أحدث المقالات

في واقعنا العربي والإسلامي الراهن، هناك محوران يتجاذبان الموقف من التغيير الأمثل، محور يعمل من أجل التغيير والإصلاح للأمور القائمة ثقافيّاً وسياسيا و اقتصاديا، و محور يتحفّظ من التغيير أو يتقمصه ليكرس التخلف، خشية ضياع المصالح التاريخية و العلاقات الإستراتيجية مع الغرب الليبيرالي إلا مع استثناءات طفيفة، مما ينعكس في صراعه مع الحجم التغييري الخلاق الذي يرتئيه المحور الأوّل؛ لهذا هناك توجّساً عظيما يدفع المنطقة نحو احتمالات خطيرة جدا…

بصراحة: لا يمكننا سوى أن نقف على نقطة بنيوية في قراءة حجية الاتجاه المتحفظ من التغيير و الإصلاح في واقعنا العربي و الإسلامي، تتمثل في مسألة التعاقد الاجتماعي في الواقع الإسلامي و مدى بروزه في الحياة الثقافية و السياسية و الاقتصادية، و ما يمكن أن ينتجه التفعيل السليم للعلاقة الاجتماعية بيننا كعرب و مسلمين، لأن صحة الاجتماع العربي و الإسلامي تمثل أس التفكير في ضرورة التغيير و التجديد و الإصلاح، و من لا يدعم التعايش بين تنوعات المجتمع، لا يكون صادقا في تبني خيار التغيير الأمثل، فالعشرية الأخيرة من حياة العرب و المسلمين شهدت العديد من البرامج الفتنوية المذهبية و الطائفية و العرقية الهادفة لزعزعة الاستقرار الاجتماعي للمسلمين و تطوره الذي يغني المشاريع التنموية و الاستقلالية على المستويات الثقافية والسياسية و الاقتصادية، فمنذ إنتصار الثورة الإسلامية في إيران ثم الاجتياح الغاشم للكويت و بعدها انتصار المقاومة الإسلامية في لبنان و احتلال أفغانستان ثم العراق و النكسة الصهيونية سنة 2006 و الصمود الفلسطيني في 2008، ومؤخرا الثورات العربية و ما تمخض عنها من كيل بمكيالين بخصوص البحرين وسوريا و اليمن، كل ذلك أوجد صورة عربية مناقضة لمستقبل الهوية العربية الإسلامية ومصالحها الحيوية في ظل مشاريع هيمنة واسعة تزداد شراسة مع تفاقم الأزمة الاقتصادية…

بكلمة: تنمية التكفير و الطائفية و تمويل الإعلام الفتنوي و الأبواق السياسية التي تتغذى من الصراعات الطفولية المذهبية و الطائفية و العرقية السياسية، تمثل الحجية الحقيقية التي تجعل الاتجاه الرافض لأي شكل من التغيير بالعالم العربي و الإسلامي، حيث التغيير الفارغ من هذه المحاور يصب في مصالح الشعوب وتحرر المنطقة من التبعية الاقتصادية و السياسية، ويهدد أمن الكيان الصهيوني…!

ببساطة: ترى هل استوعبت الأنظمة العربية و الإسلامية (المذهبية و السياسية و الثقافية) المتحفظة من أن التغيير أمر لابد منه مهما تحاشته و من الأفضل لها الانفتاح على شعوبها و شراء كرامتها قبل أن تلتحق بنادي المنبوذين عربيا و إسلاميا أو تلقى الجزاء الأوفى كسائر فراعنة الاستبدادين الديني و السياسي عبر التاريخ…؟؟

إن الخطة الاستدمارية الموجهة للواقع العربي الإسلامي، بحاجة لتعبئة حركية اسلامية شاملة لمواجهة التخلف الثقافي و السياسي و الاقتصادي، لأن الاجتماع الإسلامي العام يزداد تصدعا بفعل المؤامرات الفتنوية خصوصا عبر المنابر الدينية و الإعلامية و السياسية، كأنما الاجتهاد في الدعوة للحوار و اللقاء و التسامح و التعايش والتعاون و ما هنالك من قيم إسلامية عظيمة، يمثل البدعة بحسب المنطق المزيف الذي يحكم العديد من القامات المذهبية و الدينية و السياسية، التي لا تدمن سوى الحقد و الحسد و التخلف عن العدل ولا تحسن سوى صناعة الفتنة و تكفير الآخر على أساس الظن أو الزلة أو مجرد الرأي…لهذا علينا تصحيح الأنفس و جعلها تسير في سبل صناعة العدل على مستوى الفكر و السياسة و الاجتماع و الاقتصاد، لأن التغيير الفاقد لروح الاجتهاد في ترسيخ العدل و السلام في المجتمع ما هو سوى تخلف جديد … والله من وراء القصد.

____________________________________________

(*)كاتب و باحث إسلامي
 


Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً