أحدث المقالات

يعتقد الشاعر والناقد العربي أدونيس " أن النقد كالفكر، أو هو فكر لا يتغذى ولا ينمو إلا بالتساؤل المستمر"، من هنا تعتبر ثقافة التساؤل وممارستها على أكثر من صعيد، عملية تفتح على الإنسان آفاقا معرفية ومفاهيم جديدة ،وأداة تجعله يفكر ويتحرك في إطار جديد من المباني والقيم والمفاهيم.
ولكي يتحقق ذلك يجب أن يعرف كيف يمتلك ثقافة التساؤل، فقد تتبادر إلى ذهنه- في الوهلة الأولى- العديد من التساؤلات والاستفسارات، تتنوع بتنوع موضوعاتها وعناوينها، وتتباين بحسب اتجاهاتها وأنواعها ومساراتها، قد يكون بعضها متعارضا مع ما يعتقده من المسلمات واليقينيات بمزيد من التساؤل والنقد والتقويم، في عصر يتموّج بالمتناقضات، والأخرى قد تكون حبيسة الذات خوفا من الاتهام والتصادم حين الإفصاح عنها أو مناقشتها، لكنها تبقى في صراع دائم بين ما يحمله من ثقافة موروثة تقيد العقل وتحجب الحقائق، وبين ثقافة تدعوه إلى إثارة العقل وتحريك كوامنه لينطلق نحو الآفاق.
يقول الأستاذ محمد المحفوظ في مقالته " سؤال الإبداع والنقد في الفكر الإسلامي" : " لاشك بأن السؤال، ومواجهة بديهيات الحياة الاجتماعية بالنقد والمساءلة، هما جزء من منظومة استخدام العقل. وبهذا المعنى يكون (السؤال بالمعنى العام والحضاري) هو عصب الحياة والأفكار. فلا حياة بلا تساؤل، كما أنه لا أفكار ناضجة وحيوية بدون نقد وتقويم وتطوير".
ويشير في ذات الصدد الشاعر أدونيس " إن القوة التي تميز الإنسان نوعيا هي طرح الأسئلة…فالثقافة الحقيقية تكمن في القدرة على التساؤل لا في الاستسلام للأجوبة الجاهزة ".
فالسؤال هو المحفز الأول في عملية توليد الأفكار و تطوير الرؤى الحقيقية، والسبيل لرفع الأوهام والشكوك والحُجُب عن عقل الإنسان. 
ومن الطبيعي القول: إن حياة الإنسان الحقيقية مرهونة بقدرته على استعمال عقله، وأي منع أو إلغاء لفاعلية عقل الإنسان ومنعه عن التساؤل، هو انتزاع لإنسانيته ووجوده.
لذا نحن بحاجة إلى تعزيز ثقافة التساؤل في مجتمعاتنا من أجل الرقي بالوعي الإنساني الحضاري، لنعيش العصر بكل تجلياتها.

واليوم كم نحن بحاجة في مجتمعاتنا إلى تلك الثقافة التي تدفع بالإنسان إلى البحث والتقصي والاطلاع لتصحيح حالة الانحراف الفكري والديني والعقدي في الأمة، و مهما بلغ بنا الطرح أو التساؤل من آراء وأفكار وافقناها أو خالفناها، ينبغي أن تكون الأمور في مواضعها الطبيعية الاعتيادية البحثية، بل لا ينبغي أن تكون تلك مدعاة إلى التراشق والاتهام والتسقيط والتعبئة، بل ينبغي أن تكون مدعاة إلى حالة التأمل والتفكر، وأن يكون مناقشتها مناقشة علمية موضوعية في إطار البحث، أي مناقشة الفكرة بالفكرة والرأي بالرأي، لا بلغة التشهير أو التسقيط أو التشكيك أو الطعن في عقيدة هذا أو ذاك، لأنه خلاف ماتعلمناه منذ صغرنا من أفواه أرباب الدين عن سيرة أهل البيت  في تعاملهم مع مخالفيهم، وكيف كان أهل البيت  يتركون الفرصة لهم في طرح إشكالياتهم ومفاهيمهم وأفكارهم؟! ومع كل ذلك لم يمارسوا عليهم الترهيب أو التهويل أو حق الوصاية.

علينا أن ندرك حقيقة أن ما قد نراه خطّأ قد يعتقده الآخر صحيحا، وما نعتقده صحيحا قد يعتقده الآخر خطّأ، فأين إذن المشكلة؟ أنا أرى أن الإشكاليه حين وضع البعض نفسه وصيّا على المجتمع، وحارسا على الدين، وهذه هي حقيقة المشكلة الذي تواجهها الأمة وابتليت به حوزاتنا الدينية.

أن يطرح الإنسان إشكالياته وتساؤلاته، هذا حق مشروع كفلته جميع الديانات السماوية، حتى لو كانت تلك الإشكالات في أمر العقيدة أو الثوابت المسلمة بها، ومن جهة أخرى والرد على تلك الإشكاليات حق مشروع، لكن بالأسلوب والمنهج الموضوعي والعلمي. بعيدا عن لغة التخوين والتحريف وتأليب مشاعر الناس وأحاسيسهم على بعضهم البعض. والشواهد القرآنية كثيرة في هذا الصدد، وفي سير الأنبياء.

من هنا نحن مطالبون في إعادة فهمنا وطريقة تعاملنا مع ما كل مايشكل من إشكاليات وقضايا في مجتمعنا، بالعودة لحالة التعقل والوعي في عملية معالجة إشكالياتنا وقضايانا، كلنا غيورين على الدين والمذهب، لكن لسنا بهذه الطريقة التي رأيناها في مجتمعنا، خاصة حين تصدر ممن يحسبون على الدين، فهي لا تليق بمكانتهم العلمية والأخلاقية، وهم بهذه الكيفية والطريقة أساؤوا إلى الدين وخسروا ثقة المجتمع بهم.

إن أي فعل أو حدث يتطلب منا حالة انفعال كطريق للحل، لن ينفع المجتمع أو يغير من واقع مجتمعنا، كما لاينبغي لنا أن نمارس حق الوصاية والحراسة على الناس بأي شكل من الإشكال، وأن حق المناصحة والتوجيه لا يكون بهذا المبدأ. علينا بالتعقل وعدم الانفعال، و أن نعطي الناس حريتهم بالتعبير عن إشكالاتهم وتساؤلاتهم بعيدة عن الاساءة والتجريح التسقيط.

 

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً