أحدث المقالات

دراسة تحليلية لبحوثه في الإرث أنموذجاً

الشيخ خالد الغفوري(*)

المقطع 2.01

(a)      مقدّمة

1ــ إنّ دراسة المنهج البحثي لباحث ما تقتضي ــ بحسب نصاب الدراسات للمنهج البحثي ــ تغطية مساحة معتدّ بها من الأبحاث، من حيث السعة والتنوّع، وتتطلّب تشريح عدّة نماذج، إنْ لم ندّع ضرورة شمولية التغطية لجميع التجارب البحثية له، وإلاّ فسوف لا يكون البحث بنحو مجتزئٍكافياً لتقديم رؤية منهجية واقعية أو قريبة من الواقع.

والأمانة العلمية تُملي علينا أن نعلن للقارئ بكلّ صراحة أنّنا قد حصرنا دراستنا هذه في مجالٍ واحد، وهو بحث الإرث. وإنّما قلنا هذا كي لا يرتفع سقف توقّعات القارئ من بحثنا أكثر ممّا استهدفناه. فنحن لم نستهدف دراسة منهج السيد فضل الله بنحو كلّي، بل توخّينا دراسته من خلال إحدى تجاربه البحثية في مجال واحد. لذا سوف تكون نتائج البحث عندنا محدودة في دائرة هذه المساحة لا أكثر.كما أنّنا اقتصرنا على معالجة نماذج معدودة جدّاً؛ تحاشياً للملل، باعتبار عدم سلاسة البحوث التخصّصية، وثقل إيقاعاتها على ذهنية القارئ.

2ــ إنّ دراسة المنهج الاجتهادي الفقهي تقتضي أيضاً ــ مضافاً لما ذكرناه ــ الاطلاع على المباني الأصولية؛ إذ ليس من الصحيح تقييم الممارسة الفقهية بمعزل عن الرؤى الأصولية، باعتبار أنّ دور علم أصول الفقه في الأنشطة البحثية الاجتهادية دور النظرية والأساس التحتي، ودور الأنشطة البحثية الفقهية هو دور تطبيق تلك الأسس العامّة والمشتركة على مواردها الجزئية. ولكنّنا ـ مع الأسف ـ لم نوفَّق للوقوف على المباني الأصولية للسيد فضل الله. ولو كنّا مطّلعين على تلك المباني لربما تغيّر مسار البحث عموماً، أو حجم ومستوى الإثارات التي طرحناها، وبالتالي قد تتفاوت طبيعة النتائج التي يُنتهى إليها؛ فإنّ النتائج تابعة لمقدّماتها ـكما يُقال ـ­.

(b)     نظرة حول كتاب «فقه المواريث والفرائض»

في البدء تجدر الإشارة إلى التعريف بهوية الكتاب من الناحية الببليوغرافية. إنّ اسم الكتاب هو «فقه المواريث والفرائض، بحث فقهيّ مقارن»، تقريراً لأبحاث سماحة الأستاذ آية الله العظمى السيّد محمّد حسين فضل الله&، بقلم: د. الشيخ خنجر حمية، الناشر: دار الملاك للطباعة والنشر والتوزيع ــ بيروت، ط 1، 1421هـ / 2000م.

ويقع الكتاب في مجلّدين، تجاوزا السبعمائة صفحة. وإنّ سعة حجم الكتاب تسجّل امتيازاً له؛ نظراً إلى صغر ومحدودية الدراسات المعقودة في باب الإرث([1])، والتي استوعبت جميع مسائل الإرث تقريباً؛ علماً بأنّ الكتاب الحاضر لم يبحث كلّ مسائل الإرث، بل اقتصر على بعض المسائل المعدودة.

ويحتوي الكتاب على ستّة فصول: الفصل الأوّل: مدخل الى فقه المواريث والفرائض؛ الفصل الثاني: موجبات الإرث؛ الفصل الثالث: موانع الإرث؛الفصل الرابع: تفصيل ميراث الأنساب؛الفصل الخامس: تفصيل ميراث الأسباب؛الفصل السادس: في اللواحق.

(c)      المحور الأوّل: مضمون الكتاب ومحتوياته

ونتناول ذلك ضمن نقطتين:

(d)     النقطة الأولى: تبويب الكتاب وترتيب بحوثه

إنّ تبويب الكتاب إجمالاً هو ذات التبويب التقليدي المتعارف في الفقه الإمامي، إلا أنّه يمتاز ببعض الامتيازات الناشئة من رؤية منهجية خاصّة.ومن ذلك ما نُطالعه في أوّل محطّة بحثية في الكتاب تحت عنوان (نظرة في فقه المواريث في القرآن)، وهو بحث موسّع استغرق (46) صفحة، عالج فيه ثمانية مقاطع من سبع آيات، وهي: النساء: 7، 8، 11، 12، 33، 176، والأحزاب: 6.

(e)      التعليق

إلا أنّه ربما يواجه القارئ بعض الحالات التي تنطوي على عنونة غير فنّية، من قبيل: (تتمّة)([2])، أو (مسألة)([3]).

(f)       النقطة الثانية: الإبداع الأسلوبي

لا أريد أن أركِّز على السمة الجليّة في الكتاب، ألا وهي البيان السلس، والصيغ التعبيرية الواضحة، والتراكيب اللفظية العذبة؛ فإنّ هذا لا يحتاج الى تنبيه وإلفات نظر؛ لوضوحه، وإنّما أبتغي الإشارة الى أنّ ديدن الأبحاث الاجتهادية المتعارفة في الأوساط الحوزوية هو اعتماد أحد المتون الفقهية المعتبرة كفهرس للمحطّات البحثية والمسائل والفروع التي يُعالجها المحقّق. ولا يخفى ما في هذه الطريقة من الإشكاليات، كالوقوع في محذور محورية ذلك المتن الفقهي، لا محورية ذات العلم. بيد أنّنا نرى أنّ هذا البحث متميّز عن غيره من هذه الجهة، فقد تحرّر من قيدية المتون، وراح يُحلّق في آفاق بحثه، فينتقي ما يراه مناسباً من البحوث والمسائل والفروع.

(g)      المحور الثاني: المنهج البحثي

(h)     النقطة الأولى: الشروع المنطقي

شرعت بعض المصنّفات في الإرث بتعريف عنوان الباب والاصطلاحات المتعلّقة به، كعنوان (الإرث) و(الفرائض). وكذا صنع الباحث هنا، حيث تصدّى لبيان (المواريث والفرائض لغة واصطلاحاً)، بل خصّص لذلك بحثاً مستقلاًّ وبارزاً في كتابه([4]). والمُلفت للنظر أنّ الباحث قد تعمّق في هذا البحث، ولم يعتبره بحثاً تزيينياً، بل راح يُتابع هذه المفردات في النصوص العربية، أدبية وقرآنية وحديثية، وهل ثمّة معنى اصطلاحي لهذه المفردات أو أنّها مستعملة في معانيها اللغوية؟ وقد اختار أنّ الإرث مستعمل عند الفقهاء في معناه اللغوي، وأمّا الفرائض فهي بالمعنى الأخصّ لها معنى اصطلاحي خاصّ، وإنْكانت بمعناها الأعمّ متحدة مع معناها في اللغة([5]).

ومن الطريف متابعته واستقراؤه لعناوين باب الإرث في مصنّفات الإمامية وتنويعها حيث نرى تسميات مختلفة، ونراه يحاول كشف العلّة الكامنة وراء هذه التسميات والعنونة المختلفة. وأنا لم أعثر على مَنْ تناول هذه الحيثية بهذا النحو من العمق والدقّة والتتبّع والاستيعاب. وإليك حاصل هذه العناوين: (كتاب الفرائض)، (كتاب المواريث)، (كتاب الميراث)، (كتاب الفرائض والمواريث)، (كتاب المواريث والفرائض)، (فرائض المواريث). وعلى الرغم من عدم انعكاس هذه الإثارة على الممارسة الاجتهادية، لكن لها قيمة بحثية ومنهجية لا تخفى على المحقّق الخبير.

وقد فعل الباحث نظير ذلك في موارد أخرى، من قبيل: ما نراه في أوّل فصل (موجبات الإرث ومراتبه)، حيث أثار مسألة عنونة البحث بـ (الأسباب) و(الموجِبات)، وتابع المصادر الفقهية([6]).

(i)        النقطة الثانية: المقارنة بين المذاهب الإسلامية

من الجدير بالذكر أنّ البحوث الاجتهادية المتداولة اليوم قد جانبت البحث المقارن، إلا في موارد نادرة جدّاً.وصار البحث المقارن فنّاً مستقلاًّ لا داعي لإقحامه في البحث الاجتهادي؛ فإنّه مجال معرفي له أدواته ونتائجه الخاصّة به، ولا علاقة له بالدائرة الاجتهادية، فلكلّ من البحثين دائرته وأهدافه الخاصّة به. ولكن لو دقّقنا النظر لرأينا أنه مادام البحث الاجتهادي يُملي على الممارس له أن يبذل غاية جهده لفهم نصوص كلّ مسألة وأدلّتها؛ كي يستخلص النتيجة العلمية والفتوائية االمطلوبة منه، فهذا يستلزم تفحّص كلّ ما من شأنه أن يساعد في هذا السبيل. وممّا لا شكّ فيه أنّ الاطلاع على آراء المذاهب المختلفة على أدنى التقادير لا يقلّ شأناً عن المقدّمات ومبادئ الاجتهاد التي يُشترط في المجتهد التوفّر عليها قبل التصدّي لأيّة ممارسة اجتهادية، بل هو أشدّ منها لصوقاً بوظيفة المستنبط؛ لأنّه يوفّر له فرصة الإشراف على حزمة من المحاولات العلمية وجملة من التجارب الاجتهادية.

ومن هنا تتجلّى أهمية ما صنعه الباحث في هذا الكتاب. فقد توفّر على حيثية البحث المقارن، بل قد تضمّن عنوان الكتاب المرقوم على غلافه هذه الحيثية. وكلّ مَنْ يطالع الكتاب يرى هذه السمة طاغية على جميع بحوثه، منذ الابتداء وحتى الانتهاء. فلم يقتصر على بيان وجهة نظر الفقه الإمامي فحسب، بل سعى لبيان وجهة نظر المدرسة السنّية أيضاً، اعتماداً على المصادر المعتبرة، ثمّ نجده يتعرّض إلى الأدلّة بكلّ أمانة ومتانة، ويتصدّى بعدها لتقييم الآراء، وتحليلها، ونقدها بكلّ موضوعية، واتّخاذ الموقف النهائي.

ونكتفي في هذا المجال بالإشارة إلى أمرين:

الأمر الأوّل: سعي المؤلّف الجادّ لاستقراء أقوال المذاهب الفقهية المعروفة قدر المستطاع، وعدم العرض المجتزأ للآراء والاتجاهات في المسألة.ومن نماذج ذلك ما أدرجه الباحث من أقوال في بحثه لمسألة أنّ (الكفّار يتوارثون وإنْ اختلفوا في الملل). ففي البدء ثبّت أنّ مذهب الإمامية هو ذلك، باستثناء ما يُحكى عن سلاّر([7])، الذي قال بتوارثهم ما لم يكونوا حربيين([8])، ثمّ عرّج على ذكر الأقوال في (مذهب أهل السنّة)، قال: «أمّا أهل السنّة ففي ذلك بينهم خلاف معروف»([9]).

ثمّ شرع الباحث في بيان الأقوال المختلفة في توارث الكفّار مع اختلاف مللهم، مستعيناً بما أورده ابن قدامة صاحب المغني، وغيره: ففي رواية عن أحمد القول بالتوارث، وبه قال حماد وأبو حنيفة والشافعي وداود الظاهري. ونُقل عن أحمد في رواية أخرى عدم التوارث. ونُقل عن الشافعي القول بعدم التوارث بين الحربي والذمّي. وذهب أبو يعلى إلى أنّ الكفر ثلاث ملل: اليهودية؛ والنصرانية؛ ودين مَنْ عداهم، وهو قول شريح القاضي والليث بن سعد وعمر بن عبد العزيز والثوري وابن أبي ليلى ووكيع، ورُوي عن مالك، وهو الراجح في مذهب أتباعه. وحُكي عن ابن أبي ليلى قولٌ آخر، وهو أنّ اليهود والنصارى يتوارثون فيما بينهم، ولا توارث بينهم وبين المجوس والوثنيين. وحمل ابن قدامة قول أحمد في الرواية الثانية على معنى أنّ المجوسية ملّة، والوثنية ملّة أخرى، والنصرانية ملّة، واليهودية ملّة أخرى، واعتبره أصحّ الأقوال، وعليه إجماع الصحابة([10]). ولم يقتصر الباحث على استعراض الأقوال وسردها، بل راح يُبيّن الوجه الفنّي لكلّ قول، والأدلّة التي يستند إليها أو التي يمكنه الاستناد إليها.

ونرى الباحث قد نحا هذا المنحى المقارن المستوفى لدى بحثه مسألة (القتل الشبيه بالعمْد). ففي البدء ثبّت أنّ ثمّة قولين في مذهب الإمامية، وهما: إلحاقه بالعمد في كونه مانعاً من الإرث، والثاني كونه كالخطأ في عدم منعه من الإرث، وبعد البحث والمناقشة انتخب القول الثاني، واعتبره  الأقوى([11]).

وبعد ذلك ساق الباحث عنان البحث إلى بيان (رأي أهل السنّة) فقال: «اتفقت كلمة فقهاء أهل السنّة على أنّ القتل يمنع من إرث القاتل مقتوله، ولم يُخالِف في ذلك إلا الخوارج، فقالوا بعدم مانعية القتل مطلقاً… وحُكي عن سعيد بن المسيّب وابن جُبير أنّهما ورّثا القاتل… وبالرغم من هذا الاتّفاق على مانعية القتل في الجملة فقد اختلف فقهاء السنّة في نوع القتل المانع وطبيعته»([12]). ثمّ بدأ بشرح وبيان آراء المذاهب الأربعة بشكل مفصّل، مع ذكر الأدلّة.

فأمّا الأحناف فقد ذهبوا إلى أنّ القتل المانع هو الذي يتعلّق به وجوب القصاص أو الكفّارة، فيشمل أربعة أنواع، وهي: العمد؛ وشبه العمد؛ والخطأ؛ وما جرى مجراه. وقد اشترطوا في مانعية هذه الأنواع أن يكون القاتل بالغاً عاقلاً. وأمّا الذي لا يمنع عندهم فهو الذي لم يتعلّق به وجوب قصاص أو كفّارة، كالقتل بحقّ، أو بعذر، أو عن تسبّب، وكالقتل من غير مكلّف.

وأمّا المالكية فقد خصّوا المنع بالقتل العمد العدوان، سواء أكان بالمباشرة أو بالتسبّب، وأمّا الخطأ وما جرى مجراه فلا يمنع من الميراث، وكذا لا يمنع على رأي مشهور عندهم قتل مَنْ لا يُعتدّ بقصده، كالصبي والمجنون والمعتوه، وكذا لو لم يكن القتل عدوانياً، كالقتل بحقّ، قصاصاً أو حدّاً أو لعذر.

وأمّا الشافعية فالرأي الصحيح عندهم هو مانعية القتل من الميراث مطلقاً، وعلى أيّة صورة وقع، ومن أيّ شخص صدر، أي عمداً كان أو شبه عمد، خطأ كان أو ما جرى مجراه، مباشراً كان أو بالتسبّب، بحقّ أو بغير حقّ، عاقلاً كان القاتل أو غير عاقل.

وأمّا الحنابلة فإنّهم على رواية عن أحمد يرون رأي الشافعية، أي عموم المنع؛ وفي رواية أخرى عنه أيضاً، وهي المعتمدة في المذهب، أنّ القتل المانع هو ما كان مضموناً بالقصاص أو الكفّارة أو الدية، فيشمل العمد العدوان وشبه العمد والخطأ وما جرى مجراه والقتل بالتسبّب والقتل من غير المكلّف، وأمّا غير المضمون بشيء ممّا ذُكر فليس بمانع، كالقتل حدّاً أو دفاعاً عن النفس([13]).

الأمر الثاني: الموضوعية التي كان يتحلّى بها المؤلّف. وعندما وصفتُ مراحل البحث بالأمانة وبالموضوعية لم أقصد المجاملة أو المبالغة، بل هو وصف نابع من طبيعة البحث. وممّا يدلّنا على حقيقة الأمر ما نراه في بعض النماذج البحثية التي قد يختار فيها المؤلّف ترجيح وجهة نظر المدرسة السنّية، ويتبنّاها أحياناً، ويتصدّى لتفنيدها في أحايين أخرى.

فنحن نطالع في بحث الآية الأولى، وهي قوله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً(النساء: 33)، أنّ المؤلِّف استعرض ما طرحه الزمخشري من احتمال جعل ﴿الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَفاعلاً للفعل ﴿تَرَكَ، والتقدير: جعلنا لكلّ تركة ممّا ترك الوالدان والأقربون موالي يرثونها.

ثمّ أورد مناقشة السيوري له، وهي أنّه يلزمه أن يكون كلّ صنف من أصناف التركة مختصّاً بوارث معيّن من الورثة لا يعدوه، وهو ليس صحيحاً؛ إذ التركة بأكملها مورد استحقاق الورثة على الإشاعة، ولا يتميّز سهم كلّ واحد منهم أو حصّته إلا بالقسمة، ولا يتعيّن ملكه في صنف بعينه إلا عقيبها، فليست الأرض لواحد، ولا الفراش لآخر، وكذا في غيرهما من الموروثات.

وبعد هذا يتصدّى المؤلِّف لتقييم نظرَيْ الزمخشري والسيوري؛ فيردّ مناقشة السيوري، ويراها غير واردة على الزمخشري، ويُبيّن منشأ الخلل في تلك المناقشة، قال: «والحقّ: أنّ الاعتراض هذا مبنيّ على فهم ملتبس ومغلوط لعبارة الزمخشري؛ إذ الواضح منها أنّ لكلّ تركة من التركات ورثة يرثونها، وليس مفادها أنّ لكلّ صنف بعينه من أصنافها وارثاً مخصوصاً ينحصر استحقاق هذا الصنف به دون غيره»، ثمّ أضاف قائلاً: «وفهمُ الزمخشري لتركيب هذه الجملة من الآية خالٍ من التكلّف، وينسجم مع ما تقتضيه قواعد العربية»([14]).

ويواصل الباحث المحقّق بحثه في المسألة فيردّ احتمال جعل ﴿الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ في الآية خبراً لمبتدأ محذوف تقديره (هُم) ــ وبناءً عليه يكون ﴿الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وارثين ــ بأنّه احتمالٌ بعيدٌ عن ظاهر اللفظ لا يتبادر إلى الذهن العرفي؛ إذ يستلزم ذلك تأخّر الضمير عن ذيه لفظاً ورتبة، والأصل خلاف التقدير، ولا يُصار إليه إلا لقرينة أو ضرورة([15]). ومراده من هذه المناقشة الردّ على ما اختاره السيوري في تفسير هذا المقطع من الآية([16]).

وأنت إذا تأمّلت هذا الموقف من المؤلّف اتّضح لك مدى ما يتحلّى به من موضوعية ونزاهة في البحث العلمي، متحرّراً من تأثيرات المشاعر الانتمائية المذهبية، والانتصار لها، منتصراً للحقيقة العلمية، وتاركاً قيود التقليد العاطفية، متعلّقاً بعضادة الحقّ الذي أوصله إليه الدليل، كما يراه بمنظاره البحثي. وليس مرادنا موافقة المؤلّف على ما انتهى إليه من نتائج، ولا تصويب ما سلكه من طريق لإثبات مختاره وتخطئة غيره، بل المراد هو التأكيد على موضوعية المؤلّف ومنطقه العلمي في البحث.

وتبرز لك قيمة ما نقول ومقدار قرب قضائنا من الواقع أو بُعده حينما تُراجِع كلمات أكثر مَنْ تلا السيوري من الإمامية، وكيف أنّه انساق وراءه، وتبع أثره، واختار ما اختاره، كالجرجاني في تفسيره لآيات الأحكام([17])، والكاظمي في مسالكه([18])، والسبزواري في مواهبه([19]). ونحن وإنْ كنّا لا ندّعي أنّ ما اختاره السيوري هو معقد إجماع الإمامية، إلا أنّ للسيوري هذا وكتابه وقعاً خاصّاً ومؤثّراً جدّاً في المسار التفسيري لآيات الأحكام في الوسط الشيعي.

أجل، قد نجد ثمّة من جعل ﴿الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَموروثين، كالطباطبائي في ميزانه([20])، والسلطاني في أقصى بيانه([21])، إلا أنّهم طرحوه كمدّعى، دون استدلال، ولا ردّ للاحتمالات المقابلة له، كما أنّ هؤلاء غضّوا النظر عن الخوض في تحقيق بعض الحيثيات البحثية المهمّة التي أثارها الزمخشري والسيوري.

(j)        النقطة الثالثة: المقارنة مع القانون

لم يُعهد في الدراسات الفقهية العليا التعرّض للبحوث القانونية، فيما نجد الباحث قد توفّر على هذا الجانب، وطرح البحث الفقهي في رحاب منفتح يعود بالنفع على كلا المجالين الفقهي والحقوقي في الوقت نفسه:

أـ ففي مسألة توريث الكفّار بعضهم من بعض بيّن موقف القانون، وأنّه أخذ برأي الحنفية والشافعية والمشهور لدى الإمامية([22]).

ب­ـ وفي مسألة توريث المرتدّ ذكر مفصّلاً موقف القانون وتذبذبه في المقام([23]).

ج ـ وفي مسألة مانعية القتل من الإرث أورد الباحث موقف القانون بصورة مفصّلة، وأنّه أخذ برأي المالكية([24]).

(k)      التعليق

1ـ على الرغم من إعجابي الكبير بفتح النافذة على موقف القانون ــ فهو يُمثّل فتحاً لأفق بحثي جديد ــ بيد أنّ المتوقّع من الباحث أن لا يقتصر على مستوى التوصيف، بل يتقدّم خطوة نحو التحليل، والنقد أيضاً.

2ـ إنّه لم يلتزم في جميع بحوث الكتاب بالتعرّض لموقف القانون، بل كان عرضه منحصراً ببعض المسائل المعدودة.

(l)        النقطة الرابعة: عنايته بالدليل القرآني

إنّ النافذة البحثية الأخرى التي فتحها الباحث هي البحث القرآني، فقد تعرّض لدراسة مفصّلة وتحليل دقيق لأهمّ آيات الإرث في كتاب الله، وهي:

1ــ قوله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً(النساء: 33).

2ــ قوله تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً(الأحزاب: 6).

3ــ قوله تعالى: ﴿لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً(النساء: 7).

4ــ قوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَة فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَة فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّة يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَة مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً(النساء: 11).

5ــ قوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّة يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّة تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ…(النساء: 12).

6ــ قوله تعالى: ﴿…وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَة أَوْ امْرَأَة وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّة يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّة مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ(النساء: 12).

7ــ قوله تعالى: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَة إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَة رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(النساء: 176).

8ــ قوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَة أُوْلُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً(النساء: 8).

(m)   الوقفة الأولى مع الكتاب

ونُسجّل في هذه المحطّة البحثية إشكاليتين على المؤلّف، وهما:

الإشكالية الأولى: لقد غطّى كتاب (أقصى البيان في آيات الأحكام)، للسلطاني، مساحة واسعة من بين مصادر ومراجع آيات الأحكام في المدرسة الإمامية التي اعتمدها المؤلّف في المقام، في حين كان المناسب الإفادة من سائر المصادر بنسبة أكبر مما وقع في الكتاب. ونحن إذ نُسجّل إشكاليتنا هذه لا يفوتنا التنبيه إلى أمرين: أحدهما: إنّ المؤلّف لم يقتصر على هذا الكتاب فقط، بل إنّنا نرى مصادر أخرى، ككنـز العرفان، ومجمع البيان، وزبدة البيان، وتفسير الميزان.وثانيهما: إنّه اعتمد هذا الكتاب كمصدر؛ بلحاظ جمعه للأقوال والآراء المختلفة، وليس من باب تبعية الباحث لما يتبنّاه السلطاني في كتابه.

الثانية: وهي الأهمّ. إنّ الباحث رغم ما حقّقه من نقلة نوعية وانعطاف كبير في النمطية البحثية في المجال الفقهي، عبر تفعيله للدليل القرآني، بيد أنّه لم يوظِّف هذا التفعيل للدليل القرآني في بحثه الفنّي والبحث الاجتهادي الجدّي، بل جعل هذا البحث بمثابة المقدّمة التمهيدية، بل نراه قد صرّح في أوّل فقرة شرع فيها بأنّ البيانات القرآنية هي كلّية ومجملة وموجزة. وبذلك حاصر الدليل القرآني محاصرة قاتلة، وحال بينها وبين عملية الإفادة منها في الممارسة الاجتهادية وصناعة الاستنباط. قال: «لم يُفصّل القرآن القول في أحكام الإرث، ولم يتعرّض لكلّ ما يرتبط بهذا المفهوم من التشريعات على الاستيعاب، شأنه في ذلك شأنه في غيره من الموضوعات التي تصدّى لبيان أحكامها على الإجمال والإيجاز، والتي اكتفى فيها بالتلميح والإشارة، وترك للسنّة تفصيل الكلام حول ما تمّ إجماله منها، وشرح ما كان قد أوجزه من قضاياها ومسائلها. والآيات القرآنية التي تعرّضت لذكر الإرث أو الفرائض لم تجتمع في وحدة سياقية، بل تباعدت في مواردها، واختلفت الدواعي التي سيقت لبيانها وتوضيحها».

وقد يخطر في البال أنّ مقتضى هذا الكلام من حيث المآل إلى نفي مقدّمية هذا البحث القرآني للبحث الفقهي المحض، إلا أنّه حاول نفي هذا اللازم، فأوضح بأنّ مقدّمية البحث القرآني لم تفقد قوّتها، ولا تزال في موقعها، لكن في حدود كونها بمثابة الأسس والقواعد الكلّية التي تبتني عليها تفصيلات أحكام الإرث. قال، مستدركاً ومعتذراً اعتذاراً دبلوماسياً وقوراً: «لكن يجمعها مع كلّ ما مرّ أنّها شرّعت لمبدأ التوارث بشكل عام، وأكدت على الفكرة، وبيّنت بعض ما يمكن أن تؤسَّس عليه تفصيلات الأحكام، من المبادئ والأصول والكلّيات والقواعد والقوانين والضوابط»([25]).

وما هذا في واقع الحال إلا ترديد للفكرة الشائعة في الأوساط المقلّدة حول النصّ القرآنيّ ودوره الدلالي المحدود والضيّق جدّاً.

(n)     التعليق

ويرد على ذلك ما يلي:

1ــ مع الغضّ عن دعوى تعميم نظرية (كلّية البيان القرآني التشريعي) لجميع المجالات التشريعية، ومدى صحّة أو سقم مثل هذه الدعوى، فإنّ هذه الفكرة لا تشمل مورد الإرث؛ لأنّ البيانات القرآنية قد تعرّضت لكثير من التفاصيل والأحكام الجزئية. والشاهد على ذلك تفصيل الفروض، وتعيين السهام وبعض الطبقات، وغير ذلك من الأحكام، التي استدلّ عليها الفقهاء بالنصّ القرآني، ومنهم المؤلّف نفسه([26]).

لا يُقال: إنّ هذا نقضٌ للإشكال؛لأنّنا نقول: إنّه لم يوظّف بحثه القرآني في المقدّمة في بحثه الاجتهادي، ولم ندّعِ إنّه لم يستدلّ بالآيات على الإطلاق، فيبقى الإشكال كما كان.

2ـــ إنّ سقف الاستدلال بالنصّ القرآني محدود كمّاً وكيفاً، ولا سيما في بعض مفاصل البحث، فلا تجد ظاهرة الكرّ والفرّ، ولا تجد البسط في ذكر الاحتمالات والتقريبات المختلفة حول النصّ.

3ـــ إنّ البيان الكلّي القرآني تارة يكون بلا فاعلية ووجوده كعدمه؛ بسبب إمكانية الاستغناء عنه بالسنّة؛ لكونها تشتمل على البيان الكلّي والتفصيلي معاً، وتارة يكون له دور المعيارية والحكومة على التفاصيل، فلو سلّمنا بكلّية البيان القرآني في المقام ـــ ولو بنحو الموجبة الجزئية ـــ فإنّنا لا نسلّم تعطيلها عملياً، وأنّ وجودها كعدمها.

وعليه فلا ينفع ما اعتذر به الباحث من كلّية البيان القرآني التشريعي.

(o)     المحور الثالث: البُعد الاجتهادي

وسوف نتناوله ضمن المحطّات التالية:

(p)     المحطّة الأولى: الدقّة في التعامل مع كلمات الفقهاء وأقوالهم

إنّ لدراسة كلمات وأقوال الفقهاء السابقين مساحة ملحوظة في الأبحاث الفقهية؛ لما له من تأثير على مسار البحث الاجتهادي ونتائجه، من قبيل: تأثيره في تحصيل الإجماعات، وتحقيق معاقدها، وتأثيره على تحقّق الشهرات، وتأثيره على فهم الأدلّة، وتأثيره على إيجاد الوعي الفقهي لمنعطفات وتطوّرات النظريات الفقهية، وبالتالي التأثير المباشر وغير المباشر على المحصّلة النهائية للبحث.

من هنا فإنّ الدراسات الفقهية، ولا سيما العليا، تُولي هذه الجهة من البحث أهمية خاصّة، ولم ينبُ الباحث عن هذه النمطية، فنراه يقف مليّاً عند بعض الكلمات والآراء، ويتعامل معها من منطلق فهمه وتحليله لها، غير منساق مع التفسير المشهوري. ومن النماذج على ذلك:

1ـ مسألة الردّ على الزوج. فإنّ المشهور لدى الإمامية أنّ الزائد عن حصّة الزوج يُردّ عليه في حالة عدم وجود وارث غيره أصلاً، من مناسب ولا مسابب، وفي المقابل فقد نُسب إلى سلاّر الميل إلى كون الباقي للإمام.

وهنا نرى الباحث يقوم بمراجعة لتفسير كلام سلار، فإنّه قال في المراسم: «وفي أصحابنا مَنْ قال: إنّه إذا ماتت امرأة ولم تخلّف غير زوجها فالمال كلّه له بالتسمية والردّ، فأمّا الزوجة فلا ردّ لها، بل ما يفضل من سهمها لبيت المال، وروي: أنّه يُردّ عليها كما يُردّ على الزوج»([27]).

وقد عكس الباحث تفسيرين لهذه العبارة، وهما وإن اتّفقا على مسألة منع الزوج، لكن كلّ واحد منهما ركَّز على حيثية من المسألة:

التفسير الأوّل: وهو التركيز على حيثية كون الباقي للإمام. وهذا التفسير هو الذي عكسه صاحب الجواهر حين قال: «خلافاً للمحكي عن الديلمي من الميل إلى أنّ الباقي للإمام»([28])، متّبعاً في ذلك مَنْ سبقه من الفقهاء([29]).

التفسير الثاني: وهو التركيز على حيثية عدم الردّ على الزوجين ــ الشامل للزوج، الذي هو المهمّ في المقام ــ. وهذا التفسير هو الذي ركَّز عليه العلاّمة الحلّي، فبعد نقله لعبارة سلاّر المتقدّمة علّق عليها بقوله: «وهذا يدلّ على استضعاف الردّ في حقّ الزوجين معاً»([30]).

وهنا يتصدّى الباحث لتفسيرها. فقد قال أوّلاً: «والواقع أنّ ظاهر العبارة يدلّ على اختياره عدم الردّ على الزوج مطلقاً»، أي إنّ الباحث يرى أنّ ظاهر عبارة الديلمي يؤيّد الفهم المنقول عن الفقهاء.

إلا أنّه لا يستسلم لهذا التفسير، ويُشكِّك في هذا الفهم، ويُبدي في مقابله تفسيراً آخر، حين أعقب ذلك بقوله: «إلا أنّه يمكن أن يكون مراده من مجموع كلامه أنّ في أصحابنا مَنْ قال: إنّ المال للزوج بالتسمية والردّ، وأنّ الفاضل عن سهم الزوجة لبيت المال، وهو ليس كذلك، بل للإمام، فيكون ما ظهر من العبارة من التأمّل متوجّهاً إلى بيت المال، لا إلى الردّ، فكأنّه قال: وفي أصحابنا مَنْ وافق العامّة في أنّ الباقي عن [سهم] الزوجة لبيت المال، لا للإمام»([31]).

وحاصل التفسير الذي يقترحه الباحث لعبارة الديلمي أنّه لم يقبل خصوص الشقّ الأخير، وهو القول بأنّ الفاضل عن سهم الزوجة يكون لبيت المال، بل يكون للإمام، وأمّا بالنسبة إلى الشقّ الأوّل وهو كون جميع المال للزوج بالتسمية والردّ فهو لم يُناقش فيه، ومقتضى ذلك أنّه يقبله، وعليه فلا يكون الديلمي مخالِفاً للأصحاب في هذه المسألة.

(q)     التعليق

1ــ إنّ هذا التفسير المقترح دقيقٌ، إلا أنّه مجرّد احتمال بحاجة إلى مؤيّد وشاهد. وأمّا ظاهر عبارة الديلمي فهو يدعم كونه مخالِفاً للأصحاب، كما اعترف الباحث بهذا في أوّل كلامه.

2ــ إنّ التدقيق في مجموع كلمات المراسم في باب الإرث يرجّح الفهم المعروف لدى الفقهاء، دون ما احتمله الباحث من العبارة، فإنّه قال في أوّل بحث الإرث: «وينقسم الورثة قسمة أخرى على ثلاثة أقسام: قسم يرث بالفرض والتسمية في سائر الأحوال، وهو على ضربين:

أحدهما: يرث بالتسمية، ولا يُردّ عليه إذا كان معه ذو فرض غيره.

والثاني: يرث بالتسمية، ويُردّ عليه إذا كان معه ذو فرض غيره….

فالأوّل من الأقسام: مَن سمّى الله تعالى له فرضين أعلى وأدنى، وهم: الأمّ…، والزوج…، والزوجة…، والذي يُردّ عليه ممّن دخل في هذه القسمة مع التسمية الأمّ، دون الزوج والزوجات، ولا درجة لهم بعد ذلك»([32]).

وأنت إذا طالعت هذا الكلام رأيت أنّها تدلّ بكلّ وضوح على المنع من ردّ الزائد على الزوجين مطلقاً، واتّضح لك أنّ الحقّ معهم في ذلك جزماً، أجل إنّهم لم يُشيروا إلى هذه العبارة بالمرّة.

(r)      المحطّة الثانية: التعاطي الحرّ مع الاستدلال

إنّ من خصائص الفقه الإمامي فتح باب الاجتهاد، ومعنى ذلك أنّ المتصدّي لاستنباط الحكم الشرعي عليه أولاً: أن يتقصّى الأدلّة بنفسه، لا أن يُعوِّل على ما طرحه السابقون. وثانياً: أن يقف مع الأدلّة فرداً ويُواجهها وجهاً لوجه، ويحاول استنطاقها، منقطعاً عمّا فهمه الآخرون منها.

هذا كلّه من الناحية النظرية، إلا أنّ الممارس من الناحية الواقعية قد يتأثّر لا شعورياً بما استفاده الآخرون من الأدلّة، على تفاوت بين شخص وآخر، ومن هنا فإنّه يبذل قصارى جهده للتخلّص من العوامل الخارجية المؤثّرة على عملية الفهم وما تتركه من انعكاسات على وعيه الاجتهادي.

ونسعى هنا لمتابعة العقل الاجتهادي للسيد فضل الله؛ لنرى إلى أيّ حدٍّ استطاع أن يتحرّر من تلك العوامل الطارئة، وما هي نسبة الموضوعية عنده، من خلال بحث أحد النماذج، ألا وهو: (ميراث الزوجة من العقارات والأراضي).

ثمّة قولان رئيسيان للإمامية في هذه المسألة:

الأوّل: إنّ الزوجة كالزوج في كونها ترث من جميع ما يتركه زوجها دون استثناء لشيء من التركة، بما في ذلك الأرض والعقار، ومن دون استثناء لحالةٍ كذات الولد. وهو المنسوب إلى ظاهر الإسكافي([33])، وتبعه القاضي في الدعائم([34]). واحتُجّ لهذا القول بظاهر القرآن، وببعض الأخبار، وخصوصاً خبر الفضل بن عبد الملك وابن أبي يعفور عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق×([35]).

الثاني: إنّها لا ترث من العقار والأراضي، لا عيناً ولا قيمة، وترث من البناء والأشجار القيمة، دون العين. وهذا هو المعروف والمشهور، على اختلافٍ بينهم في بعض التفاصيل([36]).

وهنا يحاول الباحث معالجة هذه المسألة الشائكة ــ بحسب تعبيره ــ من عدّة زوايا، وتوظيف عدّة عناصر، وهي:

(s)      أـ توظيف العنصر التاريخي

قلّما يُفيد الفقهاء من العنصر التاريخي في عمليات البحث. ومن هنا نرى أنّ التفاتة الباحث البارع إلى هذا العنصر وتوظيفه في هذه المسألة كانت التفاتة موفّقة، وتُعتبر إثارة جديدة في هذا الشأن. إنّ ما طرحه الباحث في المقام هو عبارة عن دليلين:

الأوّل: كون موضوع هذه المسألة محلاًّ للابتلاء لدى المسلمين منذ الصدر الإسلامي الأوّل، فكيف يُبرّر سكوت الشريعة عن بيان حكمها لو كان ثمّة حكم استثنائي لها غير ما ذكره القرآن الكريم، مع أنّ هذا يؤدّي إلى فوات الحقوق والأموال التي تحرص الشريعة على مراعاتها بكلّ ما تستطيع؟! قال: «ثمّ إنّ المسألة محلّ ابتلاء كلّ مسلم، والمفروض أنّ مثلها لابدّ أن تكون ممّا بيّن حكمها بوضوح زمن رسول الله|، فلقد كان المسلمون يملكون دوراً وعقارات وأراضي، والواضح من القرآن أنّ حكم هذه الممتلكات حكم غيرها من ممتلكات الميت، تدخل جميعاً في التركة، ويستحقّها الورثة على وزان استحقاق غيرها، فلو كان لها حكم مغاير لحكم غيرها لكان حكماً على خلاف ظاهر القرآن، ولوجب على النبي| بيانه».

ثمّ أضاف موضِّحاً بأنّ هذه الفرضية يترتّب عليها لازمان، لا يمكن الالتزام بهما: الأوّل: تأخير البيان عن وقت الحاجة؛ الثاني: فوات الحقوق وضياعها على أصحابها. قال: «وإلاّ لكان تأخيراً للبيان عن وقت الحاجة، وهو يقتضي إيقاع الناس في الحرام، بإعطاء الزوجة ما لا تستحقّ من تركة زوجها، وحرمان غيرها من حقّهم فيها»([37]).

فهو عندما يذكر هذا الأمر يريد تنبيه الوجدان إلى ما في فرضية كون الحكم عدم استحقاق الزوجة من التركة العقار من الاستبعاد.

الثاني: وهو عدم بيان الإمام علي× للحكم أيّام خلافته. ففي موضع آخر ــ بعد أن ذكر الباحث بعض ما تقدّم ــ قال: «إنّ الإمام علي× لم يُنبّه الناس إلى ذلك في أيّام خلافته، التي كان يملك من خلالها تطبيق حكم الله، ولا سيما أنّه لا يتصل بأيّ شيء ممّا قد يختلف عليه الناس من القضايا المثيرة للحساسيات الشديدة». ثمّ أثار تساؤلاً مُلفِتاً، فقال: «وقد تقدّم أنّ مصدر حكم الإمام الباقر× هو كتاب علي×، فكيف نفسّر ذلك؟!»([38]).

(t)       التعليق

إنّه ممّا يؤكِّد الاستبعاد الذي أثاره الباحث ما يلي:

1ــ نسبة ظهور الحكم بعدم توريث الزوجة من العقار من الناحية التاريخية إلى زمان الإمامين الصادقَينْ’، حيث بدأ نقل الروايات في هذا الحكم عنهما’، أي إنّ فترة السكوت عن بيان هذا الحكم وخفائه على فرض وجوده واقعاً استمرّت أكثر من قرن. وهو لازمٌ عجيب؛ فإنّ هذا حكم جزئي، وهو ليس بأكثر أهمية من حكم العَوْل والتعصيب، مضافاً إلى عدم كونه من الأحكام السياسية الخطيرة التي يصعب التصريح بها.

2ــ إنّه في بعض الحالات قد تُشكِّل العقارات والأراضي نسبة عالية من التركة، بل قد تستوعب جميع التركة، ولاسيما في المجتمعات السابقة، التي كثيراً ما كانت تهتمّ بالعقارات والأراضي؛ لكونها مجتمعات زراعية في الغالب، فيا ترى والحال هذه هل يُحكم بعدم إعطاء شيء من التركة للزوجة وحرمانها بالمرّة في الوقت الذي يحوز غيرها من الورثة هذه التركة، ويتقاسمونها بينهم؟!

(u)     ب ـ ملاحقة دعوى الإجماع وتقييمها

من جملة الخطوط الحمراء التي تستوقف الممارس للأدلّة، وتجبره على التراجع عن قناعاته البحثية، دعاوى الإجماع، التي نواجهها كثيراً في البحوث الاجتهادية. وأحد مواردها ما نحن فيه، حيث ادُّعي ثبوت الإجماع على  عدم إرث الزوجة من العقار. وقد اختلفت عباراتهم في عكس هذا الإجماع. وقد ادّعاه جمعٌ من الفقهاء الأجلاّء، منهم:

1ــ السيد المرتضى  في الانتصار، حيث وصفه بأنّه من منفردات الإمامية([39])؛ 2ــ الشيخ الطوسي في الخلاف([40])؛ 3ــ ابن إدريس([41])؛ 4ــ الطباطبائي العاملي([42])؛ 5ــ النجفي([43]).

واختار الباحث لنفسه أن يخوض منازلة جادّة مع هؤلاء الفقهاء الكبار الذين ادّعوا الإجماع في المقام:

أوّلاً: إنّه ابتدأ المواجهة معهم بطرح سيل من التساؤلات والتشكيكات؛ ليُزلزل الثقة بالإجماع المدّعى. قال: «ولابدّ هنا أمام هذه المسألة الشائكة من دراسة المسألة في جانبها التاريخي أوّلاً، باستقراء آراء الفقهاء؛ لنتحقّق هل أنّ طريقة معالجة الموضوع عند المتأخِّرين، وكذا الأهمّية التي احتلّها، هي نفسها عند المتقدّمين، وأنّ ثمّة إجماعاً فعلياً خرقه ابن الجنيد، كان سابقاً عليه ومن ثمّ تأخّر عنه أيضاً، أو أنّ المشكلة لم تأخذ عند المتقدّمين الأهمية التي اتخذتها عند المتأخّرين، وأنّ الإجماع ليس إجماعاً واقعياً؛ لاحتمال أن يكون مدركه الأخبار المتعدّدة المختلفة، وأنّه على أقلّ تقدير لا سبيل إلى إثباته قبل ابن الجنيد؛ بقرينة خلوّ الفتاوى والنصوص الفقهية عنه، وعن التعرّض للاستثناء المذكور، وأنّ ذلك يعتضد بدعوى القاضي في الدعائم إجماع الأمّة على كون إرث الزوجة كإرث الزوج سواء بسواء؟»([44]).

ثانياً: وجّه ردوداً حاسمة إلى دعوى الإجماع هذه، ومنها:

1ــ إنّ خلوّ جملة من كتب الأصحاب من المتقدّمين ــ مثل: المقنع، والمراسم، والإيجاز، والتبيان، ومجمع البيان، وجوامع الجوامع، والفرائض النصيرية ــ من ذكر حرمانها، ووقوع التصريح فيها بكون إرث الزوجة إنّما هو ربع التركة أو ثُمنها، الظاهر في العموم، يكشف عن وهن دعوى تحقّق الإجماع من المتقدّمين على حرمانها([45]). وحاول بعد ذلك أن ينتزع اعترافاً بعدم تعرّض بعض المتقدّمين للمسألة ــ كابن بابويه وابن أبي عقيل ــ من صاحب الجواهر، الذي هو أحد مدّعي الإجماع، والمدافعين عن حرمان الزوجة بشدّة([46]).

2ــ إنّ مسألة بهذه الأهمية، وخصوصاً أنّها موضع ابتلاء المسلمين جميعاً، لا يمكن لمثل الشيخ الطوسي أو الطبرسي أن يغفلاها في تفسيرهما، وقد أخذا على نفسيهما ــ ولاسيما الثاني منهما ــ أن يتعرّضا لما تفرّد به الإمامية بالتوضيح والشرح، وأن يتعاطيا معه من موقع الدفاع، كما هو الحال في مسألة العَوْل والتعصيب، والتي لا يكاد يخلو من ذكرها وتوضيح بطلانها كتاب([47]).

3ـــ ليس من الطبيعي أنّ مسألة هي محلّ ابتلاء المسلمين، ثمّ يكون حكمها على خلاف ظاهر القرآن، ولا يتعرّض لذكرها كثيرٌ من الفقهاء. فإطلاق المسألة من مثل الطوسي والطبرسي، من غير إشارة إلى حرمان الزوجة من شيء ما، يدلّ على أنّهما إنّما يتبنّيان الإطلاق وعدم الحرمان. ومثل ذلك يُقال عن مثل: سلار، والمحقّق نصير الدين الطوسي في الفرائض النصيرية([48]).

فمَنْ أغفل ذكرها من المتقدّمين يظهر منه اختياره عدم الحرمان مطلقاً؛ لأنّه لو كان حكم المسألة هو الحرمان، مع مسيس الحاجة إليه وابتلاء الناس به، ومخالفته لظاهر القرآن وللمعروف عند أهل السنّة، لوجب بيانه بأشدّ البيان، وتأكيده بأوضح برهان؛ ليتبيّن وجه اختياره والحجّة في اعتماده، أمّا ولم يذكروا شيئاً من ذلك، ولم يعتنوا ببيان كلّ ما مرّ، فهو يعني اختيار عدم الحرمان مطلقاً([49]).

4ــ محاولة التقليل من أهمية عدم تعرّض البعض للمسألة، والتذرّع بدعوى وضوح الحكم وظهوره، ومعلومية تفرُّد الإمامية بذلك لأهل السنّة([50])، مردودة؛ فإنّ المسألة ليست بهذه المثابة؛ إذ لا نُسلّم وضوح الموضوع بالشكل الذي صوّره صاحب الجواهر عند المتقدّمين على أقلّ تقدير، ولو سُلِّم وضوح المسألة فإنه لا يُبرّر إهمالها وعدم ذكرها في كتب الفقه، وإلا لأمكن ترك التعرّض لكلّ ما هو واضح في الفقه؛ بحجّة وضوحه. وأكثرُ الفقه كذلك.

ثمّ إنّنا لا نُسلّم وضوحها؛ ذلك أنّ المسألة من المسائل التي تُثير الشبهة، وتدعو إلى التأمّل، ولو من جهة كونها على خلاف ظاهر القرآن، وعدم تعرّض أهل السنّة قاطبة لمثلها؛ لكون فتواهم على خلاف ذلك. فالدواعي متوفّرة لذكرها وتوجيهها والدفاع عنها، ومع ذلك لم نرَ أثراً لها عند المتقدّمين، ولاسيما في كتب التفسير، التي جعل أصحابها من جملة أهدافهم فيها الدفاع عمّا تفرّد به الشيعة عن غيرهم، من الأحكام والفتاوى والآراء والمواقف([51]).

5ــ ذهاب بعض الرواة، كرواة خبر الفضل بن عبد الملك وابن أبي يعفور، إلى عدم الحرمان، كما احتمله بعض؛ إذ مذاهب الرواة تُعرف برواياتهم، وكذلك بعض المتقدّمين من الفقهاء، كعلي بن بابويه؛ لخلوّ الفقه الرضوي منه([52]). ومنه يظهر عدم تفرّد ابن الجنيد الإسكافي، وعدم شذوذ رأيه، وعدم كونه مسبوقاً ولا ملحوقاً بالإجماع، كما رماه بعضٌ.

6ــ وجود دعوى الإجماع على خلافها من القاضي في الدعائم. وموقفه لا يخلو من وجه، وهو ثقة، فعندما يقول: إنّ حرمان الزوجة من شيء من التركة مُخالف لإجماع الأمّة والأئمّة فذلك ليس اجتهاداً شخصياً منه؛ لأنّه ينقل ما يراه.

إلا أن يُقال: إنّه إنّما ادّعى الإجماع على عدم الحرمان؛ لكون ذلك مدلول ظاهر الكتاب والسنّة القطعية([53])، وإذا احتُملت مدركيته فلا قيمة تعبّدية له، فلا يقوى على معارضة ذاك الإجماع حينئذٍ.

7ــ كيف يتحقّق الإجماع مع ثبوت الخلاف في تحديد طبيعة ما تُمنع منه الزوجة وفي حقيقة الممنوع؟!؛ إذ أكثر المتأخّرين على أنّ الممنوعة هي خصوص الزوجة غير ذات الولد، وأمّا ذات الولد فلا تُحرم من شيء([54])، مع أنّ المتقدّمين يُعمِّمون المنع، من غير فرق بين ذات الولد وغيرها. فالمسألة إذاً ليست إجماعية بقول مطلق، حتّى بين المتأخّرين، والخلاف بين الفقهاء في المسألة ـوخصوصاً في التفاصيل ـ كبير([55]).

(v)      التعليق

ونحن نؤكِّد ما ذكره الباحث بما يلي:

1ـــ إنّ عبارات ناقلي الإجماع ليست على منوال واحد؛ فبعضهم عبّر بأنّه من منفردات الإمامية، كالمرتضى؛ وبعضهم عبّر بالإجماع.

وأنت ترى أنّ التعبير الأوّل أعمّ من المدّعى، وليس مرادفاً لدعوى الإجماع، وهي أقدم عبارة في هذا المجال.

2ــ إنّ أوّل عبارة صريحة في الإجماع عبارة الشيخ في الخلاف. ومن المطمأنّ به أنّه استلّها من عبارة المرتضى، وتبعه ابن إدريس، واقتفى أثره الطبقات الأخيرة من الفقهاء، كصاحب الرياض وصاحب الجواهر.

3ــ إنّ صاحب الجواهر، الذي سعى جاهداً لتثبيت هذا الإجماع، غير جازم بذلك؛ فإنّه عمد إلى أسلوب استدراج القارئ شيئاً فشيئاً، فبدأ محاولته بالقول: «…لا خلاف معتدّ به بيننا في أنّ الزوجة في الجملة لا ترث من بعض تركة زوجها، بل في الانتصار ممّا انفردت به الإمامية حرمان الزوجة من أرباع الأرض، بل عن الخلاف والسرائر الإجماع على حرمانها من العقار»([56]). بعدها تعرّض إلى خلاف ابن الجنيد، وحاول التقليل من أهميته.

ويعرف صاحب الجواهر قبل غيره قيمة مستنداته الثلاثة التي أقامها لإثبات دعوى الإجماع. أمّا كلام علم الهدى فلا دلالة له، كما ذكرنا. وأمّا إجماعات الخلاف فأمرها معروف([57])؛ فإنّه يستعمله في معنى خاصّ في مقابل أهل السنّة. وأمّا إجماع ابن إدريس فهو متأخّر، فإنّه من علماء النصف الثاني من القرن السادس الهجري.

ثمّ إنّه تنظّر في دعوى الإجماع قبل وبعد ابن الجنيد([58]). ولازم هذا التنظّر نفي هذا الإجماع، كما هو واضح من أسباب هذا التنظّر، والتي منها دعوى إجماع الدعائم على عدم الحرمان.

وفي خطوة ثالثة من صاحب الجواهر حاول تحطيم دعوى الدعائم أيّ تحطيم، حيث عدّه من غرائب الكلام، بل هو كلام غريب عن الفقه والفقهاء والرواة والروايات، قال: «وإنّما نقلناه ليقضى العجب منه»([59]).

وقد وظّف صاحب الجواهر هجومه العنيف هذا للطعن في كلّ من خالف القول الأوّل، وأنّ الإجماع ثابت رغم أنوف مَنْ قال بعدم الحرمان ممّن أشار إليهم من الرواة والفقهاء، قال: «…وإلاّ فهو لا يقدح في دعوى سبق الإجماع ابن الجنيد ولحوقه»([60]).

وفي خطوة أخيرة وجّه ضربة قاصمة إلى القائل بعدم الحرمان، فقد رمى عصفورين ــ أو عدّة عصافير ــ بحجر واحد: فقد ثبّت الإجماع على الحرمان، وعدم الاكتراث بالقول الآخر، وعدم قدح ترك التعرّض للمسألة من قِبل المتقدّمين، وظهور القول بالحرمان ووضوحه حتّى للعامّة، وتسالم النصوص عليه، التي هي فوق مرتبة التواتر، وبها يتمّ تخصيص العمومات، وتسالم الفتاوى عليه، وحمل الأخبار المنافية على التقية، ودعوى ثبوت الإجماع بقسميه: المحكيّ؛ والمحصّل، وانتهى إلى كون القول بالحرمان من الأمور المفروغ عنها ولا يمكن التشكيك فيها، ولا جدوى لإطالة الكلام في ذلك، وإنّما يمكن البحث في بعض التفاصيل([61]).

وبهذه الطريقة العاطفية وغير المنطقية، من إثارة الغبار على الخصم وتوالي الضربات عليه، يكسب صاحب الجواهر هذه الجولة، ويُسجّل نصراً ساحقاً على القائلين بعدم الحرمان؛ باستعمال تعابير مُكهربة، من قبيل: أنّ الأخبار تفوق حدّ التواتر، واستخدام مصطلح التسالم على الحكم فتوى ورواية([62])، وثبوت الإجماع بكلا قسمَيْه، حتى المحصّل([63])، وأنّه لا داعي للإطناب في هذا البحث؛ لكونه مفروغاً عنه ومسلّماً، ولم يبقِ شيئاً من أساليب المبالغة إلا واستفاد منه، سوى دعوى كون هذا من الأحكام الضرورية في المذهب.

وأنت إذا تأمّلت كلام صاحب الجواهر، على الرغم من إصراره على دعوى الإجماع بهذا النحو الرهيب، تراه يُعبّر في الواقع عن انسحاب بشكل ذكيّ من دعوى الإجماع، واستبداله بالاستنجاد بالنصوص، وحينما أراد تهويل الموقف وإرعاب المخالف وصفها بأنّها تفوق حدّ التواتر.

وأقصى ما يمكن أن تُثبته مستنداته التي سردها هو ما بدأ به بحثه من دعوى عدم خلاف معتدّ ــ بحسب نظره ــ في الحرمان في الجملة، لا أكثر.

وعلى أية حال فإنّ جميع ما حشده صاحب الجواهر من سبل الإقناع التي تصهر المشاعر لم تُؤثّر على ذهنية الباحث الموقّر وموضوعيته، وطفق يعالج بحثه بالوسائل الموضوعية وبأدواته الفنّية، ويفنِّد بهدوء الدعوى المقامة لإثبات الإجماع.

ويبرز لك مدى أهمّية وقيمة الموقف الجريء للباحث إذا لاحظت نقطتين:

الأولى: موقعية صاحب الجواهر الذي هو مؤسّس المنهج الاجتهادي المتداول اليوم في الأوساط العلمية، فقوله الفصل.

الثانية: عدم جرأة أحد على القول بعدم الحرمان فترة قرون.

4ــ أين المحقّق الحلّي ــ صاحب الشرائع الذي هو متن الجواهر ــ من هذا الإجماع؟! كيف لم يلتفت إليه ولم ينقله؟! بل نقل ما يدلّ على نفيه، حيث جعل المسألة ثلاثية الأقوال. قال: «إذا كان للزوجة من الميت ولد ورثت من جميع ما ترك، ولو لم يكن [لها ولد] لم ترث من الأرض شيئاً، وأعطيت حصّتها من قيمة الآلات والأبنية. وقيل: لا تُمنع إلا من الدور والمساكن. وخرّج المرتضى & قولاً ثالثاً، وهو تقويم الأرض وتسليم حصّتها من القيمة. والقول الأوّل أظهر»([64]). وسوف يأتي التعرّض لما ذكره غيره، كالآبي، والفخر، والسيوري، من كون المسألة خلافية.

5ــ إنّ هذا الإجماع هو إجماع مدركيٌّ؛ فإنّ حجّة المتأخّرين خبر مقطوع، والجمع بين ما دلّ على إرثها مطلقاً وبين ما دلّ على منعها كذلك من الأخبار، وحجّة المتقدّمين عموم الكتاب، وتخصيصه بالأخبار التي ادّعوا تواترها، واستدلال المرتضى أيضاً هو الجمع بين ظواهر الكتاب والأخبار.

6ــ لقد صرّح بعض الفقهاء بأنّ المسألة خلافية، كالفاضل الآبي([65])، وفخر المحقّقين في الإيضاح([66])، والسيوري في التنقيح([67]). فقد ذكر الأوّل أنّ في المسألة خلافاً بين الأصحاب على أربعة أقوال؛ وذكر الثاني أنّ أصحابنا اختلفوا في الزوجة التي ليس لها من الميت ولد على أقوال، ثمّ أورد أربعة أقوال؛ وذكر الثالث أنّه اختلف أصحابنا في الزوجة إذا لم يكن لها ولد على أقوال ثلاثة. ولا يخفى أنّ عبارة المحقّق الحلّي أيضاً تقع في هذا السياق.

(w)    ج ـ التعامل مع البُعد الدلالي للسنّة الشريفة

لقد أورد الباحث أربع عشرة رواية لصالح القول بالحرمان([68])، وأخذ في تحليل مداليلها. ولقد حلّل رواية العلاء، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله×([69])، بأنّ الرواية في مقام بيان علّة الحكم. قال: «والإنسان ــ في الواقع ــ يبقى في مثل هذه المشكلة محلّ تساؤل؛ إذ الظاهر من الخبر أنّ الإمام في مقام بيان العلّة، لا الحكمة؛ لأنّ السائل يستعلم الفرق بين الأصل والفرع في الموروث، وأنّه لِمَ ترث المرأة الزوجة من الفرع ولا ترث من الأصل؟ فأجاب الإمام بأنّ علّة ذلك هي أن ليس لها منه نسب ترث به»([70]).

وإنّها اشتملت على تعليلين للحكم بحرمان الزوجة، وهما:

1ــ إنّها ليس لها نسب ترث به، وإنّما هي دخيل على الورثة. ولهذا ترث من الفرع دون الأصل.

2ــ لكي لا يدخل على الورثة داخلٌ بسببها، أي ربما تتزوّج، فتُدخل زوجها الجديد عليهم.

ثمّ علّق على ذلك بأمور:

1ــ «التعليل في الخبر كما يأتي في الزوجة يأتي في الزوج؛ إذ انتفاء النسب بين الزوجة وأهل الزوج موجود أيضاً بين الزوج وأهل الزوجة، وكما يمكن أن يدخل على أهل الزوج أحدٌ بسببها كذلك يمكن أن يدخل على أهل الزوجة أحدٌ بسببه، فكيف تُمنَع من الإرث دونه، مع تحقّق علّة المنع في كلَيْهما؟!».

2ــ «ثمّ لو كان ذلك هو العلّة الحقيقية للمنع فينبغي أن يعمّ، بمعنى أن تُمنع الزوجة من كمال الإرث بسبب ذلك؛ إذ العلّة هذه كما توجد في خصوص العقار توجد في غيره». والظاهر أنّ الباحث ناظر في هذا التعليق إلى التعليل الأوّل، لا الثاني.

3ــ «إنّ الإرث ليس بالنسب وحده، بل بالنسب والسبب»([71]).

(x)      التعليق

1ــ إنّ هذه الإثارات العلمية تفتح للممارس آفاقاً تجعله يفحص عن تفسير سليم لهذه الروايات، وكذلك تهديه لتحديد الموقف تجاهها. فليس من شأن المحقّق أن يغضّ النظر عن الإشكاليات. وقد أشار إلى ذلك بالقول: «والمشكلة في الواقع أنّ علماءنا في مثل هذه المشكلات لا يرغبون في إثارة التساؤلات، ولا يملكون الدوافع للبحث عمّا يلفّ هذه القضايا من غموض وضبابية»([72]).

2ــ إنّ البحث بهذا المقدار يبدو مجتزأً؛ إذ إنّ المناقشة المزبورة لا ترد على جميع روايات الحرمان، فما هو الموقف تجاه الروايات الخالية من التعليل؟!

3ــ لم يوضّح الباحث ما هي النسبة بين هاتين الطائفتين من الأخبار، فهل يوجد بينها تعارض أو لا؟ وهل هو تعارض مستقرّ أو يمكن الجمع بينهما؟!

4ــ لقد مرّ الباحث على الدليل القرآني هنا مروراً عاجلاً، واكتفى بالإشارة في أوائل البحث وغيره من المواطن إلى أنّ المسألة مخالفة لظواهر القرآن([73])، فهل أنّ مخالفة الرواية لظاهر القرآن أمرٌ عزيز؟! وهل هي مشكلة مستعصية غير قابلة للجمع من خلال قواعد الجمع العرفي، كالجمع بين الإطلاق والتقييد؟!

إذاً، فنحن نواجه عدّة ثغرات بحثية لم يُشبعها الباحث.

(y)      د ـ الاتّزان في إعطاء النتيجة

بعد كلّ هذا السجال الطويل العريض، وبعد كلّ تلك الإثارات في وجه القول بحرمان الزوجة، ينتهي الباحث إلى بيان خلاصة لنتيجة بحثه من هذه الناحية ضمن عدّة بنود، ويرسم بهذا خارطة طريق لكلّ الباحثين، كلٌّ على مبناه، ولا يُحمّل رؤيته الخاصّة على الآخرين. ومن ناحية أخرى فإنّ درجة الإثبات ليست بتلك الدرجة من القوّة، بحيث يمكن للفقيه أن يتَّخذ موقفاً حاسماً هنا، فيقول:

1ــ «وعلى أيّة حال فالمسألة مشكلة؛ ذلك أنّنا إن لم ننظر إلى الإجماع والشهرة والأخبار الكثيرة وخصوصاً مع اختلافها، والتزمنا بعدم الخروج عن الكتاب الصريح والسنّة الواضحة إلا بمثلهما في الصراحة والوضوح، والتزمنا بطرح ما خالف كتاب الله من الأخبار المختلفة المضطربة، كان الالتزام بقول ابن الجنيد أولى».

2ــ «وإن نظرنا إلى اعتبار الإجماع دون الأخبار التزمنا بقول المرتضى».

3ــ «وإن نظرنا إلى عدم الخروج عن الكتاب والسنّة والإجماع إلا بدليل، والتزمنا عدم تخصيص الكتاب إلا بخبر صريح خالٍ عن القصور، معتضد بالعمل، تكون دلالته على محلّ التخصيص أظهر من دلالة العامّ، كان علينا الذهاب مذهب المفيد».

4ــ «وإن نظرنا إلى كثرة الأخبار والفتاوى والشهرة المدّعاة لزمنا مذهب المشهور»([74]).

(z)      التعليق

1ــ لدى التأمّل فيما أفاده الباحث في هذه البنود النتائجية يبدو للعيان أنّ الباحث كان يعتقد بالخيار الأوّل، أو يميل إليه على أقلّ التقادير. ورغم ما أبداه من جرأة في محاكمة الأدلّة فيما سبق فإنّه حين وصل إلى نهاية المطاف، وتصدّى لإعطاء النتيجة الفتوائية العملية، بدا عليه التردّد، فلجأ إلى لزوم المصالحة احتياطاً.

2ــ الظاهر من العبارة أنّ الاحتياط الذي اقترحه الباحث آخر المطاف هو من قسم الاحتياط اللازم. ومن الواضح أنّ الاحتياط هو أمرٌ حسن عقلاً وشرعاً على كلّ حال على الصعيد العملي؛ تمشّياً مع المقولة المعروفة: «أخوك دينك فاحتط لدينك»، إلا أنّه على المستوى النظري بحاجة إلى بيان مُبرّر علمي، وذكر وجه فنّي، ولا سيما إذا كان الاحتياط بنحو اللزوم، كما لو كان رجحان الأدلّة ليس بتلك الدرجة من الوضوح، وكما لو كان هناك إجماع لا يُقطَع بمدركيّته.

3ــ إنّ المصالحة هنا متعذّرة عملياً؛ باعتبار أنّ التفاوت عادة في أمر الأملاك والدور والأراضي يكون كبيراً ومعتدّاً به، فتنازل ذوي الحقوق عن حقوقهم أو بعضها نادراً ما يحدث في مثل هذه الموارد. وعليه فإنّ اقتراح طريق المصالحة في المقام على المكلّف المستفتي ابتداءً لا يُعدّ حلاًّ لمشكلته، بمقدار ما يُعدّ حلاًّ لمشكلة المفتي، بل لو بُيّن للمكلّف الحلّ، ثمّ اقتُرح عليه المصالحة بعد ذلك، لكان من المتوقَّع أن تترتّب عليه ثمرة عملية.

الهوامش

(*) أستاذٌ في الحوزة العلميّة، وباحثٌ متخصِّص في الفقه الإسلاميّ، ورئيس تحرير مجلة فقه أهل البيت^، من العراق.

([1]) انظر رياض المسائل، الجزء 12، فإنّه يحتوي علی (686) صفحة؛ مستند الشيعة، الجزء 19، فإنّه يحتوي علی (464) صفحة؛ جواهر الکلام، الجزء 39، فإنّه يحتوي علی (363) صفحة؛ فقه الصادق، الجزء 24 (من ص 237 إلى ص 505)، فإنّه يحتوي علی (268) صفحة؛ نظام الإرث (للسبحاني)، فإنّه يحتوي علی (438) صفحة.

([2]) انظر: فقه المواريث والفرائض 2: 232.

([3]) انظر: المصدر السابق 2: 14، 17، 18، 22، 23.

([4]) انظر: المصدر السابق 1: 13 ـــ 22.

([5]) انظر: المصدر السابق 1: 17 ـــ 20.

([6]) انظر: المصدر السابق 1: 71.

([7]) أقول: لقد حصل اشتباه في المقام، ألا وهو جعل الديلمي وسلار شخصين اثنين، وهذا ما يُفهم من ظاهر العبارة حيث عطف أحد الاسمين علی الآخر بالواو [انظر: فقه المواريث والفرائض 1: 250]، والأمر سهل؛ إذ يمکن حمل هذا الأمر علی سهو القلم أو علی أنّه خطأ مطبعيّ لولا أنّ ذلك الحمل يصطدم بما صدر منه مرّة أخری؛ حيث نقل رأييهما بعد ذلك کلاًّ علی انفراد وإن کانا متفقَين، فقد نقل أوّلاً رأي الديلمي [المصدر السابق: 251] الذي حکاه العاملي في مفتاح الکرامة، ثمّ نقل رأي سلار من کتابه المراسم [المصدر السابق: 252]. في حين أنّ الديلمي هو سلاّر نفسه، لا شخص آخر؛ فإنّه الفقيه الشيخ أبو يعلی حمزة بن عبد العزيز الديلمي، المتوفّی سنة (448هـ)، صاحب کتاب (المراسم العلوية في الأحکام النبوية). ولستُ أعلم هل أنّ هذا الاشتباه کان من قِبل الفاضل المُقرِّر أو من المُقرَّر له، والله أعلم.

([8]) انظر: فقه المواريث والفرائض 1: 250 ـــ 254.

([9]) المصدر السابق 1: 26.

([10]) انظر: المصدر السابق 1: 254 ـــ 256.

([11]) المصدر السابق 1: 306 ـــ 310.

([12]) المصدر السابق 1: 310 ـــ 311.

([13]) انظر: المصدر السابق 1: 311 ـــ 316.

([14]) فقه المواريث والفرائض 1: 26.

([15]) انظر: المصدر نفسه.

([16]) انظر: کنـز العرفان 2: 324.

([17]) انظر: التفسير الشاهي (للجرجاني) 2: 566[باللغة الفارسية ].

([18]) انظر: مسالك الأفهام إلی آيات الأحکام 2: 162.

([19]) انظر: مواهب الرحمن في تفسير القرآن  8: 153.

([20]) انظر: تفسير الميزان 4: 341 ـــ 342.

([21]) انظر: أقصی البيان في آيات الأحکام 2: 485 ـــ 486.

([22]) فقه المواريث والفرائض 1: 257.

([23]) المصدر السابق 1: 282.

([24]) المصدر السابق 1: 316.

([25]) فقه المواريث والفرائض 1: 23.

([26]) انظر: المصدر السابق 1: 88، 91، 97، 98، 99، وغيرها من المواضع.

([27]) المراسم العلوية: 224.

([28]) جواهر الکلام 39: 80.

([29]) انظر: رياض المسائل 12: 574؛ مستند الشيعة 19: 396.

([30]) مختلف الشيعة 9: 41.

([31]) فقه المواريث والفرائض 2: 224.

([32]) المراسم العلوية: 218.

([33]) انظر: مختلف الشيعة 9: 34.

([34]) انظر: دعائم الإسلام 2: 396 ــ 397، ح 1394.

([35]) وسائل الشيعة 26: 213، باب 7 من ميراث الأزواج، ح1.

([36]) فقه المواريث والفرائض 2: 254.

([37]) المصدر السابق 2: 261.

([38]) المصدر السابق 2: 270 ــ 271.

([39]) انظر: الانتصار: 301.

([40]) انظر: الخلاف 4: 116، مسألة (131).

([41]) انظر: السرائر 3: 259.

([42]) انظر: رياض المسائل 12: 582.

([43]) انظر: جواهر الکلام 39: 207.

([44]) فقه المواريث والفرائض 2: 255.

([45]) انظر: المصدر السابق 2: 256.

([46]) انظر: المصدر السابق 2: 257.

([47]) انظر: المصدر السابق 2: 256.

([48]) انظر: المصدر السابق 2: 256ــ 257.

([49]) انظر: المصدر السابق 2: 260ــ 261.

([50]) انظر: جواهر الکلام 39: 210.

([51]) انظر: فقه المواريث والفرائض 2: 259.

([52]) انظر: المصدر نفسه.

([53]) انظر: المصدر نفسه. أقول: يبدو أنّ هذا الاحتمال احتمال قويّ، ولاسيما أنه تصدّی لتفسير الروايات المخالفة لرأيه، وحملها علی ما يوافقه، فيکون إجماعه حدسياً واجتهادياً، لا حسّياً.

([54]) انظر: فقه المواريث والفرائض 2: 260.

([55]) انظر: المصدر نفسه.

([56]) جواهر الکلام 39: 207.

([57]) انظر: فقه المواريث والفرائض 2: 260.

([58]) انظر: جواهر الکلام 39: 207 ــ 208.

([59]) المصدر السابق 39: 210.

([60]) المصدر نفسه.

([61]) انظر: المصدر نفسه.

([62]) أقول: کيف يمکن دعوی تسالم الأخبار مع ورود الأخبار المعارضة؟! وکيف يُدّعی تسالم الفتاوی مع عدم تعرّض کثير من المتقدّمين؟!

([63]) أقول: کيف يمکن تحصيل الإجماع مع عدم تعرّض کثير من المتقدّمين ومخالفة آخرين؟!

([64]) شرائع الإسلام 4: 835.

([65]) انظر: کشف الرموز 2: 462.

([66]) انظر: إيضاح الفوائد 4: 240.

([67]) انظر: التنقيح الرائع 4: 190.

([68]) انظر: فقه المواريث والفرائض 2: 262 ــ 268.

([69]) انظر: وسائل الشيعة 26: 206، باب 6 من ميراث الأزواج، ح2.

([70]) فقه المواريث والفرائض 2: 263.

([71]) المصدر نفسه.

([72]) المصدر السابق 2: 271.

([73]) انظر: المصدر السابق 2: 254، 257، 259، 261.

([74]) المصدر السابق 2: 283 ــ 284.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً