الشيخ محمد عافي الخراساني(*)
مقدّمةٌ
تقدَّم في مقالتين سابقتين([1]) وجود اختلافٍ بين اللغويّين في معنى الكلمة. وفي مثل هذه الحال يمكن للقرآنيّين أن يُشْكِلوا على الروايات النبويّة الآمرة باتِّباع كلّ سُنَّةٍ للنبيّ، ويقولوا: بمجرَّد هذا الاختلاف بينهم، وهُم متخصِّصون في هذا المجال، يُحْتَمَل جِدِّياً أن تكون «السُّنَّة» بمعنى الطريقة الجيِّدة المحمودة، فرُبَما لا تدلّ هذه الروايات حينئذٍ على وجوب اتِّباع كلّ طريقةٍ للنبيّ|، بل رُبَما تدلّ على مجرّد طريقةٍ ثبت حُسْنها بدليلٍ آخر، فليست السُّنَّة النبويّة حجّةً في حدّ ذاتها. ويجب أن نخوض في معنى الكلمة حتّى نستطيع أن نعرف دلالة هذه الأحاديث.
وفي المقالتين السابقتين قمْتُ بإثبات المعنى العامّ، عبر الاستدلال بالاستعمالات في العربيّة، ويجب أن أتناول الموضوع من زاويةٍ أخرى أيضاً، وهي آراء اللغويين والمفسِّرين والمتخصِّصين في هذا المجال. وأريد أن أقدِّم تحليلاً جديداً من آرائهم حتّى نصل إلى نتيجةٍ فيها.
وبَذَلْتُ الجهد في هذا التحقيق في الرجوع إلى مختلف المصادر اللغويّة والتفسيرية، وخصوصاً في القرون الهجرية الأولى، وأبَيْتُ الاكتفاء بمراجعة الكتب المشهورة فقط، مثل: لسان العرب ونحوه، مما هو محلّ المراجعة عادةً. ومن أجل ذلك لم أكتفِ بمراجعة بعض الموسوعات التي دُوِّنَتْ أخيراً، واجتمع فيها كثيرٌ من آراء المفسِّرين واللغويين في معنى اللغات، لكنها لا تشتمل على بعض الكتب والمؤلَّفات القيمة في القرون الهجرية الأولى([2]).
وجديرٌ بالذكر أن أنبِّه إلى أنني رُبَما أذكر بعض المفسِّرين واللغويين جنباً إلى جنبٍ في اختيار رؤيةٍ، مع أنه رُبَما أخذ بعضهم تلك الرؤية من بعضٍ، بل رُبَما صرَّح بعضهم أن الرؤية للشخص الآخر؛ فلم يكن مرادي حينئذٍ أن كلّ واحدٍ منهم اختار تلك الرؤية بدليلٍ أو شاهدٍ آخر، حتّى يكون تكريساً لتلك الرؤية، بل رُبَما تأثَّر بعضهم ببعضٍ فيها. وإنما يجب أن أذكر مثل هذا الشخص المتأثِّر أيضاً؛ لتمام الفايدة والتتبُّع، وخصوصاً إذا كانوا من القرون الأولى؛ لأن ذكر رؤية شخصٍ في كتب الآخرين هامٌّ؛ حيث إن نقل كلماته في كتبهم ـ إنْ لم يكن مشيراً إلى الأخذ بذلك القول في رؤية الناقل أيضاً في بعض السياقات ـ يعتبر كمخطوطٍ آخر لكتابه، على أقلّ تقديرٍ، ويجعلنا في وثوقٍ أكثر من نسبة كلامه إليه.
اختلاف آراء اللغويّين والمفسِّرين في معنى «السُّنَّة»
تقدّم أن اللغويين والمفسِّرين ينقسمون إلى فريقين في معنى الكلمة؛ فهناك فريقٌ ذكروا أنها بمعنى مطلق الطريقة والسِّيرة؛ وذكرها فريقٌ آخر بمعنى الطريقة الحَسَنة المحمودة.
هذا، وقد وضعْتُ فريقاً من اللغويين جانباً، وهم الذين لا يحصل من كلامهم شيءٌ يدلّ على أحد المعنيين في «السُّنَّة» بالضبط، كالفارابي، حيث اكتفى بأن يقول: «وسنَنْتُ لكم سُنّةً»([3])، دون أيّ توضيحٍ، ومثل: ابن السيد البطليوسي، حيث قال: «والسُّنَّة: ما يُسَنّ للناس»([4]).
وفي البداية أقوم بسَرْد أقوالهم، ثمّ أذكر الخلاصة والنتائج.
ولا أريد هنا البحثَ في الاستعمال القرآني، وقد تقدَّم الكلام حوله بالتفصيل في إحدى المقالتين السابقتين، ولا أريد أيضاً البحث في صحة آراء المفسِّرين في تفسير الآيات، وقد تقدم البحث حول بعض آرائهم فيها أيضاً، وإنما أريد من ذكر كلماتهم هنا فَهْم رؤيتهم في معنى الكلمة، وهل هي بمعنى الطريقة الحَسَنة عندهم أو هي عامّة تشمل كلّ طريقة؟
وأحاول الاختصار في نقل الأقوال، وأكتفي من كلماتهم بموضع الحاجة:
القائلون بالطريقة الحَسَنة المحمودة
قال النحّاس(338هـ): «السُّنَّة في كلام العرب الطريق المستقيم، وفلانٌ على السُّنَّة أي على الطريق المستقيم، لا يميل إلى شيءٍ من الأهواء»([5]).
وللأزهريّ(370هـ) نُقُولٌ في التهذيب؛ فقد ذكر، بعد نقلٍ عن اللحياني (توفي أول القرن الثالث الهجري): «السُّنَّة الطريقةُ المستقيمة المحمودة، ولذلك قيل: فلانٌ من أهل السُّنَّة، وسَنَنْتُ لكم سُنَّةً فاتَّبعوها. وفي الحديث: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنةً فله أجْرُها وأجْرُ مَنْ عَمل بِها؛ ومَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئةً»([6]) يُريد مَنْ عَمِل بها ليُقتَدَى به فيها»([7]). ولا يتَّضح أنه من كلام اللحياني أو من نفس الأزهري([8]).
ونقل عن شمر بن حمدويه(255هـ): «السُّنَّة في الأصل: سُنَّة الطريق. وهو طريقٌ سَنَّه أوائل الناس فصار مسلكاً لمَنْ بعدهم. وسَنّ فلانٌ طريقاً من الخير يَسُنّه: إذا ابتدأ أمراً من البِرّ لم يَعْرِفه قَومُه، فاستَنُّوا به وسَلَكُوه»([9]).
ونقل عن أبي بكر الأنباري(328هـ): «قولهم فلان من أهل السُّنَّة معناه: من أهل الطَّريقة المستقيمة المحمودة، وهي مأخوذةٌ من السَّنَن، وهو الطريق»([10]). وقال نفس الأزهري أيضاً: «السُّنَّة: الطريقة المستقيمة… وسَنّ اللهُ سُنَّةً أي بَيَّن طريقاً قويماً»([11]).
ونقل الشوكاني(1250هـ) عن الخطّابي(380هـ): «أصلها الطريقة المحمودة، فإذا أُطلقت انصرفَتْ إليها، وقد تستعمل في غيرها مقيّدةً، كقوله: «مَنْ سَنَّ سُنَّة سيّئة»»([12]).
وذكرها فريقٌ ـ غير النحّاس والأزهري ـ بمعنى «الطريقة المستقيمة»، مثل: الراغب الإصفهاني(425هـ) في موضعٍ من تفسيره([13])، ومكّي بن حموش(437هـ)([14])، والشوكاني في تفسيره([15]). وذكرها الفخر الرازي أيضاً بمعنى «الطريقة المستقيمة والمثال المتَّبع»([16]).
وقال الأزدي(466هـ) في كتاب الماء: «السُّنَّة: الطريقة المحمودة»([17]).
وقال الجواليقي(539هـ): «الطريقة المستقيمة المحمودة»([18])، واستشهد بـ «فلان من أهل السُّنَّة»، تماماً مثل ما تقدَّم في التهذيب عن اللحياني وابن الأنباري.
القائلون بمطلق الطريقة أو السِّيرة
إن أغلب اللغويّين والمفسِّرين قائلون بهذا المعنى للكلمة([19]). ويعرف هذا إما من تصريحهم؛ أو من اكتفاءهم بذكر الطريقة ومثلها في ذكر المعنى؛ أو من سياق كلماتهم، كما ستأتي الإشارة إليها إنْ شاء الله.
والذين صرَّحوا بالمعنى العامّ هم: أبو عمرو الشيباني(206هـ)([20])؛ وابن دريد(421هـ)([21])؛ وابن سيده(458هـ)([22])؛ والبغوي(510هـ)([23])؛ والفيومي(770هـ)([24])؛ والشريف الجرجاني(816هـ)([25])؛ وعبدالقادر بن عمر البغدادي(1093هـ)([26])، حيث ذكر كلُّ واحدٍ منهم أنها تطلق على السيرة الحَسَنة والقبيحة معاً. وكذلك في المفسِّرين أيضاً، هناك مَنْ صرّح بالمعنى العامّ للكلمة، واستعمالها في الخير والشرّ، مثل: الطبري(310هـ)([27])؛ والثعلبي(427هـ)([28])؛ والحدادي(420هـ)([29])؛ والماوردي(450هـ)([30])؛ وذكر العزّ بن عبد السلام(660هـ) مثل قول الماوردي([31])، وغيره مثل الآمدي(631هـ)([32])، و….
وفي كلام الزجّاج وابن الأنباري أيضاً نوعٌ من التصريح. قال ابن الأنباري(328هـ): «وقولهم: فلان من أهل السُّنَّة… معناه: من أهل الطريقة المحمودة، فحذف نعت السُّنَّة؛ لانكشاف معناه. والسُّنَّة معناها في اللغة: الطريقة. وهي مأخوذةٌ من السَّنَن وهو: الطريق»([33]). وقال الزجّاج(311هـ): «السُّنَّة الطريقة، وقول الناس: فلان على السُّنَّة معناه على الطريقة، ولم يحتاجوا أن يقولوا على السُّنَّة المستقيمة؛ لأن في الكلام دليلاً على ذلك، وهذا كقولنا: «مؤمن» معناه مصدّق، وفي الكلام دليلٌ على أنه مؤمنٌ بأوامر الله عزَّ وجلَّ التي أمر بالإيمان بها»([34]).
وأعتقد أن رؤية هذين الخبيرين في اللغة ذات أهمِّية كبيرة في هذا الإطار، حيث تساعدنا في معرفة المنشأ لخطأ الفريق الآخر، وسأشير إليه في نهاية المطاف.
ونقل ابن عطيّة(542هـ) أيضاً عن الزجاج: «وسُنَّة الإنسان: الشيء الذي يعمله ويواليه»([35]).
هناك فريقٌ آخر ليس في كلماتهم تصريحٌ بعمومية المعنى للكلمة وهل أنها تصدق على الطريقة الحَسَنة والقبيحة معاً أو لا؟ وإنما ذكروها بمعنى «الطريقة» أو «السيرة» أو «العادة» ومثلها، لكنْ لا توجد أيّ إشارة في كلامهم إلى صفةٍ إيجابية في معنى الكلمة تدلّ على أنها طريقةٌ حَسَنة فقط، مع أنهم بصدد بيان معنى اللفظ بشكلٍ كامل في كتبهم، كما هو الغرض من تأليف الكتب اللغوية عادةً. وهكذا أيضا في الكتب التفسيرية؛ حيث إنهم يريدون أن يبيِّنوا معنى الكلمة لمعرفة معنى الآيات. لكنّ الأمر في الكتب اللغوية أوضح؛ لأن المفسِّرين قد يكتفون بتوضيحاتٍ قليلةٍ حول معنى الكلمات في الآيات.
فمن هؤلاء:
اكتفى بعضهم بلفظ «السيرة» في توضيح معنى «السُّنَّة»، مثل: الجوهري(393هـ)([36])؛ والفيروزآبادي(817هـ)([37])؛ والقرشي اليماني(744هـ)([38]).
ومن هذا الفريق: ابن فارس(395هـ)، حيث إنه ـ بعد ذكر معنى أصل مادّة (س ن ن)([39]) في كتابه المقاييس ـ قال: «وممّا اشتقّ منه السُّنَّة، وهي السِّيرة. وسُنَّة رسول الله×: سيرته»([40]). وفي كتابه الآخر، مجمل اللغة أيضاً، اكتفى بكلمة «السِّيرة» في ذكر المعنى([41]).
واكتفى بعضهم بكلمة «العادة» في معنى الكلمة، مثل: صاحب بن عبّاد(385هـ)([42]). وذكرها عبد الرحمن الثعالبي(875هـ) بمعنى الطريقة والعادة([43]). واكتفى بعضهم بكلمة «الطريقة» في توضيح المعنى، مثل: المطرزي(610هـ)، حيث قال: «السُّنَّة: الطريقة، ومنها: الحديث في المجوس: «سُنُّوا بِهم سُنّة أهل الكتاب» أي اسلكوا بهم طريقَهم، يعني عاملوهم معاملة هؤلاء في إعطاء الأمان بأخذ الجِزْية منهم»([44]). واستشهاده بالحديث دون ذكر أيّ معنىً إيجابي في توضيحها دليلٌ على أن «السُّنَّة» بالمعنى العامّ في نظره. وذكرها كثيرٌ منهم بمعنى «السِّيرة» و»الطريقة» معاً، مثل: ابن الأثير(606هـ)([45])؛ والحميري(573هـ)([46])؛ والطريحي(1085هـ)([47])، ومن المفسِّرين أيضاً، مثل: السجستاني(330هـ)([48])؛ والقرطبي(671هـ)([49]).
وقال أبو حاتم الرازي(322هـ): «السُّنَّة في كلام العرب السِّيرة والرسم الذي يرسمه الإنسان، فيقتدى به من بعده، وعلامةٌ وطريقةٌ ومثالٌ يمثِّله لمَنْ يقتدي به»([50]).
وإنّ كُلَّ مَنْ استشهد بشعر الهذلي([51]) في معنى «السُّنَّة» يمكن عَدُّه ممَّنْ يصرِّح بعمومية معنى الكلمة، وإنْ تقدّم ذكرهم، مثل: الجوهري؛ وابن فارس؛ والحميري؛ والقرطبي؛ لأن المعنى العام للكلمة في سياق هذا الشعر واضحٌ، كما تقدَّم تفصيله في المقالة السابقة. فالقائل بمعنى الطريقة المحمودة لا يمكنه أن يستدلّ بهذا الشعر على المعنى الإيجابي.
واكتفى بعضهم بذكر «المثال المتَّبع والإمام المؤتمّ به»، مثل: الواحدي النيسابوري(468هـ)([52]). وقال عبد القاهر الجرجاني(471هـ): «هو ما وضع من رسم ومثال في السِّيرة»([53])، فأشار إلى حيثيّة الاتِّباع فيها.
وقال الزجاجي(340هـ) في ذيل خبر وفد همدان([54]): «السُّنَّة: الطريقة»([55]). وقال المديني(581هـ) أيضاً في ذيل الخبر: «أي لا ينقض عهدهم بسعي ساعٍ بالنميمة والإفساد، كما يقال: لا أفسد ما بيني وبينك بمذاهب الأشرار»([56]). وذكر ابن الأثير أيضا مثله([57]). وحيث إنهم اكتفوا بذكر «الطريقة» في معنى الكلمة دون أيّ إشارةٍ إلى حُسْنها يتَّضح أن الكلمة عند هؤلاء أيضاً بالمعنى العامّ. ومضافاً إلى ذلك فإن المعنى العام للكلمة واضحٌ في هذا الخبر، فالسُّنَّة فيه من المصاديق السيّئة للطريقة؛ حيث إنها منسوبةٌ فيه إلى الساعي والعين ـ كما تقدَّم ـ، فإنْ كانت «السُّنَّة» في نظرهم بالمعنى الإيجابي لما أمكن أن يكتفوا بذكر «الطريقة» في معنى الكلمة، من دون ذكر توجيهٍ في استعماله في هذا الخبر بهذا الشكل.
وقال ابن قتيبة(276هـ): ««وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ» أي تقدَّمَتْ سيرة الأوّلين في تكذيب الأنبياء»([58]). فيتَّضح أن «السُّنَّة» عنده بالمعنى العامّ، حيث إن «السُّنَّة» هنا طريقةٌ سيّئة.
وقال أبو عبيد الهروي(401هـ): ««قد خَلَتْ من قبلكم سُنَنٌ»([59])، قال الأزهري: أي أهل سُنَن، أي أهل طرائق، والسُّنَّة: الطريق. في الحديث في المجوس: سُنُّوا بهم سُنَّة أهل الكتاب، أي خذوهم على طريقتهم، يقول: آمنوهم واقتصروا بهم على الجِزْية»([60]) وهذا النقل من الأزهري ظاهرٌ في المعنى العام. وذكر أبو عبيد بعد عدّة أسطر أيضاً، من غير أن ينقل عن الأزهري: «والسُّنَّة معناها في كلامهم الطريقة».
وقال أبو هلال العسكري(395هـ) في ذكر الفَرْق بين السُّنَّة والعادة: «إن العادة ما يديم الإنسان فعله من قِبَل نفسه، والسُّنَّة تكون على مثالٍ سبق»([61]). ولم يذكر فرقاً آخر، مع أن «العادة» تشمل المصاديق الحَسَنة والقبيحة معاً بشكلٍ واضح، فلو كانت «السُّنَّة» في رؤيته مختصّةً بالمعنى الإيجابي لما أمكنه أن لا يشير إليه.
هذا، مع أنني لا أظنّ أن العسكريَّ أصاب في بيان هذا الفَرْق؛ لأن معنى «سُنَّة زيد» ـ وفقاً لرؤيته ـ طريقةٌ كانت يُعْمَل بها قَبْلَ زيدٍ، وهذا خلاف ما يستظهر من كلمات العرب؛ لأن الظاهر من «سُنَّة زيد» في كثيرٍ من الموارد هو الطريقة التي أنشأها زيدٌ نفسه، ولم تكن قبله. فالأرجح في ظنّي أن نقول في الفَرْق بينهما أن منشأ «العادة» أعمّ من يكون إراديّاً أو عفويّاً وتلقائيّاً، بخلاف «السُّنَّة». وبعبارةٍ أخرى: إنّ العادة قد تستعمل في ما يكون ناشئاً من طبيعة الأشخاص، من دون أن يكون من ورائها وَعْيٌ وإرادةٌ، مثلاً: عادةُ زيدٍ أن يشرب الماء في أثناء أكل الغداء، لكنّ «السُّنَّة» تستعمل فقط في ما يكون منشؤه إراديّاً، ولا تشمل هذه الموارد. ويمكن أن نقول أيضاً: إن «السُّنَّة» تحدث ليتَّبعها الآخرون ـ كما أشار إلى هذه الحيثيّة عدّةٌ من اللغويّين، وستأتي الإشارة إليه ـ، بخلاف الحال في «العادة»، كما هو الفَرْق بينها وبين الطريقة، وسيأتي توضيحه إنْ شاء الله.
وقال الراغب الإصفهاني، في موضعٍ آخر من تفسيره ـ غير ما تقدَّم ـ : «والسُّنَّة: الطريقة المجعولة للاقتداء بها، محسوسةً كانت أو معقولةً. وعنى بالسُّنَّة هاهُنا([62]) ما كان من القرون الأولى أخيارهم وأشرارهم، وما كان في مقابلتهم منه تعالى ومجازاته إيّاهم، إنْ خيراً فخيراً؛ وإنْ شرّاً فشرّاً، في الدنيا تارةً؛ وفي الآخرة تارةً»([63]). ويبدو من تطبيقه «السُّنَّة» في الأخيار والأشرار أنه قائلٌ بالمعنى العامّ. وقال في المفردات: «تنحَّ عن سَنَنِ الطريق وسُنَنِهِ وسِنَنِهِ، فالسُّنَنُ: جمع سُنَّةٍ، وسُنَّةُ الوجه: طريقته، وسُنَّة النبيّ: طريقته التي كان يتحرّاها»([64]) لكنّ كلامه في المفردات ليس فيه صراحةٌ حتّى يستفاد منه المعنى العامّ بشكلٍ واضح.
وقال الزبيدي(1205هـ): «السُّنَّة: السيرة، حَسَنةً كانت أو قبيحةً». ثم إنه بعد ذكر هذا الكلام حكى في ذيله مباشرةً عن الأزهري «السُّنَّة: الطريقة المحمودة المستقيمة»([65]). ثمّ ذكر أيضاً بعد عدّة أسطر: «سَنَّ اللهُ سُنَّةً أي بَيَّن طريقاً قويماً»([66]).
ويستفاد المعنى العامّ من كلام مجاهد(103هـ)([67])؛ لأنه قال: ««قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ» يعني في المؤمنين والكافرين، في الخير والشرّ»([68])؛ فإن تعميمه للخير وأهله والشرّ وأهله يشير إلى شمولية معنى السُّنَن في رؤيته. وبعبارةٍ أخرى: إن تفسير مجاهد للمعنى وإنْ لم يكن توضيحاً للمعنى اللغويّ، بل كان تفسيراً بالمصاديق، إلاّ أن مجرّد هذا التطبيق يشهد أن الكلمة ـ في رؤيته ـ ذات دلالة تشمل المصاديق الحَسَنة والسيّئة معاً. إلاّ أن يُقال: إن استخدامه كلمة «في» رُبَما يدلّ على أن المعنى عنده سُنَّة الله في المؤمنين والكافرين في ثواب الأبرار بالخير وعقاب الأشرار بالشرّ، فهي طريقة الله، وحينئذٍ لا يمكن الاستشهاد بكلامه.
وفي التفسير المنسوب إلى زيد بن عليّ(122هـ) في ذيل قوله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ﴾ (فاطر: 43): «معناه: إلاّ دأب الأوّلين وصنيعهم»([69]). فمن كلامه يُفْهَم أن «السُّنَّة» عنده بالمعنى العامّ.
وقال مقاتل بن سليمان(150هـ): «﴿وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ﴾ (الحجر: 13) بالتكذيب لرسلهم بالعذاب»([70]). ومعنى كلامه أن سنّة الأولين هي تكذيب رسلهم، كأنّ الآية في رؤيته هكذا: كانت طريقة الأوّلين تكذيب الأنبياء وقد خُتمَتْ هذه الطريقة بالعذاب. لكن كلامه ليس واضحاً، ورُبَما يريد بقرينة ذكر «بالعذاب» أن الآية تقول: قد مضَتْ سُنَّة الله بعذاب الأوّلين؛ لأجل تكذيبهم.
قال أبو عبيدة معمر بن مثنّى(209هـ): ««سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ» أي سبل الذين من قبلكم».([71]) لكنْ يحتمل أن الآية تشير إلى الشرائع السابقة، لا أهل العذاب ـ كما تقدَّم ـ، فلا نجزم بكون الكلمة في رؤيته بالمعنى العامّ. لكنْ حيث لا توجد أيّ إشارةٍ في كلامه إلى الشرائع السابقة فيؤيّد المعنى العام.
قال الشيخ الطوسي(460هـ): «والسُّنَّة: الطريقة المجعولة ليقتدى بها، فمن ذلك سُنَّة رسول الله|»([72]). ولم يُشِرْ إلى أيّ دلالةٍ إيجابيّة في لفظ «السُّنَّة». وتبعه على ذلك الطبرسي(548هـ)([73]).
وقال ابن الجوزي(597هـ): ««قد خَلَتْ من قبلكم سُنَنٌ» أي قد مضى من قبلكم أهل سنن. فَانْظُروا ما صنعنا بالمكذِّبين منهم.»([74]). فمن سياق كلامه يتَّضح أنه قائلٌ بالمعنى العام للكلمة.
وقال السمين(756هـ): «هي الطريقة التي يكون عليها الإنسان ويلازمها»([75]). وذكر الشربيني(977هـ) أيضاً مثله([76]). وقال الشوكاني في إرشاد الفحول: «أما لغةً فهي الطريقة المسلوكة»([77]).
وذكرها شارحو الحديث من الإمامية أيضاً بالمعنى العامّ، مثل: الفيض الكاشاني(1091هـ)([78])؛ ومحمد باقر المجلسي(1111هـ)([79])؛ وصالح المازندراني(1081هـ)([80]).
هذا وقد استفاد عددٌ من اللغويين من كلمة «السُّنَّة» في تعريف معنى «السِّيرة»، مثل: ابن فارس([81])؛ وابن سيده([82])؛ والصاحب بن عبّاد([83])؛ والفيروزآبادي([84])؛ والزبيدي([85]). وحيث إن عمومية معنى السِّيرة واضحةٌ فهذه قرينةٌ أخرى على أنها بالمعنى العام عندهم. كما يؤيِّده أن بعض المفسِّرين استفادوا من «السُّنَّة» في بيان معنى الدَّأْب في قوله تعالى: ﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ (آل عمران: 11)([86]). لكنْ رُبَما يشكل على الاستدلال أن هذه الاستعمالات إنما هي في كلام اللغويّين والمفسِّرين، لا كلام العرب الأصيل الذي يصحّ الاستشهاد به، فيحتمل أنهم استخدموا في بيان معنى الكلمات ألفاظاً تنسجم مع لُغَة عصرهم، فلذلك ذكرته على مستوى التأييد فقط، لكنه ـ مع ذلك ـ دليلٌ مهمّ على عمومية معنى الكلمة في القرون التالية.
وراجعَتُ الكتب التفسيرية للمعاصرين أيضاً، ويبدو أنهم أيضاً قائلون بالمعنى العامّ للكلمة، كما هو واضحٌ مع التأمُّل في عباراتهم، مثل: ابن عاشور([87])؛ ورشيد رضا([88])؛ والطنطاوي([89])؛ والمراغي([90])؛ وعبد الأعلى السبزواري([91])؛ ومحمد جواد مغنيّة([92])؛ ومحمد حسين فضل الله([93])؛ ووهبة الزحيلي([94]) و….
النتائج النهائيّة، مقارباتٌ تحقيقيّة
يبدو من مجموع ما تقدَّم أن عدداً من الذين ذكَرْناهم تحت عنوان القائلين بمعنى الطريقة الحَسَنة لا يتَّضح من كلامهم أنهم قائلون بهذا المعنى. ومن هذا الفريق: مَنْ ذكرها بمعنى «الطريقة المستقيمة»؛ لأن «المستقيمة» في كلامهم يحتمل أن تكون من القِوام بمعنى الثبات والدوام، يعني الطريقة الثابتة المستمرّة، فلا تدلّ على معنى إيجابيّ بالضرورة. ويؤيِّده([95]) أن أبا هلال العسكري أيضاً فرَّق بين «الصواب» و»المستقيم» بأن الأوّل يستعمل للحَسَن والمحمود فقط، لكنّ الثاني يستعمل لكلّ ما يكون على منوالٍ واحدٍ وإنْ كان قبيحاً([96]). وتزيد قوّة هذا الاحتمال في كلام الفخر الرازي، حيث إنه قال: «الطريقة المستقيمة والمثال المتَّبع»، ويبدو أنه ذَكَرَ «المثال المتبع» كبيانٍ مستقلٍّ آخر لمعنى السُّنَّة، إلى جانب «الطريقة المستقيمة»، والظاهر أنه عطف تفسير، ويبدو من عمومية المعنى في «المثال المتَّبع» أن «المستقيمة» أيضاً بمعنى المستمرّة هنا، وليس فيها معنىً إيجابيّ. كما أن الراغب ـ وهو ممَّنْ ذكر «المستقيمة» في معنى «السُّنَّة» ـ صرَّح في موضعٍ آخر من تفسيره أن «السُّنَّة» تصدق على طريقة الأشرار أيضاً، كما تقدَّم. وفي تعريفه لها أيضاً اكتفى بـ «الطريقة المجعولة للاقتداء»، دون أيّ إشارةٍ إلى معنىً إيجابيّ لها. وفي المفردات أيضاً ـ مع أنه لم يصرِّح بشيءٍ ـ لا توجد أيّ إشارةٍ إلى معنىً إيجابيّ.
وفي تأييد هذا الاحتمال([97]) يمكن أن أقول: الظاهر أن الاستمرار وعدمه هو الفَرْق بين «الطريقة» و»السُّنَّة»، ـ كما تقدَّمَتْ الإشارة إليه عند نقل كلام العسكريّ في الفروق([98]) ـ؛ لأن الطريقة قد تستعمل في سيرةٍ شخصيّة لرجلٍ من دون أن يتَّبعها الآخرون، فليس الاستمرار والدوام كقيدٍ في نفس معنى الكلمة. لكنّ «السُّنَّة» تستعمل عادةً فيما يتَّبعه الآخرون. كما تقدَّم أن فريقاً منهم ذكروا أنها بمعنى «مثال متَّبَع»([99]) وغيره ممّا يدلّ على هذا المعنى([100]). بل يبدو من كلام عددٍ منهم أن «السُّنَّة» هي الطريقة التي تُنشأ من البداية لأجل اتِّباعها من قِبَل الآخرين، حيث ذكروها بمعنى «طريقة مجعولة للاقتداء بها»([101]). فمن أجل ذلك، رُبَما ذَكَرَ هؤلاء لفظ «المستقيمة»، ولم يكتفوا بـ «الطريقة» في تعريف «السُّنَّة»؛ ليتَّضح أنها طريقةٌ مستمرّة ثابتةٌ ومُتَّبَعة، ولا يصدق عليها كلّ طريقةٍ. كما قال الشيخ الطوسي: «مَنْ عمل الشيء مرةً أو مرّتين لا يُقال: إن ذلك سُنَّةٌ؛ لأن السنّة الطريقة الجارية»([102]). وأشار إلى خصوصيّة الاستمرار كقيدٍ في معنى الكلمة.
لكنّ هذا الاحتمال وإنْ كان في نفسه جيّداً، إلاّ أنه لا يناسب كلام الزجاج، فإنه ذكر أن «أهل السُّنَّة» بمعنى «أهل السُّنَّة المحمودة»، ثمّ قال: «ولم يحتاجوا أن يقولوا: على السنّة المستقيمة؛ لأن في الكلام دليلاً على ذلك»([103])، وإرادة المعنى الإيجابي من كلمة «المستقيمة» واضحة من كلامه. ومن جهةٍ أخرى رُبَما لا ينسجم هذا الاحتمال مع استعمال لفظ «المستقيمة» في نفس كلمات الراغب([104]) والفخر الرازي([105]) ومكّي بن حموش([106])؛ حيث يوجد في كلامهم استعمال «المستقيمة» في معنىً إيجابيّ. لكنْ يحتمل أن يكون المعنى الإيجابي في تلك المواضع من كلامهم لأجل قرينةٍ، فلا يثبت أن «المستقيمة» في كلامهم هنا في تعريف «السُّنَّة» أيضاً بالمعنى الإيجابيّ. ويؤيِّده أن نفس الراغب صرّح أن أصل الاستقامة بمعنى المداومة والاستمرار: «يُقال في الطريق الذي يكون على خطٍّ مستوٍ، وبه شبّه طريق المحقّ»([107]). كما أن الشوكاني أيضاً ذكر «السُّنَّة» بمعنى «الطريقة المستقيمة»، لكنه استشهد بعده مباشرةً بشعر الهذلي([108])، مع أنه لا يمكن أبداً أن تكون «السُّنَّة» في هذا الشعر بمعنى الطريقة الحَسَنة المحمودة، كما تقدَّم، فلا معنى لكلامه إلاّ أن يكون مراده من «المستقيمة» مجرّد الاستمرار والثبات، لا الحُسْن والمعنى الإيجابيّ. نعم، لا يزال احتمال أن تكون «المستقيمة» بالمعنى الإيجابي موجوداً في كلماتهم، لكنّي لا أريد نَفْي هذا الاحتمال، وإنما أريد أن أقول أن الاحتمال المقابل أيضاً موجود مع القرائن التي أشَرْتُ إليها، فلا يمكن الجَزْم بأنهم ذكروا أن «السُّنَّة» بمعنى الطريقة الحَسَنة.
وكذلك لا يتَّضح كلام شمر بن حمدويه أيضاً؛ لأن نقْلَ الأزهري عنه لا يدلّ على أنه قائلٌ بالمعنى الإيجابي في نفس دلالة كلمة «السُّنَّة»، بل رُبَما ما ذَكَرَه من طريقة البِرّ هو مجرَّد مثالٍ للكلمة وتطبيقها، ولم يُرِدْ أنها بنفسها تدلّ على هذا المعنى. بل نقل عنه نفسُ الأزهري أيضاً بعد عدّة صفحات ما يدلّ على المعنى العامّ في رؤية شمر: «وكلُّ مَنْ ابتدأ أمراً عمِلَ به قومٌ بعده قيل: هو الذي سَنَّه»([109])، من دون أيّ إشارةٍ إلى أن ذلك الأمر يجب أن يكون أمراً حَسَناً محموداً.
وهكذا نقْلُ الأزهري عن ابن الأنباري، حيث إن نقْلَه لا ينسجم مع ما تقدَّم من نفس كتاب ابن الأنباري، ففي كتابه «الزاهر» وردت «السُّنَّة» بمعنى مطلق السِّيرة، لكن الظاهر سقوط بعض الجملات في حكاية الأزهري في التهذيب، فيُتوهَّم أن ابن الأنباري قائلٌ بمعنى الطريقة الحَسَنة. نعم، يحتمل العكس أيضاً، أي إن عدم وجود هذه الجملات لابن الأنباري في التهذيب يجعلنا في شكٍّ من الزيادة التي وردَتْ في النسخة الموجودة من كتاب ابن الأنباري، حيث إن نقل الأزهري يعتبر كنسخةٍ لكتاب ابن الأنباري على أقلّ تقديرٍ؛ لأن كتاب الزاهر كان موجوداً لديه. وحيث إني لم أجِدْ دليلاً على إبطال واحدٍ من الاحتمالين فلا يزال الاحتمال الأوّل موجوداً، وهي سقوط الجملات في النقل من كتاب الزاهر، فلا يثبت أن ابن الأنباري من القائلين بالرؤية المقيّدة لمعنى الكلمة.
وهكذا نَقْلُ الأزهري عن اللحياني أيضاً، حيث إنه لا ينسجم مع بعضه؛ لأنه بعد ذكرها بمعنى الطريقة المحمودة ذكر حديث «مَنْ سَنَّ سُنَّة سيِّئة»، ولم يَكْتَفِ بذكر الفقرة الأولى منه التي فيها «سُنَّة حَسَنة» ـ حتّى يحتمل أنه استشهد بـ «السُّنَّة الحَسَنة» على المعنى الإيجابي في نفس الكلمة ـ بل صرَّح أيضاً بالفقرة الثانية التي فيها «سُنَّة سيّئة»، ولا أدري كيف استطاع أن يدَّعي المعنى الإيجابيّ للكلمة ثمّ يذكر هذا الحديث مع وجود «سُنَّة سيّئة» فيه؟! إلاّ أن نقول بأن هذه الفقرة الأخيرة إنما ذكرها الأزهري، وليست من كلام اللحياني، لكنّه بعيدٌ عن السياق؛ أو نعتبرها من إضافات النُسّاخ والكُتّاب، لكنّه مجرّد احتمالٍ، ويحتاج إلى مزيدٍ من الشواهد؛ لإثباته.
ولم تتَّضح لي رؤية نفس الأزهري أيضاً؛ لأن ما نقل عنه صاحبه أبو عبيد الهروي يمكن اعتباره معارضاً لما تقدَّم في كتابه التهذيب؛ لأن نقل الهروي عنه ظاهرٌ في المعنى العامّ، حيث إنه لم يُشِرْ إلى معنىً إيجابي في معنى «أهل سنن» في الآية الكريمة([110])، وخصوصاً أن الآية تدعو إلى العبرة بالمكذِّبين. وصرَّح الأزهري بأن السُّنَن في الآية بمعنى الطرائق، وليست بمعنى سنّة الله فيهم بالعذاب، فـ «السُّنَّة» في هذه الآية استُعملَتْ ـ وفق رؤية الأزهري ـ في مصداقٍ قبيح للطريقة؛ لأنها طريقة المُكذِّبين ومسار أهل العذاب، فلا يعقل أن تكون سُنَّتهم طريقةً حَسَنة محمودة. ومضافاً إلى ذلك، رُبَما كان ما ذكره الأزهري في التهذيب من المعنى الإيجابي للكلمة مجرَّدَ نقلٍ لكلمات الآخرين، ولم يكن رؤيته الشخصية.
وهكذا ما ذكره الأزهريّ في التهذيب من «الطريق القويم» في معنى «سنّ الله سُنَّة» يُحْتَمَل أن يكون مراده أن «السُّنَّة» في مثل هذا السياق بالمعنى الإيجابي مثلاً إذا كانت منسوبةً إلى الله عزَّ وجلَّ.
وهكذا لم يتَّضح لي رأيُ الزبيدي في تاج العروس أيضاً؛ لأنه بعد ذكرِ تصريحٍ بعمومية معنى الكلمة ذكَرَ في ذيله عن الأزهري أنها تدلّ على المعنى الإيجابيّ فقط. ورُبَما كان هذا تردُّداً منه، ورُبَما كان مجرّدَ نقل التهذيب، ورُبَما ذكر كلام الأزهري نَقْداً للكلام السابق. ويؤيِّد الاحتمال الأخير أن الزبيدي ذكر «سُنَّة الله» بمعنى الطريق القويم ـ بصرف النظر عن الإشكال فيه([111]) ـ، لكنّه في موضعٍ آخر استخدم كلمة «السُّنَّة» في معنى «السيرة»، واستشهد بشعر الهذلي([112]). وقال في موضع آخر أيضاً: «ويُقال: استار بسيرته إذا استنَّ بسُنَّته وطريقته»([113]).
فيبقى عددٌ يسيرٌ منهم فقط، مثل: النحاس والخطّابي والأزدي، فهؤلاء فريقٌ لا تزال كلماتهم واضحةً في أن الكلمة تدلّ على المعنى الإيجابيّ. والخطّابي هو الأهمّ من بين هؤلاء في نظري، حيث إنه لم يَكْتَفِ بادّعاء أنّها بمعنى الطريقة المحمودة، بل ذكر وجهاً في توجيه استعمالات «السُّنَّة» المقيّدة بصفةٍ سلبيّة أيضاً، وهو أن «السُّنَّة» إذا استُعملَتْ مجرّدةً عن القيود السلبية بمعنى الطريقة المحمودة. وهذه خطوةٌ جيّدة، لكنْ تقدَّم في بعض الشواهد أن «السُّنَّة» استُعملَتْ في مصداقٍ قبيحٍ للطريقة، ومع ذلك لم يذكر لها قَيْدٌ في الكلام، مثل: شعر خالد الهذلي؛ لأنه في مقام عتاب طريقة سيّئة، ومع ذلك لم تُذْكَر للسُّنَّة أيّ صفةٍ سلبيّة، وخصوصاً في المصراع الثاني. وفي بعض الشواهد الأخرى أيضاً استُعملَتْ في مطلق الطريقة، وبدون أيّ معنىً إيجابيّ أو سلبيّ. ولا يتَّضح معنى كلام الخطابي أن الطريقة المحمودة هي «الأصل» للكلمة؛ لأنه لو أراد أن المعنى الحقيقي للكلمة هو الطريقة المحمودة، وتستعمل مجازاً في غيرها مع القيد، فهذا خلاف الوجدان؛ حيث لا نرى مجازاً في استعماله مقيّدة في الطريقة السيّئة. لكنّ الظاهر أنه لا يريد الحقيقة والمجاز من لفظ «الأصل»؛ لأنه يعتبر المعنى الإيجابي للكلمة هو الانصراف، لا المعنى الحقيقي، يعني أراد أن يشير فقط إلى غلبة استعمال الكلمة في المعنى الإيجابي، بحيث لو لم تقيَّد بصفةٍ سلبيّة ينصرف إلى الطريقة المحمودة.
هذا، ولكنْ لا يمكن الاعتماد على رؤية القائلين بالمعنى الإيجابيّ للكلمة، حتّى لو كانت كلماتهم واضحةً في أنها هي الرؤية الواقعية لهم؛ لأنه يُحْتَمَل جدّاً أن تكون ناشئةً من مشاهدة بعض الاستعمالات التي اتَّصفَتْ «السُّنَّة» فيها بالحُسْن، ولكنّ الصفة كانت محذوفةً؛ لقرينةٍ ـ كما أشار الزجاج وابن الأنباري في كتابه الزاهر إلى هذا الحذف ـ، ولم يلتفتوا إلى حذفها، فتوهَّموا أنها بنفسها تدلّ على المعنى الإيجابي. ولا أريد أن أقول أن هذا هو المنشأ الوحيد لوقوع الخطأ والزَّلَل في جميع هؤلاء، ولكنّه واضحٌ في كلمات بعضهم، حيث استشهدوا بـ «فلان على السُّنَّة» و»فلانٌ من أهل السُّنَّة»، مثل: النحّاس واللحياني والمنقول عن ابن الأنباري في التهذيب([114]). ويمكن أيضاً أن لا نوافق رؤية ابن الأنباري والزجاج في هذه الشواهد، ونقول بأنه ليس هناك صفةٌ محذوفة في «فلان من أهل السُّنَّة»، بل إن «السُّنَّة» فيه بالمعنى الإسلاميّ، لا اللغويّ، وهي نقيض البِدْعة، فليست فيه صفةٌ إيجابيّة محذوفة أصلاً، بل كانت «السُّنَّة» هنا بمعنى السُّنَّة النبويّة أو قريب منها. نعم، لا شَكَّ أن السُّنَّة النبويّة من أهمّ المصاديق للسُّنَّة الحَسَنة في رؤية المسلمين، لكنها أضيق بكثيرٍ من معنى «السُّنَّة الحَسَنة»، كما هو واضحٌ. فهذه الشواهد لا رَبْطَ لها بالمعنى اللغوي للكلمة أصلاً، فلا يمكن الاستدلال بها على معنى الكلمة.
ويحتمل أيضاً أن يكون المعنى الإيجابي عند هؤلاء اللغويّين ناشئاً من الثقافة الإسلامية، حيث استعملت «السُّنَّة» كثيراً ما في خصوص السُّنَّة النبوية([115])، وإلى جانب القرآن الكريم، وفي مقابل البِدْعة. بل يحتمل أن استشهادهم بـ «أهل السُّنَّة» لإثبات المعنى الإيجابي للكلمة أيضاً ناشئٌ من ثقاقة المجتمع الإسلاميّ، حيث كانت «السُّنَّة» مُشيرةً إلى مذهب أهل السُّنَّة ـ كما تقدَّم آنفاً احتمال أن تكون «السُّنَّة» في «أهل السُّنَّة» بالمعنى الإسلامي ـ؛ والقرينة على هذا الاحتمال أن القائلين بالمعنى الإيجابي للكلمة هم أبناء هذا المذهب. وأثَّرت هذه الثقافة أُنْساً في أذهان هؤلاء اللغويين، حتّى توهَّموا أن الطريقة الحَسَنة هي المعنى الحقيقي للكلمة، ولكنّهم لم يلتفتوا إلى الاختلاف بين المعنى الإسلامي للسُّنَّة ومعنى الطريقة الحَسَنة؛ حيث إن الأوّل بمعنى السُّنَّة في مقابل البِدْعة، وتنحصر بالسُّنَّة النبويّة وسُنَّة أهل البيت^ أو الصحابة فقط، فليست كلّ طريقةٍ جيّدةٍ عند العُرْف مصداقاً من السُّنَّة النبويّة وأهل البيت^، كما تقدَّم.
ومرادي من «البِدْعة» البِدْعة بالمعنى الإسلاميّ لها، كما هو واضحٌ، يعني الزيادة في الدين، المرفوضة من قِبَل الجميع، لا البِدْعة بالمعنى اللغويّ لها، وهي إحداثُ أمرٍ جديدٍ وبديعٍ، من دون أن يكون فيها معنى سلبيّ بالضرورة.
وقد يُقال: إنك اعتبرْتَ المنشأ لخطأ هذا الفريق من اللغويّين هو الثقافة الإسلامية، التي كثيراً ما تستعمل «السُّنَّة» فيها نقيضاً للبِدْعة، فإنْ كان الأمر كذلك فالسُّنَّة التي تستعمل في مقابل البِدْعة بمعنى الطريقة الحَسَنة، ولها معنى إيجابيّ، وعليه فيشكل أن في نفس بعض الروايات الآمرة باتباع السُّنَّة النبويّة أيضاً توجد استعمال «السُّنَّة» في مقابل البِدْعة، وهذا يعني عودة الإشكال من جديدٍ؛ إذ لا تدلّ هذه الروايات إلا على السُّنَّة الحَسَنة للنبيّ، لا كلّ سُنَنه وطرائقه.
لكنّ هذا الإشكال لا يَرِدُ عليَّ؛ لوجود صورتين لهذه الروايات:
إما أن تكون البِدْعة فيها بمعناها اللغويّ، يعني إحداث أمرٍ جديد من غير وجود معنىً سلبيّ في نفسها، ويؤيِّده([116]) أنها لم تَرِدْ في كثيرٍ من هذه الروايات مجرّدة عن القيد، بل تقيَّدَتْ بـ «الضلالة» أو «لا يرضاها الله ورسوله»([117])، فالظاهر في هذه الصورة أن «السُّنَّة» أيضاً بمعناها اللغويّ، وهو مطلق الطريقة؛ بقرينة المقابلة بينها وبين البِدْعة؛ فإنْ كانت البدعة بالمعنى اللغويّ لها، لا المعنى الإسلاميّ، فينبغي أن تكون السُّنَّة أيضاً في المقابل بالمعنى اللغوي، لا الإسلاميّ. وإذا كانت السُّنَّة بالمعنى اللغوي فالنتيجة حجِّية كلّ طريقةٍ وسُنَّة للنبيّ|.
أو أن تكون البِدْعة في هذه الروايات بالمعنى الإسلاميّ، يعني الزيادة المرفوضة في الدِّين، فالظاهر أن تكون «السُّنَّة» في المقابل أيضاً بالمعنى الإسلاميّ لها، وهو طريقة النبيّ أو ما وصلنا منه| من قولٍ وفعلٍ وتقريرٍ. ففي هذه الصورة أيضاً يثبت حجِّية كلّ طريقةٍ للنبيّ|، بل تتَّسع دائرة حجِّية السُّنَّة أيضاً، وتشتمل على القول والفعل والتقرير أو بعضها.
وقد يُطْرَح إشكالٌ آخر أيضاً، وهو: كيف تقول أن الانصراف في أذهان هذا الفريق من اللغويّين من لفظ «السُّنَّة» إلى السُّنَّة المحمودة ناشئٌ من الثقافة الإسلامية، وفي نفس الوقت تدَّعي ـ كما تقدّم في أول هذا المقال ـ أن هذه الكلمة كانت بمعنى مطلق الطريقة في القرون التالية، وفي النقل بالمعنى أيضاً؟! ولو كانت الثقافة الإسلامية هي المنشأ لهذا الانصراف فهي تؤثِّر على جميع الأمّة، لا على هؤلاء اللغويّين فقط، فينبغي أن يكون هذا الانصراف في جميع المسلمين والعَرَب. فحينئذٍ لا يمكن أن نقول بأن الكلمة بالمعنى العامّ في النقل بالمعنى والعصور المتأخِّرة.
وفي جواب هذا الإشكال ينبغي التنبيه على أمرٍ، وهو: إن الانصراف الذي ادَّعَيْتُه في ذهن هؤلاء اللغويّين من «السُّنَّة» إلى «السُّنَّة المحمودة» ليس من قبيل: الانصراف المصطلح في علم الأصول؛ حتّى يلزم منه هذا الإشكال؛ لأنه ليس انصرافاً لكلّ العرب والمسلمين من مجرّد كلمة السُّنَّة بدون أيّ قرينةٍ، بل هو مجرّد انسباقٍ لذهن هؤلاء اللغويّين؛ بسبب مشاهدة موارد قليلة كانت الصفة السلبيّة فيها محذوفةً؛ لقرينةٍ، لكنَّهم لم يتنبَّهوا؛ أو كانت «السُّنَّة» في هذه الموارد بالمعنى الإسلاميّ لها، يعني نقيض البِدْعة، لا الطريقة الحَسَنة، ولم تكن بمعناها اللغويّ، كما تقدَّم.
وهذا بصرف النظر عن المعنى الإسلاميّ للكلمة، وهو «السُّنَّة النبويّة»، مع أن هذا المعنى أيضاً شيءٌ آخر غير «الطريقة المحمودة»، فهو مجرَّد طريقة النبيّ| وأحاديثه، وليس بمعنى كلّ طريقة محمودة.
وعلى أيّ حالٍ خلاصة ما انتهَيْتُ إليه في هذا التحقيق أن عدداً من اللغويّين والمفسِّرين، الذين ذكرناهم في عداد القائلين بالمعنى الإيجابيّ للكلمة، لا يثبت أنهم يعتقدون بهذا المعنى أصلاً؛ ومَنْ يبقى منهم أيضاً لا عبرة برؤيتهم، بعد أن ثبت خطؤها؛ لأن الشواهد التي استدلّوا بها غير صالحةٍ للاستدلال؛ إما لوجود القرينة الخارجية فيها؛ أو لأن «السُّنَّة» في شواهدهم لم تكن بالمعنى اللغويّ لها، وإنما كانت بالمعنى الإسلاميّ، وهو «السُّنَّة النبويّة»، فهذا المعنى أجنبيٌّ عن المقام، ولا يثبت معه معنى «الطريقة المحمودة» أبداً. ومن جهةٍ أخرى إنهم لم يلتفتوا إلى كثيرٍ من الاستعمالات الدالّة على المعنى العامّ للكلمة في العربية الأصيلة، وفي النقل بالمعنى أيضاً. فمن مجموع القرائن يظهر أن معنى الكلمة عامٌّ، ولا داعي للشكِّ فيه بسبب الرؤية المخطئة لفريق من اللغويِّين والمفسِّرين.
الهوامش
(*) باحثٌ في حوزة قم العلميّة، متخصِّصٌ في مجال علوم الحديث والتراث. له تحقيق (أحاديث أميرالمؤمنين×، برواية السيد عبد العظيم الحسني، وإملاء القاضي جعفر البهلولي)، من مخطوطات الزيدية. من مدينة بيرجند ـ إيران.
([1]) الأولى: وهي بعنوان: «السُّنَّة» ودلالاتها في القرآن الكريم والحديث النبويّ الشريف، المنشورة في مجلّة الاجتهاد والتجديد، العدد 56: 48 ـ 72، السنة الرابعة عشرة، خريف 2020م ـ 1442هـ.
الثانية: وهي بعنوان: «السُنَّة» ودلالاتها في التراثين الدينيّ والأدبيّ في القرون الهجريّة الأولى، المنشورة في مجلّة الاجتهاد والتجديد، العدد المزدوج 57 ـ 58: 221 ـ 242، السنة الخامسة عشرة، شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ.
([2]) مع أنه يجب أن نتقدَّم بالشكر الجزيل لمساعيهم وتسهيلهم الأمر على المحقِّقين، فنسأل الله أن يجزيهم خير الجزاء، ويتقبَّل منهم.
([3]) الفارابي، ديوان الأدب 3: 134، تحقيق: أحمد مختار عمر، القاهرة، مؤسّسة دار الشعب، 1424هـ.
([4]) البطليوسي، المثلّث 2: 426، تحقيق: صلاح مهدي الفرطوسي، دار الرشيد، 1981م.
([5]) النحّاس، إعراب القرآن 1: 181، بيروت، دار الكتب العلمية ـ منشورات محمد علي بيضون، ط1، 1421هـ.
([6]) تقدَّم الكلام حول هذا الحديث في المقالة السابقة، وأنه من أهمّ الشواهد في إثبات المعنى العامّ للكلمة، فراجِعْ.
([7]) تهذيب اللغة 12: 210، بيروت، دار احياء التراث العربي، ط1، 1421هـ.
([8]) حيث إن الأزهري ذكره مباشرةً في ذيل كلام اللحياني بدون أيّ إشارةٍ إلى نهاية كلام اللحياني فلا يتَّضح الأمر. ونسبه الزبيدي إلى نفس الأزهري. تاج العروس 18: 300، تحقيق: علي الهلالي وسيري علي، بيروت، ط1، 1414هـ. لكنه رُبَما يريد أن هذا القول مذكورٌ في كتاب التهذيب، لا أنه رؤية نفس الأزهري.
([10]) تهذيب اللغة 12: : 212.
([11]) تهذيب اللغة 12: 214؛ وذكره الزبيدي أيضاً في تاج العروس 18: 298.
([12]) الشوكاني، إرشاد الفحول 1: 185، تحقيق: سامي بن العربي الأثري، الرياض، دار الفضيلة، ط1، 1421هـ. ولم أجِدْه في كتاب غريب الحديث للخطّابي، ولا في مصدرٍ آخر قريبٍ من عصره.
([13]) تفسير الراغب الإصفهاني 2: 1192، رياض، مدار الوطن للنشر، ط1، 1421هـ.
([14]) الهداية إلى بلوغ النهاية 12: 8381، تحقيق: البوشيخي، الإمارات، جامعة الشارقة، ط1، 1429هـ.
([15]) فتح القدير 1: 439، دمشق، دار ابن كثير، ط1، 1414هـ.
([16]) الفخر الرازي، التفسير الکبير (مفاتيح الغيب) 9: 369، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط3، 1420هـ.
([17]) كتاب الماء 2: 673، تحقيق: محمد مهدي اصفهاني، طهران جامعة العلوم الطبية في إيران، ط1، 1387ش.
([18]) شرح أدب الكتاب: 44، القاهرة، مکتبة القدسي، 1350هـ.
([19]) طبعاً مرادي من الحصر في مقابل معنى الطريقة الحَسَنة، لا المعاني الأخرى التي ذكروها للكلمة ولا ربط لها بالمقام، مثل: «ضرب من تمر المدينة» و….
([20]) «والسُّنَّة تكون في الخير وفي الشرّ، «لكلّ قومٍ سُنَّة» أي طريق». إسحاق بن مرار الشيباني، شرح المعلقات التسع: ۱45، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1422هـ.
([21]) «السُّنَّة: معروفة. وسَنّ فلانٌ سُنَّة حَسَنة أو قبيحة». جمهرة اللغة 1: 135، تحقيق: رمزي منير بعلبكي، بيروت، دار العلم للملايين، ط1، 1988م.
([22]) «السُّنَّةُ: السِّيرةُ، حَسَنَةً كانتْ أو قبيحةً». المحكم والمحيط الأعظم 8: 417، تحقيق: عبد المجيد هنداوي، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1421هـ.
([23]) «والسُّنَّة هي الطريقة المتَّبعة في الخير والشرّ». معالم التنـزيل فى تفسير القرآن (تفسير البغوي) 1: 513، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط1، 1420هـ.
([24]) «السُّنَّةُ الطَّرِيقَةُ، والسُّنَّةُ: السيرة، حميدةً كانت أو ذميمةً». المصباح المنير: 292، قم، دار الهجرة، ط2، 1414هـ.
([25]) «السُّنَّة في اللغة الطريقة، مرضيّةً كانت أو غير مرضيّة». التعريفات: 53، طهران، نشر ناصر خسرو، 1370هـ.ش.
([26]) «السُّنَّة: السيرة، حميدةً كانت أو ذميمةً، وهي الطريقة». عبدالقادر بن عمر البغدادي، خزانة الأدب ولبّ لباب لسان العرب 10: 63، تحقيق: محمد نبيل طريفي، بيروت، دار الكتب العلمية، 1418هـ.
([27]) «السُّنَّة هي المثال المتَّبع، والإمام المؤتمّ به، يُقال منه: سَنَّ فلانٌ فينا سُنّةً حَسَنة، وسَنَّ سُنّةً سيّئة: إذا عمل عملاً اتبع عليه من خيرٍ وشر». جامع البيان فى تفسير القرآن 4: 65، بيروت، دار المعرفة، ط1، 1412هـ.
([28]) الكشف والبيان (تفسير الثعلبي) 3: 171، تحقيق: ابن عاشور، دار إحياء التراث العربي، ط1، 1422هـ، وذكر مثل قول الطبري.
([29]) «قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ، يعني: ذوي سُنَن؛ منهم مَنْ سَنَّ سُنَّة حَسَنة؛ ومنهم مَنْ سَنَّ سُنَّة سيّئة». الحدادي، المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى: 314، تحقيق: صفوان عدنان داودي، دمشق، دار القلم، ط1، 1408هـ.
([30]) «أصل السُّنَّة الطريقة المتَّبعة في الخير والشرّ، ومنه سُنّة النبيّﷺ». الماوردي، النكت والعيون 1: 425، تحقيق: عبد الرحيم، بيروت، ط1. وفي موضعٍ آخر أيضاً قال: «السُّنَّة: الطريقة المعتادة». المصدر السابق 4: 408؛ وفي مواضع أخرى أيضاً ذكَرَ «الطريقة» في معنی «السُّنَّة». المصدر السابق 3: 150، واستشهد بشعر عمر بن أبي ربيعة:
لها من الرِّيم عيناه وسُنَّته *** ونحره السابق المختال إذ صهلا
لكنّ استشهاده بهذا البيت غير واضحٍ؛ لأن السُّنَّة هنا بمعنى الصورة، لا الطريقة، وهي معنىً آخر للكلمة.
([31]) تفسير العزّ بن عبد السلام 1: 116؛ 2: 101، بيروت، دار الكتب العلمية ـ منشورات محمد علي بيضون، ط1، 1429هـ.
([32]) حيث قال: «وهي في اللغة عبارةٌ عن الطريقة، فسُنَّة كلّ أحدٍ ما عهدت منه المحافظة عليه والإكثار منه، كان ذلك من الأمور الحميدة أو غيرها». الإحكام في أصول الأحكام 1: 227، تحقيق: عبد الرزّاق عفيفي، دار الصميعي، ط1، 1424هـ.
([33]) ابن الأنباري، الزاهر في معاني كلمات الناس: 653، تحقيق: مراد يحيى، بيروت، دار الكتب العلمية، 1424هـ.
([34]) الزجّاج، معاني القرآن وإعرابه 1: 470، تحقيق: عبد الجليل عبده شلبي، بيروت، عالم الكتب، ط1، 1408هـ.
([35]) المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 1: 511، بيروت، دار الكتب العلمية ـ منشورات محمد علي بيضون، ط1، 1422هـ. ذكره ابن عطية بعد نقل كلام للزجاج، ويحتمل أيضاً أنه من نفس كلام ابن عطيّة، وليس للزجاج.
([36]) الصحاح 5: 2139، تحقيق: عبد الغفور عطّار، بيروت، ط1، 1376هـ.
([37]) القاموس المحيط 4: 231، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1415هـ.
([38]) عبد الباقي اليماني، الترجمان عن غريب القرآن: 31، دار الكتب ـ منشورات محمد علي بيضون، ط1، 1425هـ.
([39]) وهو في رؤيته: «جريان الشيء وإطراده فى سهولةٍ»، كما تقدَّم.
([40]) معجم مقاييس اللغة 3: 60، تحقيق: عبد السلام هارون، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، ط1، 1404هـ.
([41]) ابن فارس، مجمل اللغة: 455، تحقيق: زهير عبد المحسن سلطان، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط2، 1406هـ.
([42]) المحيط في اللغة 8: 248، تحقيق: محمد حسين آل ياسين، بيروت، عالم الكتاب، ط1، 1414هـ.
([43]) الجواهر الحسان فى تفسير القرآن (تفسير الثعالبي) 4: 394، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط1، 1418هـ.
([44]) المطرزي، المغرب 1: 417، تحقيق: محمود فاخوري وعبدالحميد مختار، حلب، مكتبة أسامة بن زيد، ط1، 1979م.
([45]) «قد تكرَّر فى الحديث ذكر «السُّنَّة» وما تصرَّف منها. والأصل فيها الطريقة والسِّيرة. وإذا أطلقت فى الشَّرْع فإنما يُراد بها ما أمر به النبيّﷺ ونهى عنه…». النهاية في غريب الحديث والأثر 2: 409، تحقيق: محمود طناحي، قم، ط4، 1367هـ.ش.
([46]) «السُّنَّة في الدين وغيره: معروفة. والسُّنَّةُ: السيرة والطريقة، قال الله تعالى: ﴿وقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ﴾»، ثم استشهد بشعر الهذلي. الحميري، شمس العلوم 5: 2902، دمشق، دار الفكر، ط1، 1420هـ.
([47]) «السُّنَّةُ في اللغة: الطريقة والسِّيرة… وفي الصناعة هي طريقة النبيّ| قولاً وفعلاً وتقريراً، أصالةً أو نيابة». مجمع البحرين 6: 268، تحقيق: أحمد الحسيني الأشكوري، طهران، المكتبة المرتضوية، ط3، 1375هـ.ش.
([48]) نزهة القلوب فى تفسير غريب القرآن العزيز: 276، تحقيق: المرعشلي، بيروت، دار المعرفة، ط1، 1410هـ.
([49]) الجامع لأحكام القرآن 16: 280، طهران، ناصر خسرو، ط1، 1364هـ.ش.
([50]) كتاب الزينة: 708، تحقيق: سعيد الغانمي، بيروت، منشورات الجمل، 2015م.
([51]) تقدّم ذكر شعر الهذلي في المقالة السابقة، ومع ذلك أشير إليها مختصراً هنا أيضاً؛ لأهميتها:
فلا تجزعَنَّ من سُنَّةٍ أنتَ سِرْتَها *** فأوّلُ راضٍ سُنَّةً مَنْ يسيرها
وقد تقدَّم ذكر مصادرها الكثيرة والاختلاف في ألفاظها، فراجِعْ. وأكتفي أنا هنا بأن أشير فقط إلى معنى البيت وقصّته: إن أبا ذؤيب الهذلي أرسل خالداً ليكون رسوله إلى امرأةٍ، فعشقَتْه المرأة، وتركت أبا ذؤيب، فعاتبه أبو ذؤيب على ذلك، فأجاب خالد بهذه الأبيات، وأشار إلى خيانة أبي ذؤيب، حيث أرسله شخصٌ آخر رسولاً إلى المرأة فخانه، فيقول خالد الهذلي خطاباً له: أنتَ أوّل مَنْ سَنَّ هذه السِّيرة، فلا تُزعج من طريقة أنت اتَّخَذْتَها أو جعلتها ذائعةً في الناس؛ لأن الشخص الذي يتَّخذ طريقة فهو أول مَنْ يرضى بها، فلا يستطيع أن ينـزعج منها.
([52]) الوسيط في تفسير القرآن المجيد 2: 103، تحقيق: الزفيتي محمد حسن أبو العزم، القاهرة، وزارة الاوقاف، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، لجنة إحياء التراث الاسلامي، ط1، 1416هـ. وذكرها الطبري والثعلبي بهذا المعنى أيضاً، وقد تقدَّم، لكنّ في كلامهما ذيلٌ، ولأجل ذلك أفرَدْتُ ذكرهما.
([53]) درج الدرر فى تفسير القرآن العظيم 1: 434، الأردن ـ عمّان، دار الفكر، ط1، 1430هـ.
([54]) وقد تقدَّم ذكر هذا الخبر، فراجِعْ.
([55]) أمالي الزجاجي: 153، تحقيق: هارون عبد السلام، بيروت، دار الجيل، 1407هـ.
([56]) المديني، المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث 2: 139، تحقيق: عبد الكريم العزباوي، مكّة المكرّمة، جامعة أم القرى، ط1، 1406هـ.
([57]) النهاية في غريب الحديث والأثر 2: 410.
([58]) ابن قتيبة، غريب القرآن: 201، بيروت، دار ومكتبة الهلال، ط1، 1411هـ.
([59]) آل عمران: 137. وقد تقدَّم الكلام حول الآية.
([60]) أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي، الغريبين: 940، تحقيق: أحمد فريد المزيدي، مكّة المكرمة، مكتبة نزار مصطفى الباز، ط1، 1419هـ.
([61]) الفروق في اللغة: 220، بيروت، ط1، 1400هـ.
([62]) آل عمران: 137. وقد تقدَّم ذكرها، فراجِعْ.
([63]) تفسير الراغب الإصفهاني 2: 869.
([64]) مفردات ألفاظ القرآن: 429، تحقيق: صفوان عدنان داودي، دار القلم (بيروت)، دار الشامية (دمشق)، ط1، 1412هـ.
([67]) صاحب ابن عبّاس وتلميذه.
([68]) تفسير مجاهد 1: 260، تحقيق: محمد عبد السلام أبو النيل، بيروت، الفكر الإسلامي، ط1، 1410ه.ـ وباختلافٍ يسير عنه في تفسير القرآن العظيم (لابن أبي حاتم) 3: 768، تحقيق: أسعد محمد الطيب، رياض، مكتبة نزار مصطفى الباز، ط3، 1419هـ؛ وفي بعض المصادر ورد عن مجاهد: «فِي قَوْلِهِ: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ﴾ قَالَ: تَدَاوَلٌ من الكفّار والمسلمين، والخير والشرّ.» تفسير مسلم بن خالد الزنجي (برواية محمد بن النصر الرملي): 78، تحقيق: حكمت بشير ياسين، المدينة المنورة، مكتبة الدار؛ تفسير ابن المنذر النيسابوري: 389، تحقيق: سعد بن محمد السعد، المدينة المنورة، دار المآثر، ط1، 1423هـ. لكن روي هذا الكلام عنه، بدون «الخير والشرّ» أيضاً، كما ذكره الطبري في واحدٍ من نُقوله عنه. جامع البيان في تفسير القرآن 4: : 65. لكنْ بدونه، وبمجرّد تطبيقه على الكفّار والمؤمنين معاً أيضاً، يشير إلى المعنى العامّ. وإنْ كان فيه تصريحٌ مع وجود «الخير والشرّ».
([69]) تفسير غريب القرآن (المنسوب إلى زيد بن عليّ): 261، تحقيق: حسن الحکيم، بيروت، الدار العالمية، ط1، 1412هـ.
([70]) تفسير مقاتل بن سليمان 2: : 425، تحقيق: عبد الله شحاته، دار إحياء التراث العربي، ط1، 1423هـ.
([71]) مجاز القرآن 1: 124، تحقيق: فؤاد سزكين، القاهرة، مكتبة الخانجي، ط1، 1381هـ.
([72]) الشيخ الطوسي، التبيان فى تفسير القرآن 2: 597، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط1.
([73]) مجمع البيان 2: 841، تحقيق: اليزدي الطباطبائي والرسولي المحلاتي، طهران، ناصر خسرو، ط3، 1372هـ.ش.
([74]) تذكرة الأريب فى تفسير الغريب: 50، بيروت، دار الكتب العلمية ـ منشورات محمد علي بيضون، ط1، 1425هـ.
([75]) الدر المصون فى علوم الكتاب المكنون 2: 213 بيروت، دار الكتب العلمية ـ منشورات محمد علي بيضون، ط1، 1414هـ. وذكرها في كتابه الآخر أيضاً بمعنى «الطريقة». السمين، عمدة الحفاظ فى تفسير أشرف الألفاظ 2: 260، تحقيق: محمد التونجي، بيروت، عالم الكتب، ط1، 1414هـ.
([76]) السراج المنير 1: 286، بيروت، دار الكتب العلمية ـ منشورات محمد علي بيضون، ط1، 1425هـ.
([77]) الشوكاني، إرشاد الفحول 1: 185.
([78]) الوافي 1: 302، إصفهان، ط1، 1406هـ.
([79]) مرآة العقول 7: 317، طهران، ط2، 1404هـ؛ ملاذ الأخيار 1: 203، قم، مكتبة المرعشي النجفي، ط1، 1406هـ.
([80]) شرح الكافي 5: 314، طهران، ط1، 1382هـ.
([81]) معجم مقاييس اللغة 3: 120.
([82]) المخصّص 14: 241، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1؛ المحكم والمحيط الأعظم 8: 572.
([83]) المحيط في اللغة 8: 376.
([84]) القاموس المحيط 2: 120.
([86]) أبو عبيدة، مجاز القرآن 1: 87، تحقيق: فؤاد سزكين، القاهرة، مكتبة الخانجي، ط1، 1381هـ؛ المبرّد، الکامل في اللغة والأدب ۱: ۳۰۷، تحقيق: تغاريد بيضون ونعيم زرزور، بيروت، دار الكتب العلمية، 1409هـ؛ الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن 10: 17.
([87]) ابن عاشور، التحرير والتنوير 3: 226؛ 21: 269؛ 22: 187؛ 26: 154، بيروت، مؤسسة التاريخ العربي، ط1، 1420هـ.
([88]) رشيد رضا، تفسير المنار 4: 140، بيروت، دار المعرفة، ط1، 1414هـ.
([89]) التفسير الوسيط للقرآن الكريم 2: 270، القاهرة، نهضة مصر، ط1، 1997م.
([90]) تفسير المراغي 4: 74، بيروت، دار الفكر، ط1.
([91]) مواهب الرحمن في تفسير القرآن 8: 75، مكتبة السيد السبزواري، ط2، 1409هـ.
([92]) التفسير الكاشف 2: 159، قم، دار الكتاب الإسلامي، ط1، 1424هـ، وقال: «وهي الطريقة المستقيمة، والسيرة المتَّبعة». وحيث إنه ذكر السيرة المتَّبعة كعطف تفسيرٍ فيتَّضح أنه لا يريد المعنى الإيجابيّ من كلمة «المستقيمة» هنا.
([93]) من وحي القرآن 10: 372، بيروت، دار الملاك، ط1، 1419هـ.
([94]) التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج 4: 96، دمشق، دار الفكر، ط2، 1411هـ.
([95]) اعتبرته كمؤيِّدٍ لأن ما قاله العسكري في كتابه رُبَما كان ناظراً إلى العربية الأصيلة؛ ورُبَما كانت كلمةُ المستقيمة كما ذكره العسكريّ، لكنها أخذَتْ معنىً إيجابيّاً في القرون التالية، وفي استعمالات هؤلاء اللغويّين والمفسِّرين.
([96]) «المستقيم والصواب: إن الصواب إطلاق الاستقامة على الحسن والصدق، والمستقيم هو الجاري على سنن، فتقول للكلام إذا كان جارياً على سنن لا تفاوت فيه: إنه مستقيم، وإنْ كان قبيحاً، ولا يقال له: صواب إلاّ اذا كان حَسَناً». الفروق في اللغة: 45.
([97]) يعني احتمال أن تكون «المستقيمة» دالّةً على الاستمرار والدوام، ولا تكون فيها أيّ إشارةٍ إلى معنى الطريقة الحَسَنة المحمودة.
([98]) لكنْ كان البحث هناك في الفَرْق بين «العادة» و«السُّنَّة»، وهنا بين «الطريقة» و«السُّنَّة»، وإنْ كانا قريبَين من بعضهما.
([99]) ذكرها الطبري والثعلبي والواحدي، كما تقدَّم.
([100]) مثل كلام شمر بن حمدويه: «وكلّ مَنْ ابتدأ أمراً عمل به قومٌ بعده قيل: هو الذي سَنَّه». وفي كلام عبد القاهر الجرجاني أيضاً إشارة إليه: «ما وضع من رسمٍ ومثالٍ في السِّيرة»، وقد تقدَّم ذكر كلامهما.
([101]) كما تقدَّم عن الطوسي والطبرسي والراغب الإصفهاني في موضعٍ من تفسيره وأبي حاتم الرازي. وفي كلام الفارابي وابن السيد البطليوسي أيضاً إشارة إلى هذا المعنى، كما تقدَّم في بداية المقال.
([102]) التبيان في تفسير القرآن 8: 363.
([103]) الزجّاج، معاني القرآن وإعرابه 1: 470.
([104]) «الحَنَفُ: هو ميلٌ عن الضلال إلى الاستقامة». مفردات ألفاظ القرآن: 260؛ «الضَّلاَلُ: العدولُ عن الطريق المستقيم». مفردات ألفاظ القرآن: 509.
([105]) «فيظن أنه على الطريقة المستقيمة، وغير ضالّ». التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) 26: 256؛ «بخلاف ما لو كان أكثر الخلق على الطريقة المستقيمة، وفيهم شرذمةٌ يسيرةٌ يسرقون ويزنون». المصدر السابق 28: 181.
([106]) «فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ أي في الصحف كتب من الله عادلة مستقيمة لا خطأ فيها». الهداية إلى بلوغ النهاية 12: 8381.
([107]) مفردات ألفاظ القرآن: 692. رُبَما يتوهّم أن الراغب صرَّح بأن طريق الحق شُبِّه به، فيبدو أن المستقيمة في كلامه أيضاً بهذا المعنى. لكنه غير صحيحٍ؛ لأني لست بصدد نفي احتمال أن تكون «المستقيمة» بالمعنى الإيجابي في كلامه، وإنما أريد أن أقول: احتمال الطرف الآخر (أي عمومية معنى المستقيمة في كلامه) أيضاً موجود، فلا يثبت أن تكون «الطريقة المستقيمة» في كلامه بمعنى «الطريقة المحمودة»، وبالتالي لا يثبت أن يكون الراغب قائلاً بالمعنى الإيجابيّ في «السُّنَّة».
([108]) الشوكاني، فتح القدير 1: 439: «وأصل السنن: جمع سُنَّة، وهي: الطريقة المستقيمة، ومنه: قول الهذلي:
فلا تجزعَنَّ من سُنَّةٍ أنتَ سِرْتَها *** فأوّلُ راضٍ سُنَّةً مَنْ يسيرها
([110]) ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ﴾ (آل عمران: 137).
([111]) وهو أن يكون مراده أن «السُّنَّة» بالمعنى الإيجابيّ في مثل هذا السياق، لا أنه هو المعنى اللغوي لها، كما تقدَّم.
([113]) المصدر السابق 6: 562.
([114]) بخلاف ما تقدَّم من كلامه في كتابه الزاهر؛ لأنه صرَّح بالمعنى العام للكلمة فيه، كما تقدَّم.
([115]) وسنّة أهل البيت^ أو سنّة الصحابة أيضاً، على اختلاف الفِرَق الإسلامية فيهما، كما أشَرْتُ إليه في بداية المقال.
([116]) أذكره كمؤيِّدٍ، وليس دليلاً؛ لأن الموجود في بعض الروايات أن «كُلّ مُحْدَثة بِدْعة، وكُلّ بِدْعةٍ ضلالة»، أو بألفاظ قريبة منه، ومن دون تقييدٍ للبدعة. سنن أبي داوود 2: 774، تحقيق: عبد الحميد، دار الفكر، ط1؛ سنن ابن ماجة 1: 35، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت، دار الفكر، ط1؛ سنن الدارمي 1: 289، بيروت، دار الكتاب العربي، ط1؛ صحيح ابن خزيمة 3: 143، تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، بيروت، المكتب الإسلامي، ط1.
([117]) جامع الترمذي 2: 682، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرين، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط1؛ سنن ابن ماجة 1: 138؛ النيسابوري، المستدرك على الصحيحين 1: 96، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1.