أحدث المقالات
مدخل

الوحدة کلمة جمیلة حتی عادت ببهائها لا تقل عن الحریّة وکأنها کصاحبتها لیست لها من الدلالة الّا التصوریة، وأکثر من ینادون بها لا یقصدون وراء لفظها شیئاً. وقسم اخر حینما یدعون لها یقصدون ان یجتمع الناس تحت هیمنتهم وسلطتهم، فهم یدعون الی الوحدة في السلطة وهي لهم ولهذا نری الیوم کم نحن بعیدون عن الوحدة وکأن آذاننا لا تسمع وأفئدتنا لا تعي تحذیر الباري عزّوجل (واطیعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ریحکم) (الانفال: 46).

فیاللعجب العجاب! التأریخ ما زال یعید نفسه، وما زلنا لم نتّعض، وما زالت العبر تتکاثر وما زلنا لا نعتبر، فمن أین لنا المخرج اذاً وقد أتمّ جلّ وعلا حجّته علینا؟ (ولا تکونوا کالّذین تفرَّقوا واختلفوا من بعد ما جاءَهم البیّنتُ واولئک لهم عذابٌ عظیم) (آل عمران: 105) وبماذا نجیب نبیّنا حینما نجتمع الیه ویقول لنا فرّطتم في حقّ أمّتي وأنا قد أئتمنتکم علی دینهم فما أدّیتم الأمانة وما أحسنتم الخلافة؟!

ألا ترون أن هذا المشروع یطلب منّا اکثر من حضور الحفلات والندوات والقاء الکلمات وإقامة الدعوات؟!

ماضي الوحدة وحاضرها

لعلّ الخطوات العملیة والایجابیة نحو الوحدة وحفظها وترویجها تمّت في زمن الصحابة ومن قبلهم انفسهم، وکلما ابتعدنا عن عصرهم بدأت تأخذ قالباً شعریاً رنّاناً لا محتوی له. حتی اضطهدنا الاستعمار فنهض ذوو الضمائر الحرّة من أمّتنا وکان شعارهم (أن هذه امتکم امّةً واحدةً وأنا ربُّکُم فاعبدون) (الانبیاء: 92) وبدأت محاولات جادة نحو الوحدة، أبرزها في الفترة المعاصرة لنا تأسیس (دار التقریب بین المذاهب الإسلامیة) في عام 1947م فی القاهرة.

وأخذت المحاولات الوحدویّة شکلاً منظمّاً وبرنامجاً عملیاً ولکن للإسف بعد عدّة سنین تراجعت هذه المحاولات وکانت بوادر الیأس ظاهرة علیها، حتّی أعطاها انتصار الثورة في ایران روحاً أخری وأعاد لها المجمع العالمي للتقریب بین المذاهب الاسلامیة نشاطها وحیویتها من جدید. رغم ذلك ما زالت آفاق واستراتیجیة الوحدة غیر واضحة.

لا شک ان الکثیر من ابناء امتنا ادرکوا أهمیة وضرورة الوحدة ووعوا قوله تعالی (إنّ هذه امّتکم امّة واحدةً وانا ربّکم فاتقون) (المؤمنون: 25) وبأنّ الله تعالی قد أمرنا (أن أقیموا الدّین ولا تتفرّقوا فیة) (الشوری: 13) وهو أیضاً قد أوصانا (وأعتصموا بحبل اللة جمیعاً ولا تفرّقوا) (آل عمران: 103) فضلاً عن الکتب الکثیرة التي تدعوا للوحدة، ولکن علی الرغم من وجود هذا الوعی عند البعض، للاسف واقع امتنا لا یسمح لها بالانفتاح علی مشروع الوحدة بآفاقه الرحبة واستراتیجیّاته المستقبلیة. خصوصاً وأنّ المرحلة الحساسة التي یمر بها المسلمون لا تسمح لنا بمزید من التسطیر البعید عن الواقع.

ونحن هنا لا ننکر الجهود العظیمة لعلمائنا الأجلاء، لکن التحدیات الراهنة تفرض علینا وعیاً وحدویاً اکثر مما نحن علیه.

موانع الوحدة

إنّ الموانع التي تحول بیننا وبین الوحدة کثیرة وبعضها جذریّة وتختلف اسبابها من تصور الی آخر، لکنّ اغلب الباحثین یرون سبب أکثر الموانع هو الطرف الاخر.

في هذا الموجز لا نرید دراسة الموانع بصورة مفصّلة بل الإشارة الی واحدٍ منها وهو أکبرها لکونه منشأ لکثیر من عوائق وحواجز اخری وهو الجهل، جهل کلٍّ منّا بالاخر. ومن الواضح (من دخل في أمرٍ بجهلٍ خرج منه بجهل)[1] و(لا عدوّ اضرّ من الجهل)[2] ولنستمع لرسول الله (ص) کیف یصف حال بعضنا حینما یقول: (المؤمن إذا جهل حقوق إخوانه فإنه فوّات حقوقهم فکان (بمنزلة) العطشان بحضرة الماء البارد فلم یشرب حتّی طفي وبمنزلة ذي الحواس لم یستعمل شیئاً منها لدفاع مکروه ولا الانتفاع محبوب فإذا هو مسلوب کل نعمة مبتلی بکلّ آفة)[3]

استغلّت الایادي المشبوهة هذا الجهل العام لدی الامّة وجعلت تأخذ بعض المصطلحات التي اختصّت بها بعض المذاهب وتزیّفها وتحرّفها وتفسّرها بما شاءت وتنقلها الی سائر المذاهب وتهوّل الموقف حولها وتجعلها مدعاةً للإختلاف والنزاع واضحت الامّة کلٌّ منها یرجم أخاه بما لیس فیه وهو لا یعلم. فهذا الموقف طبیعي الی بعض الحدود فـ (من جهل شیئاً عابه)[4] و(من جهل شیئاً عاداه)[5] ولکن الجهل نفسه غیر طبیعي ولا معذورین علیه، لأنّة قد (أخذ الله میثق الّذین أوتوا الکتب لتُبَیّنَنّة للناس ولا تکتمونه) (آل عمران: 178).

ومن الواضح أن کلاً من المذاهب له أدلّته علی ما یقول ویجب أن تدرس من قبل المتخصصین في محلها. ولکن لا نری في کل ما مضی ما یستدعي ان یتخذ المسلمین اخوانهم اعداء، کما هم علیه الیوم.

نستخلص من ما مضی أنّ واجبنا هو إزالة هذا الجهل کلٌّ بحسب طاقتة وبالطریقة التي یرتئیها، ومن الواضح أنّ هذه العملیّة سوف تکلّف من یتصدی لها موقعه الاجتماعي وتمسّه بغیر ذلك من المضار، کما أصابت الأنبیاء وروّاد الإصلاح من ورثتهم من قبل، ولکنّه لیکون هیّنٌ علینا ذلك في عین الله سبحانه وتعالی.

والختام طلبٌ عاجز

أقدمه الی دعاة الوحدة من ابناء امتنا الذین یتمحورون بأجمعهم حول محور حب محمد(ص) والذي لا یختلف فیه اثنان منهم، ان یقوموا بهذا الواجب یوماً لیؤدوا ما علیهم قبال الشریعة السمحاء ولیکونوا خلفاء وورّاث للنبي العظیم ودعاة له بعملهم لا فقط بألسنتهم. وبهذا الصدد أتقدّم بالاقتراحات التالیة والتي هي من وحي حاجة الأمّة:

1ـ أن تقوم المؤسسات المهتمّة بالوحدة الاسلامیة سواء المجمع العالمي للتقریب بین المذاهب الاسلامیة المبجّل الذي یقوم في کلّ عام بإقامة مؤتمر الوحدة لهذا الهدف السامي او سائر المؤسسات المهتمة بالقضیّة، بالتواصل مع علماء واساطین کل فئة اسلامیة والذین هم معتمد وملجأ تلك الفئة لا فقط من یماشینا منهم بآرائه.

2ـ توکیل مسألة کتابة ملخّص ما تحمل کل فئة من عقائد وافکار وتعریف بنفسها وتأسیسها وتطوّرها علی مدی التأریخ حسب ما تراه الاغلبیة من تلك الفئة وتجتمع علیه کلمتهم.

3ـ ترجمة هذه التعریفات الی جمیع اللغات التي یتکلّم بها المسلمون علی أیادي أمینة.

4ـ تکفّل العلماء أنفسهم بنشر هذة المطبوعات في جمیع ارجاء بلادنا الاسلامیة وتعریفها للناس بشتّی الطرق ولا تکفي الطباعة فقط. لیحیی من حيّ عن بیّنة.

خصوصاً في هذه البرهة التي تشتت فيها جمعنا وفلّ عزمنا واصبحنا خائفین یتخطفنا الموت من کلّ حوب وصوب.

فلنجعل التعارف فیها مقدمة للتقارب بیننا واول خطاه.
 
المصادر
ـ القرآن الکریم
ـ العلامة المجلسي، بحار الانوار.
 



[1]. بحار الانوارـ ج23، ص103، ح11.

[2]. بحار الانوارـ ج1، ص59، ح35.

[3]. بحار الانوارـ ج23، ص103، ح11.

[4]. بحار الانوارـ ج78، ص79، ح61، عن أمیر المؤمنین(ع)

[5]. بحار الانوارـ ج78، ص93، ح104، عن امیر المؤمنین(ع)


Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً