أحدث المقالات

منارةٌ أحسائيّة عالميّة ثالثة في مجال الكتب والمؤلِّفين

ـ القسم الأوّل ـ

د. محمد بن جواد الخرس(*)

مقدّمة

قد تنغمر الأحساء عن الحضور العالمي في مجال البحث والتأليف. لكنْ كما هو قدرها هذا، فقدرها أيضاً أن تنجب من فلذات كبدها علماء أجلاّء تذكِّر العالم بأنها، على الرغم من رحمها العلمي الكبير ـ درساً وتدريساً ـ، تضمّ من العلماء البحّاثة مَنْ تضيق بهم دائرتها العلمية الرحبة، ولا يتّسع لها غير العالم، بشرقه وغربه، وقدرها أيضاً أن تكون هذه الفلذات تباعد بها السنون؛ لتكون على مدار كلّ قرنين إلى ثلاثة قرون تقريباً. فقد كان في سالف أيامها الشيخ محمد بن أبي جمهور الأحسائي(838هـ ـ 1433م / ما بعد 906هـ ـ 1501م)؛ ومن بعده الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي(1166هـ ـ 1752م / 1241هـ ـ 1825م). وهذا هو الشيخ الفضلي(1354هـ ـ 1935م / 1434هـ ـ 2013م) يودِّع الدنيا إلى مثواه الأخير. وبين هؤلاء الثلاثة قواسم مشتركة، ميّزها العديد من العرب والعجم، بل وصدى أعمالهم أدركها العديد من الغرب بعد ذلك. فكلٌّ منهم ضاقت دائرة بلاده عن استيعاب طموحه وأفكاره وإبداعاته، لتحتضنها الفضاءات العالمية، مسجِّلة صوتاً أحسائياً جديراً بالتقدير والاحترام، بل وتلحّ عليه في الطلب بطرح المزيد من المؤلَّفات والبحوث. وذلك ليس في ندرةٍ من أمثالهم من الباحثين في أنحاء العالم، وإنّما للموسوعية التي أدركتها عقولهم، واتسعت لها صدورهم، حتّى بات العالم بأسره همّاً من همومهم، وللترابية، والنزاهة، والتقوائية، والخلق الرفيع الذي يزاوج بين العلم ـ كعالم ـ والإنسانية والخلق الرفيع ـ كفرد يرفض أن يعامَل بأكثر ممّا يستحقه كإنسان ـ.

لم تتح لي الفرصة أن أعيش تجربة الشيخ ابن أبي جمهور الأحسائي، ولا الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي. ولا أزعم أنّي عشتُ تجربة الشيخ الفضلي. ولكنْ من المؤكَّد أنّي عشتُ بعضاً منها. ما جعلني أتحدَّث عنه بكلّ اطمئنان في ما سأدوِّنه من مشاهدات عشتُها، أو حديثٍ أسرني به في بعض اللقاءات التي تكرَّرت على مدار ثمانية عشر سنة تقريباً، أو أحداثٍ دارت من حوله فرأيتُ كيف يتعاطى ويتفاعل معها، أو مواقف صرّح بها لي مَنْ خالطوه واستفادوا من علمه وتجربته.

تُرى مَنْ هم أولئك الثلاثة؟ ابن أبي جمهور، وابن زين الدين، والفضلي.

وبحكم اقترابي المحدود من تجربة الشيخ الفضلي أرى من الملائم أن أطرح عدّة تساؤلات سأجيب عليها. ومن المؤكد أن من المعاصرين أمثالي مَنْ لديهم من المعلومات الجديرة بالتدوين والنشر. ودوري هنا هو تدوين مشاهداتي، على أمل أن تُضاف إلى ما تمّ تدوينه بالفعل من خلال الكتب التي صدرت حول تجربته، وما سيدوَّن لاحقاً، ما يشكِّل في مجموعه صورةً معبِّرة قريبة من واقعه، نحفظها لجيلنا المعاصر والقادم بإذن الله.

وتساؤلاتي التي سأطرحها هي: ما أبرز سماته التي جعلته يحظى بهذا القبول العالمي بين معاصريه؟ ولكونه حقَّق هذا الحضور أليس من المناسب استنساخ امتياز تجربته الكتابية في بُعْدها الفني، كمهارات وآليات اعتمدها فوصل إلى ما وصل إليه؟ ولكنْ هل من الممكن تحقيق ذلك؟ وهل اقتصرت تجربة الشيخ الفضلي في مجال الكتابة على العناية بنفسه، أم أن عشقه لعالم الكتاب والكتابة عزله عن الاهتمام بإنجازات الآخرين في مجال التأليف، أم على العكس من ذلك جعل المؤلِّفين جزءاً من دائرة اهتمامه، ومنحهم من التقدير والتفرُّغ كما لو كانت كتبهم التي أنجزوها قد أفرغَتْها قريحته، فاحتفى بها ومنحها من الاهتمام الشيء الكثير، ولو كان ذاك على حساب وقته وصحته؟

وأخيراً ـ بعد قراءة هؤلاء الأعلام الثلاثة ـ ما هي المحاور التي جمعتهم في ما كتبوا، حتّى صاروا أرقاماً عالمية، ومثَّلوا رحم الأحساء العلمي خارج وطنهم؟

هذه الأسئلة وغيرها سيتمّ الإجابة عنها في سطور هذه المقالة، التي سأتعاطى مفرداتها بلغةٍ مباشرة، لا أستطيع أن أغيِّب فيها مشاعري، وأنا في أيّام عزاء الشيخ الدكتور عبد الهادي الفضلي& كفاقدٍ خسر الشيء الكثير برحيل هذه المفخرة النجفية الشيعية. لكنْ ماذا نقول وريب المنون ذو غِيَر، ولم يعوِّدنا غير انثلام أوعية العلم عبر الزمان؟!

أما إجابات تلك التساؤلات التي طرحتها فستكون عبر المباحث التالية:

المبحث الأول: التعريف بالأعلام الثلاثة: ابن أبي جمهور، وابن زين الدين، والفضلي.

المبحث الثاني: اهتمام الشيخ الفضلي بالتأليف، والمؤلِّفين.

المبحث الثالث: مدى إمكانية استنساخ تجربة الشيخ الفضلي في البحث والتأليف.

المبحث الرابع: القواسم المشتركة التي جمعت ابن أبي جمهور وابن زين الدين والفضلي.

 

المبحث الأول: التعريف بالأعلام الثلاثة: ابن أبي جمهور، وابن زين الدين، والفضلي

وسيتمّ تناول هذا المبحث عبر المطالب الثلاثة التالية:

المطلب الأول: الشيخ محمد أبي جمهور الأحسائي.

المطلب الثاني: الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي.

المطلب الثالث: الشيخ عبدالهادي الفضلي.

 

1ـ الشيخ محمد بن أبي جمهور الأحسائي

ابن أبي جمهور ليس غريباً على صفحات كتب الأحسائيين، فقد تمَّتْ ترجمته من قبل العديد منهم. ومن أسبقها نشراً ما سطَّره الشيخ الدكتور عبد الهادي الفضلي في دائرة المعارف الإسلامية الشيعية، للسيد حسن الأمين، تحت مادة «أحساء». وللشيخ موسى عبد الهادي بو خمسين كتاب بعنوان: «الشيخ ابن أبي جمهور، قدوة العلم والعمل»، وهو من بواكير الأعمال الأحسائية التي صدرت على هيئة كتب موسّعة عن شخصيات علمائها. كما ترجمت له في كتابي «فقهاء الأحساء»، المنشور عام 1415هـ، كفقيهٍ أحسائي. وفي طور الإعداد ترجمةٌ مفصَّلة من قبل السيد هاشم الشخص، في نسخته الجديدة لكتابه المعروف بـ «أعلام هجر». كما أن الأمل الكبير في التعريف العملي بإنجازات الشيخ العلمية معقودٌ على ناصية جمعية ابن أبي جمهور الأحسائي لإحياء التراث؛ بحكم أنها مؤسّسة متخصِّصة في مجال إحياء تراث أعلام الأحساء بشكلٍ عام. وهي في مرحلتها الراهنة متفرِّغة لأعمال الشيخ ابن أبي جمهور بشكلٍ خاص؛ لطباعة كتبه، والتعريف بكلّ ما يتّصل به من كتبٍ دونها، وما كُتب عنه من دراساتٍ بشتّى لغاتها.

ولكنْ في مقام التعريف بهذه الشخصية الهامّة في المرحلة الراهنة لم أجد ترجمةً أخصر، ولا أجمل منها على قصرها، كترجمةٍ مكتوبة باللغة العربية، مترجمةٍ عن اللغة الفارسية، قدَّمَتْها لي جمعية الشيخ ابن أبي جمهور المذكورة كبياناتٍ لترجمة الشيخ، وقد صدرت للباحث أحمد رضا رحيمي ريسه، في مقالةٍ بعنوان: «مقدّمة تعريفية على مجموعتين من رسائل ابن أبي جمهور»، كتبها في طهران بتاريخ 22 نوفمبر 2007م. وقد ذكر في مطلعها أنه لا داعي لتكرار الحديث عن حياته؛ نظراً لأن هذا الجانب تمّ إنجازه على يد البروفسور «زابينه شميتكه» في كتاب صدر عام 1379م. ونظراً لجمال التفاعل مع هذه الشخصية الأحسائية التي جلبت إليها اهتمام علماء وكتّاب من الغرب والشرق غير أحسائيّين، ولم يجمعهم به غير الأنس بجمال الإنجاز، والوفاء لابن أبي جمهور كعالمٍ، عليه سأورد نصّها بقلم رحيمي: «ولد ابن أبي جمهور الأحسائي حوالي سنة (838هـ ـ 1433م) في منطقة الأحساء، في أسرةٍ علمية. وأنهى دراسته التمهيدية في مسقط رأسه. وتتلمذ على يد والده. توجّه بعدها إلى النجف لإكمال الدراسة، فانتهل من فَيْض أساتذتها، ولا سيَّما أستاذه شرف الدين حسن بن عبد الكريم الفتّال. وبعد فترة من اغترافه العلم من علماء النجف توجَّه إلى مكّة وزيارة مدينة الرسول والبقيع. زار قبلها الشيخ علي بن هلال الجزائري في منطقة كرك نوح؛ بغية الاستفادة منه، ومكث هناك شهراً. توجه بعدها سنة 877هـ ـ 1472م للحجّ. عاد بعدها إلى مسقط رأسه؛ لزيارة الأهل والأقارب. واتَّجه بعدها صوب العراق، ثم إلى مشهد؛ لزيارة مرقد الإمام عليّ بن موسى الرضا. وخلال توجُّهه إلى مشهد ألَّف رسالة «زاد المسافرين في أصول الدين». ولقد جعل ابن أبي جمهور من مشهد منطلقاً لتدريسه وتأليفه، وكان يأنس بآراء تلميذه السيد محسن بن محمد الرضوي القمّي(931هـ ـ 1524م)، وغالباً ما كان قاطناً في منزله، وكانت له مناظراتٌ مع علماء أهل السنّة.

انتهز ابن أبي جمهور كلّ فرصةٍ سانحة لزيارة المدن الأخرى. وكان يشير إلى محل التأليف في مؤلَّفاته. ويمكن التعرف على سيرته على وجه الإجمال، من سنة 890هـ ـ 1485م وما بعد. في شهر شعبان 893هـ (حزيران 1488م)، وأثناء وجوده في الأحساء، ألَّف ابن أبي جمهور رسالة «النور المنجي من الظلام»، وهي حاشية على كتاب «مسالك الإفهام». وفي شهر جمادى الأولى 898هـ (آذار 1493م) قطن الأحسائي قلفان أو قلقان (من ضواحي إسترآباد). وفي ذي الحجة من تلك السنة صدر عنه إجازتان. وفي 25 ذي القعدة 904هـ (4 حزيران 1499م) أنهى آخر مؤلَّفاته، وهو «شرحٌ للباب الحادي عشر للعلاّمة الحلّي» في المدينة المنوّرة. وآخرُ آثار ابن أبي جمهور الأحسائي إجازةٌ للشيخ علي بن قاسم العذاقة، بتاريخ الجمعة 9 رجب 906هـ (29 كانون الثاني 1501م)، كتبَتْ في الحلّة. واستناداً إلى هذا فإن تاريخ وفاة الأحسائي يكون ما بعد سنة 906هـ ـ 1500م. ولابن أبي جمهور أكثر من خمسين مؤلَّفاً في الكلام، والمنطق، والفلسفة، والعرفان، وأصول الفقه، والفقه، وعلوم الحديث، و12 إجازة. وآثاره المطبوعة وغير المطبوعة مدرجة في فهرسٍ كامل نسبيّاً، ولا داعي لتكرارها.

أهمّ المقالات والمؤلَّفات التي نشرت عن ابن أبي جمهور وفق التسلسل السنوي ما يلي:

ـ في عام 1356هـ ـ 1977م صدرت مقالة لـ «ويلفرد مادلونغ»، بعنوان: امتزاج علوم الكلام والفلسفة والتصوف عند ابن أبي جمهور.

ـ في عام 1403هـ ـ 1982م صدر كتابٌ بعنوان: «مدخل ابن ابي جمهور»، تأليف «ويلفرد مادلونغ».

ـ في عام 1403هـ ـ 1983م صدرت مقالةٌ لـ شهاب الدين المرعشي النجفي، بعنوان: «الردود والنقود في عوالي اللآلي»، في الجزء الأول من الكتاب المذكور.

ـ في عام 1409هـ ـ 1989م صدرت مقالةٌ بعنوان: مدخل ابن ابي جمهور، في دائرة المعارف «بزرگ إسلامي»، في الجزء الثاني، صفحة 634 ـ 637.

ـ في عام 1413هـ ـ 1993م صدر كتابٌ بعنوان: الشيخ ابن أبي جمهور، قدوة العلم والعمل، للشيخ موسى الهادي (بو خمسين)، بيروت.

ـ في عام 1416هـ ـ 1996م صدرت مقالةٌ بعنوان: مدخل ابن أبي جمهور، تأليف Todd Lawson، في دائرة المعارف إيرانيكا، المجلد 7، صفحة 662 ـ 663.

ـ في عام 1417هـ ـ 1997م صدرت مقالةٌ للبروفسور زابينه شميتكه حول تأثير شمس الدين الشهرزوري على أفكار ابن أبي جمهور.

ـ في عام 1420هـ ـ 2000م صدرت رسالةٌ مفصَّلة عن حياة ابن أبي جمهور، وأفكاره، ومؤلَّفاته، باللغة الألمانية، للبروفسور زابينه شميتكه، تحت عنوان: «الكلام والفسلفة والعرفان عند الشيعة الاثنا عشرية في المئة الهجريّة التاسعة القرن الخامس عشر الميلادية: أفكار ابن أبي جمهور الأحسائي، ليدن، بريل 2000م». وقد كتبت هذه الرسالة، المعروفة بـ Habilitation؛ للحصول على شهادة البروفسورية، وتشتمل على فصول وملحقين»([1]).

هذا وقد وافاني السيد علي باقر الموسى، عضو جمعية ابن أبي جمهور الأحسائي لإحياء التراث، بأحدث الدراسات التي تمَّتْ عن ابن أبي جمهور الأحسائي، وهي كما يلي:

ـ في بداية الألفية الثالثة الميلادية صدر كتاب بعنوان: «الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية في عصر ابن أبي جمهور الأحسائي، للكاتب رضا يحي پور فارمد، من إيران([2]).

ـ في عام 1428هـ ـ 2007م صدرت مقالةٌ بعنوان: «مقدّمة تعريفية على ثلاث رسائل لابن أبي جمهور»، للكاتب أحمد رضا رحيمي ريسه، من إيران([3]).

ـ في عام 1429هـ ـ 2008م صدرت مقالةٌ بعنوان: الصلة بين التصوُّف والتشيُّع، للدكتور كامل مصطفى الشيبي([4]).

ـ في 1432هـ ـ 2011م صدرت مقالةٌ بعنوان: «الإبداع الفقهي والأصولي لابن أبي جمهور الأحسائي»، للشيخ حسين صالح العايش البراك، من الأحساء في المملكة العربية السعودية([5])، وأحد أساتذة البحث الخارج في الحوزة العلمية بالأحساء. وقد أفصح فيها عن علم الشيخ وإبداعاته بقوله: «فهمه الدقيق للأصول ودقّته في الفقه صيَّراه كالشمس في رابعة النهار. لقد أبدع يرحمه الله في هذين العلمين، بما جعل أدقّ الأبحاث في الأصول والفقه ترتبط بنظريّاته التي استلَّها من الروايات عن النبي| والأئمّة الهداة^». هذا وقد أصَّل الشيخ العايش في مقالته تلك إسهامات ابن أبي جمهور في مجال الفقه والأصول، حيث أوضح أن الشيخ ابن أبي جمهور الأحسائي قدَّم قاعدة أسماها «الجمع مهما أمكن أَوْلى من الطرح»، وأن هذه القاعدة أسهمَتْ إسهاماً كبيراً في علم الأصول، وفتحت آفاق رحبة؛ بما ترتَّب عليها من أبحاث علمية ومناقشات، بلورت نظرياتٍ، كنظرية الحكومة، والورود، وفهم قواعد الجمع العرفي، والضوابط بينه وبين الجمع التبرُّعي، لفهم استنباط الحكم الفقهي من الروايات. وقد أشار إلى أن ما وصل إليه الفقه الأصولي على يد الشيخ الأنصاري ترتَّب على نظرية ابن أبي جمهور المذكورة. وأصََّل هذا التوجُّه وما يدور حول نظرية ابن أبي جمهور من كتاب «فرائد الأصول» للشيخ الأنصاري، وما ورد في كتاب «زبدة الأصول» للسيد الروحاني، و«منتهى الدراية» للسيد محمد جعفر الشوشتري. هذا من جانب. ومن جانبٍ آخر تابع أثر الشيخ على الصعيد الفقهي، من حيث تحوّل عددٍ من الروايات التي أوردها في كتابه «غوالي اللآلي» إلى قواعد فقهية في البحوث الاستدلالية لدى الفقهاء، من بعد صدور هذا الكتاب. وتلك القواعد ما يلي:

1ـ قاعدة «الناس مسلَّطون على أموالهم». وقد علّق الشيخ العايش على الرواية بأن العلاّمة المجلسي رواها في المجلد الثاني من البحار عن غوالي اللآلي. وهي وإنْ كانت مرسلة لكنّها مجبورة بعمل الأصحاب قديماً وحديثاً، واستنادهم إليها في مختلف أبواب الفقه. هذا فضلاً عن أن الرواية هي في الأساس مسندةٌ، غير أن كثيراً من الفقهاء والأصوليين تصوَّروا أنها مرسلة؛ لأن ابن أبي جمهور حذف الأسانيد وجمعها في مشيخةٍ، بمعنى أنه لم يذكر السند لكلّ رواية رواية، وإنما اكتفى بذكر أسانيده بنحوٍ عامّ، كما هو مذكور في الغوالي. و يعلِّق الشيخ العايش أيضاً أن الفقهاء لم يستشكل أحدٌ منهم في العمل بالرواية، وأرسلوها إرسال المسلَّمات؛ إما لما تقدَّم من العمل بها؛ وإما لأنها مسندةٌ عن النبي|. بالإضافة إلى كونها منسجمة مع الفطرة، ومتّفقة مع العقل.

2ـ قاعدة «الميسور لا يسقط بالمعسور». وهي أيضاً من القواعد الفقهية التي يكاد ينحصر دليلها بابن أبي جمهور. وقد نقلها المحقق الأشتياني في تعليقاته في كتابه القواعد الفقهية عن غوالي اللآلي.

3ـ قاعدة «إقرار العقلاء على أنفسهم». وقد ذكر الشيخ العايش أنّه ينحصر مدرك هذه القاعدة بالرواية المشهورة المستفيضة أو المتواترة عن النبي|، والتي يرويها ابن أبي جمهور فقط. وقد تلقّاها العلماء بالقبول؛ لكونها من المسلَّمات في المعنى، ذلك أن العاقل لا يقرّ على نفسه بضررٍ إلاّ لكونه يتَّصف بالصدق، ويخاف الحقَّ تعالى، ويحذر الآخرة. نعم، قد يقرّ العاقل على نفسه من أجل الخديعة للغير، أو يحصل على شيءٍ أعظم وأكبر، أي لمآرب أخرى، غير أن ذلك قليلٌ أو نادر لا يلتفت إليه العقلاء؛ ليؤثِّر على حجّية القاعدة الثابتة برواية ابن أبي جمهور. وقد نقل ما أفاد به السيد البجنوردي في كتابه «القواعد الفقهية» حول هذه القاعدة، من حيث إن القاعدة لا إشكال في جريانها.

4ـ حديث «صلُّوا كما رأيتموني أصلّي». وقد أورد الشيخ العايش أحد عشر مورداً ممّا استدل بها الشيخ الجواهري في كتابه «جواهر الكلام». كما أورد ما استدلّ به المجدِّد الشيرازي في تقريراته، وكذلك آقا رضا الهمداني في كتابه «مصباح الفقيه»، وكذلك المحقِّق اليزدي صاحب العروة الوثقى في «حاشيته على المكاسب» للشيخ الأنصاري.

هذا وقد سبق لي أن دعوت في إحدى اللقاءات العلمية، وكانت متعلِّقة بأصول البحث العلمي، في جمعٍ من الباحثين والمهتمّين بالعلوم الشرعية، وذلك في تاريخ 1 ـ 7 ـ 1431هـ، إلى ضرورة إعداد دراسة حول كتاب «غوالي اللآلي» ودوره في تحديث موادّ الاستدلال الفقهي بعد صدوره. على أن يتمّ اختبار ثلاث فرضيات يتمّ من خلالها التأكُّد من صحّة ذلك أو عدمه. ويتم خلال هذا البحث المقترح الوقوف على موارد الاستدلال في الدورات الفقهية التي صدرت على أيدى علماء الإمامية، ووجهات النظر حيالها، وعن مدى إمكانية جريان تلك القواعد، وفي ما لا يصحّ جريانها، وغيرها من البحوث المتعلِّقة بها، على أن تكون الفرضيات المقترَحة كما يلي:

الأولى: إن البحوث الاستدلالية الفقهية قبل صدور كتاب غوالي اللآلي لم يرِدْ فيها استدلالٌ بالقواعد الثلاث: «الناس مسلَّطون على أموالهم»، «الميسور لا يسقط بالمعسور»، «إقرار العقلاء على أنفسهم»، وحديث «صلّوا كما رأيتموني أصلّي».

الثانية: إن البحوث الاستدلالية الفقهية بعد صدور كتاب غوالي اللآلي استدلّت برواياتٍ رواها الشيخ ابن أبي جمهور، وتحوَّلت بعد ذلك إلى قواعد فقهية، وتلك القواعد هي: «الناس مسلَّطون على أموالهم»، «الميسور لا يسقط بالمعسور»، «قاعدة إقرار العقلاء على أنفسهم».

الثالثة: إن حديث «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» لم يتم توظيفه في البحوث الاستدلالية الفقهية، إلاّ بعد صدور كتاب غوالي اللآلي.

 

2ـ الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي

الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي له سيرةٌ عطرة، طويلةُ المسار، إذا عدَّتْ بسير المؤسّسات والمراكز البحثية المتخصِّصة، قصيرةٌ وضيقةٌ إذا عُدَّت بإنجاز الأفراد.

ولد عام (1166هـ ـ 1752م)، وتوفي عام (1241هـ ـ 1825م)، في قرية هدية بالقرب من المدينة المنورة، ودفن في البقيع الغرقد، خلف قبور الأئمّة الأربعة^ عند الجدار. كتب ما يربو على 173 كتاباً ورسالة، بحسب إحصاء السيد هاشم الشخص لها في كتابه «أعلام هجر». وأساتذته ثمانية، هم: الشيخ محمد بن الشيخ محسن الأحسائي القريني، والشيخ عبد الله بن حسن بن علي الدندن الأحسائي، والسيد قطب الدين محمد الحسيني التبريزي الشيرازي، ، والآغا محمد باقر الوحيد البهبهاني، والسيد علي الطباطبائي صاحب الرياض، والسيد ميرزا مهدي الشهرستاني، والشيخ جعفر كاشف الغطاء النجفي، والسيد مهدي محمد بحر العلوم. وأجازه في الرواية تسعة علماء، هم: السيد محمد مهدي الطباطبائي (بحر العلوم)، والسيد علي الطباطبائي صاحب كتاب «الرياض»، والشيخ جعفر كاشف الغطاء، والسيد ميرزا مهدي الشهرستاني، والشيخ أحمد الدمستاني، والشيخ حسين آل عصفور، والشيخ موسى بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء، والشيخ أحمد آل عصفور، والشيخ محمد عبد الجبار القطيفي. والشيخ الأحسائي بدوره أجاز ما يقارب من 23 عالماً، من أبرزهم: الشيخ محمد حسن النجفي(1266هـ) صاحب الجواهر، والسيد عبد الله شبر الحسيني تلميذ الشيخ الأحسائي، والشيخ محمد إبراهيم بن محمد حسن الكرباسي(1262هـ) صاحب الإشارات، والسيد محسن بن السيد حسن الأعرجي الكاظمي تلميذ الأحسائي أيضاً، والشيخ أسد الله بن إسماعيل التستري الكاظمي الأنصاري(1234هـ) صاحب المقاييس، وذلك حَسْب مصادر السيد هاشم الشخص([6]). وزادها السيد معين الحيدري إلى 37 عالماً استجازوا الشيخ([7]). وكما أن الشيخ محمد بن أبي جمهور الأحسائي كان موضعاً لاهتمام الكتّاب الأحسائيين أنفسهم، كذلك الشيخ أحمد الأحسائي. ولعل باكورة التراجم في شأنه لابنه الشيخ عبد الله، وإنْ لم تصدر كتابات أو مؤلَّفات في شأنه في ذلك التاريخ، غير الترجمة المذكورة لابنه. إلاّ أن ذكره لم ينقطع عن الألسن، ولم تخْلُ منه مجالس العلم في الأحساء، ولا سيَّما إذا كان الكلام في العقائد و الحكمة الإلهية؛ حيث كتبه وكتب تلامذته موضع درسٍ واهتمام، بل تسرَّبت أفكاره إلى المجالس الحسينية، كما هو ملاحظ في كتاب الشيخ محمد بن حسين بوخمسين(1316هـ) (مقرح القلوب ومهيج الدمع المسكوب)([8])، الذي كتبه على هيئة مجالس حسينية ليقرأ في الحسينيات آنذاك على الحضور، في تلك المجالس التي يؤمّها الكبير والصغير من كافّة فئات المجتمع المتعلِّم والأمّي. ويعتبر الشيخ محمد من أبرز علماء الأحساء الذين أخذوا منهج الشيخ أحمد في الحكمة الإلهية. وقد اصطبغ كتابه المذكور بالعديد من مفاهيمها. وقد اطَّلعت على الكتاب ومفاهيمه، خلال تحقيقي لكتابه، عندما كنتُ بصدد البحث عن تاريخ تطوّر الأغراض الخطابية في المنبر الحسيني: الأحساء في المملكة العربية السعودية حالة دراسية([9]). وهكذا ظلّ الشيخ أحمد بن زين الدين موضع اهتمامهم جيلاً بعد جيل، كيف لا وهو مفخرة الأحساء إذا فاخرت البلدان بفلذات أكبادها. وممَّنْ عرَّف به من الأحسائيين المعاصرين كلٌّ من: الشيخ الدكتور عبد الهادي الفضلي في «دائرة المعارف الإسلامية الشيعية»، للسيد حسن الأمين، تحت مادة «أحساء». وترجم له الشيخ جواد الرمضان في كتابه «مطلع البدرين في تراجم علماء وأدباء الأحساء والقطيف والبحرين»([10]). وأما السيد هاشم الشخص فقد كتب عنه ترجمةً موسَّعة في كتابه «أعلام هجر»([11]). وقد كتبت عنه ترجمةً في كتابي «فقهاء الأحساء». كما كتب فيه الشيخ عبد المنعم العمران كتاباً بعنوان: «بصائر في حكمة الشيخ أحمد الأحسائي». كما كتب فيه الشيخ عبدالجليل الأمير كتاباً بعنوان: «فكر ومنهج: دراسة تحليلية حول فكر ومنهج مدرسة الشيخ أحمد الأحسائي». وللأستاذ حسن بن محمد الشيخ دراسةٌ موضوعية بعنوان: «آخر الفلاسفة»([12]). وثنّاها بدراسةٍ موضوعية أخرى قارن فيها بين ابن رشد القرطبي وابن زين الدين الأحسائي، في كتاب بعنوان: «فيلسوفان ثائران»([13]). ونظم فيه السيد محمد رضا السلمان أرجوزةً شعرية بعنوان: «إشراقة الشمس». وأعدّ فيه الأستاذ أحمد بن عبد الهادي محمد المحمد صالح كتاباً بعنوان: «أعلام مدرسة الشيخ الأوحد في القرن الثالث عشر الهجري»([14]). وثنّى كتابه بمقالةٍ تحت عنوان: «مصادر ترجمة الشيخ أحمد»، وقد أحصى فيها مئةً وعشرين مصدراً في شتّى أصناف المدوَّنات، وذلك في مجلة الواحة في العدد 60 لعام 2010م، شملت الكتب المتخصِّصة في التراجم، في العديد من اللغات: العربية، والفارسية، والإنجليزية، والفرنسية، والأُرْدو، كما شملت دوائر المعارف، والمعاجم، والرسائل العلمية. ولعل من أبرز الجهات الأكاديمية التي اهتمَّتْ بفكر الشيخ أحمد كتاب بعنوان: «نظرة فيلسوف: في سيرة الشيخ الأحسائي والسيد الرشتي»، للفيلسوف الفرنسي هنري كوربان، أستاذ الإسلاميات في كلّية الدراسات العليا في جامعة السوربون([15]).

هذا هو الشيخ في عيون الأحسائيين. وهو حتماً قليل في حقّه، ولكنه إسهام في الاعتراف بجميل إنجازات الشيخ وفضلها. وما كتب عنه من خارج الأحساء أكثر، سواءٌ من بعض دول الخليج العربي، كالكويت، وإيران، والعراق، ولبنان، ومن كتّاب غربيين، من أمريكا وفرنسا. وهو دليلٌ على حضوره العالمي في الوقت الراهن. وسأورد لاحقاً بعض المقتطفات بقلم: السيد محمد حسن الطالقاني، في رسالة ماجستير قدَّمها في الجامعة اليسوعية في لبنان، حيث تمَّتْ مناقشتها بعنوان: «الشيخية: نشأتها، وتطوّرها، ومصادر دراستها». وتقع الرسالة في 409 صفحة، في الجامعة اليسوعية في لبنان عام 1974م([16]).

ومما كتب عن الشيخ في خارج بيئة الأحساء ما يلي:

1ـ تمّت مناقشته رسالة ماجستير، في جامعة المصطفى|، بعنوان: «نظرية إبداع الوجود عند الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي»، قدَّمها الشيخ سامي بو خمسين ـ وهو من الأحساء أيضاً ـ، لكنّ المشرف الأكاديمي عليه من جامعة دمشق في سوريا الدكتور توفيق داوود، والشيخ معين دقيق ـ أستاذ في جامعة المصطفى، فرع دمشق ـ. ومناقشة الرسالة في كلّية الإلهيات في الجهة المذكورة. وتقع الرسالة في 123صفحة([17]).

2ـ نشر الدكتور جوان ر. ي. كول أستاذ التاريخ في جامعة ميشيغان، في الولايات المتحدة الأمريكية، رسالة بعنوان: «رفض الذات: التصوُّف عند الشيخ أحمد الأحسائي»([18]).

3ـ نشر الدكتور محمد علي أمير معزي، أستاذ الدراسات الإسلامية في قسم العلوم الدينية في معهد الدراسات العليا في باريس، دراسةً بعنوان: «غيابٌ يملؤه الحضور: تفسيرات الشيخيّة للغَيْبة»([19]).

4ـ نشر الأستاذ ياسر عبد الله آل خميس مقالةً بعنوان: «ميزان المعرفة لدى المدرستين: الأحسائية؛ والخراسانية»([20]).

5ـ العديد ممّا أحصاه الأستاذ أحمد المحمد صالح في مقالته «مصادر ترجمة الشيخ أحمد الأحسائي» السابقة هي بأقلامٍ من خارج الأحساء.

ونظراً إلى كثرة ما كتب عن الشيخ أحمد الأحسائي، ما يغني عن تكراره في هذه الصفحات، سأورد مصدراً جديداً حديث الطباعة، تحت عنوان: «جوهرة الأحساء وفوارة النور: الشيخ العارف الأوحد وخاتمة الفقهاء والمجتهد المطلق أحمد بن زين الدين الأحسائي»، للسيد معين الحيدري. وقد استوقفني الكتاب لكثرة استقصائه ومتابعته، بدءاً من مجيزي الشيخ ومستجيزيه، ومروراً بعدّة مواضيع سلَّط خلالها المؤلِّف الضوء على عدد من المفاهيم المتعلِّقة بسيرة الشيخ وآرائه، والإشكالات الموجَّهة إلى منهجيته، وناقشها، و مدى قبول الوسط العلمي لآرائه، سلباً وإيجاباً، وذلك تحت 44 عنواناً، ويقع الكتاب في 355 صفحة.

أما ما أفاد به السيد محمد حسن الطالقاني، في رسالة الماجستير التي تقدَّم بها إلى الجامعة (اليسوعية) في لبنان، حيث أوضح فيها مقدار القبول الاجتماعي للشيخ خارج حدود مدينته الأحساء، ولن أستطيع أن أورد جميع ما وصفه من حالاتٍ، لكنْ سأقتطف منها ما يمنح القارئ نظم صورة عن القبول الذي حظي به الشيخ، علماً بأني قد وقفتُ على مصادر أوّلية تحكي مضامين هذه السطور التي سأوردها، بقلم: السيد الطالقاني، في رسالته، حيث يقول فيها: «قضى ـ الشيخ أحمد ـ شهر رمضان في إصفهان، وأُحصي مرّة عدد المصلين خلفه فبلغوا ستّة عشر ألفاً…. وقد أجاز الأحسائي عدد من كبار علماء الشيعة في عصره إجازات مفصلة…. وتصدّر الأحسائي للتدريس في المعقول والمنقول سنين طويلة، وكانت له حوزاتٌ عامرة في كلٍّ من كربلاء والنجف والبصرة وغيرها في المدن العراقية، وفي قزوين ويزد وطهران وإصفهان وكرمانشاه وغيرها من المدن الإيرانية، وفي الأحساء والبحرين وغيرهما من دول الخليج. وقد تخرَّج عليه المئات من العلماء وأهل الفضل. وبلغت به الحال حدّاً إذا هبط مدينة علمية تعطَّلت فيها الدروس والأبحاث، وهرع حُضّارها إلى مجلس درسه؛ ليستفيدوا منه…. وقد روى بالإجازة عن الأحسائي عددٌ من كبار علماء عصره ومشاهيره…. ومؤلّفات الأحسائي كثيرةٌ، والحديث عنها طويلٌ، فقد عاش سبعاً وسبعين سنة، قضى معظمها في عزلةٍ عن الناس، معتكفاً في مكتبته يؤلِّف الرسائل ويجيب على مئات المسائل، ويردّ على مختلف الاعتراضات، ويصحِّح بعض الأفكار الخاطئة والمفاهيم المغلوطة ـ في رأيه ـ في كتب مَنْ عاصره ومَن ْسبقه من علماء المعقول والمنقول. وقد بارك الله في إنتاجه، فخلَّف ثروةً فكرية ضخمة، شغلت عشرات العلماء الفحول في حياته، وبعد وفاته إلى يومنا هذا، وستبقى كذلك إلى ما شاء الله…. والحقيقة أنه لو لم يكن في مؤلَّفاته فائدة غير ما كتب في نقده والدفاع عنه من كتب قيِّمة وأسفار مهمّة لكفاه فخراً وذخراً. فقد أغنَتْ المكتبة الإسلامية بثروة هائلة، وأمدَّتْها بمصادر عديدة، أوضحت كثيراً من الجوانب الفكرية في الإسلام، ولا سيَّما لدى الشيعة الإمامية. لقد ألَّف الأحسائي في كثيرٍ من العلوم المتداولة في عصره ومحيطه. فقد كتب في الأدب بفروعه، من نحوٍ، وصرف، وبلاغة، ولغة، ومنطق، وعروض، وغيرها، وفي الرياضيات، من حسابٍ، وهندسة، وهيئة، وفلك، وفي الفقه وأصوله، والحديث، والأخلاق، والتاريخ، والحكمة الإلهية، والفلسفة، وعلم الكلام، والعقائد، والموسيقى، والطبّ، والعلوم الغريبة، كالرمل والجفر والكيمياء وغيرها…. تألَّق نجم الأحسائي فتلقَّتْه الأوساط العلمية بقبولٍ حسن، وعرف بغزارة العلم، وسموّ الفكر، وعلوّ الثقافة. وأشير إليه بالأنامل، وأجمع الكلّ على ورعه، وتقواه، وترسُّله، وزهده في الزعامة الدينية، ومتع الحياة كافّة. وأخذ ينتقل بين النجف وكربلاء والكاظمية، فيقضي فيها مدداً طويلة، وكانت فيها يومذاك حوزات دراسية ضخمة، وعلماء أفذاذ. وكانوا يتسابقون إلى زيارته، ويبالغون في احترامه. ولذلك كثر الإقبال عليه، وعظم في نفوس العامّة على اختلاف طبقاتهم، وأخذت رياسته بالتوسُّع، رغم إعراضه عنها، وأوشَكَتْ شهرته أن تغطّي العلماء المعاصرين له.

في إصفهان… أُذيع أن الحوزات العلمية والحلقات الدراسية كافّة قد تعطَّلت، وأن طلابها عامّة سيحضرون درس الشيخ الأحسائي، فحضره ملاّ هادي السبزواري مع مَنْ حضر، ورأى كبار العلماء ومشاهير المدرِّسين، كالشيخ محمد إبراهيم الكرباسي صاحب «الإشارات»، وغيره تحت منبره، وكان يدرِّس الفلسفة والحكمة الإلهية. وقد أجمع العلماءُ قاطبة على زهد الشيخ وتقواه…. وهكذا كانت الحال بالنسبة له في كلّ مدينة دخلها في إيران…، تعظيمٌ لم يشاركه فيه أحدٌ من علماء إيران، وفيهم الفطاحل وذوو البيوت الرفيعة العريقة في الزعامة الدينية. وقد كانوا جميعاً يسارعون إلى استقباله قبل غيرهم، وقبل أن ينتدبوا، ويأتمّون به في الصلاة، ويقدِّمونه على أنفسهم في المناسبات إذا حضر»([21]).

لعلّ هذا حال الشيخ في أيّام حياته، من حيث الحفاوة والتقدير. لكنّه تعرَّض في الوقت ذاته إلى موجةٍ من العداوة الكبيرة في أيّام حياته؛ بسبب العديد من أطروحاته. وأيّاً كانت تلك الممارسة، على الرغم من بشاعتها، لكنّ العبرة بالنتيجة، ألا وهي أنّه؛ بفضل تماسك نظريّته، وانسجامها مع المفاهيم الإسلامية، استطاعَتْ بعض أطروحاته أن تتسرّى إلى الساحة العلمية، ولكنْ من دون ذكر مصدرها، وهو الشيخ الأحسائي. وعلى أقلّ تقدير إنه كان الباعث والمحرّك لها في الساحة العلمية. وهذه المعلومات أُوردها هنا على نحو وجهات نظرٍ نقلتها عن بعض أهل الفضل. وعليه تظلّ في حالة قبولها الأوّلي على نحو الادّعاءات ليس إلاّ، ولكي تتحوّل إلى حقائق ينبغي الانتقال بها إلى منضدة البحث العلميّ، والتعامل معها على نحو الفرضيات؛ ليتمّ إثبات صحتها أو عدمها. وعليه أقترح أن تناقش هذه المدَّعيات على هيئة أطروحات علمية. وتلك المدَّعيات كما يلي:

1ـ «إن تناول المسائل الولائية، والتحقيق في مقامات أهل البيت^، والاجتهاد فيها، لم تعرفها الساحة العلمية، وبالتحديد في إيران، إلاّ بعد أن طرحها الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي». ويستدلّ المدَّعي على ما طرحه  الشيخ الوحيد الخراساني من رؤى في محاضراتٍ تمّ تدوينها من قبل بعض طلاّب العلم في كتاب بعنوان: «مقتطفات ولائية»، وترجمها الشيخ عباس بن نخي، وبإشراف السيد هاشم الهاشمي الكويتي، وتمّ نشر الكتاب في مؤسّسة الإمام للنشر والتوزيع، عام 2010م، في طبعته الثالثة. وعليه فمن الملائم أن يتمّ تتبُّع نشأة مثل هذه الرؤى تاريخياً.

2ـ «إنّ أوّل مَنْ طرح مسألة حكم التقدّم على قبر المعصوم هو الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي». وهي مسألة يناقشها الفقهاء، ولديهم فتاوى حيالها. ومن جملة مَنْ طرحها للبحث الشيخ محمد بن سلمان الهاجري([22]). والمدَّعى هو أن أوّل مَنْ طرح هذه المسألة الشرعية وناقشها هو الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي، وهي الأخرى مسألةٌ تستدعي متابعة تاريخ نشأتها في الرسائل العملية، والبحوث الاستدلالية المكتوبة.

 

3ـ الشيخ عبد الهادي الفضلي

الشيخ عبد الهادي الفضلي هو ثالث المنائر الأحسائية التي تطلّ من خلالها الأحساء على الساحة العالمية. ولد عام 1354هـ ـ 1935م، وتوفي عام 1434هـ ـ 2013م. عرف الكتاب والقلم منذ نعومة أظفاره، كطالبٍ في المدارس النظامية، ودارس حوزوي لدى والده الفقيه الميرزا محسن الفضلي، حيث أنهى على يديه مرحلة المقدّمات في مدينة البصرة بصبخة العرب. وفي عام 1949هـ يمَّم وجهه نحو النجف الأشرف، وله من العمر 14 عاماً، وأمضى فيها ما يقارب 20 سنة، تمخَّضت عن حراكٍ لم يعرف الكلل والملل. ما يكاد ينتهي من محطّة حتّى ينتقل إلى الأخرى، وربما زاوج بين محطّتين في آنٍ واحد. ولا أعلم كيف كان يوفق بينهما؟! لكنّه التفكير الاستراتيجي وما ينطوي عليه من تفكيرٍ جادّ نحو بيئته الخارجية تارةً؛ ليرى ما فيها من مساحات لم تشغل بإنتاج إبداعي يستحقّ التضحية من أجله؛ وليبصر تارةً أخرى مكوّنات بيئته الداخلية وما تشتمل عليه من قابليات وإمكانيات يمكن توظيفها في إنجاز رؤيته التي رصدها في بيئته الخارجية. وبين هذا وذاك راح يسعى بكلّ طمأنينة و ثبات نحوها، ألا وهي تحديث الكتب الدينية الحوزوية، وما يتّصل بها من علومٍ أخرى في العلوم اللغوية والعقلية؛ لتكون ملائمة للوسطين الحوزوي والجامعي في آنٍ واحد. وقد صرح بها ذات مرة، خلال المقابلة التي أجراها معه الأستاذ حسين منصور الشيخ، وقد دوّن حواره معه في كتابه: «الدكتور عبد الهادي الفضلي: تأريخٌ ووثائق»، حيث سأله: «ما هو أهمّ مشاريعكم التي كنتم تودّون إنجازها؟ وما الذي تحقَّق منها؟ فأجابه الشيخ: مشروعي الأهمّ كان وضع المقرَّرات الدراسية للحوزات العلمية، وتطوير موادّها، وفق مناهج البحث العلمي الحديث. وأحمد الله سبحانه الذي وفَّقني في إنجاز هذا المشروع»([23]). وفي سبيل هذه الرؤية الطموحة استغرق ما يقارب 50 عاماً، من عام (1380هـ ـ 1960م) حتّى عام (1429هـ ـ 2008م)، سعى خلالها وفق مراحل مدروسة، مركزاً على ضرورة إنجازها، مرتِّباً لأولوياتها، في نظامٍ لا يخترم من أيّ فرد، كائناً مَنْ كان، فجنى ثماراً يانعة، سمتها الإتقان والإيجابية، تلقَّتها جماهيره من طلاب حوزويين وجامعين، ومراكز بحثية، في بلاد العرب والعجم، بل وحتّى بلاد الغرب في آخر مطافٍ تنامت فيه نتاج تجربته. فقد اعتمدت إحدى الجامعات الغربية، وهي Islamic College في بريطانيا، أحد كتب الشيخ كمقرَّر لطلابها، بعد أن ترجمته إلى اللغة الإنجليزية، وهو كتاب «مدخل إلى علم الحديث»، مع كتاب «دراية الحديث» للشهيد الثاني، وهو من الكتب المعتمدة في الحوزات العلمية منذ أمدٍ بعيد. وأما تاريخ الترجمة وإدخال كتاب الشيخ الفضلي إلى هذه الجامعة فكان الإصدار الأول في عام 2002م، والإصدار الثاني في عام 2011م، ولا زال التنسيق يجري في اعتماد مقرَّرات أخرى([24]).

وقد بلغ عدد كتبه التي ألَّفها، بما فيها المقرَّرات الدرسية الحوزوية/الجامعية، 75 كتاباً، وحوالي 15حواراً علمياً منشوراً في الدوريات المختلفة، وحوالي 155 مقالةً ودراسة منشورة في الدوريّات المختلفة، مضافاً إليها 130 تقريظاً لمؤلَّفات آخرين([25]).

بدأت قصّة نجاح الفضلي أوّل ما بدأت في حراكٍ علمي بين دارسٍ ومدرس في الوسطين الحوزوي والتعليم النظامي ـ في المدارس، ومن ثمّ إلى الجامعات ـ، حيث في الحوزة كدارسٍ في مرحلة السطوح، تلَتْها مرحلة البحث الخارج، ومدرِّساً فيها في الوقت ذاته، كثقافةٍ درجَتْ عليها الحوزة، بل وتحرص عليها كأسلوبٍ من أساليب تنمية كفاءاتها العلمية عبر الجهد الذاتي. وفي الجامعة كطالبٍ في مرحلة البكالوريوس في كلية الفقه بالنجف في عام 1959م، ومن ثمّ طالب في مرحلة الماجستير منذ عام 1968م وحتى 1971م في جامعة بغداد، وكأستاذٍ في كلّية الفقه بعد تخرُّجه فيها بدرجة البكالوريوس([26]). و في العام ذاته، أي عام 1971م، التحق بجامعة الملك عبد العزيز بجدّة؛ ليبدأ منها مشواره نحو درجة الدكتوراه، حيث ابتعث إلى جامعة القاهرة، وتخرَّج فيها عام 1975م. وفي العام ذاته أيضاً رجع إلى جامعته في جدّة ليبدأ مرحلة التدريس بعد التخرُّج. وهناك أسَّس قسم اللغة العربية في كلية الآداب بالجامعة، وكان أوّل رئيس له. كما كان له دورٌ كبير في تأسيس قسم المخطوطات في مكتبة الجامعة المركزيّة فيها. ولما بلغ عام 1989م تقاعد من الجامعة بعدما أتمّ 18 عاماً فيها. وفي العام ذاته التحق بالجامعة العالمية للعلوم الإسلامية في لندن كمدرِّس لمادّة المنطق، وتاريخ التشريع الإسلامي، وأصول الحديث، وأصول علم الرجال، وعلم الكلام. وفي عام 1991م بدأ الشيخ يمارس ظهوره كمحاضرٍ في المواسم الثقافية، حتّى شكَّل بثقله العلمي، وما يكتنزه من خبرةٍ علمية وعملية في ميدان العلم والمعرفة ونشر الثقافة، رافداً جديداً مؤثِّراً لجيلها الصاعد. ومن جملة ما اعتنى به المؤلفون والكتّاب، واحتضان طاقاتهم، ورعايتها.

وها أنا أتعرَّض لسيرته، ليس فقط من باب الوفاء لحقِّه كعالم أحسائي استفدْتُ من تجربته الشيء الكثير، كما استفاد منه أبناء جيلي الذين عاشوا جمال علمه وخلقه، وإنما للضرورة الملحّة ليقرأه طلاّب العلم المعاصرون والقادمون في المستقبل بإذن الله. وعندما نقرأه سنقرأه كناجحٍ قادر على أن يورث صنعة النجاح في المتطلِّعين إليها، ولو من خلال قراءة بعض السطور عن تجربته. فتجارب الحياة علَّمتنا أن كلّ واحدٍ فينا لديه من المؤهّلات والملكات ما يمكنه أن يكون مثل الشيخ الفضلي في إخلاصه لدينه، وإنسانيته. لكنْ ربما يحتاج إلى نموذجٍ يستطيع من خلال محاكاة نجاحه أن يستنسخ منه امتيازات شخصيته في إطارها العام. وأما بصمته الفكرية فهي حتماً ستخرج بشكلٍ تلقائي، من وحي ذاته، ولن يستطيع استنساخ تجربة الشيخ الفضلي كفضلي آخر، مهما حاول؛ لأن البصمة الفكرية لها خصوصية غير قابلة للاستنساخ، تماماً كما لا يستطيع أحدٌ منّا أن يستنسخ بصمة إبهام الآخرين. وسأعرض لمسألة استنساخ امتياز تجربته، ومدى إمكانيتها، في المبحث الثالث من هذه المقالة.

لهذا الغرض سأتجوّل ما استطعت، وأسعفتني الذاكرة، في عرض مشاهداتي ومسموعاتي عن هذا العالم الفذّ، وسأعتصرها، مكتفياً بالإشارات دون التفصيل؛ لأن المقام يطول. فنحن سنظلّ بحاجة إليه حتّى بعد رحيله في العديد من جوانب تجربته العريضة. وهنا سأقف فقط على ساحل تجربته ككاتبٍ، ولن أتعرَّض إليه كخطيب بارع، ومربٍّ فاضل، وأستاذ عرفته أروقة الجامعات، كما عرفته أروقة الحوزات، ولا كمناقشٍ للرسائل العلمية في درجاتها العليا في مرحلة الماجستير والدكتوراه، أو منظِّر للأنشطة الاجتماعية، وقارئٍ فذّ لما تخبّئه الأيام من مفاجآت، أو كأديب متذوِّق، وناقدٍ للأعمال الإبداعية: قصة، ورواية، وشعر، ومؤرّخ، وفيلسوف، ومتكلّم. نحن هنا على ساحله كمؤلِّف عشق القلم، والدفاتر، والكتب، والمراجع، على شتّى مشاربها الفكرية.

فقد كان الفقيه المتبحِّر في العلوم الإسلامية على شتّى أصنافها. وقد تمَّ تأبينه من أعلام عصره، الفقهاء منهم واللغويين. وعبارات التأبين من ذوي الاختصاص اللغوي والأدبي لا تقلّ أسفاً على فقد هذا الطَّوْد العلمي الرفيع من علماء الحوزات العلمية في المجال الشرعي.

 

المبحث الثاني: اهتمام الفضلي بالتأليف، والمؤلِّفين

سأعالج في هذا المبحث موضوعات يجمعها التأليف والمؤلِّفون، وسأجيب من خلالها عن أسئلة هامة. لعل أبرزها هو ماذا قدَّم الشيخ في تجربته الكتابية كعالمٍ؟ وهل اقتصرت تجربة الشيخ الفضلي في مجال الكتابة على العناية بنفسه، أم أن عشقه لعالم الكتاب والكتابة عزله عن الاهتمام بإنجازات الآخرين في مجال التأليف، أم على العكس من ذلك، جعل المؤلِّفين جزءاً من دائرة اهتمامه، ومنحهم من التقدير والتفرُّغ كما لو كانت كتبهم التي أنجزوها قد أفرَغَتْها قريحته، فاحتفى بها، ومنحهم من الاهتمام الشيء الكثير، ولو كان ذاك على حساب وقته وصحته؟ أسئلةٌ سبق أن طرحتها في مقدّمة المقالة، وإعادتها هنا تنمّ عن أهمّيتها. وستتمّ الإجابة عليها في المطالب التالية:

المطلب الأول: موسوعية الشيخ الفضلي، وأثرها على مدّ جسور التواصل بين الاختصاصات العلمية في تأليفاته الحوزوية.

المطلب الثاني: حفاوة الشيخ بالمؤلِّفين.

المطلب الثالث: قناعة الشيخ بأهمّية التأليف كرسالة للمبلِّغين والدعاة.

المطلب الرابع: عناية الشيخ بتقريظ المؤلَّفات.

 

1ـ موسوعية الشيخ الفضلي، وأثرها على مدّ جسور التواصل بين الاختصاصات العلمية في تأليفاته الحوزوية

كما يتّضح من عنوان المطلب أنه سينصبّ على إبراز سمة في شخصية الشيخ العلمية، ألا وهي الموسوعية. وهذا يلزمنا أن يكون الحديث عن مصادر تلك الموسوعية، ومجالات توظيفها في مشاريعه التأليفية للمقرَّرات، وما أفضَتْ إليه نتائج مطالعاته، ومراقبته للساحة العلمية، وملاحظاته على طبيعة المقرَّرات الدراسية، وضرورة إعادة صياغة وتطوير بعضها، وفق معطيات طبيعة المنهج الخاصّ لأيّ علم من العلوم.

فقد أسهم الشيخ بشكلٍ جوهري في تحقيق إضافة علمية للمكتبة الإسلامية، وذلك كنتيجة لعمرٍ مديد قضاه بين دارسٍ ومدرِّس في الوسطين الحوزوي والجامعي، وقد بلغ في هذين الوسطين درجةً علمية متقدِّمة، وكمؤلِّف للمقررات فيما بعد. وقد ترتَّب على هذه الملكات المتنوِّعة في دروسها، وأساليبها، وتنوّع مداركها، أن مكَّنته من الخروج بوجهات نظرٍ تصحيحية في بعضٍ منها، وتطويرية في البعض الآخر، ذات أهمّية، وذلك وفقاً لمعطيات الواقع، وتحدّيات المرحلة. وقد انعكست موسوعيته تلك بشكلٍ واضح على بعض مقرَّراته الدراسية، ممّا حقَّق إضافةً علمية تُحْسَب له. ولقد أسهم في تمكُّنه من إنجاز رؤيته تلك أنه لا يحب تسليط الأضواء، ولا الشهرة. وفي ظلّ هذه البيئة الداخية المستقرّة، التي ملأت جوانبه، رصد الفرص المتاحة له في بيئته الخارجية بكلّ ثقةٍ؛ لكي يحقِّق إبداعه وبصمته الخاصة به.

ولعل من أبرزها منهجه الخاصّ في كتابة الدروس والمقرَّرات بلغةٍ تحتفظ بالجانب العلمي فيها، ولكنّها في أسلوبٍ مبسط، خالٍ من التعقيد؛ حيث له ملاحظة على مَنْ يعمد إلى التعقيد في العبارات. ففي إحدى اللقاءات به عبَّر عن هدفه ذاك بقوله: إن الكتب الدرسية تشتمل على صعوبتين يواجهها الدارس: طبيعة المفاهيم المطروحة فيها، وهي في حدّ ذاتها تحتاج إلى ذهنيّة جيِّدة لاستيعابها، وبالتالي فإنّ إضافة تعقيد للعبارات هو من نوع المبالغة غير المبرَّرة. وعليه لا بُدَّ من تفريغها من تلك العقد اللفظية، وإبرازها على طبق لغويّ واضح وسهل، يجعل الطالب على ثقةٍ تامة بأنه قد فهم ما يريد أن يقوله مؤلِّف الكتاب، ولا يجعله في دائرة من التخمين والاحتمال، كما يقع فيه بعض الطلاب.

كما أنّ للشيخ ملاحظةً أخرى، ألا وهي ضرورة الاستفادة من الاختصاصات العلمية التي من شأنها أن تسهم في منح الفقيه ممارسة دوره كفقيهٍ لا يكتفي بفهم بنيوية النصوص، وإنّما لا بُدَّ له من التعرُّف على البيئة الخارجية وما فيها من عناصر تسهم في عملية الاستنباط. وقد انعكس فهمه هذا على العديد من المقرَّرات الدراسية التي أعدَّها لطلاّب العلوم الشرعية.

إن الموضوعات التي كتب فيه الشيخ الفضلي ـ كما ذكرتُ ـ كثيرةٌ، ومؤلَّفاته بلغت السبعين([27]) كتاباً، وفي مراحل متعاقبة لنموه الفكري. ولعل من أواخر تجاربه الفكرية هو إسهامه في كتابة مقرَّريين أساسيين، صنفهما الشيخ لتكون مجال استفادة طلاب العلم الشرعي منها في مرحلة السطوح، وهما: «دروس في أصول فقه الإمامية؛ و«دروس في فقه الإمامية». وقد انطبع هذان الكتابان بموسوعيّته، وأثر انفتاحه على الاختصاصات العلمية الأخرى، ووظَّف العديد من تلك الاختصاصات فيهما، و ذكر دواعي ضرورة الانفتاح الذي قام به. وقبل أن أتناول المؤلَّفين بتحليل أثر موسوعيّة الشيخ عليها، وأسبابها، أعرض جدولاً للموضوعات التي كتب فيها الشيخ الفضلي، وعدد المؤلَّفات في كلِّ فرعٍ من فروع المعرفة([28]):

screenshot-3

أما عن كتابَيْه «دروس في أصول فقه الإمامية» و«دروس في فقه الإمامية»، وأثر موسوعيّته على تأليفهما، من حيث مدّه لجسور من تواصل الاختصاصيين في الموضوع المطروح في الكتب الحوزوية، وسدّ الفجوات المعلوماتية في البحوث التي يطرحها، فالكلام في ذلك ما يلي:

 

أوّلاً: آثار موسوعيّته على كتابه «دروس في أصول فقه الإمامية»

من الملاحظ أن الشيخ قبل أن يخطّ بقلمه في كتابه الموسوم بـ «دروس في علم الأصول» قام بمسحٍ واسع وشامل لعلم الأصول عند الإمامية، منهجاً، وتاريخاً، ودراية بمراحل تطوّره الفكري كعلم، وإحاطة بمصطلحاته، ومعرفة بأعلامه والمدارس العلمية التي نشأت خلال تاريخه، وإحاطة بفهرس نتاجات علماء الإمامية فيه منذ نشأة هذا العلم. فسجَّل أوّل ما سجَّل من ملاحظات على علم الأصول لدى الإمامية الإغراق في توظيف علم الكلام وعلم الفلسفة في فهم هذا العلم، وبيَّن أسباب ذلك، من خلال دراسة تاريخية لنشأة علم أصول الفقه لدى الإمامية، والتي تمخَّضت عن وجود ثلاث مدارس، هي:

الأولى: وهي مدرسة نقلية، تأسَّست بريادة الصدوقين: الشيخ ابن بابويه القمّي(323هـ) وابنه الشيخ الصدوق(381هـ). وسمتُها الاعتماد المطلق على الأحاديث المرويّة عن أهل البيت×. وقد ابتعد أقطاب هذه المدرسة عن الرجوع إلى العقل، حتّى في المعتقدات. وكانت هذه المدرسة تستمدّ أصولها الفقهية من الأحاديث.

الثانية: وهي مدرسة عقلية، تأسَّست بريادة القديمين، وهما: ابن أبي عقيل الحذاء العماني، وابن أبي الجنيد الإسكافي(381هـ). وسمتُها الاعتماد على العقل، بل وميل الأخير إلى اجتهاد الرأي وإعطاء اعتبارٍ للقياس الشرعي، المعروفين لدى علماء السنة.

وقد كان بين هاتين المدرستين خلافٌ كبير، ما أدى إلى قيام مدرسة جديدة ثالثة، للشيخ المفيد.

الثالثة: وهي مدرسة تكاملية، تأسَّست بريادة الشيخ المفيد(413هـ). وسمتها الجمع بين المدرستين، وسلوك خطّ الوسط بينهما. ولم يأخذ الشيخ في مدرسته الوسطية بالقول بالعقل، كما فعلت مدرسة القديمين، وإنما جعل الدليل العقلي طريقاً موصِلاً إلى معرفة حجّية القرآن والأحاديث الشريفة، وليس العمل بالرأي والقياس.

وظلَّت المدرسة الثالثة، التي تمثِّل الاتجاه الأصولي لدى الإمامية، إلى تاريخنا المعاصر. في قبال الاتّجاه الأخباري، والمتمثِّل في المدرسة الأولى النقلية. ولكنْ لمّا مُنيت هذه المدرسة بالضعف؛ بسبب التصدّي الكبير الذي أبداه الشيخ الوحيد البهبهاني(1208هـ) لها، في قبال رائدها في زمانه الشيخ يوسف البحراني(1186هـ)، والذي اتَّخذ من كربلاء مركزاً، وقد كان قبل هذا الصراع، وغابَتْ عن مسرح الأحداث العلمية، فقد أوغلت المدرسة التكاملية في توظيف علم الأصول في علم الكلام والفلسفة كعلومٍ عقلية، على يد ثلاثة علماء في إيران، هم: الفاضل التوني(1071هـ)، والشيخ الميرزا محمد الشيرواني(1098هـ)، والمحقِّق الخوانساري(1098هـ). وفي مرحلةٍ لاحقة، بعد ضعف الاتجاه الأخباري، تمثَّلَتْ في الشيخ الأنصاري(1271هـ) صاحب الرسائل، ومن بعده الآخوند الخراساني(1329هـ) صاحب الكفاية، وعقبه تلميذه الشيخ محمد حسين الأصفهاني(1361هـ)، كما برز معاصر لصاحب الكفاية الشيخ النائيني(1355هـ)، وكان متاثِّراً بالاتّجاه الفلسفي والكلامي، وانعكس هذا بوضوحٍ على محاضراته الأصولية التي قرَّرها السيد الخوئي والشيخ الكاظمي، وأيضاً الشيخ آقا ضياء الدين العراقي، وكان معاصراً للشيخين الإصفهاني والنائيني. وجميع هؤلاء عمَّقوا توظيف علم الكلام والفلسفة في علم الأصول. لكنْ بدأت في النجف الأشرف ردّة فعلٍ تجاه هذا الإغراق الكلامي والفلسفي تمثَّل في محاولات لتطوير المناهج، تمثَّلت في دور كلٍّ من:

1ـ الشيخ المظفَّر، في كتابه أصول الفقه.

2ـ السيد محمد تقي الحكيم، في كتابه الأصول العامّة للفقه المقارن.

3ـ السيد محمد باقر الصدر، في كتابه دروس في علم الأصول.

4ـ السيد السبزواري، في كتابه تهذيب الأصول([29]).

والشيخ الفضلي، كمعاصرٍ ومراقب لكلّ هذا الحراك نحو التخلُّص مما ثقل بعلم أصول الفقه من علم الكلام والفلسفة، وضرورة العودة إلى المنهج التكاملي وفق صياغة الشيخ المفيد&، أسهم في تقديم أبحاثٍ سابقة في هذا المجال، تحت عنوان: «منهج دراسة النصّ عند الأصوليين، ودور السيد محمد تقي الحكيم في تطويره»، وبحث آخر بعنوان: «علاقة علم الأصول بالعلوم الأخرى، ودور السيد الصدر في تطويرها».

وقد جعل من كتابه دروس في علم الأصول محطّة علمية لإجراء عمليات تطبيقية؛ لتخليص موضوعات علم الأصول من علم الكلام والفلسفة. وقد اتَّضح له بعد هذه الإسهامات أن الفقيه لكي يمارس دوره كفقيهٍ يوظّف علم الأصول في استنباط الأحكام الشرعية عليه أن ينفتح على علومٍ لم تكن معهودةً لدى طلاب العلوم الشرعية، ومن أبرزها: علم الاجتماع اللغوي، وعلم النفس اللغوي؛ لكون الذي يقرِّر طبيعة المنهج الخاصّ لأيّ علم من العلوم شيئين، هما: 1ـ «طبيعة مادة العلم؛ 2ـ الهدف من وضع المادة. والهدف من وضع علم أصول الفقه ودراسته هو الوصول إلى معرفة قواعد استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها، المتمثِّلة بالكتاب والسنّة»([30]).

وهذا الهدف يتطلّب أن تنطوي مادّة علم أصول الفقه على موضوعات محدَّدة، ولكلّ واحدٍ منها دليلٌ مناسب لها. وقد قسَّم الشيخ تلك، وحدَّد لها الدليل المناسب. وهي موضَّحةٌ في الجدول التالي([31]):

screenshot-6

وبعد هذا التحديد لموضوعات علم الاجتماع، والدليل المناسب لها، خرج الشيخ بنتيجةٍ هي أن الدرس الأصولي أمام ظواهر اجتماعية عامّة تتنوع إلى:

ـ ظواهر لغوية ـ اجتماعية.

ـ وظواهر اجتماعية ـ اجتماعية.

وعليه وجد أن هذا يتطلَّب في مجال دراساتها الالتزام بما يلي:

ـ المنهج اللغوي ـ الاجتماعي.

ـ والمنهج الاجتماعي ـ الاجتماعي.

وكلا المنهجين يقوم على اعتماد طريقة الاستقراء. ويفيد الشيخ الفضلي بنتيجة نهائيّة مفادها: «ونحن بهذا نعود إلى المنهج الذي وضعه الشيخ المفيد، والذي أقصي عن ميدان البحث الأصولي عن غير قصدٍ، وإنّما بتأثير هيمنة علم الكلام على منطلقات البحث الأصولي»([32]).

ونظراً لوضوح أهمّية علم الاجتماع اللغوي وعلم النفس اللغوي ـ لدى الشيخ الفضلي ـ كمصدرٍ من مصادر علم الأصول، بالإضافة إلى العلوم الأخرى المعروفة، كعلوم اللغة العربية، وعلم الدلالة، وعلم الأسلوب، وعلم المنطق، وعلم الرجال، وعلم الحديث، وعلم الكلام، والفلسفة القديمة، وعلم الفقه، وعلم أصول الفقه، تجده قد وظَّف العديد من مفاهيمهما في بناء المقرَّر الدراسي المذكور، بعد أن سجَّل ملاحظاته على خلوّ الكتب الأصولية من ذكر مصادر علم أصول الفقه، حيث يقول: «لم يذكر الأصوليون هذا العنوان في كتبهم الأصولية، ولم يتناولوه، وكان من الطبيعي ـ منهجاً ـ أن يبحث بشكلٍ مستقلّ، ويوضع في موضعه الطبيعي من تصنيف موضوعات هذا العلم، فتنشأ به المقدّمة العلمية لهذا العلم»([33]).

ومن موارد توظيفه علم الاجتماع ـ على سبيل المثال ـ ما سطَّره في المبحث التمهيدي لعلم أصول الفقه، حيث بعد أن أبرز دور العقل كمصدرٍ لأصول الفقه، أو ما يسمّى بـ «السيرة العقلائية»، والتي تسمّى عند المتأخرين بـ «بناء العقلاء»، أفاد ما نصّه: «ولأنّ سيرة العقلاء ـ أو بناء العقلاء ـ هي ظاهرةٌ اجتماعية عامّة يكون من المفيد أن نمهِّد للحديث عنه بتعريف الظاهرة الاجتماعية»([34]).

وبعد هذا التمهيد عرََّف الظاهرة الاجتماعية، وسماتها، من: تلقائية، وشمولية، وإلزام. وعرَّج بعد ذلك على ما يشترط أن يكون في السيرة العقلائية حتّى تكون ممضاةً من الشارع المقدَّس، وتكتسب الصفة الشرعية، وأضاف إليها شرطين آخرين، هما: العقلانية؛ والشرعية.

وبالتالي خرج بشروطٍ للسيرة العقلائية، كالتالي:

1ـ التلقائية.

2ـ الشمولية.

3ـ الإلزام.

4ـ العقلانية.

5ـ الشرعية([35]).

وهكذا استطاع الشيخ الفضلي أن يوظِّف علم الاجتماع في أحد مباحث دروس علم الأصول لدى الإمامية في مقرَّره الدراسي: «دروس في أصول فقه الإمامية». وله العديد من التوجيهات النابعة من علم الاجتماع في دروسه.

 

ثانياً: آثار موسوعيّته على كتابه «دروس في فقه الإمامية»

أعطى الشيخ الفضلي فقه المعاملات المالية اهتماماً واسعاً، مقارنةً بفقه العبادات، حيث استوعب في المجلَّد الأول مسائل باب الطهارة استدلاليّاً. وفي المجلد الثاني منه ركَّز على العديد من النظريّات التي هي بمثابة التربة التي تنمو فيها المعاملات المالية، والتي من جملتها نظريّة العرف، ونظرية الملك، ونظرية الحقّ([36])، وغيرها من النظريات الهامّة. وأما في مجلده الثالث فقد تناول فيه جلّ وأهمّ المعاملات المالية القديمة والمستحدثة([37]). وأما المجلد الرابع فقد عنونه بـ «معاملات البنوك التجارية»، وقد أدرج فيه المسائل المستحدثة، كما هو مصطلحٌ عليه في الفقه الإمامي. وقد عرض الشيخ مسائل هذا الكتاب عرضاً استدلالياً. وما يهمّني في هذه المقالة هو تناوله لفقه المعاملات، حيث هذا القسم من الفقه يتّسم بأنّه فقهٌ متحرِّك، إذا ما قيس بالأقسام الأخرى من الفقه، كالعبادات، والمعاملات في تقسيمها لدى علمائنا المتقدِّمين زماناً، كما ذكر، أو كما قسَّمها الجيل الثاني منهم، بكونها: عبادات، ومعلامات، وأحكام([38]). وعلي أيّ حالٍ من حيث التقسيم فإن من الملاحظ أن الشيخ مارس دور الفقيه الميداني، حيث يرى بأن الفقيه تارةً يمارس دوره كفقيهٍ من واقع التزامه بالمنهج الفقهي الفلسفي، وذلك باعتماده دراسة بنيوية النصّ فقط، وهو في هذه الحالة يصدق عليه وصف الفقيه الصناعي؛ وتارةً يجمع بين المنهج الفلسفي والبحث العلمي قدر الطاقة، وعندها يكون الفقيه قد تحوّل إلى فقيهٍ ميداني يتجاوز حدود النصّ، ويبحث في البيئة الخارجية؛ ليوظف العرف في فهم الموضوع، ومن ثمّ يصدر الحكم الشرعي، وفي هذه الحالة يصدق عليه الفقيه الذوقي العرفي. وقد رجح الشيخ منهج البحث العلمي على الفلسفي، قدر الإمكان، عند بحثه لفقه المعاملات، وبالتحديد في أحكام البنوك التجارية. وبالتالي فإن تجربته في البحث الاستدلالي في كتابه معاملات البنوك التجارية جاءت من وَقْع أمرين هامين، أشَرْتُ إليهما في ما سبق. وسأذكر منهجيته بقلمه بشكلٍ أوضح، بعد التأليف بين أقواله في عدّة كتب. وهذان الأمران هما:

 

الأمر الأوّل: ضرورة اتّباع منهج البحث العلمي، والابتعاد عن المنهج الفلسفي، قدر الطاقة

يرى الشيخ الفضلي عند البحث في مسائل فقه المعاملات، ولا سيَّما منها المعاملات البنكية، ضرورة توظيف المنهج العلمي، مبتعداً قدر الطاقة عن المنهج الفلسفي. كما عبَّر عن ذلك بشكلٍ صريح، حيث يقول: «ولأن هناك منهجين تناول الفقهاء والباحثون قضايا الفقه ومسائله في ضوئهما، وعلى هَدْي تعليماتهما، وهما: المنهج الفلسفي؛ والمنهج العلمي، سلكتُ في دراستي هذه المنهج العلمي، مبتعداً قدر الطاقة عن المنهج الفلسفي؛ وذلك لما أستشعره من فرقٍ واضح بين موضوع البحث الفلسفي وموضوع البحث الفقهي، حيث يتحرّك الأول في العالم التكويني، ويتحرّك الثاني في عالم الفكر التشريعي. والفرق بين التكوين والتشريع هو الفرق بين التجسيد والتجريد. فما يصدق من قوانين في عالم التكوين لا ينطبق ـ غالباً ـ على عالم التشريع؛ للفرق المذكور.

ومن هنا إذا حاولنا أن نعين موقع المعاملات المالية ـ وهي من التشريع ـ سوف نصنِّفها في عالم الاعتباريات؛ لأنها غير ذات طبيعة مادّية متجسّدة في خارج الذهن، وإنما هي ظواهر اجتماعية تدخل ضمن فعاليات وآليات سلوك الإنسان، ووفق نظام خاصّ بها، اعتمد في وضعه اعتبار المعتبر.

وكذلك لما أدركته بَيِّناً من الفرق بين الطريقة الاستنتاجية في البحث والطريقة الاستقرائية، حيث يعتمد الاستنتاج على التفكير المجرّد، ويقوم الاستقراء على ملاحظة الواقع.

وما هذا إلاّ لأن المعاملات المالية ـ كما قلتُ ـ ظواهر اجتماعية تعيش في واقع حياة الناس. والطريق لمعرفة الواقع هو الاستقراء.

ويتجلّى هذا أكثر عندما نعرف أن المصدر الأساسي للفكر الفقهي في مباحث المعاملات المالية هو سيرة العقلاء المعتبرة من قبل المشرِّع الإسلامي. والسيرة ـ كما هو معلومٌ ـ أنماطٌ سلوكية تتحرّك وتتفاعل في الواقع الاجتماعي.

والطريق لمعرفة الواقع ـ لأنّه من الحسّيات ـ ليس الاستنتاج، وإنما هو الاستقراء، وعن طريق الملاحظة.

وأيضاً: إن آية ذلك ما نقرأه كثيراً من تعليقات فقهية على الإجماعات المدَّعاة في مباحث المعاملات بأنها من نوع التسالم والتواضع، والمُسْتَقى من سيرة العقلاء، وليس هو من نوع المصطلح الأصوليّ الكاشف عن رأي المعصوم.

وقد حاولتُ خلال البحث التطعيم بالمقارنة ـ حيث يتأتّى هذا ـ بين الفقه الشرعي والفقه القانوني»([39]).

إذن ـ كما هو ملاحَظٌ ـ فإن الشيخ نهج منهج البحث العلمي، ورجَّحه على المنهج الفلسفي، مبتعداً عنه قدر الطاقة. وهذا ما جعل منه فقيهاً ميدانياً قريباً من الواقع الفعلي. وهو ما ينسجم مع كون فقه المعاملات فقهاً متحرِّكاً. ومن الطبيعيّ في فقهٍ كهذا أن يكون الفقيه متحرِّكاً تجاهه أينما اتَّجه؛ ليحدِّد الوظيفة الشرعية للمكلَّفين بشكلٍ يحقِّق لهم براءة الذمة. ولأجل هذا الغرض تجده يبذل قصارى جهده لتحديد الموضوع تحديداً دقيقاً؛ تمهيداً لإصدار الحكم تجاهه. وفي سبيل ذلك يبذل أيضا قصارى جهده للرجوع إلى المصادر التالية:

1ـ «الرجوع إلى أنظمة البنوك التجارية المدوَّنة، تلك البنوك التي يتعامل معها المسلمون، سواءٌ كانت قائمة في البلاد الإسلامية أو في خارجها.

2ـ الرجوع إلى نماذج من أوراق المعاملات المعقودة بين البنوك والعملاء.

3ـ الرجوع إلى القرارات البنكية الصادرة عن إدارة البنوك ومجالسها بشأن المعاملات المصرفية.

4ـ الرجوع إلى الكتب والرسائل المؤلَّفة في الموضوع، وكذلك البحوث والمحاضرات التي تُعنى بهذا الشأن»([40]).

وقد أشار الشيخ إلى أن عدم الاتّجاه إلى منهج البحث العلمي القائم على الاستقراء سيؤدّي بالفقيه في موضوعات فقه المعاملات إلى اتّباع المنهج الفلسفي، كما لاحظه من خلال اطّلاعاته. وقد بيَّن ذلك بقوله: «وأؤكِّد على هذا؛ لأن أتباع المنهج الفلسفي ـ كما هو معروفٌ مما صدر من الكثير منهم ـ عند عدم القدرة على تشخيص الموضوع أو عدم وضوحه، أو لأجل الاحتياط؛ بغية أن يتقن الباحث من دخول واحد من المحتملات، يأخذون بالمنهج المذكور، فيعفُون أنفسهم من عناء محاولة التجديد، مكتفين بطرح كلّ المحتملات، ومحاولة معرفة حكم كلّ واحدٍ من هذه المحتملات التي تردّد الموضوع بينها، حَسْب اعتقاد الباحث.

إذ الملاحظ ـ هنا ـ، وبخاصّة في موضوعنا:

1ـ أن الموضوع المبحوث عنه وفيه قد لا يأتي واحدٌ من المحتملات التي ذكرها الباحث، وفي هذه الحال يصبح البحث عقيماً لا يوصل إلى النتيجة المطلوبة.

2ـ أن مثل هذا البحث الذي يقوم على الاحتمالات فيه شيءٌ من الإطالة غير المرغوب فيها.

3ـ أن البنوك حقيقةٌ مادّية (جزئيات) قائمة في واقعنا، وماثلة للعَيان، يمكن معرفتها بشكلٍ مباشر وبيُسْر، وذلك من خلال الدراسة الميدانية».

وبعد كلّ هذه المحاذير التي يراها في اتّجاه الفقيه نحو الاستدلال عبر المنهج الفلسفي في مثل هذه الموارد يخرج الشيخ الفضلي بنتيجةٍ هامة، يقول فيها: «ومن هنا أرى أنّه لا بُدَّ من انتهاج طريقة الاستقراء أو الملاحظة؛ لمعرفة حقيقة البنك كموضوع يترتَّب عليه الحكم الشرعي. ويتمّ هذا عن طريق الدراسة الميدانية، أو باتّباع الخطوات المذكورة»([41]).

 

الأمر الثاني: ترجيحه للمنهج الفقهي العُرْفي على المنهج الفقهي الصناعي

حيث المنهج الفقهي الصناعي قائم على تحليل بنيوية النصّ وتركيبه كلمة وكلاماً. كما يوظِّف هذا المنهج نظريات الفلسفة القديمة والإسلامية، ومبادئ علم الكلام، وضوابط علم المنطق اليوناني، وما إليها من عقليات. أي إن النصّ الشرعي يُدرَس في ضوء هذه القواعد العلمية. وعن طريقها يتوصَّل الفقيه والباحث الفقهي إلى دلالة ومدلول النصّ الشرعي، ومن ثمّ يستخلص الحكم منه.

ويقابل هذا المنهجَ الفقهي الصناعي المنهجُ الفقهي العرفي. ويعني الشيخ الفضلي بالفقيه العرفي ذلك الفقيه الذي إذا درس النصّ الذي سيعتمد عليه في الفتوى تكون دراسته له مع لحاظ كيف يتعامل العُرْف (وهم أبناء المجتمع) معه. وبمعنى آخر: فهم النص من القرائن الاجتماعية المحيطة به، وبالملابسات الأخرى التي لها ارتباط به؛ لأن الفقيه الذي يعتمد على الدراستين: الداخلية للنصّ من حيث بنيوتها؛ والخارجية من خلال ملاحظة كيف يتعامل العرف معه، سيكون الأقرب إلى طبيعة وواقع فهم النصوص الشرعية. وعلى أساسٍ من هذا يفضِّل الشيخ الفقيه العُرْفي على الفقيه الصناعي([42]).

ويؤكِّد الشيخ الفضلي رجحان منهج الفقيه الذوقي العُرْفي على الفقيه الصناعي بما يلي: إنّ الموقف الفقهي من السلوك إلى معرفة معنى النصّ الشرعي يتمثَّل في التالي:

1ـ الاعتماد على الدراسة الداخلية للنصّ بتطبيق القواعد العلمية عليه، والاقتصار على ذلك. أي إن الفقيه يعتمد على الصناعة العلمية فقط، ومن هنا نَعَتوه في عصرنا هذا بالفقيه الصناعي.

2ـ الاعتماد على الدراستين معاً: الداخلية والخارجية. وفي حال حصول تنافٍ بين الدلالة البنيوية والدلالة البيئية، أو اختلاف بين الفهم العلمي والعرفي، تقدَّم نتيجة الفهم العرفي على نتيجة الفهم العلمي؛ وذلك للسببين التاليين:

أـ إنه قد ثبت من الاستقراء لاستعمالات المشرِّع الإسلامي في خطاباته وحواراته أن يسلك طريقة الناس (العُرْف).

ب ـ إن استعمال العُرْف هو بمثابة القرينة. والقرينة في حال تعارضها تقدَّم عليه؛ لأنها مفسِّرة، والمفسِّر يقدَّم على المفسَّر. وهذا من القضايا الواضحة.

والذي يتحكَّم في الفهم العرفي هو ما يمتلكه الفقيه من ذوقٍ أدبي يوقفه على نكات التعبير، ودقائق التركيب اللفظي. كما أن الذي يحكُم فيه هو ما يحمله الفقيه من حسٍّ اجتماعي يدرك به عرفيّات النصّ التي يضيفها الاستعمال الاجتماعي على مغزاه ومؤدّاه، التي هي فوق القواعد، والتي هي من نتائج الطريقة الاجتماعية (العرفية) في التعامل مع الصياغات الكلامية ودلالتها. ومن هنا نَعَت هذا الفقيه بالفقيه الذوقي. وأيضاً وعلى أساسٍ منه ندرك أهمّية وضرورة اطّلاع الفقيه على حضارة عصور التشريع الاسلامي، وبخاصّة ما يرتبط منها بفهم دلالات النصوص الشرعية. كما لا بُدَّ من دراسة دلالة النصّ الشرعي من أجل أن نتحرّك داخل إطار المبدأ العام للتشريع الإسلامي، الذي راعى فيه المشرِّع الإسلامي أن يلتقي دائماً وأبداً مع طبيعة الإنسان في تكوينه الجسدي والروحي والنفسي والعقلي، تلك الطبيعة التي عبر عنها تعالى وتقدَّس بالفطرة: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنََّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (الروم: 30)، وداخل دائرة علاقاته الاجتماعية فرداً وأسرةً ومجتمعاً ودولة، وبها يحافظ على مقاصد الشريعة، وهي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال»([43]).

ولأجل هذين المنطلقين تجد أن الشيخ يمارس دور الفقيه الذوقي العُرْفي بشكلٍ جادّ. وعليه إذا أراد أن يطرح موضوعاً لبحثه تجده قبل أن ينتقل إلى البحث الميداني؛ ليلاحظ أبناء المجتمع، وليجمع القرائن الاجتماعية المحيطة به، وبالملابسات الأخرى التي لها ارتباط بالموضوع، يبحث الموضوع في إطاره العلمي، مشخِّصاً إيّاه لغةً واصطلاحاً وبشكلٍ موسَّع من كلّ الاختصاصات: الفقهية، والقانونية، والاقتصادية، و بالمصطلحات اللغوية على اختلافها، إذا كانت لها أهمّية في تشخيص الموضوع، ومن ثمّ يتّجه إلى دراسة النصوص الشرعية.

وهذا لا شكّ فيه دورٌ بحثي جادّ، من شأنه أن يفتح ذوي الاختصاصات المختلفة على الموضوع المطروح على مائدة البحث، بشكلٍ يزيل اللبس، ويسدّ الفجوات المعلوماتية، ممّا يسهِّل أخذ الحكم الشرعي في ضوء الضوابط الفقهية المعروفة، بكلّ وضوحٍ ويُسْر. وهذا التنوُّع في الاستفادة من ذوي الاختصاصات المختلفة يعكس جانباً من موسوعيّة الشيخ، وسعة اطّلاعه.

ولعلّ في ظلّ هذا الترجيح الذي يراه الشيخ الفضلي للتحوُّل إلى منهج البحث العلمي قدر الطاقة، وأن يكون الفقيه ذوقياً عرفياً، ما يعزِّز من ضرورة قيام مؤسّسة تُعنى بدور تزويد مكاتب الفقهاء ببيانات عن المنتَجات البنكية، وتكييفها شرعيّاً في مرحلة أولية من الناحية الفقهية، ثم تقدّمها بعد ذلك إلى الفقهاء من أجل النظر فيها، وتقديم الفتاوى المناسبة حيالها، وفق معطيات الميدان. ويكون في ذلك براءةٌ لذمة المكلَّفين.

ثانياً: البُعْد التطبيقي لمدّ الجسور بين الاختصاصيّين لفهم موضوعات فقه المعاملات.

في ظلّ الإطار التنظيري الذي طرحه الشيخ الفضلي لدور الفقيه الذوقي العرفي، الذي يوظف منهج البحث العلمي الاستقرائي في موضوعات فقه المعاملات قدر الإمكان، ممّا لا شكَّ فيه بأن طرحه لهذا الموضوع في حدّ ذاته يعتبر إنجازاً هامّاً على مسار تطوّر دور الفقيه، الذي يرجع إليه المكلَّفون في ممارساتهم، سواءٌ كانت عبادية أو معاملاتية.

ومن أجل المطابقة بين ما تمّ تنظيره وما تم تدوينه في كتابه الموسوم بـ «معاملات البنوك التجارية» أقترح أن لا يتمّ ذلك في عجالةٍ من الأمر، وإنّما تُعطى فرصةٌ أوسع من حيث الوقت والأدوات، ولا سيَّما أن هذه المنهجية مستخدَمة وبكثرة في الدراسات الأكاديمية، في أطروحات الماجستير والدكتوراه، والبحوث المنشورة في المجلات المحكمة، بل وبعض المؤسَّسات المتخصِّصة في الدراسات الفقهية المالية، لدى المذاهب الإسلامية الأخرى([44]). وفي سياق هذا المقترح أرى بأن تعقد لها أطروحتان علميتان، وذلك كما يلي:

الأطروحة الأولى: يتمّ فيها المقارنة العلمية بين ما نظَّره الشيخ في منهجيته القائمة على ضرورة ممارسة دور الفقيه الذوقي العُرْفي الذي يوظِّف منهج البحث العلمي الاستقرائي في موضوعات فقه المعاملات وبين ما أنجزه الشيخ في كتابه الموسوم بـ «معاملات البنوك التجارية». يتمّ من خلاله اختبار عدّة فرضيات؛ للتأكُّد من صحتها. وتبدو أهمّية هذا البحث في حالة تمامه ـ وذلك من خلال الربط التطبيقي ما تمّ تنظيره وما تمّ إنجازه في الكتاب المذكور ـ في أنّه سيكون زاداً علمياً لطلاب العلوم الشرعية، كما سيعمل على تزويدهم بمهارة الممارسة العملية لمنهج الفقيه الذوقي العُرْفي في فقه المعاملات فيما بعد.

الأطروحة الثانية: وهي دراسة تتجاوز حدود القبول الأوّلي لهذه المنهجية، بحيث تدرس مدى كفاية الأدوات التي طرحها الشيخ لتمكين الفقيه من قيامه بدور الفقيه الذوقي العُرْفي؟ وما هي مجالات التطوير المتاحة في هذا المنهج؟ وما هو أثرها على واقع الدراسات العليا الشرعية؟ وما هي أوجه الدعم المطلوبة من المؤسّسات الاختصاصية لدعم طلاب العلوم الشرعية فيها؟ ولا سيَّما إذا علمنا بأن هذه المنهجية تستلزم من الفقيه الذوقي أن يخرج إلى الواقع الاجتماعي، والحال أنّ بيئة مثل هذه البحوث تكتنفها العديد من المعوّقات، الأمر الذي يستلزم تقديم الدعم والمساندة له من جهات بحثية متخصّصة في إجراء البحوث الميدانية؛ لتوفير المعلومات الأولية من مجتمع الدراسة التي سيتولّى دراستها؛ تمهيداً لاصدارالحكم الشرعي حولها كمرحلةٍ نهائية.

هذا من جهةٍ. ومن جهةٍ أخرى ما هو مدى أثر دراسة هذه المنهجية على المَلَكات البحثية لطلاب العلوم الشرعية الذين سيدرسون هذا الكتاب، ولا سيَّما أن الشيخ الفضلي طرح هذا الكتاب ليكون كتاباً دراسياً في مرحلة السطوح؟

ـ يتبع ـ

الهوامش

_________________

(*) أستاذٌ وباحثٌ متخصِّص في الدراسات الاقتصاديّة، وكاتبٌ متابع في التاريخ الحديث للمنطقة الشرقية في السعودية. له أعمالٌ عدّة. من المملكة العربية السعودية.

([1]) أحمد رضا رحيمي ريسه، مقدّمة تعريفية على مجموعتين من رسائل ابن أبي جمهور، الأحساء، جمعية ابن أبي جمهور الأحسائي لإحياء التراث، نسخة بالكمبيوتر.

([2]) رضا يحيى پور فارمد، الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية في عصر ابن أبي جمهور الأحسائي، الأحساء، جمعية ابن أبي جمهور الأحسائي لإحياء التراث، نسخة بالكمبيوتر.

([3]) أحمد رضا رحيمي ريسه، مقدمة تعريفية على ثلاث رسائل لابن أبي جمهور، الأحساء، جمعية ابن أبي جمهور الأحسائي لإحياء التراث، نسخة بالكمبيوتر.

([4]) الدكتور كامل مصطفى الشيبي، الصلة بين التصوُّف والتشيُّع، الأحساء، جمعية ابن أبي جمهور الأحسائي لإحياء التراث، نسخة بالكمبيوتر.

([5]) الشيخ حسين بن صالح العايش البراك، الإبداع الفقهي والأصولي لابن أبي جمهور الأحسائي، الأحساء، جمعية ابن أبي جمهور الأحسائي لإحياء التراث، نسخة بالكمبيوتر.

([6]) السيد هاشم الشخص، أعلام هجر: 157 ـ 160، بيروت، مؤسّسة أم القرى للنشر والتوزيع، 1416هـ.

([7]) السيد معين الحيدري، جوهرة الأحساء وفوارة النور: 88 ـ 116، بيروت، دار المتقين للثقافة والعلوم والطباعة والنشر، 1433هـ.

([8]) الشيخ محمد بن حسين بو خمسين، مقرح القلوب ومهيج الدمع المسكوب، مخطوط.

([9]) محمد بن جود الخرس (أبو علي)، (المنبر الحسيني: تاريخ تطوّر الأغراض الخطابية في المنبر الحسيني، الأحساء في المملكة العربية السعودية حالة دراسية: 120 ـ 125، بيروت، دار الأسفار للنشر والتوزيع، 1430هـ.

([10]) الشيخ جواد بن حسين الرمضان، مطلع البدرين في تراجم علماء وأدباء الأحساء والقطيف والبحرين: 131، 1419هـ ـ 1999م.

([11]) السيد هاشم محمد الشخص، أعلام هجر من الماضين والمعاصرين: 144 ـ 297، قم، مؤسّسة أم القرى للتحقيق والنشر، 1416هـ، الطبعة الثانية.

([12]) الأستاذ حسن بن محمد الشيخ، آخر الفلاسفة: رؤية عصرية جديدة في فكر الشيخ أحمد الأحسائي، 1427هـ ـ 2007م.

([13]) الأستاذ حسن بن محمد الشيخ، فيلسوفان ثائران، بيروت، دار الرأي العربي، 1425هـ ـ 2004م.

([14]) الأستاذ أحمد بن عبد الهادي المحمد صالح، أعلام مدرسة الشيخ الأوحد في القرن الثالث عشر الهجري، لبنان، دار المحجة البيضاء، 1427هـ ـ 2006م.

([15]) الدكتور هنري كوربان، نظرة فيلسوف: في سيرة الشيخ الأحسائي والسيد الرشتي، ترجمة: الأستاذ خليل زامل، إعداد وتعليق: الشيخ راضي ناصر السلمان، لبنان، توزيع مؤسسة فكر الأوحد للتحقيق والطباعة والنشر في سوريا، ودار هجر للنشر والتوزيع في الأحساء بالمملكة العربية السعودية، 1425هـ ـ 2004م، الطبعة الثانية.

([16]) الأستاذ أحمد بن عبد الهادي المحمد صالح، مصادر ترجمة الشيخ أحمد الأحسائي، مجلّة الواحة، العدد 60، 2010م.

([17]) الشيخ سامي بو خمسين، إبداع الوجود عند الشيخ أحمد الأحسائي، رسالة ماجستير، دمشق، فرع جامعة المصطفى| في دمشق، 1431هـ ـ 2011م.

انظر: http: //www. altahera. net/article. php?act=printable_version&id=17042

([18]) جوان كول، رفض الذات: التصوُّف عند الشيخ أحمد الأحسائي، مجلّة الساحل، العدد 3: 98 ـ 112، السنة الأولى، 2007م.

([19]) الدكتور محمد علي أمير معزي، غياب يلمؤه الحضور: تفسيرات الشيخية للغيبة، مجلة الساحل، العدد 5: 95، السنة الثانية، 2008م.

([20]) الأستاذ ياسر عبد الله آل خميس، ميزان المعرفة لدى المدرستين الأحسائية والخراسانية، مجلة البصائر، العدد 46، عام 1431هـ ـ 2010م.

([21]) السيد محمد حسن الطالقاني، الشيخية، رسالة ماجستير، لبنان، الجامعة اليسوعية، 1974م.

ملاحظة: هذا نقلاً عن: السيد معين الحديري، كتاب جوهرة الأحساء وفوارة النور: 30 ـ 32، وقد نقلها المذكور عن السيد الطالقاني من صفحات متفرّقة من رسالته، من صفحة 71 وحتّى 109.

([22]) الشيخ محمد بن سلمان الهاجري، رسالة في حكم التقدّم على قبر المعصوم، مجلة الفقاهة، العدد 10، عام 2010م.

([23]) الأستاذ حسين منصور الشيخ، الدكتور عبد الهادي الفضلي: تأريخ ووثائق: 170، البحرين، مداد للثقافة والإعلام، 1430هـ ـ 2009م.

([24]) إفادة من الأستاذ فؤاد بن الشيخ عبد الهادي الفضلي في تاريخ 24 ـ 4 ـ 2013م، عبر رسالة إلكترونية، بأنه زار الجامعة في بريطانيا عام 2011م، وكان في استقباله مدير لجنة المقرَّرات بالجامعة، ووجد الكتاب مترجماً، وطلبوا مجموعةً أخرى من كتب الشيخ الدراسية؛ لترجمتها وطباعتها وإدراجها ضمن مقرَّراتهم. وقد أفادوا بأن الكتاب قد طلب من مؤسّسات علمية، كالجامعات والمعاهد، ومن أساتذة أفراد في عدّة مناطق في العالم، وأكثر من أمريكا وأستراليا. واسم الجامعة وبيانات نشر الكتاب ـ بعد الترجمة ـ هو:

Introduction to Hadith, Abd al ـ hadi al ـ Fadli, Including Dirayat al ـ Hadith by al ـ Shahid al ـ Thani, Translated by Nazmina VirJee, 1st edition, 2002, 2 st edition, 2011, ISAS Press, Islamic College, UK.

([25]) الأستاذ فؤاد الفضلي، رسالة إلكترونية، في 24 ـ 4 ـ 2013م.

([26]) حسين منصور الشيخ، الدكتور الفضلي: تاريخ ووثائق: 104، البحرين، مداد للثقافة والإعلام، 1430 ـ 2009م.

([27]) الأستاذ حسين منصور الشيخ، الدكتور عبد الهادي الفضلي: تاريخ ووثائق: 132 ـ 133، 157 ـ 158، 169 ـ 170.

ملاحظة: قد أفاد الأستاذ فؤاد بن الشيخ الفضلي أنّ عدد مؤلَّفاته 75. وربما أن بعض كتبه لم تطبع بعد.

([28]) الدكتور عبد الهادي الفضلي: تاريخ ووثائق: 132 ـ 133، 157 ـ 158، 169 ـ 170.

([29]) الشيخ عبد الهادي الفضلي، دروس في أصول فقه الإمامية: 5 ـ 87.

([30]) الشيخ عبد الهادي الفضلي، دروس في أصول فقه الإمامية 1: 86، بيروت، مؤسّسة أمّ القرى للتحقيق والنشر، 1420هـ.

([31]) دروس في أصول الفقه الإمامي 1: 119 ـ 120، (بتصرف).

([32]) دروس في أصول الفقه الإمامي 1: 88.

([33]) دروس في أصول الفقه الإمامي 1: 112.

([34]) دروس في أصول الفقه الإمامي 1: 115.

([35]) دروس في أصول الفقه الإمامي 1: 120.

([36]) دروس في الفقه الإمامي 2: 4 ـ 5، بيروت، مؤسّسة أمّ القرى للنشر والتوزيع، 1419هـ.

([37]) دروس في الفقه الإمامي 3: 9، بيروت، مؤسّسة أمّ القرى للنشر والتوزيع، 1424هـ ـ 2004م.

([38]) دروس في فقه الإمامية 2: 9.

([39]) دروس في فقه الإمامية 2: 3 ـ 4.

([40]) الشيخ عبد الهادي الفضلي، معاملات البنوك التجارية: 43، بيروت، مركز الفقاهة للبحوث والدراسات الفقهية، 1429هـ ـ 2008م.

([41]) معاملات البنوك التجارية: 44 ـ 45.

([42]) الشيخ الفضلي، النصّ الشرعي: مفهومه وفهمه، مجلة الكلمة، العدد 55.

([43]) النصّ الشرعي: مفهومه وفهمه، مجلّة الكلمة، العدد 55.

([44]) انظر على سبيل المثال:

أـ الدكتور أحمد بن حسن الحسني، الودائع المصرفية، مكّة المكرمة، دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، 1420هـ ـ 1999م.

ب ـ الدكتور عبدالرحمن بن صالح الأطرم، الوساطة التجارية في المعاملات المالية، الرياض، دار إشبيلية للنشر والتوزيع، 1416هـ ـ 1995م.

ج ـ الدكتور يوسف عبد الله الشبيلي، الخدمات الاستثمارية في المصارف وأحكامها في الفقه الإسلامي، الرياض، دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، 1425هـ ـ 2005م.

د ـ الدكتور أحمد بن محمد الخليل، الأسهم والسندات وأحكامها في الفقه الإسلامي، الرياض، دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، 1426هـ.

هـ ـ الدكتور عمر مصطفى جبر إسماعيل، ضمانات الاستثمار في الفقه الإسلامي وتطبيقاتها المعاصرة، الأردن، دار النفائس للنشر والتوزيع، 1430 ـ 2010م.

و ـ الدكتور صهيب عبد الله بشير الشخانبة، الضمانات العينية: الرهن ومدى مشروعية استثماره في المصارف الإسلامية، الأردن، دار النفائس للنشر والتوزيع، 1432هـ ـ 2011م.

ز ـ فتحي زناكي، شركات المساهمة في القانون الوضعي والفقه الإسلامي، دار النفائس للنشر والتوزيع، 1433هـ ـ 2012م.

 

 

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً