أحدث المقالات

في الغالب الأعم نفهم التوبة في الإطار الفردي، شأنها شأن التقوى، حيث الخطابات الدينية المنغلقة على الواقع الاجتماعي و السياسي قلما تبعث خطابات فعالة و خلاقة للتوبة في مجال السياسة العام و الخاص للأشخاص و الأنظمة و الأحزاب و الحركات و التيارات المؤثرة في واقع الأوطان العربية و الإسلامية و مستقبلها …

بصراحة: هناك حاجة ماسة لخطاب عن التوبة السياسية في ظل ما يشهده الواقع العربي و الإسلامي من تحولات جوهرية على المستوى السياسي، لأن عالم السياسة العربي تلوث بالذنوب السياسية الكبيرة خلال العقود الأخيرة، و من أبرز الخطابات الاسلامية التجديدية التي ناقشت الواقع السياسي وفق معايير التقوى و التوبة، تأتي في الصدارة خطابات سماحة الأستاذ الفقيه المجدد السيد محمد حسين فضل الله (رض) حول التقوى السياسية وآفاقها في العديد من المناسبات و الخطب و المحاضرات، مما دفع الواقع الثقافي الاسلامي لإعادة النظر في أسس الإصلاح السياسي على مستوى العالم العربي و الاسلامي من خلال فقه التوبة و التقوى كمقومات في الفقه الاسلامي العام و السياسي منه على وجه الخصوص…

بكلمة: هناك علاقة دقيقة و إستراتيجية بين مشاريع الإصلاح و التغيير و التجديد التي تنادي بها القوى الاجتماعية و السياسية المتطلعة لمستقبل عربي و إسلامي أفضل، مع مطلب التوبة إلى الله، لأنه لا يمكن تصور تغيير كبير و عميق على المستوى العربي و الإسلامي خارج قيمة التوبة إسلاميا…!

كيف ذلك؟ هذا البعد هو صميم و روح الحركة في الثقافة الإسلامية التي تؤسس لواقع صالح و فعال، فالتوبة من القضايا الأساسية التي حثت عليها الشريعة الإسلامية السمحة، فالتوبة إلى الله كموضوع في القرآن الكريم و السنة النبوية المطهرة تحتل مساحة أكبر لأنها صمام الأمان بالنسبة للشخصية الإسلامية على مستوى الذات و الاجتماع في الحاضر والمستقبل، ونظرا لموقعية السياسة المهمة في معادلة صناعة العدل الإسلامية، كانت التوبة إلى الله مطلب رئيسي لرواد فضاءات السياسة عامة و للمتبارين سياسيا خاصة و لكل المجالات المتعلقة أو المرتبطة بالسياسة كمركز ثقل في شبكة علاقات الاجتماع العام…

ببساطة: التائب إلى الله سياسيا قادر على تفعيل معاملات الإصلاح و التغيير و التجديد، بحصانة نفسية واجتماعية عالية و ينال لطفا إلهيا عظيما يثير دفائن عقله و يسدد خطاه، و كمثال على ذلك: المترشح في أي انتخابات لعهدات جديدة يحتاج للتوبة شأنه شأن ذلك المترشح الجديد، لأن الأول بحاجة للتخلص من أوهام العصمة و الخبرة المتعاظمة و الثاني بحاجة للابتعاد عن الوساوس و الأطماع المبرمجة، على هذا الأساس وجب الالتفات لمطلب التوبة سياسيا لأهل السياسة و أيضا لأهل الإعلام كسلطة رابعة…

أما بعد: تبقى محددات التوبة واجبة الاستيعاب ضمن برنامج الارتقاء في سلم التقوى، و لعل أول من يجب أن يدرك هم عامة الفاعلين في الحقل السياسي العربي و الإسلامي، سواء منهم الرسميين أو المعارضين، ناهيك عن نخب الشعوب الدينية و المثقفة، ثم وفق هذا المسار يكون الإصلاح شاملا و عادلا …و الله من وراء القصد.

_______________________________________________

(*) كاتب و باحث إسلامي     

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً