الشيخ رسول جعفريان(*)
مقدّمة ــــــ
يعدّ صفي بن ولي القزويني من الشخصيات العلمية المغمورة. ولد في كربلاء وعاش ردهةً من الزمن في مدينة قزوين، ثم هاجر إلى شبه القارة الهندية. واستقرّ به المطاف في مقام السيدة (أورنك زيب) في مدينة كشمير.
ويعدّ تفسير (زيب التفاسير) من أهم آثاره العلمية المجهولة. ولهذا خصَّصنا له هذه الوريقات، التي نشير من خلالها إلى حياته وتراثه العلمي، ثم بعد ذلك نتناول مقدّمة التفسير باختصار.
أشار المحقق (السيد أحمد الحسيني) الإشكوري في (تراجم الرجال)([2])، بناءً على نسخة كان يقتنيها من التفسير، إلى أنّ المترجم له وُلد في كربلاء سنة 1029هـ، وتوفي عام 1090هـ، وعاش مدة من الزمن في قزوين، حيث قطع المراحل الدراسية الأولى، ثم سافر إلى الهند متردِّداً بين كشمير ودلهي في قصر السيدة أورنك زيب، الذي قوّى أواصره معه بوصفه معلِّماً للأميرة (زيب النساء)، التي جعل تفسيره باسمها. وقد شرع فيه في رجب سنة 1077هـ في مدينة (شاه جهان أباد) الهندية، وكان عمره لا يتجاوز الـ 48 ربيعاً. ومن هنا علمنا أن تاريخ ميلاده سنة 1029هـ ([3]).
وينسب ـ في بعض المصادر ـ إلى زيب النساء بيكم (1043 ـ 1114هـ) بنت أورنك زيب، وكانت مشهورةً بالشعر والعرفان (التصوف)، ولم تتزوَّج أبداً([4])، تفسيرٌ باسم (زيب التفاسير). وهو الكتاب نفسه الذي ينسب إلى معلِّمها صفي الدين القزويني، الذي كتبه بطلبٍ منها.
وذكر اسم المؤلِّف في مقدّمة التفسير باسم صفي الدين الأردبيلي([5]).
من تراث (محمد) صفي بن ولي القزويني الذي نعرفه ــــــ
1ـ أنيس الحجّاج (رحلة إلى الحجّ سنة 1087هـ). وهو لم يطبَع بعدُ، كما جاء تقرير ذلك في موسوعة الأدب الفارسي في شبه القارة الهندية([6]). واللافت أن ظفر الإسلام، كاتب مدخل الموسوعة، لم يُشِرْ إلى حياة المؤلِّف، وإنْ ذكر أنّ تفسيره هو خلاصة لتفسير الرازي الكبير، المعروف بـ (مفاتيح الغيب). ثم عرض تقريراً مفصلاً لأنيس الحجّاج، الذي توجد نسخة منه في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي في طهران، ونأمل أن يرى النور قريباً.
2ـ كنز الأسماء: ذكر الشيخ آغا بزرگ الطهراني (صاحب كتاب الذريعة) في ذيل كنز الأسماء أنه ألِّف سنة 1090هـ. والكتاب شرحٌ لأسماء الله الحسنى. وتوجد نسخة منه في مكتبة جامعة طهران تحت رقم: 2721، كُتبت في القرن الحادي عشر للهجرة.
3ـ زاد النجاة: توجد نسخة من هذا الكتاب في مركز إحياء التراث في قم، برقم: 4008 (والنسخة للمرحوم أموري). وتم نسخ الكتاب في 25 جمادي الثاني سنة 1155هـ([7]).
4ـ شرح الاعتقادات: وهو شرح لعقائد الشيخ الصدوق. لهذا الشرح نسخة خطية في مكتبة المرعشي النجفي في قم، برقم: 14173، إهدائي (هدية). وهناك صورة من هذه المخطوطة عند الأستاذ المحقّق علي الفاضلي، وهي موجودة عندي. وجاء في مقدمة الكتاب: ألف الكتاب في دار الخلافة شاه جهان أباد. والكتاب يقع في 265 صفحة. وهو شرح جيِّد لاعتقادات الشيخ الصدوق. وللشرح نسخة (مخطوطة) في مدينة يزد (الإيرانية)، كما جاء في مجلة جامعة طهران، في العدد الرابع، صفحة 460. وقد تم تأليفه في 18 شوال عام 1090هـ. ويأتي بعد هذا الكتاب.
5ـ أنوار العرفات.
6ـ مرآة الأخلاق: توجد نسخة له في مدينة مشهد (فهرس كلية الآداب)، العدد الرابع([8]).
8ـ شرح مناجاة الإمام زين العابدين: الرسالة ألّفت في الهند، ذكرها المحقِّق السيد أحمد الحسيني([9]). ومع الأسف لم يذكر مصدر هذا القول.
9ـ تحفة الأخيار: الكتاب في مادة التاريخ، حيث يتألف من العهد القديم إلى ملوك عصره في الهند. والكتاب يسمّى (تذكرة الأحباب). وهناك نسخة ناقصة لهذا الكتاب موجودة في مكتبة الميبدي في محافظة كرمانشاه ـ إيران ـ (السيد أحمد الحسيني، قم، 1387، الكتاب الثالث، ص35، رقم المخطوطة: 363. وللكتاب نسخة أخرى في فهرس مخطوطات جامعة إصفهان برقم: 78. وجاء في وصفها: تاريخ مختصر، وفق الوقائع التاريخية. يحتوي على تاريخ الأنبياء والأئمة والخلفاء والملوك. هذه النسخة ناقصة إلى سنة 620هـ.
ويظهر أنّ ولادة المؤلّف ـ كما يبدو من هذه الآثار ـ كانت في كربلاء، وأن المؤلّف من علماء الشيعة، وإنْ لم يُعرَف كثيراً في المجتمعات الشيعية.
وأما كيف تواجد الشيخ صفي الدين في قصر السيدة (أورنك زيب) ـ وهي سلطنة سنّية، شديدة الهيمنة ـ، وكيف صار مربّياً لأميرة مشهورة، مثل: زيب النساء، فأمر غريبٌ في حدّ ذاته. ويبدو أنه كان يمارس التقية، ما يفسِّر اهتمامه بتلخيص تفسير الفخر الرازي، وما أظهره في كتابه أنيس الحجّاج عن حياته الشخصية.
وهذا التلخيص (زيب التفاسير) لم يكن معروفاً في الأوساط الشيعية، ولا الإيرانية. ولهذا لم يذكره آغا بزرگ الطهراني في كتابه الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ولا حتى في الفهرس، الذي صدر حديثاً، وهو من أهمّ الفهارس للمخطوطات في إيران، الملخَّص بـ (دنا).
وقد أشار ظفر الإسلام في مقدمة أنيس الحجّاج إلى نسخة خطية أخرى لهذا التفسير([10]).
وتوجد في مكتبة الشيخ الكلبايكاني نسخةٌ لهذا التلخيص تحت عنوان: الجزء الأول، تحت رقم: 832([11]).
ذكر المجلد الأول فقط من كتاب زيب التفاسير في (الفهرس المشترك للنسخ الخطية الفارسية في باكستان) . يقول أحمد منزوي مؤلِّف الكتاب: زيب التفاسير: محمد صفي بن ولي القزويني الذي كتب أنيس الحجّاج في عام 1087هـ ـ 1676م في دلهي([12])، وتحفة الأخيار في عام 1076هـ ـ 1666م([13])، بأمر السيدة الملكة زيب النساء (1113هـ ـ 1701م) بنت أورنك زيب (1069هـ ـ 1118هـ)، حيث أمرت بكتابة تفسير جامع ومانع، أي مختصر مفيد([14]). تقول بركل: تفسير مفصّل، تمّ المجلد الخامس منه في سنة 1081هـ ـ 1670م، والمجلد الأخير في 1087هـ ـ 1676م([15]).
مقدمة زيب التفاسير ــــــ
يقول في مقدمة التفسير: اللهم صلِّ على محمد وآله وأصحابه أجمعين، صلاة تكون لهم رضاً يوم الدين. بعد الحمد لله والثناء على نبيّه، وانطلاقاً من قوله تعالى: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾، ندعو من هذا المجلس الموقر والمحفل المبجّل لدوام سلطنة العدل وظلّ الله: محيي الدين محمد أورنك زيب بهادر، خلَّده الله على العالمين.
وبعد هذا التمهيد نشير إلى نكتة مهمة، لا تخفى على أهل العلم والمعرفة. إن الغرض من إيجاد العالم وخلق الإنسان، وفقاً للآية المباركة: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾، هو تحلّي آحاد المتكلِّفين بجمال عبادة ربّ العالمين. كما نبَّه على ذلك عزّ وجلّ بقوله: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ﴾. ولا يتحقَّق هذا المقصد الأسمى ـ كما هو جليٌّ لدى الإنسان ـ إلاّ بالتكامل المعرفي. فالمعرفة التي تتوقَّف عليها العبادة أحق الفضائل بالتقديم، وأسبق المحامد بالتعظيم، ولا شكّ أن أشرف (العلوم) وأبهرها وأسناها هو علم التفسير، وتأويل التنزيل. ولهذا خاض العلماء في كشف المكنون منه، والخوض في لجج مضامينه. شكر الله سعيهم، وأجزل ثوابهم.
ولمّا كان التفسير الكبير للفخر الرازي ـ روَّح الله روحه ـ متحلِّياً في هذا الفنّ بالجمع والتحقيق، والحفظ والتدقيق، وضبط آراء كبار المفسِّرين، ولما كان تحرير الكتاب باللغة العربية، التي قصرت أفهام الناطقين بالفارسية عن فهم معانيه واقتباس مبانيه ـ زيادة على صعوبة الترجمة ـ، أشارت علينا([16]) العالية القدّيسة زيب الناس بيكم ـ لا زالت خيام عظمتها مكفوفة الإقبال والتأييد ـ بتأليف تفسير بالفارسيّ، سهل المأخذ، وقريب إلى الأفهام، يمثِّل خلاصة جامعة لما يحتويه التفسير الكبير من درر وغرر، يعمّ نفعه للجميع، وينتفع به العامّة إلى يوم القيامة.
وشرعنا ـ امتثالاً للأمر الأقدس ـ في شهر رجب المرجَّب سنة 1077 من الهجرة، في دار الخلافة شاه جهان أباد، في تأليفه، وسمَّيناه: زيب التفاسير. حيث تجنَّبنا فيه التعقيد من العبارة، ووصل بتوفيق من الله إلى تسعة أجزاء مرتَّبة، ينطوي كلّ مجلد على ديباجة، وخاتمة ممتازة ومهذّبة. وقد استغرقت كتابته ثمان سنوات، بعضها في دار الخلافة، وأكثرها في كشمير، متّكئين في ذلك على كتب متعدّدة، والتدقيق لما جاء فيها، متتبعين لكلّ نكتة ظريفة ودقيقة، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.
وتعرّضنا لعلامات الوقف الجائزة وغير الجائزة، ولوجوه القراءات الواردة في الآيات، متواترة كانت أو شاذّة، وأشرنا إلى أدلة الاختلاف ووجوهها، ونقلنا معاني بعض الألفاظ المستخدمة في الآيات إلى معانيها الفارسية، وتطرَّقنا إلى النكات النحوية، والأسرار العربية والبلاغية. وكشفنا النقاب ـ بعد ذكر أسباب النزول، ونقل الأخبار المتعرّضة إلى ذلك ـ عن مراد البلاغ الإلهي (الوحي). ثم عرضنا لما أثاره الإمام الفخر الرازي في تفسيره الكبير، بحيث لم يشذّ عمّا ذكره أو سطره شيء، مع مراعاة الإيجاز أو الاختصار، وبعبارة تجلي المطالب، بحيث يستأنس لها الطباع، وتستسيغها الأفهام. ولمّا كان فهم المطالب العالية التي ينطوي عليها التفسير الكبير ليست متيسّرة لغير طلبة العلم ـ وإنْ صيغت بلسانٍ مبين ـ أتينا بعد ذكر ما أثاره في مطاوي تفسيره خلاصة المعنى بطريقة واضحة، معتمدين في ذلك على تفاسير معتبرة. وكشفنا اللثام عن وجوه الصيغ القرآنية، بحيث يستذوق معانيها المستأنس باللغة الفارسية([17]).
وفي الحقيقة إذا جمعنا بدقة فائقة كلّ فصل من فصول التفسير الكبير، من ألفه إلى يائه، شكَّل كتاباً مستقلاًّ، يتعلَّق بفنّ من فنون علوم القرآن، مثل: كتاب في عدد الآيات واختلافها، القراءات وحججها، المحكم والمتشابه، وما أشبه ذلك. فيحصل ممّا نقل من التفسير الكبير وما أثاره المفسِّرون باقاتٌ تفسيرية نافعة وخالدة.
ولمّا كانت مسوّدة التفسير والنسخة المقرّرة ـ كلاهما معاً ـ بيد السيدة زيب النساء، ولم تتحْ لي الفرصة لاستنساح جميع أجزاء التفسير، قرَّرتُ خلاصة المطالب بتعبير سلس وواضح. واتَّبعنا في ذلك الطريقة التجزيئية ـ مثل: المواهب العالية، وغيرها، بل أبسط وأبين منها ـ، فجاء كتاباً في حلّة جديدة، وبعباراتٍ بعيدة عن التكلُّف المتعارف في ذلك الزمن.
وهو مشتملٌ على فوائد جمّة. وكان ذلك وفقاً لأمر السيدة زيب النساء. فصار الكتاب تسع مجلدات، وفي متناول الجميع. وأول ما صدر من المجموعة المجلد الأول؛ باعتباره جامعاً ومنقولاً من كتب متعدّدة. والكتب التي راجعناها هي: 1ـ غرائب القرآن، للنيسابـوري؛ 2ـ جواهـر التفسيـر، للكاشفـي؛ 3ـ التفسير الكـبيـر، للرازي؛ 4ـ تفسير الطبرسي. ونقلنا في المجلَّدات الثمانية ـ بعد نقل كلام الرازي ـ، من تفسير الكشّاف، للزمخشري؛ وأنوار التنزيل، للبيضاوي؛ وغرائب القرآن، للنيسابوري؛ وتفسير الطبرسي؛ والبحر المواج، لدولت أبادي؛ وجواهر التفسير، للكاشفي؛ والعرائس، للبقلي الشيرازي؛ وغيرها بالترتيب المذكور.
الهوامش
(*) مؤرِّخٌ بارز ومعروف في إيران، وعضو الهيئة العلميّة لمركز أبحاث الحوزة والجامعة.
([1]) العنوان الثانوي للتفسير (زيب النساء بيكم دختر أورنك زيب)، أي زيب النساء بيكم بنت أورنك زيب.
([3]) ذكر هذه الإشارات بناءً على مقدمة التفسير من زيب النساء التي كان يملكها، وأعطاني نسخة منها.
([4]) راجع حياتها في مقدمة ديوان زيب النساء ـ مخفي ـ، بتحقيق: مهين دخت صدقيان، طهران 2001م.
([5]) زيب التفاسير: 9. وكتب الأستاذ محسن سعيد زاده، في مجلة پيام زن، العدد 10 ـ 12، قم، سنة 1992م، مقالاً موسعاً عن حياته.
([6]) موسوعة الأدب الفارسي في شبه القارة الهندية 1: 670 ـ 673، في ذيل أنيس الحجّاج.
([7]) راجع: فهرستواره دستنوشتهاي إيران ـ فهرس مخطوطات إيران ـ الملخص ب. (دنا 5: 1178).
([11]) الفهرس القديم لمكتبة الكلبايكاني 2: 97.
([12]) راجع: الفهرس المشترك للنسخ الخطية الفارسية في باكستان 3: 980.
([15]) انظر: بركل 1: 193، رقم: R53 F71 ـ استوري 1 ك، رقم: 49، ريو 3: 980، أنيس الحجاج، مكتبة بودليان، 1810 (البريطانية)، زيب التفاسير سوره 8 إلى 12 يحتمل بخطّ المؤلّف. كنج بخش 1: 46، ش874، والناسخ كان في القرن 12 ـ 13، المجلد الأول، صفحة 253.
([16]) صفي بن ولي وليد كربلاء، وساكن قزوين، عفا عنهما وعن جميع المذنبين. وكتب تحت الاسم: شيعي وخادم أهل البيت^، ما يدل على أنه كان يمارس التقية حينها.
([17]) المقصود بالمستأنس بالفارسية في عبارة المصنِّف هي مناطق في الهند كانت تتقن الفارسية إلى حدٍّ ما، وكانت اللغة العلمية آنذاك تكتب بالعربية والفارسية في شبه القارة الهندية، وإلى فترةٍ ليست بالبعيدة (المترجم).