أحدث المقالات

مشاكل، معوقات، ومقترحات

الحلقة الأولى

ترجمة: صالح البدراوي

مقدّمة

تعاني الحوزة العلمية من بعض النواقص والسلبيات على الرغم من امتلاكها للكثير من الامتيازات على سائر الأنظمة الدراسية. والواقع أن الحوزة تعيش حالة لا تستطيع معها من أداء الدور الملقى على عاتقها بنحو جيد.

والظرف الزمني الذي نعيشه يكشف لنا أن التطورات الاجتماعية في حركة متسارعة نحو التطور والتغيير، شأنها شأن الصناعات البشرية. وفي السابق كانت حركة هداية الأفراد أو ضلالهم تتم ببطء؛ أما اليوم فكما أن حركة وسائط النقل تسارعت فإن الحركات الفكرية والذهنية هي الأخرى أصبحت سريعة. وهذا ما أشير إليه أيضاً في الروايات المرتبطة بآخر الزمان([1]). وفي هذا الوقت سرعان ما تتغير الأفكار والمعتقدات، وأحياناً يخسر المرء دينه؛ بإثارة شبهة معينة.

من هنا، وانطلاقاً من تعاظم مسؤولية الأوساط الدينية ورجال الدين، يجب أن تتلاءم المناهج التدريسية والتربوية للمدارس الدينية في هذه المرحلة مع الزمن الذي نعيشه، وأن تولي اهتمامها بالمشاكل والمعوقات بشكل أكبر.

ويجب على رجال الدين الآن أن يعدّوا أنفسهم للإجابة على الشبهات المثارة أكثر من أي وقت مضى. وقد أدى بطء النشاطات والتحولات الثقافية في السابق إلى أن تكون للعلماء مسيرة علمية ثابتة يكتـنفها الهدوء. والحقيقة أن الحركة الثقافية في السابق كانت تتسم بالسكون والهدوء وقلة الحركة، ويتم التغيير والتبادل الثقافي ببطء. وكانت لهذه المسألة إيجابياتها وأضرارها؛ فمن إيجابياتها أن المسلمين كانوا قليلاً ما يخسرون دينهم وعقيدتهم؛ ومن أضرارها أن الكافرين قلما كانوا يسلمون. ولكن بشكل عام لم يكن هناك خطر حقيقي يهدد المسلمين، على العكس مما هو عليه الحال في الوقت الحاضر، حيث إنهم يفقدون دينهم بكل سهولة ويسر، وهذا هو المصداق الواضح للرواية المذكورة.

وبناء على ذلك، ونظراً لسرعة تغيير المسائل الثقافية، فإن المنهج السابق لا يتـناسب مع الزمن الحالي، وليس بمقدور المؤسسة الدينية أن تؤدي دورها في المجتمع كما ينبغي وفقاً لذلك المنهج.

عماد المناهج الدراسية في الحوزة هو «الفقه» و«الأصول»، والذي يدرّس بنفس الأسلوب الذي كان يدرّس به قبل مائة عام في الحوزات العلمية والمدارس الدينية. ولهذا من البديهي أن تأتي النتائج المتمخضة عنها بما يتـناسب مع ما كان عليه الحال قبل قرن من الزمن. ولو أردنا أن نتحرك بما يتـناسب وحركة الزمن وسرعته يجب أن نعيد النظر في المناهج الدراسية للحوزة، وأن نعثر على أفضل الطرق وأكثرها اختصاراً لإكمال التحصيل الدراسي.

الطاقات والجهود التي تبذل اليوم في دراسة العلوم الدينية، والفترة الزمنية الطويلة التي تتطلبها، لا تتـناسب والنتائج المتحصِّلة من هذه الجهود المبذولة. فالكثير من الدارسين، وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلوها على مدى ثلاثين أو أربعين عاماً في بعض الاختصاصات في الحوزة العلمية، من قبيل: الفقه، والأصول، مازالوا غير قادرين على تلبية متطلبات المجتمع واحتياجاته في نفس هذا الاختصاص. ولربما أمكننا الحصول على نتائج أفضل فيما لو كان هناك منهج قويم وبرنامج صحيح للدراسة والتدريس في الحوزة.

ويدرك الجميع الآن أنه حان الوقت لكي تتطور المؤسسة الدينية وتتجه نحو التكامل، حتى إذا تطلب الأمر أن تحدث ثورة في هذا المجال. يجب على الأقل أن يصار إلى إجراء إصلاح تكاملي تدريجي؛ وأن تتم الإصلاحات اللازمة بالتدريج، ووفقاً لتخطيط العلماء والفضلاء.

إن إجراء التغيير في المؤسسة الدينية والنظام التعليمي والدراسي في الحوزة العلمية أمرٌ غير يسير، إلا أنه ليس محالاً. ويجب أن يحصل هذا الأمر وفقاً لبرنامج مدروس؛ لكي يحقق النجاح المطلوب. وبناء على ذلك لابد من دراسة كافة السبل والطرق العملية، ومن ثم اختيار أقلها خطراً، وأكثرها استقامة وانسجاماً وقبولاً. وفي هذه الحالة سوف نصل حتماً إلى النتيجة المرجوة، وخاصة إذا اقترن ذلك بالإخلاص والتفاني. وعلى أية حال فمن الضروري القيام بالمزيد من التأمل والدراسة في هذا المجال.

كما يجب أن تتطور المؤسسة الدينية من حيث الكم أيضاً بشكل ملحوظ؛ لكي تتمكن من سد حاجة البلاد في الداخل في المرحلة الأولى, ومن ثم الانتقال إلى إيصال رسالة الإسلام والدعوة لها في جميع أرجاء العالم. يمكن تلافي نقاط الضعف الموجودة في الحوزة العلمية وتجاوزها بهمة المسؤولين الحريصين، والمتفهمين لما يحتاجه الإسلام والمجتمع الإسلامي، وما تتطلبه الأوضاع العالمية ومكانة الثقافة الإسلامية أمام الثقافات الأجنبية، والذين يعدون الخطط والبرامج العلمية الصحيحة للمناهج الدراسية للحوزة العلمية من خلال تلاقح الأفكار والنوايا المخلصة، وبالتالي تـنفيذها بكل جدية وإخلاص. ولحسن الحظ فإن الوضع الثقافي والاجتماعي للطلاب ينسجم مع إجراء هكذا تغيير ويتلاءم معه.

 

خطة عمل الحوزة العلمية ومناهجها الدراسية

البرنامج العلمي الحالي للحوزة العلمية لا يستطيع الإجابة عن المسائل الاجتماعية للمجتمع في الوقت الراهن، ولا تلبية متطلباته. وحتى إذا لم يحدث أي تقصير في هذا المجال فهناك على الأقل قصور معين، ولابد من العمل على إزالة ذلك القصور؛ وإلا فإننا سوف لن نمتلك الإجابة الوافية على ذلك أمام الله تعالى، والأئمة الأطهار^ وشهدائنا الكرام. وعندما يصطدم البعض بهذه النواقص والمشاكل، وبعدم وجود التـنظيم الدقيق، يعتقد أن الحوزة غير قابلة للإصلاح، وبالتالي يفضل الذهاب إلى مراكز علمية أخرى، تمتلك الأساتذة والكتب وبرامج أفضل؛ لمواصلة الدراسة، لكي يصبح بذلك على بيّنة من أمره، ويصبح المستقبل واضحاً أمامه. ولكن هل أن هذه القراءة صحيحة؟

إذا كنا نعتقد أنه لابد من التعرف على الدين الإسلامي، وتعريفه للآخرين، والإيمان بأن هذا العمل يعد من صميم مسؤولياتـنا الكبرى، يجب أن نبذل ما بوسعنا في هذا المجال من أجل تحقيق هذا الهدف. والمؤكد أن الإسلام يمكن أن يُعرف من خلال العلماء الصالحين فقط، ولا يمكن العثور على هذا النمط من الأفراد في مكان آخر غير الحوزة العلمية. وإذا كان هناك أفرادٌ في أماكن أخرى من العالم قد عرفوا الإسلام وتعرفوا على علومه فإنما يرجع الفضل في ذلك إلى ما بذله هؤلاء الأفراد من جهود بنّاءة في هذا المجال، والمتمثِّلة في مؤلَّفاتهم وكتبهم أو خطبهم ومحاضراتهم التي أفادوهم بها. وبناء على ذلك فمن أجل تعزيز الحوزة العلمية وتمكينها من أداء رسالتها ومسؤولياتها لابد من العمل على إزالة نقاط الضعف الكامنة فيها.

مشكلة عدم وجود قرار موحّد في الحوزة العلمية

يُعدُّ تعدُّد مراكز القرار المؤثرة بشكل أو آخر في القرارات التي تتخذها المؤسسة الدينية من إحدى المعوقات التي تواجهها الحوزة العلمية، والتي تحول دون اتخاذ الحوزة العلمية لمنهج موحد وقرار واحد يشمل المنهج العلمي لكل الحوزات العلمية. وهذا الأمر لا يقتصر ضرره على عدم تقديم المساعدة في حل المشاكل والمعوقات التي تعاني منها الحوزة العلمية فقط، بل إن هذا النوع من الاختلافات يبرز أحياناً كمانع يحول دون حل هذه المشاكل، فالقرار المتَّخذ من قبل أحد المراجع يتم نقضه بكل سهولة من قبل الآخرين؛ كما أنّ التشاور والتعاون من أجل حل المشاكل وتذليل المعوقات لا يتمّ بهذه السهولة. وتعد هذه المسألة إحدى المشاكل الجادة التي تواجهها المؤسسة الدينية، وهي موجودة بشكل طبيعي في سياقات الحوزة العلمية، ويجب إزالتها بالشكل الذي يؤدي إلى فتح الطريق أمام وضع الخطط والبرامج العلمية.

المدّة الزمنية اللامعقولة في التحصيل العلمي ومعضل عدم النتائج

تفوق الفترة الزمنية المستغرقة في دراسة مناهج الحوزة العلمية الحد المعقول، وبالإمكان الحصول على هذه المعلومات بفترة زمنية أقل من ذلك. وعلى سبيل المثال: يمكن التخطيط لدراسة عدد من الكتب ذات المستوى العلمي الجيد، بدلاً من إضاعة الوقت في دراسة العديد من الكتب، ولكن لا يعني هذا القول التقليل من عمق المواضيع ودقتها.

وعلى العموم يمكن دراسة أية مادة علمية بطرق أقصر وبنحو أفضل. ولا يقتصر الأمر في دراسة العلوم الدينية الحوزوية على دراسة بعض الكتب، من قبيل: الأمثلة، والأنموذج، والسيوطي، والمغني، وغيرها، وبعد مضي أربع سنوات من الدراسة المتواصلة لا يستطيع الطالب أن يكتب مقالة واحدة باللغة العربية، أو أن يتحدث بالعربية، أو حتى يقرأ صفحة واحدة باللغة العربية، أو يترجمها بشكل جيد دون أن يخطئ فيها.

ولو تم تطبيق برنامج صحيح ومنهج قويم فمن الممكن أن يصبح طالب العلوم الدينية خلال فترة قصيرة قادراً على القراءة باللغة العربية، وأن يكتب بها، ويتحدث بها أيضاً. ولو تم الاعتماد بشكل أكبر على التمرين العملي، وقراءة القواعد اللازمة وتطبيقها، بدلاً من تكرار القواعد، ونقل أقوال بعض الأفراد، مثل: ابن عصفور، وابن جماعة، فهو أفضل. ولكن تجدر الإشارة إلى أن هذه الأعمال والبرامج بحاجة إلى تحمل المصاعب وبذل الجهد، ولا يمكن تـنفيذها بسهولة ويسر.

يختلف الوضع العلمي للعالم اليوم اختلافا كبيراً عما كان عليه قبل عشرين أو ثلاثين عاماً الماضية. ففي ذلك الوقت عندما كنا نريد أن نقف على آراء الملا صدرا ونظرياته كان يجب علينا أن نقلب جميع كتبه ونلخصها، لكي نرى ما قاله في كل كتاب من تلك الكتب. والمؤسف أنه مازال هذا النمط من البحث سارياً في الكثير من الحالات، ولكن بإمكان الحاسوب اليوم أن يزودنا بجميع هذه المعلومات في وقت قياسي.

ولغرض إحداث التغيير الثقافي لابد من القيام بسلسلة من الإجراءات، وهي:

يجب أن يدور النقاش والحوار في أروقة الحوزة العلمية ذاتها، ويصار إلى كتابة المقالات وتأليف الكتب؛ بهدف التمهيد لإيجاد الأرضية اللازمة للتغيير، فالكثير من الأفراد لا يعلمون، وبسبب حسن ظنهم بالعلماء الأعلام يستدلون بشكل ينطوي على كثير من المغالطة ومغاير للحقيقة. وكمثال على ذلك: أثير سؤال أمام أحد أساتذة الحوزة العلمية، وهو: ما الفائدة من دراسة كتاب شرح الأمثلة؟ ولماذا الإصرار على تدريسه في الحوزة العلمية؟ فأجاب قائلاً: إن سماحة الإمام تفضَّل قائلاً: «يجب أن نعمل على إحياء الفقه الموروث، فهل أنتم تعارضون الفقه الموروث؟». ومن الواضح أن هذا الكلام لا علاقة له بالفقه الموروث، واستدلاله هذا هو استدلال خاطئ.

تمتلك المؤسسة الدينية في الوقت الحاضر إمكانيات كبيرة جداً، وأمامها متَّسع كافٍ للانطلاق والعمل. والضرورة الملحة للحوزة العلمية تكمن في تقديمها لبرنامجها، والعمل على تطبيقه. وتحتاج الحوزة العلمية في هذا المجال إلى الكفاءات الإدارية اللائقة، والمسؤولين التـنفيذيين الأكفاء، القادرين على تقديم الخطط والبرامج الصحيحة من جهة، وتطبيقها على أرض الواقع من جهة أخرى أيضاً.

والمؤسف أنه لم يكن لدينا حتى الآن برنامج مدون، واختصاصات محددة واضحة وميسرة، لتدريس الطلبة، واقتصرت الدروس الحوزوية على اللغة، والفقه، والأصول. وإذا كان هناك من يدرس الفلسفة، أو الرياضيات، أو علم الهيئة، وغيرها من العلوم، فإنه يدرسها كدروس جانبية، وجهد شخصي.

إذاً كيف يمكن إزالة نقاط الضعف الموجودة؟

قدمنا في السابق (وبمساعدة بعض الأصدقاء) أطروحة شاملة جامعة لدراسة الطلبة، حددنا فيها الفترة الزمنية اللازمة لإكمال الدراسة الدينية في الحوزة في خمسة عشر عاماً ـ ثلاثة مراحل خماسية ـ، ولكنها بحاجة إلى إعادة مراجعة وإكمال([2]).

 

واجبات النظام التعليمي

إن أيَّ نظام تعليمي، وبعبارة أدق: أيّ نظام للتربية والتعليم، يجب أن يمهد الأرضية اللازمة لتطوير الأفراد، أي أن يُهيِّئ المستلزمات المطلوبة؛ بهدف اختصار الطريق المؤدية للوصول إلى الهدف، وأن تتم الاستفادة من الطاقات والإمكانيات المتاحة بكل سهولة ويسر، وليس أن يتحقق التطور بشق الأنفس. ويجب أن يصل أكثر الأفراد الدارسين في ذلك النظام الدراسي إلى الأهداف الدراسية المحددة في ذلك المنهج؛ وإن كانت المستويات العلمية العالية فيه تختص بعدد معين من الأفراد.

كما يجب على المسؤولين عن أي منهج دراسي السعي لإصلاح مواطن الضعف، والعمل على إزالتها، فيقوموا بدراسة نقاط الضعف والنواقص الموجودة في البرامج العلمية، والكتب الدراسية وطرق التدريس، والتكنولوجيا الدراسية، وسائر الأمور الأخرى، وأن تأتي نشاطاتهم في الاتجاه الذي يمكنهم من تأمين الاحتياجات المذكورة، مع مراعاة الأولويات، في أقصر وقت ممكن، وإن كان يتعذر عليهم بشكل عام تحقيق ذلك على المدى القصير.

تشغل بعض القضايا بال الطلبة، وتحول ـ بشكل جاد وحازم ـ دون مواصلتهم الدراسة، من قبيل: المشاكل الصحية، والنفسية، والأسرية، والضعف في تحديد المسؤوليات والواجبات الاجتماعية، وغيرها من الأمور. والبعض من هذه المشاكل تبرز لشريحة الشباب بشكل أكبر، بل إنها تؤدي إلى خلق الأزمات لديهم. وقد لا يعرفون السبب في ظهور هذه المشاكل، وبالتالي يعيشون حالة من الاضطراب والقلق، ويتوجسون من هذه الأمور بشكل غير مبرر. وهذه الحالة تحول دون إقبالهم على المطالعة، وتؤدي إلى عدم رغبتهم وحبهم للدراسة.

باستطاعة المسؤولين عن المؤسسة التعليمية في مثل هذه الحالات المبادرة أحياناً إلى حل مشاكلهم بشيء من التوجيه والإرشاد، كأخ يمتلك تجربة أكبر في الحياة، وجعلهم على جادة الصواب؛ ليتمكنوا من تسخير الطاقات والقابليات التي منحها الله تعالى إياهم، والاستفادة من الإمكانيات التي وفرتها الحوزة العلمية لهم، من قبيل: الأساتذة، والكتب، والدراسة، وغيرها، على أفضل وجه. ولكي تتم هذه العملية بشكل أصولي وصحيح لابد من القول: إنهم بحاجة إلى أولياء متخصصين بالقدر الكافي من الناحية العلمية والفنية، وكذلك من الناحية التطبيقية؛ لتوجيههم وإرشادهم، ولكن المؤسف أننا لا نمتلك هذا النمط من الأفراد بالقدر الكافي. ومن هنا فإننا نواجه هذا المستوى من المشاكل. ولكن انطلاقاً من القاعدة التي تقول: «لا يَسقُطُ المَيسورُ بالمَعسورِ»([3]) يجب أن نبادر بالقدر المتيسر أمامنا.

والملاحظة الأخرى التي يجب أن تُراعى في النظام الدراسي هي مسألة النظم والانضباط؛ إذ إن نظم الأمور مسألة مهمة جداً، تؤول إلى التوفيق والنجاح. ولا تقتصر ضرورة التـنظيم وأهميته في مجال التعليم والدراسة فقط، بل يشترط ذلك في كل الأعمال. فعندما كان يقال للإمام الخميني الراحل&، وهو في سن الثمانين ونيف، أنه قد حان وقت الغداء كان يجيب قائلاً: «مازالت هناك دقيقة واحدة تفصلنا عن الوقت». يجب علينا أن نعطي أهمية أكبر لمسألة النظم والانضباط، ونقتدي به في ذلك.

وكثيراً ما أكد النبي الأكرم‘ وسائر الأئمة^ في العديد من الروايات المأثورة عنهم على ضرورة مراعاة الحقوق الاجتماعية ونظم الأمر، فها هو أمير المؤمنين× يدعو الناس في آخر وصية له إلى نظم أمرهم([4]). ولكن مما يؤسف له أننا لا نراعي الكثير من هذه المسائل، وتبعاً لذلك فإننا نواجه في كل يوم المزيد من المشاكل والصعوبات.

 

ضرورة تطوير الحوزة العلمية كماً وكيفاً للإجابة عن الإشكاليات الجديدة

انطلاقاً من تزايد وتيرة الاحتياجات والشبهات التي تثيرها المدارس المادية غير الإسلامية يومياً تتضح لنا ضرورة أن نولي المزيد من الاهتمام لدراسة المسائل الدينية وبشكل أكبر مما كان عليه الأمر في الماضي. كما يجب أن لا نكتفي فقط بالمسائل المطروحة حالياً في الحوزات العلمية ونقف عندها؛ إذ لابد أن تتطور المواد الدراسية في الحوزة العلمية، وأن يصار إلى تدريس المواد التي يحتاجها المجتمع في الوقت الراهن بشكل أكبر.

في السابق عندما كان العلماء يواجهون الأسئلة والشبهات كانوا يتوجهون صوب إيجاد الجواب اللازم عنها، فيقومون بسبر أغوار الكتاب والسنة ودراستها بجهود عقلية؛ بهدف العثور على الإجابة المناسبة لها. وهذا النوع من الإجابات أدى إلى ظهور الكتب الكلامية. وإذا أبعدنا أذهاننا عن المسائل والشبهات، واتجهنا نحو قراءة مصادرنا فقط، فإن هذه المصادر، على الرغم من أنها تشتمل على بعض الحقائق، ولكن إذا لم نعرض مشاكلنا عليها سوف لن نتمكن من الإجابة عن كل التساؤلات والشبهات المثارة. وعلى سبيل المثال: إذا لم يطرح علينا سؤالٌ في مجال علم النفس لن يكون بمقدورنا أن نعثر على رأي القرآن الكريم بشأن تلك المسألة. ولكن عندما يخطر سؤال معين بذهن المرء فسيعثر على الجواب الصحيح بدراسة الآيات ذات الصلة. وكذا الحال بشأن الكثير من الأسئلة التي إن لم يطرحها الآخرون علينا لن نتوجه للبحث عن إيجاد الإجابة عليها إطلاقاً.

هل يتمكن المجتمع الإسلامي أن يعزل نفسه عن جميع الأفكار والمذاهب والمعتقدات الموجودة في العالم؟ لعل هذا الأمر كان ممكناً في الماضي، ولكن في الوقت الحاضر لا يمكن تحقيقه؛ وخاصة أن العالم اليوم أصبح كالبيت الواحد.

وهل أن الجهود الحالية في الحوزة العلمية كافية للإجابة عن المتطلبات الفعلية؟ للأسف لا. وبناء على ذلك يجب الاستعانة بالأطر القوية والضوابط القويمة للحوزات العلمية، وبالطاقات الفكرية والمعنوية الكثيرة الموجودة فيها، للإجابة عن الكثير من المسائل المطروحة، وكذلك إعداد الأفراد القادرين على تأمين الاحتياجات وملء الفراغات، مستفيدين من المعارف والأحكام الإسلامية.

وفي كل مستوى من المستويات العلمية يجب أن يكون هناك مجموعة من ذوي الخبرة والاختصاص بالدين الإسلامي يتصدون لتعليمه وإيصاله إلى الناس، ولكننا نفتقر لأمثال هؤلاء الأفراد لبلادنا أيضاً. وعلى الرغم من مضي قرابة عقدين على عمر الثورة الإسلامية المباركة إلا أن المؤسسة الدينية لم تتمكن بعد من تأليف ما يكفي من الكتب الدينية. وبالرغم من وجود الكثير من القضايا والمشاكل الاجتماعية والمعيشية، التي كانت ومازالت مطروحة أمامنا، ويجب أن نستخرج الإجابة عنها من الكتاب والسنة، إلا أنه لم ينجز حتى الآن أي عمل ملحوظ في هذا المجال.

ومنذ بدء الثورة الإسلامية وحتى الآن تتساءل جميع الأوساط العالمية عن ماهية نهج الثورة، وما هو مشروعكم لإدارة الدولة والحكم؟ ولكن للأسف لم تتم الإجابة حتى الآن عن هذا السؤال بشكل وافٍ. يقال: إن حكومتـنا وثورتـنا قائمة على أساس القرآن وحكومة الإمام عليّ×، ولكن ما هي أسسها؟ وما هو شكلها؟ وما الذي تريد أن تقوم به؟ وكيف السبيل إلى تـنفيذها؟ وما هو الأساس الذي تعتمده في توزيع المسؤوليات؟ وكيف يتم تعيين المسؤولين فيها؟ وما هي حدود صلاحيات كل منصب من المناصب؟ وغيرها من التساؤلات، التي هي بحاجة إلى إجابات واضحة ومسؤولة.

ولغرض تـنظيم الحوزة العلمية وترشيد عملها يجب أن تتوفر فيها أقسام متعددة؛ لتتمكن من تغطية ومتابعة أعمالها. ومما لاشك فيه أن إنجاز هذه الأعمال بحاجة إلى دوائر أوسع. ولتوضيح هذا الأمر نقول: إن كل كلية من كليات الجامعات في البلاد تمتلك دوائر واسعة، تتمثل بالعميد، والمعاون، والعديد من الأقسام، ولكل منها مديرها الخاص بها، والعديد من الموظفين، والكثير من الأقسام الإدارية الأخرى. والكلية تشبه إحدى المدارس العلمية الصغيرة من حيث حجم العمل والمسؤوليات التي تضطلع بها، مع أنها قد لا تدرّس سوى اختصاص واحد لا غير. ولكن لا توجد في الحوزة العلمية مثل هذه الدوائر الواسعة والمنظمة. وعلى سبيل المثال: إذا أردنا أن تدرَّس مادة الفلسفة بالنحو المطلوب يجب أن يكون لدينا الاطلاع الكافي بالمدارس الفلسفية القديمة والحديثة، وأن يتوفر لنا ما نحتاجه من الكتب الفلسفية ومصادر هذه المادة العلمية، إضافة إلى توفر الإمكانيات الدراسية اللازمة، والمكان المناسب للتدريس، وما يستتبع ذلك من توفر الأرصدة المالية الكافية لتغطية النفقات والتكاليف. وعليه إذا كانت الحوزة العلمية تريد أن تغطي احتياجاتها الداخلية يجب ـ على الأقل ـ أن يتضاعف حجمها من حيث الكم عدة مرات، وأن تمتلك أيضاً الكفاءات المطلوبة؛ لتتمكن بالتالي من تلبية جميع الاحتياجات.

 

أولاً: العلوم الدينية في الحوزات العلمية

1ـ الفقه والأصول، نواقص ومشاكل

مما لا شك فيه أن الدقة التي توخاها العلماء منذ القدم في الفقه والأصول، والتي مازالت تـنفذ حتى الآن، تعد بحق مكسباً استثنائياً متميزاً للفقه والأصول. وهذه الدقة لم تكن موجودة حتى في علم الفلسفة. ولو أن العلماء توخوا هذا المستوى من الدقة في العلوم والاختصاصات الأخرى التي يحتاجها المجتمع، من قبيل: الفلسفة، والاقتصاد، وغيرها من العلوم، لتوصلوا إلى تحقيق إنجازات علمية هامة وقيّمة، كانت ستملأ الكثير من الفراغات ونقاط الضعف الموجودة.

تؤدي دقة العلماء في الفقه والأصول من جهة إلى إحاطتهم الكاملة بالمواضيع، ولا يوافقون على أي كلام يصدر بسهولة، وتؤدي من جهة أخرى إلى إعطائهم آراءً سديدةً وناضجةً. ويجب أن لا يصبح الفقه عرضة لتلاعب أفكار الشرق والغرب، ومسرحاً للأهواء والرغبات. ولعل الإمام الخميني& كان يرمي إلى هذا المعنى من تعبيره بالفقه الموروث؛ بمعنى أن الفقه والأصول يجب أن يبقيا أصيلين، ولا يتأثران بأفكار الشرق والغرب الشيطانية، وأن لا يصبح مسرحاً لعبدة الأهواء، بل يواصل على الدوام حل المعضلات الاجتماعية والمتطلبات اليومية في حياة الناس بحركته الفاعلة الأصيلة، ويوماً بعد يوم يزداد نضجاً وإشراقاً.

يتمثل منهج أسلافنا العلماء بترغيب طلبتهم وتشجيعهم على مواصلة الدراسة، وكانوا يطلبون منهم أن يكتبوا دروسهم، وكانوا يأخذون بأيديهم، ويطالعون ما كتبوه، ويوجِّهونهم عندما يتطلَّب الأمر ذلك، وكانوا يستعينون بطلبتهم المتميزين في هذا المجال. ولكن المؤسف أنه لا توجد جهود كهذه في الوقت الحاضر. والحقيقة أننا نأمل أن تعود الحياة مرة أخرى لهذا المنهج في الحوزة العلمية، الذي يعمل في الواقع على تربية الطلبة وإعدادهم واغتـنام أعمارهم الثمينة.

وفي هذا المجال أرى من الضروري الاهتمام بالملاحظات التالية:

 

أـ اغتنام العمر للحصول على العلوم اللازمة للإفتاء، المشكلة الزمنية

في السابق كان الشخص يحتاج وقتاً يستغرق ثلاثين سنة لكي يتمكن من الوصول إلى مرحلة الاجتهاد، ويصبح مجتهداً قادراً على تأمين الاحتياجات الدينية لمنطقته ومدينته، ويمكن الطالب الذي يلتحق في سن العشرين للدراسة في الحوزة العلمية أن يصل إلى مرحلة الاجتهاد في سن الخمسين من عمره، ليعمل بالتالي على تلبية الاحتياجات الفقهية للمجتمع. وأما اليوم؛ وبسبب كثرة العلوم والمسائل التي يحتاجها الإنسان في حياته من جهة، فإن المجتهد الذي يريد أن يفتي في جميع تلك المجالات، بما فيها المسائل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها كثير، بحاجة إلى المزيد من المعلومات، ومن ناحية أخرى فإن الاحتياجات الدينية لا تـنحصر في المسائل الفقهية فقط، والمجتمع بحاجة إلى الكثير من المتخصصين في مختلف الاختصاصات العلمية الدينية.

ومن المؤكد أنه لا يمكن القيام بإنجاز عمل عظيم كهذا بالأسلوب السابق، ولذلك يجب أن تكون الدراسة بنحو أسرع مما كانت عليه في السابق. وكمثال على ذلك: كان السفر في السابق يتم بواسطة الإبل، وتطوى الطرق والمسافات بكل هدوء، وأما اليوم فتطوى نفس تلك المسافات بواسطة الطائرات بوقت قياسي. وكذا بالنسبة لحركتـنا الدراسية يجب أن تكون على النحو الذي تعطي فيه مردوداً أكبر، ونتوصل فيها إلى أفضل النتائج، خلال أقصر فترة ممكنة. المعلومات القديمة لم تعد تكفي وقتـنا الحاضر. وبالإضافة للمعلومات الفقهية يجب أن يكون لدينا الاطلاع الكافي عن المسائل العقائدية والتاريخية والقضايا السياسية والاجتماعية التي تطرح اليوم في المجتمع. وبناء على ذلك يجب أن نعطي الأهمية اللازمة لعملنا ووقتـنا الثمين، وأن ننظم برامجنا بالشكل الذي يكون فيه المردود الناجم عن أعمارنا أكبر ما يمكن. هذا العمل في غاية الدقة والأهمية، ويجب أن يُنجز على أيدي المتخصِّصين والأساتذة من ذوي التجربة والخبرة الكافية، الذين يتمتعون بإلمام كافٍ، ويحيطون إحاطة تامة بجميع هذه المشاكل والمعضلات.

 

ب ـ توخي الدقة في العلوم الإسلامية وتصحيح المصادر الفقهية

يبدو للمطلع على الروايات للوهلة الأولى وجود بعض التضارب بينها. والمؤسف أن بعض الذين يعملون بشكل سطحي، ولم ينالوا حظهم من الدراسة والدقة، وينظرون إلى الرواية عادة من زاوية واحدة، غالباً ما يقعون في الفهم الخاطئ والانحراف عن جادة الصواب. وهذا الانحراف، الناجم عن ركاكة الدقة والرؤية السطحية، يبعث على الابتعاد عن حقائق الدين الإسلامي، ويؤدي أحياناً إلى إدراج المواضيع غير الصحيحة في العلوم والمعارف الإسلامية. وبناء على ذلك فإن إحدى المسائل التي يجب مراعاتها في الحوزة العلمية وسائر المراكز الدينية الأخرى هي تـنبيه الطلاب والمحققين والباحثين إلى ضرورة الدراسة الجيدة، وتوخي الدقة الكافية، في الآيات والروايات والمصادر والمراجع العلمية. وبعبارة أخرى: التعامل المهني المتخصص مع المواضيع، والابتعاد عن السطحية.

ومن إحدى الأعمال التي أرى من الضروري إنجازها هو تصحيح المصادر الفقهية، بمعنى أن نتـناول مصادر الفقه بالدراسة الدقيقة. وعلى سبيل المثال: نقوم أولاً بدراسة الآيات الواردة في شأن أحد المواضيع الفقهية، ومن ثم ندرس الروايات، ونتأكد من عدم نقلها بشكل خاطئ.

والمؤسف أن الكثير من الروايات التي ما تزال موجودة في كتبنا الفقهية، وعلى الرغم من أعمال التصحيح التي أجريت عليها، إلا أنها لا تتطابق مع المرجع والمصدر الأصلي لها، وهناك تباين بينهما. ونظراً إلى تأثير هذا النوع من الاختلافات على عملية الاجتهاد واستـنباط الأحكام الشرعية فمن الضروري أن لا يحصل هذا الأمر في دائرة الفقه والأصول على الأقل.

والملاحظة الأخرى التي تجدر الإشارة لها تتعلق بتـنظيم الكتب الدراسية وأسلوب التدريس، وبخاصة مرحلة البحث الخارج. والمؤسف أن الأسلوب المتبع في الحوزة العلمية يؤدي إلى هدر سنوات عمر الطالب، وفي المقابل لن نحصل على النتيجة المطلوبة. إذاً يجب أن نخطط في هذا المجال أيضاً. وهذا ما سعى إليه بعض العلماء الأعلام، وكانوا بصدد القيام بهذا العمل. ولو أتيحت لنا الفرصة فإننا في غاية الشوق للمشاركة في هذا الأمر؛ لنخطو خطوة إيجابية على هذا الطريق، لكي يتم إن شاء الله تعالى تدريس المواد العلمية في الحوزة، وبخاصة الفقهية منها، بشكل أفضل وأتم.

المصادر الفقهية والآيات والروايات المتوفرة بين أيدينا غنيةٌ جداً، وعظيمةُ الفائدة، ولو تسنى لنا أن نقدم للعالم ما هو مكنون في هذه المصادر الغنية نكون قد أنجزنا عملاً جباراً وقيّماً؛ لأنه توجد في هذه المصادر مواضيع قيّمة يحتاجها المجتمع، كما أن فقهاءنا تعمقوا فيها بشكل مذهل، من حيث التحقيق واللطافة؛ ولكن على الرغم من ذلك كله فإننا الآن في وضع لن نتمكن معه من الإجابة عن جميع التساؤلات ومتطلبات الحياة البشرية. ومن هنا يجب أن نسبر أغوار هذه المصادر العظيمة، ونغوص في أعماقها، بالشكل الذي نستخرج منها ما نحن بحاجة إليه، ونجعله في متـناول الجميع.

ظاهرة نقص الفقهاء في الزمن الراهن

ونحن الآن نعاني من وجود النقص في الفقهاء،كماً وكيفاً، كما هو الحال في سائر الاختصاصات الأخرى، ولا نملك العدد الكافي من الفقهاء لتلبية المتطلبات المتزايدة للمجتمع. وطبقاً لما جاء في فتوى الإمام الخميني& فإن القاضي في أية مدينة من المدن يجب أن يكون الأعلم في تلك المدينة، فضلاً عن الاجتهاد. وطبقاً لهذه الفتوى فإن أكثر القضاة في محاكم البلاد لا يمتلكون الشروط الواجب توفُّرها في القاضي.

وإذا كان العمل بهذه الفتوى متوقفاً في الوقت الحاضر فإنما يعود ذلك للضرورة، أي إن المجتهد ومرجع التقليد أجاز لهؤلاء الأفراد ممارسة مهنة القضاء؛ استجابةً لحاجة المجتمع الملحة لذلك. وهذا الحكم هو حكم ثانوي، وإلا فإنه يجب ـ بناء على الحكم الأوّلي ـ أن يكون القاضي مجتهداً، وأعلم بلدته. ومن هنا فإن مسؤولية الفقهاء كبيرة جداً، وفي غاية الأهمية. ويجب أن يصار إلى إعداد المزيد من المجتهدين، بحيث نجد في كل محكمة قاضياً مجتهداً يقضي بين الناس، مع الإشارة إلى أن عمل الفقهاء لا يقتصر على هذا المجال فقط، ولابد من العمل على الأبعاد الأخرى أيضاً. وبناءً على ما تقدم يجب أن تتوسع دائرة العمل الفقهي في الحوزات العلمية، كماً وكيفاً، وإلى المستوى الذي تتمكن معه من تلبية متطلبات الحياة الإنسانية على جميع الأصعدة.

 

ج ـ الدرسات الميدانية لموضوعات الأحكام الثانوية

نظراً لبروز مسائل جديدة في كل يوم يجب أن نحصل على معلومات إضافية تفوق ما هو موجود في الكتب الفقهية؛ لكي نكون قادرين على إصدار الفتاوى، بل إصدار الحكم الولائي؛ فإن الاجتهاد المتداول في الحوزة العلمية الآن غير مجدٍ في الكثير من الحالات، ولا يقدم حلولاً ناجعة لها.

وهناك مواضيع جديدة تطرح الآن على بساط البحث، ولغرض إصدار الحكم الفقهي الدقيق بشأنها، بما يتلاءم والزمن الذي نعيشه، لابد من الاطلاع على المسائل والمواضيع المثارة اليوم. وبما أن الطرق المؤدية إلى معرفة هذه المسائل غير موجودة في الحوزة العلمية لابد من الاستفادة من معلومات المتخصِّصين خارج الحوزة العلمية؛ لكي تصبح إمكانية المعرفة الدقيقة ـ وبالتالي الإفتاء بشأن الموضوعات الجديدة ـ متوفرة لدينا؛ لنلبي بذلك حاجة المجتمع في هذا المجال. أضف إلى ذلك، ونظراً للظروف السياسية والاجتماعية الخاصة التي نمر بها، لابد من الاهتمام بالعناوين الثانوية المترتبة عليها أيضاً، وأن نفتي برؤية جامعة شاملة وتحيط بجميع أبعاد الموضوع. والموضوعات الجديدة ليست عناوين ثانوية، بل هي المسائل المترتبة عليها.

ولا يعني هذا الأمر أن الاجتهاد المتداول في الحوزة العلمية هو أمر باطل وخاطئ، بل يعني ذلك أنه لابد من النظر إلى المسائل برؤية أعمق وأشمل، والابتعاد عن النظرة الأحادية الضيقة. وعندما قال الإمام الخميني&: إن الاجتهاد يجب أن يكون مطابقاً لاجتهاد صاحب الجواهر، وعلى نفس الأساس والمنهج، كان يريد أن يقول: إنه يجب علينا أن لا نتخلى عن المنهج الفقهي الصحيح الذي ورثناه عن الأئمة الأطهار^، وانتقل إلينا عن طريق العلماء الأعلام، وأن لا نقع في فخ الانتقائية والانحراف. وإذا لم يكن راغباً بتغيير كتب الحوزة العلمية فالسبب في ذلك يعود إلى أننا لو تخلينا عنها فسنحتاج إلى فترة زمنية طويلة حتى نتمكن من اختيار منهج بديل أفضل، وبالنتيجة سنفقد ما حققناه من تطور في عملنا. بالإضافة إلى أنه من الممكن أيضاً أن تبرز أمامنا الانحرافات والتلكؤ.

وبناءً على ذلك يجب أن يبقى منهج الوصول إلى الاجتهاد على نفس المنهج التقليدي الموروث؛ ولكن يجب أن يكون عند المجتهد حلٌّ لما يحتاجه الناس وللمشاكل التي تواجههم يومياً، وبإمكانه إصدار الحكم الفقهي المناسب لها. وهنا تكمن الحاجة إلى المعلومات المضافة لما هو موجود حتى الآن في الحوزة العلمية؛ إذ ما هو موجود فيها ليس بوسعه أن يحل مشاكل الناس الحياتية في جميع المجالات. ومن هنا يجب على المجتهد أن يكون مطلعاً على العلوم المعاصرة، فضلاً عن العلوم المتداولة في الحوزة العلمية؛ لكي يتمكن من إصدار الأحكام التي يحتاجها المجتمع، مستفيداً في ذلك من تلك الأسس والقواعد التي يمتلكها. وكمثال على ذلك: هناك بعض المسائل الاقتصادية المطروحة اليوم لم تكن مطروقة في السابق، من قبيل: العملة الصعبة، والاعتمادات المصرفية، والعملة الورقية، وبعض المسائل الأخرى؛ إذ لم تكن مطروقة في الفقه سابقاً، ولكنها اليوم تؤثر على الحياة الاقتصادية للناس.

2ـ الفلسفة

من أهم الشبهات والشكوك التي يثيرها الأعداء الشبهات المتعلقة بالعقائد. وانطلاقاً من أن المسائل العقائدية يجب أن يتم توضيحها أساساً عن طريق البرهان العقلي يجب أن يكون إلى جانب الفقيه والمحدِّث والأصولي مَنْ يختصّ بالعلوم العقلية، ويتصدى للدفاع عن العقائد، فيتخصَّصون بالعلوم العقلية؛ ليتمكنوا من الرد على الشبهات التي تثار بشأن الله، وما وراء الطبيعة، والمعاد، وغيرها من المسائل، حتى يصل الأمر بعد ذلك إلى أن القرآن الكريم هو كتاب سماوي من قبل الله تعالى، فلو أن المرء كان منحرفاً عن الأساس والجوهر، وتخلى عن الإيمان بالله والنبوة والقيامة، فلن يبقى مجالٌ حينئذ لنتحدث له عن تفسير القرآن والأحكام العملية.

مواجهة المشكلات العقلية واجتناب سبيل التكفير

ومن ناحية أخرى عندما ترد شبهة معينة على ذهن أحد الأفراد فإن مجرد قيامنا بتكفيره سوف لن يحل المشكلة، وإذا شعر بالخوف من نتائجها الاجتماعية المترتبة فإن غاية ما يقوم به هو عدم الإفصاح عما يدور في تفكيره، ولكن الشبهة ستبقى راسخة في أعماقه. وعليه لابد من الوقوف عند الشبهات، وتشخيصها بشكل صحيح، والرد عليها.

ومن جهة أخرى فإن الحوزة العلمية التي تريد أن ترفع لواء نشر الإسلام والمعتقدات الإسلامية، وتحارب الانحراف العقائدي، وتصدِّر الثورة والثقافة الإسلامية، يجب عليها أن تكون قادرة على إثبات عقائد الإسلام، وإبطال جميع العقائد المخالفة الأخرى. وهذا الأمر إنما يُنجز بواسطة رجال الدين، ورجالات الفكر، وطلبة العلوم الدينية. فماذا أعدت الحوزة العلمية من برامج لإعداد هؤلاء الأفراد الذين تريد لهم أن يصارعوا جميع فلاسفة المدارس الفلسفية في العالم؛ ليفندوا أفكارهم ويبطلوها، لكي تتمكن بالتالي من أداء رسالتها على أحسن وجه؟

ضرورة عدم الجمود على علوم الفقه والأصول

ومن هنا فإن الاكتفاء بدراسة الأدب العربي، والفقه، والأصول، لن يحقق لنا قدرة الرد والإجابة عن التساؤلات. ولا يعني ذلك أن دروس الفقه والأصول قليلة الأهمية، بل يجب أن نوجه اهتماماتـنا نحو الدروس الأخرى أيضاً، إلى جانب دروس الحوزة العلمية. وفضلاً عن الاحتياجات الفقهية فإن للمجتمع احتياجات أخرى، وتأتي على رأسها الاحتياجات التي تشكل فيها العقائد الإسلامية قطب الرحى. وما نصطلح عليه بالفقه يرتبط بفروع الدين، لا بأصوله.

إذاً لغرض إكمال برامج الحوزة العلمية يجب أن تمتلك ـ وعلى الأقل لمجموعة خاصة من طلبتها ـ مواد دراسية أخرى، وإلاّ سوف نواجه سيلاً من الشكوك والشبهات المتعلقة بالعقائد، والتي سوف لن تجد من يرد عليها من رجال الدين في الحوزة العلمية. ولو قيل: ماذا تعني فلسفة التحليل اللغوي والفلسفة الوضعية؟ وما هي المسائل التي تُبحث فيها؟ لن يعرف ذلك سوى عدد محدود من المطلعين، فكيف يمكن والحال هذه مناهضة المدارس الفلسفية الأخرى؟!

 

أـ أهمية الفلسفة والحاجة لردّ الشبهات

انطلاقاً من أن أكثر عقائدنا تتمحور أساساً حول قبولنا بأصل الوجود من جهة، ومن جهة أخرى فإن وجود واجب الوجود لا يمكن إثباته إلا عن طريق العقل، نستـنتج أنه يجب في المرتبة الأولى أن نرجع إلى العقل لمعرفة المسائل التي لا يمكن معرفتها إلا عن طريق العقل، من قبيل: المسائل المرتبطة بمعرفة الله، وردّ الشبهات التي يثيرها المنكرون لله، والأفكار والتصورات الخاطئة عن الله تعالى، كقولهم: إن الله هو عين الطبيعة، أو روح الطبيعة، أو القوانين الرياضية للطبيعة.

والعلم الذي يطرح فيه هذا النمط من المسائل العقلية يسمى علم الفلسفة. وبناءً على ذلك فإن العلم الذي يجب تعلمه أولاً للرد على التساؤلات العقائدية هو علم الفلسفة. والمراد من هذا القول أن تقديم الفلسفة على سائر العلوم يجب أن يأتي بناءً على التسلسل العقلي، وليس بناءً على التسلسل الزمني؛ لأنه قد يتطلب الأمر أن تبدأ الدراسة بالأدب واللغة. ولكن بما أن مرتبة معرفة الله تحظى بالأولوية جاء التأكيد ـ من حيث المرتبة والتسلسل المنطقي ـ على أن تعلم الفلسفة هو المقدَّم على غيره.

والفلسفة هي عماد المعلومات العقلية. وكل ما نريد إثباته عن طريق العقل، مثل: الأصول الأولية للاعتقادات، والتوحيد، والنبوة، وصفات الحق تعالى والمعاد، لها أساسٌ فلسفيٌ.

ويجب أن نجيب على الشبهات العقائدية التي تثار من قبل المدارس الإلحادية والانتقائية بالأدلة العقلية؛ لأنه لا يمكن الاستدلال بآية من القرآن الكريم، أو برواية، عند الرد على الماديين. وفي المناقشات الحرة المفتوحة في مجال العلوم الإنسانية نحتاج أيضاً إلى بعض الجوانب الفلسفية، مثل: فلسفة الأخلاق، وفلسفة السياسة وغيرها. وإذا لم تُعطَ الإجابة الشافية لبعض المسائل ذات الصلة بالمعتقدات فإن دين الناس ـ كمبدأ ـ سيتعرض للخطر. وإذا لم يؤمن الناس بالله تعالى لن نتمكن من إثبات أحقية الإسلام أمام اليهودية والنصرانية؛ وإذا لم يتمّ إثبات الإسلام كدين من حيث المبدأ لن يمكن إثبات أحقية التشيّع تجاه سائر الفِرق الأخرى.

وعلى الرغم من الأهمية البالغة للفقه والأصول، وما تلبيه من المتطلبات المختلفة للثقافة الإسلامية،إلا أنه لا يمكن إثبات وجود الله والردّ على الشبهات الإلحادية بهما. وهناك العديد من المدارس الإلحادية في العالم اليوم، ولا يقتصر الأمر في ذلك على الفكر الماركسي أو المادي فقط، فالكثير من المدارس والفلسفات الإلحادية تـنكر الدين، أو لديهم جملة من الشبهات في المسائل العقائدية. واليوم أصبح لهذه المدارس صدىً واسعٌ في العالم، ولا يمكن الرد عليهم بقواعد «أصالة البراءة»، أو «الاستصحاب القهقرائي»، و«التمسك بالعام في الشبهة المصداقية».

ويدور النقاش في بادئ الأمر بالتساؤل التالي: هل هناك شيء في ما وراء الحس أو لا؟ ومن ثم سيدور النقاش حول وجود الله، وهل هناك رب أو لا؟ والكثير من الكتب الفلسفية غير المادية لا تقتصر على عدم اعترافها بوجود الله فقط، بل تذهب إلى القول: إنه «لا يمكن إثبات أي شيء على الإطلاق سوى ما يمكن أن يدرك بالحس، وأقصى ما يمكن قوله بشأن ما وراء الحس هو السكوت».

وهم يثبتون بألف دليل ودليل ـ حسب زعمهم ـ أن العلم لا علاقة له بما وراء الحس على الإطلاق، فبماذا تتحصن المؤسسة الدينية أمام هذه النظريات؟ بالقرآن أو الحديث؟ إنهم لا يؤمنون بالله، فكيف بكلام نبيه؟!

إن شعوب الكثير من البلدان، الذين نسميهم اليوم «مسيحيين»، هم في الحقيقة ملحدون، وينكرون وجود الله في باطنهم، فهم كما يقال: «مسيحيون بالهوية»، وإلا فهم لا يؤمنون بالله طرفة عين. وفي ظاهر الحال أنه يوجد كذا مليون مسيحي في البلد الفلاني؛ ولكن لو أمعنّا النظر لوجدنا أنه لا يؤمن أيٌّ منهم بالله تعالى في شيء.

انتشرت اليوم الشبهات الإلحادية بشكل واسع في العالم، بل وحتى في الجامعات التي تُدار من قبل الكنيسة، فهم يطرحون بعض المواضيع التي تستلزم إنكار وجود الله، والأديان، والوحي، وجميع ثوابت المعتقدات الدينية، فنحن الآن نعيش هذه الأوضاع، ونواجه هذا النمط من الناس والمدارس الفكرية.

ونحن في بلادنا ننعم ـ وبحمد الله تعالى ـ بنعمة الإسلام، وإذا كانت هناك بعض الشبهات أيضاً قبل الثورة فإن الكثير منها أزيلت من أذهان شبابنا؛ ببركة توجيهات الإمام الخميني& وغيره من الأفاضل والعلماء الأعلام، ولكن استـناداً إلى الإعلام الذي يمارسه أعداؤنا من خارج وداخل البلاد ما هي الضمانة التي تضمن بقاء الإسلام والثورة؟

هنا لا بد من استخدام العقل في هذه الميادين، وتفعيل دوره؛ لكي نرفع من مستوى قوة العقل من خلال المزيد من التفكير والتأمل الأدق. وهذا أمر ضروري، بل أكثر وجوباً من دراسة الفقه أيضاً؛ لأنه يرتبط بأصل العقيدة. وهذا الجهد الفكري هو ما نسميه بـ «الفلسفة». وإذا كان هناك استدلال عقلي في علم الكلام فهو استدلال فلسفي؛ لأنه طبقاً لما جاء في التعريف فإن الفلسفة تعني إثبات المسائل عن طريق البرهان العقلي. كما أن إثبات التوحيد في الآية الكريمة: {لَو كانَ فيهِما آلِهَةٌ إلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا} جاء أيضاً بواسطة البرهان العقلي. إذاً الفلسفة موجودة في القرآن الكريم أيضاً.

وخلاصة القول: لكي نتملك قوة فكرية أكبر، ونتمكن من الإجابة عن الشبهات التي يثيرها الآخرون إجابة شافية، أصبح من الواجب علينا أن ندرس الفلسفة.

 

ب ـ محنة الفلسفة في الحوزة العلمية

التعامل المتشدد مع الفلسفة له سوابق تاريخية كثيرة، فقد كان هناك نوعان من الاتجاهات المتضادة تجاه العلوم العقلية في الحوزات العلمية: فريق يدافع عنها بكل قوة، ولكنهم يشكلون الأقلية؛ وفريق آخر يعارضها بقوة، حتى أنهم يعتبرون المؤيدين للفلسفة كَفَرةً، ومما يؤسف له أن هذه المواقف المتشددة أدت إلى ركود هذا العلم حتى الوقت الحاضر.

وإذا حقق الشيعة تطوراً نوعياً ملحوظاً في الفقه والأصول أمام العالم فإن هذا التطور مدين بمقدار كبير للمناقشات الحرة المفتوحة التي كانت تحدث وما تزال حول مسائل هذه العلوم في أروقة الحوزات العلمية، بمعنى أن المسائل الفقهية تُدرَّس في الحوزة العلمية من قبل العديد من الأساتذة، بحيث إن كل واحد منهم يتـناول نظريات متباينة عن الآخر تماماً. فالسيد البروجردي& والسيد محمد تقي الخوانساري& كانا يدرِّسان موضوع صلاة الجمعة في آن واحد؛ إلا أن أحدهما كان يقول بوجوبها وجوباً عينياً، والآخر يعارض وجوبها العيني. وكان في الطلبة من يحضر لدى كليهما، ويطلَّع على النظريات المتباينة لكلا الأستاذين، فيستمع إلى أدلتهما، ويحكم عليها.

ضرورة طرح جميع المدارس الفلسفية في الحوزة

وفي ما يتعلق بالفلسفة يجب أن يكون الأمر كذلك، وأن تطرح جميع المدارس الفلسفية ـ بما في ذلك الفلسفة المشّائية والإشراقيّة، وغيرها من المذاهب الفلسفية الموجودة في العالم ـ داخل الحوزات العلمية، حتى وإن كان في البعض منها أفكارٌ إلحادية؛ إذ يجب في هذه الحالة التعرض لها بالنقد العلمي الاستدلالي.

ولغرض تطور الفلسفة يجب أن تصبح المناقشات الفلسفية عامة بنحو أوسع، وأن يدور النقاش في هذه المواضيع بشكل حُرّ، وأن تترك الأفكار المتشددة جانباً، وتتم مناقشة مختلف المسائل بكل إنصاف وصراحة وشجاعة، وتطرح النظريات والآراء الشرقية والغربية، ويُقارن بينها، وتطبّق وتـنتقد، لكي نتمكن من طرح الفلسفة الإسلامية على أنها أفضل فلسفةٍ لبني البشر ـ وستبقى كذلك ـ ونعمل على إثبات العقائد التي تستـند عليها.

استعادت الحوزات العلمية في العقود الأخيرة ازدهارها؛ بجهود مجموعة من العلماء الأعلام، فاستقطبت المؤسسة الدينية بعض الطاقات. كما أن النشاطات التي كانت مختزلة سابقاً ضمن نطاق تبيين الأحكام الفقهية، والمنبر, والوعظ والإرشاد، وإدارة المساجد، اتسعت دائرتها اليوم لتشمل المسائل العقائدية أيضاً، متأثِّرةً بالأحداث والتطورات السياسية في ذلك؛ لأن بعض الأحزاب التي شرعت بالنشاط والنمو كانت أفكارها السياسية تستـند على الإيديولوجية الماركسية، وهذا الأمر كان يستدعي القيام بطرح المسائل العقائدية للإسلام. ومن هنا أولى بعض العلماء أهمية أكبر للمسائل الفكرية والعقائدية. ولو أن الهجوم الثقافي لم يُدفع من قبل العلماء والحوزات العلمية لكانت المفاسد والأضرار الناجمة عنه أكبر مما هي عليه الآن.

ومن المؤسف أن الهجوم الثقافي كان ينطلق دائماً ويبدأ من قبل العدو، ونقوم نحن بحركة انفعالية للتصدي له وصدّه فقط. ومن المناسب هنا أن نقول بكل اعتزاز: إن هذه الحركة انطلقت من مدينة قم المقدسة، بواسطة العلامة الطباطبائي&، واقتراح وتعاون بعض العلماء، أمثال: الشهيد المطهري&، وقاموا بطرح المسائل العقلية التي كانت تثار في العالم الغربي على بساط البحث، مما أدى إلى أن يتعرف طلبة المدارس الدينية الشباب على مسائل أخرى غير الفقه والأصول التقليديين. وعلى أثر التـنسيق وإقامة العلاقات مع الجامعات الأخرى اتسعت الأجواء الملائمة للنشاط الثقافي تدريجياً، وأصبح من الواضح أنه إذا كان من الضروري وجود مجتهد وفقيه جامع للشرائط للإجابة على الاحتياجات الفقهية فإن من الضروري أيضاً وجود مَن يمتلكون قدرة الردّ على الشبهات العقائدية وسائر المسائل الأخرى.

لقد تحققت الحركة الثقافية في مجتمعنا ولله الحمد، ويجب على رجال الدين متابعتها، وكما أن العلامة الطباطبائي والشهيد المطهري لم يكتفيا بكتب الأسفار والشفاء، ولم يقولا: طالما لدينا الأسفار والشفاء فلن نحتاج إلى شيء آخر، بل شمّرا عن ساعديهما، وأجابا عن المشاكل والشبهات بما يتطابق وحاجة العصر؛ فهكذا هي الحال بالنسبة للوقت الحاضر أيضاً؛ إذ لا ينبغي لرجال الدين القول: إن ما كتبه العلامة الطباطبائي والشهيد المطهري هو القول الفصل، وليس بعده قول آخر. كلا، إنهم ـ كغيرهم ـ بشرٌ؛ ولابد من بذل المزيد من الجهود لخلق الأبدال والعلماء. إن الله تعالى لم يجعل العلم وقفاً على شخص أو جيل معين، وأعطى لكل فرد قدراً من العقل والفراسة والذكاء على قدر وعائه. ولابد لنا من القيام بما يمكِّننا أن نأتي في كل يوم بآراء أفضل وأكثر نضجاً، وخاصة أن الاحتياجات تطرح أولاً بأول. واليوم تطرح مسائل جديدة لم تكن مطروحة في عصر العلامة الطباطبائي.

عبثية الاكتفاء بالكتب الفلسفية الموروثة

هناك من يعتقد؛ انطلاقاً من بساطته، أو ربما لغروره، أنه يمكن الإجابة عن أي سؤال يُطرح بقراءة كتب الفلسفة المتداولة، ولا حاجة للقيام بالمزيد من الأبحاث والدراسات. كلا، ليس الأمر كذلك، المستشكلون هم بالنهاية بشر، ويمتلكون العقل، ولو افترضنا أن 99% مما كتب في الكتب الفلسفية للغرب باطل يبقى ـ على الأقل ـ 1% منه صحيحاً. وبسبب وجود هذه النسبة فإن تلك الكتب تستحق أن يقرأها المرء ويطلع عليها. وإذا أراد المرء للعلم أن يتطور فلا يمكن تحقيق ذلك بالكسل؛ إذ لابد من بذل الوقت والجهد لتحقيق هذا الهدف. وإن مجرد امتلاك المصادر الغنية لا يكفي، بل لا بد من امتلاك الأدوات والاستعداد الذهني.

ج ـ ضرورة فتح الاختصاص الفلسفي في الحوزات العلمية

من بين الاختصاصات الجامعية في السابق كان هناك اختصاص يدعى الطب، ومن كان يريد أن يدرس في هذا الاختصاص كان يجب عليه القيام بدراسة سلسلة من الدروس المتعلقة بجميع المسائل الطبية للعين، والأذن، واليدين، والأرجل، والقلب، والكبد، وغيرها، بعد أن يمضي مرحلة دراسية عامة، بل ويدرس الدروس المتعلقة بالمسائل النفسية أيضاً. وبإمكان أي طالب جامعي أن يصبح طبيباً بعد أن يمضي عدة سنوات، ويكمل دراسته الجامعية، ويعالج جميع الأمراض. ولكن بتوسع دائرة العلوم تدريجياً استُحدث أكثر من ثمانين اختصاصاً علمياً في الحقل الطبي، ومن المؤكد أنه سيتم في المستقبل استحداث المزيد من الاختصاصات الفرعية الأكثر دقة في هذا المجال، وكذا الحال بالنسبة لسائر العلوم الأخرى التي تمر بشكل أو آخر في نفس الحالة.

والفلسفة أيضاً غير مستثناة من هذه القاعدة؛ إذ إن مادة العلوم العقلية تشمل الفلسفة، والكلام، والمنطق، والعرفان، وفلسفة الأخلاق، وفلسفة القانون، والفلسفات الأخرى، التي تشكل أسس وقواعد العلوم الإنسانية. وجميع هذه العلوم هي من ضمن العلوم العقلية. ومن الممكن أن تتسع دائرة العلوم العقلية في المستقبل، وتـنقسم كل واحدة من هذه العلوم إلى اختصاصات أكثر فرعية وتخصصاً.

وبالنظر لاتساع الفلسفة يجب أن تتخذ الإجراءات اللازمة لتدريسها في الحوزة العلمية. وبالإضافة إلى تدريس مختلف أنواع العلوم العقلية في مرحلة دراسية عامة يجب أن تدرّس اختصاصات متعددة أخرى في المراحل التكميلية والاختصاصية المتقدمة.

3ـ التفسير

أـ أهمية مادة التفسير في الدراسات الحوزوية

يجب على الحوزة العلمية، التي تتحمل مسؤولية الدفاع عن مكانة الإسلام وإثبات أسسه ومبانيه، أن تكون قوية كذلك في علوم تفسير القرآن. وبعد أن تثبت أحقية الإسلام، وتتمكن من دفع الشبهات المثارة، تتصدى لتبيين محتوى الإسلام، بما في ذلك الأحكام الفرعية، والاجتماعية، والعبادات، والمعاملات، وغيرها.

إنّ أساس المعارف الإسلامية هو الكتاب والسنة. ولو استوعبنا القرآن الكريم وكلمات النبي الأكرم‘ وأهل البيت^ بشكل صحيح فسنفهم الإسلام بشكل صحيح أيضاً. ومن المؤكد أن العلوم الإسلامية مرتبطة بشكل أو آخر ببعضها؛ فهي ليست على النحو الذي تكون فيه منفصلة عن بعضها بشكل كامل، فعلم الرجال والتفسير مع الفقه والأصول، والفقه والأصول مع المنطق،.. إلخ.

ويقال اليوم: إن عالم الدين لا يستطيع في العصر الحالي أن يحصل على درجات التخصص العلمي المتقدمة في جميع العلوم الإسلامية، العقلية منها والنقلية، ولا بد له أن يختار ويتخصَّص، ويبقى أن نقول: إن الاطلاع على جميع العلوم الإسلامية أمر ممكن ومطلوب في نفس الوقت، ومع ذلك لا بد من التخصص في أحد العلوم؛ ليصبح بالإمكان امتلاك القدرة اللازمة على حل مشكلة معينة، ولا ينبغي لنا الاتكال على تقليد الآخرين فقط. وفي هذا الخضم يحظى تفسير القرآن بالدرجة الأولى من الأهمية، وسوف تتضاعف هذه الأهمية؛ نظراً لقلة مفسّري القرآن، وقلة الذين بإمكانهم استيعاب دقائق معاني الكتاب وسنّة النبي الأكرم‘ وأهل بيت العصمة والطهارة^.

ب ـ مبدأ عدم الانفصال بين الأخلاق والتفسير والعلوم العقلية

يجب أن نجعل هذه العلوم في عرض بعضها البعض، ولا يمكن ترجيح أحدها على الآخر. فالعلوم العقلية ضرورية للدفاع عن الحدود الأساسية للدين الإسلامي (الحدود العقائدية)، وعلم التفسير ضروري لفهم وإدراك أهم مصدر لمعرفة الدين الإسلامي وأكثرها وثوقاً، وعلم الأخلاق ضروري لتزكية النفس. ويجب على الحوزات العلمية أن تولي اهتمامها للجمع بين هذه العلوم الثلاثة. إلا أن المسلّم به أن التركيز على اختصاص واحد سيحقق تقدماً أكبر. ولا بد من القول: إنه لا ينبغي تركيز جميع الطاقات على هذه العلوم الثلاثة، ولا ينبغي أيضاً أن نغفل عن سائر العلوم والاختصاصات الأخرى.

ج ـ ضرورة العمل الجماعي في المجال التفسيري

لغرض رفع مستوى الوعي لدى الدارسين في حقل التفسير يجب أن يُصار إلى استحداث مجاميع دراسية بحثية، لكي يتعود الطلبة منذ البدء على العمل الجماعي، وتـنشأ بينهم أجواء التفاهم والتعاون. على العكس من الطرق المتبعة، التي تؤدي بالنتيجة إلى الفردية، وعندما تبرز مشكلة معينة في نهاية الأمر يلجأ إلى القول: «أنا فهمت الأمر على هذا النحو، وفهمي حجة بالنسبة لي، ولا شأن لي بالآخرين». ولا يختص هذا الأمر بالتفسير فحسب، بل يجب أن يسير منهج البحث والتحقيق على هذا النمط في جميع العلوم الأخرى.

د ـ الحاجة لإدراج التفسير الترتيبي مقدّمةً للتفسير الموضوعي

قبل الانتقال إلى التفسير الموضوعي يجب إدراج مرحلة دراسية في التفسير الترتيبي للقرآن ضمن المنهج الدراسي للحوزة العلمية. وإحدى الطرق لتحقيق هذا الهدف هي اختيار تفسير موجز للمنهج الدراسي؛ مثل: تفسير «جوامع الجامع»، للشيخ الطبرسي&، والموجود حالياً ضمن المنهج الدراسي للحوزة العلمية. والأسلوب الآخر يكمن في جمع جوانب مهمة من مختلف التفاسير وتدريسها؛ لأنه لكل مفسِّر لمحات علمية مهمة، وإبداعات رائعة في بعض الجوانب من تفسيره. وبعض الأجزاء من «مجمع البيان»، و«الميزان»، وسائر التفاسير الأخرى، على هذا النحو الذي أشرت إليه.

ويمكن اختبار هاتين الطريقتين، ويصار إلى اختيار الأنسب منهما، وإدراجه في المراحل الدراسية المختلفة للحوزة العلمية.

هـ ـ إعداد معجم موضوعي متكامل عن القرآن الكريم

بهدف العمل في حقل التفسير يجب أن تتوفر بين أيدينا المزيد من المصادر. فالمفسر الذي يريد أن يستخدم أسلوب تفسير القرآن بالقرآن، الذي كان يحظى بتأكيد العلامة الطباطبائي&، يجب أن لا يضيع وقته في المقدمات والصرف. ولو كان في متـناول المفسر معجمٌ موضوعي كامل للقرآن الكريم، بمعنى تبويب جميع الآيات التي تتحدث عن مختلف المواضيع كل حسب موضوعه، وجدولتها بشكل منتظم، وكذلك جمع الآيات التي يحتمل أنها ذات صلة بالموضوع من حيث المعنى، سيكون العمل في غاية السهولة، وعلى مستوى نوعي أرفع من أجل الوصول إلى الهدف المنشود.

ولو كان مثل هذا المعجم الموضوعي متوفراً للعلامة الطباطبائي& في بداية مشروعه التفسيري لأنجز عمله بشكل أسرع من جهة، ولكان بمستوى نوعي أفضل. وللأسف لم ينجز حتى الآن عمل كهذا. ولكن صُنفت كتب موجزة وفي مستويات أدنى؛ وعلى سبيل المثال: ألّف المصريون بضع كتب في هذا المجال، ولكنها لا ترقى للمستوى المطلوب. ولذلك من الضروري إنجاز هذا العمل الأساسي.

ومنذ عدة سنوات ينهمك الخرّيجون من مؤسسة على طريق الحق (در راه حق) في قسم التفسير في إعداد معجم كهذا. وآمل بعد إكماله وجعله بين أيدي الباحثين والمحققين أن يصبح التحقيق في حقل التفسير أكثر سهولة ويسراً.

ثانياً: مجال الأبحاث في الحوزة العلمية

1 ـ أهمية الأبحاث في العلوم الإسلامية

تتضح أهمية الأبحاث عندما نهتمّ بالمسائل الاجتماعية، وبالاختلافات الموجودة بين المدارس الفكرية والمناهج, بالإضافة إلى اهتمامنا بالمسائل الفردية واحتياجاتـنا الشخصية للكتاب والسنّة. ففي هذا العصر الذي أصبح فيه العالم كالبيت الواحد، وأي صوت ينطلق في أي مكان، وكل رأي يطرح، يتردد في جميع الأرجاء، وجميع التيارات الفكرية التي تصدر عن أي فرد ـ مهما كان مسلكه ومذهبه، ومن أي نقطة في العالم ـ ستـنتشر عاجلاً أم آجلاً في جميع أرجاء الدنيا، وتصل هذه التيارات إلى جميع الناس، فتترك آثارها على المنشورات والإصدارات، بل حتى على الخطب الدينية. كما يتأثر بعض الأفراد ـ بوعي أو بغير وعي ـ بهذه الأمواج الفكرية. وبما أن هذه التيارات الفكرية ليست كلها صحيحة، ولن تصل بالإنسان إلى بر الأمان، فإنها ستُغرقنا في بحر الضلال والضياع، إذا لم نمتلك الاستعداد الكافي للدفاع عن أنفسنا وعن معتقداتـنا.

ومما يؤسف له أن مجتمعاتـنا في الوقت الحاضر لا تمتلك الاستعداد الكافي للتصدي لهذه الأفكار المسمومة الخطرة؛ بسبب قلة عدد العلماء الإسلاميين، أو لعدم وجود الاهتمام الكافي بهذه المسائل. ومن المحتمل أيضاً أن بعض رجال الدين لم يوضِّحوا الحقائق للناس كما يجب وينبغي، ولم يحصِّنوا الشباب للدفاع عن الحقائق الإسلامية والأسس الإيديولوجية. وبالتالي أدى ذلك إلى أن ينخرط الشباب زرافات في الانتماء إلى المذاهب الفكرية المنحرفة، وبخاصة في الجامعات، على الرغم من أن الجامعيين المسلمين يدخلون الجامعة وهم على بيّنة من عقيدتهم وتديّنهم، ولكن لا يطول بهم الأمر حتى تراهم يتخلون عن عقائدهم تحت تأثير الأمواج الفكرية المنحرفة القادمة من الغرب.

وهذا ما يوجب علينا دراسة العلوم الدينية؛ لسببين:

1ـ أن نفهم الإسلام بشكل صحيح؛ لكي لا نتبع الإسلام المنحرف بدلاً عن الإسلام الأصيل، متأثرين بالإعلام المعادي، ونستوعب الإسلام بالمعنى الصحيح من المصادر الصحيحة ومنابعه النقية الخالصة، ولا نعاني من الانحراف والتشويش.

2ـ أن نقف بشكل صحيح على الأخطاء التي نواجهها، ونعرف طريق الإجابة عنها؛ لأنه عندما تطرح الشبهات المضللة بمسحة علمية ولباس خادع تلقي بظلالها على الكثير من الأفراد وتؤثر عليهم، إلا إذا توفرت لديهم أجوبة منطقية ومقنعة.

والواقع أن الحوزة العلمية، ورغم كونها مركزاً ثقافياً حياً في العالم، وتمتلك الكثير من الخصائص والامتيازات، تـنطوي على الكثير من النواقص. فعلى الرغم من أنها حققت بعض التطورات الملحوظة بشكل أو آخر في الفقه والأصول، إلا أن أسلوب العمل ليس نموذجياً بالشكل المطلوب تماماً. كما أن المستوى النوعي للعمل يمكن أن يكون أفضل مما هو عليه الآن، ما يؤدي إلى تحقيق نتائج أكبر وأفضل بفترة زمنية أقل. ولو أمضينا الكثير من الوقت في دراسة الأسفار، والشفاء، والمنظومة، والنهاية، وغيرها، فإن ذلك سوف لن يحل مشاكلنا.

ولأجل التخلص من المشاكل التي نعاني منها لا بد من تغيير طريقة إجراء التحقيقات العلمية والأبحاث والدراسات في جميع الاختصاصات. وهذا الإجراء يشكل الخطوة الأولى على الطريق الصحيح.

2 ـ مشكلة الفردية في الحوزة العلمية، إعاقة الإنتاج البحثي

تمثل طريقة إعداد رجل الدين مشكلة أخرى من مشاكل الحوزة العلمية. فكما هو معلوم ـ وهو ما نقل أيضاً عن السلف ـ أن أساس التربية الحوزوية تعتمد على «الفردية»، حيث يبقى الطالب في المدرسة الدينية لمدة سنتين أو ثلاث سنوات، ويتعود على أن يفكر لوحده، ويقرِّر بنفسه. ومن خلال ترديده عدة مرات الجملة التالية: «إن قلتَ قلتُ» يتعلم بأن يقول لكل من يحاوره: «إن قلتَ قلتُ»، «أنتَ تقول وأنا أقول»، ولا يشعر على الإطلاق بحاجته للتشاور مع الآخرين واستطلاع آرائهم.

وإن الفردية، والتفكير المنفرد، وما يتبعه بعد ذلك من حالة الاعتداد بالنفس، مشاكل يعاني منها مجتمعنا؛ إذ تجد أن الأفراد يعانون من صعوبة بالغة في التفاهم والتشاور والتعاون مع بعضهم البعض.

ومشكلة طلبة العلوم الدينية هي في أنهم عندما يطالعون دروسهم يفكر كل منهم بمفرده؛ في حين لو أننا فكرنا بشكل جماعي لكان ذلك أكثر جمالية وفائدة. ومن مخاطر الفردية كثرة الخلافات، وابتعاد رجال الدين عن بعضهم البعض، والذي يؤدي بالتالي إلى إلحاق خسائر وأضراراً جسيمة لا يمكن تلافيها.

هذه التربية خاصة تتضمن بعض المحاسن، إلا أن الإفراط والمبالغة فيها أدت إلى ظهور العيوب والنواقص التي نشاهدها في كل يوم. وهذه المسألة تقوِّض أساس كل مسعىً للتعاون والتـنظيم. وباستمرارها لا أمل يرجى في إحراز أي تقدم يذكر. وسيبرر كلّ منهم سلوكه بقوله: «وجدت أن هذا هو تكليفي».

وبهذا النمط من التفكير وطريقة التربية والإعداد لا يمكن أن نمنّي أنفسنا بإنجاز الأعمال الأساسية؛ لأنه طالما ينعدم الاستعداد لتقبل الرأي الآخر، ولا وجود للمرونة والتفاهم، لا يمكن أن نأمل في إقامة تعاون جادّ وبنّاء، وكيف يمكن أن نتوقع لمجتمع كهذا أن يتطور وينضج. هذه المشكلة تمثل إحدى أكبر المشاكل التي يعاني منها مجتمعنا، والتي ـ مع الأسف ـ لا يمكن حلّها بسهولة.

وأما الفكرة التي تقول: إن «رأي المجتهد حجة عليه» فلا تعني أن يجلس المجتهد في غرفة مغلّقة الأبواب، ولا يستمع لرأي الآخرين، ويتخذ مما يفهمه أساساً وحجة قاطعة في عمله. كلا، الأمر ليس كذلك، بل لابد من الاطلاع على آراء الآخرين أيضاً. وكذلك الحال في الفقه، فإذا أردنا أن نقف على مسألة معينة، أو نبحث في موضوع معين، يجب أن نلاحظ عدد الأقوال الصادرة بشأن تلك المسألة، وما قاله الفقهاء بشأنها، وما هي طرق نقضهم وإبرامهم؛ إذ لا يمكن أن نتجه مباشرة نحو الرواية والآية ونخوض في الاستـنباط. إن منهج الفقهاء ليس بهذه الشاكلة. فالوقوف على آراء الآخرين إنما يأتي بهدف القول: لعل الآخرين فهموا أمراً لم يخطر ببالنا نحن. وهذا الأمر يصدق تطبيقه على الفقهاء المعاصرين أيضاً.

وانطلاقاً من أن مراجعة أفكار الآخرين (الفقهاء الماضين) يمكن أن يساعد في صحة صدور الفتوى فإن الرجوع إلى أفكار المعاصرين ينطوي على نفس هذه الفائدة أيضاً. وإذا كان الوقوف على آراء الفقهاء بالقدر المعقول ضرورياً للأفراد العاديين ففي مثل هذه الحالات يكون الأمر بالنسبة للمجتهد ـ بطريق أولى ـ أكثر ضرورة.

الحاجة للتلاقي العلمي بين الباحثين

ومن أجل حل هذه المشكلة يجب أن تقترب الأفكار من بعضها أكثر فأكثر؛ لكي نشعر بالمزيد من الوحدة بيننا. هذا الإجراء يصب في مصلحة الإسلام. يجب أن تتقارب الأفكار والآراء من بعضها البعض مهما كان الثمن، ولا سيما أفكار أولئك الذين لهم هدف إلهي مشترك، ويتصدون لتحمل مسؤولية الدين. التفاهم، وتقارب القلوب والأفكار من بعضها البعض، يقلل من العيوب، ويقضي على التشاؤم، ومنفعته تعود على المجتمع الإسلامي، كما أنه يُمثِّل مصداقاً للحديث الشريف: «تَزاوَرُوا وتلاقُوا وتَذاكَروا وأَحيُوا أَمرَنا»([5])، وتفصح الروايات وسيرة الأئمة^ عن أن الناس يجب أن يكونوا مع بعضهم البعض، ويفكروا معاً، ويسارعوا إلى مساعدة بعضهم البعض في الأمور اليومية والقضايا الاجتماعية، ويتشاوروا في ما بينهم. يقول النبي الأكرم‘ في حديث نبوي شريف: «جلوسُ ساعَةٍِ عندَ العُلَماءِ أحبُّ إلى اللهِ من عِبادَة ألف سَنةٍ»([6]). وهذا الحديث ينطوي على نقاط جديرة بالتأمل، منها: أن النبي لا يقول جلوس ساعة عند المعلم، بل يقول: «جُلوسُ ساعة عندَ العلماءِ». جميلٌ جداً هذا التعبير، ويحدد الأسلوب التربوي والتعليمي للإسلام؛ لأنه صدر عن لسان النبي الأكرم‘ في الوقت الذي لم تكن قد برزت فيه الخلافات بعد بين الشيعة والسنّة.

وبالإضافة للفوائد العلمية التي نحصل عليها من منهج التعاون هناك أسلوب تربوي آخر ينبغي أن نعوّد أنفسنا عليه، لكي نكون مع بعضنا البعض، ونفكر معاً، ونسعى إلى أن نكون جميعاً على فكرة واحدة.

إن أفضل أسلوب للنجاح هو أسلوب العمل الجماعي. تعاون الأفراد في ما بينهم يؤدي إلى مضاعفة طاقاتهم، وبازدياد أعداد الأفراد تتضاعف الطاقات بشكل تصاعدي.

ومن واجباتـنا أن نسعى إلى مطالعة دروسنا بنحو أفضل. ومنها أن نسعى إلى إخراج نشاطاتـنا العلمية والإعلامية بإطار جماعي، ونبتعد قدر الإمكان عن الفردية والتفكير بشكل منفرد والعمل الانفرادي. علينا أن نبني أنفسنا على أساس العمل الجماعي؛ لكي نتطور من خلال تبادل وجهات النظر وتلاقح الأفكار والرؤى؛ ذلك أن تأثير العمل الفردي قليل جداً. الثورة الإسلامية المباركة والانتصارات التي حققها شعبنا مدينة في الواقع لهذا المبدأ؛ إذ انطلق الأفراد إلى الأمام بفضل قوة اتحادهم وتعاونهم، ولم تكن هذ الثورة لتحقق النصر بالعمل الفردي إطلاقاً.

نعمة المواساة، والتعاون، والتعاضد، نعمة عظيمة جداً، ينبغي أن نعطيها حق قدرها، ونوليها اهتمامنا في المحافظة عليها والعمل على تـنميتها، لكي تصبح أنموذجاً يُحتذى به في جميع الحوزات العلمية، وبين أوساط رجال الدين وطلبة العلوم الدينية.

إذا كانت المؤسسة الدينية تريد أن تكون مؤثرة في المجتمع، وتتمكن من إزالة الإخفاقات الموجودة فيه، وبخاصة في أوساط الحوزة العلمية، يجب أن تعمل على تقوية روح المواساة والتعاضد في ذاتها. وهذا الأمر لا يمكن تحقيقه إلا بالتسامح. إذا كانت روح التسامح ونكران الذات موجودة فمن الممكن أن نشهد روح المواساة وأداء الأعمال الاجتماعية؛ ولكن بعد كل هذه النصائح إذا كانت روح الأنا هي المتفشية فإن الجهود المبذولة سوف لن تحقق شيئاً يذكر، وتسود بعد مدة روح التقصير والملل، ومن ثم تعم حالة الانزواء والابتعاد عن ممارسة النشاطات الاجتماعية تدريجياً.

حاجتنا إلى مبدأ التسامح الداخلي بين الحوزويين

الشرط الأول للتعاون والتشاور هو مبدأ التسامح. إذا انعدمت روح التسامح لا يمكن التعايش مع الآخرين إطلاقاً. لم يخلق الله تعالى بشرين متماثلين تماماً؛ فجميع الناس يختلفون في ما بينهم، وحتى الإخوة ليسوا متشابهين. إذاً لو أردنا أن نتعاون مع الآخرين لابد من وجود روح التسامح لدينا. يجب أن نعزز روح التسامح والصفح في أنفسنا لكي تصبح هذه الصفة ملكة لدينا؛ لأن وجود حالة التحسس وعدم الارتياح بسبب تقوُّلات الآخرين أو سلوكهم دليل على عدم وجود هذه الصفة لدينا.

المنفعة الناجمة عن التعاون الاجتماعي والاستفادة من كافة الطاقات المتاحة تفوق المنفعة الناجمة عن العمل الفردي. وبناء على ذلك يجب أن نتخلى عن آرائنا وقناعاتـنا الشخصية لغرض المحافظة على تلك المنفعة وتحقيق المصلحة العامة، على الرغم من أن هذا التسامح لا ينسجم مع طبيعة أي فرد من بني البشر, وكل فرد هو استقلالي بطبعه، ويتصور أن كل ما يقوله هو الصحيح.

المدير الناجح هو الذي يسعى صادقاً إلى تعزيز روح التعاون بين مرؤوسيه، دون أن يكون جلّ تركيزه على إثبات صحة كلامه وتطبيق أوامره فقط، وإلا فإنهم ـ شاؤوا أم أبوا ـ سيتفرق جمعهم بعد فترة من الزمن، وتبرز مظاهر الغضب واللوم بينهم.

المدير الناجح يسعى إلى أن لا يجعل نفسه قطب الرحى في جميع الأعمال، بل يطرح رأيه المنطقي كسائر الأفراد، وفي النهاية يبدي احترامه لآراء الآخرين، وإذا كانت آراؤهم صحيحة يتخلى عن رأيه، بل ويشجع الطرف المقابل على طرح الآراء وتقديم الحلول الأفضل.

إذا كنا نريد أن نملأ نقاط الضعف الموجودة علينا أن نعوّد أنفسنا ونمرّنها على الصفح عن الآخرين، واحترامهم، واحترام أفكارهم، ونعاملهم بكل صدق. من كان يتحايل على صديقه عليه أن لا يتوقع عدم حصول نفس الأمر معه. من الممكن أن يكون الشخص المقابل لنا شخصاً ساذجاً بسيطاً، ومن الممكن أخذه على بساطته، ولكن ليس الجميع كذلك، ولا يمكن التعايش مع جميع الناس بهذا الأسلوب.

بإمكان الشخص المحتال الانسجام مع عدة أفراد بسطاء، إلا أن شخصين محتالين لا يمكنهما الانسجام والعمل سوياً؛ لأن كلاًّ منهما يريد أن يخدع الآخر. ومن الممكن أن يتظاهرا بالمودة أمام الآخرين، ولكن ليس بمقدورهما في واقع الأمر أن يكونا منسجمين فعلاً؛ بسبب الأنانية المقيتة المتغلغلة في قلوبهم.

العمل الجماعي من إحدى الضرورات، ويجب أن نضع الأمزجة جانباً وندرك أهمية العمل الجماعي. وعلى المرء أن يعوِّد نفسه على العمل مع الآخرين، وإلا فإن الأعمال لا تتطور بتحكيم الأمزجة الفردية والأنانية، وليس بوسعنا الإجابة عن المشاكل الجمّة التي تثار في عالمنا اليوم من خلال الأعمال الفردية. فأين العيب إذا ما تواضعنا لله تعالى؟! والتواضع في مثل هذه الظروف له مكانته. ولا مكان للتعبير عن التواضع في أخلاقية الانزواء والانعزال.

وطالما لم ينزل المرء إلى المجتمع، ولم يتعامل مع الآخرين، لن تظهر أنانيته. ولا يمكن القضاء على روح الأنانية من خلال الجلوس في البيت، وأداء صلاة الليل، والقيام في الليل حتى السحر، بل تزداد قوة وشدة. ولابد من تحمّل تطبيق هذه الرياضة في محيط المجتمع، فإذا لم يتعامل الشخص مع الآخرين، ولم يشعر بحالة الطغيان في داخله، لا توجد أمامه فرصة لاختبار هذه الرياضة وممارستها. وفي حالة احتكاكه بالمجتمع بإمكانه أن يتـنازل عن رأيه لله تعالى ولمصلحة الإسلام، ويتـنفس الصعداء، وخاصة أنه لا وجود لمعيار دقيق في العلاقات الاجتماعية التي تـنطوي على الكثير من الاختلافات في الآراء بإمكانه أن يحدد موضع الخلل في كل حالة, ومن الذي هو على الحق.

3 ـ لا يأس في العمل البحثي

لا ينبغي الشعور بالخيبة إطلاقاً عند القيام بالأبحاث والدراسات. فإذا قمنا بإعداد فصل معين وكتابته، ومن ثم اضطررنا إلى تغييره كلّه، يجب أن لا نتضايق من ذلك. فأغلب الأعمال القيّمة تم تقديمها من قبل أشخاصٍ يحملون مثل هذه الروحية وهذه الشهامة في التأليف؛ إذ من الممكن أن يكتب الباحث موضوعاً معيناً، وبعد فترة من الزمن يقف على رأي أفضل وأكثر دقة مما كتبه، فإذا انعدمت روح الشهامة اللازمة لتبديل الموضوع الأفضل والأكثر صحة مكان الذي سبقه لن تأتي الأبحاث العلمية بصيغة مفيدة، ولن تؤدي إلى تحقيق التطور المنشود إطلاقاً.

4 ـ اجتناب الرؤية السطحية

من الواضح أن التطور العلمي حصل، وسيحصل دائماً، بجهود الأفراد المثابرين، الذين لا يعرفون الكلل والملل، من ذوي البصيرة والرؤية الوقّادة، كما أن أي فرد أو مجتمع لم ولن يتوصل إلى تحقيق مكانة تذكر بالرؤية السطحية والكسل والتقاعس والدّعة. ويمكن أن تصبح سيرة العلماء المجدّين والمجتهدين المجاهدين والفلاسفة والعرفاء الذين اختاروا حياة بسيطة زاهدة؛ ليتمكنوا من التوجه للمزيد من الدراسات والأبحاث العلمية، قدوةً حسنةً صالحةً للاقتداء بها من قبل علمائنا.

5 ـ حرية التعبير والابتعاد عن التقليد

الأمر الآخر اللازم توفره في الدراسات العلمية هو حرية التعبير، والابتعاد عن التقليد والتبعية اللامنطقية المفتقرة للدليل العلمي، وهو الشيء الذي يعد مرضاً خطيراً أمام تحقيق التطور العلمي المطلوب، ويخنق شتلة العلم المتـنامية في دهاليز القنوات المصطنعة الضيقة، فتحيلها زرعاً يابساً. كما أن أضرار هذا الفعل لا تطال الذين يكبِّلون أنفسهم بالأطر المفروضة فقط، بل تمتد لتؤدي كذلك إلى خلق حالة من سوء الظن والتشاؤم لدى الآخرين تجاه الحقائق والمعارف والأحكام والقوانين الإسلامية.

وتجدر الإشارة إلى أن حرية التعبير والتحرر من قيود التقليد والتزمّت لا تعني السماح بنشر البدع والأفكار المشوَّشة والتحليلات المصطنعة المزاجية عن الكتاب والسنّة. والمسلَّم به أن الخطر الناجم عن هذه الانحرافات والأفكار الخاطئة لا يقلّ بأي شكل من الأشكال عن الخطر الناجم عن التعصبُّ والتحجُّر. والعثور على الطريقة المثلى والمنهج الوسط من بين الاتجاهات المتطِّرفة أو المفرّطة أمر يتسم بالصعوبة، ولا يمكن تحقيقه إلا من خلال الذوق السليم، والجهد البنّاء المخلص، وامتلاك التقوى العلمية، والاستعانة بالتوفيق الإلهي.

6 ـ ضرورة الاختصاص في مجال الدراسات الإسلامية

نظراً لاتساع العلوم والمسائل المطروحة في الفقه والأبواب المتعددة للكتاب والسنة من الممكن أن يتعذر الاجتهاد الدقيق في جميع أبواب الفقه على الفقهاء. ومن هنا فإن إحدى النظريات المطروحة الآن في هذا المجال تقول: إنه من الأفضل أن يتم تقسيم أبواب الفقه أيضاً، وأن يختص كل فقيه في جزء منها. والمقلّدون كذلك يقلّدون أي مرجعٍ يرونه جديراً بالتقليد في كل باب من الأحكام، سواء في العبادات أو المعاملات أو غيرها. وهذا الأمر يؤدي إلى أن يمتلك المراجع الفرصة الكافية للحصول على المزيد من الدقة الكافية في أبحاثهم العلمية.

ولكي يتمكن الجميع من الاطلاع الكافي على المعارف والعلوم الإسلامية الواسعة والعميقة فالطريق الأسلم لذلك هو في اتجاه المحقِّقين والباحثين إلى البحث في الاختصاصات العلمية الإسلامية المتعددة بشكل تخصُّصي، ويجعلوا نتائج أبحاثهم ودراساتهم في متـناول أيدي الآخرين. وتتضح أهمية هذا الموضوع بشكل أكثر من خلال الالتفات للنقاط التالية:

أولاً: الدين الإسلامي واسع جداً، وله أبعاد مترامية، عرضاً وطولاً؛ إذ إن مستويات معرفته متباينة هي الأخرى بشكل واسع. وعلى سبيل المثال: التوحيد، الذي يعد أحد أهم أصول الدين، ذو مراتب متعددة، لا يستطيع الجميع أن يدركها بشكلٍ متساوٍ. إذاً إن المعارف الإسلامية واسعة وذات عمق خاص، ولا يستطيع جميع الناس إدراك وفهم جميع علومها كما ينبغي.

وإذا كان الجميع يريدون أن يدركوا جميع أبعاد الإسلام يجب أن يتخلوا عن جميع شؤونهم اليومية؛ وبالتالي تختل حياتهم اليومية. إذاً يجب أن يدأب عدد معين من الأفراد على فهم الحقائق الإسلامية. وهذا العدد لا يستطيع التخصُّص أيضاً في جميع أبعاد الدين؛ بسبب سعة المعارف الإسلامية وعمقها. ومن هنا يجب أن يختص كل فرد في جانب من المعارف الإسلامية، ويدرسه بعمق؛ لكي يصبح متخصصاً في ذلك المجال.

ثانياً: نحن نعتقد أن سعادة الدنيا والآخرة لن تحقق إلا عن طريق الإسلام، والدين الإسلامي عبارة عن مجموعة من المعارف والقيم والأوامر التي يجب أن نضاعف من معرفتـنا واطلاعنا عليها؛ لكي نتمكن من الاستفادة منها بشكل أفضل لتحقيق سعادتـنا.

ثالثاً: باستثناء النبي الأكرم‘ والأئمة الأطهار^، الذين كانوا يمتلكون العلم الإلهي والمعارف من قبل الله تعالى بشكل لدني، ويحيطون بجميع علوم الإسلام ومعارفه، ليس لدينا فرد آخر يحيط بجميع المعارف الإسلامية على هذا النحو. بل إن تلاميذ الأئمة^ لم يكونوا على هذا النحو، ولذلك كان الأئمة^ يسعون إلى إعداد كل تلميذ من تلامذتهم في حقل معين من حقول الدين. وتلامذة الإمام الصادق× الذين تم إعداد كل واحد منهم في باب معين من قبل الإمام، وأصبح متخصِّصاً في ذلك الباب، مشهورون جداً.

رابعاً: إذا لم يتصدَّ البعض للتحقيق والبحث بشكل متخصص، ولم يجعلوا الحقائق التي يحتاجها الناس في مختلف أنواع العلوم في متـناول أيديهم، فإن معرفة الناس بالدين الإسلامي سوف تضعف تدريجياً، ومع بروز الحالات المشابهة فإنهم سيقعون في الخطأ, وستتاح الفرصة أمام الأعداء أيضاً لإمكانية تحريف المعارف الدينية، وسيواجه المسلمون خطراً كبيراً.

وبناءً على ذلك بات من الضروري اللجوء إلى مبدأ التخصص في المعارف الإسلامية. وإنّ بقاء الإسلام والقيم الإلهية أصبح مرهوناً بمنهج التخصص في المعارف الدينية. التخصص في دروس الحوزة العلمية ليس أمراً جديداً، بل قام بعض العلماء الأفاضل، أمثال: الشهيد الدكتور بهشتي، والشهيد المطهري، والشهيد باهنر، وغيرهم، قبل حوالي ثلاثين سنة على الأقل، بطرح هذا الأمر، وكانت لهم بعض الآراء والأطروحات في هذا المجال.

وبناء على ذلك فإن موضوع التخصص في الدراسة ليس جديداً في الحوزة العلمية، بل كان محط اهتمام الشخصيات البارزة في الحوزة العلمية خلال العقود الأخيرة. ويجب الآن ـ وقد توفرت أمامنا فرصة أفضل ـ أن نضاعف من جهودنا؛ بهدف تحقيق هذه الفكرة.

خلاصة ونتيجة

هناك حاجة ماسة اليوم لدروس أخرى غير الفقه والأصول، اللذين يشكلان العمود الفقري لدروس الحوزة العلمية. وبعض هذه الدروس يشكل حاجة ضرورية لكل رجل دين. وبناء على ذلك يجب أن تؤخذ هذه الدروس بنظر الاعتبار كدروس عامة لجميع الطلبة ـ بغض النظر عن اختصاصهم ـ. وكما يحتاج الطالب للاطّلاع على اللغة العربية والأدب العربي؛ لكي يتمكن من فهم العبارات العربية للكتاب والسنّة ويفسِّرها، فإن رجل الدين بحاجة ماسة اليوم إلى معلومات جانبية عامة أخرى غير الفقه والأصول؛ ليتمكن من أن يكون شخصاً ناجحاً في المجتمع. فالاطلاع على المنطق، والفلسفة، وكذلك الوقوف على أسس العلوم الإنسانية، تعد من ضروريات عالمنا اليوم. وهذه معلومات عامة يجب على رجل الدين الذي يريد أن ينشط في مجتمعه أن يكون عالماً بها.

وبالإضافة لذلك يجب إعداد كوادر متخصصة في مجال العلوم الإنسانية ـ فضلاً عن معرفة جميع الطلبة بها ـ. وكما نحتاج إلى المجتهد في الفقه والأصول فإننا نحتاج إلى المتخصِّصين في سائر الحقول الأخرى؛ فيجب أن يتخصص البعض في التاريخ الإسلامي، والبعض الآخر في الفلسفة، وآخرون يعملون في سائر أقسام العلوم الإنسانية الأخرى؛ ليتمكنوا من توضيح آراء الإسلام ونظرياته في هذه المجالات.

إن الكثير من المسائل التي تطرح في العلوم الإنسانية، ويتم تطعيمها لطلبتـنا اليوم في الجامعات تحت عنوان آخر الأبحاث والدراسات العلمية، تتعارض مع أسس وقواعد ديننا الحنيف.

إذاً يجب أن يتصدى فريق من رجال الدين لدراسة العلوم الإنسانية والوقوف على مصطلحاتها ولغتها؛ ليتمكنوا أولاً من فهم تلك الشبهات بشكل صحيح، وثانياً الردّ عليها بنحو يفهمونه ويلحق بهم الضرر، وبهذا الشكل نحول دون انحراف شبابنا المسلم. ومن هنا يجب أن تؤخذ هذه الدروس بنظر الاعتبار في المناهج الدراسية للحوزة العلمية لمجموعة من الطلبة بشكل تخصُّصي ليتخصصوا بها، بالإضافة إلى الاطلاع على الأسس اللازمة للجميع؛ لأنه إذا كنا نفتقر في الوقت الحاضر للأفراد القادرين على الردّ على هذه الشبهات كما يرام فسيكون لدينا في المستقبل ـ على الأقل ـ عدد من المتخصصين في هذه العلوم. وأكثر الطلاب والفضلاء في الوقت الحاضر ليست لديهم دراية بهذه العلوم، فكيف يمكن أن يجيبوا عن الشبهات؟!

بل يجب أن لا نبقى مكتوفي الأيدي حتى تصدر فكرة معينة في أوروبا أو أمريكا، أو تظهر مدرسة فكرية، وتقوم بنشر أفكارها، وتترجم إلى اللغات الحية في العالم، وبعد أن يصبح أمراً قديماً، ويكون العدو قد حقق ما كان يريده، واصطاد فريسته، وتوصل إلى هدفه، عند ذاك يترجم إلى اللغة الفارسية, وعن طريق الصدفة يقرأه أحد العلماء، ومن ثم يقوم بالردّ عليه إذا كان قادراً على ذلك. وإذا أُعطي جوابٌ لذلك يكون فعله وتأثيره «كتأثير شرب الدواء بعد موت سهراب»، كما يقال في الحكمة الإيرانية. هذا الرّد ردّ انفعالي، وليس كافياً بهذا المستوى، بل يجب أن نكون على قدر من القوة، بحيث ننتقل إلى حالة الهجوم قبل أن يتمكنوا من فرض أفكارهم علينا وإدخالها في أذهان شبابنا، ونهجم نحن عليهم، ونمزق نسيج أفكارهم.

إن أفكارهم ضعيفة في أغلب الأحيان، وواهية كخيوط العنكبوت: {إِنَّ أَوْهَنَ البُيُوتِ لَبَيْتُ العَنكَبُوتِ}، ولكن في نفس الوقت لا بد من رجال أولي بأس شديد يتصدون لهم، ويقفون بوجههم، ويفضحون وهن أفكارهم وضعفها، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا عن طريق استخدام اللغة المناسبة لهذا الأمر.

ومن ناحية أخرى، وبالنظر لارتباط كل حقل من حقول العلوم والمعارف الإسلامية بعدد من العلوم العقلية والتجريبية، فإنه يمكن إثبات تفوق الدين الإسلامي وأفضليته في كل ميدان من الميادين عندما نكون متسلحين بأحدث النظريات المرتبطة بذلك الميدان، ونمتلك القدرة على الوقوف عليها، وتقييمها، ومقارنتها مع آراء الدين الإسلامي ونظرياته، وبغير ذلك لن نتمكن من إثارة أنظار العلماء والمفكرين في العالم إلى حقائق الدين الإسلامي من خلال طرح جملة من العموميات والشعارات، وبالتالي إثبات أحقية المعارف والعلوم الإسلامية ومصداقيتها لهم. وفي حالة فقدان اللغة المشتركة تتلاشى إمكانية التفاهم وظهور الدراسات التطبيقية، ويبقى الآخرون بعيدين عن معرفة علوم الإسلام ومعارفه، بل ينحدرون في بعض الأحيان إلى سوء الفهم والتصورات الخاطئة، وينظرون إلى الإسلام على أنه مخالف للعلم والحضارة والعقل، أو ينظرون إلى أحكام الإسلام وقوانينه على أنها ذات طابع بدوي خشن، وغير مناسب للمجتمعات المتحضِّرة والمتطورة، وبالتالي تـنظر الجموع المليونية للناس نظرة متشائمة للدين الإسلامي، تبعاً لما يراه علماؤهم، ولا تتم الحجة عليهم في هذه الحالة. وتتضح تبعاً لذلك مسؤولية الذين يتصدون لتبيين مواقف الإسلام والدفاع عنه.

من هنا يجب أن نقوم بإعداد المتخصصين في حقول العلوم العقلية والعلوم الإنسانية, فضلاً عن الفقه والأصول، بمعنى أن نهيئ مجموعة من الفضلاء ليكونوا متخصِّصين ـ على الأقل ـ في أحد حقول العلوم الإنسانية، فضلاً عن تخصُّصهم في علوم الإسلام ومعارفه، ويتمكنوا من دراسة أسسه ومبانيه، والكشف عن نقاط الضعف الكامنة فيه.

الخطة المقترحة لتحسين الوضع العملي في المعاهد الدينية

اتضح مما سبق ذكره أنه لكي تتمكن الحوزة العلمية من الإجابة على الاحتياجات الدينية للمجتمع، وتتمكن أيضاً من أداء رسالتها القائمة على نشر المعارف الإسلامية في جميع أرجاء العالم على أحسن وجه، يجب عليها أن تـنجز بعض التغييرات على هيكلها من الناحيتين الكمية والكيفية.

ومنها: أنه يجب أن يعاد النظر في المناهج الدراسية والعلمية التحقيقية، ويصار إلى تدوين برنامج طموح يهدف إلى إعداد كوادر علمية كفوءة ومتخصصة قادرة على النهوض بمسؤولياتهم كرجال دين يعوّل عليهم، فضلاً عن مساهمتها في الحد من إهدار الوقت وتضييع الطاقات والإمكانيات والجهود.

وفي مجال تدوين برنامج شامل للحوزة العلمية قدمت في السابق ـ مع مجموعة من الأصدقاء ـ خطة شاملة جامعة، وجد البعض منها طريقه للتطبيق العملي في الوقت الحالي، ويبدو أن الوقت الآن بات مناسباً أكثر لإعادة طرحه مرة أخرى.

ووفقاً لهذه الخطة تم تحديد مدة الدراسة للطلبة بـ 15 سنة. وتقسم هذه الـ 15 سنة إلى 3 مراحل عامة، ونصف اختصاصية، واختصاصية كاملة؛ وتستغرق مدة الدراسة في كل مرحلة من المراحل أعلاه 5 سنوات.

المرحلة الأولى: هي مرحلة عامة، تدرس فيها مواد الأدب العربي، والمعاني، والبيان، والمنطق، والفقه، والأصول، وعلوم القرآن، والتاريخ الإسلامي، والأخلاق، والعقائد. وتمثل هذه المعلومات الحد الأدنى من المعلومات التي يجب أن يمتلكها أي رجل دين في أبسط الظروف.

المرحلة الثانية: هي المرحلة النصف اختصاصية، وتقسم ـ على الأقل ـ إلى ثلاثة اختصاصات: قسم الوعظ والإرشاد؛ قسم الفقه وعلوم القرآن؛ قسم العلوم الإنسانية والعلوم العقلية. وتوجد دروس الفقه والأصول والفلسفة وتفسير القرآن في الأقسام الثلاثة لهذه المرحلة، على الرغم من أن مستوى كل منها ومقداره يختلف في كل قسم من تلك الأقسام. كما سيكون في كل قسم منها دروس اختصاصية خاصة.

المرحلة الثالثة: وستكون تخصصية بشكل كامل، وكل قسم من الأقسام الثلاثة المتقدمة للمرحلة الثانية تتشعب في هذه المرحلة إلى عدة أقسام متخصصة تماماً. ويتوقف ذلك على عمق وسعة العمل وتوفر الأرضيات اللازمة، وبل يمكن جعل الكثير من الجزئيات على شكل اختصاص قائم بذاته. وبهذه الطريقة يمكن التوصل إلى تحقيق قفزات نوعية ملحوظة. على سبيل المثال: بإمكان الذين يدرسون العلوم النقلية والتعبدية أن يتخصص فريق منهم في الحديث، وفريق آخر في الرجال، وآخر في التفسير، ومجموعة في الفقه والأصول، والذي له هو الآخر فروع واختصاصات أخرى متعددة، ويصار أيضاً إلى إعداد مجموعة للقضاء، وأخرى للتدريس، وغيرها من الاختصاصات.

كما تقسم العلوم الإنسانية والعلوم العقلية بدورها إلى عشرات الاختصاصات، فاختصاص الفلسفة ـ على سبيل المثال ـ بإمكانه أن يتـناول في مرحلة الدراسة التخصصية عناوين فرعية أخرى أكثر دقة. ويمكن أن تشكل المذاهب الكلامية (والاهتمام على وجه الخصوص بعلم الكلام والكلام الجديد هو من ضروريات العصر)([7])، والعرفان، والفلسفة الغربية، والفلسفة الإسلامية، والفلسفات التطبيقية، وفلسفة العلوم، وفلسفة القانون، وفلسفة الأخلاق، وغيرها، جانباً من المواد التي يمكن دراستها تحت هذا العنوان. كما أن كل قسم من العلوم الإنسانية يقسَّم بحد ذاته إلى أقسام فرعية أخرى، فمادة التاريخ ـ مثلاً ـ يمكن تقسيمها إلى تاريخ الإسلام، تاريخ الأديان، التاريخ القديم، التاريخ المعاصر، وغيرها. وكذا الحال بالنسبة لسائر مواد العلوم الإنسانية الأخرى.

وبعد هذه المرحلة تأتي مرحلة التحقيق والدراسات؛ إذ ينتقل الذين تخصَّصوا في قسم التبليغ أو القضاء أو غيرهما إلى المرحلة العملية والتطبيقية، وسينتقل المتخرجون من سائر الاختصاصات الأخرى أيضاً إلى التدريس والتحقيق.

ولكن من الواضح أن تـنفيذ وإكمال هذه الأطروحة بحاجة إلى تشكيل لجنة للتخطيط والإشراف؛ بهدف اختبار المراحل المختلفة لهذا المشروع بشكل تدريجي، من خلال تعاون الهيئات واللجان الأخرى المُشكّلة لكتابة المناهج والكتب الدراسية، وأن تبذل الجهود المستمرة على طريق إكماله وتطويره بالاستفادة من التجارب العينية والنتائج المستحصلة من تطبيقه. وأن يؤخذ بنظر الاعتبار أيضاً فتح الدورات بهدف الارتقاء بمستوى الدروس وتدريس الأساتذة، والأهم من كل ذلك أن يصار للتخطيط لمرحلة انتقالية؛ للانتقال بها من الوضع الموجود إلى الوضع المنشود.

وبالإضافة إلى أنه تم في هذه الأطروحة إدخال المرحلتين الأولى والثانية في جميع الأقسام فقد تم جعل مادة الفقه في السنوات الخمس الثانية كأحد الأقسام الثلاثة الأساسية لهذه المرحلة. ويخصص طلبة هذه المادة جلّ وقتهم في دراسة الفقه والأصول والمقدمات اللازمة. ويتمّ في هذه السنوات الخمس تدريس المناهج الدراسية، التي يتم اختيارها على أساس قواعد وضوابط التربية والتعليم وفقاً للأساليب المتطورة، مع إعطاء الأولوية للمسائل التي يحتاجها المجتمع. كما يتعرف الطالب في هذه المرحلة أيضاً على أسلوب البحث والتأليف، ويقوم عملياً بالتدريب والتحقيق في الفقه، ويهيئ نفسه للتحقيق والبحث في مادة الفقه في المرحلة الثالثة المؤلَّفة من خمس سنوات. وفي المرحلة الثالثة يدرس الطالب أبواب الفقه المختلفة، ويتخصَّص في مختلف أبواب الفقه، بما في ذلك العبادات، والمعاملات، والقانون، والسياسة الإسلامية، وغيرها.

وبتقسيم أبواب الفقه المختلفة إلى أبواب اختصاصية تتهيأ الأرضية المناسبة لإجراء التحقيقات المعمقة في كل باب، بالاستفادة من الإمكانيات الجديدة المتاحة والمكتبات والمراكز العلمية في العالم. وبالإضافة إلى مهارة الفقهاء في مجال اختصاصهم فهم يطّلعون في هذه الأطروحة على قواعد العلوم الإنسانية والعلوم التطبيقية والرياضية المرتبطة بها، وهو ما سيكون له تأثير مهم في تعميق الفقه وتطويره. وناهيك عن هذه الأمور فإنه من الضروري في المسائل الفقهية الحصول على المعلومات الخاصة من العلوم التطبيقية، وبخاصة علم الموضوع في المسائل الاجتماعية، والاطلاع على العلوم ذات الصلة، بما فيها العلوم التطبيقية، والعلوم الاجتماعية. وتجدر الإشارة إلى أنه كانت تدرّس سابقاً بعض العلوم في المدارس الدينية، من قبيل: الطب، والهيئة، والرياضيات، وكان يستفاد منها في تشخيص الموضوع في أبواب معينة من الفقه. وعلى سبيل المثال: كان يستفاد من علم الهيئة في موضوع القبلة، وفي باب الإرث كان يستفاد من الرياضيات. ولكن بالنظر لظهور المسائل المستحدثة والمدارس الاقتصادية والاجتماعية المختلفة في الوقت الحاضر بات من الضروري اليوم اتباع مبدأ التخصص في أبواب الفقه المختلفة، وإن التعمق في كل باب خاص يتطلب العلم بسلسلة من المعلومات ذات الصلة بذلك الباب.

لقد جاء تشكيل مؤسسة «در راه حق»، أي على طريق الحق، وبعد ذلك «مؤسسة باقر العلوم»، وأخيراً «مؤسسة الإمام الخميني& للدراسات والأبحاث»، بهدف التوصل إلى تحقيق الأهداف المنشودة أعلاه. لقد توصلنا إلى النتيجة التالية: إذا كنا غير قادرين على تحقيق هذه الأهداف في كل هيكل الحوزة العلمية فلنؤسس على الأقل مؤسسة نموذجية، ونعمل على إعداد كادر معين يكون قادراً على تأمين جانب من متطلبات المجتمع الفكرية والثقافية.

ولحسن الحظ فإن خريجي هذه المؤسسات لاقوا ترحيباً خاصاً في المجتمع والمراكز الثقافية، وهم الذين يتصدون الآن للانحرافات الفكرية والعقائدية.

ـ يتبع ـ

الهوامش

(*) من أبرز أساتذة الفلسفة في إيران، رئيس مؤسسة الإمام الخميني للبحوث والدراسات، وعضو في مجلس خبراء القيادة، اشتهر بمناهضته الشديدة لمقولات الفكر الإصلاحي الأخير في إيران، له مؤلَّفات عديدة قيمة.

([1]) عن أبي عبد الله×, قال: إنَّ العبد يُصبحُ مُؤمناً ويُمسي كافراً، ويصبحُ كافِراً ويُمسي مُؤمِناً، وقومٌ يُعارونَ الإيمانَ ثُمَّ يُسْلَبونَهُ، وَيُسَمَّونَ المُعارينَ، ثُمَّ قال: فُلانٌ مِنهُم. (أصول الكافي 2: 418، الرواية 2).

([2]) سيرد ذكر هذه الأطروحة في نهاية هذا الفصل.

([3]) بحار الأنوار 84: 101، باب 12، الرواية 2.

([4]) من وصية عليِّ بن أبي طالب× للحسن والحسين’ لمّا ضربه ابن ملجم (لعنه الله): أُوصيكُما وجَميعَ وُلدي وأهلي ومَن بَلَغَهُ كِتابي بِتَقوى اللهِ ونَظمِ أمرِكُم وصَلاحِ ذاتِ بَينِكُم…. (ابن أبي الحديد، شرح البلاغة 17: 5، باب 47).

([5]) بحار الأنوار 74: 351، الباب 21، الرواية20.

([6]) المصدر نفسه 1: 205، الباب 4، الرواية33.

  1. كما تفضل سماحة السيد قائد الثورة الإسلامية وأوصى مراراً بضرورة الاهتمام بمادة الكلام، ومن ذلك ما جاء في لقائه مع لجنة التخطيط في الحوزة العلمية لمدينة قم المقدسة؛ إذ أوصى سماحته بضرورة الاهتمام بمادة الكلام بنفس المستوى من الاهتمام بالفقه، فقال: إن الحاجة لطرح المواضيع الكلامية تعد بالغة الضرورة؛ نظراً للشبهات الكثيرة التي تثار حول المسائل العقائدية؛ لأنه بدون تأصيل العقائد لا يمكن أسلمة المناخات وخلق المجتمع الإسلامي. (عن صحيفة جمهوري إسلامي, بتاريخ 17/6/1375).
Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً