أحدث المقالات

قراءة عابرة في الواقع

التدين موضوع يتعلق بشكل جوهري بالدين، كون الدين هو النظرية والتدين هو التطبيق والفعل ، فالإنسان في لا وعيه يقوم بعملية التصنيف ويطبقها غالبا على محيطه الإنساني ، إضافة لعملية الربط التي يقوم بها عقله بين الفعل والنظرية ، ثم يطبق بعملية تعميم لامنطقية ، وهذا حال أغلب الناس، حيث الجو العام الحاكم هو البعد عن منهج علمي موضوعي منطقي في التشخيص والمعالجة.

فهو يصنف الناس في لا وعيه ويعمم ، وهو أيضا لا يستطيع الفصل بين السلوك والنظرية فيشكل أفكاره أو انطباعاته عن فكر أو دين معين من خلال الأفراد المنتمين لهذا الفكر أو هذا الدين ، لا من خلال استقراء سيسيولوجي وفيميونولوجي ومن ثم عمل مقارنات ومن ثم اكتشاف الخلل ووضع الحلول .

فالعقل المنطقي يطرح سؤال وهو المجهول ثم يذهب من المجهول إلى المعلوم أي يذهب لبنك المعلومات ، ثم من المعلوم إلى المعلوم أي رحلة بحثية بين المعلومات ليجد الجواب المناسب لسؤاله أي المجهول ، ثم يعود من المعلوم ليجيب على السؤال أي المجهول.

هذه عملية شبه غائبة في ذهنية أغلب الناس لأسباب ليس هنا محل بحثها.

وهنا يأتي السؤال :

إن الدين الحق لا يمكنه أن يترجم ذاته في الخارج إلا عن طريق الأفراد المنتمين له ، ولكي يترجم نفسه كما هو فهذا يتطلب أفرادا فاعلين وأصحاب كفاءة عالية وقابليات واسعة ومكنة او قدرة ، لذلك حينما أرسل الله الأنبياء ليبلغوا هذا الدين علّمنا جل شأنه منهجا مهما في العمل والتطبيق بعد أن شرع لنا هو النظرية : وهو كيف يجب أن يكون الشخص المنتمي لهذا الدين؟

وكيف هذه رسمتها الشريعة وطبقها المعصوم وهو النموذج الذي يشكل المرجعية المعصومة في النظرية والتطبيق ليشكل المنهج .

” قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ”

إذا تنزّل الدين يأتي من الأعلي إلى الأسفل، وبالتالي الترشحات العليا تفيض على الجميع بالتساوي وكل يأخذ منها وفق قابليته.

لكن ما هو موجود غالبا اليوم في الوسط المتدين هو تدين يبدأ من الأسفل ويدعي أنه ينتمي للسماء وما أعنيه أكثر أن معالم التدين غالبا اليوم ليست برسم السماء وتعاليمها بل أغلبها برسم المجتمع وتنميطه للأفراد ، لذلك نجد كثيرين بمجرد خروجهم إلى بيئة مختلفة عن هذا النمط من التدين ، نجدهم إما ينحرفون أو يعيشون صدمة وصراع داخلي نفسي.

هذا فضلا عن إلغاء خصوصية الفرد في المعرفة الدينية وسلبه حقه في التعبير عن هذه المعرفة سلوكيا بسبب هيمنة الرؤية الاجتماعية للدين وتنميط المحيط عليها ، وممارسة نوع من الارهاب السلوكي واللفظي والفكري يمنع الفرد حقه في التعبير عن ذاته لتتحول النظرية الاسلامية التي احترمت الفرد والمجتمع ، إلى نظرية اشتراكية في هذا البعد وهو أصالة المجتمع .

إذا كيف يمكننا أن نعالج حالات التنميط الاجتماعي ؟
وكيف يمكن خلق بيئة تدين طبيعية خارجة عن التكلفات والتركيبات والتعقيدات ذات الجذور الوراثية وليست الفهم الديني الأقرب الى الواقع؟ وأين هو حق الفرد في ممارسته السلوكية للتدين خارج هذا النطاق التنميطي ؟ أين يكمن الخلل ؟

إن غلق باب السؤال أو رفضه أو الخوف منه بحجة أن هناك من يمارس ذلك بشكل خاطيء هو خلل آخر في منظومتنا واستراتيجيتنا وفهمنا ، كون الوضع العام في السلوك التربوي التعليمي غالبا ما ينتج جنود وليس قادة ، خاصة فيما يتعلق بالسؤال الديني الخارج عن الوضع المألوف وعن مشهورات ومسلمات المجتمع فهو في بعض المجتمعات المتدينة يعتبر كفرا وخطا أحمرا قد يقام حد الاسقاط الاجتماعي على سائله.

بينما نجد سلوك الأئمة التربوي كان ينتج عمالقة فكر وعقيدة تطير بأجنحة وتأخذ في ركبها طلاب الحقيقة.

إذا أين يكمن الخلل ؟

المشكلة واقعا أن سلوك أهل الباطل باستخدام أدوات محقه دفع كثر بتعطيل هذه الأدوات بينما المنهج الصحيح هو الابقاء على هذه الأدوات كونها أدوات نهضة وتنمية وإبداع ، ولكن إعادة منهجتها وفق طريق الحق ووفق مبدأ “قل هاتوا برهانكم ”

فالمححاجة والرد بالحجة كي نعتاد جميعا على تحقيق ثمرة التفكير ، أداة مهمة في مسيرة الوعي ورسم معالم التدين على ضوء القرآن وإشراقاته المعرفية لا وفق ما ورثناه ووجدنا عليه آباءنا، فالتأسيس يجب أن يقوم في ذهنية الناس على أساس السعي لرضا الله وليس لرضا الناس ، وهو خلافا لما عليه حال أغلب مجتمعات المتدينين وهو غلبة كفة إرضاء الناس على إرضاء الله وهو ما يظهر جليا في عملية التنميط وعملية تكريس ما هو موجود تاريخيا واجتماعيا دون وتقويم ونقد وإعادة نظر .

إن القرآن دعانا للتدبر والتفكير والبرهان والتأمل والسؤال ولذلك زود الإنسان بالحرية والارادة والاختيار وجعل لها ضوابط ، ووضع لنا عنوانا اجتماعيا هاما وضابطة ثابته تمنع عمليات التنميط الاجتماعي القائم على وراثة ما وجدنا عليه آباءنا وأجدادنا ، مطالبا إيانا باستخدام الأدوات العقلية في النقد والتقويم والعرض على القرآن لفرز إرادة الخالق عن إرادة المخلوق في تطبيق النظرية الإسلامية.

فلا نستطيع إلا بحرية التعبير ان ندعو لمدرسة اهل البيت ع العالمية ، ولا نستطيع إلا بحرية التفكير ان ننطلق لهداية الناس وهداية أنفسنا ، وهنا حرية التعبير والتفكير ليس من منطلق غربي وإنما من منطلق قرآني وحياني يكون العقل سلاحه الفاعل .

إذا ما أعنيه هو أن لا نكون منفعلين بل فاعلين مهما حاول الآخر في استغلال أدواتي المحقة أو تشويهها وتشويه المسار فهذا يلزمني أن اعيدها لجادة الحق.

إننا اليوم نحتاج إعادة نظر في تديننا الجمعي ، وإعادة النظر في دور الفرد وموقعه في المنظومة الاجتماعية ، وإعادة النطر في فاعليتنا وأهليتنا وقابليتنا في تطبيق الشريعة لنقدمها بصفتها العالمية الخارجة عن التنميطات الاجتماعية ، والمحافظة في نفس الوقت على الخصوصيات الاجتماعية التي احترمها الاسلام وليس تلك التي توارثناها وقبلناها دون نظر وتقويم وتقييم .

وللحديث بقية.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً