أحدث المقالات

 

 

حيدر حب الله([1])
 
تمهيد

تظلّ دراسة المبادئ التي وضعها الإسلام للعلاقات الداخلية بين المسلمين هامّةً وضرورية، ونحاول في هذه الوريقات المتواضعة أن نتناول التأسيس القرآني لعلاقة المسلمين بعضهم ببعض في الداخل الإسلامي، وكيف تقوم هذه العلاقة؟ وما هي أبرز المعايير التي تحكمها؟

ولن نتطرّق إلى السنّة الشريفة، ولا إلى ما يعطيه العقل والمنطق العقلاني، أو العناوين الثانوية أو الولائية في هذا المجال؛ خوفاً من الإطالة، لهذا ستكون دراستنا بحت قرآنية، وسنعرض ـ بعون الله تعالى ـ الآيات القرآنية التي تؤصّل مبدأ العلاقة الإسلامية ـ الإسلامية، ونحاول تفسيرها وفقهها لاستخراج مبادىء منها وقواعد وأسس، إن شاء الله تعالى.

1 ـ مبدأ عدم التنازع

يقرّر القرآن الكريم مبدأ عدم التنازع الداخلي ضمن النصّ التالي: ]وَأَطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ ولا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وتَذْهَبَ رِيحُكُمْ واصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[([2]).

فهذه الآية تدلّ على تحريم التنازع، ومن ثم تدعو إلى الاتفاق والوحدة، كما فسّرها بذلك بعض الفقهاء أيضاً([3]).

والتعرّض لفقه هذه الآية يكون من خلال نقاط:

أولاً: قد يقال بتخصيص النهي عن التنازع في هذه الآية بحالة الحرب، بمعنى أنّ هذا الخطاب موجّه فقط للجيش المسلم الذي يواجه الأعداء([4])، والشاهد على ذلك:

1 ـ السياق؛ فإنّ الآيات السابقة واللاحقة كلّها تتحدت عن القتال، فالآية السابقة تقول: ]يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا واذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[([5])، وسورة الأنفال ـ كما نعلم ـ سورة جهادية قتالية أغلبها واردٌ في قضايا القتال والحرب، وعليه، فلا يحرز أنّ النهي عن التنازع في هذه الآية يتخطّى مجال المقاتلين المسلمين.

2 ـ قوله في داخل الآية نفسها: ]فَتَفْشَلُوا وتَذْهَبَ رِيحُكُمْ[؛ فإنّ الفشل وذهاب الريح تعبيرٌ آخر عن ذهاب القوى وضعف الجيش، وذهاب الصولة والنصرة والدولة..

3 ـ ما جاء في أسباب نزول هذه الآية من أن خباب (حباب) بن المنذر أشار على النبي أن ينتقل من مكانه على الماء، ويجيئهم من الخلف، فرفض بعض الصحابة، وتنازعوا، ثم عمل الرسول بقول خباب([6]).

ولعلّه لهذه الشواهد وجدنا بعض من أدرج الآية في قضايا الاختلاف داخل الجيش؛ فالبخاري (256هـ) جعل الآية في مطلع الباب الذي عنونه: «باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه»([7])، كما جعل النووي (676هـ) هذه الآية وما حولها، من الآيات التي جمعت آداب القتال في الإسلام([8])، بل صريح كلمات الطبرسي أنّ التنازع في الآية يراد به التنازع في لقاء العدو، كي لايضعفوا عن مقاتلته([9]).

ولا نرتاب في أنّ ذلك كلّه صحيح، وأنه من الصعب جداً تعميم النهي عن التنازع لغير حال الحرب والقتال، فالخطاب خاص؛ إلا أنه يمكن الاستناد إلى التعليل الوارد في الآية الكريمة: ]فَتَفْشَلُوا وتَذْهَبَ رِيحُكُمْ[؛ فإن الفشل وذهاب الريح سيقا هنا مساق التعليل، أي لا تتنازعوا كي لا تفشلوا.. وهذا معناه ـ حيث إن العلّة تعمّم وتخصّص كما قرّر في أصول الفقه ـ أن المهم عدم الوصول إلى مرحلة الضعف والوهن وذهاب القوّة والمنعة والدولة؛ فأيّ تنازع يبلغ بالمسلمين هذه الحال يكون مشمولاً للتحريم، تماماً مثل: لا تأكل الرمان فإنه حامض؛ فكل تنازع يفضي لذلك يكون حراماً، وإن لم يكن تنازعاً بين المقاتلين في جبهة الحرب، فتفيد الآية مبدأ عدم التنازع بهذا المعنى، والتنازع المضعِف لا يختصّ بتنازع المقاتلين كما هو جليّ.

ثانياً: ما هو المراد من التنازع؟ هل هو اختلاف الرأي أم شيء آخر أبعد من ذلك؟

الذي يبدو من بعض الفقهاء والأصوليين أنهم استندوا إلى هذه الآية لتحريم العمل بالقياس؛ لأنه يفضي إلى اختلاف الرأي([10])، كما استدلّوا بها أيضاً لإثبات مذهب التخطئة في أصول الفقه مقابل التصويب، ولعلّ أقدم من فعل ذلك هو ابن حزم الأندلسي (456هـ) في المحلّى([11])، وكذلك فعل الحرّ العاملي (1104هـ) في الفصول المهمّة([12])، كما استدلّوا بها لتحريم الجدال([13]).

لكنّ الصحيح أنّ النهي عن التنازع لا علاقة له باختلاف الآراء، ومن ثم فالاستدلال به على مسألة التخطئة أو قضية القياس ونحوهما غير صحيح؛ لأنّ في كلمة التنازع ـ بحسب دلالتها اللغوية ـ نوعٌ من التجاذب والتشاجر والتخاصم، وهو ما يفهم أيضاً من كلمات اللغويين([14])، فمجرّد اختلاف الرأي بشكل هادىء وعلمي وأخلاقي دون تجاذب ومنافرة وتخاصم وحقد وضغينة وتشنّج.. لا يشمله مفهوم التنازع الوارد في الآية الكريمة.

يضاف إلى ذلك، أن الآية حرّمت التنازع من حيث الإفضاء إلى الضعف والوهن؛ أما تعدّد الآراء والاجتهادات داخل الدائرة الإسلامية؛ فهذا يمكنه أن يقوّي المسلمين وينضج أفكارهم ويطوّر علومهم. إذا أحسنّا تنظيم هذا الاختلاف وضبطه علمياً وأخلاقياً وأدبياً أيضاً.

وعليه، فالآية خاصّة بالمخاصمات والمصارعات، ولا تشمل اختلاف الرأي بحسب الظاهر، ولا أقلّ من عدم إحراز هذا الشمول؛ فنأخذ بالقدر المؤكّد من الدلالة.

ثالثاً: الظاهر من فقه الآية الكريمة أن التنازع مسبّب دوماً للضعف، لا أنّ له حالتين: تارةً ينتج الضعف فيهما وأخرى لا ينتجه، فإنتاج الضعف من الخصوصيات التي تكفّل بها المولى، ولم تلقَ إلى العبد كي يعيّنها، فهذا تماماً كقول المولى: تزوّج من فلانة فإنّ في الزواج منها الخير؛ إذ خيرية الزواج من الأوصاف التي بيد المولى وقد أخبر هو عنها، فيكون وجوب الزواج مطلقاً حتى لو ظنّ العبد أنه لا خير في الزواج من هذه المرأة. وهذا بخلاف: تزوّج فلانة إذا كان في الزواج منها الخير، فإنّ تحديد الخيرية هنا يمكن أن يكون بيد العبد.

والآية التي نحن فيها نصّت على حرمة التنازع، وأخبرت ـ بالعطف بحرف الفاء ـ أنّ فيه الفشل وضعف القوى، أي أن الله العليم الحكيم يخبر بأنّ نتيجة التنازع هو الضعف، ومعه فيحرم التنازع مطلقاً، حتى لو رأينا ـ بنظرنا الشخصي ـ أنّ بعض موارده لا تفضي إلى الضعف، نعم تقيّد هذه الآية بمثل آية مقاتلة أهل البغي الآتي الحديث عنها؛ لأنّ النسبة بينهما هي نسبة العموم والخصوص المطلق، ونسبة الحالة الثانوية إلى الحالة الأوليّة، وفي هذين الموردين يقدّم الخاص والثانوي على العام والأوّلي؛ هذا كلّه بناءً على استفادة العموم من دلالة الآية، لا البناء على خصوص التعليل كما تقدّم.

رابعاً: الظاهر من الخطاب الوارد في الآية، وكذا من طبيعة التعليل، أنه موجّه إلى الأمة لا إلى الأفراد، أي أنه خطاب مجتمعي؛ فلا تدلّ الآية على تحريم تنازع فردين اثنين من المسلمين في قضية شخصية؛ إذ هي منصرفة عن هذه الحالة، سيما بقرينة السياق وعدم إفضاء النزاع الشخصي المحدود لضعف المجتمع، إلا إذا تنامت النزاعات الشخصية والعائلية في المجتمع حتى صارت تهدّد استقراره، ولا أقلّ من عدم إحراز مثل هذا الاستيعاب في دلالتها.

خامساً: إذا أجرينا مقارنة ومقاربة بين هذه الآية التي تؤسّس لمبدأ عدم التنازع، وبين قوله تعالى: ]فإنْ تَنَازعْتُمْ فِي شَيء فَرُدّوهُ إلَى اللّه والُرَسُولِ..[([15])، نجد أنّ مفتاح حلّ النزاعات الداخلية في الأمّة يقوم على مرجعيّة القرآن والسنّة، أي أنّنا لو رجعنا إلى الكتاب والسنّة سوف نرفع هذا التنازع، ولمّا كان التنازع مغايراً لمفهوم الاختلاف وتعدّد الاجتهادات، لم يقصد من الرجوع للقرآن توحيد الرأي؛ فإنّ ذلك قد لا يحصل، بل رفع حالة التخاصم والبتّ فيها، إلا إذا حصل أن بغت فرقةٌ على فرقةٍ أخرى أو قصّر المسلون في العمل بكتاب ربّهم وسنّة نبيّهم، فيكون المورد من موارد البغي والاعتداء، فتشمله آية البغي القادمة بإذن الله سبحانه.

2 ـ مبدأ الاعتصام الديني وعدم التفرّق

تشير إلى هذا المبدأ الآيات الكريمة التالية:

1 ـ ]وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ولا تَفَرَّقُوا واذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * ولْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ويَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا واخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ[([16]).

2 ـ ]إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْ‏ءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ[([17]).

3 ـ ]قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً ويُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيات لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ[([18]).

4 ـ ]فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ واتَّقُوهُ وأَقِيمُوا الصَّلاةَ ولا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ[([19]).

5 ـ ]شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً والَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ ومُوسى وعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ * وما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ولَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ[([20]).

وهذه الآيات الكريمة واضحة في النهي والنكير على التفرقة والتشرذم والتشظي والانقسام، ويمكن أن نستفيد منها جملة نقاط أساسية أبرزها:

1 ـ 2 ـ بين التفرّق عن الدين والتفرّق داخل الدين

إذا أخذنا الآية الأولى دلّت على لزوم الاعتصام بحبل الله تعالى وعدم التفرّق، وقد فسّر عدم التفرّق هنا بعدم التفرّق عن الحبل نفسه أو عن رسول الله6([21])، وهذا يوحي بأنه ليس المراد الانقسام داخل الدين، بل الخروج عن الدين، تقول: تفرّق القوم عن فلان، أي تركوه، وتقدير الآية: اعتصموا بحبل الله ولا تتفرّقوا عنه وتذروه، وهذا يُخرج الآية التي اشتهر توظيفها في مجال الوحدة بين المسلمين عن دخالتها في هذا الموضوع.

وربما يقال بإمكان توظيف الآية الكريمة في المجال الذي نحن فيه، فإنّها لم تقل: لا تتفرّقوا عنه، بل أطلقت النهي عن التفرّق وأعقبته ـ مباشرةً ـ بالحديث عن اختلاف المسلمين فيما بينهم من أوسٍ وخزرج و.. قبل الإسلام، وأن الإسلام أنهى هذه الانقسامات، وهذا كلّه يؤكّد أن التفرقة المرادة هنا هي مطلق الفرقة، وهذا يربط بين الوحدة وبين الالتزام بالحبل الإلهي، فكأنّ الآية تريد أن تقول: اعتصموا بحبل الله؛ فإن الاعتصام بالإسلام يحوّلكم من أعداء إلى إخوان، ويدفع عنكم الفرقة.

إذن، فهذه الآية ـ بناء على ما تقدّم ـ يمكن الاستناد إليها هنا بلا محذور، وحتى لو تركنا المقطع الأول منها، واستندنا ـ فقط ـ إلى قوله: ]وَاذْكُرُوا نِعْمَة…[، كفى ذلك؛ لأنّها بهذا المقطع الثاني تؤكّد أن الإسلام حوّل الجماعات المتناحرة ـ لأسباب عدّة ـ إلى إخوة متوادّين؛ إذاً فهو يفرض مبدأ عدم الفرقة بالتضمّن أو الاستلزام؛ إذ لو كانت الفرقة موجودةً في الإسلام لبطلت هذه النعمة التي يمنّ الله بها على الأوس والخزرج وأمثالهم؛ إذ سيكون الإسلام هو الآخر مدعاةً أو غير رافضٍ لفُرقةٍ من نوعٍ آخر، فيلزم الكرّ إلى ما فرّ منه كما يقولون.

وبالإجمال، يمكن الاستناد إلى هذه الآية لتأسيس مبدأ عدم الفُرقة والانقسام.

2 ـ 2 ـ بين الفُرقة الدينية والفُرقة غير الدينية

تركّز هذه الآيات على مفهوم الفُرقة الدينية، أي أنها لا تتحدّث ـ فقط ـ عن التمزق الاجتماعي الناتج عن أسبابٍ قبلية أو عشائرية أو قوميّة أو عرقية أو حزبية أو… بل تسلّط الضوء أيضاً على العنصر الديني في التمزّق؛ لأنّ ]فرّقوا دينهم[ تستبطن حصول الاختلاف المفضي إلى الابتعاد عن الدين بسبب عنصر ديني، أو لا أقلّ تحت شعار ديني، ففرّق الدين أي جعله فرقاً وقطعاً، فعندما تقول: ]فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً[فهذا معناه قطّعوا الدين وجزّؤوه وصاروا فرقاً، فتمزّقهم على أساس الدين هو تفرقة للدين.

ولعلّ هذا ما تريده الآية الأولى: ]ولا تكُوْنُوا كالّذيْنَ تَفَرّقُوا واخْتَلَفُوْا مِنْ بَعْدِ مَاْ جَاءَتْهُمُ البَيّنَات[.

وربما يريد هذا النوع من الآيات ـ والله العالم ـ أن يضع معادلة تقول: كلّ تمزق في الأمة يضارعه تشظّي في الدين نفسه، وهذه المعادلة كأنّ لها طرفاً يمثل السبب، وطرفاً آخر يمثل النتيجة، وتصوير هذين الطرفين في المعادلة يمكن أن يكون على شكلين:

الشكل الأول: إنّ الاختلاف بين المسلمين ـ لأيّ سبب كان ـ سيؤدّي إلى حالة تمزّق في الدين نفسه، بمعنى أنّ بعض الدين سوف ينفكّ عن بعضه الآخر، أشبه شيء بقوله تعالى: ]أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وتَكْفُرُونَ بِبَعْض[([22])، أي كل فرقة سوف تأخذ ببعض الدين وتترك بعضه، مما سيعدم الانسجام والتلاؤم بين أجزاء الدين نفسه، فيقرأ الدين قراءة مجتزأة وتغيب هنا بعض مقاطعه، فيما تغيب هناك مقاطع أخرى منه.

ومعنى هذا الكلام أن الفرقة الإنسانية تؤدي إلى تمزّق الدين وتقطّعه وتفريق أجزائه عن بعضها بعضاً، ويكون معنى الآية: الذين فرّقوا دينهم وقطّعوه وباعدوا بين أجزائه وأخفوا بعضها وأظهروا بعضاً آخر، بسبب تمزّقهم هم فيما بينهم واختلافهم وتفرّقهم في حياتهم الإنسانية.

الشكل الثاني: وهو يقع على العكس تماماً من الشكل الأوّل، بحيث يكون تبعيض الدّين وتفريق أجزائه عن بعضها البعض، وقراءته قراءة مجتزأة، وعدم ربط مقولاته ومفاهيمه ببعضها، سيكون ذلك بنفسه مؤدّياً إلى أن يأخذ كل فريق بمقولةٍ ويترك أخرى، أو يركّز على مقولة ويستبعد أخرى، أو يسلّط الضوء على آية قرآنية أو حديث نبوي ويتغافل عن آية أخرى أو حديث آخر، وهو ما سينتج عنه تمزّقٌ ديني بشكل تلقائي، لأنّ كلّ فريق سيقرأ جزءاً من الدين ويذر الآخر؛ وسيؤدي ذلك إلى انقسامهم فيما بينهم وصيروتهم شيعاً يحارب بعضهم بعضاً ويشايع بعضهم بعض الأشخاص أو بعض المقولات ويترك الأخرى، فالمجبرة تقرأ آية ربط كل شيء بمشيئة الله والمفوّضة تقرأ آيات الاختيار الإنساني، والمنزّه يقرأ آيات التنزيه والمشبّه يقرأ فقط آيات التشبيه وهكذا، ولا تضمّ أبعاض الدين وأجزاؤه إلى بعضها كي تكتمل الصورة ويتّحد الموقف.

ولعلّ الذي يؤكد مقولتنا في هذه المعادلة بشطريها وشكليها، ما ألمحنا إليه من قوله تعالى مخاطباً بني إسرائيل: ]وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ ولا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإثْمِ والْعُدْوانِ وإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ…[([23]).

فإذا أرجعنا آخر الآية إلى مجمل الفقرات السابقة، لا إلى خصوص مسألة الأسرى، كان معنى ذلك أنّ الكفر والإيمان ببعض الكتاب أفضى ببني إسرائيل إلى قتل بعضهم بعضاً، والآية وإن لم تكن دالةً على ما نحن فيه لكن فيها نحوٌ من الإشارة والتأييد.

والنتيجة أن هذه الآيات تربط بين الفرقة والدين تأثيراً وتأثراً.

3 ـ 2 ـ علاقة الدين بإنتاج الانسجام داخل الجماعة الدينية

واستتباعاً للنقطة السابقة، تعطي هذه الآيات دلالة على أنّ الارتباط بالدين كلّما تكامل كلّما اقتربت الأمّة من الوحدة؛ وأن الفرقة توحي بوجود ابتعاد عن الدين، ولعلّ هذا ما توحيه آية: ]وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ولا تَفَرَّقُوا وَ…[فإن الاعتصام الجميعي بحبل الله هو المفضي إلى الوحدة، كما أن صيرورة العرب متوالفين بالدين بعد التعادي في الجاهلية معناه أن الدين من عناصر التقارب والوحدة؛ فإذا أفضى إلى الفُرقة كان ذلك خلاف حقيقة التقريب التي فيه بين الناس.

وهذا يعني أن الاختلاف بعد مجيء الدين ناتج عن تقصيرٍ من البشر أنفسهم في الالتزام بتعاليم الدين وقيم السماء الرفيعة؛ لهذا نصّت الآية على تبرّي رسول الله6 من المفرّقين والمنشعبين فقالت: ]إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْ‏ءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ[، ولا معنى لهذا التبرّي إذا كانت الفُرقة نتاجاً دينياً؛ فهذا خير دليل على أن الفرقة نتجت عن سوء بشري في التعامل مع الدين ومع غيره، وهذا ما تؤكّده الآيات الكريمة: ]وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ[([24])، و]إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام ومَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ[([25])، و ]وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ[، و]وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ[([26]).

ومن مجمل ما أسلفناه نعرف أنّ حصول الاختلاف والانقسام يكون نتيجة خطأ إنساني أو سوء بشري، وأنّه لا يولّد الدين الفُرقة داخل جماعته على الأقلّ.

4 ـ 2 ـ ألوان تأثير البغي على سلامة الوحدة الدينية

لا يعني ما تقدّم أنّ الخلاف في الأمة يعني ابتعاد كلّ مذاهبها وفرقها وجماعاتها وآحادها عن الدين، بل الذي تريد الآيات أن تؤكّده هو وجود عنصر البغي الذي أدّى إلى حصول هذا الأمر، وهذا يعني أنه من الممكن أن يكون هناك فريقٌ واحد باغٍ فتحصل الفرقة نتيجة ذلك، حتى لو كان الباقون غير باغين، وربما كان الباقون هم الأجيال اللاحقة التي أتت فيما بعد؛ فالآيات تريد تأكيد المبدأ لا الدفاع عن شموليته واستيعابه.

ويشهد لذلك أنّ القرآن الكريم نفسه ذكر في آية البغي التي ستأتي إن شاء الله تعالى، أن حرباً قد تنشب في الداخل الإسلامي، ويتحمّل مسؤوليتها فريق واحد، بل الآية تأمر بمقاتلة الباغي، فلا تحثّ الآية على الفرقة والتنازع، بل تأمر بقلع مسبّبيهما، وبالجمع بين الآيات يظهر أنّ المقصود إدخال عنصر البغي في ظاهرة التمزّق، دون أن تقول: إن كل تمزّق تنساق الأطراف كلّها فيه لأهوائها؛ فقد يبغي فريق في بدايات الدعوة الدينية، فيوقع التنازع في الأمة، وتنقسم الأمة إلى فِرَق، فالبغي هنا كان مسبِّباً للفُرقة، لكن لا يعني اتهام الجميع ولا تمام الأجيال بأنّ انقسامها كان عن بغيٍ منها.

ولعلّ ذيل الآية الأخيرة يوحي بتأثير الأجيال على بعضها، فهي تقول: ]وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ[، أي أنّ الأجيال الأولى اختلفت ـ بعد العلم ـ عن بغي وهوى، أما الذين أورثوا الكتاب بعد تلك الأجيال فقد عصف بهم الشك والرّيب، وتركت نزاعات السابقين أثرها السلبي على الأجيال اللاحقة، فبعثت فيها الشك، حتى لم تعد تؤمن بكتابها حقّ الإيمان، وهذا ـ في نقطة المبدأ ـ أحد التفسيرات المشار إليها في هذه الآية، كما يظهر من بعض التفاسير([27]).

إذن، فقد يجني البغي المسبّب للفرقة الدينية على الأجيال اللاحقة؛ فيورثها الشك والريب في الدين، وليس ذنبها، بل قد تكون مستضعفةً حتى لو كانت تناصر هذا الفريق أو ذاك.

5 ـ 2 ـ إضفاء مفهوم العذاب على الفُرقة والتناحر

تشير الآية الثالثة المتقدّمة إلى‌ أنّ أنواع العذاب الإلهي متعدّد، وأن واحداً منها جعل الأمة على شيع وأحزاب يقاتل بعضها بعضاً، ويبطش بعضها ببعض، وهذا معناه أنّ الفرقة والافتراق نحوٌ من العذاب الإلهي الذي ينزل بالناس، وطبيعيّ أن الآية لا تعني أن كل فُرقة كذلك، بل أقصى ما تدلّ عليه أن بعض أنواع العذاب قد يكون في فُرقة الأمة ومحاربة بعضها بعضاً، وهذا خير دليل على أنّ القرآن يرى الاختلاف والتقاتل والتصارع الداخلي مظهراً من المظاهر التي قد تكون عذاباً إلهيّاً، فما أشدّ دلالة هذه الآية على رفض الفُرقة ونبذ التنازع والتخاصم.

والجميل في تعبيرات هذه الآية أنّها لمّا تحدّثت عن العذاب الفوقي والسفلي، أي من الفوق ومن تحت الأرجل، جعلت الثالث هو الفُرقة والتصارع، وكأنّ في هذا التعبير إشارة إلى أنّ الفتنة الداخليّة بين الأمة عذابٌ يكون بين يديها، وكأنّ مبرّراته وعناصره تحت سيطرتها، ولم يأتِ من الأعلى ولا جاء من الأسفل من حيث لا يدرك الناس ذلك، وهو ما فيه إشارة إلى الدور البشري في إنتاج العذاب الثالث الذي تعطيه الآية.

6 ـ 2 ـ حالة التشظّي ووهم المكاسب الجزئية

من أروع التعابير في هذه المجموعة من الآيات، قوله تعالى: ]كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ[، فهذه الآية تشير إلى واقع يعيشه المجتمع في ظلّ حالة الانقسام عادةً، وهي أن كل فريق يعيش في حالة غفلة ونشوة بما يراه من انتصارات له ومكاسب يحقّقها على الفريق الآخر أو لنفسه هنا أو هناك، فيفرح بما يراه مكسباً، وينتشي بما يحقّقه من معطيات جزئية، وهو غافل عن القضايا الكبرى، وغافل عن أنّ بعض مكاسبه الجزئية هذه ما هي سوى تكريس لانقسام الأمة وتمزقها وتشرذمها، وأنه باستمراره في طلب المكاسب الفرعية هذه والفرح بها يكرّس واقع التراجع في الأمة؛ لهذا نسبت الآية الفرح إلى الأحزاب ولم تنسبه للأمة، وجعلت الفرح على ما عنده وليس على ما عند الأمة ]بما لديهم[، وهذا هو الغرور المعرفي الذي يكرّس القطيعة في الأمة، فيفرح بما عنده، ولايفرح بما عند غيره.

وهذا الحصر مستفاد من تقديم ]بما لديهم[ على ]فرحون[؛ فكأنه لا يفرح إلا بما لديه، وأما ما عند غيره من أمّة الدين والتدين، فليس بموجب فرحاً عنده.

وبمارسة التأمل في استخدام كلمة «فرحون» في اللغة العربية، نجد أنّ القرآن الكريم لم يطلقها على السرور الإيجابي، بل أطلقها في موقع الذمّ، ومن ذلك قوله تعالى: ]إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ[([28])؛ فالفرح هنا لا يقصد منه السرور؛ ولهذا فسّر بالبطر([29])؛ للجزم بعدم حرمة الفرح في الإسلام، وبناءً على ما ذكره أبو هلال العسكري (ق 4هـ) في التفريق بين الفرح والسرور، فإنّ الفرح قد يكون بأمرٍ لا نفع فيه ولا لذّة، على خلاف السرور الذي لا يكون إلا فيما فيه نفعٌ أو لذّة على الحقيقة([30])، فيفهم أن استعمالات القرآن الكريم للفرح كانت للإشارة إلى شيء يفرح به الإنسان لكنه قد يكون خالياً من الفائدة والمنفعة الحقيقية، فكأنّ فرحه به مصداقٌ لقوله تعالى: ]قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَْخْسَرِينَ أَعْمالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً[([31])، تماماً كفرح ملكة سبأ بهديتها التي أرسلتها إلى سليمان، فقد ظنّت أنها سوف تستميله بها، لكنّ سرورها بما فعلت لم يكن سوى وهم، قال الله تعالى: ]فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ[([32])، وتماماً كما حصل مع الكافرين الذين كانوا يتوهّمون أنهم يدعون شيئاً وإذ بالذي كانوا يدعونه من دون الله لم يكن سوى سراب، قال سبحانه: ]ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ * ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَْرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ[([33]).

وعليه، ففرح الأحزاب تعبيرٌ عن حالة الوهم وتصوّر وجود منفعة ومصلحة في خطواتها وأعمالها، فيما هي تفرح على عدمٍ وعبثية وسراب، وفعلاً هذا هو حال الأمة حينما تنشغل بسفاسف الأمور، وتتصارع على أشياء ثانوية؛ فيختلّ ميزان الأولويات عندها، وما حال أمتنا الإسلامية اليوم ـ في أكثر من موقع ـ عن ذلك ببعيد.

إنّ الاعتصام الديني والوحدة أصلٌ من أصول الديانة قد تقف عندها أصول أخرى، ولعلّنا نجد بعض الدلالات المعبّرة عن ذلك وعن سلّم الأولويات في قصّة هارون مع موسى في القرآن الكريم، فبعد عبادة بني إسرائيل للعجل، ورجوع موسى غضباناً من لقاء ربّه، دار بينه وبين أخيه هارون حوار، كان جواب هارون له فيه دالاً، قال تعالى: ]قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي * قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي ولا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ ولَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي[([34])، فإنّ هذا الجواب يفيد أن موسى7 نفسه كان أمر أخاه هارون أن لا يفرّق أمر بني إسرائيل، وأن هارون كان يريد مواجهتهم لكنّه لم يكن قادراً على حسم الموقف لصالحه واقتلاع أساس الفتنة، وكأنّ موازين القوى بين جماعته وجماعة السامريّ كانت متعادلة أو كان أضعف منهم، سيما حسبما تشير إليه الآية الأخرى: ]إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وكادُوا يَقْتُلُونَنِي..[([35]).

من هنا، قدّم هارون وحدة بني إسرائيل على دعوتهم للحقّ، ولم يشأ إيقاع الفُرقة بينهم رغم ضلالهم، وهذا تعبير ظريف عن ترتيب الأولويات ترتيباً دقيقاً. وهذا في الجملة ما أقرّ به غير واحد من المفسّرين المسلمين([36]).

واللطيف أننا لو ضممنا هذا الحدث إلى أمر موسى لهارون لما استخلفه على القوم، لوجدنا القرآن يعبّر عنه بقوله: ]وَقالَ مُوسى لأَِخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وأَصْلِحْ ولا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ[([37])… ولفهمنا أنّ عدم تفريق بني إسرائيل هو حُسن خلافة وإصلاح وعدم اتّباع لسبيل المفسدين، أو لا أقلّ يصدق عليه واحدٌ منها، مما يعني أنّ الحفاظ على وحدة الأمّة إصلاحٌ في الأرض وعدم إفساد، وهو حُسن إدارة للمجتمع وللمؤمنين؛ ولهذا كان من الأولويات الكبرى في تسيير أمور الأمة؛ فإذا لم يتمكّن الفريق المحقّ من قلع أساس الفتنة والانحراف فعليه أن يواجهه بطريقة لا تؤدّي إلى إحداث الفرقة والانقسام، وهذا بالضبط ما فعله هارون مع قوم موسى.

3 ـ مبدأ وحدة الأمة

وتشير إلى هذا المبدأ القرآني الآيات التالية:

1 ـ ]إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ * وتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ[([38]).

2 ـ ]وإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ * فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ * فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ[([39]).

والسؤال الرئيس هنا: ما هو المشار إليه بحرف الإشارة «هذه»؟ فإنّ تحديده في غاية الأهمية لمعرفة مدى دلالة الآيتين على مبدأ وحدة الأمة المسلمة بالمعنى العام للإسلام.

أ ـ يفهم من كلمات بعض العلماء ـ مثل السيد محمّد باقر الصدر([40]) ـ أنّ المشار إليه هو أمة الإنسانية كلّها، وأن المخاطب بهذا الخطاب هم الأنبياء، فكأنّ الله يخاطب الأنبياء بأنّ البشر كلّهم أمّة واحدة، وطبقاً لهذا المعنى قد يصعب التوصّل إلى استفادة وحدة الأمة المؤمنة بوصفه مبدءاً من مبادئ العلاقات الداخلية بين المسلمين، إلا من حيث إنه إذا كان البشر أمة واحدة فالأمة المسلمة واحدة بطريق أولى.

لكننا نلاحظ على هذا التفسير أنّه:

أولاً: يخالف السياق الذي جاءت فيه بعض الآيات، فقد سبقها حديث في الأنبياء وتعريف بهم كل واحد بعد الآخر، ثم ختم الحديث بمريم في سورة الأنبياء، ثم جاء الخطاب المذكور؛ مما يفيد أن المشار إليه الأنبياء‌ والرسل ورسالاتهم، وكأن المعنى أن موسى وعيسى ومريم وغيرهم هم جميعاً أمة واحدة تصدر عن مصدر واحد وأن الفُرقة والتمييز بين الموسوية والمسيحية و.. جاءت من الناس الذين تقطّعوا أمرهم بينهم زبراً وصاروا أحزاباً وديانات، فقسّموا الدين الواحد الذي جاء به الأنبياء كلّهم.

ولعلّ الذي أوجب تصوّر توجّه هذا الخطاب إلى الأنبياء هو ما سبق هذه الآيات في سورة المؤمنون؛ حيث كانت الآية السابقة: ]يَا أيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوْا مِنْ الطَّيِّبَات واعْمَلُوا صَالِحَاً إنّيْ بِمَا تَعْمَلُوْنَ عَلِيْم[([41])، فتُصُوّر أنّ الخطاب الثاني جاء استمراراً للخطاب الأوّل، في حين أنّ ما أشرنا إليه وما سيأتي يمنع عن توجّه هذا الخطاب للأنبياء.

ثانياً: إن هذا المعنى يلزم منه أن تكون الآية اللاحقة حديثاً عن الأنبياء أنفسهم؛ فإذا كان الله يخاطب الأنبياء ويقول لهم: إنّ هذه أمتكم أمّة واحدة واعبدوني، ثم يقولون: إنهم تمزّقوا وتفرّقوا، فهذا يعني أن الأنبياء هم سبب التفريق، فليلاحظ السياق جيّداً، وهو معنى غير محتمل قرآنياً كما هو واضح.

ثالثاً: إنّ هذا التفسير يعارض آيات أخرى نصّت على أنّ البشر كانوا أمّة واحدة لولا الاختلاف الذي حصل بينهم، وأنهم سيظلّون مختلفين إلى ما شاء ‌الله، فهذا يعني أنّ وحدة البشرية ـ قرآنياً ـ أمرٌ غير مستقر، وأن الاختلاف هو الحاكم، فكيف يخاطب الأنبياء ويقول لهم: إنّ البشر أمة واحدة؟! قال تعالى: ]كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ وأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ..[([42])، وقال: ]لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً ومِنْهاجاً ولَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً ولكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُم..[([43])، وقوله: ]وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا…[([44])، وقال: ]ولَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً ولا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ[([45])، وقال: ]وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً ولكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ…[([46]).

من هنا، نستعبد هذا الاحتمال في تفسير الآية الكريمة من حيث مرجع الإشارة فيها.

ب ـ وذهب بعض المفسّرين القدامى إلى أنّ المقصود بالأمّة هنا هو الدّين، فيكون المعنى أنّ دينكم واحد وأن هذه الديانات التي جاء بها الأنبياء ‌السابقون كلّها دين واحد، وقد نُسب هذا التفسير إلى ابن عباس ومجاهد والحسن و..([47]).

ويبدو أنّ هذا التفسير يأخذ المضمون التفسيري للآيات، لأن معنى كون هؤلاء الأنبياء جميعاً أمتنا ـ وهي أمة واحدة ـ تعبيرٌ آخر عن وحدة الدين، وإلا فكلمة الأمة قد لا تكون منصرفةً ـ لغةً وعرفاً ـ إلى الدين والديانة، ما لم تحشد إلى جانبها شواهد وقرائن.

ج ـ ما نراه من أنّ الآية بعد أن استعرضت ـ قبلها ـ عدداً من الأنبياء والأولياء الصالحين وتحدّثت عنهم، استأنفت خطاباً وجّهته للمؤمنين جميعاً ـ باختلاف دياناتهم ـ بأنّ هؤلاء الأنبياء والأولياء كلّهم أمّة واحدة وجماعة واحدة هي أمّتكم، وأنهم يسيرون على خطّ واحد لا تفريق بينهم ولا تمييز بين موسى وعيسى و… فاتقوا الله واعبدوه، ثم تتحرّك لتشير إلى سبب الفُرقة والخلاف، فقد يطرأ في الذهن سؤال: إذا كان عيسى وموسى على خطّ واحد ودين واحد، فكيف صارت ديانتهما مختلفة وأنصارهما متباعدين متناحرين أحدهما يسمّى اليهودية والثاني المسيحية وبينهما سيف ودماء وتكفير ولعن؟!

فأشارت الآية اللاحقة ـ فوراً ـ إلى أنّ أنصار هؤلاء الأنبياء هم السبب؛ حيث قطّعوا أمرهم بينهم زبراً، أي جعلوها كتُباً ذهب كل واحدٍ لكتاب، أو صاروا قطعاً ـ كما هو أحد معاني الزبر لغةً كما قيل ـ وصار كل فريقٍ يفخر بمصالحه الحزبية والفئوية، فيما كان المطلوب منهم التوحّد تحت التعاليم الحقيقية للرسالات السماوية البعيدة عن كل هذه الإضافات والتأويلات والتحريفات التي ابتدعوها فيما بعد. وبناءً عليه، تدلّ الآية الكريمة على وحدة أمّة الأنبياء والأولياء والمرسلين وأنّه لا اختلافات بينهم.

من هنا، قد يصعب الاستناد إلى هذه الآيات لتأسيس مبدأ وحدة الأمة المسلمة، حيث المقصود وحدة الرسل ورسالاتهم، لا وحدة المسلمين والمؤمنين مع اختلافهم.

لكن يمكن أن يقال: إذا كانت الآيات تحمّل المتحازبين مسؤولية تفريق الأنبياء عن بعضهم في ذهن الناس ووعيهم، فمن الدلالة الأوضح حينئذٍ أن تنهى عن تناحر الأمة المسلمة، فكما كان عيسى وموسى ومحمد على خطّ واحد وهم جماعة واحدة، كذا الداخل الإسلامى هو خطّ واحد لا ينبغي التفريق فيه ما دام يتبع هؤلاء الأنبياء جميعاً؛ فالأمّة المتديّنة أمة واحدة من حيث وحدة منطلقاتها الدينية، فبهذا المقدار ـ فقط ـ تدلّ هذه الآيات لا أكثر.

4 ـ مبدأ الولاية المتبادلة

نقصد بهذا المبدأ أنّ المسلمين بعضهم أولياء بعض، يمثلون كياناً واحداً، وينصرون بعضهم بعضاً، فهم أمّة من دون الناس.

وتدلّ على هذا المبدأ الآيات التالية:

1 ـ ]إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير * والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير[([48]).

2 ـ]والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إنّ الله عزيز حكيم[([49]).

والذي يمكن أن نستنتجه من دراسة هذه الآيات ـ على مستوى دائرة بحثنا هنا ـ ما يلي:

أولاً: الولاية في الآية الأولى هنا تحتمل عدة معاني، وقد يكون الجامع بينها ـ على تقدير وجود جامع عرفي ـ هو المراد؛ فالولاية:

أ ـ قد تكون بمعنى النصرة والإعانة؛ فيكون المقصود بهذه الآيات أنّ المؤمنين ينصر بعضهم بعضاً ويتداعى بعضهم لمصلحة بعضهم الآخر، وقد يتعزّز هذا الاحتمال بورود مفهوم النصر والإيواء في الآية الأولى([50]).

ب ـ وقد تكون بمعنى المحبة والمودّة، فيكون المعنى أنّ بين المؤمنين حبّاً وودّاً ورحمة وألفة في القلوب؛ فتدلّ الآيات على مبدأ الألفة الإسلامية الذي سيأتي التعرّض له قريباً إن شاء الله تعالى.

ج ـ ولعلّ المراد من الآية التوارث، بمعنى أنّه يرث بعضهم بعضاً، ولا يرثهم الكفار، وقد نقل هذا الكلام عن جماعة كابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة والسدي و..وأنّهم كانوا يتوارثون على أساس الدين؛ فجاءت آية: ]وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله[([51]) فجعلت التوارث بالنسب ومثله، ونسخت الآيةَ التي نحن فيها([52]).

د ـ وربما كان المراد الولاية بمعنى أنّ كل واحد منهم متكفّل ومتولّي لشؤون غيره؛ فهو موظّف أن يتعهّد مصالح سائر المسلمين وحاجاتهم، فتكون أمور الأمّة المسلمة في رقبة كلّ واحد من المسلمين، عليه أن يقوم بما يمكنه القيام به تجاهها.

هـ ـ وقد يكون المراد الإشارة إلى عنصر القرب والالتحام والاندكاك حتى أنّ بعضهم من بعض، فتكون معبّرةً عن وحدة الملّة والتمايز عن سائر الملل، ولهذا عبّرت الآيات الأخرى بأنّ الكافرين أيضاً بعضهم أولياء بعض، أي أنّهم ملّة أخرى، فالآيات تريد بيان القطيعة ـ بهذا المعنى ـ بين الملّة المسلمة والملّة الكافرة، في مقابل بيان عنصر الوحدة الجمعية داخل الوسط الإسلامي، فتكون من آيات مبدأ وحدة الأمّة الذي تقدّم الحديث عنه آنفاً.

وقد يكون المرجّح من هذه الاحتمالات ـ على مستوى الآية الأولى ـ هو الاحتمال الأوّل؛ لأنّ السياق كلّه حديثٌ عن النصر، وفرضٌ لصور وحالات استنصار فريق مسلم ضدّ فريق كافر، ثم التعليق أخيراً بأنّ عدم نصر المؤمنين سيؤدي إلى فتنة، فأقرب الاحتمالات في هذه الآية هو الأوّل حسب الظاهر، وهو المقدار المتيقّن منها.

إلا أنّ هنا ملاحظة، وهي أنّ الآية نفسها سلبت سلباً شديداً علاقة الولاية بين المسلمين المهاجرين والأنصار من جهة وبين الذين لم يهاجروا، ثم أردفت ذلك فوراً بوجوب نصرهم لو استنصروهم، فلو كان المراد بالولاية النصرة لكان هناك تناقض في الآية الواحدة، وهذا ما يضعّف احتمال النصرة، إلا إذا قيل ـ كما هو ظاهر بعضهم ـ أنّ النصر هنا مختص فيما إذا استنصروهم في الدين لا مطلق الاستنصار([53])، كما في نزاع قبلي أو غيره، فيكون سلب الولاية سلب مطلق الإعانة والنصر لهم ثم أخرجت الآية خصوص الاستنصار للدين. لكنّ هذا الكلام غير واضح فنحن نستقرب جداً أن يكون المراد بمسألة الاستنصار في الدين مقابل الاستنصار في القرابة أو العشيرة، أي أنّ هؤلاء استنصروكم فيما بينهم وبينكم من ديانة لا من باب قرابة، فلو استنصروكم من جهة قرابة بينكم وبينهم أو لاعتبارات أخرى فلا يجب عليكم النصر؛ لأنّ المسلمين لا ينطلقون في نصر بعضهم من معايير من هذا النوع فيحشدون لبعضهم على أسس قبلية أو قومية أو غيرها كما كانت عليه الحال في الجاهلية، وهذا لا يخلّ بحالة التناقض الداخلي الذي قد تبتلي به الآية على تقدير تفسيرها بالنصر.

كما أنّ احتمال المحبّة والمودّة يبدو بعيداً عن سياق الآيات، حيث لا شاهد عليه فيها؛ فهو احتمال بلا شاهد، ولأجل ذلك استبعدنا ذكر هذه الآيات في مبدأ الألفة الإسلامية القادم بعون الله.

أمّا احتمال التوارث، فرغم اشتهاره بين القدماء من المفسّرين، إلا أنّنا لم نجد له شاهداً يدعمه، ولعلّ الذي دفعهم إلى ذلك هو الآية التي ذكروا أنّها ناسخة؛ فإن تعبير (أولى) وتعبير (أولياء) أوحى أنّ الفكرة واحدة، سيما وأنّ آية سورة الأحزاب قالت بعد ذلك مباشرة: ]..من المؤمنين والمهاجرين..[؛ فكأنها تريد أن تقدّم الأولوية لصالح الأقارب على المؤمنين والمهاجرين، ممّا يوحي بنسخها لتلك الآيات.

لكنّ هذا لا شاهد عليه، ومجرد استخدام مادّة: (ولي) لا يعني وحدة المعنى وهو التوارث، فقد وردت هذه المادة في القرآن الكريم مرات كثيرة واستخدمت في حقّ الله تعالى ورسوله مما لا معنى لفرض الإرث الفقهي القانوني في موردها؛ وربما لذلك لم نجد في آيات الإرث من سورة النساء ـ وهي من التي أسّست مفهومه وذكرت تفاصيله ـ أيَّ شيء من هذا التعبير، مع أنّه كان من المناسب تقرير هذا المبدأ بهذا التعبير هناك.

من هنا؛ قد يترجّح الاحتمال الرابع، بأن يكون معنى الآية أنّ المسلمين أمّة واحدة وكيان واحد، لكلّ واحد منهم ولاية ومسؤولية وقرار ورأي وموقف من قضايا الأمّة، فهم ـ جميعاً ـ يقرّرون مصيرهم وأهدافهم وقضاياهم و.. ويشتركون فيما بينهم في أمورهم، فتكون الآية قريبة من قوله تعالى: ]وأمرهم شورى بينهم[([54])؛ ولهذا لم يكن الذين لم يهاجروا ولم يدخلوا في رحم الدولة الإسلامية القائمة على عنصر الأرض ـ وهي المدينة المنوّرة ـ والشعب ـ وهو جماعة المسلمين في المدينة الذين يشكّلهم المهاجرون والأنصار وتعرّضت لهم الآية نفسها.. ـ هؤلاء ليس لهم المشاركة في قرار المسلمين؛ لأنّهم بعدم هجرتهم لم ينخرطوا في الاجتماع الإسلامي السياسي بحسب حالات تلك المرحلة، ولهذا لم يكن لهم ما كان لغيرهم، نعم لو استنصروا المسلمين وجب نصرهم لمكان إسلامهم؛ فهذا المعنى قد يكون أقرب الاحتمالات، ولعلّه هو المراد من كلمات بعض المفسّرين الذين أثاروا هذا الاحتمال تحت عنوان الولاية التي يكون المسلمون بها يداً واحدة في الحلّ والعقد([55]).

وقد يتعزّز هذا الاحتمال بما ذكره بعض أهل اللغة عندما باشروا تفسير كلمة الولي فقالوا: إنّه من الموالاة واتخاذ المولى وعلاقة الولاية، بل بعضهم لم يأت على ذكر معنى المحبة والمودّة والنصرة وأمثال ذلك([56]).

وقد ينتصر للاحتمال الخامس، بما ذكره بعض أهل اللغة في تفسير كلمة الولي مباشرة من أنّها من القرب والدنوّ، بل الأصل اللفظي فيها ذلك([57]).

وعليه، فإذا فسّرت الآية بالاحتمال الأوّل أو الرابع، فهي تؤسّس مبدأ جديداً من مبادئ العلاقة بين المسلمين، وهو مبدأ النصر أو حقّ تقرير المصير، أمّا على الاحتمال الثاني أو الخامس فترجع إلى بعض المبادئ التي تقدّمت هنا أو ستأتي؛ ولهذا فصلنا مبدأ الولاية المتبادلة عن سائر المبادئ لوجود احتمال قوي في انفكاكها عنها.

ثانياً: تحذر الآية من عدم حصول الولاية المذكورة فيها، وترى أنّ عدمها سيؤدي إلى فساد كبير وإلى فتنة في الأرض، وهذا العنوان يمكن تكييفه مع أكثر الاحتمالات المتقدّمة في تفسير الولاية؛ فإذا فسّرناها بالنصرة كان المعنى أنّ عدم نصر المؤمنين لبعضهم سيخلق فتنة وحرباً وضلالاً ـ على حسب تفسيراتهم لكلمة الفتنة في القرآن([58]) ـ وكذلك عدم كونهم مشتركين في أمورهم وملّة واحدة دون سواهم، أو عدم وجود التحابّ فيما بينهم، نعم احتمال الميراث قد لا يكون واضحاً بالدرجة عينها؛ فإنّه إذا لم يتوارثوا فيما بينهم فهل ستكون النتائج بهذا الحجم الكارثي الذي تبيّنه الآية بهذه اللغة الصارمة؟! ولعلّ هذا من مضعّفات هذا الاحتمال.

ثالثاً: الملاحظ من الآية الثانية أنّها مفتوحة على أكثر من احتمال في تفسير الولاية، بل قد سعى مثل الثعلبي (427هـ) لجمع أكثر من معنى فيها كالنصرة والمحبة و.. ([59])، وإن كان احتمال التعاون والمشاركة والنصرة ودعم كل فريق لآخر وارداً بقوّة أكبر هذه المرّةً، وذلك أنّها أعقبت تأسيس مفهوم الولاية المتبادلة بسلسلة من الواجبات والفرائض التي يشتركون في العمل بها، فكأنهم يعاونون بعضهم بعضاً فيها، وقد يبدو من كلمات المفسّرين الميل هنا إلى مسألة النصرة والتعاون([60])، وقد فسّرها الواحدي (468هـ) بالرحمة والمحبّة([61]).

5 ـ مبدأ الألفة الإسلامية والرحمة الإيمانية

وتشير إلى مبدأ تأليف القلوب وإحلال الرحمة في العلاقات الدينية آيات:

1 ـ ]وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وبِالْمُؤْمِنِينَ * وأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الأَْرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ولكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[([62]).

2 ـ ]وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً…[([63]).

3 ـ >مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ<([64]).

فالآيتان الأوليان تطرحان مبدأ مهماً جداً، هو مبدأ الألفة بين المؤمنين، وتشيران إلى أنّ الإسلام سببٌ للألفة، وأن التعادي والتباغض الذي يكون بين الناس يزول بدخولهم الإسلام، والميزة هنا أنها لا تتحدّث عن اتحاد اجتماعي في الأمة المسلمة أو سياسي أو عسكري أو اقتصادي أو… وإنما تطرح مبدأ الألفة القلبية؛ لذلك ورد في الآيتين الحديث عن تأليف القلوب، أي أننا دخلنا هنا في المشاعر والأحاسيس والعواطف التي تنقل المسلمين ـ بالإسلام ـ من مرحلة التعادي والتباغض إلى مرحلة التوالف والتحابّ؛ لأنّ الألفة ـ كما قيل([65]) ـ هي الاجتماع على الموافقة في المحبّة، وقد جعلت الآية الثانية حالة التآلف القلبي هذه سبباً أو مرحلةً أسبق من مرحلة صيرورتهم إخواناً، فأخوّتهم جاءت في تآلف قلبي، وليس من علاقة مصالح أو قرابة أو نسب أو قومية.

ويمكن الاستئناس بآية قرآنية دالّة هنا تدعم الفكرة التي نقول، وهي قوله تعالى: ]لا يُقَاتِلُوْنَكُمْ جَمِيْعَاً إلا فيْ قُرَىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيْدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيْعَاً وَقُلُوبُهُم شَتّى ذَلِكَ بِأَنَّهُم قَوْمٌ لا يَعْقِلُوْن[([66])؛ فهذه الآية الكريمة تنتقد حال الأعداء وتصفهم بأنّهم يبدون لكم على كلمة واحدة، وصورة فاردة، وجسم واحد متراصّ، إلا انّهم متفرّقون من حيث القلوب والباطن، وهذا هو الذي أشرنا إليه، من أنّ الإسلام لا يريد لأبنائه مجرّد وجود تحالف سياسي أو عسكري أو اقتصادي بينهم، بحيث يبدون في الظاهر متّحدين في مؤسّسات أو اتحادات أو منظمات أو.. فيما هم في قلوبهم وفيما إذا خلى بعضهم إلى بعض لا يضمرون لبعضهم سوى الحقد والضغينة، ويتمنى كلّ واحدٍٍ منهم أن يقضي على الآخر؛ فهذه هي السلبية عينها التي تعرّضت لها هذه الآية في وصف الكافرين؛ من هنا ركّز القرآن الكريم على مفهوم الألفة والمحبة.

ووفقاً لما قلناه، فإذا أردنا أن نسير مع هذا المبدأ القرآني، فلا نطالب داخل المجتمع الإسلامي بتحالفات أو اتفاقات أو تفاهم أو عقود أو… وإنما بما هو أعمق من ذلك وبما هو سببٌ لهذه الأمور جميعها، ألا وهو التآلف القلبي الذي يدفع المسلم لحبّ أخيه المسلم، لا لكرهه أو الحقد عليه أو التشفي منه أو الانتقام أو البغض أو التربّص أو… فقط لأنّه مختلف معه في المذهب أو القوميّة أو العشيرة أو اللغة أو…

وفي تقديري، فمبدأ الألفة من أهمّ المبادىء القرآنية في علاقات المسلمين ببعضهم؛ ولست أدري ماذا سنجيب لو سُئلنا: ما دام القرآن يؤلّف ـ بنعمة الهداية ـ القلوبَ، فكيف صار الحقد والضغينة والكره أساساً اليوم في علاقات المسلمين ببعضهم؟! وكيف صارت نعمة التوالف والتآلف سبباً لنقمة التباغض والتعادي؟!

وقد نزلت الآيتان أو طبّقتا تطبيقاً بارزاً ـ على ما في بعض التفاسير([67])ـ في الأوس والخزرج، بل قيل: إنّه مذهب أكثر المفسرين([68])، لكنّهما لا تقفان عندهم ـ كما هو واضح ـ لعدم وجود خصوصية في الرسالة التي تريد الآيتان أن تعطيها، ما دامت العلّة واحدة وهي الإسلام بحسب معطى الآية الأولى نفسها سيما بقرينة ضمّها إلى الآية الثانية، وما دام عموم المؤمنين يشمل الأنصار والمهاجرين و.. فقد كانت بينهم عداوات كبيرة جداً لا تخفى على أيّ مطلع على تاريخ العرب الجاهليين، لكنّ الله ـ مع ذلك ـ صيّرهم قلباً واحداً بنعمة الإيمان؛ والملفت أنّ الآية الأولى استخفّت بالدور المادي في توليف القلوب في حين أعطت القدرة للدور المعنوي وهو الدين، فإذا كانت كلّ أموال الدنيا لا تستطيع أن تؤلّف القلوب؛ فذلك لأنّ عملية التأليف القلبي لا تقف عند حدود العلاقة الطيبة أو التحالف السياسي أو الاشتراك في المصالح، بل تتعدّاه إلى ما هو أبعد من ذلك، وهو أمر لا يمكن للعامل المادي عادةً أن يفعله؛ لهذا ركّزت الآية على أنّ الدين قادر على عملية التوحيد والتوليف أكثر من قدرة العناصر المادية على ذلك، وهذه نقطة مهمة؛ بل يمكن أن نضيف ما ذكره الفخر الرازي (606هـ) في تفسيره من أنّ سبب عداوة العرب لبعضهم كان المال والمصالح المادية فألّف الإسلام بين قلوبهم لجعله القيم المعنوية هي المعايير في الحياة، ثم لمّا عادت هذه المصالح إلى المسلمين بعد وفاة النبي عادوا للتصارع مرّةً جديدة([69])، وهو ما تشير إليه التحليلات العرفانية لابن عربي (638هـ) في تفسيره أيضاً([70]).

ولعلّ وقوع جملة تأليف القلوب بالإسلام في سياق الآيات الحاثة والمتحدّثة عن نصر النبي وتقويته قبل هذه الآية (الأولى) وبعدها، فيه إشارة إلى الدور الذي يلعبه تأليف القلوب الإسلامية بالإسلام في تحقيق العزّة والنصر والمنعة والقوّة.

ولا تفوتنا الإشارة إلى أنّ الآية الثانية ركّزت مرّتين على وصف النعمة، وهي إشارة دالّة ومعبرة، من حيث إن الإسلام بتوحيده القلوب ونشر ثقافة الأخوّة قد ألقى نعمةً إلهيةً على الناس، وهذه النعمة سواء جعلناها الإسلام أم محمداً أم القرآن أم أيّ شيء آخر.. فهي في نهاية المطاف ترجع إلى الدين الذي هو الظاهرة التي استجدّت في الحياة العربية آنذاك، بحيث يتصوّر نسبة التوالف المستجدّ ـ بقرينة قوله: ]فَأصْبَحْتُم[ ـ إليها.

والآية أيضاً واضحة في أنّ التأليف كان مقدّمةً للأخوة، وهذا معناه أنّ الأخوة لا تعني مجرّد العلاقات الطيبة أو المصالح المشتركة على أساس قبلي أو وطني أو قومي أو عشائري أو حتى ديني.. تصاحبها حالات تنافر قلبي في واقع الأمر لو خلّي كلّ فريق ونفسه، كما هي حال أمّتنا اليوم في غير موقع، بل تنتج من عملية توليف القلوب في مرحلة أولى؛ ليعقبها تحقّق مفهوم الأخوة، فكأن التلازم السببي أو تلازم السابق مع اللاحق كان شديداً حتى عبّرت الآية بـ ]فَأصْبَحْتُم[ مستخدمةً الفاء الدالّة على العطف بلا تراخي.

وبتحليل صيغة الأمر في مطلع النص ]وَاذْكُرُوا[ نفهم أنّ تذكّر هذه النعمة واجبٌ شرعي، بيد أنّه ليس مأخوذاً على نحو الموضوعية المستقلّة، بمعنى أنّ التذكّر هنا لا يهدف منه مجرّد التذكّر، وإنّما استشعار المنّة الإلهية؛ لأنّ الآية وردت في سياق الامتنان الذي أعقب طلب الوحدة وعدم الفرقة، وهذا معناه أن هذا التذكر لتحوّل حالهم من التمزّق إلى التوافق إنّما يراد منه السعي دوماً لإبقائه ضمن المناخ الإسلامي، فعندما تقول لشخص: أحسن التصرّف في مالك؛ وتعلل له ذلك بقولك: وتذكّر كيف كنت فقيراً فأعطيناك المال؛ فهذا معناه أنّ التذكّر هنا أخذ لكي يكون مقدّمةً للأمر الأوّل، وهو حسن التصرّف في المال، وهنا الأمر كذلك، يكون التذكّر مقدّمةً لتحقيق الاعتصام بالحبل الإلهي وعدم التفرّق، فالجملة خبرية الروح عن واقعهم التاريخي، إنشائية الصياغة من حيث إرادتها الحفاظ على هذه النعمة.

ويمكن تعزيز هذا المبدأ بآية قرآنية أخرى ذات صلة، وهي قوله تعالى:>وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ<([71])، فإنّ رفع الغلّ ـ وهو الحقد والضغينة والعداوة ـ درجة من الدرجات الأولى لبلورة الألفة والمحبة، بل هذا الدعاء بنفسه تعبير عن محبة وعطف وصدق مع المؤمنين، ولعلّه لذلك ختمت الآية بأوصاف الرأفة والرحمة في الباري تعالى شأنه.

وهذا ما يجعلنا نطلّ على الآية الثالثة من آيات هذا المبدأ، تلك الآية التي تشيّد مبدأ الرحمة الإيمانية، فالمؤمنون فيما بينهم رحماء تحكم علاقاتهم الرحمة وليس المصالح، فهم يخافون على بعضهم ويشفقون على رجالهم ونسائهم، ويتحنّنون على بعضهم، فهذا هو معنى الرحمة التي تذكرها الآية، وهي تستدعي مساعدة بعضهم بعضاً في الشدائد، والوقوف إلى جانب بعضهم([72])، وتبدو هذه الرحمة بمظهر المذلّة أمام المؤمن والتواضع وخفض الجناح معه لا التكبّر والتعالي؛ قال تعالى: ]أذلّةً على المؤمِنِينَ أعِزّةً عَلَى الكَاْفِرِيْن[([73])، فإنّ الآيتين تتشابهان في التعبير والتركيب والغاية، وتتقاربان في الفكرة والمضمون.

والعنصر البلاغي في تعبير الآية أنّها جعلت الرحمة في مقابل الشدّة مع أنّ الشدة لا تقابلها الرحمة، وهذا ناتجٌ ـ كما يقول التفتازاني (792هـ)([74]) ـ عن كون الرحمة مسبَّبةً عن اللين؛ فهذا اللين وتلك الطراوة القلبية هما اللذان ينتج عنهما أو تلازمهما الرحمة في الوسط الإسلامي.

6ـ مبدأ الأخوّة الإسلامية

وهو مبدأ هام، تعطيه الآيات التالية:

1 ـ ]إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ واتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[([75]).

2 ـ ]..واذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً…[([76]).

3 ـ ]ويَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ واللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ…[([77]).

4 ـ ]فَإِنْ تابُوا وأَقامُوا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ ونُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ[([78]).

5 ـ ]ادْعُوهُمْ لآِبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ ومَوالِيكُمْ…[([79]).

6 ـ ]يا أيُّها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتّباع بالمعروف أو..[([80]).

7 ـ ].. ولا يَغْتَبْ بعْضَُكم بعضَاً أيُحِبُّ أحَدُكُم أنْ يأكُلَ لَحْمَ أخِيْهِ مَيْتَاً فَكَرِهْتُمُوْه..[([81]).

فهذه الآيات تقرّر مبدأ الأخوة الدينية مع اليتامي ومجهولي الوالد، ومع كلّ من دخل الإسلام وتاب إلى الله تعالى‌ من الكفر والشرك، بل الآيتان الأخيرتان تأخذان هذا الأمر مفروغاً عنه، وتستند الأخيرة إليه للردع عن الغيبة وتشويه فعل صاحبها. ومبدأ الأخوّة يعني تساوي المسلمين فيما بينهم، فليس أحدهم أباً لأحد ولا الآخر ابناً للأوّل، بل هم إخوة لكلّ واحدٍ منهم ما للآخر، وعلى كلّ‌ واحد منهم ما على‌ الآخر، وهذه هي نكتة الأخوّة التي تستبطن التساوي أيضاً في المواقع والحقوق والواجبات من حيث المبدأ.

والدلالة الأهم في هذه المجموعة من الآيات أنها تفيد الحصر بحسب الآية الأولى منها، فكلمة (إنما) تفيد الحصر عند الكثير من اللغويين وعلماء أصول الفقه الإسلامي، فقد حصرت المؤمنين ـ ولو على نحو المبالغة ـ بأن يكون إخوة، وكأنّه لا معنى لهم سوى أن يكونوا إخوة، وقد رتّبت على هذه الأخوة المجعولة وجوب إصلاح ذات بينهم عندما يقع بينهم تنازع أو اختلاف، فليس السعي للإصلاح لمصالح وقتية أو لأهداف مرحلية، بل لأنّ حالة الأخوّة هي الحالة الطبيعية التي يفترض أن تحكم المجتمع الإسلامي بحسب النظرية القرآنية، واللطيف أنّها عبّرت بالأخوين، وهذا يدلّ على أنّ المصلح أخٌ لكلّ طرف من طرفي التنازع، وهو ما يشير إلى أخوة طرفي التنازع أيضاً؛ لقضاء العادة بأنّ من أكون أخاً لهما يكونان أخوين لبعضهما بعضاً أيضاً، فهو من أوجز الكلام وألطفه كما يقول العلامة الطباطبائي (1412هـ)([82])، ويشير إلى تصوير بليغ للأمّة المسلمة على أنّها أسرة واحدة([83]).

وتعجبني هنا عبارة الزمخشري (538هـ) في الكشاف: حيث يقول: mوالمعنى ليس المؤمنون إلا إخوة وهم خلص لذلك متمحّضون قد انزاحت عنهم شبهات الأجنبية، وأبى لطف حالهم في التماذج والاتحاد أن يقدموا على ما يتولّد منه التقاطع..n([84]).

والإيمان في هذه الآية يقصد به الإسلام لا المعطى المذهبي الخاص كالتشيع الاثنا عشري؛ لأنّ إطلاق عنوان المؤمن على المسلم الإمامي، حدث فيما بعد لا في زمن الرسول، فليس حقيقةً شرعيّةً في تلك الأزمنة كما هو واضح؛ فتشمل كلّ هذه الآيات مطلق طوائف المسلمين وانتماءاتهم.

التكفير وعمليات التفلّت من المبادئ الوحدوية القرآنية

هذه المبادئ التي ذكرناها، لا إشكال فيها وهي واضحة؛ لكنّ مشكلة المسلمين عبر الزمن ـ رغم علمهم بهذه المبادئ بشكل أو بآخر ـ أنهم لما كانوا يريدون التنازع مع فريق مسلم كانوا يستبقون ذلك بتكفيره؛ وبهذه العملية كان يتمّ التفلّت والتملّص من كل الخطابات القرآنية الداعية لوحدة الصفّ وألفة القلوب؛ لأنّك عندما تخرج جماعةً من الإسلام فأنت بذلك لا تعود مخاطباً بحقوق المسلم معهم؛ بل إنك سوف ترفض التقريب والوحدة مع هذه الجماعة؛ لأنّه تقريب بين المسلمين والكافرين لا بين المسلمين أنفسهم.

من هنا،‌ كانت ظاهرة التكفير التي عرفها تاريخ الإسلام، واشتهرت بها جماعات معروفة عبر التاريخ الإسلامي كقدامى الخوارج وغيرهم، أكبر إضعاف لمبادئ الوحدة الإسلامية، وهذا ما يستدعي من الفقهاء المسلمين دراسة جادّة لأصول الإسلام والكفر؛ حتى يتميّز الكافر من المسلم بدقة، ولا يُتسرّع في عملية تكفير المسلمين بعضهم بعضاً، والبحث في هذه النقطة خارج عن هذه الدراسة.

لكنّني ـ من باب الإشارة ـ يحلو لي هنا أن أنقل كلامين هامّين ـ بنظري ـ لشخصيتين إسلاميتين شيعيتين بارزتين، تصدّرتا أهم مواقع المرجعية والفكر الشيعي في القرن العشرين، ألا وهما: الإمام روح الله الخميني (1410هـ)، والشهيد السعيد محمد باقر الصدر (1400هـ)، كلامين مدوّنين في مصادر بحثهما الفقهي الداخلي، لا كلامين سياسيين، قد تمنعهما سياسيّتهما عن الدلالة والتعبير، يشيران إلى أنّ إنكار مبدأ إمامة أهل البيت(، وهو أكبر مبدأ في المذهب الشيعي بعد الشهادتين، لا يخرج الإنسان عن الإسلام، فما ظنّك بعد هذا بسائر المبادئ والأفكار، حتى لو كان المنكر مخطئاً وغير مصيب.

النص الأول: يقول الإمام الخميني في كتاب الطهارة من مباحثه الفقهية ما نصّه: mإن الإمامة بالمعنى الذي عند الإمامية، ليست من ضروريات الدين، فإنّها ]أي الضروريات[ عبارة عن أمور واضحة بديهية عند جميع طبقات المسلمين، ولعلّ الضرورة عند كثيرٍ على خلافها، فضلاً عن كونها ضرورة، نعم، هي من أصول المذهب، ومنكرها خارج عنه، لا عن الإسلامn([85]).

النص الثاني: يقول الشهيد محمد باقر الصدر في كتابه mبحوث في شرح العروة الوثقىn ما لفظه: m… إن المراد بالضروري الذي ينكره المخالف، إن كان هو نفس إمامة أهل البيت (، فمن الجليّ أنّ هذه القضيّة لم تبلغ في وضوحها إلى درجة الضرورة، ولو سلّم بلوغها ــ حدوثاً ــ تلك الدرجة فلا شك في عدم استمرار وضوحها بتلك المثابة، لما اكتنفها من عوامل الغموض، وإن كان هو تدبير النبي وحكمة الشريعة على أساس افتراض إهمال النبي والشريعة للمسلمين بدون تعيين قائد أو شكل يتمّ بموجبه تعيين القائد يساوق عدم تدبير الرسول وعدم حكمة الشريعة، فإنّ هذه المساوقة، حيث إنّها تقوم على أساس فهم معمّق للموقف، فلا يمكن تحميل إنكار مثل هذا الضروري على المخالف، لعدم التفاته إلى هذه المساوقة أو عدم إيمانه بهاn([86]).

فإذن، إنكار السنّي مبدأ الإمامة الشيعي لا يصيّره كافراً، أو منكراً للبديهيات الواضحة، وإن اعتقد الشيعي أنَّ السنّي مخطئ في اعتقاده، فهذا حقّه، لكن ذلك لا يعني تكفيره لأخيه والقطيعة معه؛ فـ mملاك الكفر والخروج من الإسلام هو الإنكار الصريح، لا الإنكار بالملازمة، والخلط بين العقيدة الصريحة والعقيدة الملازمة للعقيدة الصريحة من آفات المذاهب، ومن عوامل تراشق التهم بينهاn([87]).

وإذا قدّمتُ هاتين الشخصيتين البارزتين شاهداً، فهناك الكثير من رجالات العلم الشيعي تشهد بهذه الحقيقة، ولربما صحّ قول العلامة السيد عبدالحسين شرف الدين حينما قال: mالفصل الرابع ]من كتاب الفصول المهمة[: في يسير من نصوص أئمتنا G في الحكم بإسلام أهل السنّة، وأنّهم كالشيعة في كلّ أثرٍ يترتّب على مطلق المسلمين، وهذا في غاية الوضوح من مذهبنا، لا يرتاب فيه ذو اعتدال منّا، ولذا لم نستقص ما ورد من هذا الباب، إذ ليس من الحكمة توضيح الواضحات…n([88]).

وهكذا الحال في الطرف الآخر، فإن عدم الاعتقاد بعدالة الصحابة، أو زوجات النبي 2 أو بعض الخلفاء الأوائل لا يعني كفراً، بل حتّى لو سلّمنا بسبّهم أو لعنهم، فهو على أقصى تقدير ـ وفقاً لنظريات الفريق الآخر ـ معصية كبيرة وجرم عظيم، لكنّ فرقاً واضحاً بين هذا العنوان وعنوان الكفر الموجب للقطيعة، والإخراج عن ربقة الإسلام؛ ذلك أنّ احتمال الخطأ في الاجتهاد واردٌ، فلعلّ من فعل ذلك أخطأ في اجتهاده، وما أكثر ما تأوّل السلف وأخطأوا دون حرجٍ عليهم في ذلك، فأمر التكفير عظيم وخطره جسيم، كما يقول ذلك كلّه العلامة شرف الدين أيضاً([89]).

7 ـ مبدأ دفع البغي، وجوب الإصلاح ومجاهدة الفرقة الباغية

تكاد تتفق كلمات فقهاء المسلمين أنّ أهل البغي تجب مواجهتهم لتفتيت حركة معارضتهم، ولو كان ذلك موجباً لفتح الحرب معهم، وتعدّ هذه الحرب جهاداً في سبيل الله.

والدليل القرآني الذي أسّس هذا المبدأ هو قوله تعالى:]وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الأُْخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي‏ءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ[([90]).

وتقريب الاستدلال بالآية أنه على تقدير وقوع مقاتلة بين طرفين مسلمين وشجار، يجب السعي في البداية لحلّ النزاع بالصلح والوفاق، فإذا فشلت ألوان المصالحة، وبغت وظلمت إحدى الطائفتين الأخرى، وجب مقاتلة الفئة الباغية حتى ترضخ لأمر الله وحكمه، وهذا منطبق تماماً على التمرّد المسلّح ضدّ النظام الشرعي.

المعطيات الفقهية والقانونية لمبدأ مجاهدة البغاة
وهذه الآية:

1 ـ لايوجد فيها تخصيص بزمان الحضور حتى يقال: إنها خاصة بالخروج على المعصوم، كما يفهم من كلمات الفقهاء في البغي([91])، بل عامة شاملة لتمام الأزمنة والأمكنة والجماعات، فليس فيها أيّ قيد بهذا الخصوص.

2 ـ بل إنّ هذه الآية وإن صحّ الاستناد إليها في محاربة الخارجين عن النظام الشرعي، إلا أنّها غير خاصة بجهاد أهل البغي في التعريف الفقهي السائد؛ لأنها لا تفرض الطائفة التي بُغي عليها هي الحاكم الشرعي ـ سواء كان الإمامَ المعصوم أم غيره ـ بل تطلق لكلّ طائفتين مسلمتين حصل اقتتال بينهما سواء كان هناك نظام شرعي بين المسلمين أم لا، وسواء كان أحد الطرفين المتقاتلين هو هذا النظام الشرعي أم لا؛ فالحروب الداخلية في البلدان الإسلامية تشملها الآية، كما تشمل الحروب التي تقع اليوم بين الدول الإسلامية، حتى لو كانت الدولتان غير شرعيّتين في نفسيهما من حيث شرعية نظام السلطة، بل تشمل حتى مقاتلة الأحزاب والقبائل والعشائر وأمثالها لبعضها، وهذا المعنى الأوسع هو ما يظهر من ابن البراج الطرابلسي (481هـ)([92])، ومن بعض كلمات السيد الخوئي (1413هـ)([93])، ومن الشيخ محمد مهدي شمس الدين([94]).

وهذا ما يقود إلى ملاحظة، وهي أن أكثر الأبحاث الفقهية ركّزت في الحروب الداخلية بين المسلمين على‌ جهاد البغاة ـ بالاصطلاح الفقهي الخاص ـ مستندةً إلى هذه الآية الكريمة، دون أن تفتح عنواناً أوسع، تحت شعار الحرب الإسلامية. الإسلامية، أو الحروب الداخلية بين المسلمين، ربما لأن القضية في الحروب الداخلية بين المسلمين في القرون الأولى غلب عليها ثنائي: السلطة والمعارضة، وهذا ما يؤكّد ما قلناه من ضرورة تعميم العنوان؛ لأن هذه الآية العمدة هنا تصلح حكماً لما هو أبعد من فقه جهاد أهل البغي بالمعنى الفقهي المصطلح؛ سيما بقرينة أسباب النزول القادمة الإشارة إليها.

3 ـ إنّ الظاهر من هذه الآية وجوب مقاتلة الطائفة الباغية؛ لظهور صيغة الأمر فيها في ذلك:]فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي[، كما أن منتهى مقاتلهم هو ارتداعهم عما كانوا عليه وإقلاعهم عنه، وهذا ما يشهد عليه تعبير: ]حَتَّى تَفِي‏ءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ[، فليس الهدف قتلهم، بل عودهم إلى الحقّ، وهذه نقطة مهمّة، تلمح إليها بعض الروايات الواردة في حكم البغاة الذين ليس لهم فئة.

4 ـ إن الآية ظاهرة في وجوب البدء بالطرق السلمية في مواجهة الطرف الباغي، وأن مجرّد بغيه لا يبرّر خوض الحرب معه، فلابدّ من استنفاد تمام الطرق السلمية لوقف القتال، وإن فشلت الجهود، تمّ البدء بمحاربة الظالم من الطرفين، وقرينة ذلك أن أوّل الأوامر في الآية بعد فرض الاقتتال هو: ]فأصلحوا بينهما[، وهو ظاهر في الترتيب والتقديم، وإعطاء الأولوية لمبدأ الإصلاح.

5 ـ الظاهر من الآية ـ بقرينة التعبير بالطائفة ـ أنها تتحدّث عن معركة بين جماعتين لا عن معركة فرد مسلم مع آخر مثله، وإن قيل بالتعميم لسبب أو لآخر، مما يجعلها خاصّة بموارد صراع الجماعات لا الأفراد، وهذا ما يجعلها أكثر التصاقاً بباب الجهاد منها بباب العقوبات وما شاكل، نعم روي عن مجاهد أن نزول آية البغي كان في رجلين([95])، لكنه خلاف الظاهر من الآية، كما هو واضح، ولعلّه أراد أنّ بداية الاختلاف كانت بين رجلين، كما ستأتي الإشارة لذلك ـ إن شاء الله تعالى ـ عند الحديث عن أسباب نزولها.

نعم الآية اللاحقة التي سبق الحديث عنها ]إنَّمَا المُؤْمِنُوْنَ إخْوَةٌ فَأصْلِحُوْا بَيْنَ أخَوَيْكُم..[ تفيد في إعطاء إطلاق لوجوب الصلح بين مطلق الأخوين دون اختصاص بالجماعتين المتقاتلتين، ففيها توسعة مقارنةً بآية البغي نفسها، وقد ألمح إلى هذا الأمر ـ في الجملة ـ الفخر الرازي (606هـ)([96]).

6 ـ الظاهر أنّ المراد بالمؤمنين في الآية مطلق المسلمين؛ لأن ظاهرها في القرآن ذلك، وإطلاق وصف الإيمان والمؤمن على‌ خصوص الشيعي الاثني عشري أمر لاحق ـ كما قلنا ـ إذا تمّ، ولهذا لا تختصّ الآية بمحاربة طوائف من المذهب الخاص، بل تعم تمام فرق المسلمين فيما بينهم.

وهذا ما نراه في تمام الآيات القرآنية، مثل آية النهي عن غيبة المؤمن بقرينة جعل المؤمنين إخوةً في آيات لاحقة، مما يجعل إخراج المخالف بحاجة إلى دليل أو إلى اعتباره كافراً من رأس.

وثمة بحث هنا وقع بينهم، وهو أن الشيعة تعتبر الخارج عن الإمام المعصوم كافراً، فيما تذهب الطوائف السنّية إلى اعتباره مسلماً مخطئاً في فهمه واجتهاده، وطبقاً للتفسير السنّي لا مشكلة في إطلاق وصف المؤمنين على الطائفتين معاً، لإمكان كون الإمام7 والخارجين عليه مؤمنين عندهم، أما عند مشهور الإمامية فلابدّ من افتراض ـ كما حصل عند بعضهم ـ أن توصيفهم بالمؤمنين كان بلحاظ حالة ما قبل البغي لا ما بعده، أو كان بناءً على ظاهرهم أو على ما يعتقدون هم في أنفسهم([97]).

وهذه التأويلات غير صحيحة؛ وذلك:

أولاً: إنّ الآية ـ كما قلنا ـ لا تتحدّث عن البغي المصطلح فقط، بل عن مطلق صراعات المسلمين مع بعضهم، وعليه فإذا كان المراد من المؤمنين إطلاق الوصف بلحاظ ما كان، أو بلحاظ الظاهر، أو بلحاظ اعتقادهم، فيما لو كان الطرفان هما: السلطة الشرعية والمعارضة المتمرّدة، وإطلاقه على معناه الحقيقي في سائر موارد البغي الأخرى، يكون من استعمال اللفظ وإرادة معنيين، وهو ـ بقطع النظر عن استحالته طبق ما بحثوه في علم أصول الفقه ـ خلاف الظاهر عرفاً ولا قرينة عليه.

نعم، أصل الإطلاق بلحاظ ما كان لا مانع منه، كما يقال: لو ارتدّ مؤمن وجب قتله كما يقول الشيخ الطوسي([98]) وإن كان هناك فرق.

ثانياً: نحن في غنى عن هذه التأويلات برفض التحديد الزماني للآية كما قلنا، فحتى لو حصرنا الآية بالبغي على الإمام الشرعي، إلا أنّ تحديده بخصوص المعصوم لا إشارة في الآية إليه، كما لا إشارة إلى زمان الحضور، ومعه يمكن تصوّر البغي المصطلح ـ وهو المعارضة المسلّحة ـ دون حاجة إلى افتراض كون إمام المسلمين معصوماً، كما في مثل البناء على نظرية الولاية العامة للفقيه، ولا يقال بكفر الخارج على غير المعصوم، كما هو واضح.

ثالثاً: قد يتبنّى هنا رأي الإمام الخميني في النواصب([99]) وأنهم فرقة‌ دينية، ومن ثم ليس كل من حارب ونصب العداء ـ ولو لسبب دنيوي ـ يكون كافراً، بل خصوص من نصبه اعتقاداً وإيماناً، بحيث كان نصبه العداء لأهل البيت جزءاً من عقيدته الدينية، لا لمصالح سياسية، من هنا فعائشة أم المؤمنين وكذا طلحة والزبير ومعاوية و… لا يحكم بكفرهم من هذه الزاوية، لأنهم ما جعلوا نصبهم العداء عن عقيدة وديانة، بل ـ وفق العقيدة الشيعية ـ عن مصالح دنيوية أو رغبات مادية أو مواقف سياسية، فلا يحكم بكفر مثل هذا الشخص. وتفصيل هذه المباحث نتركه إلى موضعه.

رابعاً: إنّ الآية اللاحقة نفسها حكمت بأخوّة الجميع؛ ورتبت عليها ـ كما تقدّم ـ وجوب الإصلاح بينهم، وهذا معناه أنّها تلاحظ حالهم بعد الاقتتال، وتحكم بالأخوّة في هذه الحال، وهو خُلْفُ فرض كفر هذا الفريق، إذ كان المناسب التعبير بالارتداد عن الدين، وهذا شاهد قويّ على عدم كفر مطلق الباغي.

7 ـ الظاهر من الآية أن حالة البغي ـ كما يقول الشيخ الآصفي([100]) ـ حالة مسلّحة، وليست مطلق حالة اختلاف بين الجماعتين المؤمنتين، والشاهد على ذلك التعبير بـ«فقاتلوا» ولم قل: «فاقتلوا» أو غير ذلك، فإنّه لو لم تكن هناك حالة منعة لدى الطرف الباغي لما صحّ التعبير بالمقاتلة، بل لعبّر عنه بإيقاع الجزاء عليه كالقتل، تماماً كالمحاربين الذين حكمت الآيات بلزوم قتلهم، وهذا ما يدخل البحث هنا في إطار المعارضة المسلّحة للنظام الشرعي ـ عندما يكون الحديث عن انطباق مفهوم البغي على موضوع المعارضة ـ لا المعارضة السلمية وما شابهها.

وهذا ما يجعل الشروط الثلاثة التي ذكرها بعضهم مفهومة؛ حيث شرطوا في تحقق مفهوم البغي أن يكون الباغي متمرّداً على سلطة الدولة، وقد ناقشنا هذا الكلام من حيث تخصيص البغي به، وأن يكون له قوّة تمنعه وتمكّنه وتحميه، وأن يمارس خروجاً مسلحّاً([101]).

وعليه فما ذكره بعض العلماء من شمول الآية لمطلق الخلافات حتى غير القتالية([102]) غير واضح، وربما يقصد ما يرجع لروح الآية من حيث مسألة الإصلاح، كما يلوح من كلامه.

8 ـ ورد في الآية فرضان هما:

الفرض الأول: أن تقتتل طائفتان من المؤمنين، والحكم هنا هو المصالحة بينهما والوفاق.

الفرض الثاني: أن يحصل بغي من إحدى الطائفتين على الأخرى، فيجب المقاتلة، وهو ظاهر ـ كما يقول الشيخ الآصفي([103]) ـ في مشاركة الفريق المحايد المصلح في الحرب لصدّ البغي عن الطائفة التي معها الحق، وقد ذكر هنا أنه بعد الفيء يجب الإصلاح أيضاً، فيكون المراد بالفيء الكفّ عن القتال والرجوع عنه،‌ لكنّ الإصلاح اللاحق هذا شُرط في الآية بالعدل، ولعلّه لكون الطرف المصلح قد شارك في القتال هذه المرّة بنفسه، فيترقب منه الخروج عن جادة الحياد والموضوعية، وفي الآية قيم أخلاقية عالية في التعامل مع الفريق الآخر المسلم الذي نختلف معه.

9 ـ ذهب في سبب نزول الآية مذاهب أبرزها:

أ ـ إن الآية نزلت في الأوس والخزرج، تقاتلا بالسعف والنعال، وهذا هو المرويّ عن مجاهد وسعيد بن جبير([104])، والآية تحتمل هذا الافتراض؛ لأن الأوس والخزرج كانوا مؤمنين في المدينة، والسورة ـ أي الحجرات ـ مدنية، ولعلّه إليه يشير ما قيل من أنها نزلت في قبيلتين من الأنصار([105]).

ب ـ إنها نزلت في رهط عبدالله بن أبي سلول من الخزرج ورهط لعبد الله بن رواحة من الأوس، وسبب ذلك أن النبي6 وقف على‌عبدالله بن أبيّ، فراث حمار رسول الله6، فأمسك عبدالله أنفه، وقال: إليك عني، فقال عبدالله بن رواحة: لحمار رسول الله6 أطيب ريحاً منك ومن أبيك، فغضب قومه، وأعان ابن رواحة قومه، وتضارب الفريقان([106])، وهناك رواية أخرى تشبهها مع اختلافات خفيفة جاءت في مصادر السيرة والحديث والتفسير([107]).

وقد تحفظ العلامة الطباطبائي في الميزان على هذا السبب، وقال بأن الآية لا تنسجم معه دون أن يبيّن مبرّر عدم الانسجام([108])، إلا أن الشيخ الآصفي الذي وافقه بيّن ذلك أنّ الآية تضفي صفة الإيمان على المقتتلين، مع أن عبدالله بن أبيّ وجماعته كانوا منافقين، فلا يصحّ إطلاق لفظ الإيمان عليهم، حتى طبق المجازات التي سلف الحديث عنها([109]).

لكنّ هذه الملاحظة غير واضحة، ولعلّ سببها دخول عبدالله بن أبيّ في القصة ـ وهو المنافق المعروف ـ لكن الرواية لا تحكي عن أن الجماعة التي وقفت معه كانوا منافقين أيضاً، إذ لعلّهم كانوا مؤمنين حرّكتهم العصبية القبلية معه لا غير، لا بغضاً برسول الله، تماماً كما توحيه بعض الأخبار المتقدّمة، ومن ثم وإن كان سبب الحرب شخصاً منافقاً إلا أنّ أطراف القتال كانوا من المسلمين.

والنتيجة التي نخرج بها من مطالعة الآية هي دلالتها على حكم جهاد أهل البغي بالمفهوم العام للبغي، وذلك ضمن مسلسل الخطوات والغايات التي طرحتها، فالاستدلال بهذه الآية على جهاد أهل البغي تام، كما هو تام على مبدأ الإصلاح بين المسلمين.

وانطلاقاً من ذلك كلّه، نعرف أنّ القرآن الكريم لم يؤسّس لأيّ صراع في الداخل الإسلامي، إلا إذا صدق عليه عنوان البغي بالشكل الذي بيّناه، هادفاً من ذلك حماية الفريق المظلوم في الأمّة، أيّ فريقٍ كان، ورغبةً منه في قلع مادّة الانقسام والتمزّق والتمرّد والتعدي، وهذا المبدأ عقلانيّ لا يتعارض مع الأصول السابقة التي أصّلها القرآن نفسه، بل يمكن الجمع بينه وبينها في مثل مبادئ الرحمة الإيمانية والألفة القلبية؛ بأنّ آية البغي طلبت مقاتلة البغاة، لكنّها لم تطلب الغلظة والحقد والكره لهم، فيمكن أن يريد القرآن محاربة البغاة رأفةً بهم ومحبّة، كالطبيب المجبر ـ حبّاً بالمريض وإرادة خير به ـ أن يخضعه لعملية جراحية، ولعلّ في سيرة الإمام علي Dفي حرب الجمل وأسلوبه الرحيم في التعامل مع أهل البصرة، وكذلك في بعض خطب الإمام الحسين D في كربلاء.. ما يؤكّد إحساس الرحمة مع هؤلاء الذين يواجههم رغم ما فعلوه به وبأهل بيته، وهذا أشبه شيء بكلام ابن حزم الأندلسي ـ بعد ذكره آية:]رُحَمَاء بَيْنَهُم[ عند حديثه عن حدّ القذف ـ: mوقد أمر مع ذلك بإقامة الحدّ على من أمرنا برحمتهn([110]).

هذه خلاصة موجزة ومدخل متواضع لقراءة أبرز أصول العلاقات الإسلامية ـ الإسلامية في القرآن الكريم.



([1]) مقال نشر في العدد 27 من مجلة ميقات الحج بتاريخ عام 2008م.

([2]) الأنفال: 46.

([3]) الروحاني، فقه الصادق 11: 393، 421، و13: 196؛ وسيد سابق، فقه السنّة 1: 12، و2: 600؛ وشرف الدين، المراجعات: 9؛ والنص والاجتهاد: 553.

([4]) راجع: الطريحي، مجمع البحرين 2: 237.

([5]) الأنفال: 45.

([6]) انظر: التبيان 5: 133؛ والراوندي، فقه القرآن 1: 340 ـ 341.

([7]) صحيح البخاري 4: 26.

([8]) النووي، شرح مسلم 12: 46؛ وانظر ايضاً: يحيي بن شرف النووي، الأذكار النووية: 208.

([9]) الطبرسي، مجمع البيان 4 : 476؛ ولعلّه يستوحى أيضاً من الكاشاني، التفسير الأصفي 1: 441؛ والصافي 2: 307؛ وما نقله عن المفسّرين الطبريُّ في جامع البيان 10: 21 ـ 22؛ وابن أبي حاتم في تفسيره 5 : 1712؛ وراجع: تفسير السمرقندي 2: 24؛ وتفسير الرازي 9: 36.

([10]) تفسير الرازي 8: 174.

([11]) ابن حزم، المحلّى 1: 70.

([12]) الفصول المهمة في أصول الأئمة 1: 543.

([13]) انظر: تفسير الفخر الرازي 5: 183.

([14]) راجع: العين 1: 359؛ والصحاح 3: 1289؛ ولسان العرب 8: 352؛ ومختار الصحاح: 335؛ والقاموس المحيط 3: 88؛ ومجمع البحرين 4: 295؛ وتاج العروس 11: 476 و..

([15]) النساء: 59.

([16]) ٱل عمران: 103 ـ 105.

([17]) الأنعام: 159.

([18]) الأنعام: 65.

([19]) الروم: 30 ـ 32.

([20]) الشورى: 13 ـ 14.

([21]) انظر: التبيان 2: 546؛ ومجمع البيان 2: 356.

([22]) البقرة: 85.

([23]) البقرة: 84 ـ 85.

([24]) البقرة: 213.

([25]) آل عمران: 19.

([26]) البينة: 4.

([27]) انظر: الكشاف 3: 464؛ وجوامع الجامع 3: 280؛ والميزان 18: 32؛ وتفسير مقاتل بن سليمان 3: 175؛ وتفسير النسفي 4: 98؛ وتفسير الرازي 27: 158؛ وتفسير البيضاوي 5: 125؛‌ وتفسير البحر المحيط 7: 490.

([28]) القصص: 76.

([29]) انظر: الجوهري، الصحاح 1: 390.

([30]) الفروق اللغوية: 277.

([31]) الكهف: 103 ـ 104.

([32]) النمل: 36.

([33]) غافر: 73 ـ 75.

([34]) طه: 92 ـ 94.

([35]) الأعراف: 150.

([36]) انظر: التبيان 7: 201؛ وجامع البيان 16 : 253؛ وجوامع الجامع 2: 497؛ ومجمع البيان 7: 51؛ والأصفى 2: 767 ـ 768؛ والميزان 14: 194؛ والنحاس، معاني القرآن 3: 83؛ وتفسير السمرقندي 2: 410؛ وزاد ا لمسير 5: 318.

([37]) الأعراف: 142.

([38]) الأنبياء: 92 ـ 93.

([39]) المؤمنون: 52 ـ 54.

([40]) انظر: اقتصادنا: 324.

([41]) المؤمنون: 51.

([42]) البقرة: 213.

([43]) المائدة: 48.

([44]) يونس: 19.

([45]) هود: 118 ـ 119.

([46]) النحل: 93.

([47]) انظر: التبيان: 7 : 277، 375.

([48]) الأنفال: 72 ـ 73.

([49]) التوبة: 71.

([50]) يظهر الميل لهذا الاحتمال من بعض المفسرين مثل: التبيان 5: 162 ـ 163؛ والنحاس، معاني القرآن 3: 173 ـ 174؛ والأصفى 1: 279؛ وجامع الببان 10: 67و..

([51]) الأنفال: 75؛ والأحزاب: 6.

([52]) انظر: جامع البيان 10: 67 ـ 68؛ ومجمع البيان 4: 497؛ والنحاس، معاني القرآن 3: 173 ـ 175؛ والقطب الراوندي، فقه القرآن 2: 325، 344 ـ 345؛ والجصاص، أحكام القرآن 2: 98 ـ 99، و3: 96 ـ 98، 261؛ والأصفى 1: 449؛ والصافي 2: 315 ـ 316؛ وتفسير الواحدي 1: 449 ـ 451؛ وتفسير السمرقندي 2: 34 ـ 35؛ وتفسير ابن زمنين 2: 189؛ وتفسير الثعلبي 4: 374 ـ 375 و..

([53]) انظر: مجمع البيان 4: 498.

([54]) الشورى: 38.

([55]) انظر ـ على سبيل المثال ـ: التبيان 5: 162؛ والراوندي، فقه القرآن 2: 344.

([56]) انظر: العين 8: 365 ـ 366.

([57]) انظر: الصحاح 6: 2528؛ ومعجم مقاييس اللغة 6: 141؛ والمفردات: 533.

([58]) انظر في تفسيرهم لهذه الآية ـ على سبيل المثال ـ: مجمع البيان 4: 499.

([59]) تفسير الثعلبي 5: 67.

([60]) انظر ـ على سبيل المثال ـ: مجمع البيان 5: 87؛ والجصاص، أحكام القرآن 2: 369؛ وتفسير السمرقندي 2: 72 ـ 73؛ وتفسير السلمي 1: 280و..

([61]) تفسير الواحدي 1: 472.

([62]) الأنفال: 62 ـ 63.

([63]) آل عمران: 103.

([64]) الفتح: 29.

([65]) انظر: الطوسي، التبيان 5: 151.

([66]) الحشر: 14.

([67]) انظر: تفسير أبي حمزة الثمالي: 186؛ وتفسير القمي 1: 108، 279؛ والتبيان 2: 546، و5: 151؛ والكشاف 1: 451، و2: 166 ـ 167؛ وجوامع الجامع 2: 35 ـ 36؛ ومجمع البيان 2: 357، و4: 489؛ وجامع البيان 4: 45 ـ 46، و10: 46 ـ 47؛ وتفسير ابن أبي حاتم 5: 1727؛ والجصاص، أحكام القرآن 3: 91؛ والأصفى 1: 446؛ والصافي 1: 366؛ والميزان 9: 118؛ والأمثل 2: 618 ـ 619، و5: 480 (مع تركيزه على التعميم بعد ذلك)؛ وتفسير السمرقندي 2: 30؛ وتفسير الثعلبي 4: 370؛ وتفسير الواحدي 1: 447؛ وتفسير البغوي 2: 260؛ والنحاس، معاني القرآن 1: 454 ـ 455؛ وتفسير النسفي 2: 72؛ وزاد المسير 3: 256؛ والتفسير الكبير 15: 189؛ وتفسير القرطبي 8: 42؛ والغرناطي الكلبي، التسهيل لعلوم التنزيل 2: 68؛ وتفسير الثعالبي 3: 151 و..

([68]) تفسير السمعاني 2: 276؛ وابن عطية الأندلسي، المحرر الوجيز 2: 548؛ وأبو حيان الأندلسي، تفسير البحر المحيط 4: 510؛ والشوكاني، فتح القدير 2: 322.

([69]) الفخر الرازي، التفسير الكبير 15: 190.

([70]) ابن عربي، تفسير القرآن الكريم 1: 282 ـ 283.

([71]) الحشر: 10.

([72]) انظر مواقف المفسّرين من الآية وهي توجز بعض ما نقول في: تفسير مقاتل بن سليمان 2: 79، و3: 254، 327؛ وجامع البيان 26: 141 ـ 142؛ والتبيان 9: 336؛ وتفسير السمرقندي 3: 304؛ وتفسير ابن زمنين 4: 258؛ والميزان 18: 299؛ وتفسير الثعلبي 9: 64؛ وتفسير الواحدي 2: 1014؛ وتفسير السمعاني 5: 209؛ وتفسير البغوي 4: 206؛ والأمثل 16: 495، 503؛ وتفسير النسفي 1: 459؛ وزاد المسير 7: 173؛ وتفسير القرطبي 16: 292 ـ 293؛ وتفسير البيضاوي 5: 209؛ وتفسير أبي السعود 8: 114؛ وروح المعاني 26: 123 و..

([73]) المائدة: 54.

([74]) سعد الدين التفتازاني، مختصر المعاني: 266.

([75]) الحجرات: 10.

([76]) آل عمران: 103.

([77]) البقرة: 220.

([78]) التوبة: 11.

([79]) الأحزاب: 5.

([80]) البقرة: 178.

([81]) الحجرات: 12.

([82]) انظر: الميزان 18: 315.

([83]) انظر: الشيرازي، الأمثل 16: 541.

([84]) الكشاف 3: 565.

([85]) روح الله الخميني، كتاب الطهارة 3: 441.

([86]) محمد باقر الصدر، بحوث في شرح العروة الوثقى 3: 315.

([87]) محمد واعظ زاده الخراساني، الوحدة الإسلامية عناصرها وموانعها، مجلة رسالة التقريب 15: 11.

([88]) عبدالحسين شرف الدين، الفصول المهمّة في تأليف الأمّة: 18.

([89]) راجع حول ذلك: المصدر نفسه: 44 ــ 131؛ وحول موقف السلف من التكفير انظر أيضاً: المصدر نفسه: 26 ـ 38.

([90]) الحجرات: 9.

([91]) انظر: منتهى المطلب 2: 985؛ ومسالك الأفهام 3: 91؛ وجواهر الكلام 21: 322؛ ورياض المسائل 7: 456؛ وتفسير الأمثل 16: 538؛ والخوئي، منهاج الصالحين 1: 389؛ وفضل الله، كتاب الجهاد: 417.

([92]) المهذب 1: 325.

([93]) وهو ظاهر كلامه في منهاج الصالحين 1: 361؛ وإن كان تعريفه لأهل البغي عند البحث عن مقاتلتهم يدلّ على حصرهم بالخارجين على الإمام المعصوم، فانظر: المصدر نفسه 1: 389؛ وتابع الشيخُ الوحيد الخراساني السيدَ الخوئي في ذلك مستخدماً تعبيره عينه، فانظر له: منهاج الصالحين 2: 406 ـ 407.

([94]) شمس الدين، فقه العنف المسلّح في الإسلام: 68.

([95]) الصنعاني، تفسير القرآن 3: 230، 232؛ والطبري، جامع البيان 18 : 92 ـ 93.

([96]) التفسير الكبير 28: 129.

([97]) النجفي، جواهرالكلام 21: 323؛ والآصفي، الجهاد: 127.

([98]) الطوسي، التبيان 9 : 346.

([99]) الإمام الخميني، كتاب الطهارة 3: 457 ـ 458.

([100]) الآصفي، الجهاد: 128 ـ 129.

([101]) محمد خير هيكل، الجهاد والقتال في السياسة الشرعية 1: 63.

([102]) ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل 16: 536.

([103]) الآصفي، الجهاد: 129.

([104]) الطبرسي، مجمع البيان 9: 199؛ والأمثل 16: 535؛ والكاشاني، الأصفى 2: 1182 ـ 1193؛ والصافي 5: 50، 6: 519؛ (مؤسسة الهادي)، وتفسير مجاهد 2: 606.

([105]) انظر: التبيان 9: 346؛ والرواندي، فقه القرآن 1: 372؛ والأمثل 16: 534 ـ 535.

([106]) الطبرسي، مجمع البيان 9: 199؛ وجوامع الجامع 3: 403.

([107]) راجع القصة وقريب منها في: الزمخشري، الكشاف 3: 563؛ وتفسير مقاتل بن سليمان 3: 261؛ والمجموع 19: 196؛ وبحار الأنوار 22: 53 ـ 54؛ ومسند ابن حنبل 3: 157؛ وصحيح البخاري 3: 166؛ وصحيح مسلم 5: 183؛ والسنن الكبرى 8: 172؛ وتفسير السمرقندي 3: 309 ـ 310؛ وتفسير الثعلبي 9: 78؛ والواحدي، أسباب النزول: 263؛ وتفسير البغوي 4: 213؛ والسيوطي، الدر المنثور 6: 90؛ وسبل الهدى والرشاد 3: 419؛ والسيرة الحلبية 2: 250و..

([108]) الطباطبائي، الميزان 18 : 320.

([109]) الآصفي، الجهاد: 128، الهامش.

([110]) ابن حزم، المحلّى 11: 295، 345.

 

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً