أحدث المقالات

إشكاليات في المقولات والنصوص الحديثية

ترجمة: فرقد الجزائري

تمهيد ـــــــ

m… فلئن أخّرتني الدهور، وعاقني عن نصرك المقدور، ولم أكن لمن حاربك محارباً، ولمن نصب لك العداوة مناصباً، فلأندبنّك صباحاً ومساءً، ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً، حسرةً عليك، وتأسفاً على ما دهاك وتلهفاً، حتى أموت بلوعة المصاب وغصة الاكتئاب..n ([1]).

أوصى زعماء الدين في روايات عديدة بإقامة المآتم على الإمام الحسين%، والبكاء عليه، وقد عدّ هذا الأمر من أهمّ العبادات، وموجباً للتقرّب إلى الله عزّ وجلّ. ويمكننا ملاحظة ذلك بوضوح من خلال مراجعة الروايات المنقولة عن الإمام الصادق%([2])، والإمام الرضا%([3])، وكلمة الإمام السجاد% قبل دخوله المدينة([4])، وزيارة الناحية المقدّسة لصاحب الزمان (عج).

يقول الإمام الصادق%، في رواية منقولة عنه: mكلّ الجزع والبكاء مكروه، سوى الجزع والبكاء على الحسين%n، ويقول الإمام الرضا% بعد أن عدّ مصائب عاشوراء: من القتل، وهتك الحرمات، وأسر النساء والأطفال، وحرق الخيام، ونهب أموال آل الله، وهتك حرمة رسول الله: mإِنَّ يَوْمَ الْحُسَيْنِ أَقْرَحَ جُفُونَنَا وأَسْبَلَ دُمُوعَنَا وأَذَلَّ عَزِيزَنَا بأَرْضِ كَرْبٍ وبَلاءn، ويقول صراحةً: mأَوْرَثَتْنَا الْكَرْبَ والْبَلاءَ إِلَى يَوْمِ الانْقِضَاءn، وفي وصية هادفة، يقول: mفَعَلَى مِثْلِ الْحُسَيْنِ فَلْيَبْكِ الْبَاكُونَn، ثمّ يشير إلى سيرة أبيه الإمام موسى بن جعفر % حول العزاء على سيّد الشهداء، في العشرة الأولى من المحرم، ويقول: كَانَ أَبِي إِذَا دَخَلَ شَهْرُ الْمُحَرَّمِ لا يُرَى ضَاحِكاً، وكَانَتِ الْكَآبَةُ تَغْلِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَمْضِيَ مِنْهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْعَاشِرِ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ مُصِيبَتِهِ وحُزْنِهِ وبُكَائِهِ ويَقُولُ: هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الْحُسَيْنُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ.

نعم! في الحقيقة إنّ المأتم، والبكاء، والنعي، والرثاء على سيد الشهداء، نوعٌ من الحضور بالنسبة لنا، نحن الغائبين عن واقعة عاشوراء؛ حيث نشارك في المصاب بالبكاء والرثاء والنواح، ونُبدي حسرتنا وألمنا لفقد هؤلاء المظلومين، ونظهر سخطنا للظلم الذي حلّ بهم، ونعلن انضمامنا إلى أهدافهم وقيمهم، وتبعيّتنا لسيرتهم ومنهجهم. والأهم من ذلك كلّه، نسعى لتوثيق الصلة بين إقامة المأتم والثأر، والبكاء والمطالبة بالحقوق المضيّعة، إنّ هذا المأتم والبكاء والحزن ضرورة فطرية ماسّة، لا يقف مقابلها سلبياً من تصوّرها وتعقلها، ولا تصمد شبهة أمام هذا الوضوح والبداهة.

إن لم نبك الحسين، وأصحابه الأوفياء، ومصابهم، فعلى ماذا نبكي؟ وإن لم نبك للظلم الذي حلّ به وبأصحابه في يوم عاشوراء، وهو ظلم على البشرية جمعاء، لفقدهم الحسين، ولم نصرخ لذلك تظلّماً، مطالبين بالحق، فلأيّ ظلم نصرخ؟

لكن على الرغم من كل هذا التأكيد من قبل المعصومين(، وتوصيتهم بالبكاء على سيّد الشهداء %، وإقامة المأتم له، طرحت بعض الشبهات حول ذلك، وعلينا مراجعتها، والردّ عليها، ونتطرّق في هذا المقال لسبعٍ من تلك الشبهات، ونتناولها بالنقد والتحليل.

إشكاليات حول إقامة المأتم ـــــــ

الإشكالية الأولى: التشكيك في الروايات التي توصي بالبكاء، وإقامة المأتم، والثواب الوافر المترتب عليه.

إذ يستكثر من يشكّك في هذه الروايات الأجرَ المذكور فيها على البكاء وإقامة المأتم، ويستبعدون صحّتها، فإمّا أن يرفضوها، أو يأوّلوها، ويفسّروها بنحو آخر. ونذكر في هذا الخصوص كلام السيد هاشم معروف الحسني، في كتاب الموضوعات في الآثار والأخبار، وكذلك كلام الشيخ محمد باقر البهبودي في هامش المجلد الرابع والأربعين من بحار الأنوار، ونردّ عليهما بإيجاز.

الإشكالية الثانية: إقامة مجالس الفرح والسرور في ذكرى الشهادة، بدل المأتم والبكاء.

وردت هذه الشبهة في كلام السيد هاشم الحداد، نقلاً عن آية الله السيد محمد حسين الحسيني الطهراني، في كتاب الروح المجرّد، كما ذكرها السيد ابن طاووس في مقدّمة كتاب اللهوف، وقد أتى السيد هاشم الحدّاد على ذكر هذه الشبهة بأسلوب فظ؛ في حين كان أسلوب السيد ابن طاووس أكثر ليناً ولطفاً. يقول السيد هاشم الحداد ـ بعد وصفه المأتم والبكاء بأنّه فعل العوام من الناس ـ : لو كان هؤلاء العوام يدركون، لأقاموا محافل البهجة والسرور، بدل البكاء والحزن والمأتم. وهي عبارة في منتهى القسوة؛ لكن السيد ابن طاووس يقول: لو لم يأمر الله بإقامة المأتم لسيّد الشهداء، لاحتفلنا بشهادته ولأقمنا البهجة والسرور لذلك. وسنأتي بنصّ أقوالهما، ثمّ نبيّن ملاحظاتنا عليها.

الإشكالية الثالثة: الشيعة أنفسهم قتلوا الحسين، وهم يبكوه الآن.

الإشكالية الرابعة: عدم مقبوليّة استمرار الحزن والمآتم والبكاء إلى اليوم، وبهذه الشدّة.

الإشكالية الخامسة: لماذا تقام المآتم في العشرة الأولى من المحرم، وتنتهي بعد مقتل الإمام بثلاثة أيام؟ في حين يجب استمرار المآتم بعد قتله.

وسنأتي بنصّ كلام السيد ابن طاووس من كتاب الإقبال، حيث ذكر هذه الشبهة، وردّ عليها.

الإشكالية السادسة: ضرورة وضع الاهتمام بالانتقام؛ بدل البكاء.

الإشكالية السابعة: الإشكال على طريقة إقامة بعض المآتم، والتقاليد المتبعة فيها.

كانت هذه بعض الشبهات المطروحة، وسنتناول الإشكاليات الأولى والثانية والخامسة بتفصيل، وستتضح الإجابة على سائر الشبهات من خلالها، ونؤكّد على التمعّن في الروايات التي تدعو إلى إقامة المآتم الحسينية؛ إذ تتعامل هذه الروايات مع المأتم الحسيني بنحو يسدّ الطريق أمام أيّ شبهة عليه.

وقفة مع التشكيك في روايات استحباب المأتم وثوابها ـــــــ

يعلم الباحثون والمختصّون في علم الحديث، أنّ كثرة روايات المآتم والبكاء، لا تدع مجالاً للتشكيك فيها؛ فهناك روايات كثيرة تدلّ على بكاء الأنبياء والملائكة، وأهل السماوات الذين لا تجف دموعهم، وأهل الأرض الذين يبكون دماً، من أول الخلق، إلى نهاية العالم، وحتى في تلك الدار الخالدة، وبكاء السماء، والأرض، والبحار، والصحاري، والحيوانات، والأسماك، والشمس، وكل الأحجار التي بكت دماً، وقد دعت الروايات العديدة لإقامة المآتم، وأقام أئمة أهل البيت المآتم، وبكوا بمرارة لفقدان سيّد الشهداء.

وحتى الجزع الذي ذُمّ في النوائب، وعُدّ مكروهاً، حيث دُعينا دوماً للصبر والتحمّل في المصائب ومُنعنا عن الجزع، صارت هناك دعوة إليه في هذا المصاب العظيم؛ فقد ورد في رواية مسمع، أنّ الإمام الصادق% قال له: «يَا مِسْمَعُ أَنْتَ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَمَا تَأْتِي قَبْرَ الْحُسَيْنِ؟ قُلْتُ: لا أَنَا رَجُلٌ مَشْهُورٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَعِنْدَنَا مَنْ يَتْبَعُ هَوَى هَذَا الْخَلِيفَةِ وَأَعْدَاؤُنَا كَثِيرَةٌ مِنْ أَهْلِ القَبَائِلِ مِنَ النُّصَّابِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَسْتُ آمَنُهُمْ أَنْ يَرْفَعُوا عَلَيَّ حَالِي عِنْدَ وُلْدِ سُلَيْمَانَ؛ فَيُمَثِّلُونَ عَلَيَّ، قَالَ لِي: أَفَمَا تَذْكُرُ مَا صُنِعَ بِهِ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَتَجْزَعُ؟ قُلْتُ: إِي وَاللَّهِ وَأَسْتَعْبِرُ لِذَلِكَ حَتَّى يَرَى أَهْلِي أَثَرَ ذَلِكَ عَلَيَّ فَأَمْتَنِعُ مِنَ الطَّعَامِ حَتَّى‏ يَسْتَبِينَ ذَلِكَ فِي وَجْهِي، قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ دَمْعَتَكَ أَمَا إِنَّكَ مِنَ الَّذِينَ يُعَدُّونَ فِي أَهْلِ الْجَزَعِ لَنَا وَالَّذِينَ يَفْرَحُونَ لِفَرَحِنَا وَيَحْزَنُونَ لِحُزْنِنَا وَيَخَافُونَ لِخَوْفِنَا وَيَأْمَنُونَ إِذَا أَمِنَّا..».

إذن، يتّفق الجميع على صحّة هذه الروايات، وعدم الجدال في سندها، ولا يمكن لأحد تجاهل هذا الكمّ الكبير من الروايات. وقد دار الحديث حول تفسيرها وتحليلها، لكنّ محتواها ومفادها أوضح من أن تثار شائبة حوله؛ إذ لا يمكن استنتاج معان خاطئة منها، أو استخدامها بشكل خاطئ، كما لا يمكن نفي تلك القيمة والمكانة التي تعدّها لإقامة المأتم والبكاء.

نظريات في تحليل روايات البكاء وإقامة المآتم ـــــــ

هناك ثلاثة آراء حول روايات البكاء والمآتم ـ التي أصبحت متواترة ولا حاجة للبحث في سندها ـ :

1 ـ نظرية السيد هاشم معروف الحسني ـــــــ

يضع الحسني([5]) هذه الروايات في مجموعة الروايات المجعولة، ودليله على ذلك الأجر الوافر الذي ورد فيها لدمعةٍ تسكب، أو لإغروراق العين بالدمع؛ فهو يجعل من استبعاده الأجر العظيم على هذا العمل الضئيل، دليلاً على كون هذه الروايات مجعولة.

ويبيّن الحسني رأيه كما يلي: وقد أمعن القصّاص والوعّاظ في الكذب على الرسول، فنسبوا إليه وعوداً وأقوالاً في الزهد في الدنيا، وفضل البلاء والفقر والمرض والجوع والأيام والساعات والأذكار والأدعية، وأسرفوا في عرضهم للمكافأة التي يلقاها الإنسان إذا صلّى ركعتين في بعض الليالي أو الأيام، أو صام يوماً أو أكثر من بعض الشهور، أو سعى لزيارة بعض الأولياء والأتقياء؛ فأعطوه على كلّ ركعة مئات القصور وآلاف الحور والولدان والأثاث المصنوع من الزبرجد والياقوت والمرجان، وعلى كلّ يوم صامه، أو خطوة مشاها إلى زيارة وليّ، أو عيادة مريض آلاف الحسنات، وأسقطوا عنه آلاف السيئات، وكأنّ له أجر ألف حاج، وألف معتمر، وثواب من صبر وأحسن عملاً كأيوب وأمثاله من النبيين والصدّيقين كما جاء في بعض المرويّات، وفرشوا له طريق الجنة بالورود والرياحين، حتى ولو لم يفعل بعد ذلك من الطاعات شيئاً، بل وحتّى لو فعل المنكرات كما تصرّح بذلك بعض مرويّاتهم.

ثمّ يقول: وجاء في تفسير علي بن إبراهيم، أنّ الإمام جعفر بن محمد % قال: «من ذكرنا أو ذُكرنا عنده، فخرج من عينيه دمع مثل جناح البعوضة، غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر»، إلى غير ذلك من المرويّات التي سنعرض بعضها حسب المناسبات في الفصول الآتية من هذا الكتاب([6]).

ويقول بعد عدّة صفحات: وفي الوقت ذاته ربّما يحذّر السامع عن العمل، ويبعث في نفسه روح الاتكال على الثواب الموعود به عندما يسمع أنّ الدمعة التي لا تزيد عن جناح بعوضة، إذا خرجت من عينه حزناً على ما أصاب أهل البيت، يغفر الله له بسببها جميع ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر كما جاء في رواية علي بن إبراهيم عن الإمام جعفر بن محمد %..([7]).

2 ـ نظرية الدكتور محمد باقر البهبودي ـــــــ

يذكر البهبودي([8]) رأيه بأسلوب حاد، ويقول ما مضمونه: يظنّ الجاهلون بأنّ هذه الروايات مطلقة، ولكلّ دمعة في كل زمان وكل ظرف هذا الاعتبار والقيمة؛ لذلك ينكرها بعضٌ ويعتبرها موضوعةً، ويسلّم بها بعضٌ آخر عن غفلة.

ثمّ يتبنّى البهبودي الرأي القائل بأنها ليست مطلقة، ولا يترتب على مطلق البكاء كل ذلك الأجر؛ بل إنّ هذا الأجر للبكاء كان في ظروف خاصّة حرجة، حيث يصدق فيه عنوان الجهاد في سبيل الله، ولا يصدق ذلك في الظروف العادية.

ويبيّن البهبودي موقفه حول هذا الموضوع كما يلي: «توهّم الجهّال أنّ لهذه الأحاديث إطلاقاً يشمل كلّ ظرف وزمان، فأنكرها بعضٌ أشدّ الإنكار، وقال: لو صحّ هذه الأحاديث لأتى على بنيان المذهب وقواعده، ولأدّى إلى تعطيل الفرائض والأحكام وترك الصلاة والصيام، كما نرى الفساق والفجار يتّكلون في ارتكاب السيئات والاقتحام في جرائمهم الشنيعة على ولاء الحسين% ومحبته والبكاء عليه، من دون أن ينتهوا عن ظلمهم وغيّهم واعتسافهم؛ فليس هذه الأحاديث إلا موضوعة من قبل الغلاة، دسّهم في أخبار أهل البيت ترويجاً لمرامهم الفاسد ومسلكهم في أنّ ولاء أهل البيت إنّما هو محبتهم، لا الدخول تحت سلطانهم وأمرهم ونهيهم على ما هو الصحيح من معنى الولاية. وبعضهم الآخر الذين يروون الحديث، ولا يعقلون فيه، ولا يتدبرون، أخذ بالإطلاق، وادّعى أنّ mمن بكى على الحسين أو أبكى أو تباكى فله الجنةn، حتى في زماننا هذا وعصرنا، كائناً من كان. ثمّ شدّ على المنكرين بأنّهم كفروا وخرجوا عن المذهب، ولم يعرفوا الأئمة حق معرفتهم و.. ثمّ إذا ألزم بالإشكال أخذ في تأويل الأحاديث، وأخرجها عن معانيها ومغزاها، أو سرد في الجواب بعض الأقاصيص والرؤى.

والحق أنّ هذه الأحاديث بين صحاح وحسان وضعاف مستفيضة، بل متواترة، لا تتطرّق إليها يد الجرح والتأويل، لكنّها صدرت حينما كان ذكر الحسين% والبكاء عليه وزيارته ورثاؤه وإنشاد الشعر فيه إنكاراً للمنكر، ومجاهدةً في ذات الله، ومحاربة مع أعداء الله، بني أمية الظالمة الغشوم، وهدماً لأساسهم، وتقبيحاً وتنفيراً من سيرتهم الكافرة بالقرآن والرسول، ولذلك كانت الأئمة يرغّبون الشيعة في تلك الجهاد المقدّس بإعلاء كلمة الحسين، وإحياء أمره بأيّ نحو كان، بالرثاء والمديح والزيارة والبكاء عليه، وفي مقابلهم بنو أمية تعرج على إماتة ذكر الحسين%، ويمنع من زيارته ورثائه والبكاء عليه. فمن وجد ويفعل شيئاً من ذلك، أخذوه وشرّدوه وقتلوه وهدموا داره؛ ولأجل تلك المحاربة القائمة بين الفريقين، أنصار الدين وأنصار الكفر، أباد المتوكّل قبر الحسين%، وسوّاه مع الأرض، وأجرى الماء عليه؛ ليطفئ نور الله، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون.

فمن كان يبكي على الحسين أو يرثيه أو يزوره في ذاك الظرف، لم يكن فعله ذلك حسرةً وعزاء وتسلية فقط، بل محاربةٌ لأعداء الدين، وجهاد في سبيل الله مع ما يقاسونه من الجهد والبلاء والتشريد والتنكيل. فحقّ على الله أن يثيب المجاهد في سبيله، ويرزقه الجنّة بغير حساب؛ ذلك بأنّهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطأون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدوّ نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح إنّ الله لا يضيع أجر المحسنين؛ ففي مثل ذاك الزمان ـ كما رأينا قبل عشرين سنةً في إيران (قبل الثورة) ـ لم يكن ليبكي على الحسين %، وينشد فيه الرثاء إلا كلّ مؤمن، وفي أهل التقوى واليقين، لما في ذلك من العذاب والتنكيل، لا كلّ فاسق وشارب، حتى يستشكل في الأحاديث، بل كان هؤلاء الفسّاق ـ في ذاك الظرف ـ مستظهرين بسلطان بني أمية، منحازين إلى الفئة الباغية، يتجسّسون خلال الديار ليأخذوا على أيدي الشيعة، ويمنعوهم من إحياء ذكرى الحسين %، كما اقتحموا دار أبي عبد الله الصادق%، بعدما سمعوا صراخ الويل والبكاء من داره %.

وأمّا في زمانٍ لا محاربة بين أهل البيت وأعدائهم، كزماننا هذا، فلا
يصدق على ذكر الحسين% والبكاء عليه عنوان الجهاد، كما أنّه لا يلقى ذاكر الحسين % إلا الذكر الجميل والثناء الحسن؛ بل يأخذ بذلك أجرةً، والباكي على الحسين % يشرّف ويكرّم، ويقال له: قدمت خير مقدم، ويقدّم إليه ما يشرب ويتفكّه؛ فحيث لا جهاد في البكاء عليه، فلا وعد بالجنّة، وحيث لا عذاب ولا نكال ولا خوف نفس، فلا ثواب كذا وكذا؛ فليبك الفسقة الفجرة إنّهم مأخوذون بسيئ أعمالهم. إنّ الله لا يخدع عن جنّته، وليميز الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون» ([9]).

3 ـ النظرية السائدة ـــــــ

وهي قبول هذه الروايات بشكل مطلق، وعدم تخصيصها بالظروف الحرجة؛ فإنّ شأن العبادة يعلو أو يدنو بتغيير الظروف، لكن لا يعني ذلك أنّ الصلاة مثلاً لا قيمة لها في الظروف العادية، أو الصيام لا أجر عليه في أيام الشباب والصحّة، أو لا شأن لحجّ المتمكّنين والأثرياء؛ فلم يكن الأمر كذلك إطلاقاً؛ بل إنّ لكافة العبادات قيمة وأجراً وشأناً عظيماً، والظروف الحرجة تزيد من قيمتها وأجرها.

إذن، يحتفظ بكاء الحسين % وإقامة المأتم له بقيمته، وتتضاعف هذه القيمة في الظروف الصعبة. أمّا الغفلة عن ذلك فسببه عدم الالتفات إلى قيمة العقيدة بحدّ ذاتها، أو يبدو أنّ البعض لا يتمكّن من التوفيق بين العقيدة الصحيحة والعمل الخاطئ، ويتصوّرون أنّ من صحّت عقيدته، صحّت جميع أفعاله، لكن في الواقع ليس الأمر كذلك؛ فمن يتمعّن في حياته الخاصة، يجد أخطاء وهفوات كثيرة اجتمعت مع عقيدته؛ فهو يعتقد بالله، لكن تصدر عنه أخطاء وزلّات كبيرة وصغيرة، وكأنّه لا يعرف الله إطلاقاً.

إذن ينبغي ملاحظة أمرين بدقة:

أ ـ قيمة الاعتقاد: لا تعدّ العقيدة جزءاً من العمل، وإن تمتعت العقيدة الصحيحة بحدّ ذاتها بقيمة كبيرة؛ فمن أحبّ الإمام الحسين بقلبه وتعلّق به، فلذلك شأن عظيم، وإن تلوّث بذنوب كثيرة، ومن أحبّ الأنبياء واعتقد بأنّ أمير المؤمنين% حجة الله وخليفته في الأرض وتبرّأ من أعدائه، فله شأن عظيم، وإن تلوّث بالذنوب والمعاصي. ومن الممكن أن يعلو شأن فرد كهذا إلى مرتبةٍ يمكن القول معها فيه: إنّ عقيدته الحسنة أرجح من جميع أعماله السيئة، وتُلقي بظلالها على ذنوبه.

ب ـ اجتماع الاعتقاد الصائب مع الذنب: يقول بعضهم: من صحّت عقيدته لا يعصي. نعم، للعقيدة الصحيحة في المراتب العليا أثرٌ كهذا؛ لكن ليس لها في المراتب الدنيا ـ والتي يتمتع الكثير بها ـ هذا الأثر، بل تجتمع أحياناً أو حتى كثيراً مع الذنوب والمعاصي؛ فكثيرون هم الذين عرفوا أمير المؤمنين% وحتى اختاروه مولى لهم، لكن بسبب البيئة المحيطة بهم أو بسببٍ في أنفسهم، تلوثوا بالمعاصي والذنوب. وكلنا يريد أن يعلو الحقّ، وأن ينقطع سبيل المعصية، وتبذل جهود أكبر في مجال الثقافة والمجتمع، لنحصل على دعم أكبر في صون إيماننا عن الذنوب، لكن بما أنّ الحق لا يحكم العالم وقد تغلّب الباطل وأهله في معظم الأمور، ونحن بين كلّ ذلك أقلية، فلا يمكننا حفظ نزاهتنا كما تقتضي عقيدتنا، ونتلوّث بأمور شتى، لكن هناك اختلافاً جوهرياً بين أخطائنا وزلاتنا وبين ذنوب أعدائنا؛ إذ هم طلبوها ووجودها لكننا لم نردها وابتلينا بها؛ ولعلّه وراء ما ذكرت بعض الروايات في فضل الشيعة المذنبين على غيرهم ممن لم يذنبوا، بل نسبت ذنوب الشيعة لغيرهم.

إذن، حبّ الحسين% والبكاء عليه والإيمان به وبنهجه والدفاع عنه وإحياء ذكره، قيّم في الظروف كافّة. بالطبع، قد يصبح البكاء كذباً وإقامة المأتم خداعاً؛ وفي مثل هذه الحال، لا قيمة للمأتم ولا للبكاء، لكن إذا تمتّع بدرجة مقبولة من الصدق والصحة، حتى ولو كان مذنباً، فسوف يطهّره ذلك من الذنوب تدريجياً، كما نجده عملياً. وخلاصة القول: إنّ لهذه النقطة البيضاء المنيرة في قلب الإنسان قيمة كبيرة، يمكنها محو المساوئ جميعها.

ردود مقتضبة على نظريّــتي: الحسني والبهبودي ـــــــ

1ـ في الظروف الحرجة، من الممكن أن لا يصمد حتى كثير من المتقين، فهل يدلّ ذلك على أنّ بكاءهم لا قيمة له؟

2ـ من الممكن أن يصمد بعض ممّن أسميتموهم بالفاسقين، في الظروف الحرجة، وأن يقيموا مأتم الحسين %، حتى لو كلّفهم ذلك أرواحهم؛ فهل تعتبرون هذه الروايات صادقةً في حقهم، أو أنّها لا تصدق فيهم لما ارتكبوه من الفسق؟

3ـ لا نفع من البكاء الكاذب على الحسين%؛ لكن إذا بكى أحدٌ
الحسينَ % صدقاً؛ لما حلّ به من ظلم، ونادى بمظلوميته، ومع ذلك أذنب ـ كما هي حالنا في الغالب ـ فلا أتصوّر أنّ بكاءه سيفقد قيمته.

4ـ إن فتح الله باب التوبة أو إنقاذ الشفاعة للمؤمنين يوم القيامة، هل يؤدّيان إلى جرأة المذنب وتماديه في معصيته؟ إذن من الأفضل أن تسدّوا أنتم طريق العودة إلى الله، لكي لا يصدّ عنه أحد. بعبارة أخرى، من الممكن أن يحدث سوء استخدام لأي من التعاليم الدينية، لكن ذلك لا يعني أنّ تلك التعاليم خاطئة، كذلك هو الأمر بالنسبة للبكاء على الحسين، أو التوبة، أو الشفاعة، أو البكاء من خشية الله؛ فإن بكى عاصٍ عن صدق وتاب بإخلاص، فإنّه سيجني الآثار العظيمة لفعله هذا.

ويمكن القول في ما يخصّ استكثار الثواب على البكاء وإقامة المأتم، بأن استبعاد تحقّق هذا الأمر هو ما يتمسّك به كثيرون لرفض هذه الروايات، لكن ترد النقاط التالية عليهم:

1ـ استبعاد الأمر ليس دليلاً؛ إذ يمكننا الردّ على سؤالهم، mهل يمكن؟n: mنعم، يمكن بالتأكيدn؛ فالاستبعاد ليس بدليل، حتى نحتاج للردّ عليه.

2ـ لا ينحصر هذا الاستبعاد بثواب البكاء على الإمام الحسين وإقامة المأتم له، بل يعمّ كثيراً من الأعمال الضئيلة في الظاهر لكنّها تتمتّع بأجر عظيم في الدين؛ فإن كان لكم ردود على تلك الأمور، فلدينا ما نقوله عن ثواب البكاء وإقامة المأتم.

3ـ يظنّ بعضهم أنّ دمعةً واحدة ليست بشيء؛ فأحياناً يكون حجم العمل صغيراً، لكن له قيمة كبيرة وشأن عظيم. فمثلاً، الصلاة التي هي أهمّ الواجبات، ليست إلا قياماً وقعوداً وعدّة من أذكارٍ وسور وأدعية، وكذا الذنب الذي ارتكبه إبليس لم يكن إلا معصيةً لله في سجدةٍ واحدة؛ إذاً لم يلحظ حجم العمل؛ فما يعطي العمل قيمتَه إنّما هي روحه وحقيقته والآثار المترتّبة عليه.

4ـ إنّ ثواب الله لعباده على أعمالهم من باب التفضّل؛ كالجوائز التي تعطى أحياناً لأعمال بسيطة؛ فلا يجوز لنا أن نستبعد ثواباً عظيماً على عمل بسيط.

5ـ إذا نظرنا إلى الدمعة التي تُسكب بإخلاص في مأتم سيد الشهداء من زوايا مختلفة، وبحثناها من حيثيات متعددة، لوجدنا أنّها ليست بالأمر الهيّن؛ فهناك عالم من الحب والعشق وراء هذه الدمعة، يعجز الحديث ـ مهما طال ـ عن تبيينه؛ حيث تنمّ هذه الدمعة عن عالم من الفهم والاستيعاب خلفها، يعجز أحياناً كلّ الناس عن خلقها؛ فيترتب عالمٌ من الآثار والبركات عليها، لا يساويها شيء في الأثر والبركة؛ فهي دمعة، لكنّها تربطك بالأنبياء والأولياء والصلحاء، وهي دمعة، لكنّها ثمرة مساعي الأنبياء والأولياء والصلحاء، وهي دمعة، لكنّها تنمّ عن فهم وإدراك وتعلّق عميق.

عاشوراء وضرورة البهجة، نظرية ابن طاووس وهاشم الحداد ـــــــ

يقول السيد محمد حسين الحسيني الطهراني عن أستاذه السيد هاشم الموسوي الحداد: mكان السيّد الحداد على غير طبعه طيلة عشرة المأتم؛ إذ يحمرّ وجهه، وتتلألأ عيناه، لكن لا يُرى الحزن عليه، بل كان في غاية البهجة والسرور. وكان يقول: ما أغفل الناس، وهم يتألمون على هذا الشهيد ويقيمون المآتم له! إنّ عاشوراء أعظم ملاحم الحبّ والعشق، ومجلى جمال الله وجلاله، ومسرح آيات رحمته وغضبه. أمّا أهل البيت، فقد سَمُوا على المراتب والدرجات، ووصلوا إلى ذروة الحياة في الخلد، وانسلخوا عن المظاهر وحققوا الظواهر، وفنوا أنفسهم في ذات الأحد. إنّ هذا هو يوم بهجة أهل البيت وسرورهم؛ إذ هو يوم سعادتهم وفلاحهم بالدخول إلى الحريم الإلهي وحرمه الآمن، وهو يوم الانتقال من الجزئية إلى عالم الكلية، هو يوم النصر والفلاح. هو يوم تحقّق الهدف النهائي والمطلوب الحقيقي. هو يومٌ لو عُرض جزءٌ منه على السالكين والمحبّين والوالهين في سبيل الله، لظلّوا بقيّة حياتهم في غمرة البهجة والسرور، ولسجدوا لله شكراً إلى قيام الساعة».

mكان السيد الحداد يقول: إنّ الناس في غفلة عن أمرهم، وقد ملأ حبّ الدنيا أعينهم وآذانهم، فيحزنون على ذلك اليوم ويبكون عليه بكاء الثكلى على ولدها! ولا يعلمون أنّه فوز وفلاح ومعاملة رابحة كابتياع المجوهرات بالخزف، لم يكن ذلك القتل موتاً بل كان عين الحياة، ولم يكن انقطاعاً للحياة، بل كان الحياة الخالدة.

وذكر أنّ شاعراً دخل حلب، وأنشد في أهلها، قال: بلى، لكن قل لمن حول يزيد، متى كان ذاك الحزن، ولم تأخّر في وصوله إلينا، فعين الأعمى رأت تلك الخسارة، وأذن الأصمّ سمعت تلك الحكاية.

كان السيد الحداد يكثر من البكاء في العشرة الأولى من المحرم، لكن شوقاً، وكانت دموعه تنهمر لشدّة سروره وابتهاجه، وكأنّ مطر الرحمة ينزل على محاسنه الشريفة، وكان يكرّر قراءة أشعار جلال الدين الرومي بصوت عذب، ومازال ذلك الصوت وتلك الدموع المنهمرة حيّةً في ذاكرتي، وكأنّ الحداد جالسٌ أمامي وبيده كتاب المثنوي»([10]).

وقد جاء السيد الحسيني الطهراني بأشعار المثنوي كاملةً، في ما يخص الشاعر الذي دخل على أهل حلب، وهم يقيمون المأتم و..

ويأتي السيد ابن طاووس في كتابه اللهوف بمقدّمة مختصرة، مفادها أنّ الله يتجلّى لعباده، ويطهّرهم من دنس الدنيا، ويهبهم البهجة الروحية؛ إذ أهّل بعض العباد أنفسهم لتلقّي الألطاف الإلهية، واستحقوا هذا الاهتمام من قبل الله تعالى؛ لذلك لا يريد الله لهم أن تُهدر أعمارهم؛ بل يوفّقهم ليقوموا بأحسن الأعمال، وينزع عن قلوبهم التعلّق بمن سواه، حتى لا يطلبوا إلا رضاه. فتراهم فرحين كالمؤمنين بالقيامة، ووجلين من خشية اللقاء، توّاقين دوماً إلى ما يقرّبهم من مرامهم الحقيقي، وهو الله عزّ وجلّ، ويريدون الدخول إلى الدنيا والخروج منها كما يحبّ الله لهم؛ فهم غارقون في الاستماع إلى أسرار الحقّ، وملأت حلاوة ذكر الله قلوبَهم، فحباهم الله بعنايته وحبّه بقدر ما أهّلوا أنفسهم لذلك. يصغر في أعينهم كلّ أمر يبعدهم عن الله، ولا يؤنسهم إلا ذكره. إن وجدوا حياتهم وبقاءهم مانعاً في تحقيق أوامر الله، يخلعون لباس الحياة، ويطرقون أبواب لقاء الله ببذلهم أرواحهم وأجسادهم، ويسلّمون أنفسهم للسيوف والرماح. وقد سمَى الحسينُ% وأصحابه إلى هذا المقام الرفيع، حتى تسابقوا لنيل الشهادة.

ثمّ يبيّن السيد ابن طاووس رأيه كما يلي: mولولا امتثال أمر السنّة والكتاب في لبس شعار الجزع والمصاب لأجل ما طمس من أعلام الهداية، وأسّس من أركان الغواية، وتأسّفاً على ما فاتنا من تلك السعادة، وتلهفاً على أمثال تلك الشهادة، وإلا كنّا قد لبسنا لتلك النعمة الكبرى أثواب المسرّة والبشرى، وحيث في الجزع رضاً لسلطان المعاد، وغرضاً لأبرار العباد، فها نحن قد لبسنا سربال الجزوع، وأنسنا بإرسال الدموع، وقلنا للعيون: جودي بتواتر البكاء، وللقلوب جدّي جدّ ثواكل النساء؛ فإنّ ودائع الرسول الرؤوف أبيحت يوم الطفوف، ورسوم وصيّته بحرمه وأبنائه طمست بأيدي أمته وأعدائه».

ثمّ يخاطب ابن طاووس الضمائر الحيّة في العالم، ويدعوهم لإحياء ذكرى هؤلاء القتلى، والبكاء على عزيز النبي وفاطمة.. ويتابع مخاطباً من أوفوا بعهدهم للنبي: mلم لا تواسون النبي في البكاء؟» ويقسم عليهم أن يعزّوا الزهراء بالرثاء على ابنها، لينالوا أجر من واساهم، ثمّ يذكر الرواية التي وردت في فضل البكاء والإبكاء، وحتى التباكي.

وقفة نقدية مع نظرية البهجة الصوفيّة ـــــــ

وترد على هذه الشبهة أنّ لمقتل سيد الشهداء وأهل بيته وصحبه الأوفياء وجهان؛ فهو بالنسبة لهم قربٌ ووصال وبهجة وسرور؛ إذ تحقّقت أمانيهم بالشهادة والفناء، وبلغوا مقاماً لا يناله أحد إلا بالشهادة، لكنّ الأمر بالنسبة لنا حزن ومأتم وبكاء؛ لفقدهم ولما شهدناه من تلك الفاجعة الأليمة؛ لذلك نقرأ في زيارة عاشوراء: mبأبي أنت وأمي لقد عظم مصابي بكn. وكما عبّر عن هذه الحقيقة صعصعةُ حينما قال عن شهادة أمير المؤمنين %: إنّ الدنيا لفقدك مظلمة، والآخرة بنورك مشرقة؛ فنحن نبكي هذا الفقدان، وزادنا ألماً ومرارة وحشيةُ أعدائهم.

ولا بأس هنا بذكر كلام السيد الحسيني الطهراني؛ للردّ على هذه الشبهة؛ إذ يقول لتبرير فعل أستاذه السيد هاشم الحداد وكلامه عن المأتم الحسيني: mيجب الالتفات إلى أنّ ما قاله السيّد الحداد يمثل حالاته الخاصة؛ حيث اجتاز عوالم الكثرة ووصل إلى الفناء المطلق في الله، أي أنّه أنهى السفر الأول mإلى اللهn، وانشغل في السفر الثاني mفي اللهn، وكذلك هو حال جلال الدين الرومي، حين أنشد الأشعار التي تحكي دخول الشاعر الشيعي مدينة حلب؛ فهم قد اجتازوا درجات النفس وسكنوا ساحة العرش، ونالوا قربه.

لكن سائر الخلق، الذين لا زالوا رهائن في عالم الكثرة، ولم يخرجوا من طوق أنفسهم، عليهم بالبكاء وإقامة المآتم والرثاء والنواح؛ لينالوا بها ذلك الهدف السامي؛ فهذا المجاز سبيلٌ إلى تلك الحقيقة، كما تدعونا روايات عديدة لإقامة المآتم؛ لنطهّر بها أنفسنا ونسير مع أولئك العظماء.

وبعد الانتهاء من الأسفار الأربعة، من مستلزمات البقاء بالله بعد مقام الفناء في الله، الارتباط بعوالم الكثرة وإعطاء كلّ عالم ما يستحقه؛ فيكون الإنسان مع الله في عالم الخلق ويتصف بالصفات الخلقية، في الوقت عينه الذي هو متحد بالربوبية، فهو حب وعزاء وتوحيد وكثرة، كما كنا نجد عين هذه الحالات لدى السيد الحداد في أيامه الأخيرة؛ فهو بعد أن بلغ مرتبة الفناء المحض وتمكّن من التجرد، أصبح في مرتبة البقاء، وكان ـ مع الوله ـ يذرف الدمع ويشارك في المأتم عن حرقة ورقّة قلب.. بعبارة مختصرة، واقعة كربلاء قصة غامضة ذات وجهين؛ وجه يظهر الحب والشغف والوصال وفوز سيد الشهداء ببلوغ تلك العوالم، ووجه آخر يملؤه الحزن والألم والعذاب والبكاء، لكن من يريد رؤية ذلك الوجه، عليه التمعّن في هذا الوجه، واجتيازه إلى الوجه الآخر؛ ولمثل هذا فليعمل العاملون.

أكثر لفظ كان يذكره الحداد هو mالفناءn، ولم ير سبيلاً أو علاجاً أنجع منه، وكان يدعو أصحابه إلى ذلكn ([11]).

وفيما يخصّ كلام السيد هاشم الحداد وبيان السيد الحسيني الطهراني في تبريره، نوصي بالتمعّن في كلام الحسيني الطهراني، ونضيف أنّ البكاء على المظلوم، خاصة إن كان سيد الشهداء وصحبه المضرّجين بالدماء، حسنٌ ولازم في كل الأوقات إلى القيامة، وللجميع في أيّ مقام كانوا؛ فنظرة عابرة على كلام الإمام المهدي في زيارة الناحية، كفيلة بإظهار حقيقة الأمر؛ إذ يقول: m.. فلأندبنّك صباحاً ومساءً، ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً. حسرةً عليك، وتأسّفاً على ما دهاك، وتلهّفاً حتى أموت بلوعة المصاب، وغصّة الاكتئابn، أو كلام الإمام الرضا% حين قال: mإنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا، بأرض كرب وبلاء، وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون..n.

أمّا سائر التبريرات فلم تكن مفهومةً لكثيرين؛ فلا حاجة للردّ عليها؛ فالمأتم الحسيني والبكاء على سيد الشهداء واستذكار المصائب التي حلّت به، ومصيبة فقدانه، لا يُخدش بأقوالٍ كهذه.

وفي الختام، يجدر التنبيه إلى أنّ كلام السيد ابن طاووس، وإن كان أكثر مرونةً ولطفاً، لكنّه في حقيقته لا يختلف عن كلام السيد الحداد. وينبغي أن نلتفت إلى كلّ المعاني التي يحتملها كون الأمر ذا وجهين، ولا نغفل أياً منها؛ فنحن نريد أحياناً أن نلفت الانتباه إلى الوجه الآخر، لكن المهم هو أنّ التركيز على وجهٍ يجب أن لا يُسبّب صرف النظر عن الوجه الآخر، فيما كلاهما مهم، وينبغي الالتفات إليهما معاً.

 

هل العزاء بعد العاشر أم في العشر الأوائل؟! ـــــــ

يطرح السيد ابن طاووس الشبهة الخامسة، ويردّ عليها، ولنقرأ معاّ نص كلامه في كتاب الإقبال: mأقول: ولعلّ قائلاً يقول: هلا كان الحزن الذي يعملونه من أول عشر المحرم قبل وقوع القتل يعملونه بعد يوم عاشوراء؛ لأجل تجدّد القتل، فأقول: إن أول العشر كان الحزن خوفاً مما جرت الحال عليه، فلمّا قتل دخل تحت قول الله تعالى: >وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ( *) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ<. فلما صاروا فرحين بسعادة الشهادة وجب المشاركة لهم في السرور بعد القتل لتظفرهم بالسعادة، فإنّ قيل: فعلام تجدّدون قراءة المقتل والحزن كل عام؟ فأقول: لأن قراءته هو عرض قصّة القتل على عدل الله جل جلاله ليأخذ بثاره كما وعد من العدل، وأما تجدّد الحزن كل عشر والشهداء صاروا مسرورين؛ فلأنه مواساة لهم في أيام العشر حيث كانوا فيها ممتحنين ففي كل سنة ينبغي لأهل الوفاء أن يكونوا وقت الحزن محزونين ووقت السرور مسرورينn ([12]).

إنّنا نعتقد أنّ التأمّل في الروايات المذكورة في هذا المقال، يغنينا عن الرد المستقل لكلّ من الشبهات؛ إذ تدافع هذه الروايات بجدارة عن البكاء وإقامة المأتم والجزع والنواح على سيّد الشهداء، وتقدم تفاسير جيّدة لذلك. ونأتي هنا ببعضها:

فعن أبي عمارة المنشد، قال: mما ذكر الحسين بن علي عند أبي عبد الله
في يوم قطّ، فرئي أبو عبد الله متبسّماً في ذلك اليوم إلى الليلn ([13])، وعن أبي عبد الله %، قال: mسمعته يقول: إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع، ما خلا البكاء على الحسين بن علي، فإنه فيه مأجورn([14])، وعن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله %، قال: mكل الجزع والبكاء مكروه، سوى الجزع والبكاء على الحسينn([15]).

يقول المجلسي صاحب البحار في ذيل هذه الأحاديث: mأَقُولُ: رَأَيْتُ فِي بَعْضِ تَأْلِيفَاتِ بَعْضِ الثِّقَاتِ مِنَ الْمُعَاصِرِينَ، رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَ النَّبِيُّ ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ بِقَتْلِ وَلَدِهَا الْحُسَيْنِ ومَا يَجْرِي عَلَيْهِ مِنَ الْمِحَنِ‏ بَكَتْ فَاطِمَةُ بُكَاءً شَدِيداً، وقَالَتْ: يَا أَبَهْ! مَتَى يَكُونُ ذَلِكَ؟ قَالَ: فِي زَمَانٍ خَالٍ مِنِّي ومِنْكِ ومِنْ عَلِيٍّ، فَاشْتَدَّ بُكَاؤُهَا وقَالَتْ: يَا أَبَهْ! فَمَنْ يَبْكِي عَلَيْهِ ومَنْ يَلْتَزِمُ بِإِقَامَةِ الْعَزَاءِ لَهُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ: يَا فَاطِمَةُ! إِنَّ نِسَاءَ أُمَّتِي يَبْكُونَ عَلَى نِسَاءِ أَهْلِ بَيْتِي ورِجَالَهُمْ يَبْكُونَ عَلَى رِجَالِ أَهْلِ بَيْتِي ويُجَدِّدُونَ الْعَزَاءَ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ، فَإِذَا كَانَ الْقِيَامَةُ تَشْفَعِينَ أَنْتِ لِلنِّسَاءِ وأَنَا أَشْفَعُ لِلرِّجَالِ، وكُلُّ مَنْ بَكَى مِنْهُمْ عَلَى مُصَابِ الْحُسَيْنِ أَخَذْنَا بِيَدِهِ وأَدْخَلْنَاهُ الْجَنَّةَ. يَا فَاطِمَةُ! كُلُّ عَيْنٍ بَاكِيَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا عَيْنٌ بَكَتْ عَلَى مُصَابِ الْحُسَيْنِ فَإِنَّهَا ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ بِنَعِيمِ الْجَنَّةِ([16]).

وفي رواية أخرى، روي عن الصادق، أنّه قال: إِنَّ زَيْنَ الْعَابِدِينَ بَكَى عَلَى أَبِيهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً صَائِماً نَهَارَهُ قَائِماً لَيْلَهُ، فَإِذَا حَضَرَ الْإِفْطَارُ جَاءَهُ غُلَامُهُ بِطَعَامِهِ وشَرَابِهِ فَيَضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيَقُولُ: كُلْ يَا مَوْلَايَ، فَيَقُولُ: قُتِلَ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ جَائِعاً قُتِلَ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ عَطْشَاناً، فَلَا يَزَالُ يُكَرِّرُ ذَلِكَ ويَبْكِي حَتَّى يُبَلَّ طَعَامُهُ مِنْ دُمُوعِهِ ثُمَّ يُمْزَجُ شَرَابُهُ بِدُمُوعِه،ِ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ عَزَّ وجَلَّ. وَحَدَّثَ مَوْلًى لَهُ أَنَّهُ بَرَزَ يَوْماً إِلَى الصَّحْرَاءِ، قَالَ: فَتَبِعْتُهُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَجَدَ عَلَى حِجَارَةٍ خَشِنَةٍ فَوَقَفْتُ وأَنَا أَسْمَعُ شَهِيقَهُ وبُكَاءَهُ، وأَحْصَيْتُ عَلَيْهِ أَلْفَ مَرَّةٍ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حَقّاً حَقّاً لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعَبُّداً ورِقّاً لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِيمَاناً وصِدْقاً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ وإِنَّ لِحْيَتَهُ ووَجْهَهُ قَدْ غَمَرَ بِالْمَاءِ مِنْ دُمُوعِ عَيْنَيْهِ. فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي! أَمَا آنَ لِحُزْنِكَ أَنْ يَنْقَضِيَ ولِبُكَائِكَ أَنْ تَقِلَّ؟ فَقَالَ لِي: وَيْحَكَ إِنَّ يَعْقُوبَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ كَانَ نَبِيّاً ابْنَ نَبِيٍّ، كَانَ لَهُ اثْنَا عَشَرَ ابْناً فَغَيَّبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَاحِداً مِنْهُمْ فَشَابَ رَأْسُهُ مِنَ الْحُزْنِ واحْدَوْدَبَ ظَهْرُهُ مِنَ الْغَمِّ وذَهَبَ بَصَرُهُ مِنَ الْبُكَاءِ وابْنُهُ حَيٌّ فِي دَارِ الدُّنْيَا، وأَنَا فَقَدْتُ أَبِي وأَخِي وسَبْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي صَرْعَى مَقْتُولِينَ؛ فَكَيْفَ يَنْقَضِي حُزْنِي ويَقِلُّ بُكَائِي؟!([17]).

وجاء في رواية أخرى: أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ دَخَلَ يَوْماً إِلَى الْحَسَنِ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ بَكَى. فَقَالَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: أَبْكِي لِمَا يُصْنَعُ بِكَ. فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: إِنَّ الَّذِي يُؤْتَى إِلَيَّ سَمٌّ يُدَسُّ إِلَيَّ فَأُقْتَلُ بِهِ ولَكِنْ لَا يَوْمَ كَيَوْمِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، يَزْدَلِفُ إِلَيْكَ ثَلَاثُونَ أَلْفَ رَجُلٍ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ مِنْ أُمَّةِ جَدِّنَا مُحَمَّدٍ ويَنْتَحِلُونَ دِينَ الْإِسْلَامِ، فَيَجْتَمِعُونَ عَلَى قَتْلِكَ وسَفْكِ دَمِكَ وانْتِهَاكِ حُرْمَتِكَ وسَبْيِ ذَرَارِيكَ ونِسَائِكَ وانْتِهَابِ ثِقْلِكَ، فَعِنْدَهَا تَحِلُّ بِبَنِي أُمَيَّةَ اللَّعْنَةُ وتُمْطِرُ السَّمَاءُ رَمَاداً ودَماً، ويَبْكِي عَلَيْكَ كُلُّ شَيْ‏ءٍ حَتَّى الْوُحُوشِ فِي الْفَلَوَاتِ والْحِيتَانِ فِي الْبِحَارِ([18]).

وفي رواية أخرى، قال معاوية بن وهب: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، إِذْ جَاءَ شَيْخٌ قَدِ انْحَنَى مِنَ الْكِبَرِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ ورَحْمَةُ اللَّهِ يَا شَيْخُ، ادْنُ مِنِّي فَدَنَا مِنْهُ وقَبَّلَ يَدَهُ وَبَكَى. فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَمَا يُبْكِيكَ يَا شَيْخُ؟ قَالَ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ! أَنَا مُقِيمٌ عَلَى رَجَاءٍ مِنْكُمْ مُنْذُ نَحْوٍ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ، أَقُولُ: هَذِهِ السَّنَةَ وهَذَا الشَّهْرَ وهَذَا الْيَوْمَ ولَا أَرَاهُ فِيكُمْ فَتَلُومُنِي أَنْ أَبْكِيَ. قَالَ فَبَكَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا شَيْخُ! إِنْ أُخِّرَتْ مَنِيَّتُكَ كُنْتَ مَعَنَا وَإِنْ عُجِّلَتْ كُنْتَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ ثَقَلِ رَسُولِ اللَّهِ. فَقَالَ الشَّيْخُ: مَا أُبَالِي مَا فَاتَنِي بَعْدَ هَذَا يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يَا شَيْخُ! إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللَّهِ الْمُنْزَلَ وعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي تَجِي‏ءُ وأَنْتَ مَعَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ثُمَّ قَالَ: يَا شَيْخُ! مَا أَحْسَبُكَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ. قَالَ: لا. قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ؟ قَالَ: مِنْ سَوَادِهَا، جُعِلْتُ فِدَاكَ. قَالَ: أَيْنَ أَنْتَ مِنْ قَبْرِ جَدِّيَ الْمَظْلُومِ الْحُسَيْنِ؟ قَالَ: إِنِّي لَقَرِيبٌ مِنْهُ. قَالَ: كَيْفَ إِتْيَانُكَ لَهُ؟ قَالَ: إِنِّي لآتِيهِ وأُكْثِرُ. قَالَ: يَا شَيْخُ! ذَاكَ دَمٌ يَطْلُبُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مَا أُصِيبَ وُلْدُ فَاطِمَةَ ولَا يُصَابُونَ بِمِثْلِ الْحُسَيْنِ، ولَقَدْ قُتِلَ فِي سَبْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ نَصَحُوا لِلَّهِ وصَبَرُوا فِي جَنْبِ اللَّهِ فَجَزَاهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ جَزَاءِ الصَّابِرِينَ، إِنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ ومَعَهُ الْحُسَيْنُ ويَدُهُ عَلَى رَأْسِهِ يَقْطُرُ دَماً، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! سَلْ أُمَّتِي فِيمَ قَتَلُوا ابْنِي؟ وقَالَ: كُلُّ الْجَزَعِ والْبُكَاءِ مَكْرُوهٌ سِوَى الْجَزَعِ والْبُكَاءِ عَلَى الْحُسَيْنِn([19]).

*   *     *

الهوامش


(*) أستاذ في الحوزة العلمية في مدينة قم، وناقد في مجال علوم الحديث والتراث.

[1] ــــ محمد بن جعفر المشهدي، المزار الكبير: 501، تحقيق: جواد القيومي الإصفهاني، قم، قيوم، 1419ﻫ.

[2] ــــ راجع: رواية مسمع كردين عن الإمام الصادق، ورواية بكر بن محمد الأزدي، في بحار الأنوار 44: 283، 289.

[3] ــــ راجع: رواية ابن مسرور عن الإمام الرضا في بحار الأنوار 44: 283.

[4] ــــ بحار الأنوار 45: 148.

[5] ــــ الحسني، الموضوعات في الآثار والأخبار: 170 ـ 173، عرض ودراسة، بيروت، دار التعارف للمطبوعات، 1365.

[6] ــــ المصدر نفسه: 170.

[7] ــــ المصدر نفسه: 173.

[8] ــــ البهبودي، هامش بحار الأنوار 44: 293.

[9] ــــ بحار الأنوار 44، هامش ص293.

[10] ــــ محمد حسين الحسيني الطهراني، روح مجرّد: 84، ط1، طهران، حكمت، 1414ﻫ.

[11] ــــ المصدر نفسه: 91.

[12] ــــ أبو القاسم علي بن موسى الحلّي الحسني، ابن طاووس، الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة: 583، تحقيق: جواد القيومي، ط1، قم، دفتر تبليغات اسلامي، 1414ﻫ.

[13] ــــ بحار الأنوار 44: 280.

[14] ــــ المصدر نفسه: 291.

[15] ــــ المصدر نفسه: 280.

[16] ــــ المصدر نفسه: 292، 293.

[17] ــــ المصدر نفسه 45: 149.

[18] ــــ المصدر نفسه: 218.

[19] ــــ المصدر نفسه: 313، ح14.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً