السيد أكبر سيدي نيا(*)
د. علي معصومي نيا(**)
ترجمة: وسيم حيدر
مقدّمةٌ
يستحيل الفصل بين المجازفة وعدم الثقة في النشاطات الاقتصادية؛ فإن بعض البضائع، من قبيل: البضائع والمنتوجات الزراعية، وفئة من المواد الخامّ، مثل: النفط، ليس لها قِيَمٌ ثابتةٌ ومستقرّة، ويعود السبب في ذلك إلى العوامل المؤثِّرة على العرض والطلب. وقد أبدع المتخصِّصون في مجال الأمور الماليّة أدوات وآليات جديدة؛ بغية حلّ هذه المشكلة، وإيجاد الثقة والاطمئنان لدى الناشطين في مجال الاقتصاد. وهي آليّاتٌ آخذةٌ بالتنوُّع يوماً بعد يومٍ. ومن بين هذه الإبداعات «العناصر المالية المشتقّة»([1])، والتي تنطوي ـ بالإضافة إلى تجاوز مجازفة عدم ثبات القيمة واستقرارها ـ على آثار ونتائج إيجابيّة أخرى، من قبيل: رفع حجم المعاملات، وزيادة درجات النَّقْد، وخفض مستوى الخطر، ورفع مستوى الجدوائية، الأمر الذي يؤدّي بدَوْره إلى زيادة جاذبيّة سوق المشتقّات([2]).
إن للمشتقات أربعة أقسام رئيسة، وهي: العقود المقبلة الخاصة([3])، والعقود المقبلة المتّحدة([4])، وعقود اختيار المعاملة([5])، والعقود التعويضية([6]). وإن القيمة في جميع هذه العقود تتغيَّر تَبَعاً لتغيُّر قيمة الممتلكات الأساسية.
يُعَدّ حقّ اختيار المعاملة واحداً من الآليّات والأدوات المشتقّة، ويحظى بأهمِّية قصوى، وتتمّ الاستفادة منه وتوظيفه على نطاقٍ واسع. ومن خلال إبداع العقود الآجلة ـ الأعمّ من العقود الآجلة الخاصّة أو العقود الآجلة المعيارية ـ تمَّتْ تلبية الكثير من احتياجات العاملين والناشطين في المجال الاقتصادي. ولكنْ مع ذلك لا تزال هناك الكثير من الاحتياجات، ومن ذلك أن العقود الآجلة ـ على سبيل المثال ـ وإنْ كان بمقدورها تغطية التأرجح غير الحميد للقيمة، إلاّ أنها لم تكن تنطوي على مرونةٍ كبيرة. ولهذا السبب فإن الذين كانوا ينضمّون إلى السوق الآجلة لتغطية المجازفة، وإنْ كانوا يتمتَّعون بالحصانة من الأضرار الناشئة من التأرجحات غير المحمودة في القيمة إلى حدٍّ كبير، ولكنهم لم يكونوا يستفيدون من المنافع الممكنة إلاّ لماماً. إن المعاملات التي يتمّ العمل بها في عقد اختيار المعاملة تؤدّي إلى اتِّساعٍ كبير في المساحة، وإلى تنوُّعٍ في الأدوات والوسائل الماليّة([7]).
وحيث إن العقود في المجتمعات الإسلامية يجب أن تقوم ويتمّ تنظيمها وتطبيقها على أساس الأحكام الشرعية، وإن عقد اختيار المعاملة بشكله الراهن يُعَدّ من العقود الجديدة والمستَحْدَثة، فمن اللازم أن يتمّ وضعه على كفّة ميزان الفقه الإسلامي، وأن يتمّ التحقيق فيه من هذه الناحية.
لقد عمدنا في هذه المقالة، وفي إطار هذه الغاية، بعد اجتياز الأدبيّات السابقة، إلى بحث حقّ اختيار المعاملة على مرحلتين: في المرحلة الأولى سعَيْنا إلى بحث عقد اختيار المعاملة بشكلها الرائج من الزاوية الفقهية برؤيةٍ دقيقة، ثمّ صرنا في المرحلة اللاحقة إلى بيان الحلول والطرق البديلة.
ومن الجدير ذكره أن هذه المقالة لا تهدف إلى بحث آحاد الآليّات والطرق الفقهية حول عقد اختيار المعاملة بالتفصيل، وإنما يتمّ التأكيد فيها على خصوص الموارد التي تنطوي على ثمرةٍ علمية، ويكون هناك احتمالٌ وإمكانٌ لتصحيحها.
وتعمل هذه المقالة وفق المنهج والأسلوب التحليلي والتوصيفي والمكتبي ـ بعد تعريف حقّ الاختيار، وبيان خصائصه، وأقسامه، وأركانه، وماهيّته الفقهية والحقوقية، وتحليل النظريات المطروحة في هذا الشأن ـ على تقديم ثلاثة حلول جديدة.
الجذور التاريخيّة للبحث
في ما يتعلَّق بالأبعاد الفقهية لعقد اختيار المعاملة هناك تحقيقاتٌ وأبحاثٌ مستقلّة، أو مُدْرَجَةٌ ضمن الأدوات المشتقّة الأخرى.
لقد تعرّض الشيخ محمد المؤمن القمّي(1417هـ)، في كتابه (كلمات سديدة في مسائل جديدة)، إلى بحث موضوع وبيان الحكم الفقهي لعقد اختيار الشراء واختيار البيع، تحت عنوان «عقود الاختيارات»، وقام بتصحيحها من باب بيع الحقّ([8])، وذهب إلى الاعتقاد بأن المثمن في البيع يمكن أن يكون حقّاً، ويتمّ نقل هذا الحقّ بالبيع؛ ومن هنا يكون شراء وبيع حقّ اختيار المعاملة صحيحاً ونافذاً([9]).
كما أنه، في مقالةٍ له بعنوان: (عقد اختيار)، ضمن بحث الماهيّة الفقهية لعقد الاختيار، قد توصَّل إلى هذه النتيجة، وهي أن بيع هذا الحقّ والحصول على العوض بإزائه معاملةٌ عقلائية تندرج تحت عموم أدلّة البيع والعقود، ويحكم لذلك بصحتها؛ وعلى هذا الأساس يكون هذا النوع من العقود صحيحاً بحَسَب الظاهر([10]).
بَيْدَ أن الشيخ وهبة الزحيلي(1423هـ) لا يرى عقد الاختيار بيعاً؛ إذ لا يحتوي على شرائط البيع. يرى سماحته أن الحقوق المتعلِّقة بالشيء المادّي ـ من قبيل: حقّ التأليف والإبداع ـ وإنْ كانت قابلةً للبيع، إلاّ أن حقّ الشفعة وحقّ اختيار المعاملة حقّ بَحْت، وليس له قابليّة أن يصبح مثمناً. وثمن البيع يجب أن يكون معلوماً، وأما في عقد اختيار المعاملة فالثمن يتعيَّن على أساس الأسباب والعوامل غير الشرعيّة. وعلى هذا الأساس فإن عقد اختيار المعاملة لا يحتوي على شرائط البيع، ولا يقع تحت العقود الشرعية الأخرى أيضاً. وبطبيعة الحال فهو مواعدةٌ بين طرفين على مبادلة حقٍّ مَحْض بينهما، ولا يكون المبلغ المدفوع إلزاميّاً؛ وإنما يتمّ دفعه على سبيل التبرُّع في مقابل الحقّ([11]).
وقد ذهب الشيخ محمد مختار السلامي(2002م) إلى اعتبار عقود الاختيارات أقرب شيءٍ إلى القمار، وحكم ببطلانها؛ لأن أضرارها وأرباحها ترتبط بتغيير القيمة في السوق([12]).
وقد تعرَّض كلٌّ من: فطانت؛ وآغاپور، في كتاب (أوراق اختيار معامله در بازار سرمايه إيران)، إلى بحث عقد اختيار المعاملة من الناحية الفقهية بالتفصيل([13]).
وقد تعرّّض عصمت باشا، في مقالةٍ له بعنوان: (فلسفه وسير تكاملي أبزارهاي مالي مشتقه وديدگاه هاي فقهي) ـ ضمن بيان المسار التكاملي لعقد اختيار المعاملة ـ، إلى بيان رأي بعض علماء أهل السنّة. وتقول هذه المجموعة ببطلان هذا العقد([14]).
وقال رضائي، في مقالةٍ له بعنوان: (بررسي فقهي أبزارهاي مالي مشتقه)، بأن عقد اختيار المعاملة يخلو من الإشكال الشرعي([15]).
وقد تعرَّض، في مقالةٍ أخرى له بعنوان: (اوراق اختيار معامله در منظر فقه إماميه) [أوراق اختيار العقد في فقه الإمامية]، إلى بحث عقد اختيار المعاملة من الناحية الفقهية، وأجاب عن موانعه الشرعية. وقد بحث تصحيحه من طريق بيع العربون والتأمين. وفي نهاية المطاف؛ وبالنظر إلى آراء فقهاء الإمامية، من أمثال: الإمام الخميني، ارتضى صحّة بيع اختيار المعاملة. ولكنّه بطبيعة الحال قال بأن تصحيح عقد اختيار المعاملة يضع موانع أمام اختيار معاملة العقد الآجل([16]).
وقد توصَّل شيري زاده، في أطروحته بعنوان: (قراردادهاي اختيار معامله سهام ومقايسه آن با قواعد عمومي قراردادها در حقوق إيران وفقه إسلامي) ـ ضمن بحث ماهية عقد اختيار معامة الأسهم ـ، إلى نتيجةٍ مفادها: على الرغم من تشابه هذه العقود الكبير مع وعد العقد، وبيع العربون، والتأمين، ولا سيَّما عقد البيع، فإنه لا يمكن مشاهدة تطابقٍ تامٍّ بين هذه المجموعة من العقود وبين عقود اختيار معاملة الأسهم. وعلى هذا الأساس، يجب اعتبار عقد اختيار معاملة الأسهم عقداً خاصّاً، وأنه ـ بالإضافة إلى مشابهته للعقود المشروعة والقانونية المعروفة ـ يتطابق مع القواعد والأصول الفقهية والموازين الحقوقية أيضاً([17]).
وقد تعرَّض كلٌّ من: رفيعي؛ وعبد الصمدي ـ في مقالةٍ لهما بعنوان: (بررسي حقوقي أوراق اختيار معامله در بازار بورس أوراق بهادار) ـ إلى بحث عقد اختيار المعاملة حقوقياً. وضمن دراسة أقوال بعض الفقهاء والحقوقيين توصَّلوا إلى نتيجة مفادها: إنه لا شيء من هذه الآراء وقع مورداً للقبول. وتمّ تقديم رأيٍ مختلف في هذا الشأن. ونتيجةً لذلك تمّ اعتبار تطبيق هذه المنظومة من وجهة نظر الحقوق الإيرانية في سوق بورصة الأوراق المالية معاملةً مشروعة([18]).
وقد بحث معصومي نيا، في كتابه (أبزارهاي مشتقه بررسي فقهي اقتصادي)، عقدَ اختيار المعاملة ضمن الأدوات المشتقّة الأخرى. وقد ذكر الطرق الفقهية والوكالة، والتأمين، والهبة المعوَّضة، والبيع، واعتبر عقد اختيار المعاملة حقّاً صحيحاً من طريق البيع([19]).
وقد ذهب حسين زاده وشيروي، في مقالةٍ لهما بعنوان (وضعيت فقهي وحقوقي قرارداد اختيار معامله)، إلى اعتبار عقد اختيار المعاملة حقّاً ماليّاً، يمكن للشخص أن يتنازل عنه لآخر ـ على أساس أصل «حرّية الإرادة» ـ مقابل الحصول على ثمنٍ([20]).
وقد بحث خادمي عقد الاختيار في إطار البيع ـ في مقالةٍ له بعنوان (بررسي فقهي اختيار «Option») ـ. وفي ضوء بحث أدلّة بطلانه وصحّته توصّل إلى نتيجةٍ مفادها: إن عقد معاملة الاختيار في إطار البيع لا يمكن أن يكون صحيحاً، ولكنّ هذا لا يعني عدم صحّة أيّ نوعٍ من المعاوضة والنقل والانتقال في عقد اختيار المعاملة، بل يمكن تنظيم عقد معاملة الاختيار في إطار العقود الشرعيّة أو العقلائيّة الأخرى([21]).
وقد بحثَتْ اللجنة التخصُّصية الفقهية لمؤسّسة البورصة والأوراق المالية، في اجتماعها بتاريخ: 1 / 8 / 1387هـ.ش، و29 / 8 / 1387هـ.ش، حول شرعية عقد اختيار المعاملة، وتمّ طرح الموضوع على النحو التالي: استناداً إلى بحث أبعاد المواضيع الاقتصادية لعقد اختيار المعاملة يجب أخذ الموارد التالية ـ عند بحث شرعيّة هذه العقود ـ بنظر الاعتبار:
1ـ في عقد اختيار المعاملة، ما لم ينعقد العقد لا يكون لعقد اختيار المعاملة قيمةٌ ماليّة، فكيف يكون له قيمةٌ ماليّة بانعقاد العقد؟
2ـ ما هو الشيء الذي تكون القيمة بإزائه في عقد اختيار المعاملة؟ وما هو الشيء الذي ينتقل إلى المشتري؟
3ـ ما هي ماهية عقد اختيار المعاملة؟ فهل هو بيعٌ أم تأمين أم عربون أم عقدٌ مستقلّ؟
4ـ هل الحكم الشرعي لعقد اختيار المعاملة واحدٌ بالنسبة إلى أنواع الشركاء في السوق (الذين يعملون على تغطية المجازفة والمستثمرين الماليين)؟
وقد توصَّلت اللجنة ـ بعد دراسة مختلف الآراء الفقهية ـ إلى النتائج التالية:
1ـ على الرغم من أن الخيارات المتنوّعة في الشراء أو البيع هي حقٌّ طبيعي لكلّ فردٍ، فهي من سنخ الحكم الشرعيّ، وليس لها قيمة مالية، ولكنْ ما أن يتعهّد شخصٌ بواحدٍ من تلك الخيارات فإن ذلك الخيار يكتسب عند العقلاء قيمةً مالية، ويكون قابلاً للمعاملة.
2ـ إن عقود اختيار المعاملة (اختيار الشراء واختيار البيع) من سنخ العهود؛ ببيان أن بائع الاختيار يتعهَّد للمشتري ـ إذا طالبه بذلك ـ أن يشتري أو يبيع بضاعةً أو سهماً معيّناً بقيمةٍ معيّنة، ويأخذ من المشتري مبلغاً بإزاء هذا التعهُّد، حيث يطلق على ذلك المبلغ عنوان قيمة اختيار المعاملة. وبعبارةٍ أخرى: إن الذي يشتري الاختيار يعمد ـ من خلال دفع مبلغٍ ـ إلى شراء تعهُّد شخصٍ آخر؛ من أجل القيام بعملٍ حقوقيّ يتمثَّل في الشراء أو البيع.
3ـ بالنظر إلى ماهية عقد اختيار المعاملة ـ الذي هو عقدٌ مستقلّ وجديد ـ، لو تمَّتْ رعاية الضوابط العامّة للعقود ـ من قبيل: عدم أكل المال بالباطل، وعدم الضَّرَر، وعدم الغَرَر، وعدم الرِّبا ـ يمكن أن يكون عقداً صحيحاً، وحيث تتمّ مراعاة هذه الضوابط في عقود اختيار المعاملة (اختيار الشراء واختيار البيع) سوف تكون هذه المعاملات محكومةً بالصحّة.
4ـ بعد تعهُّد البائع وقبض الثمن يكتسب المشتري حقّ اختيار الشراء أو البيع، ويمكن للمشتري ـ عندما يحين الأجل ـ أن يُمارس هذا الحقّ، أو يتخلّى عنه. كما يمكن له قبل أن يحين الأجل أن يبيع هذا الحقّ لشخصٍ آخر. ونتيجةً لذلك فإن المعاملات اللاحقة لاختيار عقد المعاملة سوف تكون من سنخ شراء وبيع الحقّ.
5ـ عند تنظيم بنود العقد والإرشادات التنفيذية يجب التدقيق فيها؛ كي يتمّ تجنُّب المعاملات الصورية والاعتباطية التي تؤدّي إلى بطلان العقد والاختلال الاقتصادي([22]).
من خلال دراسة التحقيقات والأبحاث المعمولة يمكن أن نستنتج ضرورة القيام بالمزيد من الأبحاث والتحقيقات الجادّة في هذا الشأن. وإن المقالة الراهنة تمثِّل بدَوْرها خطوةً في هذا الاتجاه. وتشتمل هذه المقالة بالنظر إلى التحقيقات الأخرى على المزايا والخصائص التالية:
1ـ لقد تمّ تقييم موضوع المقالة بأساليب أصولية وفقهية واجتهادية فنّية.
2ـ في هذه المقالة تمّ فصل طرق تصحيح عقد اختيار المعاملة بالشكل السائد وتفكيكها عن الطرق البديلة، وتمّ نَقْد ومناقشة كلّ واحدٍ منها على أساس من منطقها.
3ـ حصل تتبُّعٌ كامل لعقد اختيار المعاملة، والنظر إلى الوجوه الفقهية المتنوِّعة للموضوع.
عقد اختيار المعاملة، تعريفٌ وتوضيح
إن عقد اختيار المعاملة هو عقدٌ يتمكَّن المشتري للاختيار ـ في ضوئه ـ، من خلال دفع مبلغٍ لبائع الاختيار، من الحصول على حقّ شراء أو بيع بضاعةٍ معيَّنة في المستقبل بقيمةٍ محدَّدة، دون أن يتعهَّد بمثل هذا الشراء أو البيع([23]).
في عقد اختيار المعاملة يقف أحد الأطراف في مقام بائع الاختيار بإزاء مبلغٍ معيّن بوصفه قيمةً للاختيار يقبضه من الطرف الآخر؛ حيث يتعهَّد هذا الطرف الآخر في مقام المشتري للاختيار في حال مطالبته بأن يبيعه بضاعةً معيّنة بإزاء مبلغٍ معين في تاريخ محدَّد أو قبله. إن العقد المتقدِّم لا يُحْدِث للمشتري أيّ نوعٍ من أنواع التعهُّد؛ في حين يتعهَّد البائع بأنه إذا عقد المشتري العَزْم على الشراء والاستفادة من حقِّه أن يدفع له البضاعة الأساسية بالقيمة التي سبق أن اتَّفقا عليها، لا بالقيمة الحالية. ويكون ربح البائع هو ذلك المبلغ الذي حصل عليه من بيعه لحقّ الامتياز للمشتري، إلاّ أن ضَرَره وخسارته تكون رَهْناً بتقلُّبات الأوضاع والقيمة السوقية. وتاريخ الانتهاء([24]) هو الذي يحدِّد مدّة العقود الآنف ذكرها.
ومن ذلك، على سبيل المثال، أن شخصاً نوى أن يشتري داراً، فوجد داراً بأربعين مليون دينار؛ ولكنه؛ لبعض الأسباب، لم يتَّخذ قراراً نهائياً بهذا الشأن، ورأى أن ينتظر شهراً حتّى يحسم رأيه، ولكنّه في الوقت نفسه خشي أن تُباع الدار خلال هذه المدّة، ثمّ لا يحصل على دارٍ مثلها أو خيرٍ منها، فيتَّفق لذلك مع صاحب الدار على أن يعطيه مبلغاً قدره مئتا ألف دينار، ويمنح بموجب هذا الاتفاق «حقّ شراء الدار» لنفسه خلال هذه المدّة. وبذلك إذا لم يُقْدِم على شراء الدار خلال الشهر بأربعين مليون دينار تبقى المئتي ألف دينار ملكاً لصاحب الدار، وإذا عزم على شراء الدار وجب على البائع بيعها له بذات القيمة القديمة (40 مليون دينار)، لا أكثر. وبذلك فإن المشتري بواسطة دفع المئتي ألف دينار يحصِّن نفسه من ارتفاع الأسعار المحتملة، ويحصل بذلك على هذا الامتياز، وهو أن يبرم عقد الشراء عندما يتَّخذ قراراً بذلك. ويطلق على هذا المبلغ (مئتي ألف دينار) اسم (Premium) أو حقّ الاختيار، أو «قيمة اختيار المشتري» (Option Buyer, Option Holder, Option Taker, Long the Option) أو حقّ شرط اختيار المعاملة (Option Premium)؛ وقيمة الدار (الأربعون مليون دينار) ـ بوصفها قيمة الدار المتَّفق عليها ـ تُسمّى بالقيمة التوافقية (Exercise Price) أو القيمة المتَّفق عليها (Strive Price)، حيث تبقى ثابتةً للدار خلال هذا الشهر من الزمن، بوصفها حقّاً للمشتري([25]).
أركان عقد اختيار الشراء
1ـ الإيجاب والقبول
إن عقد اختيار الشراء ـ مثل سائر العقود الأخرى ـ يحتاج إلى إيجابٍ وقبولٍ. إن المراد من الإيجاب والقبول هي الألفاظ والعبارات التي يقوم الطرفان في العقد بالتلفُّظ بها من أجل إبرام عقد اختيار الشراء. وشرائط الإيجاب والقبول هي ذات الشرائط المذكورة في العقود الأخرى([26]).
2ـ طرفا العقد
في عقد اختيار الشراء يقف أحد الطرفين في موقف البائع للاختيار، ويقف الطرف الثاني في موقف المشتري للاختيار، ليشكِّلا بذلك طرفي العقد والمعاملة، ويقوم عامل البورصة في الوسط بين هذين الطرفين، في موقع العامل والوسيط. ويجب على طرفي العقد أن تتوفَّر فيهما الشرائط العامّة التي يجب توفُّرها في سائر العقود.
3ـ العوضان
في هذا العقد المذكور هناك ملكٌ معيّن يقع مورداً للمعاملة بإزاء مبلغٍ معيّن وفي تاريخٍ معيّن أو قبله، ويكون مورد المعاملة محدّداً بزمنٍ، والذي يتمّ شراؤه أو مبادلته هو حقّ اختيار المعاملة أو التعهُّد بالبيع أو الشراء فقط.
مجالات استعمال حقّ اختيار الشراء
إن لعقد اختيار الشراء والمعاملة استعمالاتٍ واسعةَ النطاق في الأسواق التجارية، ومن ذلك، على سبيل المثال، أن هذا العقد تمّ التعامل به في أسواق النفط العالمية منذ عام 1985م، وتزداد الاستفادة منه يوماً بعد يومٍ.
إن المعاملات التي يتمّ تداولها في أسواق اختيار المعاملة والشراء أدَّتْ إلى اتِّساعٍ كبير في مساحة المعاملات والأدوات المالية المتنوّعة. إن معظم الذين يتعاملون في العقود الآجلة هم الذين يعملون على تغطية المجازفة، وكذلك الذين يتعاملون بالكمبيالات. والغاية الأساس من هذه المعاملات هي نقل المجازفة من الطرف الأوّل (الهارب من الوقوع في الخَطَر) إلى الطرف الثاني وأصحاب الكمبيالات (الذين يتقبَّلون الوقوع في الخَطَر). كما أن هذين الطرفين موجودان في سوق اختيار المعاملة أيضاً([27]).
وفي بعض الموارد يمكن اللجوء إلى عقد اختيار المعاملة من أجل الحدّ من الضَّرَر المحتمل على كلا طرفي المعاملة. ومن ذلك، على سبيل المثال: في عقود السَّلَف، إذا كانت قيمة البضاعة ترتفع عند الأَجَل بشكلٍ كبير فسوف يتضرَّر البائع، وإذا انخفضَتْ بشكلٍ كبير يتضرَّر المشتري، ومن خلال إبرام عقد اختيار المعاملة يكون للبائع في معاملة السَّلَف ـ فيما لو ارتفعَتْ القيمة فوق سقفٍ محدَّد ـ اختيار شراء البضاعة من المشتري، ويكون للمشتري اختيار بيع البضاعة إلى البائع فيما لو انخفضَتْ القيمة دون حدٍّ معيّن. وعلى هذا الأساس يمكن لعقد اختيار المعاملة أن يكون في الكثير من الموارد سبباً في حدوث الاطمئنان بين العاملين في المجال التجاري والاقتصادي.
مزايا وتقسيمات عقد اختيار المعاملة
إن لعقد اختيار المعاملة مزايا خاصّةً أصبحَتْ سبباً في سرعة انتشاره وتداوله. ومن بين هذه المزايا: المرونة، وخلق الفرص المناسبة للمستثمرين، وعدم تجميد الثروة، وإدارة المجازفة، وإمكان تخمين القيمة، وزيادة جدوائية السوق، ونفقات التعاملات المنخفضة بالقياس إلى أسواق النَّقْد، والقدرة المالية والنَّقْدية العالية. إن لحقّ اختيار المعاملة أقساماً كثيرة، وهي، باختصارٍ([28]):
ـ اختيار الشراء (Call Option).
ـ اختيار البيع (Put Option)([29]).
ـ اختيار المعاملة الأوروبية (European Options).
ـ اختيار المعاملة الأمريكية (American Options).
ـ اختيار المعاملة القابلة للتعامل في «البورصات الرسمية» (Exchange).
ـ اختيار المعاملة التي تقبل التعامل في «ما وراء البورصة» (Market OTC: Over-the counter).
ـ اختيار المعاملة على الأسهم (Stock options).
ـ اختيار المعاملة على الشاخص (Index options).
ـ اختيار المعاملة على أوراق الاقتراض (Band options).
ـ اختيار المعاملة على العقود الآجلة (Futures options).
اختيار المعاملة والتسامح السائد في سوق الاستثمار
قبل الدخول في الأبحاث الخاصّة باكتشاف ماهية العقود، التي هي من قبيل: حقّ اختيار المعاملة، واستنباط حكمها الفقهي، يجب الالتفات هنا إلى مسألةٍ، وهي أنه في سوق البورصة يتمّ استعمال بعض المفردات والعبارات على سبيل التسامح، ومن ذلك، على سبيل المثال: بيع الأسهم في السوق الأوّلية بمعنى المشاركة؛ وبيع أوراق الاقتراض في السوق الأولية بمعنى الإقراض؛ وأما في السوق الثانوية فيعني الشراء والبيع. وعلى هذا الأساس، يجب بحث حقيقة الأمر؛ بغية إيضاح حقيقة العقد.
إن الأسلوب العملي لعقد اختيار المعاملة يكون على الشكل التالي: أن يقصد طالب عقد اختيار المعاملة إلى الطرف الآخر، ويأخذ منه مئة ورقة مكتوب عليها: «حقّ اختيار شراء ألف كيلو من صفائح الحديد في مدّة ثلاثة أشهر» بإزاء مبلغ معيَّن. ومدّة العقد والقيمة وتاريخ النقل والتحويل يتمّ التوافق عليه وتحديده من قِبَل الطرفين. وعلى هذه الشاكلة تكون ماهية وحقيقة العقد من جهة البائع هي التعهُّد، ومن جهة المشتري هي الحقّ. ويقوم الوسيط بإعطاء هذا الحقّ إلى المشتري، حتى إذا أراد المشتري كان ملزماً بتحويل موضوع العقد. وفي البورصة يُطْلَق على العقد المذكور وجميع الأوراق الأخرى كلمة البيع؛ في حين قد نعتقد بأن العقد المذكور لم يكن بيعاً، وله ماهيّة فقهية وحقوقية أخرى. والنقطة الهامّة هي أن حقيقة المعاملات لا تختلف باختلاف الألفاظ، ومن هذه الناحية في ما يتعلَّق بعقد اختيار المعاملة إذا كانت حقيقة المعاملة ـ على سبيل المثال ـ وكالةً، ولم يثبت لزومها، لا يمكن إطلاق عنوانٍ آخر عليها، والحكم ببطلانها، وعلى هذا الأساس لا تتغيَّر ماهية المعاملة من خلال تبديل الاسم. وبطبيعة الحال قد نلجأ في بعض الأحيان؛ من أجل تلبية حاجةٍ في سوق الاستثمار والثروة ـ عند عدم إمكان التصحيح الشرعي لمعاملةٍ شائعة ـ، إلى أن نأتي بعقدٍ مشابه لا ينطوي على ذلك الإشكال. إن هذا الأمر ممكنٌ من خلال وضعه في إطار العقود الصحيحة، ورعاية القيود والضوابط. ومن ناحيةٍ أخرى إن الحقوقيين الغربيين أنفسهم يختلفون فيما بينهم في تحديد الماهية الحقوقية لعقد اختيار المعاملة؛ لأن بحث ماهية العقد كان بعد إبداعه بواسطة المتخصِّصين في الشؤون المالية([30]).
الماهيّة الفقهيّة والحقوقيّة لعقد اختيار المعاملة
يقتضي المسار المنطقي قبل كلّ شيء أن نبحث الماهية الفقهية والحقوقية لعقد اختيار المعاملة السائدة في سوق الاستثمار. فلو تمّ تشخيص واحدٍ من الاحتمالات ـ في الحدّ الأدنى ـ كاحتمالٍ فاقدٍ للإشكال فسوف تُحَلّ المسألة، ويمكن الحكم على أساس ذلك بجواز ما هو سائدٌ وشائعٌ في أسواق المعاملات؛ وفي غير هذه الصورة يجب البحث عن حلٍّ بديل. لو واجَهَت الطرق المقترحة إشكالاً كان اللازم الطبيعيّ لذلك هو الحكم بعدم مشروعية عقد اختيار المعاملة، إلى حين العثور على طريق مشروع بالنسبة إليها. وعلى هذا الأساس يتمّ طرح المطالب في قسمين، وهما:
القسم الأوّل: الطرق الصحيحة لعقد اختيار المعاملة الشائعة.
القسم الثاني: طرق الحلّ البديلة لعقد اختيار المعاملة الشائعة.
القسم الأوّل: الطرق الصحيحة لعقد اختيار المعاملة الشائعة
1ـ بيع الحقّ
إن إحدى طرق تصحيح عقد اختيار المعاملة الشائعة في سوق الاستثمار هي بيع الحقّ؛ بتقرير أن مشتري اختيار المعاملة يعمل ـ بإزاء دفع مبلغ من المال، تحت عنوان: «قيمة الاختيار» ـ على شراء حقّ القيام بالبيع في الأَجَل المحدَّد من بائع الاختيار. ومن الضروري أن يتمّ التحقيق على مرحلتين:
1ـ في البداية يجب بحث أقوال الفقهاء، ومفاد الأدلّة، بشأن بيع الحقّ.
2ـ في المرحلة اللاحقة علينا أن نتحقَّق من إمكان أن يكون عقد اختيار المعاملة من مصاديق بيع الحقّ أم لا؟
بيع الحقّ، بين الجواز والعدم
إن من بين الأبحاث الهامّة المطروحة بين الفقهاء: هل من اللازم أن يكون المبيع من الأعيان؛ أو إذا لم يكن عيناً ـ كما لو كان، على سبيل المثال، حقّاً من الحقوق أو منفعةً في إطار بيع المبادلة ـ كان صحيحاً أيضاً؟
وينقسم الفقهاء في هذا الشأن إلى قسمين:
القسم الأوّل: هناك الكثير من الفقهاء لا يرَوْن انتقال الحقّ والمنفعة في إطار بيع المعاملة صحيحاً، وهم يقولون: إن هذا الأمر يجب أن يتمّ في إطارٍ آخر، من قبيل: الإجارة. ومن هؤلاء: الشيخ الأنصاري&([31])، وصاحب الجواهر&([32])، والمحقِّق النراقي&([33])، والسيد الخوئي&([34]).
قال صاحب الجواهر: «ثمّ لاخلاف ولا إشكال في اعتبار كون المبيع عَيْناً، ولذك اشتهر بينهم أنه لنقل الأعيان، كاشتهار أن الإجارة لنقل المنافع»([35]). وإن الدليل الأهمّ لهؤلاء فيما ذهبوا إليه هو التبادر العُرْفي، وصحّة السَّلْب عن تمليك المنفعة.
وبدَوْره قال السيد الخوئي&: «الظاهر أنه لا رَيْبَ في اشتراط كونه [أي مفهوم البيع عند العُرْف] من الأعيان؛ بداهة اختصاص مفهوم البيع عند أهل العُرْف بتمليك الأعيان، فلا يعمّ تمليك المنافع. وإذن تختصّ الأدلة الواردة في إمضاء البيع بنقل الأعيان، وتبعد عن تمليك المنافع رأساً». كما أشار سماحته إلى التبادر وصحّة السلب، التي هي من علامات الحقيقة، واستنتج من ذلك أن استعمال البيع في تمليك العين حقيقيّ، وفي سواه مجازيّ([36]).
وفي المقابل ذهب بعض الفقهاء الآخرين إلى جواز بيع الحقّ؛ إذ إن الغرض الأصلي هنا ـ في نظر هؤلاء الفقهاء ـ هو تحقيق المفهوم العُرْفي للبيع، سواء أكان شرعياً أم لا، وليس ما كان مؤثِّراً شرعاً، وإلاّ لزم أن نقيِّد الموضوع بكلّ شيء يكون مؤثِّراً في اعتبار مشروعيته.
وعلى هذا الأساس، لا يصحّ التمسّك بالإجماع، وبعبارةٍ أخرى: ليس هذا هو موضع التمسُّك بالإجماع، وتسالم الأصحاب، وعدم الخلاف، وانصراف الأدلة، أو الشكّ في إطلاق الأدلة؛ لأن جميع هذه الأمور أجنبيّةٌ عن مرادنا وغايتنا. إلاّ إذا تمّ التمسّك باتفاق الأصحاب لتحصيل المفهوم والمعنى العُرْفي. وهذا بدَوْره ليس صحيحاً أيضاً؛ لأنهم بصدد بيان الاختلاف بين البيع والإجارة المؤثِّرة. وعلى هذا الأساس لا يمكن استكشاف المعنى العُرْفي من الإجماع.
كما لا يصحّ التمسُّك بالتبادر وصحّة السلب أيضاً؛ لأن التبادر الناشئ من الغلبة لا ينفع شيئاً، وصحّة السلب بدَوْرها ـ بالإضافة إلى عودتها إلى التبادر ـ لا مصداق لها؛ لأن العقلاء في الكثير من الموارد يُطْلِقون عنوان البيع على بيع غير الأعيان أيضاً. ومن موارد هذا الأمر: شراء وبيع السرقفلية([37]). وقد ذهب الشيخ ناصر مكارم الشيرازي بدَوْره إلى القول بأن بيع الحقوق لا يقبل الإنكار، وإنه من الأمور الشائعة بين العقلاء([38]). وقال الشيخ محمد المؤمن القمّي في هذا الشأن: «لا يشكّ العُرْف في صدق البيع على الموارد التي لا يكون المثمن فيها من الأعيان، من دون تسامحٍ ومجازٍ»([39]).
مصاديق بيع الحقّ
إن المصداق المسلَّم لبيع الحقّ هو الحقّ الذي يكون ثابتاً قبل المعاملة، وأما الحقّ الذي يثبت بذات المعاملة فهو محلّ شبهةٍ([40]). وعلى هذا الأساس، من اللازم إيضاح مصدر الشبهة السابقة. قد يُقال: إن الذي يكون قبل المعاملة هو جواز إبرام العقد حيث يكون من سنخ الحكم، لا من سنخ الحقّ؛ وإنْ كان يتمّ التعبير عنه في الاستعمال العُرْفي بالحقّ. ليس حقُّ البيع في الحقيقة والواقع حقّاً، وإنما هو ذات الحكم بصحّة البيع. وفي مثل هذه الحالة يكون المراد من جواز البيع هو الجواز الوضعي. ففي قولنا: إني أمتلك حقّ بيع داري يكون معنى ذلك: إذا بعْتُ داري فسوف يتحقَّق الانتقال، وليس حقّ البيع شيئاً غير ذلك. وبعبارةٍ أخرى: ليس هناك حقٌّ في بداية الأمر حتّى نروم نقله إلى الآخر بإزاء أخذ عِوَضٍ عليه.
الاختلاف بين الحقّ والحكم
لقد ذكر الفقهاء الكثير من الأبحاث بشأن الحقّ والحكم والملك وملاكات الفصل بينها. وفي ما يلي نشير إلى بعض هذه الموارد، وعلى حدّ تعبير صاحب العروة([41]): إن الكثير من الأمور التي تُعَدّ في زمرة الحقوق إنما هي من سنخ الحكم الشرعي؛ حيث لا يمكن اعتبارها بوصفها عوضاً في المعاملة.
إن الحقّ نوعُ سلطنةٍ على شيءٍ تعلَّق بالعين، من قبيل: حقّ التحجير، وحقّ الدائن في تركة الميّت. وعلى هذا الأساس فإن الحقّ مرتبةٌ ضعيفة، بل هي نوعٌ من المِلْكيّة. إن صاحب الحقّ مالكٌ لشيءٍ أمره بيده؛ من قبيل: أن يكون الشخص في الملك مالكاً للعين أو المنفعة؛ ولكنه لا يكون في الحكم كذلك، ففي الحكم لا يكون المطروح سوى الإذن بالقيام بشيءٍ أو تركه، أو ترتُّب الأثر على الفعل أو الترك. ومن ذلك أن حقّ الخيار في العقود اللازمة ـ على سبيل المثال ـ ليس مصداقاً للحقّ؛ بل هو حكم الشارع بأن الشخص يمكنه أن يمضي العقد أو يفسخه. وعلى هذا الأساس، فإن الشارع يمنح صاحب الحقّ سلطةً ومِلْكيّة، وبفعل هذه السلطة يستطيع أن يأخذ عِوَضاً بإزائها. وبشأن الصغير والمجنون يكونان أصحاب حقٍّ؛ ولكنْ؛ لرعاية المصلحة، يتمّ إعطاء السلطة لوليِّهما الشرعي؛ ولكنْ في تشريع الحكم لا يتمّ إعطاء مثل هذه السلطة للشخص، بل يتمّ إعلامه بأنه يستطيع القيام بفعلٍ أو تركه، وبطبيعة الحال فإنه في موارد ثبوت الحقّ يكون الحكم بأن الشخص مالكٌ للعين أو المنفعة من جملة الأحكام([42]). وعلى حدّ تعبير السيد الخوئي&: «المعروف بين الفقهاء أن الفَرْق بين الحقّ والحكم [في] أن الحقّ نوعٌ من السلطنة التي يكون أمرها بيد ذي الحقّ؛ بخلاف الحكم، فإنه لا يقبل شيئاً من ذلك، [ولا يكون أمره إلاّ بيد الشارع]»([43]).
عدم قابليّة الحكم للانتقال والإسقاط
إن الحكم ـ خلافاً للحقّ ـ لا يقبل النقل والانتقال والشراء والبيع. إن علّة هذا الأمر تكمن في هذا الحكم.
وقال صاحب (العروة الوثقى) في هذا الشأن: «ثم إن عدم كون الحكم مما يقبل الإسقاط والنقل من القضايا التى قياساتها معها؛ لأن أمر الحكم بيد الحاكم، وليس للمحكوم عليه إسقاطه، ولا نقله؛ لأن المفروض أنه لم يجعل له السلطنة على شيءٍ حتّى يكون أمره بيده. نعم، لو كان معلَّقاً على موضوعٍ، وكان داخلاً في ذلك الموضوع، فله الخروج عنه؛ ليرتفع ذلك الحكم. لكنّه ليس من باب الإسقاط، بل من باب تبديل الموضوع»([44]).
وفي المقابل عندما يعتبر الشارع «حقّاً» لشخصٍ يكون في الحقيقة قد منحه سلطةً. وبذلك سوف يكون بمقدوره الاستفادة من حقِّه في هذه السلطة، كما يمكن له أن ينقلها، أو يتخلّى عنها، بمعنى أن يُسقطها.
هل عقد اختيار المعاملة مصداقٌ لبيع الحقّ؟
بالنظر إلى المقدّمات المتقدّمة حان الوقت لكي نرى ما إذا كان بالإمكان تصحيح عقد اختيار المعاملة بوصفه مصداقاً لـ «بيع الحقّ» على مبنى جواز بيع الحقّ؟
هناك رأيان في هذا الشأن. وفي ما يلي نذكر كلاًّ منهما، مع الأدلة المذكورة في هذا الشأن:
أـ عقد اختيار المعاملة ليس مصداقاً لبيع الحقّ
من الممكن أن يُقال: إن الشخص إذا كان مسموحاً له ببيع داره لا يكون ذلك ملازماً لصحة الانتقال إلى الآخر. إن إطلاق ﴿أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ﴾ (البقرة: 275)، و«الناس مسلَّطون على أموالهم»([45])، إنما يقتضي جواز البيع، وهو من مقولة الحكم، وليس من مقولة الحقّ؛ وعليه فإن هذا يدلّ على أن الشخص إذا باع ماله فإن هذا المال سوف ينتقل إلى الآخر، ولكنّه لا يدلّ على أنه يمكنه أن يجعل نفسه مسلوبَ الإرادة في نقل المال. إن مثل هذا الحقّ غير محرزٍ للشخص؛ بل إن مقتضى إطلاق الأدلة المتقدّمة، والأدلة الأخرى، من قبيل: «المالك يحقّ له بيع ماله»، أو «يصحّ له أن يبيع ملكه»، أنه حتّى إذا نقل حقَّ البيع إلى آخر لن يسقط عنه، ويمكنه أن يبيعه إلى الآخرين. فحتى الآن كان له حقُّ بيع هذا الشيء، بمعنى أنه لو باعه لكان بيعه صحيحاً، وإن أثر النقل لا يعني أنه لا يعود له حقٌّ في البيع؛ بحيث إنه لو باعه بعد النقل تكون معاملته باطلةً. إن إطلاق دليل الحكم يقتضي أنه كما كان بيع ماله صحيحاً قبل النقل يكون البيع صحيحاً بعد النقل أيضاً. وإن القول بعدم جواز البيع إلى الآخر بعد النقل يحتاج إلى دليلٍ، وهو مفقودٌ. وفي هذه الحالة لا يتوفَّر الغرض من عقد اختيار المعاملة. إن الهدف إنما يتحقَّق إذا أصبح الشخص بنقل اختيار المعاملة مسلوبَ الإرادة. من خلال تحقُّق عقد اختيار المعاملة لا يتحقَّق انتقال المِلْكيّة؛ بل يتمّ نقل عقد المعاملة في المستقبل؛ وعلى هذا الأساس يكون الحقّ المصطلح هنا منتفياً. وبكلمةٍ ثانية: قبل المعاملة لم يكن هناك حقٌّ كي يتمكَّن البائع من نقله إلى المشتري؛ وبعبارةٍ أخرى: قبل التعهُّد كان هناك ألف حكمٍ، وعلى هذا الأساس لا يكون موضوع «بيع الحقّ» متحقِّقاً.
لقد تمسَّك الشيخ المؤمن القمّي بموثَّقة سماعة، عن الإمام جعفر الصادق×؛ لإثبات جواز بيع اختيار المعاملة، حيث تقول هذه الموثَّقة: «إن الله عزَّ وجلَّ فوَّض إلى المؤمن أموره كلها، ولم يفوِّض إليه أن يُذلّ نفسه؛ أما تسمع لقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (المنافقون: 8)»([46]).
وفي ما يلي ننقل كلام الشيخ المؤمن القمّي في هذا الشأن؛ إذ يقول: «إن موضوع هذه الرواية ليس هو عنوان الحقّ، بل هو عنوان «الأمر»، والمراد منه كلّ شيء يرتبط بالإنسان، وتعود نتيجته إليه. ومن هنا فإن تطبيق هذا العنوان لا يتوقَّف على إحراز عنوان الحقّ؛ بل بمجرّد إحراز ارتباط شيءٍ ما بالإنسان يكون ذلك كافياً في صدق العنوان الوارد في الأخبار، ويمكن الحكم بأنه قد فوَّض الأمر إليه. وعلى هذا الأساس، فإن قبول البيع وردّه، وقبول الشراء وتركه، يُعَدّ من أمور الإنسان التي تمّ تفويضها إليه، ولازم التفويض أن تنتقل هذه الأمور بنقله لها».
وهناك ملاحظتان يمكن إيرادهما على هذا الاستدلال، وهما:
1ـ إن من شروط التمسُّك بالإطلاق أن يكون المتكلِّم في مقام البيان. وهذه الرواية ليست في مقام بيان هذا الأمر أبداً؛ بل هي مجرَّد بيانٍ أخلاقي بصدد تحذير المؤمن من إذلال نفسه. إن المراد من تفويض جميع أمور المؤمن لنفسه هو أن المؤمن يستطيع في دائرة الشرع أن يقوم بجميع المباحات، وحيث من الممكن لبعض المؤمنين أن يتصوَّروا أن إذلال أنفسهم داخلٌ تحت هذه المباحات، وأنه يجوز لهم أن يُذلّوا أنفسهم، فقد جاءت هذه الرواية لتستثني هذا الأمر، وتؤكِّد على عدم جواز إذلال المؤمن لنفسه([47]). إن الإمام× في هذه الرواية في مقام بيان المستثنى، وليس في مقام بيان المستثنى منه؛ والشاهد على ذلك أن الإمام قد استشهد في تتمّة الرواية بالآية 8 من سورة مريم([48])، وهي قوله تعالى: ﴿وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾. كما جاء في ختام هذه الرواية صراحةً قوله: «إن المؤمن أعزُّ من الجبل».
2ـ على فرض التراجع عن أخلاقيّة هذه الرواية كان لازم المعنى السابق ذكره أن الشخص يستطيع أن يحظر على نفسه بيع الأشياء الواقعة تحت مِلْكِه؛ لأنها تُعَدّ من أموره، في حين ليس هناك فقيهٌ يلتزم بذلك. إن المكلَّف إنما يمكنه التصرُّف في الموارد التي هي من شؤونه إذا أجاز له الشارع ذلك. وبعبارةٍ أخرى: في بعض الموارد؛ حيث نكون أمام الحكم الشرعيّ، لا يكون الأمر تحت اختيارنا، وفي موارد وجود الحقّ يكون اختياره بأيدينا، وفي موارد الشكّ لا يمكن لنا التمسُّك بعموم الرواية المذكورة، وإذا تمسَّكْنا بها فسوف يكون ذلك من قبيل: التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية.
ب ـ عقد اختيار المعاملة مصداقٌ لبيع الحقّ
في الواقع كان السؤال يقول: ما هو الشيء الذي نتعامل عليه؟ وما هو الشيء الذي ندفع النقود بإزاء الحصول عليه؟
وفي الجواب يمكن القول: إن عقد اختيار المعاملة مصداقٌ للحقّ الثابت قبل المعاملة؛ وعلى هذا الأساس يكون قابلاً للبيع. فمجرّد أن يجلس الوسيط في غرفته في سوق البورصة؛ لغرض شراء أو بيع حقّ الاختيار، يكون معنى ذلك ثبوت الحقّ عند العقلاء؛ وأن العقلاء قد شعروا بالحاجة إلى «اعتبار الحقّ»، واعتبروا له ماليّةً، وهم يبادرون إلى بيعه وشرائه على هذا الأساس. وقد وضعوا لذلك الكثير من الضوابط والقرارات.
وبهذا البيان يمكن الجواب عن الإشكال السابق. لقد كان الإشكال هو أن الشخص عند نقل اختيار المعاملة لا يصبح مسلوبَ الإرادة، ويبقى له الحقّ في التصرّف في ماله؛ في حين أن من الملاكات الثابتة في الحقّ هو أن يكون قابلاً للإسقاط؛ فحيث لا تكون هناك قابليةٌ للإسقاط لا يكون هناك حقٌّ أيضاً، وسوف يكون بيعه مشكلاً.
والجواب عن ذلك هو أن العقلاء يعتبرون الحقّ في هذا الشأن، فإنهم بنقل هذا الحقّ يسلبون الإرادة من أنفسهم. وفي الحقيقة إن الرضا بالسبب يُعَدّ من الرضا بالمسبَّب. إننا من خلال اعتبار الحقّ نواجه ذات الحقّ، دون الحكم، وفي جميع موارد اعتبار الحقّ يحدث هذا الشيء نفسه. وقد يُقال بأنكم هنا تضعون العقلاء في موضع جعل الحقّ والتشريع، في حين أننا لا ننظر إلى العقلاء بوصفهم مدركاً على جعل الحقّ والتشريع؛ أي إن هذا حكمٌ وضعي، وعندما يتمّ إمضاؤه يكون قد تمّ جعله من الناحية الشرعيّة؛ وعلى هذا الأساس لا ينبغي أن ننظر إلى العقلاء بوصفهم مستنداً لجعل الحكم الوضعي أبداً؛ وعليه فإن دخولكم في هذه المسألة يستدعي هذه الشبهة.
وإن هذه الشبهة قابلةٌ للدفع بأن العقلاء، من خلال اعتباراتهم، يُحْدِثون موضوعاً للحكم الشرعي، وحيثما قام العقلاء باعتبار موضوعٍ ما، ولم يردَعْ عنه الشارع، فإنه يندرج تحت الحكم الشرعي في هذا الشأن. فقبل المعاملة كان المطروح هو جواز البيع فقط، حيث كان هذا من مقولة الحكم، بَيْدَ أن الشخص من خلال تعهُّده يُحْدِث للطرف المقابل حقّاً، وليس هناك مَنْ يطلق مصطلح التشريع على هذا الأمر.
وقد لا يقتنع القارئ بهذا الجواب، ويقول: إن الحقّ يظهر بعد العقد، وأثناء إبرام العقد لا يكون الحقّ ثابتاً بَعْدُ، وإن أخذ النقود في مقابل التعهُّد ليس بَيْعاً، بل هو طريقٌ جديد يجب البحث عنه بشكلٍ مستقلّ؛ لنرى ما إذا كان هناك مانعٌ منه أم لا؟
صحّةُ الانتقال أثرُ المِلْكيّة
إن الملاك المذكور بشأن الفصل والتفكيك بين الحقّ والحكم واضحٌ بشكل كامل؛ ولكن تحديد المصداق في الكثير من الموارد يكون في غاية التعقيد والإشكال. وعلى حدّ تعبير صاحب العروة: في تحديد موارد الحقّ والحكم يجب الرجوع إلى واحد من الملاكات التالية:
1ـ الإجماع: فيجب أن نرى ما هو الشيء الذي تمّ الإجماع عليه؟
2ـ ملاحظة الدليل: فعلينا أن نرى هل استعمل لفظ الحقّ في الدليل الشرعي، أو لفظ الحكم فيه؟ وعليه يجب ملاحظة الآثار واللوازم. فمثلاً: إذا ثبت جواز إسقاطه أو نقله يعلم أنه من باب الحقّ… ومع عدم إمكان التشخيص بهذه الموازين فالمرجع الأصل. وهو مختلفٌ بحَسَب الآثار؛ فلو شكّ في جواز الإسقاط أو النقل فالأصل عدمهما؛ ولو كان للحكم أثرٌ وجوديّ فالأصل عدمه([49]).
ونتيجة هذين الأصلين المذكورين هي عدم ثبوت الحقّ في حالة الشكّ، ولن يكون الانتقال في إطار البيع صحيحاً.
حلٌّ آخر لتصحيح بيع الحقّ
يمكن اعتبار هذا الحلّ في سياق الحلّ السابق؛ بمعنى اعتباره من بيع الحقّ؛ ولكنْ حيث له بيان جديد فإنه يتمّ ذكره بشكلٍ مستقلّ، وهو أن العقلاء إذا جعلوا حقّاً في عقدٍ فهل يكون ذلك مواجهةً مع الشارع؟
للحصول على جواب هذا السؤال لا بُدَّ من بحث صُوَر عمل العقلاء:
1ـ تارةً يعمد العقلاء إلى اكتشاف قيمة شيءٍ لم يكن له قيمةٌ حتى الآن، ومن ذلك، على سبيل المثال: أن تكون هناك عُشبةٌ عديمة القيمة، ثم يتوصَّل الطبّ إلى وجود علاجٍ فيها لبعض الأمراض المستعصية، وهنا حيث يكون في الأمر اكتشافٌ، وليس هناك جعلٌ؛ فلا نكون في ذلك بحاجةٍ إلى إمضاء الشارع، ولا يُعَدّ هذا العمل من قِبَل العقلاء مقابلةً مع الشارع.
2ـ تارةً يقوم العقلاء بجعل موضوعٍ أو حقٍّ لشخص، كأن يجعلوا حقّ المرأة في الإرث مساوياً لحقّ الرجل. وفي هذه الحالة لا يكون جعل العقلاء مقبولاً؛ لأنه في مواجهةٍ صريحةٍ مع حكم الشارع الواضح. وكما ليس للعقلاء حقٌّ في التحريم والإيجاب والاستحباب والكراهة والإلزام في الأحكام التكليفية، كذلك ليس لهم مثل هذا الحقّ في الأحكام الوضعيّة أيضاً.
3ـ بين الصورتين أعلاه هناك صورةٌ أخرى، وهي أن العقلاء لم يرَوْا لشيءٍ قيمةً في السابق، ثم أخذوا ـ بسبب الحاجة إليه، أو بسبب التقدُّم العلمي والتكنولوجي وما إلى ذلك ـ يرَوْنه ذا قيمةٍ. وبعبارةٍ أخرى: يكتشفون قيمته، ويرَوْن له ماليّةً. والآن قد تكون هذه المالية مطلقةً؛ أو مضافةً إلى شخصٍ، من قبيل: ما حدث بالنسبة إلى بحث المِلْكيّة الفكرية؛ بمعنى القول بحقّ الكاتب في طبع أفكاره ونشرها، ومن حينها أصبح هذا المصداق شرطاً ارتكازيّاً بالنسبة إلى البائع. وهذه الصورة بدَوْرها لا تُعَدّ مواجهة مع الشارع.
نحن نعلم أن خيار العيب يقوم على شرط سلامة البضاعة، وعلى هذا الأساس لو كانت البضاعة مستعملةً يتمّ إرجاعها، وأما لو تمّ شراؤها من سوقٍ جميع البضائع فيه مستعملةٌ ففي مثل هذه الحالة ليس للمشتري حقٌّ في إرجاعها؛ لأن الأصل قائم على أنه قد اشترى بضاعةً مستعملةً، أو أن الشراء من سمسارٍ قد لا يشتمل على شرط السلامة. إن جعل الخيار ليس بيد العقلاء، بل هو بيد الشارع؛ أي إنه لا يمكن رفع خيار الحيوان عن البيع، وجعله في الصلح والإجارة وما إلى ذلك؛ لأن الخيار حقٌّ وحكمٌ شرعي، ويجب أن يكون جعله أو تغييره من قِبَل الشارع؛ ولكنْ حيث يتغيَّر الارتكاز، ويتمّ تصحيحه، يصبح شرط السلامة صحيحاً أيضاً.
وهكذا الأمر بالنسبة إلى موضوع بحثنا، فهو من هذا النوع أيضاً، ولنسمِّ ذلك جعل الحكم أو جعل الحقّ أو كشف المصداق للحقّ. إن العقلاء حتّى ما قبل هذه القضايا لم يجرِّبوا مثل هذا الشيء، ثمّ واجهوا هذه المعاملة، ولا أحد من البائع والمشتري يعتبر هذه المعاملة غير عقلانيّةٍ، وفي مثل هذه الحالة يمكن للعقلاء نقل هذا العقد، ويتقاضون عليه أجراً. وبعبارةٍ أخرى: إن جعل العناوين للأشياء من طرف العُرْف لا يحتاج إلى إمضاء الشارع. ومن ناحيةٍ أخرى فإن المال من العناوين العُرْفية الاقتضائية؛ بمعنى أن العُرْف يشعر بوجود فوائد في شيءٍ لرفع حاجاته، وإثر ذلك يتبلور العرض والطلب، وهذا هو ما قلناه من أن العقلاء يعتبرون الماليّة لشيءٍ؛ وعلى هذا الأساس فإننا ننتزع الماليّة من كيفية سلوك العُرْف تجاه الأمور الآنف ذكرها.
2ـ إعطاء النقود في مقابل التعهُّد
يمكن القول: إن إعطاء ثمن اختيار المعاملة يكون في مقابل نفس التعهّد؛ بمعنى أنه يتمّ أخذ مبلغ من المال بإزاء حقّ الشراء والبيع في المستقبل، ويجعل ناقل الاختيار من نفسه ـ في مقابل أخذ مبلغ الاختيار من الطرف المقابل ـ متعهِّداً بإزائه. إن هذا التقرير لاختيار المعاملة منسجمٌ مع الحقيقة الخارجية، ومتناغمٌ مع تعريف هذا العقد، الذي تقدَّم سابقاً. وفي هذه الصورة يمكن اعتبار هذه المعاملة عقداً مستقلاًّ يشتمل على جميع أركان وشرائط العقد الصحيح. إن هذا العقد مصداقٌ جديد لـ «العقود» في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ (المائدة: 1)، من قبيل: عقد التأمين والضمان الاجتماعي؛ إذ يعمد الحاصل على التأمين والضمان إلى دفع حقّ الضمان للضامن؛ ليحصل منه على الضمان والأمن وراحة البال. إن ظاهر هذه الآية الكريمة هو أن اللام في كلمة «العقود» لاستغراق جميع الأنواع التي كانت موجودةً في عصر الشارع، أو التي سوف تظهر في المستقبل، وليس هناك فَرْقٌ بين الأفراد من هذه الناحية أبداً.
كما يُفْهَم من هذه الآية علّة لزوم الوفاء أيضاً؛ فإن سبب وجود التعهُّد هو أن العقد قد صدر عن عاقلٍ حكيم. وعلى هذا الأساس، فإن الوفاء بمفاد العقود العقلائية يكون لازماً ما لم يَرِدْ نهيٌ صريحٌ عن مفاد ذات العقد أو شرائطه من قِبَل الشرع([50]).
كما أن ظاهر قوله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ (النساء: 29) يدلّ ـ بدَوْره ـ على هذا المطلب أيضاً. إن إعطاء مال بإزاء التعهُّد هو من قبيل: العقود المعهودة، ويُعَدّ مصداقاً للتجارب مع رضا الطرفين، ولم يَرِدْ عنه منعٌ عامّ أو خاصّ من قِبَل الشرع.
إشكالٌ وجواب
لو أُشكل بأن التعهّد مصداقٌ للشرط الابتدائي، والشرط الابتدائي ـ طبقاً لرأي المشهور ـ لا يجب الوفاء به؛ وعلى هذا الأساس لا يحدث عند حلول الأجل حقّ القيام بالبيع للطرف المقابل.
نقول في الجواب: إنه فيما نحن فيه ليس مصداقاً للشرط الابتدائي؛ فإن الناقل للاختيار هنا لم يقم بمجرّد التعهُّد للطرف المقابل فقط، بل إنه قد أبرم معه عقداً، وقد تقاضى على هذا العقد والتعهُّد مبلغاً من المال. وفي هذه الحالة تمّ إبرام عقدٍ له طرفان، ويوجد فيه عِوَضٌ ومعوَّض. وبعبارةٍ أفضل: إنه يشتمل على جميع شرائط العقد، ولا ربط له بالشرط الابتدائي. إن جميع العقود الجديدة تُعَدّ صحيحةً على أساس أصالة الصحة، وتندرج في زمرة العقود اللازمة في ضوء أصالة اللزوم؛ وعلى هذا الأساس لا يمكن لناقل الاختيار أن يلغي تعهُّده. إن الأثر القَهْري لتعهُّد الناقل للاختيار أنه يحدث للطرف المقابل حقّ القيام بالبيع، وأنه سيكون بمقدوره أن يمارس هذا الحقّ إذا كان ذلك في صالحه، وأن يتقاضى من الطرف المقابل القيام بالبيع، ويكون الطرف الآخر ملزماً بالعمل على طبق تعهُّده. إن خصوصية هذا الحلّ تكمن في أنه ليس حلاًّ بديلاً، بل إنه يصحِّح عقد اختيار المعاملة بالشكل الشائع.
القسم الثاني: الحلول البديلة
لو تمّ الخَدْش في الحلول السابقة، أو لم تكن صحيحةً طبقاً لرأي جماعةٍ من الفقهاء، وبالتالي يكون طرح أوراق الاختيار بالنسبة إلى بعض الناس ـ في الحدّ الأدنى ـ مشكلاً، ومن ناحيةٍ أخرى يتمّ توصيف هذا العقد بالضروريّ للاقتصاد، فإن الأسلوب المنطقيّ يقتضي أن نرى هل يمكن العثور على إطارٍ آخر يكون فيه طرح هذا العقد ممكناً؟ وهنا يتمّ طرح وتحقيق عددٍ من الموارد في هذا الشأن:
1ـ الوكالة
من بين الحلول البديلة المطروحة بشأن اختيار المعاملة الوكالةُ؛ وذلك بأن يدفع الذي يشتري حقّ اختيار المعاملة مبلغاً من المال إلى البائع على شرط أن يكون وكيلاً مطلقاً له، وأنه إذا أراد خلال مدّةٍ قَدْرها ستّة أشهر ـ على سبيل المثال ـ أن يبيع البضاعة المتَّفق عليها من طرفه لنفسه؛ كأنْ يدفع المشتري مبلغاً لصاحب الدار التي يريد أن يشتريها، ويشترط عليه أن يكون وكيلاً مطلقاً له في بيع الدار خلال الأشهر الستّة القادمة، وأنه إذا أراد أمكن له بيعها لنفسه، ويقوم البائع باستلام المبلغ بإزاء إعطائه هذا الحقّ والامتياز. ففي هذه الحالة تكون الوكالة أمراً عقلائيّاً.
وفي ما يلي يجب في مقام الإثبات بحث تطابق هذا المطلب مع الواقع الخارجي:
وبالنظر إلى توفُّر الأدلة تخلو هذه الوكالة المذكورة من الإشكال، وتكون صحيحةً من ناحية إطلاق ذات الوكالة، وبناء العقلاء، وإطلاق أدلّة العقود. ومن الجدير ذكره أن هناك اختلافاتٍ بين الوكالة فيما نحن فيه والوكالات العادية. ففي الوكالات العادية والمتداولة يكون استلام النقود بواسطة الوكيل من دون إشكال، وأما هنا فإن الموكِّل هو الذي يقبض النقود.
ورغم عدم وجود إشكالٍ في ذلك، وعدم صدور المنع منه، قد يُقال: إن هذا يمثِّل خروجاً عن محلّ البحث؛ إذ إن البورصة ليست مالكةً، ولا يمكنها توكيل أحدٍ.
ويجب القول في الجواب: إن هذا الإشكال غير واردٍ؛ لأنه يدفع الثمن إليه في مثل هذه الحالة، ليعدّ البيع الكلّي للبضاعة في التاريخ المحدَّد أو قبله، ويبيعها له.
جواز الوكالة ولزومها
يكمن الإشكالُ الهامّ الموجود في اعتبار ماهية اختيار المعاملة وكالةً في جواز عقد الوكالة. إن الغرض العقلائي من إبداع عقد الاختيار (Option) لا يتمّ ضمانه من خلال القول بجواز عقد الوكالة؛ لأن المشتري يجب أن يكون على اطمئنانٍ من أن الطرف المقابل يجب أن يلتزم بمفاد العقد حتّى التاريخ المحدَّد، وهذا لا ينسجم مع جوازه. ثمّ إن المشكلة لا يمكن حلُّها حتّى بواسطة الوكالة بلا عزلٍ، لأن الجواز من آثار الوكالة، ومن ناحيةٍ أخرى فإن مجرّد عدم جواز العزل تكليفاً لا يحلّ المشكلة. إن المشهور بين الفقهاء هو أن الوكالة غير قابلةٍ للزوم، وإن الجواز من أحكام الوكالة. وهناك في هذا الشأن روايةٌ مأثورةٌ عن الإمام الصادق× يقول فيها: «مَنْ وكَّل رجلاً على إمضاء أمرٍ من الأمور فالوكالة ثابتةٌ أبداً، حتّى يعلمه بالخروج منها، كما أعلمه بالدخول فيها»([51]).
قال العلاّمة الحلّي&، بعد نقل هذه الرواية: «أجمَعَت الأمّة في جميع العصور والأمصار على جواز الوكالة في الجملة»([52]). وقال في موضعٍ آخر: إن في سند هذه الرواية عمر بن شمر([53])، وهو شخصٌ ضعيف([54]). وبطبيعة الحال فقد عمد صاحب الحدائق& وآخرون إلى تصحيح الرواية من طريقٍ آخر([55]). والنتيجة هي أنه على أساس الرواية المتقدّمة تكون الوكالة جائزةً، وقابلةً للنقض والإبطال.
ومن الجدير بالذكر أن إدراج الوكالة في ضمن عقدٍ لازم لا يحلّ المشكلة أيضاً؛ لأنها في مثل هذه الحالة لن تكون وكالةً مصطلحة، بل هي مجرّد مأذونيّة. ولا يبعد أن يدّعي شخصٌ أن حقيقة المأذونيّة والوكالة تتقوَّم ببقاء الإذن والتوكيل؛ أي إن الطرف المقابل لو تراجع عن إذنه لا يعود ذلك العقد نافذاً بصفته وكالةً؛ إلاّ إذا افترضنا أنه بمجرَّد صدور الإذن وحدوث المأذونية يتبلور حقٌّ ـ مثل: حدوث المِلْكيّة ـ لا يقبل الإبطال.
كيفيّة الاستفادة من الوكالة كعقدٍ لازمٍ
من الجدير ذكره أن تلك الوكالةَ، التي هي من العقد الجائز، والتي يجوز فيها للموكِّل ـ حتّى في صورة اشتراط عدم العَزْل ـ أن يبطلها، ويكون في ذلك مخالفاً على المستوى التكليفي فقط، عبارةٌ عن التوكيل، الذي هو من العقود الإذنية، ويطلق عليها أغلب الفقهاء عنوان «الاستنابة في التصرُّف»([56]). ويذهب مشهور الفقهاء إلى القول بأن الوكالة عقدٌ، بَيْدَ أن بعضهم؛ حيث تشتمل الوكالة على إذنٍ، لا يعدّها في جملة العقود، ولا يرى لها شأناً أكثر من الإذن في التصرُّف([57]). ومن هنا فإنهم قالوا بأنه لو أذن شخصٌ لآخر في التصرُّف في ماله كان ذلك منه صحيحاً، وأفاد معنى الوكالة، حتّى وإنْ لم يقبل الطرف المقابل([58]).
قد يُقال: إن الوكالة هنا هي غير الوكالة هناك. وما قاله المشهور من أن الوكالة عقدٌ جائزٌ إنما هو بشأن الوكالة التي هي من العقود الإذنية؛ وأما هذا النوع من الوكالة فأمرها مختلفٌ، ولم تَرِدْ في كلام المشهور أبداً.
ولإثبات هذا المدَّعى يمكن القول: إن الدليل الأهمّ على جواز الوكالة هو الإجماع([59]). وحيث إن الإجماع دليلٌ لبّي يجب الاكتفاء منه بالقَدَر المتيقَّن، ولا يُقبل التمسُّك بالإجماع في ما زاد على ذلك. والقدر المتيقَّن إنما يكون حيث يطلب الموكِّل شيئاً من الوكيل، ويدفع له مبلغاً وأجرةً بإزاء ذلك؛ إلاّ أن الأمر في ما نحن فيه مختلفٌ تماماً، فالموكِّل هنا هو الذي يدفعل للوكيل مبلغاً بإزاء توكيله. كما أن إطلاق الرواية المتقدِّمة «مَنْ وكَّل رجلاً…» لا يشمل هذا العقد أيضاً، فهي منصرفةٌ عنه. إن الذي يتمّ هنا هو معاملةٌ؛ ففي طرفٍ من المعاملة مبلغٌ من المال يدفعه أحد الطرفين إلى الطرف الآخر، والطرف الآخر هو التوكيل والوكالة (العِوَض). وعلى هذا الأساس، فإن أدلة الوكالة الموجودة بين أيدينا لا تشمل هذا النوع.
ولو قيل: إن ما قيل لا يؤدّي إلى تغيير ماهية الوكالة، أمكن القول: إن الوكالة هنا ـ خلافاً للوكالة المتعارفة ـ معاوضةٌ، ولا يمكن نسبة بطلانها إلى مشهور الفقهاء؛ لأنهم لم يتعرَّضوا إلى هذا القسم. في عقد اختيار المعاملة، يعمد الشخص إلى دفع مبلغٍ من المال؛ ليكون له حقّ الشراء، وفي نهاية المطاف يعمد هو إلى بيع البضاعة إلى هذا الشخص؛ وأما في التوكيل فإنه يصبح الشخص وكيلاً لكي أبيع البضاعة لنفسي. وهذا يؤدّي إلى اختلاف مقام الثبوت عن الإثبات.
والنتيجة هي أنه يمكن تصحيح إشكال جواز الوكالة على نحو ما تقدَّم. ويمكن القول ـ بطبيعة الحال ـ بأن دليل جواز الوكالة لا ينحصر بالإجماع؛ والدليل الآخر هو المأذونية. إن الوكالة من قبيل: المضاربة، والشركة، من العقود التي يكون قوامها بالإذن. إن هذا النوع من العقود يستمرّ ما دام أحد الطرفين لم يعقد العَزْم على إبطالها. إلاّ أن هذا الإشكال إنما يَرِدُ إذا كان العُرْف يفهم منه مأذونية الشكل الجديد. وهنا لا يكون شرط النتيجة مشكلاً؛ لأن الوكالة لا تحتاج إلى سببٍ خاصّ، وليست من قبيل: الطلاق، الذي يحتاج إلى إنشاءٍ خاصّ.
عدم تطابق الوكالة مع الواقع الخارجيّ
إن المطلب الهامّ فيما نحن فيه هو أن ما يحدث في سوق المشتقّات ليس وكالةً. في العقود الشائعة إذا عقد المشتري لاختيار المعاملة عزمه على ممارسة الحقّ فسوف يكون الطرف الآخر ملزماً بتوفير البضاعة، وبيعها له، لا أنه يمكنه أن يبيعها من نفسه وكالةً من قِبَله. ومن هنا فإننا قد ذكَرْناه بوصفه حلاًّ بديلاً.
2ـ الهِبَة المعوَّضة
المورد الثاني البديل في عقد اختيار المعاملة هو الهبة، بأن يدفع الواهب للموهوب له مبلغاً قدره مئتي ألف دينار ـ على سبيل المثال ـ، في مقابل اشتراطه عليه أن يمهله ستّة أشهر، يكون له خلالها الحقّ الحَصْري في شراء بضاعةٍ معيّنة. كأنْ يهب له نقوداً هبةً، بشرط أن يمنحه امتيازاً يعترف له بموجبه بشراء الدار خلال هذه المدّة، ويحفظ ذلك له، وفي هذه الحالة لا توجد شبهةٌ في البين.
هذا هو التصوير الجديد لهذا العقد. وهو لا يتطابق مع ما يحدث في سوق المشتقّات. ومن هنا فقد ذكَرْنا هذه الطريقة كأحد الحلول البديلة. وبطبيعة الحال فإن هذه ليست هي الطريقة المقبولة، ولا تتناسب مع السائد في سوق المشتقّات.
3ـ دفع الثمن في مقابل إسقاط الحقّ
المورد الآخر الذي يتمّ ذكره هنا هو دفع مقدارٍ من المال بإزاء إسقاط الحقّ؛ بمعنى أن يقوم شخصٌ في مقابل حصوله على المال بإسقاط حقّه، لا أن يبيع حقَّه. وبعبارةٍ أخرى: أن يُؤْذَن لشخصٍ ـ من موقعه كمندوبٍ لشركةٍ للسيارات، على سبيل المثال ـ بأن يتعامل من الناحية الشرعيّة، خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، مع كلّ شخصٍ، بأيّ ثمنٍ، وبأيّ مقدارٍ؛ ولكنه عمد إلى إسقاط جميع هذه الموارد، ويبقى منها موردٌ واحد فقط، وهو أن يبيع هذا المقدار بهذا الثمن لشخصٍ آخر.
قد يُقال: إن هذا التصوير في شكله العامّ يحتوي على إشكالٍ؛ لأنه بعد أن يتعهَّد الشخص ببيع مقدارٍ معيّن إلى شخصٍ بعينه يمكن له أن يعمل مباشرةً عل بيع ما يزيد على ذلك المقدار أو ينقص منه لشخصٍ آخر. فليس الأمر بأن لا يكون لدينا حقّ اختيار شراء هذا المقدار من البضاعة للآخرين؛ في حين أن هناك محدوديّةً بلحاظ الإنتاج؛ لأن هذا كلِّيّ، ومن شأنه أن يُنْقَل إلى مختلف الأشخاص.
بَيْدَ أن هذا الإشكال غيرُ واردٍ؛ لأن الشخص عندما يتعهَّد بإسقاط حقّه يجب عليه أن يلتزم بمفاده؛ بمقتضى قوله تعالى: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾، ولازم هذا الأمر عدم جواز جميع المعاملات التي تتنافى مع العمل بموجب التعهُّد خلال هذه المدّة المحدّدة. وهذا ما يذهب إليه العقلاء أيضاً؛ حيث لو قام المنتج ببيع ما يزيد عن ظرفيته الإنتاجية لن يكون هناك معنىً للإسقاط. في سوق البورصة يتمّ فرض محدوديّة على كلّ بائعٍ ووسيط، وكذلك على السوق برمّته؛ أي إنه يُقال: إن كلّ بائعٍ يمكنه في الحدّ الأقصى أن يبيع اختيار المعاملة إلى سقفٍ محدَّد، وبالتالي فإن سوق البورصة يجيز له البيع بمقدار الحدّ الأقصى من الإنتاج الممكن، ويسلب منه حقّ بيع ما يزيد على هذا السقف من الإنتاج؛ ومن هنا لا تكون هناك مشكلةٌ من هذه الناحية.
النقطة الأخيرة هي أن هذا الإشكال يَرِدُ على بيع السَّلَف أيضاً؛ هذا في حين أن الأدلة المعتبرة تدلّ على صحّته، ولا يوجد ترديدٌ في هذا الشأن.
شبهة وجود الغَرَر في عقد اختيار المعاملة
إن الشبهة المطروحة بشأن أكثر الحلول المذكورة هي شبهة وجود الغَرَر. عندما يقول شخصٌ لآخر: أعطيك مئتي ألف دينار لأكون وكيلك على مدى ستّة أشهر بأن أبيع الدار لنفسي، حتّى لو بلغَتْ قيمتها أضعاف قيمتها الراهنة، أفلا تنطوي هذه المعاملة على غَرَرٍ؟ ليس المراد هو أن الوكالة غَرَريّة؛ بل قد نقول: عندما يصبح هذا الشخص وكيلاً من قِبَل شخصٍ آخر في البيع المستقبلي يكون البيع سفهيّاً وغَرَرياً؛ لأن المشتري يدفع مبلغاً تافهاً مقابل أنه إذا أراد خلال المدّة أن يشتري البضاعة المعيَّنة لنفسه أمكنه شراؤها بقيمتها الحالية ولو تضاعف ثمنها، ونحن نعلم أن المعاملة الغَرَرية باطلةٌ بالإجماع([60]). ولو اعتبرنا عقد اختيار المعاملة مصداقاً لبيع الحقّ فسوف تبدو الشبهة بشكلٍ أوضح. إن بائع الاختيار يتقاضى مبلغاً محدّداً، ولكنه لا يعلم ما الذي يتعيَّن عليه دفعه بإزاء هذا المبلغ. وهناك شبهة الغَرَر في طريقة حلّ أخذ المبلغ في مقابل التعهُّد أيضاً. إن مقدار تعهُّد ناقل الاختيار غير معلوم؛ أي إنه عند انعقاد العقد لا يعلم مقدار ما سوف تبلغه مقادير القِيَم عند العمل بحقّ الاختيار.
معاني الغَرَر
وقبل الجواب عن الإشكال المذكور يجب العمل على إيضاح معنى الغَرَر.
لقد ذكر اللغويون معاني متعدِّدة للغَرَر، من قبيل: الخَطَر([61])، والخداع([62])، والغفلة([63]). كما ذكر الفقهاء عدّة معانٍ للغَرَر، من قبيل: المخاطرة التي تؤدّي إلى النزاع([64])، والخدعة([65])، أو كلا المعنيين من الخدعة والغفلة([66])، والوقوع في معرض الهلاك([67]).
ويمكن القول: إن الجهالة والغفلة والخديعة تشكِّل أسباباً للوقوع عرضةً للهلاك، وإن الشارع المقدَّس من خلال منعه للغَرَر أراد أن لا تتعرَّض أموال الناس للتَّلَف والزوال؛ بسبب الأمور المذكورة. إن هذا الأمر ينشأ من اتصاف الشارع بالحكمة، وهو يمنع من حدوث التشاجر والنزاع بين الناس([68]). كما أن الإعلان عن بطلان هذه المعاملة يعمل كذلك على تطهير أجواء الكسب والعمل من هذا النوع من الأمور المرفوضة، والمخالفة للأخلاق.
وفي عقد اختيار المعاملة ليس من الواضح المقدار الذي سوف تبلغه قيمة البضاعة الأساسية عندما يحين الأَجَل، ومن هنا فإن المبلغ الذي يتمّ دفعه ـ بوصفه ثمناً لاختيار المعاملة من قِبَل المشتري ـ سوف يكون عرضةً للتَّلَف.
الجواب عن شبهة الغَرَر
ونقول في الجواب: هناك مبنيان بشأن الغَرَر، وهما: الاختصاص بالبيع؛ والتعميم وشمول جميع العقود.
إن الاختصاص بالبيع يقوم على أساس أن أدلّة المنع من الغَرَر إنما تختصّ بالبيع، وإن دليل تعميم المنع غير معتبرٍ، أي ليس هناك إطلاقٌ بشأن المنع من الغَرَر؛ بل ورد بشأن البيع فقط: «نهى النبيّ| عن بيع الغَرَر»([69]). كما أن سيرة العقلاء على ذلك أيضاً؛ حيث لا يتجنَّبون في بعض الموارد عن المعاملات الغَرَرية. وفي بيع السَّلَم هناك غَرَرٌ أيضاً، بل إن الغَرَر في السَّلَم أكثر منه في الوكالة، ومع ذلك فقد أجاز الشارع بيع السَّلَم. ومن ذلك، على سبيل المثال، أن البائع يجب عليه في بيع السَّلَم أن يعمل على تحصيل البضاعة عندما يحين الأَجَل بأيّ ثمنٍ، وأن يسلِّمها إلى المشتري. وطبقاً لهذا المبنى يكون جواب الإشكال واضحاً، فالعِوَض هنا لا يكون في مقابل البيع، وإنما هو في مقابل الوكالة.
وقد قال بعضُهم بتعميم نَفْي الغَرَر بالنسبة إلى جميع العقود. ويرى هؤلاء الفقهاء أن الغَرَر إنما تمّ المنع منه؛ للحيلولة دون وقوع النزاع، وهذا الأمر موجودٌ في جميع المعاملات([70]). ولكنْ حتّى على أساس هذا المبنى لا يكون عقد اختيار المعاملة غَرَرياً؛ لأن الذي يتمّ دفعه أثناء إبرام العقد إنما يكون بإزاء ذات الاختيار، لا بوصفه ثمناً للبضاعة الأساسية، وهذا يُشبه ما يتمّ دفعه في عقد التأمين.
عقود اختيار المعاملة في السوق الثانويّ
إذا لم يكن بيع اختيار المعاملة في السوق الأوّلي([71]) صحيحاً فإن بيعه في السوق الثانوي([72]) لن يكون صحيحاً أيضاً؛ وأما لو اعتبرنا بيع اختيار المعاملة في السوق الأوّلي صحيحاً فليس هناك شكٌّ في بيع الحقّ في السوق الثانوي. لو عمَدْنا إلى تصحيح عقد اختيار المعاملة في إطار عقد الهبة المعوَّضة، أو أخذ الثمن في مقابل إسقاط الحقّ، أو في مقابل التعهُّد، فإن بيعه في السوق الثانوي سوف يكون مصداقاً لبيع الحقّ، وعند القول بجواز بيع الحقّ سيكون فاقداً للإشكال؛ إذ في جميع الوجوه والصُّوَر السابقة يحدث حقٌّ لدافع الثمن، ويجوز له بيعه. ومن الواضح أنه في حالة عدم القول بجواز بيع الحقّ سوف يكون انتقاله في السوق الثانوي من الطرق الأخرى ـ من قبيل: أخذ المبلغ في مقابل رفع اليد عن حقّه ـ فاقداً للإشكال، ولا يوجد لدينا دليلٌ على المنع منه.
خلاصةٌ واستنتاج
1ـ لقد تمّ في هذه المقالة بيان تعريف عقد اختار المعاملة، وأبعاده، وأركانه، باختصارٍ. وفي المرحلة التالية تمَّتْ مناقشة الاحتمالات والحلول الفقهية المتنوِّعة بشكلٍ تخصُّصي.
2ـ لقد تمّ النظر في هذه المقالة إلى البحث الفقهي لهذه المعاملة برؤيةٍ جديدة، وتمّ استعراض طرق بيع الحقّ والتعهُّد بوصفهما من طرق تصحيح اختيار المعاملة الشائعة، وطرق الوكالة والهبة المعوَّضة وإسقاط الحقّ بوصفها من الحلول البديلة.
3ـ كان هناك إشكالان في بيع الحقّ، وهما:
أوّلاً: في ما يتعلَّق ببيع الحقّ.
يذهب الكثير من الفقهاء إلى القول بأن البيع في الاستعمالات العُرْفية متقوِّمٌ بنقل العين، وإن نقل غير العين بحَسَب المفهوم والعُرْف ليس مصداقاً للبيع، وعلى فرض التسليم فإنه مستعملٌ في الجامع، ويحتمل أن تكون الأدلّةُ التي حملت الآثار على البيع ناظرةً إلى ذلك الشقّ من البيع، الذي هو من نقل العين. ولو أرَدْنا أن ندرج بيع الحقّ تحت تلك الأدلة وجب أن نحرز أنها في زمن الشارع كانت تستعمل في بيع الحقّ أيضاً، وليس هناك من طريقٍ إلى ذلك. يطلق عقد اختيار المعاملة في عصرنا في الحقيقة على البيع؛ وأما عدم جواز بيع الحقّ بين الفقهاء في السابق فقد بلغ حَدَّ شبهة الإجماع، اللهمّ إلاّ إذا قلنا بأن إجماع الشيخ الأنصاري& يعود بجذوره إلى رأي بعض الفقهاء.
وفي مقابل ذلك يذهب بعض الفقهاء إلى جواز نقل الحقّ في إطار البيع.
وإن النهج الشائع بين الفقهاء في الوقت الراهن يقوم على شراء وبيع أنواع الامتيازات والحقوق، إلى الحدّ الذي أصبح معه من ضروريات الحياة.
وثانياً: بناءً على مبنى جواز بيع الحقّ كانت هناك هذه الشبهة التي تقول بأنه لم يكن هناك حقٌّ قبل المعاملة؛ ليعمد المشتري إلى نقله إلى نفسه بإزاء ما يدفعه من الثمن، بل كنّا نواجه الكثير من الأحكام هناك.
ويتم حلّ الإشكال في ضوء مبنى الإمام الخميني&([73])، والشيخ الإصفهاني&، وبعض العلماء المعاصرين؛ إذ إن مصدر إبداع اختيار المعاملة هو عقل الناس، وعليه فإنه يكتسب قيمةً على هذا الأساس.
وفي المقابل يبقى الإشكال على حاله في نظر الشيخ الأنصاري&([74])، والمحقِّق الخوئي&([75])، والكثير من الفقهاء الآخرين.
4ـ إذا لم نتمكَّن من تصحيح عقد اختيار المعاملة من طريق بيع الحقّ والتعهُّد، ورأَيْنا الاستفادة من هذا العقد أمراً ضروريّاً، أمكن لنا أن نقترح ثلاثة حلول أخرى، لا غبار عليها ولا إشكال، وهي:
1ـ الوكالة.
2ـ الهبة المعوَّضة.
3ـ دفع الثمن بإزاء إسقاط الحقّ.
5ـ اتَّضح في مقالة عقد اختيار المعاملة الشائعة بوصفها مصداقاً للوكالة أن نفس هذا الأمر لا ينطوي على إشكالٍ، بل إن الأمر هنا ـ وخلافاً للوكالة العاديّة ـ يتمّ على أساس حصول الموكِّل على ثمنٍ؛ فيكون فاقداً للمنع الشرعي.
ولكنْ يوجد هنا بطبيعة الحال إشكالان رئيسان، وهما: أوّلاً: إن الوكالة عقدٌ جائز، ولا يتحقَّق غرض الذي يشتري الاختيار مع القول بجواز العقد إلاّ إذا قيل بأن الوكالة ـ التي يعتبرها المشهور من العقود الجائزة ـ هي الوكالة التي تُعتبر من العقود الإذنية؛ وأما في ما نحن فيه فإن الأمر مختلفٌ تماماً، وإن هذا النوع من الوكالة لم يَرِدْ في كلمات المشهور من الفقهاء.
إن الإشكال الرئيس في الوكالة يكمن في عدم تطابقها مع الحقيقة السائدة في سوق المشتقّات.
6ـ لقد تمّ ذكر وبحث الهبة المعوَّضة بوصفها حلاًّ بديلاً. وتوصَّلنا في هذا الشأن إلى نتيجةٍ مفادها: إنه بالإمكان اللجوء إليها بوصفها حلاًّ بديلاً؛ إلاّ أنها لا تمتّ بصلةٍ إلى السائد والمعروف في سوق المشتقّات.
7ـ طريقة الحلّ البديلة الأخرى التي تمّ ذكرها وبحثها هي دفع المال في مقابل إسقاط الحقّ. وتوصَّلنا في ذلك إلى نتيجةٍ مفادها: إن دفع النقود في مقابل إسقاط الحقّ ـ بوصفه طريقاً ثالثاً للحلّ ـ لا ينطوي على إشكالٍ.
8ـ إن ميزة الحلول المقبولة تكمن في أنها تتناغم مع مباني مشهور الفقهاء، وبالتالي فإنها تكون قابلةً للتطبيق والتنفيذ في سوق الاستثمار.
9ـ لقد تعرَّضْنا في بحث عقد اختيار المعاملة إلى شبهة الغَرَر. وذكَرْنا هناك أن القائلين بهذه الشبهة يعتقدون بأن أكثر الطرق والحلول المقترحة لتصحيح عقد اختيار المعاملة تنطوي على الغَرَر؛ بسبب الغموض والإبهام في القيمة المستقبلية للبضاعة التي يتمّ التعامل عليها؛ فالمشتري يدفع مبلغاً زهيداً مقابل أنه إذا أراد في تاريخٍ محدَّدٍ باع البضاعة المطلوبة إلى نفسه بسعر اليوم، ولو ارتفعَتْ قيمتها عشرة أضعاف عمّا كانت عليه عند إجراء عقد اختيار المعاملة. وعليه تكون هذه المعاملة سَفَهيّة وغَرَريّة.
ويمكن القول في الجواب: إن الملاك يكمن في ذات عقد اختيار المعاملة، الذي يتمّ إبرامه في اللحظة الراهنة، وجميع خصائصه ومعالمه واضحةٌ، وبذلك فإنه لا ينطوي على أيّ غَرَرٍ.
10ـ أما الكلمة الأخيرة فهي أنه على الرغم من الإيجابيات الكثيرة المترتِّبة على سوق المشتقّات، إلاّ أن سوء الاستغلال من هذه الأدوات قد تحوَّل مؤخَّراً إلى إحدى أهمّ المعضلات في العالم المعاصر، بحيث يرى معه الكثير من المنظِّرين أن هذا الأمر يمثِّل الجَذْر الأصلي للكثير من الأزمات في الأسواق المالية، بل في جميع المنظومة الاقتصادية. إن السبب الرئيس لهذه الظاهرة يعود إلى انتشار هذه الأدوات على نطاقٍ واسع، إلى الحدّ الذي يتمّ في بعض الموارد طرح عقود قد تبلغ أكثر من عشرة أضعاف البضائع، وهذا الأمر يدفع بالاقتصاد نحو سيادة السوق غير الواقعيّ، ويعمل على بلورة أسعار فقاعية. وحيث إن الاستفادة من هذه الأدوات قد ظهَرَتْ حديثاً، وإنها آخذةٌ بالازدياد والصعود التدريجي، يتعيَّن على الجهات المعنيّة في سوق الاستثمار أن تتصدّى لهذه الظاهرة، وتعمل على وضع القرارات والقوانين؛ للحدّ من ظاهرة سوء الاستغلال في هذا الشأن.
الهوامش
(*) طالبٌ وباحثٌ في الحوزة العلميّة في قم، متخصِّصٌ في العلوم الاجتماعيّة والاقتصاد.
(**) أستاذٌ مساعِدٌ في كلِّية العلوم الاقتصاديّة في جامعة الخوارزمي، طهران.
([1]) Derivatives Instruments Financial.
([2]) سوق المشتقّات (Derivative market): مصطلحٌ اقتصادي يعني السوق المالية للعقود الاشتقاقية، وهي أدواتٌ مالية تشتقّ قيمتها من أصلٍ أساسي، يمكن أن يكون حقيقيّاً (مادّياً) أو نقديّاً (ماليّاً)، كالأسهم والسندات والذهب. (المعرِّب).
([7]) انظر: علي معصومي نيا، أبزارهاي مشتقة: بررسي فقهي ـ اقتصادي (الأدوات المشتقّة، بحث فقهي ـ اقتصادي): 261، پژوهشگاه فرهنگ وأنديشه إسلامي، ط2، طهران، 1389هـ.ش. (مصدر فارسي).
([8]) انظر: محمد المؤمن القمّي، كلمات سديدة في مسائل جديدة: 231، مؤسسة النشر الإسلامي، ط1، قم، 1415هـ.
([9]) انظر: المصدر السابق: 243.
([10]) انظر: محمد المؤمن القمّي، عقد اختيار (عقد الاختيار)، مجلّة فقه أهل البيت^، العدد 32، 1382هـ.ش. (مصدر فارسي).
([11]) انظر: وهبة الزحيلي، المعاملات المالية المعاصرة، بحوث وفتاوى وحلول: 502 ـ 509، دار الفكر، ط1، دمشق، 1423هـ.
([12]) انظر: شعبان محمد إسلام البرواري، بورصة الأوراق المالية من منظورٍ إسلامي: 235، دار الفكر، دمشق، 1423هـ.
([13]) انظر: محمد فطانت وإبراهيم آغاپور، أوراق اختيار معامله (Option) در بازار سرمايه إيران (أوراق اختيار العقد (Option) في سوق الاستثمار الإيراني)، مؤسسه تحقيقات پولي وبانكي، طهران، 1380هـ.ش. (مصدر فارسي).
([14]) انظر: عبيد الله عصمت باشا، فلسفه وسير تكاملي أبزارهاي مالي مشتقه وديدگاه هاي فقهي (الفلسفة والمسار التكاملي للأدوات المالية المشتقة والآراء الفقهية)، ترجمه إلى اللغة الفارسية: علي صالح آبادي، المجلة الفصلية علمي پژوهشي اقتصاد إسلامي، العدد 9، السنة الثالثة، ربيع 1382هـ.ش. (مصدر فارسي).
([15]) انظر: مجيد رضائي، بررسي فقهي أبزارهاي مالي مشتقه (بحث الأدوات المالية المشتقة من الناحية الفقهية)، المجلة الفصلية علمي پژوهشي اقتصاد إسلامي، العدد 11، السنة الثالثة، خريف 1382هـ.ش. (مصدر فارسي).
([16]) انظر: مجيد رضائي، أوراق اختيار معامله در منظر فقه إمامية (أوراق اختيار العقد من زاوية فقه الإمامية)، المجلة الفصلية پژوهشي دانشگاه إمام صادق×، العدد 25، دانشگاه إمام صادق×، طهران، ربيع 1384هـ.ش. (مصدر فارسي).
([17]) انظر: پرويز شيري زاده، قراردادهاي اختيار معامله سهام ومقايسه آن با قواعد عمومي قراردادها در حقوق إيران وفقه إسلامي (عقود اختيار معاملة الأسهم ومقارنتها بالقواعد العامة والعقود في الحقوق الإيرانية والفقه الإسلامي)، أطروحة على مستوى الماجستير، دانشگاه إمام صادق×، طهران، 1384هـ.ش. (مصدر فارسي).
([18]) انظر: راضية عبد الصمدي ومحمد تقي رفيعي، بررسي حقوقي أوراق اختيار معامله در بازار بورس أوراق بهادار (دراسة حقوقية حول أوراق اختيار العقد في سوق بورصة الأوراق المالية)، مجلة أنديشه هاي حقوقي، العدد 10، السنة الرابعة، دانشگاه طهران، طهران، ربيع وصيف 1385هـ.ش. (مصدر فارسي).
([19]) انظر: علي معصومي نيا، أبزارهاي مشتقة: بررسي فقهي ـ اقتصادي (الأدوات المشتقة، بحث فقهي ـ اقتصادي).
([20]) انظر: جواد حسين زاده وعبد الحسين شيروي، وضعيت فقهي وحقوقي قرارداد اختيار معامله (الوضع الفقهي والحقوقي لاختيار العقد)، المجلة الفصلية علمي پژوهشي اقتصاد إسلامي، العدد 27، السنة السابعة، خريف 1386هـ.ش. (مصدر فارسي).
([21]) انظر: محمد علي خادمي، بررسي فقهي قرارداد اختيار Option (دراسة فقهية في عقد الاختيار Option): 26، مجلة پژوهش نامه فقهي، العدد 1، السنة الأولى، جامعة المصطفى| العالميّة، قم، 1389هـ.ش. (مصدر فارسي).
([23]) See: Hudson, Alastair, 2006, The Law on Financial Derivatives; 4th edn, London: Sweet & Maxwell, p. 28; Cuthbertson, K & Nitzsche, 2000, Financial Engineering- Derivatives and Risk Management; London: John Wiley & Sons Ltd p. 169.
وانظر أيضاً: حسن گلريز، فرهنگ توصيفي اصطلاحات پول بانكداري ومال (معجم وصفي لمصطلحات النقد والصيرفة والمال): 307، نشر فرهنگ معاصر، طهران، 1380هـ.ش؛ مسعود درخشان، مشتقات ومديريت ريسك در بازارهاي نفت (مشتقات وإدارة المجازفة في أسواق النفط): 192، مؤسسة تحقيقات بين المللي إنرژي، 1383هـ.ش؛ محمد فطانت وإبراهيم آغاپور، أوراق اختيار معامله (Option) در بازار سرمايه إيران (أوراق اختيار العقد (Option) في سوق الاستثمار الإيراني): 16؛ شعبان محمد إسلام البرواري، بورصة الأوراق المالية من منظور إسلامي: 222.
([25]) انظر: علي معصومي نيا، أبزارهاي مشتقة، بررسي فقهي ـ اقتصادي (الأدوات المشتقة، بحث فقهي ـ اقتصادي).
([26]) انظر: المحقّق أبو القاسم الحلّي، شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام 1: 13، دار الأضواء، بيروت، 1403هـ؛ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 22: 213، تحقيق وتصحيح: الشيخ عباس قوجاني، دار إحياء التراث العربي، ط7، 1413هـ؛ السيد عباس موسويان وجواد عبادي، فرهنگ اصطلاحات فقهي وحقوقي معاملات، پژوهشكده پولي وبانكي، 1387هـ.ش.
([27]) انظر: علي معصومي نيا، أبزارهاي مشتقة، بررسي فقهي ـ اقتصادي (الأدوات المشتقة، بحث فقهي ـ اقتصادي).
([28]) لإيضاح الأقسام المذكورة لا بُدَّ من الرجوع إلى المصادر ذات العلاقة في هذا الشأن، ومنها ـ على سبيل المثال ـ: مسعود درخشان، مشتقات ومديريت ريسك در بازارهاي نفت (مشتقات وإدارة المجازفة في أسواق النفط): 194 ـ 196؛ محمد فطانت وإبراهيم آغاپور، أوراق اختيار معامله (Option) در بازار سرمايه إيران (أوراق اختيار العقد (Option) في سوق الاستثمار الإيراني): 20 ـ 25؛ علي معصومي نيا، أبزارهاي مشتقة، بررسي فقهي ـ اقتصادي (الأدوات المشتقة، بحث فقهي ـ اقتصادي).
([29]) إن الوجه في تسمية (Call) و(Put) لـ (Option) هو أن «اختيار الشراء» يمنح المشتري هذا الحقّ، في أنه إذا رغب في ذلك أمكنه أن يطلب البضاعة الأساسية من طرف آخر (Call)؛ واختيار البيع يعطي للمالك ـ أي المشتري ـ هذا الحقّ، في أنه إذا أراد أمكن له أن يعرض البضاعة الأساسية على الطرف الآخر (Put). (مسعود درخشان، مشتقات ومديريت ريسك در بازارهاي نفت (مشتقات وإدارة المجازفة في أسواق النفط): 24).
([30]) انظر: علي معصومي نيا، أبزارهاي مشتقة، بررسي فقهي ـ اقتصادي (الأدوات المشتقة، بحث فقهي ـ اقتصادي).
([31]) انظر: الشيخ مرتضى الأنصاري، كتاب المكاسب 3: 7، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري، قم، 1420هـ.
([32]) انظر: النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 22: 208.
([33]) انظر: أحمد بن محمد مهدي النراقي، مستند الشيعة في أحكام الشريعة 14: 306، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، 1418هـ.
([34]) انظر: السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، مصباح الفقاهة 2: 13، مؤسسة نشر الفقاهة، قم، 1419هـ.
([35]) النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 22: 208.
([36]) انظر: الخوئي، مصباح الفقاهة 2: 13.
([37]) انظر: السيد روح الله الخميني، كتاب البيع 1: 33، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، طهران، 1421هـ.
([38]) انظر: ناصر مكارم الشيرازي، أنوار الفقاهة 1: 23، مدرسة الإمام أمير المؤمنين×، قم، 1413هـ.
([39]) محمد المؤمن القمّي، كلمات سديدة في مسائل جديدة: 237.
([40]) انظر: علي معصومي نيا، أبزارهاي مشتقة، بررسي فقهي ـ اقتصادي (الأدوات المشتقة، بحث فقهي ـ اقتصادي): 315.
([41]) انظر: السيد محمد كاظم اليزدي، حاشية المكاسب 1: 55، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، قم، 1378هـ.ش.
([43]) الخوئي، مصباح الفقاهة 2: 45.
([44]) اليزدي، حاشية المكاسب 1: 56.
([45]) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 2: 272، ح7، 1403هـ.
([46]) محمد بن الحسن الحُرّ العاملي، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، ج 11، الباب 12، مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، ط2، قم، 1409هـ.
([47]) انظر: علي معصومي نيا، أبزارهاي مشتقة، بررسي فقهي ـ اقتصادي (الأدوات المشتقة، بحث فقهي ـ اقتصادي).
([48]) هكذا ورد في الأصل. والصحيح أنها الآية 8 من سورة المنافقون. (المعرِّب).
([49]) انظر: اليزدي، حاشية المكاسب 1: 56.
([50]) انظر: جعفر السبحاني، الشركة والتأمين في الشريعة الإسلامية الغرّاء: 254، مؤسّسة الإمام الصادق×، قم، 1431هـ.ش.
([51]) الحرّ العاملي، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة 19: 161.
([52]) حسن بن يوسف ابن المطهَّر الأسدي (العلاّمة الحلّي)، مختلف الشيعة 2: 114.
([53]) هكذا ورد في الأصل. ورُبَما كان الصحيح (عمرو بن شمر). (المعرِّب).
([54]) انظر: المصدر السابق 2: 133.
([55]) انظر: يوسف بن أحمد (المحدّث البحراني)، الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة 22: 20، تحقيق وتصحيح، الشيخ محمد تقي الإيرواني والسيد عبد الرزاق المقرّم، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1405هـ.
([56]) انظر على سبيل المثال: العلاّمة الحلّي، تحرير الأحكام 3: 21، مؤسّسة الإمام الصادق×، طهران، 1420هـ.
([57]) انظر: السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، العروة الوثقى 6: 185، مؤسسة النشر الإسلامي، 1423هـ.
([58]) انظر: المصدر السابق: 186.
([59]) انظر: النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 27: 356.
([60]) انظر: المحقق النراقي، مستند الشيعة في أحكام الشريعة 14: 83.
([61]) انظر: الراغب الإصفهاني، الغريب في مفردات القرآن، مادة (غر)؛ محمد بن مكرم ابن منظور الأفريقي، لسان العرب، مادة (غر)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ.
([62]) انظر: القاموس، مادّة (غر).
([63]) انظر: الصحاح، مادّة (غر).
([64]) انظر: الأنصاري، كتاب المكاسب 3: 186.
([65]) انظر: محمد حسين الإصفهاني، حاشية المكاسب 1: 300، مجمع الذخائر الإسلامي، قم.
([66]) انظر: الخوئي، مصباح الفقاهة 3: 548، 1377هـ.ش.
([67]) انظر: المحقق النراقي، مستند الشيعة في أحكام الشريعة 14: 89.
([68]) انظر: الحسيني المراغي، العناوين الفقهية 2: 313، مؤسسة النشر الإسلامي، 1418هـ.
([69]) الحرّ العاملي، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة 17: 448.
([70]) انظر: الحسيني المراغي، العناوين الفقهية 2: 314.
([73]) انظر: الخميني، كتاب البيع، 1379هـ.ش.