أحدث المقالات

الشباب …التغيير سمة الحياة

هلال آل فخرالدين

 

في البداية اود ان اوشير الى امور مهمة قبل الدخول في هذه المباحث الشيقة والنفيسة لتاريخنا الحافل بكنوز الثقافة وبالافذاذ من الاجداد عباقرة المعرفة واساطين العلوم ونجوم الفنون وكلنا أمل في شبابنا الصاعد ان يقتدي بهم ويطمح لمستقبل وضاء ولغد مشرق بالجهاد في طلب العلم والجهاد بالابداع والجهاد بالبناء والاعمار والابتكار ولامام علي  يقول:  من  تساوى يوماه فهو مغبون اي لم يزيد في الطلب ولم يضاغف الكد في الاجتهلاد ولا طور ولا كثر الانتاج فهو خسران او خاسر.. والشاعر يقول:

  اذا مر بي يوما ولم استفد علما ولا ادبا فما ذاك من عمرى

 

فالمفروض بالشباب الواعي الطموح ان يلاحظ  ويقوم ويستفيد من الرصيد الضخم لفطاحل علماء الاسلام الذين حملوا مشعل العلم واشاعوا الحضارة بين الامم والرقي بين الشعوب وذلم من خلال منهج الاصالة وطرق المعرفة واليات البحث التي تبنوها ووصلوا الى القمة في كافة العلوم ومذاهب الادب ومدارس الفلسفة وابواب الحكمة  في عصرهم:

اوّلاً: ان السمة الغالبة على علماء المسلمين انهم كانوا اصحاب صنائع وحرف يقتاتون منها وعليها اعتمادهم في العيش من غير اعتماد على الحكام او هبات الناس واصبحت حرفهم مؤشرا عليهم فهذا الفراء من عمل الفراء وهذا الزجاج اي من صنع الزجاج وهذا النحاس اي من معاملة القصدير وصناعة النحاس وهذا الوراق من بيع الورق او صناعته وهذا الفراهيدي اي من بيع الملابس وحتى علماء الفقه وائمة الحديث وشيوخ العربية واساطين الادب على هذا النوال.

ثانياً: كان علمائونا الماضين موسوعيين وذو اختصاصات متنوعة فمثلا ابن سيناء كان فيلسوفا وحكيما وطبيبا واديبا وشاعرا ورياضيا وفيزياويا وموسيقيا وكذلك الفارابي والكندي وجابر بن حيان الكندي ابن مسكويه وابن رشد ونصير الدين الطوسي والعلامة البهائي وغيرهم.

ثالثاً: كان عمل هؤلاء خالصا لاجل العلم وخدمة الانسانية وتطوير المعرفة.

رابعاً: كانوا موضوعين في بحوثهم وجادين في تحقيقاتهم وكانوا في علومهم يتحرون الحقيقة ويشدون لها الرحال اشهر وسنين ولايعلموا اسرار العلم الا لمن ثبت عنهم التزامه بالامانة وتمسكه بالاخلاق الفاضلة حرصاعلى الانسانية من الاهواء والاطماع الشيطانية.

خامساً: كانوا متواضعين وزهاد واعاشوا فقراء وماتوا فقراء ولايبتغون من علمهم غير وجه الله وما كانوا ياخذون اجرا على تدريس العلوم او تعليم الطلاب او تأليف الكتب والاجابة عن الاستشارات او القاء المحاضرات.

سادساً: ما كانت هناك سدود او حدود امام الامم ولاتميز بين الشعوب من طلب العلم وتلقف المعرفة وكل الاقاليم الاسلامية مفتوحة امام الجميع لمواصلة الاجتهاد فذاك شيرازي وهذا سندي وذاك اندلسي هذا نوبي وذاك كوفي وذاك بخاري وسنغالي وصقلي ..الخ ويذكر الدكتور ناجي معروف في كتابه (العلماء العرب المنسوبين الى بلاد اعجمية) الاف من العلماء الكبار الذين عاشوا في بلدان غير عربية ونسبوا اليها..  وحكمتهم: (من علمني حرفا فقد صيرني عبدا).

سابعاً: اتقانهم غاية الاتقان للعلم وهم في ريعان الشباب يقول الفيلسوف الرئيس ابن سينا: لم ابلغ الثامنة عشر من العمر الا وتمكنت من العلوم كافة..!!.

ثامناً: جودوا في ابواب العلم وطورا المعارف وابدعوا في الفنون وابتكروا واضافوا الكثير من العطاء على كافة الاصعدة وتركوا عليها بصمات واضحة

تاسعاً: رحلوا في الاصقاع وسافروا من بلد الى بلد حماية للعلم وطلبا لحرية الفكر وكانوا يطلبوا العلم من المهد الى الحد درساً وتدريساً.

عاشراً: اكتشفوا علوما لم يعرفها احدا من قبلهم وبرعوا في فنونا لم يسبقهم اليها احد وكانوا سادة العلم قرونا في حين كان من حولهم من الامم في جهل مطبق وهمجية فاشية.

اعصار الحضارة الاسلامية وبالغ اهتمامها بالعلوم اخرج الغرب من ظلام التخلف

ممّا لاشكّ فيه ان اعصار منظومة العلوم والمعارف والفنون للحضارة الاسلامية التي غزة الغرب كانت هي البنة الاولى والاساس في خروجه من دياجير الجهل والهمجية الى نور العلم والتمدن وان مايشهد الغرب من حضارة راجع الى الثقافة والعطاء الفكري والمعرفي للمسلمين عن طريق منافذ ومسالك شتى وهذا ما سنلاحظه من اعتراف واضح وصريح لااحد اعلام الغرب ومستشرقيه.

عندما يؤرخ علماء ومفكروالغرب لمسيرة الحضارة الانسانية كثيرا مايرددون اعترافهم بأن المسلمين قد أولوا اهتماما كبيرا للعلوم الانسانية والفنون والادب نثرا وشعرا على حين أنهم لم يعتنوا بالقدر نفسه بالعلوم التطبيقية والطبيعية والهندسية والرياضية والفلكية وغيرها رغم اسهاب الموسوعات الاسلامية والمصنفات بخصوص علم من العلوم وتعرض بعض العلماء والمستشرقين لثلة من الانجازات والابتكارات التي ابدعها العقل الاسلامي في شتى ميادين العلم وبرع فيها علماء وفلاسفة كبار ولكننا اخترنا لكتاب  ظهر حديثا ردا لتلك الاتهامات واثباتا لدور المسلمين لتاسيس بعض العلوم وتطويرهم للعلوم وارقي بها الى المستوى الذي بلغته في العصر الحديث وهو لاحد علماء الغرب المتظلعين في المعرفة والتاريخ الاسلامي

اسم الكتاب (العلوم والهندسة في الحضارة الاسلامية) للدكتور دونالد هيل المستشرق البريطاني  وكان جل اهتمامه منصبا بتاريخ الهندسة والتكنولوجيا في العصور الوسطى وجهود المسلمين في هذا الميدان

 

جذور الحضارة الاسلامية

يطرح المؤلف هيل مفهوم فكري راسخ هوأن كل حضارة جديدة لابد أن تكون قد غذيت بمنجزات أسلافها فهي اشبه بحلقة في سلسلة متماسكة يضيف فيها اللاحق إلى ما شاءه السابق  وفي حال الحضارة الاسلامية كانت تلك الاسلاف هي الحضارة الاغريقية (الهيلينستية) والرومانية والفارسية والهندية والصينية مع روافد اخرى فبتلعت كل هذا التراث وهظمته وقدمته الى البشرية مرة اخرى ولكن بحلته القشيبة الراقية المتوازنة… وحينما ظهر الاسلام من شبه الجزيرة العربية القاحلة زرعا وعلما فكسر حواجز الجاهلية وفجر الطاقات بالحث في التفكر وطلب العلم ولو بالصين واخذه من كل مصدر منذ أوائل القرن السابع الميلادي عصر الفتوحات آل كل هذا التراث الثقافي والموروث العلمي والابداع الفلسفي الى المسلمين فتعهدوه بالحفاظ والنقل عن طريق الترجمات من الفهلوية الفارسية والسريانية والارامية والهندوكية والسنسكريتية والبوذية الى العربية ولم تقتصر براعتهم في النقل بل آثروه بكثير من منجزات علمائهم وطبعوه بطابعهم وسرعان ما اصبحت (العربية) هي لغة الثقافة والعلوم والفلسفة والاداب والفنون ومنذ القرن الثامن الميلادي وحتى السادس عشر حينما انتقل هذا الميراث الحضاري الظخم الى أوربا التي بنت نهضتها على ما استفادته من العرب من خلال مدارس الترجمة من العربية الى اللاتينية والاحتكاك المباشر والحروب الصليبية في القرنيين 12و 13 الميلاديين.

 

علم الرياضيات

فالفصل الثاني من كتاب الدكتورهيل يبحث في علم الرياضيات وما ساهمة العرب به في تطويره بعد استيعابهم له ما حققه العالم إقليدس وأرخمديدس وغيرهما من الاغريق اليوانانيين وما أفادوه من الرياضيات الهندية والبابلية القديمة ويعد في طليعة الرياضيين العرب الذين ترجمت أعمالهم إلى الاتينية العلامة محمد بن موسى الخوارزمي والذي ينسب اليه مصطلح (اللوغرتيمات) تحريفا لنسبته إلى خوارزم وابتكاره علم جديد هو (الجبر والمقابلة) واللفظ العربي (الجبر) هو الذي نقله الاوربيون بصيغته العربية (Algebra) إذ لا مقابلة له في لغاتهم ولم يترجم كتاب الخوارزمي في هذا العلم الجديد إلا بعد ثلاث قرون حينما نقله الى اللاتينية (روبرت الشستر)  في سنة 1145 ميلاديه  وكان للعرب أيضا فضل في تطوير علم الهندسة الذي بدأوه في القرن التاسع بترجمة (أصول) إقليدس ومجموعة (السدهانتا) الهندية التي اطلقوا عليها اسم (السند هند).

 

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً