أحدث المقالات

قراءةٌ نقديّة

الشيخ أحمد عابديني(*)

 

تمهيدٌ في رسالة البحث

يمكن للناظر الذي ينظر إلى هذا العنوان أن يحسّ بنوعٍ من الانزعاج والنفور، أو يرى هذا الموضوع غير ابتلائيّ في مجتمعنا، وفي عصرنا هذا. ويدّعي أن البحث حول هذا الموضوع، الذي بحثه كثير من العلماء، وكتبوا كتباً ورسائل عديدة، من الإتلاف للعمر، وصرف الأوقات في ما لا ينبغي.

ولكن أقول: من خلال هذا البحث الفقهي الفرعي ونظائره نريد أن نصل إلى حكمٍ أصولي عام، وهو أن العلماء القدماء كثيراً ما كانوا يحتاطون ويفتون طبقاً للاحتياط؛ لأجل رواية ضعيفة؛ أو لأجل أمر كانوا يرونه مطابقاً للاحتياط، ويرَوْن خلافه مخالفاً للاحتياط. وهذا النوع يكون كنموذج لهذه الدعوى. وسوف نشير إلى كثير من النماذج الأخر؛ حتّى يطمئن القارئ العزيز بأن ما أفتى به القدماء من الأصحاب، حتّى صار مشهوراً بينهم أو إجماعاً، ليس لأجل تلقٍّ خاصّ من المعصومين^، وليس لأجل أنه وصلت إليهم إخبار أو أدلّة لم تصل إلينا، بل أكثر الأحكام التي لا يوجد لدينا دليل محكم لإثباتها، وفي عصرنا هذا صار العمل بها مشكلاً، ناشئة عن الاحتياط، لا عن حجّة شرعية غير قابلة للنقاش.

ثمّ في كثير من الموارد، المتأخّرون أيضاً احتاطوا، وأضافوا احتياطاً إلى احتياطٍ، حتّى صارت المسألة من الغوامض والأمور التي لا يقبلها العقل العرفي البسيط، فيستشكل على الدين؛ لأجل وجود هذه الاحتياطات.

وبعبارةٍ أوضح: بعض الفقهاء الفحول، كالسيد البروجردي&، ويتبعه بعض أساتذتنا الكرام، قائلون بأن الشهرة القدماء تكون حجّةً، فضلاً عن إجماعهم. والدليل على ذلك أن القدماء من الأصحاب، الذين هم متعبِّدون بالنصوص، وملتزمون بنقل الروايات في فتاواهم، كان دأبهم عدم تغيير لفظ الرواية، حتّى بلفظٍ مرادف له، ولم يكونوا أهل القياس، ولا أهل الاستحسان، ولا أهلاً للتدقيقات العقلية الفلسفية، ولم تكن أذهانهم مشوبةً بالشبهات العصرية و…. إذا أفتوا كلّهم أو جلّهم في مسألةٍ واحدة وأجمعوا على أمرٍ واحد نحدس حدساً قطعياً بأنهم تلقُّوا تلك المسألة عن المعصوم، ووصل إليهم صدراً عن صدر، ولساناً عن لسان، من دون أن يكتبوا شيئاً، أو كتبوا ما هو الأساس للفقه ولكنْ احترق وعُدم وضاع خلال العصور الماضية. فعلى أيّ حال الحكم الذي حكم به جلُّ القدماء يكون كنصٍّ معتبر، وحجّة شرعية، ويجب العمل به.

وفي الواقع هؤلاء الفحول في الفقه يعتقدون أن الفقه وصل إلينا من طريقين:

الأوّل: التراث المكتوب، كالقرآن، والأحاديث الصحيحة المروية في الكتب الأربعة، وما شابهها.

الثاني: التراث الشفهي الذي وصل إلى الفقهاء القدماء صدراً من صدرٍ، ويداً بيدٍ، من طرق الأجواء العلمية والحوزات الدينية الشيعية. ثمّ إنّ الفقهاء كتبوه في كتبهم الفتوائية، ومن طريق كتبهم وصل إلينا.

والطريق الثاني أعلى قيمةً، وأكثر أهمّيةً، وأرفع درجةً، من الطريق الأوّل؛ إذ في الطريق الأوّل يوجد احتمال التقية، واحتمال الخطأ في الفهم، أو في النقل؛ وأيضاً يوجد احتمال وجود قرائن لم تصل إلينا، فلا تطمئن النفس بأن ما نقله الراوي كان مراد الأئمة^، ولكنّ الذي أفتى به القدماء من الأصحاب هو نتيجة غاية سعيهم ومدى وسعهم وتحقيقهم في كشف مراد المعصوم، ونتيجة جمعهم للقرائن والأجواء وغيرها.

ولذا ترى هؤلاء الفقهاء الفحول، كالسيد البروجردي&، يقولون: لو وجدنا أخباراً صحاحاً، ولم يُفْتِ بها القدماء من الفقهاء، نفهم أنّ فيها خللاً لم يصل إلينا. وخلاصة رأيهم أنّه «كلّما ازداد صحة ازداد ضعفاً بإعراض المشهور، وكلما ازداد ضعفاً ازداد صحّةً بإقبال المشهور».

فللمشهور من القدماء دورٌ أساسي في معرفة لبّ رأي المعصوم×.

 

نقد على السيد البروجردي والشيخ المنتظري

هذا ملخّص ما يعتقد به السيد البروجردي&، وتلميذه المقرِّر والمدقِّق والمحقِّق الشيخ المنتظري&.

وملخَّص جوابنا: إنه بالتتبُّع في الموارد التي ترك المشهور الروايات الصحاح، وأفتوا على طبق خبر واحد، نفهم أن النقطة الأساسية في فتاواهم هو رعاية الاحتياط، أي إنّهم إذا رأوا خبراً واحداً مطابقاً للاحتياط، ومعارضاً للأخبار الكثيرة، أفتَوْا به، لا لأجل قرائن خاصّة كانت موجودة عندهم ولم تصِلْ إلينا، ولا لشيءٍ آخر؛ بل لأجل أنّهم رأَوْا الخبر الضعيف مطابقاً للاحتياط، فأفتَوْا به. مثلاً: في حكم الوضوء مع الأغسال الواجبة، غير الجنابة، أو الأغسال المستحبة أفتَوْا بوجوب الوضوء؛ لروايةٍ ضعيفة…؛ إذ إنّه كان مطابقاً للاحتياط، وتركوا صحاحاً كثيرة.

وفي بحث عدم وجدان الماء لتغسيل الميّت أفتَوْا بتيميمه؛ لأجل روايات ضعاف؛ ولأنّه أمر غير مخلّ وغير مضرّ بالميت، ولا بالحيّ.

وهكذا في كثيرٍ من المباحث، ومنها: بحثنا الحاضر الذي نريد أن نستوفي البحث حوله.

فبعد البحث والتحقيق في موارد كثيرة، وحصول الاطمئنان من الذي كشفنا وادّعينا، نستطيع أن نجد طريقاً للفرار من سيطرة المشهور وفتواهم في كثير من المجالات، التي أصبحت اليوم من المشاكل للمجتمع.

وأخيراً أقول: إنّ بحثنا لن يصل إلى ترك كتب القدماء ورفض فتاواهم في كلّ المجالات، بل في الموارد التي تكون فتاواهم مطابقةً للاحتياط، ونجد اليوم أدلّة واضحة، نقلياً أو عقلياً، مخالفةً لما أفتوا به، فنحكم وفق الروايات الصحاح.

وأيضاً في الموارد التي لا يوجد لدينا خبرٌ، ولكنْ أفتى به المشهور، ويكون مطابقاً للاحتياط، نستطيع أن نخالفهم، وليست مخالفتهم مخالفة للأئمّة الأطهار^.

والذي يميِّز هذا البحث عن كثير من المباحث هو أنّ الاحتياط في هذا البحث اشتدّ دورةً بعد دورة، وعصراً بعد عصر. فالقدماء من الأصحاب احتاطوا، ورجَّحوا طائفة من الأخبار، ومن أجلها أفتَوْا بعدم جواز الصلاة في الثوب الذي عمل من جلد أو وبر ما لا يؤكل لحمه، حتّى وصل الدور إلى العلاّمة الحلّي فجاوز المشهور، واحتاط في التكّة غير الساترة المعمولة ممّا لا يؤكل لحمه، ثمّ بعده أضافوا على الاحتياط حتّى وصلوا إلى حدّ أفتَوْا ببطلان الصلاة في الثوب الملقاة عليه شعرةٌ من غير مأكول اللحم، أو ثوب أصابه لعابُ هرّةٍ مثلاً.

فملاحظة سير البحث في الأدوار المختلفة يفيدنا في دراسة الفقه من جديد، وفهم رموز الفتاوى في العصور الأخيرة.

نظير هذا السير يمكن لك أن تجده في الدم المعفوّ في الصلاة، وفي مساحة الدرهم الذي هو ملاك العفو، وفي ثوب المربِّية للطفل و…

 

مواقف الفقهاء من الموضوع، تعليقٌ ونقد

فإليك كلمات الأصحاب، وفي ذيلها بعض التوضيحات منّا.

1ـ قال الصدوق& في المقنع: «اعلم أنّ كلّ ما أكلت لحمه فلا بأس بالصلاة في شعره ووبره. ولا بأس بالصلاة في الفراء الخوارزمية، وما يدبغ بأرض الحجاز. ولا بأس بالصلاة في السنجاب والسمور والفنك. ولا تُصَلِّ في ثعلب، ولا في الثوب الذي يليه من تحته وفوقه، إلاّ في حال التقية، فلا بأس بالصلاة فيه. ولا بأس بالصلاة في الخزّ، إذا لم يكن مغشوشاً بوبر الأرانب»([1]).

أقول:

1ـ هو& لم يأتِ بعنوان مأكول اللحم أو نجس العين، بل جاء بلفظ «الثعلب». ولكن نعلم قطعاً أن مراده كان أعمّ من الثعلب والذئب والكلب والخنزير وما شابهها. فترك ذكر غير الثعلب لعلّه لعدم تداول لبس جلده، وما يصنع منه.

2ـ يمكن أن يقال: نهيه عن الثوب الذي يليه من تحته وفوقه يرشدنا إلى الصلاة في الثوب الذي فيه شعر أو شعرات من الثعلب، وأيضاً الثوب الذي فيه دسمه أو عرقه، وإلاّ لم يكن وجهٌ لنهيٍ غير تحريمي ولا يدلّ على بطلان الصلاة التي تقع فيه؛ إذ هو& ذكر أحكام الحرام والمكروه، والمبطل وغير المبطل، في سياقٍ واحد، مثل: «ولا يجوز الصلاة في بيت فيه خمر محصور في الآنية… ولا تصلِّ في ثوب يكون في عمله مثال طير… ولا تصلِّ وبين يدَيْك امرأةٌ تصلّي… ولا تصلِّ في خاتمٍ عليه نقش مثال الطير…([2])، وغير ذلك من الموارد التي نعلم قطعاً أن الصلاة لا تكون فيها باطلة.

فلا نستطيع أن ننسب إلى الصدوق& الحكم ببطلان الصلاة في الثوب الذي أصابه شعرةٌ أو عرق ممّا لا يُؤكَل.

وأيضاً قال الصدوق في الهداية([3]): باب ما يجوز الصلاة فيه: قال الصادق×: صلِّ في شعر ووبر كلّ ما أكلت لحمه، وما لا يؤكل لحمه فلا تُصلِّ في شعره ووبره.

أقول:

ما يفهم من عبارته أنه ليس له شيءٌ إلاّ روايات وأخبار وصلت إلينا، وحاصله عدم جواز الصلاة في ما لا يؤكل لحمه، المنصرف بظاهره عن شعرة وشعرات، بل إنه ينصرف عن تكّةٍ صغيرة لا يمكن لبسها للصلاة أيضاً. فلبس ثوبٍ كالقميص أو الأزرار المصنوعة من جلد ما لا يؤكل لحمه ممنوعٌ، لا كلّ شيء منه، ولو صغيراً في غاية الصغر.

وفي الفقه المنسوب إلى الرضا× ـ المظنون أن يكون من تأليفات والد الصدوق& ـ: لا بأس بالصلاة في شعر ووبر كلّ ما أكلت لحمه. ولا يجوز الصلاة في سنجاب وسمور وفنك. فإذا أردت الصلاة فانزع عنك هذه. وقد أروي فيه رخصة. وإيّاك أن تصلّي في الثعالب، ولا في ثوب تحته جلد ثعالب([4]).

أقول:

قد ظهر مدى دلالتها ممّا مضى. فكما أنّه في جواز الصلاة لا يعتنى بالشعر والشعرة والتكّة الصغيرة، ولا يصدق الصلاة فيه، كذلك إذا كان عليه أمور صغيرة مما لا يؤكل لحمه لا يصدق عليه أنّه صلّى في ما لا يؤكل لحمه.

هل هناك خلافٌ بين ما قاله الصدوق في المقنع: «لا بأس بالصلاة في السنجاب والسمور والفنك، ولا تصلّ في الثعلب» وبين قوله في الهداية: «وما لا يؤكل لحمه فلا تصلِّ في شعره ووبره»، مع علمنا بأن السنجاب والسمور غير مأكول اللحم؟

الجواب:

طبقاً لما قلنا من أنّه ذكر أمور المنهيّ بعضها مع بعضٍ من دون فصل بينهما، وأيضاً دأبه كان الإفتاء على أساس الاحتياط، فلا خلاف بين الفتاوى؛ إذ نهيه في الهداية ناشئٌ عن الاحتياط؛ لأن الصلاة في وبر السنجاب أو السمور ليس واجباً، ولا مستحبّاً، بل إمّا منهي عنه تحريماً، أو كراهةً. فبعد أن قال المفتي: «لا يجوز الصلاة فيه»، والمكلَّف ترك الصلاة فيه، وصلّى في غيره، فصلاته صحيحة.

وبعبارةٍ أخرى: اختلاف فتواه في المقنع والهداية اختلافٌ ظاهري، ناشئٌ عن التفصيل والإجمال. ففي المقنع فصَّل بين ما يكون لبسه في الصلاة مكروهاً وبين ما يكون لبسه في الصلاة حراماً؛ وفي الهداية نهى عن الصلاة في الجميع؛ احتياطاً.

وعليه يحمل النهي عن الصلاة في السمور والسنجاب والفنك في عبارة الفقه الرضوي.

2ـ قال الشيخ المفيد&: «لا يجوز الصلاة في جلود الميتة كلها… ولا يجوز في جلود سائر الأنجاس من الدواب، كالكلب والخنزير والثعلب والأرنب وما أشبه ذلك، ولا تطهر بالدباغ، ولا تقع عليها ذكاة.

ولا يجوز للرجال الصلاة في الإبريسم المحض…. ولا يصلَّى في الفنك والسمور، ولا تجوز الصلاة في أوبار ما لا يؤكل لحمه. ولا بأس بالصلاة في الخزّ المحض، ولا تجوز الصلاة فيه إذا كان مغشوشاً بوبر الأرانب والثعالب وأشباههما([5]).

أقول:

1ـ رأيه بالنسبة إلى عدم الجواز في جلود الثعلب والأرنب وما شابههما ناشئٌ عن رأيه بنجاستها، كما يظهر من بعض الروايات. ولكن على القول بطهارتها ـ كما هو الحقّ عندنا ـ هل يجوز الصلاة فيها أم لا؟ لا يظهر شيءٌ من عبارته.

2ـ قوله بعدم جواز الصلاة في الفنك والسمور مطابقٌ لبعض الروايات، وفي مقابله رواياتٌ أخرى مجوِّزة للصلاة فيها، ولكن هو رجَّح الطائفة المانعة؛ لأنها كانت موافقة للاحتياط.

3ـ المراد ممّا لا يؤكل لحمه غير معلوم. كما أنّ الوجه لذكر العامّ بعد الخاصّ غير معلوم؛ إذ معلومٌ أن الفنك والسمور ممّا لا يؤكل لحمه، فذكر هذين الحيوانين أوّلاً، ثمّ ذكر العنوان الكلّي مريب. إلاّ أن يحمل لفظ: «ولا يصلّى في الفنك والسمور» على الكراهة، ولفظ «لا تجوز الصلاة في أوبار ما لا يؤكل لحمه» على عدم الجواز وضعاً، واختلاف الألفاظ يرشدنا إلى اختلاف المراد والمعنى.

4ـ لم يذكر& شيئاً في موضوع الصلاة في أبوال وأرواث وألبان ولعاب ما لا يؤكل لحمه. ولكنّ حكم الأوّلين معلومٌ؛ لأنهما نجسان، والصلاة في النجس ممنوعةٌ.

ولكنْ لا دليل على نجاسة ألبانه، ولا لعابه. فمن ناحية النجاسة لا إشكال في تجويز الصلاة فيها، وبما أنهما ليسا من الأوبار فلا بأس بهما من هذه الناحية أيضاً. فيظهر مما ذكرنا أنه& لم يعتمد على موثّقة ابن بُكَيْر الآتية، الدالّة على ممنوعية الصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكلّ شيء منه([6])؛ لأنّه اكتفى بالوبر المذكور في سائر الروايات، ولم يُفْتِ بممنوعية الصلاة في كلّ شيءٍ منه.

5ـ مراده من «الوبر» غير معلوم في الابتداء؛ إذ لا يُدرى هل أنه يصدق على شعرٍ أو شعرات من الحيوان يكون في ثوب المصلّي أو يلزم أن يكون شيئاً معتنى به، بحيث يصدق الصلاة فيه وحيداً، سواء كان كبيراً، بحيث يكون ساتراً، أو صغيراً، مثل: التكّة، أو أصغر منه، مثل: الحلقة التي يدخل فيها الإصبع، بحيث يصدق أن إصبعه فيه، فبالتالي يصدق مجازاً أنه صلّى في وبر ما لا يؤكل لحمه؟

الذي يظهر من التأمُّل في عباراته، وملاحظة بعضها مع بعضٍ، أن الصلاة في الجلود والأوبار من قماشٍ واحد. فكما أنّ الجلد الصغير لا يستعمل بعنوان الثوب فالمراد بالأوبار أيضاً يكون ثوباً مصنوعاً من الوبر، لا شعراً أو شعرات منها.

3ـ قال الشيخ الطوسي& في النهاية: ولا تجوز الصلاة في جلد ووبر ما لا يؤكل لحمه، مثل: الكلب والخنزير والثعلب والأرنب وما أشبهها، سواءٌ كانت مذكّاة أو مدبوغة أو لم تكن كذلك، فمَنْ صلّى فيه وجب عليه إعادة الصلاة. ولا يجوز الصلاة في الخزّ المغشوش بوبر الأرانب والثعالب. ورُويت روايةٌ في جواز ذلك، وهي محمولةٌ على التقية… ولا بأس بالصلاة في الخزّ الخالص، أو إذا خالطه شيءٌ من الإبريسم….

ولا تجوز الصلاة في الفنك والسمور، ووبر كلّ ما لا يؤكل لحمه. وقد رُويت رخصةٌ في جواز الصلاة في هذين الوبرين خاصّة، وهي محمولةٌ على حال الاضطرار.

ولا بأس بالصلاة في السنجاب والحواصل، وفي وبر كلّ شيء يؤكل لحمه، إذا ذُكّي ودبغ([7]).

أقول:

1ـ رأيه& في عدم جواز الصلاة في الثعلب والأرنب و… ناشئٌ من أنّها غير مأكولة اللحم. فهو خالف أستاذه الشيخ المفيد في التعليل، لا في أصل الحكم، ولا في مورده.

2ـ ذكره «الفنك والسمور» خاصّة، وقبل العامّ، لعلّه ناشئٌ عن تداول لبسهما، ولا سيَّما في البلاد الباردة. ولعلّه لأجل ذلك حمل الرواية المرخِّصة لهما على الاضطرار، دون التقيّة، مع أنّه حمل الرواية المجوِّزة للخزّ المغشوش على التقيّة.

3ـ إنّه& لم يكن عنده شيءٌ أكثر من الروايات التي نقلها في كتابَيْه، ووصل إلينا، فاحتمال أن يكون عنده ما ليس عندنا في غير محلِّه.

4ـ عبارته في «النهاية»، في باب ما يحلّ من الميتة ويحرم من الذبيحة، يختلف عمّا هو هنا، ونصّه هكذا: «وما لا يؤكل لحمه فعلى ضربين… والضرب الآخر يجوز استعماله إذا ذُكّي ودبغ، غير أنه لا يجوز الصلاة فيه، وهي جلود السّباع كلّها، مثل: النمر والذئب والفهد والسبع والسمور والسنجاب والأرنب وما أشبه ذلك من السباع والبهائم»([8]).

كلا العبارتين متّحدتان في موضوع عدم جواز الصلاة في جلود ما لا يؤكل لحمه، ولكن «الوبر» يوجَد في ما نقلناه سابقاً، لا في عبارته الأخيرة.

5ـ مراده من الثوب الذي يجوز الصلاة فيه أو لا يجوز هو الثوب الساتر، وبيان حكم الثوب غير الساتر يحتاج إلى عبارةٍ أخرى، كما صرّح هو بذلك فقال: «ولا تجوز الصلاة في القلنسوة والتكّة إذا عملا من وبر الأرانب»([9]).

فهو وشيخه لم يتكلَّموا عن الصلاة في الشعرة أو الشعرات الملقاة على الثوب.

4ـ قال السيد المرتضى& في الانتصار: وممّا تفرَّدت به الإمامية أنّ الصلاة لا تجوز في وبر الأرانب والثعالب، ولا في جلودها، وإنْ ذبحت ودبغت الجلود. والوجه في ذلك الإجماع المتردّد ذكره، وما تقدَّم أيضاً من أن الصلاة في الذمّة بيقينٍ، فلا تسقط إلاّ بيقينٍ، ولا يقين في سقوط صلاة مَنْ صلّى في وبر أرنب أو ثعلب أو جلدهما([10]).

أقول:

مراده أن الصلاة في ثوبٍ ساتر للعورة، مصنوع من وبر أو من جلد ما ذكر، ممنوعٌ وباطل، لا الصلاة في الثوب الذي عليه شعرة أو شعرات ممّا لا يؤكل لحمه.

والدليل على ذلك: أوّلاً: إنّه تمسّك بالإجماع المتردّد ذكره. وقد مرّت كلمات الفقهاء، وعلم من خلالها أنّهم لم يفتوا ببطلان الصلاة في الثوب المشتمل على الشعرة الواحدة، أو قطعة صغيرة غير ساترة.

ثانياً: إنّه بنفسه في البحث عن النجاسة المعفوّ عنها في الصلاة قال: «ويمكن أن يقال: إنّ التكّة لا حظّ لها في أجزاء الصلاة، ولا تصحّ الصلاة بها على انفراد، فجرى وجودها مجرى عدمها، وكأنّها من حيث لا تأثير لها في أجزاء الصلاة تجري مجرى ما ليس عليه من الثياب([11]). وهذا الدليل بعينه يجري في ما نحن فيه، ويظهر منه أن الأجزاء الصغيرة ممّا لا يؤكل لحمه، بقدر علم الثوب أو شبهه، لا بأس به؛ لأنه يجري وجودها مجرى عدمه.

5ـ قال أبو الصلاح الحلبي& في الكافي: الشرط الثامن: طهارة اللباس و… ويجتنب النجس والمغصوب وجلود الميتة، وإنْ دبغت، وجلود ما لا يؤكل لحمه، وإنْ كان منه ما يقع عليه الذكاة، وما عمل من وبر الأرانب والثعالب، أو غشّ به، والحرير المحض. فإنْ صلّى في شيءٍ من ذلك لم تُجْزِه الصلاة، ومعفوّ عن الصلاة في القلنسوة والتكّة والجورب والنعلين، وإنٍْ كان نجساً أو حريراً. والتنزُّه عنه أفضل([12]).

أقول:

وجود لفظة «و» في عبارة: «وإنْ كان نجساً أو حريراً» يرشدنا إلى أنّه يجوز الصلاة في التكّة المصنوعة ممّا لا يؤكل لحمه أو الميتة أو المغصوب، وإنْ خرج الأخيران بدليلٍ آخر لا يلزم منه خروج الأوّل. فالصلاة في التكة ممّا لا يؤكل لحمه جائزٌ، اللهمّ إلاّ أن يقال: إن لفظة «و» غلطٌ، ومن أخطاء النسّاخ، ففي هذه الصورة ينحصر الاستثناء في التكّة وما شابهها إذا كان نجساً، أو من جنس الحرير، دون ما لا يؤكل لحمه. وعلى أيّ حالٍ لا يدلّ على عدم جواز الصلاة في ثوبٍ يكون عليه شعرة أو شعرات ممّا لا يؤكل لحمه أو من وبره. ولم يستثْنِ منه شيئاً، حتّى السنجاب أو السمور أو الفنك أو غيرها، وإنْ دلّت رواياتٌ كثيرة على جواز الصلاة فيها.

6ـ قال الطوسي& في الخلاف: مسألة 256: «كلّ ما لا يؤكل لحمه لا يجوز الصلاة في جلده ولا وبره ولا شعره، ذُكِّي أو لم يُذَكَّ، دُبغ أو لم يُدْبَغ… ورُويت رخصة في جواز الصلاة في الفنك والسمور والسنجاب. والأحوط ما قلناه. وخالف جميع الفقهاء في ذلك، وقالوا: إذا ذُكّي ودبغ جازت الصلاة في ما لا يؤكل لحمه، إلاّ الكلب والخنزير، على ما مضى من الخلاف فيما…».

دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط، واعتبار براءة الذمّة بيقينٍ، ولا يقين لمَنْ صلّى في ما ذكرناه.

وروى عليّ بن حمزة… فقال: لا بأس بالسنجاب([13]).

أقول:

1ـ يظهر منه أن العمدة في المسألة الروايات المروية، ولكن بعدما رأى أن الروايات مختلفة أفتى بما هو أحوط. والإجماع ليس دليلاً مستقلاًّ في رأيه، وأيضاً اليقين بالبراءة وطريقة الاحتياط من الأدلّة الإقناعية، لا الأصلية.

2ـ قوله: «لا وبره، ولا شعره» يلقي في الذهن ابتداءً أنّه لا يجوِّز الصلاة في ثوب أصابته شعرةٌ أو شعرات، إلاّ أنّ الأدلة التي جاء بها ليس فيها هذه التشديدات؛ إذ الروايات موضوعها «جلود ما لا يؤكل لحمه»، والجلود لا تصدق على الشعرة. والفقهاء الذين كانوا قبله لم يتكلَّموا في موضوع الشعرة والشعرات، حتّى يكون إجماعاً تحصيلياً. فمن هنا نحدس حدساً قطعياً بأنّ مراده كان الثوب المتَّخذ من الشعر أو الوبر، لا الشعرة الواحدة الملقاة على الثوب.

7ـ قال السيد أبو المكارم& في الغنية: «ويجوز الصلاة في الخزّ الخالص، ولا يجوز في الإبريسم المحض، وجلود الميتة ـ وإنْ دُبغت ـ، وجلود ما لا يؤكل لحمه ـ وإنْ كان فيها ما يقع عليه الذكاة ـ، وما عمل من وبر الأرانب والثعالب، أو غُشّ به، واللباس النجس والمغصوب. يدلّ على جميع ذلك الإجماع المذكور، وطريقة الاحتياط… وقد عُفي عن النجاسة تكون في ما لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً، كالقلنسوة والتكّة والجورب والخفّ. والتنزّه عن ذلك أفضل([14]).

أقول:

1ـ عبارة «وما عمل من وبر…» صريحةٌ في أن الممنوع الصلاة في ثوبٍ عمل من وبر ما لا يؤكل لحمه، فالثوب الذي عليه شعرةٌ أو شعرات ممّا لا يؤكل لحمه أو لعاب فمه أو لبنه يبقى على أصله الأوّلي، وهو الجواز.

2ـ عدم استثناء السنجاب أو السمور أو غيرها يدلّ على أنه لم يعتَنِ بالروايات المجوّزة؛ لأنها كانت مخالفةً للاحتياط، وترك الصلاة فيها أفضل.

3ـ وأخيراً استثنى الأشياء الصغيرة غير الساترة إذا كانت نجسة، بل إذا كانت فيها عين النجاسة. والنجاسة أعمّ من أن تكون الدم أو الروث مما لا يؤكل لحمه أو المنيّ أو الميتة، فالصلاة فيها مع وجود عين النجاسة عليها غير محظور.

4ـ ومع ذلك هو قال ما هو الحقّ عنده، وتكون السيرة العملية للفقهاء وغيرهم هي أن التنزه عنه أفضل.

8ـ قال المحقّق& في الشرائع: «ولا تصحّ الصلاة في شيءٍ من ذلك إذا كان مما لا يؤكل لحمه، ولو أخذ من مذكّى، إلاّ الخزّ الخالص. وفي المغشوش منه بوبر الأرانب والثعالب روايتان، أصحّهما المنع([15]).

 

النتيجة

الذي يظهر من الأقوال المنقولة الماضية، حتّى زمان المحقِّق، أنّه لم يكن بحث حول إلقاء الشعرة أو الشعرات على اللباس، إلاّ كلاماً من النهاية في موضوع الصلاة في ما لا تتمّ فيه الصلاة. وكان البحث كلّه منصبّاً حول جلد ما لا يؤكل لحمه، والثوب المتَّخذ من وبره، والثوب المغشوش، فإنهم وإنْ روَوْا موثَّقة ابن بُكَيْر وغيرها، ونقلوها، ولكنْ لم يفتوا بمضمونها. وعباراتهم بين الصريح بالثوب المعمول من الوبر وبين المجمل الذي كان يفهم بالقرائن الداخلية، الدالّة على أنّ مرادهم الثوب وما شابهه من الأمور الساترة للعورة، حتّى وصل الدور إلى العلاّمة الحلّي، فتكلّم حول التكّة غير الساترة المأخوذة من جلد أو من وبر ما لا يؤكل لحمه.

ومن الشواهد على ذلك: كلام الشهيد الثاني في المسالك، حيث ذيَّل عبارة المحقّق بقوله: «سياق البحث عن اللباس يقتضي كون المنع من ذلك مخصوصاً بكونه لباساً، فلو كان غيره، كالشعرات الملقاة على الثوب، لم يمنع الصلاة فيه. وربما قيل بالمنع مطلقاً. وعلى كلّ حال فيستثنى من ذلك شعر الإنسان؛ لجواز الصلاة فيه متصلاً، وكذا منفصلاً؛ ولعموم البلوى به…([16]).

9ـ قال العلاّمة& في التذكرة: مسألة 118: «وجلد ما لا يؤكل لحمه لا تجوز الصلاة فيه، وإنْ ذُكّي ودبغ، سواء كان هو الساتر أم لا، عند علمائنا أجمع»([17]).

أقول:

مراده من قوله: «أم لا» ليس التكّة الصغيرة، ولا مثل رأس الإبرة وما شابهها؛ لأنّه ادّعى الإجماع. ومرّت أقوال الفقهاء في هذا المجال، وعرف منها أنّهم لم يتكلموا حول الأشياء الصغيرة غير الساترة.

وأيضاً العلاّمة الحلّي نفسه قال، في مسألة 121: «لو عمل من جلد ما لا يؤكل لحمه قلنسوة أو تكّة فالأحوط المنع؛ لعموم النهي عن الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه».

فلو كان المراد من الإجماع منع الصلاة في قطعةٍ صغيرة من الجلد كان له أن يدّعي الإجماع في هذه المسألة أيضاً، وكان عليه أن يفتي بالمنع، لا أن يحتاط. فمن هنا نعرف أنّه في كلّ العبارات الماضية المطلقة كان المراد بالجلد الساتر، لا القطعات الصغار. وقد أفتى العلاّمة بالاحتياط لا لأجل الإجماع، بل لأجل موثَّقة ابن بُكَيْر، ولكن دلالتها في نظره لم تكن تامّةً، وكذا سائر الأخبار الواردة في هذا المجال، ولذا لم يستطع أن يفتي، بل اكتفى بالاحتياط.

فنفهم أنّه لم يُفْتِ أحدٌ بالموثَّقة إلى زمان العلاّمة، وهو أيضاً لم يُفْتِ بها، بل احتاط لأجلها.

10ـ والشهيد الأوّل& حذا حذوه في الدروس، وقال: «ولا تجوز في جلد ما لا يؤكل لحمه، وإن ذُكّي ودبغ، لا في شعره ووبره، إلاّ الخزّ وبراً وجلداً، على الأصح، والسنجاب. وفي الثعلب والأرانب والفنك روايةٌ بالجواز متروكةٌ. وفي القلنسوة أو التكّة ممّا لا يؤكل لحمه تردُّدٌ، أشبهه المنع. وفي الحواصل الخوارزمية روايةٌ بالجواز مهجورة([18]).

أقول:

ملاحظة مجموع العبارة يعلن بأن المراد من «ولا شعره ووبره» الثوب المصنوع منهما، وإلاّ لم يكن وجه للتردُّد «في القلنسوة أو التكّة ممّا لا يؤكل لحمه».

ويؤيِّد ما فهمنا استثناءه الخزّ بقوله: «إلاّ الخزّ وبراً وجلداً»؛ إذ الظاهر أن مراده الثوب المصنوع من جلد الخزّ أو من وبره، لا الثوب الذي عليه وبرٌ من خزّ.

وقد مرَّتْ عبارة الشهيد الثاني في المسالك: «سياق البحث عن اللباس يقتضي كون المنع من ذلك مخصوصاً بكونه لباساً. فلو كان غيره، كالشعرات الملقاة على الثوب، لم يمنع الصلاة فيه، وربما قيل بالمنع مطلقاً»([19]).

ولا يبعد أنّه أراد بقوله: «وربما قيل بالمنع مطلقاً» ما أفتى به المحقِّق الثاني في جامع المقاصد، حيث قال: «ولا يُستثنى من جلد ما لا يؤكل لحمه وصوفه وما في حكمه ما لا تتمّ الصلاة فيه، كالتكّة والقلنسوة، فيعمّ المنع حتّى الشعرة الواحدة على الثوب أو البدن؛ لعموم حديث زرارة السابق؛ ولمكاتبة إبراهيم…»([20])؛ إذ لم أجد مَنْ أفتى بالرواية وبهذا الشمول قبله، وهو أيضاً لم ينقل شخصاً مؤيِّداً لقوله. نعم، هو نقل كلام الذكرى مقابلاً لفتواه، حيث قال: «لو وجد على الثوب وبرٌ فالظاهر عدم وجوب الإزالة»([21]).

وفي المدارك، بعد أن جاء بالأخبار الواردة المرتبطة بالبحث، قال: وهنا فوائد:

الأولى: الظاهر اختصاص المنع من الصلاة في هذه الأشياء بالملابس، فلو كانت غيرها، كالشعرات الملقاة على الثوب، لم تمنع الصلاة فيه. وبه قطع الشهيد في الذكرى، وجدّي في جملةٍ من كتبه. ويدلّ عليه، مضافاً إلى الأصل السالم….

الثانية: اختلف الأصحاب في التكّة والقلنسوة المعمولتين من وبر غير المأكول، فذهب الشيخ في النهاية إلى المنع منهما؛ لما سبق في الجلود؛ وقال في غير النهاية بالكراهة، ومال إليه في «المعتبر»؛ تعويلاً على الأصل ورواية…([22]).

أقول:

1ـ الظاهر أن مراده من قول الشيخ في النهاية هذه العبارة: «ولا تجوز الصلاة في القلنسوة والتكّة إذا عملا من وبر الأرانب»([23])؛ إذ لو كان مراده غيرها، نظير: ما نقلنا سابقاً عنه: «لا تجوز الصلاة في الفنك والسمور ووبر كلّ ما لا يؤكل لحمه»([24])، أو «لا تجوز الصلاة في جلد ووبر ما لا يؤكل لحمه، مثل: الكلب والخنزير و…»([25])، أو «لا تجوز الصلاة في جلود السباع كلّها»([26])، فهذه العبارات لم تكن منحصرةً في نهاية الشيخ، بل كانت موجودةً في المقنعة وغيرها. فذكر نهاية الشيخ وحيداً يدلّ على ما فهمنا وذكرنا.

2ـ مراده من (غير النهاية) المبسوط، حيث ذكر فيه: «وكلّ ما لا تتم الصلاة فيه منفرداً جازَتْ الصلاة فيه، وإنْ كان من الإبريسم، مثل: التكّة والجورب والقلنسوة والخف والنعل. والتنزُّه عنه أفضل»([27]).

ويظهر مما ذكرنا أن الحكم بمنع الصلاة في الثوب الملقاة عليه شعرة أو شعرات ليس مشهوراً، ولا إجماعاً، بل يوجد في كتاب النهاية، دون غيره من كتب الشيخ وغيره. فما عن البعض من ادّعاء الشهرة أو الإجماع قابلٌ للمناقشة.

قال في الجواهر: «بل عن الذخيرة والمجلسي: إنّ المشهور بطلان الصلاة في الشعرات الملقاة على اللباس، وإنْ لم يكن جزءاً منه، بل في جامع المقاصد: «وإن كانت شعرة واحدة»، بل في حاشية المدارك للأستاذ: إن الظاهر من غير واحد من الفقهاء أن المنع غير مختصّ باللبس، بل شامل للاستصحاب أيضاً؛ لأنّهم يذكرون الأخبار الدالة على ذلك في جملة أدلّتهم، من غير تعرُّضٍ لكون مدلولاتها غير المطلوب، بل يذكرون ما دلّ على جوازه، ويتعرّّضون للعلاج من غير تعرُّضٍ لكون ذلك غير المطلوب. ثمّ قال: وأرى العلماء وأسمع أنّهم يتنزَّهون عنه»([28]).

أقول:

إثبات الشهرة على مدَّعيها، بعدما مرّ من كلمات القدماء، وشرح مرادهم. وأيضاً جامع المقاصد أفتى بما أفتى لأجل موثَّقة ابن بُكَيْر، لا للشهرة أو الإجماع. وما نقل عن حاشية المدارك حاصلٌ عن استحسان واحتياط، لا شيء آخر. ويمكن أن يجاب بأن القدماء الذين كانوا أتباع النصّ، وكانوا يفتون بنصّ الروايات، وكانوا لا يغيرون ألفاظ الروايات ولو بمرادفاتها، مع ذلك لم يأتوا بكلمات الموثَّقة وما شابهها، فيظهر منه عدم اعتمادهم عليها. فالحكم بعدم جواز الصلاة في ما لا يؤكل كان مطابقاً للاحتياط، فأفتوا به، لا لأجل إجماعٍ، ولا خبر خاصّ.

وممّا ذكرنا يظهر أيضاً ضعف ما في فتوى العروة الوثقى، وفي إمساك أكثر الفقهاء من التعليق عليها.

قال في العروة الوثقى: «الرابع [من شروط لباس المصلي]: أن لا يكون من أجزاء ما لا يؤكل لحمه، وإنْ كان مذكّى، أو حيّاً، جلداً كان أو غيره. فلا يجوز الصلاة في جلد غير المأكول، ولا شعره وصوفه وريشه ووبره، ولا في شيء من فضلاته، سواء كان ملبوساً أو مخلوطاً به أو محمولاً، حتّى الشعرة الواقعة على لباسه، بل حتّى عرقه وريقه. وإنْ كان طاهراً، ما دام رطباً، بل ويابساً إذا كان له عينٌ»([29]).

أقول:

رأيتُ تعليقات أكثر من عشرين من الفقهاء، ولم يعلّق عليه إلاّ ثلاثة: أحدهم لا يرى بأساً بالتكّة وما يكون غير ساتر([30])؛ واثنان منهم لا يرَوْن بأساً بالمحمول([31]). مع أن كل المسألة قابلةٌ للمناقشة، ومتفرّعاتها تكون بلا دليل. فاتّباع الأكثر، وخصوصاً السيد البروجردي&، لروايةٍ موثقة لم يُفْتِ بها القدماء من الأصحاب عجيبٌ؛ إذ إنّه كان يعتقد أنّه «إذا وجدنا روايات متعدّدة نطمئن أنّه قد صدر من المعصوم شيءٌ، ولكن لا ندري لفظه ومضمونة بالضبط…»، فهنا كيف اطمأنَّ بأنّ روايةً مبتلاة بالمعارض، وبمخالفة المشهور، ومبتلاة أيضاً بأنّ نفس حكمها يكون من الأحكام الشاقّة غير المناسبة للشريعة السهلة، قد صدرت من المعصوم، ثمّ أفتى وفقها بالاحتياط!!

فالذي ظهر إلى الآن، من خلال مباحث متفرقة، وهذا المبحث أيضاً، نكتتان:

الأولى: إن الفقهاء القدماء كان ديدنهم العمل بالاحتياط.

الثانية: إن الفقهاء المتأخرين أيضاً سلكوا نهج القدماء في الاحتياط، ولا سيَّما إذا وجدوا خبراً موافقاً له، وإنْ لم يُفْتِ به القدماء. فالأحوط اتَّسع ظلّه على رأس الفقه، وصار الفقه فقهاً صعباً، غير قابل للدفاع عنه في كثير من المجالات؛ إذ صعبٌ على العقول أن تقبل أن الصلاة في ثوبٍ ملوّث بأبوال الأغنام وأرواثها، أي ملوّث بالأوساخ، تكون مقرّبةً، وأمّا الصلاة في ثوبٍ طاهرٍ ونظيف، ولكنْ ألقي عليه شعرةٌ من الهرّة، أو مقدار رأس إبرة من بزاقها، فلا تكون مقرّبةً، بل تكون باطلةً من أصلها. هذا الذي جعل العقول تائهةً. وعندما نرجع إلى دليلٍ لهذه التشديدات نرى أنّه لم يوجد شيءٌ معتنىً به؛ إذ لو كان الدليل هو الموثَّقة فإشكاله أن القدماء الذين نقلوها لم يُفْتوا بها، ولم يعتمدوا عليها، ولو كان الشهرة فالشهرة ابتداؤها من زمن العلاّمة الحلّي، وهو أيضاً احتاط، وبعده أيضاً احتاطوا، أو نقلوا الوجهين فيه، فكيف اطمأنّ الفقهاء في عصرنا حتّى أفتَوْا جَزْماً؟!

 

مع الروايات

بعد ملاحظة أقوال الفقهاء والمتأخِّرين في موضوع الصلاة في ما لا يؤكل لحمه ينبغي أن نلاحظ الأصل الأساس، الذي هو دليل الفقهاء في فتاواهم، في هذا المجال، وهو الروايات.

والذي يظهر بالتأمُّل ابتداءً ـ وأقول: ابتداءً؛ حتّى يتأمّل القارئ المكرَّم ـ هو أن كثرة الاختلاف في الروايات يرشدنا إلى أن الصلاة في ما لا يؤكل مكروهٌ، ودرجة الكراهة مرتبطة بمقدار الاستعمال وجنس الحيوان.

فإذا كان ما يُستعمل للصلاة صغيراً أو غير ساتر، والحيوان لا يصيد، فالكراهة في أدنى مراتبها؛ وإذا كان الحيوان ممّا يصيد ويأكل اللحم، والثوب يكون كبيراً ساتراً، فالكراهة في أشدّ مراتبها، ويمكن القول بحرمته. ففي مثل هذه الصورة الصلاة فيه ممنوعةٌ، وهذه المرتبة من النهي تدلّ على الفساد، دون غيرها.

وأظنّ أنّ الكليني& أيضاً هكذا فهم الأخبار؛ إذ عنوانه: «اللباس الذي تكره الصلاة فيه، وما لا تكره».

1ـ عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن بُكَيْر قال: سأل زرارة أبا عبدالله× عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر؟ فأخرج كتاباً زعم أنّه إملاء رسول الله‘: إن الصلاة في وبر كلّ شيءٍ حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وألبانه وكلّ شيء منه فاسدة، لا تقبل تلك الصلاة حتّى تصلّي في غيره ممّا أحل الله أكله.

ثمّ قال: يا زرارة، هذا عن رسول الله‘، فاحفظ ذلك يا زرارة، فإنْ كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وشعره وروثه وألبانه وكلّ شيء منه جائز، إذا علمت أنّه ذُكّي ذكاة الذبح، فإنْ كان غير ذلك، ممّا قد نُهيت عن أكله وحرم عليك أكله، فالصلاة في كلّ شيء منه فاسدةٌ، ذكّاه الذبح أو لم يذكِّه»([32]).

هذه الرواية موثَّقة بابن بُكَيْر. وظاهرها يدلّ على أن الصلاة في ثوب يكون عليه شعرةٌ واحدة من الهرّة أو السنجاب أو الفنك وغيرها ممّا لا يؤكل لحمه فاسدةٌ باطلة، وأيضاً يدلّ على أنّه لو لصق شعرة واحدة منها بالبدن، أو أصابه قدر رأس إبرة من ريقها، فصلاته فاسدةٌ باطلة. وبهذا يفتي أكثر الفقهاء في عصرنا الحاضر([33]).

ولكنْ فيه إشكالاتٌ عديدة؛ إذ أوّلاً: هذا الخبر كان بمرأى الفقهاء، ولم يتعرض أحدهم لهذه الجزئيات، مع أن ديدنهم كان بيان الفتوى بألفاظ الروايات بالضبط، ولا سيَّما الروايات المطابقة للاحتياط، حتّى أنّ الشيخ في النهاية والعلاّمة في التذكرة و… تعرَّضوا لحكم الصلاة في الثوب غير الساتر لصغره، كالتكّة والجورب المصنوع منها، ولكن مع ذلك لم يتعرَّضوا لحكم الصلاة في الثوب الملقى عليه الشعرة والشعرات.

ومع أن هذا الخبر كان بمرأىً منهم، وذكره الشيخ في التهذيب([34])،مع ذلك لم يأتِ بألفاظه في النهاية؛ فإمّا أنّهم كانوا يرَوْن إشكالاً في الحديث من ناحية السند وخفي علينا؛ أو بما أنّهم كانوا قريب العهد من الأئمة، وكانوا عارفين بمذاقهم، فهموا أن الإمام لم يقصد هذا الإطلاق، بل أراد ما قاله في سائر الأحاديث من منع الصلاة في الثوب الساتر فقط؛ أو أن هذا الحديث دُسَّ في كتب أصحابنا في الأزمنة المتأخِّرة، ولم يكن في أصولهم الأوليّة منه عينٌ ولا أثر.

ثانياً: لو كان مقصود الحديث الإطلاق أو العموم الذي مرَّ فلماذا وردت عليه الاستثناءات الكثيرة في ضمن سائر الأخبار. وبعد ورود القيود والاستثناءات الكثيرة يصعب علينا أن نتمسَّك بالإطلاق أو العموم؛ إذ أصالة العموم أو الإطلاق ليست أصلاً تعبُّدياً، بل هما من الأصول العقلانية.

ثالثاً: لو فرض بقاء الإطلاق أو العموم فإنّه يتعارض مع سائر الأخبار؛ إذ كثير منها كان في مقام البيان ولم يبيِّن، بحيث لو كان بيانه لازماً كان إيقاعاً للمكلَّف في الجهالة، وكان تسامحاً في بيان أحكام الله، وهو ممنوعٌ وقبيح من الأئمة المعصومين^.

رابعاً: وجود التكرار في نفس الحديث، وركاكة الكلمات، وعدم مناسبتها لمقتضى الفصاحة والفنون البلاغية، أمرٌ مريب، بحيث يشكّ الخرِّيت بالفنّ في أصل صدوره من النبيّ‘ والإمام×؛ لأنّهم قوم فصحاء، ولا يجوز لنا أن ننسب إليهم العبارات المشتملة على التكرار والحشو و…، ولا سيَّما إذا كان مكتوباً، وأنّه من إملاء رسول الله‘ وخطّ عليّ×.

ويؤيد هذا التشكيك لفظة «زعم»، المشتملة لاعتقاد الخطأ، فكيف قال رسول الله‘، وهو أفصح الفصحاء، وأفصح مَنْ نطق بالضاد، وكتب كاتبه ـ الذي هو عليٌّ× يقيناً؛ إذ ليس هذا الحديث منتشراً بين أهل السنّة وغير أهل بيت النبيّ‘ ـ هذه العبارة، وكرّر فيه لفظ «الوبر»، وأتى بلفظ «ألبانه وروثه وبوله» مقارناً للفظ «في».

وهل يمكن الصلاة في اللبن أو في الروث أو البول؟ وهل يصدر منه‘ تكرار الكلمات بأنّها «فاسدةٌ لا تقبل»؟ وهل يصدر منه تكرار لفظ «الصلاة» ثلاث مرّات، مع أنّه لا حاجة إليها؟ أليس بناء الكتابة على الاختصار؟ هل لم يكن باستطاعته أن يقول: «إن الصلاة في وبر كلّ شيءٍ حرام أكله فاسدة، وكذا شعره وبوله وكلّ شيء منه»، حتى يشمل «البول» بطريقٍ أولى «الرَّوْث والألبان والريق». «وكلّ شيء» يشمل «الجلد وسائر أجزائه».

ثمّ لماذا يكرِّر الصادق× الكلمات، كلفظ: «يا زرارة»، والتأكيد على حفظه؟!

هل كانت المسألة من الأمور الصعبة غير القابلة للحفظ، أو لم يكن بإمكان زرارة أن يحفظ الاجتناب الكامل عن غير مأكول اللحم كقاعدةٍ واحدة، نظير: سائر القواعد؟!

خامساً: هل الشرط المذكور في ما يؤكل لحمه مطابقٌ لفتوى الفقهاء أم يباينه تبايناً تاماً؟ إذ الحديث يقيِّد جواز الصلاة في وبر ما يؤكل لحمه وشعره و… بالعلم بأنّه ذكّاه الذبح، مع أنّه من الضروري جواز قصّ شعر المعز وصوف الضأن ووبر الجمل و…، وصنع أنواع الأثواب منها، في حال حياة الحيوان، وحتّى بعد موته إذا كان بطريق القصّ؟

هذه الإشكالات وأمثالها ترشدنا إلى أن هذا الحديث مجعولٌ، دُسّ في أخبار الأصحاب؛ كي يشوّهوا وجه الشيعة.

2ـ محمد بن أحمد بن يحيى، عن عمر بن عليّ بن عمر بن يزيد، عن إبراهيم محمد الهمداني قال: «كتبتُ إليه: يسقط على ثوبي الوبر والشعر ممّا لا يؤكل لحمه، من غير تقيةٍ، ولا ضرورة؟ فكتب: لا تجوز الصلاة فيه»([35]).

السند ضعيف؛ إذ عمر بن علي هذا لم يؤثَّق. وسند الشيخ إليه أيضاً ضعيفٌ([36]). وفي إبراهيم بن محمد الهمداني أيضاً كلامٌ([37])، وإنْ كان الرجل عندي مقبول الحديث.

ثمّ لا ندري هل الرجل كتب إلى الإمام× أو غيره، ولكنْ بما أنّه كان وكيل الناحية المقدّسة فكتابته إلى غير الإمام× بعيدةٌ.

ثمّ بعد ضعف هذا الخبر، والذي قبله، إذا وجدنا أدّلة أخرى تمنعنا من الصلاة في الثوب الملقى عليه شعرة أو مثلها ممّا لا يؤكل لحمه فنعمل بها؛ وإنْ لم نجد دليلاً يدل على المنع، ولم نجد فتوى من قدماء الأصحاب في هذا المجال، فنستطيع أن نحمل هذا الحديث، والذي قبله، على لزوم رعاية الاحتياط، ولا سيَّما للخِصِّيصين بالإمام، الذين هم وكلاؤه وأمناؤه على أمواله وعلى أموره.

3ـ محمد بن أحمد بن يحيى، عن رجلٍ، عن أيّوب بن نوح، عن الحسن بن عليّ الوشّاء قال: كان أبو عبد الله× يكره الصلاة في وبر كلّ شيءٍ لا يؤكل لحمه([38]).

سنده ضعيفٌ؛ بالإرسال.

ودلالته على الكراهية أكثر؛ إذ الإمام كان يكره أن يصلّي في ذلك الثوب، لا أنه كان ينهى الآخرين عن الصلاة فيه، فادّعاء نهي الآخرين نهياً يدلّ على بطلان الصلاة فيه يحتاج إلى أدلّةٍ أوضح وأحكم.

4ـ عليّ بن محمد، عن عبد الله بن إسحاق العلوي، عن الحسن بن عليّ، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن عيثم بن أسلم النجاشي، عن أبي بصير قال: سألتُ أبا عبد الله× عن الصلاة في الفراء؟ قال: «كان عليّ بن الحسين× رجلاً صرداً، لا تدفئه فراء الحجاز؛ لأن دباغتها بالقرظ، فكان يبعث إلى العراق، فيؤتى ممّا قبلهم بالفرو، فيلبسه. فإذا حضرَتْ الصلاة ألقاه، وألقى القميص الذي تحته، الذي يليه. فكان يُسأل عن ذلك فقال: إن أهل العراق يستحلّون لباس الجلود الميّتة، ويزعمون أنّ دباغه ذكاته»([39]).

سند الحديث ضعيفٌ؛ بعدّة أمور:

أوّلاً: إنّ عيثم بن أسلم مجهول، ولم يَرْوِ عنه غير هذا الخبر([40]).

ثانياً: محمد بن سليمان الديلمي ضعيفٌ؛ رمي مرّة بالغلوّ؛ وأخرى قالوا: «ضعيف»؛ وثالثةً قالوا: ضعيفٌ جدّاً لا يعوّل عليه في شيءٍ؛ ورابعةً قالوا: لا يعمل بما تفرَّد به؛ وخامسةً قالوا: ضعيفٌ في حديثه([41]).

ثالثاً: عبد الله بن إسحاق العلوي مجهولٌ لم يرو عنه إلاّ أربع أحاديث، أحدها هذا.

وبعد هذه الإشكالات لا يلزم أن نتكلم حول الرجال المشتركين، نظير: الحسن بن عليّ، الذي روى عنه عبد الله بن إسحاق؛ أو عليّ بن محمد، الذي روى عن عبد الله بن إسحاق.

وأمّا دلالةً فالخبر غير مرتبطٍ بما لا يؤكل لحمه، ومرتبط بالميتة، ويدلّ على أن عليّ بن الحسين كان لا يصلّي في ثوبٍ يكون من الميتة، أو لصق به شعرٌ من ميتة؛ لأنّه كان يخلع الفرد والثوب الذي يليه الذي كان في معرض إلصاق بعض الفَرْو به.

ولكنْ فيه إشكالاتٌ؛ إذ أوّلاً: فعل الإمام× لا يدلّ على الوجوب، بل يدلّ على الاستحباب أو الاحتياط، فلذا لم يأمر الآخرين بهذا، بل عمل به في نفسه.

ثانياً: نفس الخبر في نظري مشكوكٌ؛ إذ عندما يكون الفرد صرداً فكل حالاته تكون هكذا، ولا سيَّما في حالة القيام؛ لأنه لا يتحرَّك كثيراً حتّى يدفأ، ولا يكون جالساً حتى يتحفّظ على نفسه. وخلع لباس حارٍّ، مثل: الفرو والذي يليه، الذي يكون بطبعه سميكاً، موجبٌ لأن يواجه البدن فجأة البرد، ويصبح مريضاً. ويستبعد من الإنسان الصرد أن يفعل هكذا، بل إمّا يلبسه دائماً، ولا سيَّما في حال الصلاة؛ وأمّا يتركه نهائياً.

رابعاً: الجواب غير مقنعٍ للسائل؛ إذ السائل يستطيع أن يسأل: كيف علمْتَ أنه الميتة؟ بل يمكن أن يكون من المذبوح المذكّى.

خامساً: بعد هذا كلّه لم يظهر الجواب للسائل بالنسبة إلى حكم الفراء، بل يظهر حكم الميتة.

5ـ وبهذا الإسناد عن محمد بن سليمان، عن عليّ بن أبي حمزة قال: سألتُ أبا عبد الله وأبا الحسن’ عن لباس الفراء والصلاة فيها؟ فقال: لا تصلِّ فيها، إلاّ فيما كان منه ذكيّاً. قال: قلت: أَوَليس الذكيّ ممّا ذكّي بالحديد؟ فقال: بلى، إذا كان مما يؤكل لحمه، قلتُ: وما [لا] يؤكل لحمه من غير الغنم؟ قال: لا بأس بالسنجاب؛ فإنّه دابّةٌ لا تأكل اللحم، وليس هو ممّا نهى عنه رسول الله‘؛ إذ نهى عن كلّ ذي نابٍ ومخلب([42]).

سنده ضعيفٌ كسابقه؛ إذ مرّ أن محمد بن سليمان ضعيفٌ، وعبد الله بن إسحاق مجهولٌ. وأيضاً عليّ بن أبي حمزة هو البطائني، الذي هو من عمد الواقفة. ولم يعترف بإمامة الرضا×؛ لأجل الأموال التي كانت عنده من الكاظم×؛ لأنه كان وكيله. وعلى تقدير اعترافه بإمامة الرضا× كان عليه أن يعطيه الأموال، فلم يعترف، ولم يُعْطِ، فضلَّ وأضلَّ([43]).

وأمّا دلالته ـ على تقدير صدوره ـ فإنّ ذيله يدلّ على أن الحرام هو ما حرَّمه رسول الله‘، وهو كلّ ذي ناب ومخلب، ولم يبيِّن هل النهي يشمل الصلاة في الثوب المتَّخذ من جلده أو يشمل أكل لحمه فقط أو كلَيْهما؟ وأوسط الاحتمالات أوسطها.

لكنّ صدر الحديث مريبٌ؛ إذ الإمام نهى عن الصلاة في مطلق الفرو غير المذكّى، ثمّ بعد السؤال بيَّن أن من شرائط التذكية قابلية الحيوان، والقابلية في الحيوان الذي يؤكل لحمه موجودةٌ، ولم يشرح أكثر من ذلك. ثمّ بعد السؤال مرّةً أخرى عمّا لا يؤكل لحمه استثنى السنجاب.

فالسؤال الذي يبقى هو أن الإمام، الذي هو مبيِّن للأحكام، كيف أمسك عن إعطاء الجواب التامّ، ولم يفصِّل، حتّى يسأل السائل مرّةً بعد أخرى؟

الإجابة

هذا النحو من السؤال والجواب والبيان بعد إصرار السائل يمكن أن يرشدنا إلى أن الصلاة في هذه الأثواب مكروهةٌ، فالإمام نهى نهياً كلّياً شاملاً، ولم يرخّص إلاّ في الذكيّ، ومراده أنّ هذا المورد يكون بلا أيّ محذورٍ. والسائل أراد أن يفسح المجال من ناحية تعميم الذكيّ بكلّ ما ذبح بالحديد، والإمام مرّةً أخرى قيَّد الذكيّ بما فيه القابليّة التامّة، وهو الذي نسمّيه بـ (مأكول اللحم).

وكأنّ السائل يدري أن الصلاة في بعض أنواع غير مأكول اللحم أيضاً جائزٌ، فسأل مرّةً أخرى عن غير مأكول اللحم، فاعترف الإمام× بالجواز في السنجاب، وعلّل بأنّه قريبٌ من مأكول اللحم، وبعيدٌ عن غير مأكول اللحم، ويكون كالمتوسِّط بينهما؛ لأنّه لا يأكل اللحم فيشبه مأكول اللحم، ولا يؤكل لحمه فيشبه غير مأكول اللحم، إلاّ أنّه لا يصيد. فلذا يجوز الصلاة فيه، ولكن مع كراهةٍ. ولذا لم يُرِدْ الإمام× بيانه ابتداءً، ولكنْ بيَّن جوازه بعد إصرار السائل.

6ـ أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبدالجبّار، عن عليّ بن مهزيار، عن رجلٍ، سأل الماضي× عن الصلاة في الثعالب؟ فنهى عن الصلاة فيها، وفي الثوب الذي يليها. فلم أَدْرِ أيّ الثوبين: الذي يلصق بالوبر، أو الذي يلصق بالجلد؟ فوقّع× بخطّه: الذي يلصق بالجلد. قال: وذكر أبو الحسن أنّه سأله عن هذه المسألة؟ فقال: لا تصلِّ في الثوب الذي فوقه، ولا في الذي تحته([44]).

سند الحديث فيه إشكالٌ؛ من جهة أنّه ليس معلوماً مَنْ سأل الإمام×، فيصبح مرسلاً، إلاّ أن يقال: اعتماد عليّ بن مهزيار على كلام الرجل يدلّ على وثاقته، أو يدلّ على وجود قرائن تثبت صدوره عن الإمام×.

ودلالته أيضاً مخدوشةٌ؛ إذ كلمات الرواة امتزجت مع كلام الإمام، ودخلت في متن الحديث، وصار كقصّةٍ مستمرة.

وخلاصته ـ والله العالم ـ أنّ رجلاً من الأصحاب سأل الإمام× عن الصلاة في الثوب المصنوع من جلد الثعلب والذي يليه، وأجاب بأنّه منهيّ عنه. والسائل نقل الجواب إلى عليّ بن مهزيار. ثمّ هو شكَّ في أنّ المنهي عنه هو الثوب الذي يلي جلد الثعلب أو الثوب الذي يلي وبره، فلأجل فهم المسألة كتب عليّ بن مهزيار إلى الإمام×، وسأله، فأجاب× بأنّ النهي مرتبطٌ بالثوب الذي يلي الجلد، دون ما يلي الوبر.

ثمّ محمد بن عبد الجبّار أضاف إلى الحديث شيئاً سمعه من أبي الحسن، أي عليّ بن مهزيار، وهو أنّه سأل الإمام مشافهةً عن هذه المسألة، وهو× نهى عن كلا الثوبين: الذي يلي الجلد؛ والذي يلي الوبر.

فبالنتيجة الإمام× في جواب سؤال رجلٍ من الشيعة نهاه عن الصلاة في الثوب الذي تحت الجلد، ونهى عليّاً عن الثوب الذي تحته، والثوب الذي فوقه. فهو× أجاب بجوابين في هذا المجال؛ مراعاةً لحال السائل. فإذا كان الرجل شيعياً منعه عن الصلاة في الثوب الذي تحت الجلد؛ لأن احتمال إصابة دسمه أو رطوبته أو شعره أو… موجودٌ، والاحتياط في هذه الموارد حَسَنٌ. ثمّ عندما سأله عليّ بن مهزيار عن نفس المسألة ـ وهو فقيهٌ عالم وكيل للإمام، وينبغي له أن يحتاط أكثر ممّا يحتاط الآخرون ـ أجابه بالنهي عن الصلاة في الثوب الذي تحته والثوب الذي فوقه؛ إذ لبس الثوب فوق جلد الثعلب غير متعارف، ولا يتفق إلاّ نادراً، وإلصاق الشعر به نادرٌ أيضاً، ولكن رعاية الاحتياط لأمثال أبي الحسن عليّ بن مهزيار أيضاً أحسن، فلا ينبغي له تركه بترك الصلاة في ثلاثة أثوابٍ: الجلد؛ وما تحته؛ وما فوقه.

ويؤيِّده ما أجاب× به في جواب ما كتب إليه إبراهيم بن عقبة: «عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب، فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب، من غير ضرورةٍ، ولا تقيّةٍ؟ فكتب×: لا تجوز الصلاة فيها»([45])؛ إذ السائل كان يعرف النهي عن الصلاة في الثوب الساتر للعورة المصنوع من وبر ما لا يؤكل لحمه، وأيضاً كان يدري ارتفاع النهي إذا كان هناك تقيّة أو ضرورة، ولكنْ كان لا يدري هل الصلاة في وبر الأرانب الصغيرة غير الساترة تصل في الأقليّة مقداراً يصدق عليه عُرْفاً أنّه لا كراهة فيه؟ فأجاب الإمام×: لا. في حالة الاختيار المحض، وعدم الخوف من البرد أو سرقة الثوب أو غيرهما، الصلاة فيها مكروهةٌ، وعبّر بأنها لا تجوز الصلاة فيها.

 

إشكالٌ

كيف حُمِل لفظ «لا تجوز» على الكراهة، مع أن ظاهر النهي التحريم، وظاهر النهي في الماهيات المركبة هو الإشعار بالمانعية للصلاة، وأنّها باطلة؟

الجواب: نفس السؤال أرشدنا إلى هذا؛ إذ من البعيد من شخصٍ يعرف حكم ما لا تتمّ فيه الصلاة، وحكم الصلاة في ما لا يؤكل لحمه، وحكم حالة التقيّة والضرورة ونظائرها، أنّه لا يعرف أن لبس الجلود في غير الصلاة ليس ممنوعاً، ولا منهيّاً عنه. فاحتمال السؤال عن الحكم التكليفي في حقّة ممنوعٌ، فبقي الحكم الوضعي، أي إنّه بعد العلم بعدم حرمة لبس الثوب المعمول من وبر الأرانب في غير الصلاة سأل هل الصلاة فيه صحيحة أم لا؟

ثمّ إنّ تقييد سؤاله بحالة الضرورة والتقيّة يدلّ على أنّه يدري أن الصلاة فيها في حالة الضرورة والتقية صحيحةٌ، والإمام× لم يستشكل في هذا الفهم، وبسكوته قرَّره على هذا الفهم. وإذا كان شيءٌ جائزاً في حال الضرورة وضعاً دلّ على عدم مانعيته؛ إذ الاضطرار ينفي الحكم التكليفي، دون الوضعي، كما قيل في محلِّه، فتأمَّلْ. فلا النهي التحريمي موجودٌ، ولا النهي الوضعي الدالّ على البطلان. فبالنتيجة نهيُه× يدلّ على الكراهة أو المرجوحية.

ويؤيِّد الكراهة أيضاً ما قرأ عليّ بن إبراهيم في كتاب محمد بن إبراهيم إلى أبي الحسن×، يسأله عن جلود الأرانب؟ فكتب×: مكروهٌ([46]).

ثمّ بعض الروايات تدلّ على جواز الصلاة في جلد الفنك والسنجاب، مثل:

ـ عليّ بن محمد ومحمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن مهزيار، عن أبي عليّ راشد قال: قلتُ لأبي جعفر×: ما تقول في الفراء، أيّ شيءٍ يُصلَّى فيه؟ فقال: أيّ الفراء؟ قلتُ: الفنك والسنجاب والسمور؟ قال: فصلِّ في الفنك والسنجاب، فأمّا السمور فلا تصلِّ فيه. قلتُ: فالثعالب نصلّي فيه؟ قال: لا، ولكن تلبس بعد الصلاة، قلتُ: أصليّ في الثوب الذي يليه؟ قال: لا([47]).

أقول: التفصيل بين الفنك والسنجاب وبين السمور، مع ما يعلم من أنّها كلها غير مأكولة اللحم، ولكنّ السمور يصيد الطيور ويأكلها، دونهما، يرشدنا إلى أنّ كلّ ما لا يؤكل لحمه ليس ممّا نُهي عن الصلاة في جلده وشعره، بل الذي يصيد. وذيل الحديث الذي ينهى عن الصلاة في الثعالب أيضاً يؤيِّده.

وأيضاً يؤيِّده ما قرأ عليّ بن إبراهيم في كتاب محمد بن إبراهيم إلى أبي الحسن×، يسأله عن الفنك يصلّي فيه؟ فكتب: لا بأس به([48]).

هذا كلّه ما فهمناه من الأخبار الماضية. وهذا الذي فهمناه مصرَّح به في خبر عليّ بن محمد، عن عبد الله بن إسحاق، عمَّنْ ذكره، عن مقاتل بن مقاتل قال: سألتُ أبا الحسن× عن الصلاة في السمور والسنجاب والثعالب؟ فقال: لا خير في ذلك كلِّه، ما خلا السنجاب؛ فإنّه دابّةٌ لا تأكل اللحم([49]).

فجملة «لا خير فيه» يدلّ على الكراهة. والاستثناء يدلّ على نفي الكراهة أو نفي شدّته في السنجاب؛ لأنه يشبه مأكول اللحم.

وأيضاً: صحيحة محمد بن مسلم قال: سألتُ أبا عبد الله× عن جلود الثعالب، أيصلّى فيها؟ قال: ما أحبّ أن أصلّي فيها([50])،تدلّ على أن الإمام يكرهه لنفسه، ولا ينهى الآخرين عن الصلاة فيها. وهذا الفهم مطابقٌ لقوله الآخر في صحيحة جميل بن درّاج، عن أبي عبد الله×، قال: إذا كانت ذكيّةً فلا بأس([51])؛ إذ موضوع بحثنا أيضاً المذكّى؛ لأن غير المذكّى هو الميتة، وهو عنوانٌ آخر، فالصلاة في المذكّى لا بأس به للناس، ولكن الإمام نفسه يتنزَّه عنه.

أمّا ما قال الرضا×، عندما سئل عن جلود الثعالب الذكيّة؟ قال: «لا تصلِّ فيها» فإنّه يحمل على الكراهة؛ جمعاً بين ما يجوّز الصلاة فيها وما لا يجوّز، فلا يدل على أكثر ممّا فهمنا من أحاديث الكافي.

أقول:

مضافاً إلى ما مرّ هناك بعض الأخبار الصحاح تدلّ على جواز الصلاة في ما لا يؤكل لحمه، وهو يصيد أيضاً، مثل:

1ـ صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله×، قال: سألتُه عن الفراء والسمور والسنجاب والثعالب وأشباهه؟ قال: لا بأس بالصلاة فيه([52]).

2ـ صحيحة عليّ بن يقطين قال: سألتُ أبا الحسن× عن لباس الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود؟ قال: لا بأس بذلك([53]).

3ـ خبر الحسن بن شهاب قال: سألتُ أبا عبد الله× عن جلود الثعالب إذا كانت ذكيّةً، أيُصلّى فيها؟ قال: نعم([54]).

4ـ خبر عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألتُه عن الخفاف من الثعالب، أو الجرز منه، أيُصلّى فيها أم لا؟ قال: إذا كان ذكيّاً فلا بأس به([55]).

5ـ خبر الريان بن الصلت قال: سألتُ أبا الحسن الرضا× عن لبس فراء السمور والسنجاب والحواصل وما أشبهها، والمناطق، والكيمخت، والمحشوّ بالقزّ، والخفاف من أصناف الجلود؟ قال: لا بأس بهذا كلِّه، إلاّ بالثعالب([56]).

وقد حمل الشيخ الطوسي الأخبار الأربعة على التقية، وقال: لأنّهما تضمّنا ذكر الثعالب أيضاً، وقد بيَّنّا أنّه ممّا لا تجوز الصلاة فيه([57]).

ويردّه أنّه عندما يوجد طريق للجمع الدلالي لا يصل الدور إلى الحمل على التقيّة؛ إذ الحمل على التقية متفرِّعٌ على تعارض الأخبار، وتكافؤهما، ولكنْ ممّا بيَّنا ظهر أنّه لا تعارض بين الأخبار، بل هي بأجمعها تدلّ على كراهة الصلاة في الثوب المصنوع من جلود الوحوش، ولا سيَّما الذي يصيد، ودرجات الكراهة مرتبطةٌ بحرمة أكل لحمه، وأنّه يصيد، وأن الثوب كبير ساتر، وما شابه هذه الأمور. ولأجل ذلك نرى في بعض الأخبار نهياً عن الصلاة في الثعالب، وفي بعضها رخَّص فيها.

أخبار الباب لا تدلّ على أكثر من الكراهة، ولا يصل الدور إلى التعارض. وفتاوى الفقهاء القدماء أيضاً كانت مطابقةً للروايات، لا شيئاً خاصّاً كان عندهم، بل هم راعوا جانب الاحتياط، كما صرّح به الشيخ في الخلاف، وأفتَوْا بترك الصلاة في كلّ ثوبٍ مصنوع من جلد أو وبر غير مأكول اللحم. والمتأخِّرون، مثل: العلاّمة الحلّي، راعَوْا جانب الاحتياط أكثر من المتقدِّمين، وأفتَوْا بالاحتياط في الثوب الصغير غير الساتر، مثل: التكّة والجورب. ثمّ أبدل المتأخِّرون منهم الاحتياط بالفتوى، وأفتَوْا صريحاً ببطلان الصلاة في الثوب غير الساتر. ثمّ راعى المعاصرون جانب الاحتياط غاية حدّه، وأفتَوْا بترك الصلاة في الثوب الملقى عليه الشعرة أو الريق ممّا لا يؤكل لحمه.

وهذا المثال نموذجٌ من عمل فقهائنا في طيّ الأعصار. وهكذا صار الفقه تعبُّديّاً يوماً فيوماً، حتّى وصل إلى مرحلةٍ صار بينه وبين العقل، أو بينه وبين العلم، بُعْد المشرقين. وبعض الشباب المثقَّفين يشبِّهون هذا الدين باليهوديّة والنصرانيّة المحرَّفة، مع أن هذا الدين فطري عقلي، متمايز عنهما كلّ التميُّز.

وأن أردْتَ مثالاً ثانياً لفتاوى الفقهاء تجِدْه في بحث النجاسات.

ففي أوّل الأمر كان طريق التطهير بالماء القليل وبالتقطير. فمثلاً: السائل يسأل كم يحتاج من الماء في التطهير؟ فأجاب الإمام×: «ضعفي ما على الحشفة»، أو أجاب: «صبّ عليه الماء مرتين»، أو «إذا غلب عليه الماء فقد طهر». ثمّ في الأعصار المتأخرة صار الاحتياط بالثلاثة، ثمّ تعلّق الفتوى بالكرّ والجاري، ثمّ أفتَوْا بتكرار الغسل في الكرّ والجاري و… بحيث يختلف اليوم التطهير الشرعيّ عن النظافة اختلافاً فاحشاً.

وإنْ شئتَ مثالاً ثالثاً فانظر إلى بحث نجاسة الآدمي، وأنّهم أوّلاً أفتَوْا بنجاسة المشرك، مع أنّه لا دليل عليه، وإنّ نجاسته معنوية أو سياسية، ثمّ ألحقوا به أهل الكتاب، ثمّ ألحقوا به مَنْ أنكر ضرورياً من ضرويات الدين، ثمّ ألحقوا ما شاؤوا من الذين سمّوهم مرتدّاً باصطلاحهم، وهكذا.

وتوضيح كلّ واحدٍ من الأمثلة بالتفصيل يحتاج إلى فرصةٍ أخرى، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفِّقنا لها.

 

الهوامش

(*) باحثٌ، وأستاذُ الدراسات العليا، في الحوزة العلميّة في إصفهان، وعضو الهيئة العلميّة لجامعة آزاد ـ نجف آباد.

([1]) المقنع: 80.

([2]) المقنع: 81 ـ 82.

([3]) الجوامع الفقهية: 52.

([4]) الفقه المنسوب إلى الرضا×: 157.

([5]) المقنعة: 150.

([6]) وسائل الشيعة، باب 2 من أبواب لباس المصلي، ح1.

([7]) النهاية ونكتها 1: 325، 326.

([8]) النهاية ونكتها 3: 99 ـ 101.

([9]) النهاية ونكتها 1: 328.

([10]) الانتصار: 135.

([11]) الانتصار: 136.

([12]) الكافي: 140.

([13]) الخلاف 1: 511.

([14]) الجوامع الفقهية: 493.

([15]) الشرائع 1: 68.

([16]) مسالك الأفهام 1: 162.

([17]) تذكرة الفقهاء 2: 465.

([18]) الدروس الشرعية 1: 150.

([19]) مسالك الأفهام 1: 162.

([20]) جامع المقاصد 2: 81.

([21]) الذكرى: 146؛ جامع المقاصد 2: 81.

([22]) مدارك الأحكام 3: 165 ـ 168.

([23]) النهاية ونكتها 1: 328.

([24]) المصدر السابق 1: 325 ـ 326، 329.

([25]) المصدر نفسه.

([26]) المصدر نفسه.

([27]) المبسوط 1: 83.

([28]) جواهر الكلام 8: 76.

([29]) العروة الوثقى 2: 337.

([30]) المصدر السابق: 336 ـ 337 (آقا ضياء العراقي).

([31]) المصدر السابق: 337.

([32]) الكافي 3: 397، ح1.

([33]) المحسني، العروة الوثقى 2: 337.

([34]) تهذيب الأحكام، ج2، ح818.

([35]) تهذيب الأحكام، ج2، ح819.

([36]) معجم رجال الحديث 13: 48 ـ 49.

([37]) معجم رجال الحديث 1: 292 ـ 295.

([38]) تهذيب الأحكام، ج2، ح820.

([39]) الفروع من الكافي 3: 397.

([40]) معجم رجال الحديث 13: 173.

([41]) معجم رجال الحديث 16: 126 ـ 127.

([42]) الفروع من الكافي 3: 397 ـ 398.

([43]) معجم رجال الحديث 11: 216.

([44]) الفروع من الكافي 3: 399، ح8.

([45]) الفروع من الكافي 3: 399، ح9.

([46]) الفروع من الكافي 3: 401، ح15؛ تهذيب الأحكام، ج2، ح820.

([47]) الفروع من الكافي 3: 401، ح14.

([48]) المصدر السابق، ح15.

([49]) الفروع في الكافي 3: 401، ح16.

([50]) تهذيب الأحكام، ج2، ح803.

([51]) المصدر السابق، ح809.

([52]) المصدر السابق، ح807، 911.

([53]) تهذيب الأحكام، ج2، ح825.

([54]) المصدر السابق، ح1527.

([55]) المصدر السابق، ح1528.

([56]) المصدر السابق، ح1533.

([57]) تهذيب الأحكام 2: 211.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً