشورى عليك غضاضة فإن الخوافي نافع للقوادم

قال: (المسألة السابعة: مدح الله المشاور في الأمور ومدح الذين يمتثلون ذلك، وقد كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يشاور أصحابه في الأمور المتعلقة بمصالح الحروب، وذلك في الآثار كثير، ولم يشاورهم في الأحكام لأنها منزلة من عند الله على جميع الأقسام: من الفرض والندب والمكروه والمباح والحرام، فأما بعد استئثار الله به علينا، فكانوا يتشاورون في الأحكام ويستنبطونها من الكتاب والسنةـ وكانوا يستشيرون كل ذي رأي، عربياً كان أو أعجمياً، ولم تكن هذه الشورى محصورة في النخبة، بدليل عبارة القرآن: {وشاورهم في الأمر}(18) وقوله: {وأمرهم شورى بينهم} (19) وقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث أنس المتقدم ذكره: (فإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظم)(68) .

وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الشورى مندوبة وليست واجبة، وذهب الجمهور إلى أن عرض الحاكم المسائل الاجتهادية على أهل الشورى أمر واجب، قال ابن عطية: (الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، ومن لا يستشير أهل العلم فواجب عزله، هذا ما لا خلاف فيه) (20) وقال ابن خويز منداد: (واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون، وفيما أشكل عليهم من أمور الدين، ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب، ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح، ووجوه الكتاب والوزراء والعمال فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها) ن. م 4/250، واستدل القائلون بوجوب الشورى بأدلة منها أن الله تعالى أمر رسوله بمشاورة أصحابه، والأمر إذا أطلق ينصرف إلى الوجوب، فكانت الشورى واجبة على الرسول وعلى أصحابه من بعده، لأن توجيه الخطاب إليه بأمر يعم أمته، ومنها أن الله تعالى أثنى على المؤمنين بأن أمرهم شورى بينهم، وترك الشورى يقتضي الذم والعقاب، والذم إنما يترتب على ترك فعل واجب، فدل ذلك على أن ترك الشورى غير مباح، ومنها أن الله قرن بينها وبين الصلاة في قوله تعالى: {والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم} (21) والصلاة ركن من أركان الإسلام، وكذلك ما عطف عليها والذي يترجح في الموضوع أن الشورى إذا تعلقت بأمر يهم مستقبل الأمة الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي فإن الشورى تكون واجبة، لكنها تندب في الشؤون والقضايا والضرورات تبيح المحظورات، والشورى في الإسلام ليست أمراً شكلياً، مرتبطاً بطريقة معينة، بل إنها تقبل كل الأشكال التي تحقق الهدف منها، لأنها نظام دائم، يتطور بتطور العصور، وأحوال الأمم والشعوب، ولهذا تركت الشريعة تحديد الشكل للاجتهاد، ولو كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وضع للشورى نظاماً معيناً لاقتدى به المسلمون، وظنوا ذلك الشكل ملزماً لكن الرسول ترك التحديد رحمة بالأمة ورفقاً بها، وأسند الأمر للاجتهاد، الذي قد يتغير بتغير الظروف والعصور، وقد رأينا من قبل أن الديموقراطية نفسها ليست شكلاً، بل هي صورة قابلة للتشكل وفق مبادئها وفي نطاق وسائلها وإمكاناتها وإذا كانت الديمقراطية تولي أهمية كبرى لحقوق الإنسان وللحريات العامة والعدل الاجتماعي، فإن الإسلام أكبر مساند لذلك بتشريعاته القائمة على العدل والمساواة والحرية وحقوق الفرد والجماعة، وإليك البيان:

 

1ـ مبدأ العدل في الإسلام

يقول الراغب الأصفهاني في (المفردات) ص: 325: العدالة والمعادلة لفظ يقتضي المساواة … فالعدل هو التقسيط على سواء. وقد وردت كلمة العدل في القرآن بصيغتي المصدر والفعل في ثمانية وعشرين موضعاً، وورد مرادفها القسط خمساً وعشرين مرة، كما وردت الكلمة في السنة المشرفة في مواضيع عديدة، ولذلك كانت الأمة الإسلامية هي أمة العدل، سبقت غيرها إليه، ووضعت ميزاناً لأعمالها، فعلى نحو ما أمر به الله بالشورى أمر بالعدل، قال تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون (22) ( فكانت الآية كما قال الطبري في تفسيره أجمع آية في القرآن لخير أو شر ـ تفسير الطبري 14: 109 ـ وقال تعالى):يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط( وقال: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين …(. إذ تدل الآيتان على أن المجتمع الإيماني مطالب بإقامة العدل بين الناس، قال:{وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم}وقال تعالى{ وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى} وأمر تعالى بالعدل لإصلاح ذات البين بين المؤمنين فقال تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} (23) فالآية نصت على وجوب الإصلاح بين المؤمنين وردهم إلى السلام، والحكم بينهم بالعدل ليستتب السلام، ويذعن الظالم لحكم الشرع والعقل، فإن أبى قوتل حتى يفيء إلى الحق والعدل، ومدح الله في الآية الذين يحكمون بالعدل بين الناس، وأخبر أنه يحبهم، وهذه مزية كبيرة ومنقبة جليلة لمن يعمل من أجل الخير والإصلاح بين الناس، ويحكم بينهم بالقسط، وقال تعالى:{إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعمّا يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً} (24) وفي الآية أمران: أداء الأمانات إلى أهلها، وهي كل ما أمر بحفظه من الأموال والأعمال، فإن على المؤتمن المحافظة عليها، والقيام بما كلف به، وردها إلى أهلها، وعدم الإخلال بشيء منها على سبيل الغش والتدليس والكذب والخيانة، والعدل بين الناس في الحكم، فيكون خطاب الآية شاملاً كل من أسند إليه الأمر ـ ومن شأن الدولة المسلمة أن تراعي العدل في تصرفاتها، مع جميع رعاياها، وكل من تتعامل معهم مسلمين وغير مسلمين، وهذا يعم الأقليات الدينية، وطنية كانت أو أجنبية، إذ الذي ينبغي مراعاته هو استظلالها بدولة الإسلام، وركونها إلى ما في قانونها من عدل وتسامح وإيمان، والأساس في هذه العلاقة من القرآن هو قول الله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون}(25).

فقد أمر الله بالبر والقسط إلى الناس جميعاً، ما داموا لم يحاربوا المسلمين ولم يواجهوا الدعوة الإسلامية بالعدوان ولم يضطهدوا المسلمين، فمعيار هذه العلاقة مع أهل الكتاب وغيرهم هو ما تذكر الآية: عدم القتال في الدين، أي لأجله، وعدم الإخراج من الديار، وهما أمران شديدان لا يطاقان، وفيما عدا هاتين الحالتين، يكون البر والقسط حال المسلمين وحال دولتهم إزاء غير المسلمين في بلاد الإسلام وخارج حدودها، والملاحظ في الآية استعمال كلمة البر قبل العدل، إذ البر اسم جامع لكل أنواع الخير وهو فوق العدل وأكبر منه في عقد الصلات وتوثيق العلاقات، إذ يقتضي الرعاية والعناية والسلم والمودة والأمانة والوفاء بالوعود وعدم نقض العهود، (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون)(26).

ومن هنا نفهم أن أساس العلاقات مع الأجانب والدول هو السلم وليس الحرب، وأنه لا مانع إذا صلحت النيات وخلصت الطويات من إقامة علاقات مودة وتعاون بينهم وبين المسلمين، يستفيد منها الطرفان في مجالات السلم والتنمية، ولهذا نهى القرآن كذلك عن مجادلة أهل الكتاب، والمراد محاورتهم بعنف وغلطة، وتسفيه أحلامهم، وكل ما من شأنه أن يوغر الصدور، ويثير النفوس، قال تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون} (27) وأباح أكل طعامهم والتزوج من محصناتهم، في إطار ما أحل الله وأباحه من الشروط والضوابط، كما أمر الإسلام بحماية أهل الذمة من كل عدوان خارجي أو داخلي ـ انظر كتاب غير المسلمين في ديار الإسلام للدكتور يوسف القرضاوي ـ.

ويدخل في باب العدل الاجتماعي، والمراد به رعاية حقوق الفقراء والضعفاء والمرضى والمعوقين، بكفاية حاجاتهم، والإحسان إليهم، وعدم تركهم فريسة للفقر والعوز، وكذلك تعليم الجاهلين، فإن من العدل أن يتمتع جميع أفراد الأمة بخيرات أرضها، وأن لا يضيع بينهم مريض أو محروم، وأن يتكافل الناس فيما بينهم، وقد جاءت شريعة الإسلام بضرورة رعاية العدل الاجتماعي، وأقام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) دعائم دولة الإسلام بالمدينة على أساس العدل والأخوة، فانهدمت الفوارق الطبقية، واعتمد المجتمع على الكسب والعمل والتكافل الاجتماعي، وجاءت نصوص الكتاب والسنة ترشد إلى هذه المعاني وتجعل من التكافل إحساناً إلزامياً لصالح الطبقات الفقيرة والمحتاجة، والنصوص في هذا الباب كثيرة، تشمل الزكاة الواجبة وغيرها من أنواع الإحسان، يقول القرآن الكريم في شأن الأخوة الإيمانية الإحسانية: {إنما المؤمنون أخوة) ويقول )وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} (28) ويقول: {كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضّون على طعام المسكين} (29) ويقول: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والجار ذي القربى والجار الجنب} (30) ويقول في أمر الزكاة: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون) (31) ويقول): خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم} (32) وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (ليس منا من بات شبعان وجاره جائع) وقال: (مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)، وقال: (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى(.

 

2ـ مبدأ المساواة

الناس في الإسلام أمة واحدة، يرتبطون برابطة أصلهم آدم وأمهم حواء، فلا فرق بينهم في الأصل والمبدأ، وهم لذلك متساوون في الحقوق والواجبات، وقد جاء (73) .

التصريح بهذه الوحدة في القرآن الكريم والسنة النبوية الطاهرة، يقول القرآن الكريم: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً} (33)، فالآية توضح أن الناس خلقوا من نفس واحدة، وخلق الله من تلك النفس زوجاً، وبث من الزوجين أمم وشعوب الأرض كلها، ولذلك أوصى ببر الرحم التي تصلهم بأن لا يقطعوها بالعقوق، وعدوان الناس بعضهم على بعض، وتقوى الله في ذلك لأنه هو الذي أنعم بإيجاد الإنسان، وجعله أصلاً واحداً، فكان سبحانه رباً للأنام، وكان رقيباً عليهم، أن يستعملوا قواهم العقلية والروحية والمادية لغير ما خلقت له، ومثل هذه الآية قوله تعالى: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ليسكن إليها}، وقوله: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} (34).

فالناس خلقوا من ذكر وأنثى، ثم تفرقوا شعوباً وقبائل أجناساً وألواناً، وعمروا مناطق من الأرض ينشئون حضارات ودولاً وأوضاعاً وأحوالاً، ويعيشون تجارب كثيرة، إلا أنه نظراً لأصلهم، فلا فضل لبعضهم على بعض إلا بتقوى الله وطاعته، وذلك مرتبط بالأصل، لكون الذي خلق الخلق هو الله، وخلقهم لغاية، بها يعتبر التفاضل والتميز بالقرب من حكمة الخلق لا باعتبارات الدنيا بكثرة المال والقوة والجاه والمنصب واللون والحسن وطول البنيان وكثرة العمران وكثرة الحرث؛ إذ كل ذلك عند الله لا يعتبر، لأنه هو الذي وهب ذلك للإنسان وهو وارث الأرض ومن عليها، والناس أمامه سواء إلا من اتقى الله ولم يعصه ولم يتبع هواه وخالف شيطانه وأطاع ربه، وأصل الإنسان قبل هذا من تراب، وأنى لمن أصله من التراب أن يتفاخر ويتكاثر، ويزعم لنفسه فضلاً على غيره، وبذلك جاء القرآن قال تعالى: {إني خالق بشراً من صلصال} (35) {إني بشراً من طين}) (36) {هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها} (37) {منها خلقكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى} (38) ويقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): {يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، خيركم عند الله أتقاكم}، رواه احمد وابن أپي حاتم، ولذلك دعا الإسلام الناس إلى التعارف، ليعرف بعضهم بعضاً، ويتعرف بعضهم ببعض، وتتعارف الحضارات ولا تتصادم، وفي هذا إبطال لنظرية صدام الحضارات، وقتل من خلق الله بدون حق، ولهذا وجب التعارف بوسائله وسبله حواراً ودعوة وقراءة ومراسلة وخطاباً، وغير ذلك من وسائل الإعلام، بشرط حسن استعمال هذه الوسائل لأغراض ربانية إنسانية بعيداً عن الأهواء والتعصب والرغبة في إذلال الشعوب وتحكيم الأنانية والعصبية وإشعال الحروب، وفقاً لمبدأ: (فرق تسد) ومن شأن الدين أن يجمع لا أن يفرق، ويدعو إلى تحقيق المساواة بين بني البشر دون استعلاء أو استكبار أو جحود أو عصبية أو أنانية، وذلك ما تقرره الآية.

ولقد قرر الإسلام المساواة بين الحاكم والمحكوم والغني والفقير والصغير والكبير، فليس المجتمع الإسلامي مجتمع طبقات، بل مجتمع مساواة في الحقوق والواجبات، فالتكاليف كالإيمان والصلاة والزكاة والحج وأحكام المعاملات والأخلاق تكاليف يطالب بها الجميع، وتشكل صوراً من صور المساواة في المجتمع الإسلامي، والحقوق التي شرعها الإسلام هي للجميع بدون استثناء إلا أن يكون هناك مانع من مزاولة الحق أو شروط للوصول إلى الحق وهو ما ينظر في موضوع الحقوق في الإسلام.

وقد حارب الإسلام مبدأ التمييز بالألوان كما حارب مبدأ التمييز بالعنصر والجنس، وقد جعل الفرق في الألوان آية من آياته، فقال سبحانه: {ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم} (39) وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (الجنة لمن أطاعني ولو كان عبداً حبشياً، والنار لمن عصاني ولو كان سيداً قرشياً) ونهى النبي )ص) عن دعوى الجاهلية فقال: (ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية).

 

3ـ مبدأ الحرية

مبدأ الحرية من القيم الإنسانية التي أعطاها الإسلام مكانة عظيمة في الشريعة، وحماه من كل أشكال الظلم والإكراه والقهر، وأساس هذا المبدأ في الإسلام كرامة الإنسان، باعتبار أن الله كرمه ومنحه حرية الاختيار، فالحرية منحة فطرية من الله، ولهذا كان للإنسان أن يختار وابتلى بالخير والشر، وهي كذلك حرية ومسؤولية، ولذلك لا يحق للإنسان أن يستعملها استعمالاً عشوائياً، دون ضوابط تحد من غلوائها، وتكبح من إطلاقها سائبة دون قيد ولا شرط، فحرية الإنسان لا تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين فقط، بل تنتهي حيث يقيد الشرع الحرية بقواعد الأمر والنهي الشرعيين، كما تنتهي حريات الأفراد بالقوانين التي تضبطها في النظم الوضعية، ولذلك كانت حرية واعية مسئولة تنضبط من حيث التصرفات البشرية بضابطين، أولهما: ضبط السلوك حتى لا ينحط إلى دركات الدونية الحيوانية حيث تكون الشهوة هي التي توجه السلوك، وتغطي على العقل، وتقود زمام الإرادة، فتتوجه شهوته توجهاً أنانياً، دون ضابط ولا كابح، وفي هذا هلاكه، وشقاؤه وعناؤه، وثانيهما: ضبط علاقة الإنسان بغيره وبمجتمعه وبالمجتمع الإنساني كله، حتى يسعد المجتمع والبشرية، ولا تتضارب إرادات الأفراد، ولا تتعارض مع المجتمع ومع إرادة المجتمع الإنساني.

والحرية والاختيار في الإسلام هما مناط الثواب والعقاب، فلا ثواب ولا عقاب بدون حرية ودون اختيار، يقول القرآن الكريم (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) فليس الثواب والعقاب إلا بعد الدعوة والبيان، ثم يكون التصرف بمقتضى الحرية، فإما أن يكون الثواب جزاء الأعمال، وإما أن يكون العقاب هو المآل، ولذلك تتعلق الحرية بجميع الأعمال، والتكاليف الشرعية التي تدخل في نطاق الاختيار، ويترتب الحكم الشرعي على فعلها بالوجوب أو الندب أو الحرمة أو الكراهة أو الإباحة، ولهذا فإن مجال الحرية واسع في شريعة الإسلام.

ومن أهم الحريات في الإسلام: الحرية الدينية والحرية السياسية والحرية المدنية، فقد قرر الإسلام الحرية الدينية أو حرية الاعتقاد، ومنع من أي إكراه يمس المعتقد، قال تعالى: {لا إكراه في الدين}(40) وقال: {أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين}.

والحرية السياسية مكفولة في شريعة الإسلام، وقد رأينا جانباً منها في البحث المتعلق بالشورى في الإسلام، وقد تحدث القرآن عن جانب مما تتعرض له هاتان الحريتان من ضغوط واعتداء، واستنكره، فيما قص علينا من سيرة فرعون الذي طغى في الأرض وجعل أهلها شيعاً، والذين ادعى الربوبية للانفراد بحكم مطلق، كما أخبرنا عن هذا في قصة إبراهيم (عليه السلام)، الذي أراد قومه إحراقه لأنه صرح بما يخالف عقائده وأخبرنا عن ذلك في قصص أنبياء آخرين، أراد قومهم إخراجهم من أوطانهم: هم ومن معهم من المؤمنين لأنهم عبروا عن آرائهم الدينية والفكرية فأراد خصومهم إجبارهم على التخلي عنها.

والحرية المدنية مكفولة كذلك في نطاق المعاملات والعقود والمناكحات وغيرها، حيث نفى الإسلام الإكراه عنها، وجعلها محكومة برضائية التصرفات والعقود، تطبيقاً لمبدأ حرية الإرادة.

 

4ـ حقوق الإنسان في الإسلام .

حقوق الإنسان في الإسلام حقوق ثابتة لهذا الكائن الذي خلقه الله وأوجده وجعل له عقلاً ورفعه عن منزلة البهائم، ولهذا كان من شأن الإنسان أن تكون له حقوق وتترتب عليه واجبات، ومن مظاهر وجوده في مجتمع أن تعترف الجماعة للفرد بحقوقه، ويحافظ هو على حقوق الجماعة من التجاوز والإهمال؛ ولقد أصدرت الأمم المتحدة عام 1948 إعلاناً عالمياً لحقوق الإنسان، جعلته مثلاً أعلى لتلك الحقوق، ينبغي الوصول إليه وتطبيقه على مستوى عالمي، وتتلخص هذه الحقوق فيما يأتي: الحق في الحرية والحق في العدل والمساواة، والحق في الأمن وعدم الاعتداء، وإذا تأملنا هذه الحقوق ونظرنا إلى ما قررته الشريعة في شأنها نجد أن الشريعة كانت سباقة إلى إقرارها بشكل أدق وأعمق، وأنها فصلت القول فيها تفصيلاً، وأن الشريعة ألقت عليها هيبة وجلالاً لارتباط ذلك بموجب هذه الحقوق وهو الله تعالى الذي لم يترك الخلق سدى. ولم يخلقهم عبثاً، وإنما بعث رسله مؤيدين لهذه الحقوق، إذ قررت الشريعة أن الحقوق تنقسم إلى قسمين رئيسيين: حقوق الله، وحقوق العباد فحقوق الله هي ما يتقرب به إليه من إيمان وعبادات ومعاملات وغيرها، وحقوق العبد هي مصالحه، وقد ذكر فقهاء الشريعة أنه ما من حق للعبد إلا وفيه حق لله تعالى، ولهذا عرف بعضهم حق الله أنه ما فيه مصلحة العالم من غير اختصاص بأحد، فينسب إلى الله تعالى لعموم نفعه وعظيم خطره وهو ما يمكن في لغة العصر وصفه بالكونية، لأن حقوق الإنسان بهذا حقوق عالمية لا تختص بجنس أو بأمة، ومن حق الجميع الانتفاع بها، وقد سبق الكلام عن موقف الإسلام من الحرية والعدل والمساواة.

ويبقى القول هنا فيما يرجع إلى حماية الأنفس والأموال والعقول والأعراض والأديان وهو ما يعرف في أصول الشريعة باسم المقاصد، وأنها هي حقوق لأهلها، لا يجوز الاعتداء عليها، فحق الحياة محترم في الشريعة، وكذلك حق التملك وحق صيانة العرض وحق التفكير والتعلم وسائر الحقوق كذلك وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) وفي حديث آخر (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) وفي الحديث أيضاً: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) لذلك حمى الإسلام النفوس من القتل بدون حق وأوجب في هذا حدي الحرابة والسرقة، وحمى العقول من شرب الخمر والمخدر وأوجب في هذا العقاب، وهكذا في سائر الجنايات على حقوق الإنسان حماها الإسلام بعقوبات مناسبة تناسب خطورة الجناية.

وهذه الحقوق المذكورة ليست حقوقاً لأصحابها يملكون التصرف فيها بل هي حقوق لله، ومعنى كونها حقوقاً أنها حقوق للمجتمع، ولذلك لا يتصرف الفرد فيها بالتنازل عنها، ولا يحق للجماعة التنازل عنها كذلك، ولهذا لا تبيح الشريعة لأي إنسان أن يقتل نفسه على سبيل الانتحار، ولا أن يتلف عضواً من أعضائه، أو أن يتنازل عن عرضه، وليس من حقه أن يتنازل عن أمواله على سبيل الإتلاف بل إنه يحجر عليه إذا كان مسرفاً، ولا يجوز الاعتداء على شعائر العبادات وأماكنها ولا مهاجمتها، ولا يجوز في حق الأديان نشر الكفر والإلحاد، ولا نشر البدع والضلالات، ولا يجوز السخرية ولا التنابز بالألقاب، ولا ظن السوء ولا التجسس ولا الغيبة، إذ كل ذلك عدوان على حقوق الله وحقوق الناس.

 

الهوامش.
* ـ بحث قدم للمؤتمر الدولي حول التربية الإسلامية المنعقد بإندونيسيا ـ جاكرتا (23 ـ 26 فبراير 2004(.

1ـ سورة الممتحنة، 8 ـ 9.

2ـ سورة الحديد، 25.

3ـ سورة البقرة، 208.

4ـ سورة التوبة، 6.

5ـ سورة الأحزاب، 44.

6ـ سورة النور، 61.

7ـ سورة المائدة، 8.

8ـ سورة النساء، 58.

9ـ سورة النساء، 135.

10ـ سورة الحجرات، 13.

11ـ سورة الجاثية.

12ـ سورة النساء، 29

13ـ سورة البقرة، 188.

14ـ سورة الحج، 39 ـ40.

15ـ سورة الأنفال، 61.

16ـ سورة آل عمران، 159.

17ـ سورة الشورى,38.

18ـ سورة آل عمران، 159.

19ـ سورة الشورى، 38.

20ـ الأحكام للقرطبي4/249.

21ـ سورة الشورى 38.

22ـ سورة النحل،.90

23ـ سورة الحجرات،9.

 24ـ سورة النساء، 58.

25ـ سورة الممتحنة، 8 ـ 9.

26ـ سورة البقرة،177.

27ـ سورة العنكبوت، 46.

28ـ سورة الحجرات، 10.

29ـ سورة الفجر،18.

30ـ سورة النساء، 36.

31ـ سورة النور، 56.

32ـ سورة التوبة،103.

33ـ سورة النساء، 1.

34ـ سورة الأعراف 179 وسورة الحجرات، 1.

35ـ سورة الحجر، 28.

36ـ سورة ص: 71.

37ـ سورة هود: 61.

38ـ سورة الروم،22.

39ـ سورة البقرة، 256.

40ـ سورة يونس،99.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً