الشيخ محمد مهدي ولي زاده(*)
د. أبو القاسم ولي زاده(**)
مقدّمةٌ
إن المتَّبَع في بحث التعارض بين الروايات ـ قبل التكافؤ والتساقط والتوقُّف والتخيير ـ هو بحث الترجيح. وفي هذا البحث هناك مجموعة من المرجِّحات المنصوصة في إطار حلّ التعارض الواقع بين الأخبار، وقد وقع الخلاف بين العلماء في أقسامها وأعدادها وترتيبها، بَيْدَ أن عمدة الأدلة فيها: مرفوعة زرارة؛ ومقبولة عمر بن حنظلة.
وإذا تجاوزنا هذه المرجّحات نجد روايات تذكر مزيّةً أخرى بوصفها عنصراً لترجيح روايةٍ على روايةٍ معارضة لها. إن هذه الروايات، التي قيل: إن عددها اثنتان أو أربعة أو خمسة؛ وهناك مَنْ قال: إنها ستّة، تدلّ على أن أحدثية الرواية وتأخُّر زمن صدورها يُعَدّ مزيّةً لها، وعنصر تقديم لها على الرواية المعارضة. ويتمّ التعبير عن هذه المرجِّحية بالأحدثية، وتسمّى الرواية الراجحة بـ «الأحدث».
ففي الموارد التي تروى فيها روايتان عن معصومَيْن اثنين، أو عن معصومٍ واحد، وتكون إحدى الروايتين أحدث من الأخرى تكون هي المتقدِّمة على الرواية الأقدم صدوراً.
إن النزاع في هذا الموضوع كبرويٌّ، ويتعلّق باعتبار الخبر الأحدث، بمعنى: هل الروايات المذكورة تدلّ على مرجِّحية أحدثية الخبر، وأن للأحدثية تأثيراً في التقدُّم، أم إن مفادها والمراد منها ليس أمراً جديداً، وإن عنصر التقديم شيءٌ آخر يلازم أحدثية الخبر؟ وبعبارةٍ أخرى: إذا كانت الأحدثية مرجّحة فإن المراد من ذلك هو أن الخبر الأحدث إنما يكون راجحاً من حيث الأحدثية بوصفها أمراً ارتكازياً أو تعبُّدياً، وليس من حيث ناسخيته أو كونه صادراً بداعي التقيّة.
ولم نشهد حتّى الآن تأليف كتاب أو تخصيص أطروحةٍ علمية أو مقالة مستقلّة في هذا الموضوع، وإنما هناك مجرّد إشارةٍ مقتضبة إلى هذه المسألة والروايات من قِبَل بعض الأصوليين من خلال أبحاث التعادل والترجيح، أو في مقام حلّ التعارض بين الروايات في الفروع الفقهية. كما تناول بعضُ أساتذة بحث الخارج في الفقه والأصول في الحوزة العلمية أطراف هذا الموضوع إلى حدٍّ ما.
يذهب بعض الكتّاب إلى الاعتقاد بأن من أهمّ أبحاث باب التعادل والتراجيح هو إثبات أو ردّ الترجيح بسبب أحدثية الخبر، ولا سيَّما إذا كان التعارض بين أخبار الفروع الفقهية؛ لأن الصدور المتزامن في الأخبار نادر الحدوث جدّاً، وحيث إن بعض الأخبار في باب حلّ التعارض تتضمَّن تقديم الأحدث يغلب الظنّ بأن ذات الأحدثية لها موضوعيّةٌ، وأن الخبر الأحدث إنما يكون هو الراجح من حيث أحدثيّته. وعلى الرغم من ذلك لم يتمّ البحث والنقاش في جميع الوجوه والاحتمالات في مدلول هذه الروايات، وكذلك جهات تقدُّم الأحدث. يُضاف إلى ذلك أنه لم يتمّ ذكر جميع الإشكالات ودفعها، ولم يكن هناك أيّ تبويبٍ لها أو تقييم مدى اعتبارها. ولذلك نجد من الضروري العمل ـ من خلال تحديد أبعاد دلالة هذه الروايات وتحديد الوجه في تقدُّم الأحدث ـ على كشف الحجاب عن هذا الأمر الهامّ؛ بغية إيضاح المرجِّحية أو عدم المرجِّحية بالأحدثية.
علماء الأصول بين الرفض والقبول
المشهور بين علماء الأصول عدم القبول بالأحدثية بوصفها عنصراً مرجِّحاً([1]). كما أن الكثير من العلماء ـ بطبيعة الحال ـ، ومنهم: الشيخ مرتضى الأنصاري([2]) والآخوند الخراساني والمحقِّق النائيني، لم يتعرَّضوا إلى هذا المرجِّح أبداً. وكأنّ السرّ في ذلك يعود إلى عدم دلالة الروايات أو عدم الالتفات إليها([3]).
ولكنْ في المقابل ذهب الشيخ الصدوق([4])، وصاحب الحدائق([5])، والفاضلين النراقيّين([6])، والطباطبائي القمّي([7])، والمحقِّق السيستاني([8])، إلى قبول الترجيح بالأحدثية. بل هناك من المعاصرين ـ من أمثال: الطباطبائي القمّي ـ مَنْ يرى انحصار الترجيح بالأحدثية، ورفضوا جميع المرجِّحات الأخرى([9]).
وكذلك فإن الترجيح بلحاظ زمن صدور الرواية ليس من مختصّات علماء الشيعة، وإنما هناك مَنْ يقول بذلك من علماء الأصول بين أهل السنّة أيضاً([10]).
أهمّية البحث من الناحية الفقهيّة
إن الأخبار المتعارضة تحتلّ مساحةً واسعة من الأدلّة الفقهية، بل يمكن الادّعاء بأنه قلّما يمكن العثور على فرعٍ فقهي دون أن يحتوي على أخبار متعارضة. وإن المهمّ بالنسبة إلى الفقيه أمران: أحدهما: التعرّف على أسباب التعارض؛ والثاني: كيفية علاج التعارض.
إن مرجِّحات باب التعارض موضوعٌ يسعى كلّ فقيهٍ أو محدِّث إلى العثور على جوابٍ صحيح بشأنه، ولا سيَّما أن ذلك يؤثِّر في كيفية علاج وحلّ تعارض الأخبار، وهو من الأبحاث الهامّة في فهم الروايات بشكلٍ صحيح، وهو ناجعٌ للغاية في عملية الاستنباط.
ومن بين المرجِّحات المنصوصة والمدَّعاة من قِبَل بعض علماء الأصول (أحدثية الرواية). إن دراسة وبحث هذا الموضوع تحظى بالأهمّية من جهاتٍ كثيرة؛ إذ من ناحية قلَّما يكون هناك موردٌ من موارد التعارض بين الأخبار دون أن يكون أحد المتعارضين أحدث من غيره، وقلّما نجد أخباراً متعارضة متزامنة في الصدور أو مجهولة وقت الصدور، ومن ناحيةٍ أخرى فإن الكثير من هذه الأخبار تشتمل على فروع فقهية، وتؤدّي دَوْراً محورياً في استنباط الفقيه.
ومن هنا لو تمّ إثبات مرجِّحية الأحدثية سوف نشهد تحوُّلاً كبيراً في بحث رفع التعارض بين الأخبار، وسوف تخرج مجموعةٌ كبيرة من الأخبار من حالة التكافؤ.
وفي المقابل، حتّى إذا لم تثبت مرجِّحية هذه المسألة فإن نتائجها الفقهية ستبقى غير قابلة للإنكار؛ وذلك لأن الاهتمام بهذا البحث سوف يؤدّي لا محالة إلى تغيير رؤية الفقيه في مقام الاستنباط من الروايات المتعارضة؛ إذ إن روايات الأحدثية حتّى إذا لم تكن ناجعةً في إثبات كيفية حلّ التعارض بين الأخبار فإنها تلعب دون شكٍّ دَوْراً ملحوظاً في دائرة الكشف والتعرُّف على أسباب ظهور التعارض في الحديث.
توضيح ذلك: إن القدر المتيقَّن من مدلول هذه المجموعة من الروايات هو لزوم الأخذ بالخبر الأحدث، ولكنْ ما هو الخطاب الأصليّ لهذه الروايات؟ هل هو أن للأحدثية موضوعية في اكتساب الرواية مزيّةً وموضوعيةً، وتكون مرجِّحاً مستقلاًّ، أم أنها تدلّ على أن الأحدثية وتأخّر صدور الرواية يكون كاشفاً ويدلّ بالدلالة الطريقية على وجود خصوصية في الرواية المتقدِّمة أو في الرواية المتأخِّرة، وإن هذه الخصوصية تستوجب لزوم الأخذ بالخبر الأحدث؟
إذا كانت الأحدثية مرجّحاً مستقلاًّ فإن جدوائيّتها إنما سوف تكمن في دائرة علاج تعارض الأخبار فقط، وأما إذا كانت لها طريقية فقط فإن الرسالة الأصلية والأولى لهذه الروايات تكمن في بيان جدوائية الأحدثية وتأخّر صدور الرواية في دائرة معرفة علل وأسباب وقوع التعارض، وتبيِّن ـ تَبَعاً لذلك ـ طُرُق حلّ التعارض أيضاً؛ أي يتّضح بذلك سرّ تقديم الخبر الأحدث.
فإذا كان المراد ـ على سبيل المثال ـ هو الإشارة إلى ناسخية الرواية المتأخّرة، أو صدور الرواية المتقدِّمة بداعي التقيّة، فإن هذا يعبِّر في الحقيقة عن أن تغيُّر أحوال المخاطبين، وشرائط الزمان، والتدرُّج في بيان الأحكام (المصالح والمفاسد)، هو السبب في وقوع التعارض بين الرواية المتقدّمة والمتأخّرة. ومن هنا فإن الذي يجب العمل به هو الخبر الأحدث؛ لكونه إما ناسخاً وإن مدةّ الحكم السابق قد انتهَتْ؛ أو لكونه على خلاف التقيّة، ومطابقاً لشرائط الزمان والناس.
والشاهد على هذا المدّعى هو أن ثلاثة موارد من هذه الروايات (روايات المعلّى بن خنيس ومحمد بن مسلم ومنصور بن حازم) تأتي في سياق الجواب عن سؤال الراوي، حيث عَرَض اختلاف الأخبار على الإمام، وكان سبب سؤاله يعود إلى جهله بعلل وأسباب التعارض.
وقد تعرَّض كلٌّ من: السيد علي دلبري ونافذ حسين، في كتابَيْهما، إلى بيان أسباب وعلل التعارض بالتفصيل، واعتبرا عنصر الزمان والمكان، والتقيّة، وتغيُّر شرائط وأحوال المخاطبين، وتغيُّر الأحكام بواسطة النسخ، من أهمّ أسباب وقوع التعارض بين الأخبار([11]).
وعلى هذا الأساس فإن التدقيق في مضمون وبيئة صدور روايات الأحدثية ينتج عنه أن الأحدثية وإنْ لم تكن موضوعاً مستقلاًّ للترجيح، ولكنّها ضروريةٌ لتوسيع آفاق رؤية الفقيه بالنسبة إلى أسباب التعارض والتعرُّف عليها؛ ليكون بمقدوره ـ في مقام الاستنباط ـ حلّ التعارض على أحسن وجهٍ؛ إذ هناك علاقةٌ مفهومية مباشرة بين كيفية علاج التعارض والتعرُّف على أسباب التعارض.
أبرز النتائج الفقهيّة للقبول بالمرجِّحيّة
نتعرَّض في هذا القسم بشكلٍ مختصر إلى النتائج والثمار الفقهيّة المترتِّبة على فرض ثبوت المرجِّحية على أساس الأحدثية، وتأثير ذلك على حكم عددٍ من الفروع الفقهية.
وبالالتفات إلى أن الكثير من الفقهاء والأصوليين والمحدِّثين لم يقبلوا الترجيح بالأحدثية لا نرى في كتبهم أثراً لاستعمال هذا المرجِّح. ومن هنا لم يَرِدْ مثل هذا البحث في كتب الفقهاء الكبار ـ من أمثال: صاحب الجواهر، والشيخ الأنصاري، والمحقِّق الحكيم، والإمام الخميني، والسيد الخوئي ـ أبداً، وقد سلكوا في حلّ التعارض بين الأخبار طرقاً أخرى.
وفي المقابل ذهب القائلون بمرجِّحية الأحدثية إلى التمسُّك بها في الكثير من المسائل والفروع، وعالجوا التعارض في رواياتها على هذا الأساس، وهم فقهاء من أمثال: المحقِّق النراقي في كتابه مستند الشيعة، والسيد الطباطبائي القمّي في كتبه الفقهية المتعدِّدة.
وفي ما يلي نشير إلى الموارد الآتية على سبيل المثال: عدم وجوب الوضوء بعد الغسل للصلاة([12])، واشتراط توالي ثلاثة أيام في الدم لتحقُّق الحيض([13])، وعدم وجوب القضاء على الناسي([14])، وعدم جواز الصوم المندوب([15])، وطهارة أهل الكتاب([16])، وكفاية حُسْن الظاهر في إثبات العدالة([17])، واشتراط إذن الزوج في صحّة صوم الزوجة([18])، وكفّارة نتف الإبط في حالة الإحرام([19])، وحقّ حضانة الولد([20])، والتخيير بين القصر والإتمام في المساجد الأربعة([21]).
إلاّ أن الذي يوجب التمايز هو أن القائلين بالمرجِّحية وإنْ كانوا يتّفقون في الرأي مع المعارضين لها في نتائج أكثر الفروع الفقهية، إلاّ أن الترجيح بالأحدثية ـ بالالتفات إلى أن استنباط أكثر الأحكام يمرّ من خلال منعرجات الأخبار المتعارضة ـ يعمل على تذليل الصعاب، ويمهِّد طريق الاستنباط بشكلٍ أيسر.
غير أن المخالفين، من أمثال: صاحب الجواهر في كتابه (جواهر الكلام)، والمحقِّق الحكيم في (مستمسك العروة الوثقى)، يسعَوْن أبداً ـ في فروع مثل تلك التي تقدَّم ذكرها ـ إلى إخراج البحث بنحوٍ ما من مقام التعارض. ولم يكن النجاح يحالفهم أحياناً؛ وكانوا في الغالب يسعَوْن إلى إيراد إشكالٍ سنديّ أو دلاليّ في أحد أطراف التعارض، أو الإحالة إلى الأصول العملية، أو التمسُّك بالإجماع أو الشهرة لردّ أحد أطراف التعارض؛ وفي بعض الأحيان يدفعون أنفسهم إلى التكلُّف في تقديم الجمع العُرْفي والدلالي([22]).
أدلّة القول بالترجيح
بعد الدراسة التفصيلية للمسألة من الناحية الفقهية، وبيان تأثيرها في مقام الاستنباط، وذكر الشواهد العينية لها، يجب علينا بحث المسألة من الناحية الأصولية وبالنظر إلى مقام الإثبات، وأن نتعرَّض إلى أصول موضوع المرجِّحية أو عدمها؛ ليتّضح ما إذا كانت الأدلة التي تمّ تقديمها من قِبَل القائلين بالمرجِّحية قادرةً على إثبات مدَّعاهم أم لا؟
ومن هنا يجب العمل أوّلاً على ذكر أدلّة ومستندات القائلين بالمرجِّحية، وتقريب دلالتها، لننتقل بعد ذلك إلى مرحلة البحث السندي والدلالي والنقد العامّ والخاصّ للأدلة، ومواجهتها علمياً.
يستند أكثر القائلين بالترجيح إلى روايات تدلّ على الأخذ بالخبر الأحدث. إن هؤلاء العلماء يعتبرون الترجيح بالأحدثية حكماً تعبُّدياً، لا يتطابق مع القواعد العقلائية الارتكازية، ولذلك يجب الاكتفاء بمدلول الروايات([23]). وفي المقابل نجد بعض العلماء ـ من أمثال: المحقِّق السيتاني ـ، وعلى الرغم من رفضه لدلالة الروايات، يعتبر الأحدثية مرجِّحاً عقلائياً، وليس مرجِّحاً تعبُّدياً، ولذلك لا يرى حاجةً إلى الاستدلال بالروايات ودفع المنقاشات([24]). ومن خلال الاستقراء الذي قمنا به اتّضح بشكلٍ عامّ أن الذين ينكرون دلالة هذه الروايات إنما بحثوا في هذه الروايات من ناحيتين، وهما:
1ـ البحث السندي؛ حيث تعاني بعض الروايات من مشكلة الضعف أو مجهولية الراوي أو مشكلة الإرسال.
2ـ البحث الدلالي (العامّ والخاص)؛ حيث إن دلالة الروايات تختلف عن بحث الترجيح واكتشاف الحكم الواقعي، أو إن وجه صدورها يختلف عن بحث علاج التعارض.
1ـ روايات الأحدثية
أـ رواية الكناني
«محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي عمرو الكناني، قال: قال لي أبو عبد الله×: يا أبا عمرو، أرأيت لو حدّثتُك بحديث أو أفتيتُك بفتيا، ثمّ جئتني بعد ذلك فسألتَني عنه، فأخبرتُك بخلاف ما كنت أخبرتُك، أو أفتيتُك بخلاف ذلك، بأيِّهما كنتَ تأخذ؟ قلتُ: بأحدثهما، وأَدَعُ الآخر، فقال: قد أصبْتَ يا أبا عمرو، أبى الله إلاّ أن يُعْبَد سرّاً، أما واللهِ لئن فعلتُم ذلك إنه لخيرٌ لي ولكم، أبى الله ـ عزَّ وجلَّ ـ لنا في دينه إلاّ التقيّة»([25]).
البحث السنديّ
ـ محمد بن يحيى: هو أبو جعفر محمد بن يحيى العطّار القمّي. قيل فيه: «شيخ أصحابنا في زمانه، ثقة عينٌ، كثير الحديث»([26]).
ـ أحمد بن محمد بن عيسى: هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمّي. وثَّقه الشيخ في الرجال([27])، وقد عرَّفه كبار علم الرجال بقولهم: «شيخ القمّيين، ووجههم، وفقيههم»([28]).
ـ الحسن بن محبوب: هو أحد أصحاب الإجماع الستّة([29]). وقال عنه الشيخ الطوسي والعلاّمة: «ثقة، جليل القدر»([30]).
ـ هشام بن سالم: وهو المعروف بالكوفي الجواليقي. عدَّه الشيخ المفيد من فقهاء الشيعة([31])، وأثنى عليه كبار علم الرجال بقولهم: «ثقة ثقة»([32])، وإنْ كان تكرار كلمة ثقة لا يدلّ على شدّة وثاقته؛ إذ يُحتمل أن يكون التكرار هنا بداعي دفع شبهة أُثيرت حوله.
ـ أبو عمرو الكناني: مجهولٌ في كتب الرجال، ولم يأتِ أحدٌ من كبار علم الرجال على ذكرٍ له. وقد ذهب كلٌّ من: المجلسي والمامقاني والخوئي، إلى اعتباره مجهولاً([33]).
وبالالتفات إلى هذه الدراسة التفصيلية للسند، وعلى الرغم من وثاقة جميع الرواة في السند باستثناء الكناني، فإن الكناني ـ وهو الراوي المتّصل بالإمام ـ مجهولٌ، ومن هذه الناحية يعاني سند الرواية من الضعف. وإن مبنى صحّة روايات الكافي وصحّة روايات أصحاب الإجماع ـ الذي يُستفاد من عبارات الكليني([34]) والكشّي([35]) ـ لا يمكن استفادته من هذه العبارات، وهناك مناقشاتٌ لها، يطول المقام فيها([36]).
المناقشات الدلاليّة
1ـ التقيّة في الخبر الأوّل
إن الوجه في التقديم بالأحدثية هو صدور الخبر الأسبق بداعي التقيّة؛ إذ الفرض في الرواية يقوم على أساس القطع بصدور كلا الخبرين؛ لأن المخاطب قد سمع ذلك من الإمام مباشرةً، وليس بواسطة النقل عن الراوي. وعلى هذا الأساس فإن التنافي بين الخبرين إنما يكون من حيث الدلالة ووجه الصدور، لا من حيث الصدور. ومن هنا يتمّ حمل الخبر الأوّل على التقية العملية([37]). وهكذا الأمر بالنسبة إلى عبارة: «أبى الله لنا في دينه إلاّ التقية». وتبويب المحدِّث الكليني في باب التقيّة يشكِّل قرينةً على هذا الوجه، ولا سيَّما أنه إذا كان الأخذ بالأحدث من باب التعبّد الشرعي، وكان دخيلاً في معرفة الحكم الواقعي، لما كان هناك وجهٌ لسؤال الإمام× الراوي بقوله: «بأيِّهما كنتَ تأخذ؟»([38]). وسوف يأتي نقد هذه المناقشة بعد المناقشة السادسة من المناقشات المشتركة.
2ـ الخبران بيانٌ للوظيفة الفعليّة للمكلِّف
إن لهذه الرواية ظهوراً في بيان الوظيفة الفعلية للمكلَّف؛ لأن تعدُّد الاستفتاء من شخصٍ واحد، عن واقعةٍ واحدة، لا يتناسب مع الحكم الواقعي([39]).
وسيأتي تفصيل هذا الإشكال ودفعه على هامش المناقشة الثانية في رواية ابن المختار.
ب ـ رواية الحسين بن المختار
«عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله× قال: أرأيتُك لو حدّثتُك بحديثٍ العام، ثمّ جئتَني من قابلٍ؛ فحدّثتُك بخلافه، بأيِّهما كنتَ تأخذ؟ قال: كنتُ آخذ بالأخير. فقال لي: رحمك الله»([40]).
البحث السنديّ
ـ عليّ بن إبراهيم: هو عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّي، المحور الأصل في أسانيد روايات الكافي. وقال بعض علماء الرجال في بيان حاله: «ثقة في الحديث، ثبت، معتمد، صحيح المذهب»([41]). وبذلك يكون إمامياً قطعاً، وإنْ كانت وثاقته مقيّدة.
ـ إبراهيم بن هاشم: ليس هناك تصريحٌ بتوثيقه أو تضعيفه، ولكنّهم قد تلقوا روايته بالقبول([42]). وقد اعتبره بحر العلوم «ثقة، صحيح الحديث»([43]).
ومن وجهة نظر المحقِّق الخوئي هناك أربع علامات على وثاقته، وهي:
1ـ إكثار الرواية عنه في التفسير من قِبَل نجله عليّ.
2ـ توثيقه من قِبَل ابن طاووس.
3ـ نشره لحديث الكوفيّين في قم، وقبول القمّيين لروايته([44]).
4ـ وقوعه في إسناد كامل الزيارات([45]).
ـ عثمان بن عيسى: هو عثمان بن عيسى العامري الكلابي الروّاسي. وقد اعتبروه من أصحاب الإجماع([46]). وقد وصفه الكشي والطوسي والنجاشي والعلاّمة بأنه من كبار الواقفة([47]).
ولكنْ يبدو أوّلاً: أن كونه من أصحاب الإجماع غير ثابتٍ؛ إذ نقل الكشّي في هذا الشأن عبارة: «على قول بعضهم». وثانياً: لم ينقل توبته سوى الكشي، وكان هذا النقل بدَوْره من خلال روايةٍ مرسلة أيضاً([48]). ومن هنا فقد ذهب المحقِّق الخوئي إلى عدم اعتبار توبته([49]). ومن ناحيةٍ أخرى فإن أخطاء وتحريفات رجال الكشّي كثيرةٌ، ومن هنا لا ينبغي الاعتماد عليه بشكلٍ مستقلّ([50]). وعلى هذا الأساس فإنه حتى مع افتراض ثبوت وثاقته لا تثبت صحّة عقيدته.
ـ الحسين بن المختار: يتردَّد هذا الاسم بين أبي عبد الله القلانسي وبيّاع الأكفان، ومن هنا فقد ذهب البعض إلى اعتباره مجهولاً([51]).
ولكنْ يبدو ـ طبقاً لقاعدة انصراف عنوان المطلق المشترك إلى الراوي المشهور، انصراف ابن المختار إلى أبي عبد الله القلانسي([52]). وليس هناك في كتب الرجال توثيقٌ خاصّ في مورد القلانسي، وقد ذهب بعضهم إلى اعتباره من الواقفة([53]).
وفي المقابل أثبت المحقِّق الخوئي وثاقته من طريق وقوعه في أسناد كامل الزيارات، ورفض واقفيّته؛ لأن الشيخ المفيد قال بتشيُّعه([54]).
ولكنّ الذي يبدو أوّلاً هو أن الوقوع في أسناد كامل الزيارات لا يصلح سنداً لإثبات التوثيق العامّ؛ وذلك لأن عبارة ابن قولويه في مقدّمة الكتاب تقول: «ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا، ولا أخرجتُ فيه حديثاً روى فيه عن الشذّاذ من الرجال»([55])، وهذا إنما يدلّ على مجرّد وثاقة مشايخه في صدر السند فقط، ولا يثبت صحّة رواية كلّ شخصٍ ورد في سند روايات الكتاب([56]). وعلى الرغم من أن رأي السيد الخوئي كان على وثاقة جميع مشايخ ابن قولويه([57])، إلاّ أنه قد عدل عن هذا الرأي في أواخر عمره الشريف([58]).
وثانياً: إن كلام الشيخ المفيد لا ينفي الواقفية عن القلانسي؛ إذ يقول: «من شيعته»([59])، بمعنى أنه من أتباع الإمام الكاظم×، وكلُّ واقفيٍّ هو من أتباعه. وبطبيعة الحال فإن الواقفية لا تنافي الوثاقة.
ـ بعض أصحابنا: إن هؤلاء الأصحاب، الذين يبدو أنهم مشايخ الحسين بن المختار، مجهولون. ومن هنا تكون هذه الرواية ـ بسبب هذه العبارة ـ مرسلةً.
وعلى هذا الأساس، فإن جميع الرواة الواقعين في السند هم من الثقات، ولكنهم ليسوا بأجمعهم من الإماميّين؛ ومن ناحيةٍ أخرى فإن إرسال السند يوجب ضعف الرواية.
إشكالٌ في الدلالة
قال الشيخ الحُرّ العاملي في الوسائل على هامش هذه الرواية: «يظهر من الصدوق أنّه حمله على زمان الإمام خاصّةً؛ فإنه قال في توجيهه: إنّ كل إمامٍ أعلم بأحكام زمانه من غيره من الناس»، ثمّ قام بتأييده وقال: «وهو موافقٌ لظاهر الحديث. وعلى هذا يضعف الترجيح به في زمان الغَيْبة وفي تطاول الأزمنة»([60]).
إن الرواية إذا كانت في مقام بيان المرجِّحية على أساس الأحدثية فإنما يجب تقديم الرواية الأحدث إذا كانت الرواية الأقدم صادرةً بداعي التقيّة، في حين يُستفاد من هذه الرواية وجوب العمل بالرواية الأحدث، سواء أكانت الرواية الأقدم محمولةً على التقية والرواية الجديدة بيانٌ للحكم الواقعي، أو بالعكس؛ لأن شرائط التقيّة تتغيَّر في كلّ عصر. ولهذا السبب قام الشيخ الصدوق بتوجيه رواية الحسين بن المختار قائلاً: إنّ كلّ إمامٍ أعلم بأحكام زمانه من غيره من الناس. ثمّ استنتج صاحب الوسائل أن توجيه الصدوق ظاهرٌ في أن الرواية خاصّةٌ بعصر حضور الإمام×.
وعلى هذا الأساس فإن تقديم الأحدث يقتصر على مَنْ يخاطبه الإمام، بوصف الأحدث بياناً لوظيفته الفعلية الراهنة، وليس لعامّة المكلَّفين؛ ليكون من مرجِّحات باب التعارض([61]). وإن عبارة: «جئتَني من قابلٍ، فحدَّثتُك بخلافه» في الرواية شاهدةٌ على معاصرة المخاطَب للإمام×([62]). وقد صرَّح الجزائري في التحفة السنيّة بهذا الأمر أيضاً([63]).
دفاعٌ ونقد
هناك مَنْ حاول الإجابة عن هذا النقاش بالقول: إن شهادة الشيخ الصدوق ليست روايةً، أو هي روايةٌ أخرى غير رواية ابن المختار، بالإضافة إلى أن ظاهر هذه الرواية مطلقٌ، ولا يختصّ بعصر حضور الإمام×.
ولكنْ بغضّ النظر عن رواية الصدوق فإن توجيهه للخَدْش في دلالة الحديث يبدو كافياً؛ إذ لو كان الوجه في الأخذ بالأحدث هو الأخذ بحكم الإمام المعاصر× فإنه ذلك يكون مانعاً من إطلاق روايات الأحدثية، وموجباً للاختصاص بعصر حضور الإمام. بَيْدَ أن الإشكال هنا يكمن في أن هذه الرواية لا تشتمل على ظهور في هذا التوجيه للأخذ بالأحدث. ولكنّ هذا التوجيه قابلٌ للدفاع في رواية الكناني والمعلّى بن خنيس، وهناك قراءةٌ تدلّ عليه، كما ذكر ذلك العلاّمة المجلسي في هامش رواية المعلّى([64]).
ج ـ رواية المعلّى بن خُنَيْس
«عن عليّ بن ابراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرّار، عن يونس، عن داوود بن فرقد، عن المعلّى بن خنيس قال: قلتُ لأبي عبد الله×: إذا جاء حديثٌ عن أوّلكم وحديثٌ عن آخركم بأيِّهما نأخذ؟ فقال: خُذُوا به حتّى يبلغكم عن الحيّ، فإنْ بلغكم عن الحيّ فخذوا بقوله، قال: ثمّ قال أبو عبد الله×: إنا والله لا ندخلكم إلاّ في ما يَسَعُكم»([65]).
البحث السنديّ
ـ إسماعيل بن مرّار: اختلف علماء الرجال في توثيقه وتضعيفه؛ ففي بعض الموارد لم يَرِدْ ذكرُه أصلاً، وفي سائر الكتب لم يتمّ الحديث حول توثيقه أو تضعيفه([66]). ومن هنا حكم العلاّمة المجلسي بكونه مهملاً([67]).
وهناك مَنْ حكم؛ لبعض الأسباب، بوثاقته، ولكنْ لا شيء من تلك الأسباب قادرٌ على إثبات ذلك، ومنها: ما يلي:
1ـ إكثار إبراهيم بن هاشم القمّي الرواية عنه (رواية الأجلاّء).
2ـ وقوعه في أسناد تفسير القمّي([68]).
3ـ تصحيح ابن الوليد: حيث يمكن أن نستفيد وثاقة ابن مرّار من عبارة محمد ابن الحسن بن الوليد، نقلاً عن الشيخ في الفهرست، في ذيل ترجمة يونس([69])؛ إذ يقول: «كتب يونس بن عبد الرحمن التي هي بالروايات كلّها صحيحةٌ، معتمدٌ عليها، إلاّ ما ينفرد به محمد بن عيسى عن يونس ولم يَرْوه غيره، فإنه لا يُعتمد عليه، ولا يُفتى به»([70]).
ـ يونس: هو يونس بن عبد الرحمن. يعتبر من أصحاب الإجماع، وقد ضعَّفه المحدِّثون في مدرسة قم([71])، إلاّ أن كبار علماء الرجال قد وثَّقوه([72]).
وقد نقل بشأنه كلامٌ كثير يتراوح بين مدحه وذمّه([73])، وإنْ كانت كفّة المدح ترجح على كفّة القدح؛ إذ لم يصحّ من وجهة نظر الكتاب من الروايات الواردة في ذمِّه سوى روايتين([74]). وأرى؛ بالالتفات إلى ما تقدَّم، أن وثاقته ثابتةٌ. وإن تضعيفه من قِبَل كبار القمّيين يأتي من شدّة حساسيّتهم واحتياطهم المبالغ به في الحفاظ على سلامة الحديث، وتسرُّعهم في تجريح الرواة([75]).
ثم إن روايات الذمّ ـ على فرض صحّتها ـ إنّما تنظر إلى الأخطاء العملية أو الاعتقادية، ولا شأن لها بوثاقته، هذا أوّلاً. وثانياً: إن الآراء الحديثية والكلامية الخاصّة ليونس، ومواجهته القاطعة مع الواقفة والغلاة، كانت من الأسباب والعوامل المؤثِّرة في صدور الكلام الذي يستهدف جرحه وتشويه شخصيته([76]).
ـ داوود بن فرقد: وثَّقه عددٌ من علماء الرجال([77])، ولم نعثَرْ على تقريرٍ مغاير من سائر علماء الرجال الآخرين.
ـ المعلّى بن خُنَيْس: من أصحاب الإمام الصادق×([78])، ومن وكلائه على الأموال([79]). وقد تعارضت أقوال علماء الرجال في تضعيفه وتوثيقه، وقد مدحه الشيخ الطوسي، وهو من علماء الرجال البارزين؛ وهناك مَنْ ذهب إلى توثيقه([80])؛ وفي المقابل ذهب ابن الغضائري والنجاشي إلى تضعيفه بشدّةٍ([81]).
وقد وقع الخلاف بين علماء الرجال في حلّ التعارض بين الشيخ الطوسي والنجاشي، واختلفت مبانيهم في ذلك. ولكنْ يبدو أن النجاشي؛ حيث لم يذكر سبب تضعيفه، يكون توثيق الشيخ الطوسي له هو المقدَّم([82]).
وكذلك فقد ذهب الكتّاب إلى القول بأن النجاشي في تضعيفه قد تأثَّر برأي ابن الغضائري، وإن ابن الغضائري بدَوْره قد اعتمد في تضعيفه على التقارير التاريخية للعامّة، وإن اجتهاده في هذا الشأن يستند إلى مجموع القرائن المتوفِّرة في عصره، ورُبَما كانت شبهة ميل المعلّى بن خُنَيْس إلى محمد بن عبد الله هي السبب في وقوع ابن الغضائري في هذا الخطأ عند الحكم عليه([83]).
ومن ناحيةٍ أخرى فإن رأي ابن الغضائري يستند إلى الغلوّ([84])، في حين أن الغلوّ أوّلاً: ليس له ملاكٌ ثابت واحد، وإنما هو رَهْنٌ بالموقف الكلامي لكلّ رجاليّ؛ وثانياً: إن الغلاة كانوا في بعض الأحيان يلجأون إلى الاختلاق والتحريف من أجل اجتذاب الناس إلى عقيدتهم وتشويه الحقيقة([85])؛ وثالثاً: لم يثبت غلوّه، وإن المعطيات التاريخية تثبت خلاف ذلك([86])، وإن نشره لأسرار الأئمّة قد مهَّد الأرضية للغلاة في نسبته إلى أنفسهم، وتوظيف اسمه والكلمات الغالية المنسوبة إليه.
يُضاف إلى ذلك أنه قد ورد العديد من روايات المدح والذمّ في المعلّى بن خنيس([87])، ولكنْ أوّلاً: تنحصر روايات الذمّ بأربع روايات فقط([88])، وبذلك فهي أقلّ بكثير من روايات المدح؛ وثانياً: لم يصحّ من بين هذه الروايات الأربعة سنداً سوى اثنتين فقط([89])، وهي مع ذلك لا تتنافى مع عدالته وصدقه؛ لأنها إنما تثبت أوّلاً: خطأ المعلّى في مقام العمل أو في مقام البحث العلميّ والاجتهاد الفقهي فقط([90])؛ وثانياً: إن الكشّي إنما أورد هاتين الروايتين ضمن مادّة ابن أبي يعفور قاصداً بذلك مدحه، وليس ذمّ المُعلّى بن خنيس([91])؛ وثالثاً: هناك روايةٌ معارضة لهذا النقل، أو أن المُعلّى قد تخلّى عن هذه العقيدة لاحقاً([92]).
وفي المقابل فإن التقارير المتعدِّدة في مدحه([93]) إنما تدلّ على حُسْن عاقبته، ولا تدلّ على وثاقته في جميع مراحل حياته، خلافاً لما استنتجه بعض المحقِّقين، من أمثال: الخوئي والساعدي والشبيري، من نتيجةٍ مستخلصة من الجمع بين روايات المدح والذمّ([94]).
وبالالتفات إلى التحليلات الرجالية المتقدِّمة لم تثبت وثاقة إسماعيل بن مرّار، كما لم تثبت وثاقة المُعلّى بن خُنَيْس، ولم يكن بمقدور الوجوه المقدّمة أن تثبت ذلك. ومن هنا فإنه على افتراض إماميّتهما فإن روايتهما على أفضل الحالات ستكون حَسَنةً، ولكنْ يبدو أن إماميّة ابن مرّار غيرُ واضحةٍ، رغم عدم وجود تقرير على الخلاف، ومن هنا سوف تكون روايته ضعيفةً.
المناقشات الدلاليّة
1ـ احتمال التخيير في الأخذ بالرواية
إن الاستدلال بهذه الرواية يتوقَّف على عودة الضمير في قوله: «خذوا به» إلى الأخير (أحدّث: حديث عن آخركم). وبذلك يكون مورد الاستدلال في هذه الرواية عبارة عن فقرتين، وهما: «خذوا به؛ وحتّى يبلغكم عن الحيّ».
ولكنْ يبدو أن هناك احتمالاً آخر في مرجع الضمير في كلمة «به»، وهو عودته إلى «أيِّهما»، وعندها يكون المراد من الرواية هو التخيير في الأخذ بالرواية، بمعنى أنه إذا كان في شكٍّ وتردُّدٍ فأنتَ في سعةٍ حتّى تلقى إمام زمانك، ويحدِّد لك التكليف الواقعي، ويخرجك من حيرتك. وإن عودة الضمير إلى «أيِّهما» لا يخلو من قوّةٍ؛ وذلك أوّلاً: لأن هذه الكلمة أقرب إلى الضمير؛ وثانياً: لأن المناسب لحالة التحيُّر هو أن يكون المخاطب في حالةٍ من التحيُّر حتّى يلقى الإمام، ومع ترجيح الحديث الأخير لا حاجة لانتظار لقاء الإمام. كما أن التتمّة التي ذكرها الكليني على هامش الرواية تمثِّل شاهداً على أنه فهم من الرواية عودة الضمير إلى «الأحدث». وحتّى إذا لم يكن التخيير أقرب إلى الذهن فسوف تبقى الرواية مجملةً، ولا وجود لقرينةٍ تعيِّن الاحتمال الأوّل.
2ـ كون الخبر الأحدث وظيفةً عمليّة خاصّة
إن هذه الرواية تدلّ على تقديم الأحدث دلالةً، وحيث إن هذا الحكم قد صدر بحَسَب المقتضيات والمصالح الزمنيّة، وطبقاً لحال الإمام× والشيعة من حيث التقيّة، فإنه يكون وظيفةً عملية خاصّة بالنسبة إلى الشخص الذي صدر له الخبر الأحدث. وهذا ما يؤيِّده قول الإمام: «إنا واللهِ لا ندخلكم إلاّ في ما يَسَعُكم» أيضاً. كما أن هذا الحكم؛ بقرينة قوله: «حتّى يبلغكم عن الحيّ»، يختصّ بعصر حضور الإمام×.
المؤيِّد الآخر لهذا المدَّعى أن مورد الرواية خارجٌ عن باب التعارض والترجيح المصطلح؛ وذلك لأن نزاعنا إنما وقع في التعيين التعبُّدي للحجّة من بين خبرين متعارضين بواسطة المرجِّح؛ في حين أن السائل قد افترض قطعية صدور كلا الروايتين عن الإمام، وهذا يناسب التقيّة. وعلى هذا الأساس لا يمكن لسائر المكلَّفين ـ الأعمّ من الذين يعيشون لحظة حضور الإمام× أو غيبته ـ أن يأخذوا بالأحدث، بل يجب عليهم من خلال توظيف القرائن والمرجِّحات أن يعملوا على تمييز الخبر الأقرب إلى الواقع؛ من أجل بيان الحكم الواقعي والأخذ به([95]).
كما ذهب السيد الحكيم إلى القبول بحمل هذه الرواية على زمان حضور الإمام×، ولكنْ مع فارق أنه قد اعتبر ذلك من باب وجود المانع من الإطلاق، وليس من باب عدم المقتضي إلى الإطلاق. حيث قال: إن رواية المُعلّى بن خنيس تحتوي على إطلاقٍ، وتشمل الأحاديث الظاهرة في بيان الحكم الأوّلي أيضاً، وحيث إن العمل بالأحدث في الأحاديث المتعارضة أمرٌ ارتكازيّ، ولا يحتاج إلى سؤالٍ، ومع ذلك قام الراوي بالسؤال، يجب أن يكون منشأ السؤال هو ظهور الأحاديث في الحكم الأوّلي، الأمر الذي أدّى إلى خطور الظنّ بالتعارض في ذهن الراوي، فيكون جواب الإمام بوجوب العمل بالأحدث كاشفاً عن ورود الأحاديث بداعي بيان الوظيفة الفعليّة. وعليه لا يُستفاد من هذه الرواية المرجِّحية الإثباتية للأحدثية (بلحاظ الحكم الواقعيّ الأوّلي).
د ـ رواية محمد بن مسلم
«عدّةٌ من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن أبي أيّوب الخرّاز، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله×، قال: قلتُ له: ما بالُ أقوام يروون عن فلانٍ وفلانٍ، عن رسول الله ـ | ـ، لا يتَّهمون بالكذب، فيجيء منكم خلافه؟! قال: إن الحديث يُنْسَخ كما يُنْسَخ القرآن»([96]).
البحث السنديّ
ـ عدّة من أصحابنا: إذا كان هؤلاء الأصحاب قد روَوْا عن أحمد بن محمد بن عيسى أو أحمد بن محمد بن خالد فهم معروفون، وإلاّ فهم مجهولون، ولا تتوفَّر معلومات عنهم([97]).
وحيث ورد في سند هذه الرواية موضع البحث اسم أحمد بن محمد قبل هذه العدّة من الأصحاب، وهو اسمٌ مشترك بين الكثير من الرواة، يجب العمل ما أمكن على تمييز مَنْ هو أحمد بن محمد قبل تعيين خصائص العدّة المذكورين من الأصحاب؛ كيما يتّضح لاحقاً معلومية ومجهولية هؤلاء العدّة من أصحابنا.
ـ أحمد بن محمد: يشترك هذا الاسم بين عددٍ من الرواة يصل إلى عشرةٍ. ولكي نميِّز شخص الرواي في هذا السند من غيره علينا أوّلاً أن نحدِّد طبقة الراوي في السند، وشخصية الراوي السابق له، لنبحث بعد ذلك مدى تطابقها على خصائص وأوصاف أحد الرواة المتسمِّين بهذا الاسم.
وبعد ملاحظة السند يتّضح أن أحمد بن محمد المذكور هو من جهةٍ أستاذٌ لعددٍ من أصحابنا، ومن جهةٍ أخرى هو يروي عن عثمان بن عيسى. ومن هنا فإن هذا الرواي يتّصف بصفتين، وهما:
1ـ إنه متقدِّمٌ على الشيخ الكليني بطبقتين.
2ـ إنه تلميذُ عثمان بن عيسى.
ومن بين الرواة الذي يحملون اسم أحمد بن محمد هناك ستّة يحظَوْن بشهرةٍ أكبر؛ حيث هم أكثر روايةً من الآخرين. وهؤلاء الرواة الستّة هم: أحمد بن محمد بن يحيى العطّار؛ وأحمد بن محمد بن سعيد، أبو العبّاس، ابن عقدة الكوفي؛ وأحمد بن محمد بن أحمد بن طلحة العاصمي؛ وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي؛ وأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمّي؛ وأحمد بن محمد بن خالد، أبو جعفر، البرقي.
ومن خلال النظر في المعطيات الرجالية والروائية المرتبطة بهؤلاء الأشخاص يتّضح أن ابن خالد وابن عيسى هما وحدهما اللذان تنطبق عليهما الصفة الأولى، وهي التقدُّم على الشيخ الكليني بطبقتين؛ لأن ابن عيسى كان أستاذاً لمحمد بن يحيى أستاذ الشيخ الكليني، وكذلك ابن خالد بدَوْره كان أستاذاً لعليّ بن إبراهيم ومحمد بن يحيى، وكلاهما من أساتذة الشيخ الكليني أيضاً. والآن يجب من خلال التدقيق أكثر في القرائن الخارجية أن نبحث مدى انطباق الصفة الثانية على أحد هذين الاثنين.
من خلال البحث في أسناد الكافي نقف عند أرقام جديرةٍ بالملاحظة؛ فمن جهة هناك أحد عشر ومئة موردٍ يروي فيها أحمد بن محمد بن خالد عن عثمان بن عيسى، في حين لم تَرِدْ روايةُ أحمد بن محمد بن عيسى عن عثمان بن عيسى إلاّ في ثمانية موارد فقط. ومن ناحيةٍ أخرى فقد وردت عبارة: «عدّةٌ من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى» أكثر من مئة مرّةٍ في أسناد الكافي، في حين لم تَرِدْ عبارة: «عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عثمان بن عيسى» أبداً، وليس لهذه العبارة من وجودٍ، وإنما الموجود فقط وفقط هو «محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى».
وطبقاً لهذه النتيجة يتَّضح المراد من «عدّة من أصحابنا» أيضاً؛ إذ كما قيل: إنه بناءً على تقرير العلاّمة الحلّي فإن العدّة الذين هم تلاميذ ابن خالد البرقي معروفون، وهم: عليّ بن إبراهيم القمّي، وعليّ بن محمد بن عبد الله بن أذينة، وأحمد بن عبد الله بن أميّة، وعليّ بن الحسن([98]).
وبطبيعة الحال فإن جميع هؤلاء الأشخاص ـ إذا استثنينا عليّ بن إبراهيم ـ مجهولون في الكتب الرجالية.
وفي ما يلي نبحث في حال أحمد بن محمد بن خالد البرقي، فنقول: إنه من أصحاب الإمامين الجواد والهادي‘([99]). وقد أكثر من الرواية عن الضعفاء، أو أنه كان يروي مرسلاً. وعلى الرغم من ذلك فقد تمّ وصفه بالوثاقة من قِبَل علماء الرجال([100]).
ـ عثمان بن عيسى: تقدَّم الكلام عنه.
ـ أبو أيّوب الخرّاز: اسمه إبراهيم بن عيسى بن عثمان بن زياد. مدحه كبار علماء الرجال، وقد وصفوه بالوثاقة([101])، وإنْ لم يَرِدْ تصريحٌ بكونه إمامياً.
ـ محمد بن مسلم: هو محمد بن مسلم الطائفي الثقفي الطحّان. اعتبره الكشّي من أصحاب الإجماع([102]). وقد عدّه النجاشي فقيهاً إمامياً، وقد وصفه بأعلى درجات الوثاقة، وكتب عنه قائلاً: «وجه أصحابنا بالكوفة، فقيهٌ ورعٌ، وكان من أوثق الناس»([103]).
هناك الكثير من الروايات الوارد في مدح محمد بن مسلم، وفي المقابل لم يَرِدْ في ذمّه سوى النَّزْر القليل من الروايات، وهي مع قلتها ضعيفةٌ أيضاً([104]). ومن هنا لا يبدو أن هناك شكّاً في وثاقته وصحّة مذهبه.
وطبقاً لما تقدَّم يكون جميع رواة هذا الحديث من الثقات. وحيث لم يثبت أن عثمان بن عيسى إماميٌّ يبدو أن هذه الرواية ـ كما أشار العلاّمة المجلسي والمحقِّق الخوئي ـ موثَّقةٌ، وليست صحيحةً([105]).
المناقشات الدلاليّة
1ـ لا نسخ عند التعارض
هناك احتمالان في المراد من النسخ، وعلى كلا الاحتمالين يكون مورد الرواية خارجاً عن محلّ الكلام؛ أوّلاً: لأن الكلام إنما هو حول متعارضَيْن ليس لدينا قطعٌ بصدور أيّ واحدٍ منهما؛ وثانياً: إنه لا يمكن الجمع العُرْفي بينهما. في حين أن الناسخ ـ طبقاً للاحتمال الأوّل ـ مقطوع الصدور، كما أن الجمع ـ طبقاً للاحتمال الثاني ـ ممكنٌ. فإنْ كان المراد هو النسخ الاصطلاحي فهو خارجٌ عن محلّ الكلام؛ إذ أوّلاً: إن الناسخ ليس مرجّحاً في باب التعارض، بل هو كاشفٌ عن انتهاء الحكم السابق، وفعليّة الحكم اللاحق؛ وثانياً: إن الناسخ بإجماع العلماء يجب أن يكون قطعيّ الصدور، في حين أن الكلام في تعارض الأخبار ظنِّية الصدور. ثمّ إن خبر الواحد لا قِبَل له بمعارضة الخبر إذا كان مقطوع الصدور. وإنْ كان المراد هو النسخ اللغويّ فهو يعني الإيضاح والبيان من خلال التخصيص والتقييد، وبذلك سوف يكون مورداً للجمع العُرْفي، في حين أن البحث يدور حول المتعارضَيْن اللذين لا يمكن الجمع بينهما عُرْفياً([106]).
ردٌّ وجواب
لقد أورد المحقِّق الخوئي العديد من الإجابات في معرض الردّ على الإشكال الأوّل. وقال المحقّق الطباطبائي القمّي بدَوْره: إن معقد الإجماع المذكور فيما إذا كان قطعيّ الصدور فهو منسوخٌ، ولو كان المنسوخ ظنّي الصدور فالناسخ بدَوْره يمكن أن يكون ظنّي الصدور أيضاً. وحيث إن الحديث المنسوخ في هذه الرواية مطلقٌ؛ لأن المعيار هو جواب الإمام، وجواب الإمام مطلقٌ، بمعنى أن الرواية لم تقيّد بكونها مقطوعة الصدور أو كونها مأثورةً عن النبيّ؛ لذلك فإن الإجماع يعمل على تخصيص مقدارٍ من مدلول الرواية، وهو المقدار الذي يكون مخالفاً للمذهب، وبالتالي تصبح الرواية الخاصّة بمورد ظنّية الصدور منسوخة، وسوف تكون شاملةً لمحلّ البحث([107]).
وقد أجاب المحقِّق المروجي القزويني، قائلاً: إن ناسخية الخبر ظنّي الصدور ليست مخالفةً لضرورة المذهب، بل النسخ مثل التخصيص، وحيث يمكن للخبر الظنّي أن يكون مخصِّصاً، كذلك يمكن للناسخ أن يكون مخصِّصاً أيضاً، والفرق الوحيد بينهما يكمن في أن التخصيص يكون في الأفراد، والنسخ في الأزمان([108]).
2ـ كون المورد هو التقيّة
إن المراد من هذه الرواية إما هو نسخ الحكم الواقعي، وفي هذه الحالة يجب أن يكون الناسخ قطعيّ الصدور؛ أو هو نسخ الحكم الظاهري، وفي هذه الحالة فالرواية وإنْ كانت دالّةً على الترجيح بالأحدثية، بَيْدَ أن موردها هو التقيّة، وعليه لا يمكن الأخذ بظاهر الحديث([109]).
إن الشقّ الأول من هذا الإشكال مقبولٌ، ولكنْ يبدو أن الشقّ الثاني منه غير واردٍ؛ لأن هذه الرواية تشتمل على إطلاقٍ، ولا وجه لدعوى التقيّة.
3ـ فقدان اللسان العامّ
إن هذه الرواية وإنْ كانت دالّةً على احتمال ناسخية الخبر المتأخّر، إلاّ أنها ليست ذات لسانٍ عامّ، وليست في مقام التأسيس لقاعدةٍ عامّة في علاج التعارض؛ كي يكون المخاطب موظّفاً بالحمل على ناسخية الخبر الأحدث([110]).
يبدو أن هذا الإشكال واردٌ؛ إذ لا يوجد في هذه الرواية سوى الإشارة إلى سبب اختلاف الحديثين، والإمام لم يأمر بالأخذ بالأحدث؛ كي يمكن تعميمه.
4ـ كونها أخصّ من المدّعى
لو قبلنا بدلالة هذه الرواية كانت أخصّ من المدَّعى؛ لأن خاصّ الحديث النبوي متقدّم، وغير النبوي متأخّر، في حين أن نزاعنا يكمن في أخبار جميع المعصومين^([111]).
ولكنْ يجب القول: ليس هناك دخلٌ لخصوصية المورد، ولا سيَّما أن الألف واللام في الحديث إنما هي للجنس أو الاستغراق، وليست للعهد.
5ـ التعارض بين روايات الترجيح وروايات النسخ
إن روايات الترجيح تعارض روايات النسخ؛ إذ أوّلاً: إن الترجيح يعني عدم وجود النسخ؛ وثانياً: إن روايات الترجيح تدلّ على حجية فعلٍ يشتمل على مزيّةٍ، حتّى إذا كان الخبر متقدّماً، إلاّ أن مدلول روايات النسخ هو الحجِّية الفعلية للخبر المتأخّر، حتى إذا كان المتقدّم مشتملاً على مزيّةٍ. وعلى هذا الأساس إذا كان المتقدّم مشتملاً على مزيّةٍ يكون هناك تعارضٌ بين هذه الروايات.
ونقول في الجواب: هناك طريقان لحلّ التعارض؛ فإمّا أن نخصص أخبار النسخ بمورد عدم مزيّة الخبر المتقدِّم؛ لأننا إذا عملنا بروايات النسخ في مورد مزيّة المتقدّم فسوف تكون روايات الترجيح لاغيةً؛ أو أن نحمل أخبار النسخ على خبرين معلومي التاريخ؛ إذ إن التقدُّم والتأخُّر له دَخْلٌ في النسخ دون المزيّة([112]).
6ـ الخروج عن الترجيح السنديّ
إن روايات النسخ خارجةٌ عن الترجيح السندي؛ إذ في الترجيح بين المتعارضَيْن تكون لكلا المتعارضين شأنية الحجّة. وأما في باب النسخ فلا تكون الحجِّية إلاّ للناسخ فقط([113]).
7ـ الخروج عن محلّ النزاع
سبق أن ذكرنا في المقدّمة أن محلّ النزاع لا يكمن في ترجيح الرواية الأحدث بما هي ناسخةٌ؛ إذ في هذه الحالة يكون للنسخ مدخليّةٌ، وليس لمجرّد الأحدثية، وإنما يكمن النزاع في ترجيح الأحدث بما هو أحدث بشكلٍ مستقلّ، في حين أن مورد هذه الرواية هو النسخ.
8ـ الظهور في القطع بالصدور
إن عبارة: «يجيء منكم خلافه» ظاهرةٌ في القطع بالصدور. كما أن ظاهر السؤال من الإمام× هو أنه ناشئٌ من وجود شبهةٍ في مخالفة الأئمّة^ للنبيّ الأكرم|، وليس الشكّ في صدور الخبر. وعليه يكون مورد الرواية خارجاً عن محلّ النزاع([114]).
9ـ النسخ تخصيصٌ أو تقييد
هناك قرائن تدلّ على أن النسخ في هذه الرواية بمعنى التخصيص والتقييد؛ لأن قيد «كما ينسخ القرآن» بيانٌ لكيفية النسخ. وحيث إن النسخ المصطلح في القرآن بخبر الواحد غير ممكنٍ، بل التخصيص بالخبر، يكون هذا هو المراد في الحديث أيضاً.
كما أن النسخ المصطلح في الشريعة نادرٌ. وطبقاً لمبنى البعض فإن الإمام صائنٌ للشريعة، وليس مشرِّعاً حتّى يتمكَّن من النسخ. وإذا كان مراد الإمام هو أنه في كلّ خبرين متعارضين يكون أحدهما منسوخاً لا يبقى هناك اعتبارٌ لقوانين الشريعة. ويرى العُرْف ذلك بعيداً. ولذلك لا ينعقد إطلاقٌ في هذه الرواية. ويُحتمل أن يكون الإمام في مقام بيان احتمال وجود النسخ في الأخبار المتعارضة، لا أكثر([115])؛ أو أن يكون الإمام قد قال تقيّةً: خذوا بالحديث المتأخِّر (كلام الإمام) بوصفه ناسخاً، ليُفهموا بذلك أصحابهم بأن لا يأخذوا الأحاديث النبويّة من غيرهم.
وهناك مَنْ قال بأن المراد من الحديث الناسخ أن الراوي لم يكن يعلم بنسخ الرواية، وقام بروايتها على هذا الأساس، في حين أن الأئمّة^ يعلمون بالناسخ، وقد صدر عنهم خلاف ذلك([116]).
هـ ـ رواية منصور بن حازم
«عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حُمَيْد، عن منصور بن حازم قال: قلتُ لأبي عبد الله×: ما بالي أسألك عن المسألة، فتجيبني فيها بالجواب، ثمّ يجيئك غيري، فتجيبه فيها بجوابٍ آخر؟ فقال×: إنا نجيب الناس على الزيادة والنقصان، قال: قلتُ: فأخبرني عن أصحاب رسول الله ـ | ـ صدقوا على محمد| أم كذبوا؟ قال: بل صدقوا، قال: قلتُ: فما بالهم اختلفوا؟ فقال: أما تعلم أن الرجل كان يأتي رسول الله| فيسأله عن المسألة، فيجيبه فيها بالجواب، ثمّ يجيبه بعد ذلك ما ينسخ ذلك الجواب؛ فنسخَتْ الأحاديث بعضها بعضاً»([117]).
البحث السنديّ
ـ ابن أبي نجران: هو عبد الرحمن بن عمرو بن مسلم. قال النجاشي والعلاّمة في وصفه: «ثقة ثقة، معتمَداً على ما يرويه، له كتب كثيرة»([118]). وأما سائر علماء الرجال فلم يُشيروا إلى وثاقته، ولم يتعرَّضوا لمذهبه.
ـ عاصم بن حُمَيْد: لقد امتدحه علماء الرجال بقولهم: «ثقة، عين، صدوق»([119])، وذهب المامقاني إلى القول بالإجماع على وثاقته([120]).
ـ منصور بن حازم: هو أبو أيّوب البجلي الكوفي. مدحه النجاشي والعلاّمة بما قلّ نظيره؛ إذ قالا: «ثقة، عين، صدوق، من أجلّة أصحابنا وفقهائهم»([121]).
وعليه فإن جميع رواة هذا الخبر ـ طبقاً لمقتضى الأبحاث الرجالية ـ ثقاتٌ إماميّون ومن أجلّة الأصحاب، وبذلك تكون الرواية صحيحةً من الناحية السندية.
المناقشة الدلاليّة
إن الإشكالات السبعة الأولى الواردة على الرواية السابقة تَرِدُ على دلالة هذه الرواية أيضاً.
مناقشة الإشكالات العامّة في الروايات
وبغضّ النظر عن السند والمتن الخاصّ، والشواهد الداخلية في نصّ كلّ واحدةٍ من الروايات، نناقش في المدلول والمضمون المشترك لهذه الروايات:
1ـ الفرق بين الترجيح الثبوتي والإثباتي
يَرِدُ الترجيح في بابين، وهما: الترجيح في باب الوصول إلى الواقع؛ والترجيح في باب الوصول إلى الوظيفة العملية.
إن الذي يُستفاد من روايات الأحدثية أمرٌ ارتكازيّ يتمثَّل في الترجيح الثبوتي بين حكم حجّتين من حيث الوظيفة الفعلية للمكلَّف، وليس في الترجيح الإثباتي بلحاظ الطريقية والكاشفية عن الواقع، في حين أن محلّ الكلام هو الثاني.
إن الترجيح الإثباتي يكون على افتراض اتّحاد الحكم الذي تدلّ عليه الحجّتان؛ وذلك الحكم هو الحكم الأوّلي الواقعي، ولذلك يكون هناك تكاذبٌ بين الدليلين، بَيْدَ أن الترجيح الثبوتي إنما يكون على فرض تعدُّد الحكم، حيث يكون كلّ واحدٍ منهما هو الوظيفة الفعلية للمكلَّف، سواء أكان أوّلياً أو ثانوياً، ولا تكاذب بين الدليلين([122]).
2ـ التنافي مع جميع المرجِّحات
إن هذه الروايات تنافي جميع المرجِّحات، وتعمل على إسقاطها؛ إذ لا رَيْبَ في أن كلّ خبرين متعارضين يكون أحدهما أحدث من الآخر؛ فلم يثبت تزامن صدور خبرين متعارضين في وقتٍ واحد، بل لا يصحّ ذلك. وعليه إذا كان البناء على ترجيح الخبر الأحدث لا يبقى هناك موردٌ لأخبار الترجيح، ويلزم من ذلك لَغْوية المرجِّحات الأخرى، وتكون هذه اللَّغْوية قرينةً على عدم صدور روايات الأحدثية؛ لعدم شمول دليل حجِّية خبر الواحد لها؛ لأن استناد عُرْف العقلاء وعدم الاطمئنان بالخلاف شرطٌ في حجِّية خبر الواحد([123]).
ردٌّ ونقد
يمكن الجمع بين روايات الأحدثية وسائر المرجِّحات الأخرى بحمل روايات الأحدثية على مورد العلم بتقدُّم وتأخُّر الصدور، وحمل روايات سائر المرجِّحات الأخرى على مجهولة التاريخ، كما أشار إلى ذلك المحقِّقين الخوئي والصدر([124]).
نقول: ليس هناك شاهدٌ على هذا الجمع، فهو جمعٌ تبرُّعي بَحْت؛ إذ إن هذه الروايات ـ كما سبق أن ذكرنا ـ خاصّةٌ بمخاطَب الإمام؛ وعليه لا تكون شاملةً لسائر المكلَّفين؛ كي يلزم منها لَغْوية المرجِّحات المنصوصة. وكذلك فإن ترجيح الأحدث في خصوص المخاطَب لا يتنافى بدَوْره مع سائر المرجِّحات؛ إذ إن وجه الحكم في هذه الروايات بالأخذ بالأحدث (سواء أكان تقيّةً أو حكماً واقعياً) هو أن روايات الأحدثية في مقام بيان الوظيفة العملية الفعلية للمكلَّف، وليست في مقام العلم والاعتقاد. وعليه فإنها لا تتنافى مع ترجيح المخالف للعامّة؛ لأنها ترتبط بمقام العلم والاعتقاد، وتارةً يكون تركها في مقام العمل واجباً([125]).
3ـ تقدُّم أخبار الترجيح والتخيير على أخبار الأحدثيّة
ويمكن تقريب هذا التقدُّم بأحد وجهين:
1ـ إن بعض هذه الأخبار قد صدرت بعد صدور أخبار الأحدثية([126]). وعليه؛ بمقتضى ذات أخبار الأحدثية، عند التعارض بين أخبار الترجيح والتخيير وأخبار الأحدثية يجب الأخذ بأخبار الترجيح والتخيير.
2ـ يلزم من حجّية أخبار الأحدثية عدم حجّيتها؛ لأن إطلاقها يشملها؛ حيث هي تعارض الخبر الأحدث (أخبار الترجيح والتخيير)([127]).
نقد التقريب الأوّل
إن هذا التقريب إنما يصحّ فيما إذا كان كلّ واحدٍ من أخبار الترجيح والتخيير والأحدثية قطعيّ الصدور، في حين أنه ليس قطعياً فيما نحن فيه. ثمّ لو افترضنا أن كلاًّ منهما كان قطعيّ الصدور فإن إلغاء أخبار الأحدثية وتخصيصها بمورد تقديم الخبر الأحدث سوف يعارض نفسه، وهو أمرٌ باطل؛ إذ إنه بمنزلة تخصيص أكثر الأفراد.
نقد التقريب الثاني
إن الذي يسقط عن الحجّية هو إطلاق وشمول أخبار الأحدثية بالنسبة إلى نفسها، وليس أصل هذه الأخبار؛ لأن منشأ التعارض هو إطلاق هذه الأخبار([128]).
4ـ صدور الخبر الأقدم بداعي التقيّة
إن تقديم الخبر الأحدث إنما هو من باب صدور الخبر الأقدم بداعي التقيّة؛ ولذلك فإن الأخذ بالأحدث وإنْ كان هو حكم عامّة المكلَّفين لا مدخلية له في التقديم. وقد احتمل السيد القزويني ـ صاحب التعليقة على المعالم ـ ثلاثة أوجه في تقديم الأحدث: تعبُّدية التقديم، وناسخيّة الأحدث، وصدور فعل الراوي بداعي التقيّة([129]). وقد احتمل ظهور الاحتمال الأخير، قائلاً: إن موجب التقيّة العملية في حقّ الراوي إذا تحقّق أثناء صدور الرواية السابقة كانت الرواية الأخيرة واقعيّةً؛ وإنْ لم يتحقَّق أثناء صدور الرواية السابقة كانت تقيّةً. وفي كلتا الحالتين يكون اتّباع الخبر الأخير واجباً. ويكون التعبُّد بالخبر الأول منتفياً أيضاً؛ إذ في مثل هذه الحالة يجب إما أن يكون الخبر الثاني تقيّة بيانية، وهو خلاف الفرض؛ أو لَغْواً، فيكون صدوره عن الإمام المعصوم× محالاً.
في الاحتمالين الأوّلين يكون الأخذ بالأحدث هو حكم عامّة المكلَّفين، ولكنْ في الاحتمال الأخير يكون الحكم خاصّاً بمخاطَب الإمام، ولا يجري في حقّ غيره.
وهناك عدّة وجوهٍ لتعميم الأخذ بالأحدث للمكلَّف غير المخاطَب للإمام×. وقد ارتضى القزويني هذا التعميم بواسطة التقريب الأخير، وقال بأن تقديم الخبر الأحدث يأتي من باب صدور الخبر الأسبق بداعي التقيّة؛ فالأحدث بيانٌ للحكم الواقعي، والأسبق أمرٌ بالتقيّة العملية من قِبَل الراوي؛ لأن المصلحة المقتضية لأمر الإمام× كانت موافقة العامّة، ليعتبر أهل السنّة أن الشيعة منهم. ثمّ قام الإمام× لاحقاً ببيان الحكم الواقعيّ، وأمر بالتعبُّد السرّي، حيث يؤيِّد ذلك التعبير بـ «أبى الله إلاّ أن يُعْبَد سرّاً» في رواية الكناني([130]). وقد ارتضى الشيخ الأنصاري هذا الاحتمال في مطارح الأنظار أيضاً([131]).
نقدٌ
إن احتمال التقيّة موجودٌ في كلا الخبرين (الأحدث والأسبق). وإن كون الأحدث هو الحكم الواقعيّ غيرُ ثابتٍ، ولا معلومٌ. وإن إطلاق الرواية ينسجم مع العمل بالأحدث، سواء أكان واقعياً أو صادراً بداعي التقيّة.
كما يتمّ توجيه عبارة: «أبى الله إلاّ أن يُعْبَد سرّاً» بالقول: حتّى إذا كان الخبر الأحدث صادراً بداعي التقيّة يجب على المكلَّف العمل في ظروف التقيّة بوظيفته الفعليّة؛ إذ رغم كونه على خلاف الحكم الواقعي، فإنه في السرّ تعبُّدٌ بالحكم الإلهي.
5ـ تعدُّد الاحتمالات في سبب تقدّم الخبر الأحدث
يذهب الكتّاب إلى الاعتقاد بعدم وجود شكٍّ في تقدُّم الخبر الأحدث بالنسبة إلى المكلَّف المعاصر للإمام، ولكنْ هناك عدّة احتمالاتٍ في سبب تقدُّمه، حيث تبيّن شمول واختصاص هذا الحكم، وهي كالتالي:
1ـ في استنباط الحكم والوصول إلى الحكم الواقعيّ (التقديم التعبّدي).
2ـ في تدبير المجتمع الشيعيّ وتعليم الشيعة([132]).
3ـ الوظيفة الفعليّة([133]) والشرائط الزمنيّة والمصالح([134]).
4ـ في مصلحة التقيّة العمليّة([135]).
5ـ من باب الناسخيّة([136]).
6ـ من باب التقيّة البيانيّة([137]).
وفي ما يلي يجب تقييم اعتبار هذه الاحتمالات، ودراسة القرائن المؤيِّدة والمانعة من هذه الاحتمالات؛ ليثبت ظهور الروايات في واحدٍ منها.
نقد الاحتمال الأوّل
ـ تقوم سيرة وارتكاز العقلاء في التعارض بين طريقين إلى الواقع على التساقط، دون الأخذ بالأحدث؛ إذ لا مدخلية للتقدُّم والتأخُّر في الكشف عن الحكم الواقعي.
ـ لو كان من باب التعبُّد الشرعي لما كان هناك وجهٌ لسؤال الإمام× للراوي بقوله: «بأيّهما كنتَ تأخذ؟»([138]).
ـ في رواية المُعلّى بن خُنَيْس تمّ الحكم بالتعليق على الإمام الحيّ بالقول: «حتّى يبلغكم عن الحيّ»، في حين لا مدخليّة لحياة وممات الإمام× في باب الاستنباط.
ـ من غير المعلوم أن يكون المخاطَب للإمام في جميع هذه الروايات فقيهاً ومن أصحاب الإفتاء. وعلى هذا الأساس فإن الاحتمال الأوّل الذي هو في مقام الاستنباط يبدو بعيداً([139]).
نقد الاحتمال الثاني
يجب القول في ردّ الاحتمال الثاني: يبدو أن عبارة رواية المعلّى بن خُنَيْس أكثر انسجاماً مع الاحتمال الثالث([140])، كما لا يمكن تكوُّن مثل هذا الفهم من سائر الروايات.
نقد الاحتمال الرابع
إن الترجيح من حيث الاحتمال الرابع غير مقبولٍ؛ إذ كما يحتمل أن يكون الخبر المتقدّم صادراً بداعي التقيّة والخبر المتأخِّر صادراً بداعي بيان الحكم الواقعي، كذلك يُحتمل العكس أيضاً. وبعبارةٍ أخرى: إذا كانت الروايات في مقام بيان الترجيح بالأحدثية إنما يجب تقديم الأحدث فيما لو كانت الرواية السابقة صادرةً بداعي التقيّة فقط، في حين يُستفاد من هذه الروايات وجوب الأخذ بالأحدث، سواء أكانت الرواية القديمة صادرة بداعي التقيّة والجديدة بداعي بيان الحكم الواقعي أو بالعكس([141])، بمعنى أنها تحدِّد وظيفة المكلَّف، وهل الوقت هو وقت التقية أم لا؟ لأن الأحكام الشرعية وشرائط التقيّة متغيِّرة بحَسَب مقتضيات الزمان والمكان. وعليه إذا كانت التقيّة في الخبر الأوّل، ونُقل الخبر إلى الأفراد الآخرين الذين رُفع عنهم سبب التقيّة، لن يكون هناك عملٌ بالأحدث([142]).
ومن هنا فقد ذهب الشيخ الصدوق إلى توجيه رواية الحسين بن المختار، قائلاً: إن إمام كلّ عصرٍ هو الأعلم بأحكام ذلك العصر، وهو الأعرف بها. ثمّ ذهب صاحب الوسائل إلى تأييد هذا الكلام من الشيخ الصدوق، معتبراً إيّاه ظاهراً في أن الرواية خاصّةٌ بزمان حضور الإمام×([143]).
يُضاف إلى ذلك أن الاحتمال الرابع لا ينسجم مع نصّ جميع روايات هذه الطائفة.
نقد الاحتمال الخامس
لا يمكن الالتزام بالاحتمال الخامس إلاّ في الأخبار والروايات النبويّة فقط، في حين أن محلّ البحث يشمل الأخبار والروايات المأثورة عن سائر المعصومين^ أيضاً([144]). وبطبيعة الحال يمكن القبول بهذا الوجه والاحتمال في الطائفة الثانية من الروايات التي سيأتي بحثها.
نقد الاحتمال السادس
إن الاحتمال السادس على خلاف الظاهر؛ لأن الروايات التي هي مثل رواية الكناني، والتي يُفهم منها تحقُّق التقيّة، ظاهرةٌ في التقيّة العملية للمخاطبين، دون التقية البيانيّة للإمام (التقية الكلاميّة)؛ إذ يستفاد من مجموع العبارة القائلة: «لئن فعلتم ذلك إنه لخيرٌ لي ولكم، أبى الله ـ عزَّ وجلَّ ـ لنا في دينه إلاّ التقية» أن التقيّة تتحقَّق بفعل المخاطب، ولا سيَّما أن الفائدة الأكبر من التقيّة البيانيّة تخصّ الإمام، والحال أنه يقول: «خيرٌ لي ولكم». وعلى هذا الأساس يكون المراد هو التقيّة العمليّة الصادرة عن الراوي.
ومن هنا يكون الاحتمال الثالث هو الأقرب والأظهر من بين سائر الاحتمالات. وهناك شواهد تؤيِّد ذلك، ومنها: إن الرواي في روايتي الكناني وابن المختار هو الذي يجيب بالأخذ بالأحدث، ممّا يدلّ على أن هذا الأمر ارتكازيٌّ([145]).
وقال الفيض الكاشاني: إن وجه الحكم في الأخذ بالأحدث، سواء أكان بداعي التقيّة أو بيان الحكم الواقعي، هو أن روايات الأحدثية في مقام بيان الوظيفة العملية الفعلية للمكلَّف، وليست في مقام العلم والاعتقاد([146]).
ومن هنا فإن هذا النوع من الروايات التي يدلّ على أن الأحكام الفعليّة من شأنها أن تتغيَّر على أساس مقتضيات الزمان والمكان، وهذا لا يعني مفهوم النسخ بطبيعة الحال([147]). إن هذا الاحتمال أعمُّ وأشمل من مصلحة التقيّة.
النتيجة
تبيَّن من خلال التحليلات السندية الدقيقة أن روايةً واحدة فقط هي الصحيحة من مجموع الروايات، وأن سائر الروايات الأخرى تقع في مراتب أدنى.
وقد اتّضح على أساس المناقشات الدلالية، بالإضافة إلى القرائن والشواهد من خارج وداخل النصوص، أن أحدثية صدور الرواية لا تصلح ملاكاً للترجيح بوصفها ضابطةً عامّة ودائمةً ومستقلّة. وإن دائرة دلالة الروايات تختلف عن بحث الترجيح والكشف عن الحكم الواقعي. بل إن علّة التقديم بالأحدثية في الروايات الثلاثة الأولى تتطابق مع الوظيفة الفعلية للمكلَّف، وتعيين زمان الحكم الواقعيّ، والتقيّة العمليّة التي تتغيَّر بحَسَب اختلاف الشرائط والمقتضيات الزمنية. وقد ذهبوا إلى الاعتقاد بأن السرّ في التقديم في الروايتين الأخيرتين يكمن في ناسخية الخبر الأحدث.
الهوامش
(*) باحثٌ في (مركز الأئمّة الأطهار الفقهي)، وأستاذ الفقه والأصول في الحوزة العلميّة في قم.
(**) أستاذٌ مساعِدٌ في قسم المعارف الإسلاميّة في جامعة أرومية.
([1]) انظر: علي المروّجي، تمهيد الوسائل في شرح الرسائل 12: 120، مكتب النشر الإسلامي، ط1، طهران، 1410هـ.
([2]) انظر: مرتضى الأنصاري، فرائد الأصول 2: 775 ـ 776، مكتب النشر الإسلامي، ط5، قم، 1416هـ. لقد ذكر الشيخ الأنصاري في الرسائل موردين من روايات الأحدثية، دون أن يأتي على تسمية الترجيح بالأحدثية. (انظر: الأنصاري، فرائد الأصول 2: 775 ـ 776). ولكنه صرَّح في مطارح الأنظار بعدم قبول الترجيح بالأحدثية. (انظر: الأنصاري، مطارح الأنظار 4: 626، مجمع الفكر الإسلامي، ط2، قم، 1383هـ.ش).
([3]) انظر: رضا الهمداني، الفوائد الرضوية على الفوائد المرتضوية 2: 125، كتابفروشي جعفري، ط1، طهران، 1377هـ.
([4]) انظر: الشيخ الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 203، مكتب النشر الإسلامي، ط2، قم، 1413هـ.
([5]) انظر: يوسف البحراني، الحدائق الناضرة 1: 105، وج11: 451، مكتب النشر الإسلامي، ط1، قم، 1380هـ.ش.
([6]) انظر: محمد مهدي الفاضل النراقي، أنيس المجتهدين في علم الأصول 10: 118، بوستان كتاب، ط1، قم، 1388هـ.ش؛ أحمد النراقي، مستند الشيعة 2: 985، مؤسّسة آل البيت^، ط1، قم، 1415هـ.
([7]) انظر: السيد تقي الطباطبائي القمّي، الأنوار البهيّة في القواعد الفقهية: 138 ـ 139، نشر محلاتي، ط1، قم، 1381هـ.ش.
([8]) انظر: السيد علي السيستاني، تعارض الأدلة واختلاف الحديث: 526.
([9]) انظر: السيد تقي الطباطبائي القمي، آراؤنا في أصول الفقه 3: 200، نشر محلاتي، ط1، قم، 1371هـ.ش.
([10]) انظر: عبد اللطيف عبد الله عزيز برزنجي، التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية 2: 239، دار الكتب العلمية، ط1، بيروت، 1413هـ.
([11]) انظر: السيد علي دلبري، مباني رفع تعارض أخبار أز ديدگاه شيخ طوسي در استبصار (أسس رفع التعارض بين الأخبار من وجهة نظر الشيخ الطوسي في الاستبصار): 110 ـ 135، انتشارات دانشگاه علوم إسلامي رضوي، ط1، مشهد، 1386هـ.ش (مصدر فارسي)؛ نافذ حسين حماد، مختلف الحديث بين الفقهاء والمحدثين: 29 ـ 50، دار الوفاء، ط1، مصر، 1414هـ.
([12]) انظر: أحمد النراقي، مستند الشيعة 2: 362، 1415هـ.
([13]) انظر: المصدر السابق 2: 393.
([14]) انظر: المصدر السابق 5: 326.
([15]) انظر: المصدر السابق 10: 351.
([16]) انظر: الطباطبائي القمي، الأنوار البهية في القواعد الفقهية: 128.
([17]) انظر: السيد تقي الطباطبائي القمي، ثلاث رسائل: 47، تحقيق: حاجياني دشتي، نشر محلاتي، ط1، قم، 1362هـ.ش.
([18]) انظر: السيد تقي الطباطبائي القمي، الدلائل في شرح منتخب الرسائل 3: 334، نشر محلاتي، ط1، قم، 1423هـ.
([19]) انظر: السيد تقي الطباطبائي القمّي، مصباح الناسك في شرح المناسك 2: 17، نشر محلاتي، ط1، قم، 1425هـ.
([20]) انظر: الطباطبائي القمي، مصباح الناسك في شرح المناسك 10: 279، 1426هـ.
([21]) انظر: مهدي درگاهي، نماز مسافر در مكان هاي چهارگانه (صلاة المسافر في المساجد الأربعة)، فصليّة ميقات حجّ، العدد 72: 19، صيف عام 1389هـ.ش؛ والعدد 74: 34 ـ 35، شتاء عام 1389هـ.ش.
([22]) لملاحظة هذه الموارد انظر: محمد حسن النجفي، جواهر الكلام 3: 243؛ 7: 322؛ 14: 348؛ 16: 338؛ 31: 285، تحقيق: عباس قوجاني، دار إحياء التراث العربي، ط7، بيروت، 1404هـ؛ السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقى 3: 344؛ 8: 410، مؤسّسة دار التفسير، ط1، 1416هـ.
([23]) انظر: السيد الشهيد محمد باقر الصدر، بحوث في علم الأصول 7: 365، مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي، ط3، قم، 1417هـ.
([24]) انظر: السيد السيستاني، تعارض الأدلّة واختلاف الحديث: 526.
([25]) الکليني، الكافي 2: 218، دار الكتب الإسلامية، ط4، طهران، 1407هـ.
([26]) رجال النجاشي: 353، مؤسّسة النشر الإسلامي، ط1، قم، 1365هـ.ش؛ رجال العلاّمة الحلّي: 157، الشريف الرضي، ط2، قم، 1402هـ.
([27]) انظر: رجال الطوسي: 351، تحقيق: القيومي الإصفهاني، مؤسّسة النشر الإسلامي، ط3، قم، 1373هـ.ش.
([28]) الطوسي، فهرست كتب الشيعة وأصولهم: 60، تحقيق: عبد العزيز الطباطبائي، مكتبة المحقِّق الطباطبائي، ط1، قم، 1420هـ؛ رجال النجاشي: 82؛ رجال العلاّمة الحلّي: 14.
([29]) انظر: اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي): 830، مركز نشر تراث العلاّمة مصطفوي، ط4، طهران، 1404هـ.
([30]) رجال الطوسي: 334؛ الطوسي، فهرست كتب الشيعة وأصولهم: 122.
([31]) نقلاً عن: عباس القمّي، سفينة البحار 4: 843، تحقيق: إلهي الخراساني، آستان قدس رضوي، ط3، مشهد، 1430هـ.
([32]) رجال النجاشي: 434؛ رجال العلاّمة الحلّي: 179؛ ابن الغضائري، الرجال: 117، مؤسّسة دار الحديث، ط1، قم، 1422هـ.
([33]) العلاّمة المجلسي، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول 9: 171، دار الكتب الإسلامية، ط2، طهران، 1404هـ؛ عبد الله المامقاني، تنقيح المقال في علم الرجال 3: 29؛ بسّام مرتضى، زبدة المقال من معجم الرجال 2: 639، دار المحجّة البيضاء، ط1، بيروت، 1426هـ.
([34]) انظر: الکليني، الكافي 1: 8، 1407هـ.
([35]) انظر: اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي): 830، رقم 1050.
([36]) انظر: السيد أبو القاسم الخوئي، معجم رجال الحديث 1: 59، مركز نشر آثار الشيعة، ط4، قم، 1413هـ؛ جعفر السبحاني، كلّيات في علم الرجال: 178 ـ 196، مؤسّسة الإمام الصادق×، ط3، قم، 1410؛ مهدي إيزدي وآخرون، مقايسه ونقد ديدگاه سه حديث پژوه معاصر أحاديث كافي (مقارنة ونقد آراء ثلاثة محدّثين معاصرين في صحّة أحاديث الكافي)، المجلة الفصلية مطالعات قرآن وحديث، العدد 20: 221 ـ 226، ربيع وصيف عام 1396هـ.ش.
([37]) انظر: الخوئي، مصباح الأصول 2: 417، مكتبة الداوري، ط5، قم، 1417هـ؛ الميرزا هاشم الآملي، تحرير الأصول: 471، مكتبة الداوري، ط1، 1386هـ؛ السيد محمد الروحاني، منتقى الأصول 7: 413، مكتب السيد الروحاني، ط1، قم، 1413هـ.
([38]) انظر: الأنصاري، مطارح الأنظار 4: 626.
([39]) انظر: السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقى 6: 199، 1414هـ.
([40]) الکليني، الكافي 1، 67، ح 8؛ الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، الباب التاسع من أبواب صفات القاضي، ح 7، مؤسّسة آل البيت^، 1409هـ.
([41]) انظر: رجال النجاشي: 260؛ رجال العلاّمة الحلّي: 100.
([42]) انظر: رجال العلاّمة الحلّي: 4؛ حسين الحسيني الحلّي، زبدة الأقوال في خلاصة الرجال: 29، مؤسّسة دار الحديث، قم، 1428هـ.
([43]) انظر: محمد مهدي بحر العلوم، رجال السيد بحر العلوم 1: 462، تحقيق: بحر العلوم، مكتبة الصادق، ط1، طهران، 1363هـ.ش.
([44]) انظر: محمد باقر الميرداماد، الرواشح السماوية: 48؛ رجال السيد بحر العلوم 1: 464؛ المحدِّث حسين النوري الطبرسي، خاتمة المستدرك 4: 35 ـ 36، 1408هـ.
([45]) انظر: بسّام مرتضى، زبدة المقال من معجم الرجال 1: 86.
([46]) انظر: اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي): 830.
([47]) انظر: اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي): 860؛ الطوسي، فهرست كتب الشيعة وأصولهم: 346؛ رجال الطوسي: 340؛ رجال النجاشي: 300؛ رجال العلاّمة الحلّي: 244.
([48]) انظر: اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي): 860.
([49]) انظر: الخوئي، معجم رجال الحديث 1: 59؛ سعيد شفيعي، مكتب حديثي شيعة (المدرسة الروائية الشيعية): 167، دار الحديث، ط1، قم، 1388هـ.ش.
([50]) انظر: عبد الهادي فقهي زاده وآخرون، بررسي مباني رجال علاّمه شوشتري در قاموس الرجال (دراسة المباني الرجالية للعلاّمة التستري في قاموس الرجال)، فصلية مطالعات قرآن وحديث، العدد 20: 75، ربيع وصيف عام 1396هـ.ش.
([51]) انظر: السيد السيستاني، تعارض الأدلة واختلاف الحديث: 521.
([52]) انظر: محمد بن إسماعيل المازندراني الحائري، منتهى المقال في أحوال الرجال 2: 404، مؤسّسة آل البيت^، ط1، قم، 1382هـ.
([53]) انظر: رجال العلاّمة الحلّي: 215 ـ 216.
([54]) لقد عمد الشيخ المفيد في الإرشاد إلى التعريف بالحسين بن المختار بقوله: «من خاصته [أي من خاصّة الإمام الكاظم×]، وثقاته، وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته». (المفيد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 2: 248، دار المفيد، ط1، قم، 1372هـ.ش). انظر: بسّام مرتضى، زبدة المقال من معجم الرجال 1: 373.
([55]) ابن قولويه القمّي، كامل الزيارات: 4، تحقيق: الأميني، دار المرتضوية، ط1، النجف، 1356هـ.ش.
([56]) انظر: السبحاني، كلّيات في علم الرجال: 301.
([57]) انظر: الخوئي، معجم رجال الحديث 1: 50.
([58]) انظر: السيد علي دلبري، مباني رفع تعارض أخبار أز ديدگاه شيخ طوسي در استبصار (أسس رفع التعارض بين الأخبار من وجهة نظر الشيخ الطوسي في الاستبصار): 118 (مصدر فارسي).
([59]) انظر: المفيد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 2: 248.
([60]) لقد نقل الشيخ الصدوق في كتاب مَنْ لا يحضره الفقيه روايةً مرسلة، وقد عمد صاحب الوسائل إلى تطبيقها على رواية الحسين بن المختار. (الشيخ الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 203). انظر: الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، الباب التاسع من أبواب صفات القاضي، ح 7، 1409هـ؛ الحرّ العاملي، الفصول المهمّة في أصول الأئمّة 1: 541، مؤسّسة الإمام الرضا× للمعارف الإسلامية، ط1، قم، 1418هـ.
([61]) محمد حسين الإصفهاني، نهاية الدراية في شرح الكفاية 3: 365، نشر سيّد الشهداء×، ط1، قم، 1374هـ.
([62]) انظر: الشهيد الصدر، بحوث في علم الأصول 5: 698؛ 7: 365.
([63]) انظر: عبد الله بن نور الدين الجزائري، التحفة السنية في شرح النخبة المحسنية: 39، نشر ريحان مدرّس، طهران.
([64]) انظر: العلامة المجلسي، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول 1: 221.
([65]) وقد أضاف الكليني على هامش هذه الرواية قائلاً: «وفي حديثٍ آخر خذوا بالأحدث». وهناك مَنْ اعتبر كلام الكليني حديثاً سادساً مرسلاً. الکليني، الكافي 1، 67، ح 9.
([66]) انظر: الأنصاري، مطارح الأنظار 4: 626.
([67]) انظر: العلامة المجلسي، بحار الأنوار 86: 23، 1403هـ.
([68]) انظر: الخوئي، معجم رجال الحديث 4: 96.
([69]) انظر: عبد الله المامقاني، تنقيح المقال في علم الرجال 1: 144؛ محمد تقي التستري، قاموس الرجال 2: 117، مؤسّسة النشر الإسلامي، ط2، قم، 1410هـ.
([70]) انظر: الطوسي، فهرست كتب الشيعة وأصولهم: 512.
([71]) انظر: رجال الطوسي: 346.
([72]) انظر: رجال الطوسي: 346؛ رجال النجاشي: 446 ـ 447؛ رجال العلاّمة الحلّي: 184.
([73]) رجال النجاشي: 446 ـ 447؛ رجال العلاّمة الحلّي: 184.
([74]) انظر: بسّام مرتضى، زبدة المقال من معجم الرجال 2: 574.
([75]) انظر: عبد الله المامقاني، تنقيح المقال في علم الرجال 1: 144؛ محمد رضا جباري، مكتب حديثي قم (المدرسة الروائية في قم): 113، نشر زائر، ط1، قم، 1384هـ.ش؛ مهدي مهريزي، حوزه ها ومكاتب حديثي (الحوزات والمدارس الحديثية)؛ درس گفتار، دانشگاه قرآن وحديث: 45؛ مجيد معارف وآخرون، أرزيابي راه كارهاي حلّ تعارض در گزارش هاي جرح وتعديل يونس بن عبد الرحمن (تقييم طرق حلّ تعارض تقراير جرح وتعديل يونس بن عبد الرحمن)، فصليّة پژوهش هاي قرآن وحديث، العدد 2: 299، خريف وشتاء عام 1394هـ.ش.
([76]) انظر: اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): 489، 786؛ وتقييم طرق حلّ التعارض في روايات جرح وتعديل يونس بن عبد الرحمن: 292 ـ 298؛ وانظر أيضاً: مجيد معارف وآخرون، أرزيابي راه كارهاي حل تعارض در گزارش هاي جرح وتعديل يونس بن عبد الرحمن (تقييم طرق حل تعارض تقراير جرح وتعديل يونس بن عبد الرحمن)، فصلية پژوهش هاي قرآن وحديث، العدد 2: 291 ـ 294، خريف وشتاء عام 1394هـ.ش.
([77]) انظر: رجال الطوسي: 336؛ رجال النجاشي: 158؛ رجال العلاّمة الحلّي: 68.
([78]) انظر: رجال الطوسي: 304.
([79]) إن وكالته عن الإمام ليست دليلاً على وثاقته؛ فإن الوكالة في الأمور الخاصّة، مثل: الخادم والقيّم على الأموال، دليلٌ على الأمانة، دون الوثاقة والعدالة. (انظر: السبحاني، كليات في علم الرجال: 345؛ مسلم الداوري، أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق: 486، 1416هـ).
([80]) انظر: رجال العلاّمة الحلّي: 68.
([81]) انظر: ابن الغضائري، الرجال: 87، 1422هـ؛ رجال النجاشي: 417.
([82]) انظر: حسين الحسيني الحلّي، زبدة الأقوال في خلاصة الرجال: 375، 1428هـ؛ محمد تقي التستري، قاموس الرجال 10: 164.
([83]) انظر: التستري، قاموس الرجال 10: 164؛ حسين الساعدي، المعلّى بن خنيس: شهادته وموثقاته ومسنده: 53 ـ 69، دار الحديث، ط2، قم، 1428هـ؛ رحيمة شمشيري وآخرون، تحليل گزارشهاي متعارض مدح وذم معلّى بن خنيس وأرزيابي علل ضعف أو (تحليل التقارير المتعارضة في مدح وذم المعلى بن خنيس وتقييم أسباب ضعفه)، فصلية علوم حديث، العدد 79: 71 ـ 73، 92، ربيع عام 1395هـ.ش.
([84]) انظر: ابن الغضائري، الرجال: 87.
([85]) انظر: النوري الطبرسي، خاتمة المستدرك 5: 316.
([86]) انظر: مسلم الداوري، أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق: 597.
([87]) انظر: اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي): 675 ـ 679؛ رجال العلاّمة الحلّي: 259.
([88]) انظر: اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي): 456، 460، 709، 712.
([89]) وهاتان الروايتان الصحيحتان تحكيان عن عقيدة المعلى بنبوّة الأئمّة (انظر: رجال الكشّي: 515)، وحليّة ذبائح أهل الكتاب (انظر: رجال الكشّي: 517). والروايتان الضعيفتان المرويتان من قِبَل الغلاة هما في مورد إفشاء أسرار الإمام الصادق× من قِبَل المُعلّى بن خنيس، الأمر الذي أدّى إلى قتله. (انظر: رجال الكشّي: 676 ـ 678).
([90]) انظر: النوري الطبرسي، المستدرك 5: 319؛ مسلم الداوري، أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق: 596؛ رحيمة شمشيري وآخرون، تحليل گزارشهاي متعارض مدح وذم معلّى بن خنيس وأرزيابي علل ضعف أو (تحليل التقارير المتعارضة في مدح وذم المعلى بن خنيس وتقييم أسباب ضعفه)، فصلية علوم حديث، العدد 79: 79، ربيع عام 1395هـ.ش.
([91]) انظر: رحيمة شمشيري وآخرون، تحليل گزارشهاي متعارض مدح وذمّ معلّى بن خنيس وأرزيابي علل ضعف أو، فصليّة علوم حديث، العدد 79: 79، ربيع عام 1395هـ.ش.
([92]) انظر: رسالة الذبائح للشيخ المفيد، والمسائل الطرابلسيات للسيد المرتضى، وخاتمة المستدرك للنوري الطبرسي 5: 298. وانظر أيضاً: مسلم الداوري، أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق: 596 ـ 597.
([93]) انظر: اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي): 675 ـ 679.
([94]) انظر: الخوئي، معجم رجال الحديث 18: 246 ـ 247؛ حسين الساعدي، المعلّى بن خنيس: شهادته وموثقاته ومسنده: 98، 214، 1428هـ؛ سيد محمد جواد شبيري، القرص المدمج دراية النور، مركز تحقيقات كامبيوتري علوم إسلامي، 1385هـ.ش. يمكن العثور عليه في الموقع:
/http://www.noorsoft.org
([95]) انظر: رضا الهمداني، الفوائد الرضوية على الفوائد المرتضوية 2: 125؛ محمد حسين الإصفهاني، نهاية الدراية في شرح الكفاية 3: 366، 1374هـ؛ الشهيد الصدر، بحوث في علم الأصول 5: 699؛ الإمام الخميني، التعادل والتراجيح: 198 ـ 199، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، ط1، طهران، 1375هـ.ش؛ السيد محمد الروحاني، منتقى الأصول 7: 415.
([96]) الکليني، الكافي 1: 64، ح 2.
([97]) انظر: رجال النجاشي: 378؛ رجال العلاّمة الحلّي: 271 ـ 272.
([98]) لقد ذهب المولى علي كني في «توضيح المقال» إلى القول بأن هذه العبارة قد تعرّضت للتصحيف: إن عليّ بن الحسن مشتركٌ بين الثقات والضعاف، وليست طبقة أيّ منهم في مشايخ الكليني. وإن علي بن الحسين السعدآبادي هو الصحيح، حيث قال الشيخ الطوسي: إنه من مشايخ الكليني. (انظر: رجال الطوسي: 433؛ علي كني، توضيح المقال في علم الرجال: 115، دار الحديث، ط1، قم، 1421هـ). وانظر أيضاً: رجال العلاّمة الحلّي: 271 ـ 272.
([99]) انظر: رجال الطوسي: 373 ـ 383.
([100]) انظر: الطوسي، فهرست كتب الشيعة وأصولهم: 51 ـ 52؛ رجال النجاشي: 76؛ رجال العلاّمة الحلّي: 14 ـ 15؛ ابن الغضائري، الرجال: 39.
([101]) انظر: رجال النجاشي: 20؛ رجال العلاّمة الحلّي: 5؛ الطوسي، فهرست كتب الشيعة وأصولهم: 18.
([102]) انظر: اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي): 507.
([103]) انظر: رجال النجاشي: 323 ـ 324.
([104]) انظر: بسّام مرتضى، زبدة المقال من معجم الرجال 2: 396.
([105]) انظر: العلاّمة المجلسي، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول 1: 215؛ الخوئي، مصباح الأصول 2: 417.
([106]) الخوئي، مصباح الأصول 2: 417.
([107]) انظر: الطباطبائي القمّي، آراؤنا في أصول الفقه 3: 277؛ الطباطبائي القمّي، الأنوار البهية في القواعد الفقهية: 136.
([108]) انظر: علي المروّجي القزويني، تمهيد الوسائل في شرح الرسائل 12: 121.
([109]) انظر: ناصر مكارم الشيرازي، أنوار الأصول 3: 496، مدرسة الإمام عليّ بن أبي طالب، ط2، قم، 1428هـ.
([110]) انظر: محمد المؤمن القمّي، تسديد الأصول 2: 467، مكتب النشر الإسلامي، ط1، قم، 1419هـ.
([111]) الحُرّ العاملي، الفصول المهمة في أصول الأئمّة 1: 541، 1418هـ؛ الأنصاري، مطارح الأنظار 4: 626.
([112]) انظر: محمد مهدي شب زنده دار، درس خارج الأصول، بتاريخ: 28 / 7 / 1392هـ.ش، و29 / 7 / 1392هـ.ش. يمكن الوصول إلى هذه الدروس عبر الرابط أدناه:
http://mfeb.ir/pajoo/oldtaghmenu/tagh9293/88-shbzndo.html
([113]) انظر: علي المروّجي القزويني، تمهيد الوسائل في شرح الرسائل 12: 123 ـ 124.
([114]) السيد محمد الروحاني، منتقى الأصول 7: 414.
([115]) انظر: محمد مهدي شب زنده دار، درس خارج الأصول، بتاريخ: 23 / 7 / 1392هـ.ش.
([116]) انظر: محمد محسن الفيض الكاشاني، الأصول الأصلية: 90، سازمان چاپ دانشگاه، ط1، طهران، 1349هـ.ش.
([117]) الکليني، الكافي 1، 65، ح 3.
([118]) انظر: رجال النجاشي: 235؛ رجال العلاّمة الحلّي: 114.
([119]) انظر: رجال النجاشي: 301؛ رجال العلاّمة الحلّي: 125.
([120]) انظر: عبد الله المامقاني، تنقيح المقال في علم الرجال 2: 113.
([121]) انظر: رجال النجاشي: 413؛ رجال العلاّمة الحلّي: 167.
([122]) انظر: السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقى 6: 199.
([123]) انظر: رضا الهمداني، الفوائد الرضوية على الفوائد المرتضوية 2: 125؛ محمد جواد مغنية، علم أصول الفقه في ثوبه الجديد، دار العلم للملايين، ط1، بيروت: 442، 1975م؛ الخوئي، مصباح الأصول 2: 417 ـ 418.
([124]) انظر: الخوئي، مصباح الأصول 2: 39؛ الشهيد الصدر، بحوث في علم الأصول 7: 363.
([125]) انظر: محمد محسن الفيض الكاشاني، الأصول الأصلية: 89.
([126]) إن جميع الروايات الخمسة في الأحدثية مأثورةٌ عن الإمام الصادق×، في حين أن بعض روايات التخيير، من قبيل: رواية عليّ بن مهزيار عن الإمام الكاظم، وتوقيع الإمام الحجّة#، ورواية الحسن بن الجهم عن الإمام الرضا×، وكذلك روايات الترجيح، من قبيل: رواية الحسن بن الجهم عن الإمام الكاظم×، ورواية محمد بن عبد الله عن الإمام الرضا×، أحدث من روايات الأحدثية.
([127]) انظر: الصدر، بحوث في علم الأصول 7: 363.
([128]) انظر: الصدر، بحوث في علم الأصول 7: 364 ـ 365.
([129]) انظر: علي الموسوي القزويني، تعليقة على معالم الأصول 7: 645، مكتب النشر الإسلامي، ط1، قم، 1427هـ.
([130]) انظر: علي الموسوي القزويني، تعليقة على معالم الأصول 7: 645 ـ 647.
([131]) انظر: الأنصاري، مطارح الأنظار 4: 626.
([132]) انظر: محمد المؤمن القمي، تسديد الأصول 2: 465؛ محمد بن إسماعيل المازندراني الحائري، منتهى المقال في أحوال الرجال 2: 405 ـ 406.
([133]) انظر: الهمداني، حاشية الرسائل 2: 125.
([134]) انظر: الصدر، بحوث في علم الأصول 7: 366 ـ 377.
([135]) انظر: انظر: السيد محمد كاظم اليزدي، التعارض: 392، مدين، ط1، قم، 1426هـ. ذهب أكثر الأصوليين إلى القول بأن الروايات ظاهرةٌ في هذا الاحتمال. (انظر: الأنصاري، مطارح الأنظار 4: 626؛ السيد محمد كاظم اليزدي، التعارض: 392، 1426هـ؛ الخوئي، مصباح الأصول 2: 417؛ الصدر، بحوث في علم الأصول 7: 365؛ علي الموسوي القزويني، تعليقة على معالم الأصول 7: 645 ـ 647).
([136]) بقرينة رواية محمد بن مسلم ومنصور بن حازم.
([137]) انظر: السيد محمد باقر اليزدي، وسيلة الوسائل في شرح الرسائل: 402 ـ 403.
([138]) انظر: الأنصاري، مطارح الأنظار 4: 626.
([139]) ولكن بالالتفات إلى القسم السندي من هذه المقالة لا شَكَّ في كون محمد بن مسلم ومنصور بن حازم من الفقهاء، وهناك احتمالٌ قويّ في أن يكون المُعلّى بن خنيس من الفقهاء أيضاً، حيث كانوا مخاطَبين للإمام×.
([140]) انظر: الإمام الخميني، التعادل والتراجيح: 199.
([141]) انظر: السيد محمد باقر اليزدي، وسيلة الوسائل في شرح الرسائل: 402 ـ 403؛ السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقى 6: 200 ـ 201؛ الشيخ الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 203، 1413هـ؛ الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 27: 109، 1409هـ.
([142]) انظر: المازندراني الحائري، منتهى المقال في أحوال الرجال 2: 404، 1382هـ.
([143]) الشيخ الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 203؛ الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 27: 109؛ محمد محسن الفيض الكاشاني، الأصول الأصلية: 89 ؛ السيد مصطفى المحقّق الداماد، مباحثي أز أصول فقه (بحوث في علم الأصول) 3: 161 ـ 162، مركز نشر علوم إسلامي، ط1، طهران، 1362هـ.ش.
([144]) انظر: الأنصاري، مطارح الأنظار 4: 626.
([145]) انظر: الصدر، بحوث في علم الأصول 7: 366 ـ 367.
([146]) انظر: الفيض الكاشاني، الأصول الأصلية: 89.
([147]) انظر: السيد مصطفى المحقِّق الداماد، مباحثي أز أصول فقه (بحوث في علم الأصول) 3: 161 ـ 162.