أحدث المقالات

سلامه الحاج فلاح العمر

المقدّمة

الوحدة الإسلامية من أهم مقومات ومرتكزات هذا الدين الحنيف، فالإسلام يدعو إلى الوحدة والإخاء ويمدح هذا التوجه، وينبذ الفرقة لأن الوحدة من أهم قوة ومنعة هذا الدين. والمصلحة الإسلامية هي عنوان الإسلام الرسالي وهي الأفضل لهذا الدين، إذ بالوحدة نكون الأقوى والأصلح لنشر هذا الدين بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن؛ لتكوين الدولة العادلة القائمة على العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والحرية، ولذلك لا قوة للمسلمين إلا بالوحدة القائمة على الفهم الصحيح للإسلام الرسالي، فهو عنوان فلاح ونجاح هذه الإمة، وعلى هذا الأساس تكون الوحدة الإسلامية أهمّ مقوّمات الحفاظ على هذه المصلحة وإدامتها في الواقع، فالوحدة ضرورة عقلية وشرعية، فالقرآن الكريم والسنة المشرفة على قائلها وآله أفضل الصلاة والسلام حثّا على الوحدة وحذرا من الفرقة.

وعلى هذا النهج القويم سار أئمة الهدى من آل البيت عليهم السلام الذين أمر الله سبحانه وتعالى والرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم على إتباعهم، في الحفاظ على الوحدة، مقدمين مصلحة الإسلام والأمة على مصلحتهم الخاصة؛ رغم ما لحق بهم من ضرر وتنكيل.

لقد جاءت هذه الدراسة لتجيب على الأسئلة التالية

1ـ ما أهمية الوحدة في النهج الرسالي.

2ـ ما دور آل البيت عليهم السلام في تثبيت هذا النهج.

الوحدة لغة واصطلاحاً

الوحدة في اللغة

يقول ابن فارس: «(وَحَدَ) الْوَاوُ وَالْحَاءُ وَالدَّالُ: أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى الِانْفِرَادِ. مِنْ ذَلِكَ الْوَحْدَةِ. وَهُوَ وَاحِدُ قَبِيلَتِهِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مِثْلُهُ، قَالَ:

يَا وَاحِدَ الْعُرْبِ الَّذِي… مَا فِي الْأَنَامِ لَهُ نَظِيرُ

وَلَقِيتُ الْقَوْمَ مَوْحَدَ مَوْحَدَ. وَلَقِيتُهُ وَحْدَهُ. وَلَا يُضَافُ إِلَّا فِي قَوْلِهِمْ: نَسِيجُ وَحْدِهِ، وَعُيَيْرُ وَحْدِهِ، وَجُحَيْشُ وَحْدِهِ، وَنَسِيجُ وَحْدِهِ، أَيْ لَا يُنْسَجُ غَيْرُهُ لِنَفَاسَتِهِ، وَهُوَ مَثَلٌ. وَالْوَاحِدُ: الْمُنْفَرِدُ. وَقَوْلُ عُبَيْدٍ بن الأبرص:

وَاللَّهِ لَوْ مِتُّ مَا ضَرَّنِي… وَمَا أَنَا إِنْ عِشْتُ فِي وَاحِدَهْ

يُرِيدُ: مَا أَنَا إِنْ عِشْتُ فِي خَلَّةٍ وَاحِدَةٍ تَدُومُ، لِأَنَّهُ لَا بُدَ لِكُلِّ شَيْءٍ مِنِ انْقِضَاءٍ»([1]).

وهناك من يفرق بين الْوحدَة (بِفَتْح الْوَاو) والوحدة (بخفضها) فَيَقُولُونَ: الْوحدَة الْعَرَبيَّة ويعنون انصهار الدول الْعَرَبيَّة فِي دولة وَاحِدَة، فيوهمون، لِأَن الْوحدَة (بِالْفَتْح) تَعْنِي الِانْفِرَاد، بَيْنَمَا الْوحدَة (بالخفض) تَعْنِي الارتباط والانصهار وَجمع الْأَجْزَاء. وَمن الأولى مَا جَاءَ فِي الحَدِيث: شَرّ أمتِي الوحداني المعجب بِدِينِهِ الْمرَائِي بِعَمَلِهِ. يَعْنِي الْمُنْفَرد بِنَفسِهِ المفارق للْجَمَاعَة، وَهُوَ مَنْسُوب إِلَى الْوحدَة والانفراد بِزِيَادَة الْألف وَالنُّون للْمُبَالَغَة. وعَلى هَذَا تكون الْوحدَة من الِانْفِرَاد، وَتَكون الْوحدَة من الِاتِّحَاد([2]).

الوحدة في الاصطلاح

والأُمّة: كل جماعة يجمعهم أمر ما إمّا دين واحد، أو زمان واحد، أو مكان واحد سواء أكان ذلك الأمر الجامع تسخيراً أم اختياراً([3]).

القرآن والوحدة

يدعو القرآن الكريم إلى الوحدة والاعتصام بحبل الله المتين، وينبذ الفرقة والتشرذم؛ لا بل أنّب الذين يفرقون دينهم ويكونون شيعا متفرقين، «فالأمة الاسلامية هي أمة القرآن، إليه يرد أصلها، وبه يعرف نسبها ومنه نسحب وتنسج ما تلبس من حلل العزة والكرامة والسيادة، ولن يمسك وجودها الا رعايتها للقرآن الكريم، واجتماعها عليه ويوم تفتر عزيمتها عن المضي فيه أو تسترخي يدها عن الشد عليه والتعلق به يوم يكون ـ ولا كان ـ ردتها الى الجاهلية، وركسها في الضلال، ورعيها في الهمل مع السائمة والهائمة من حواش الأمم ونفايات الشعوب»([4]).

وسوف نستدل على ذلك ببعض النصوص الشرعية من الكتاب المقدَّس:

الدليل الأول

قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ (آل عمران: 103).

وجه الدلالة

الآية الكريمة تأمرنا بالتمسك بالوحدة وتنهى عن التفرق والاختلاف والعداوة ومحاربة بعضنا بعضا.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ تَمَسَّكُوا بِدِينِ اللَّهِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هُوَ الْجَمَاعَةُ، وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّهَا حَبْلُ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَإِنَّ مَا تَكْرَهُونَ فِي الْجَمَاعَةِ وَالطَّاعَةِ خَيْرٌ مِمَّا تُحِبُّونَ فِي الْفُرْقَةِ([5]). ويقول الإمام الطبري رحمه الله: «وَتَمَسَّكُوا بِدِينِ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ، وَعَهْدِهِ الَّذِي عَهِدَهُ إِلَيْكُمْ فِي كِتَابِهِ إِلَيْكُمْ مِنَ الْأُلْفَةِ وَالِاجْتِمَاعِ عَلَى كَلِمَةِ الْحَقِّ وَالتَّسْلِيمِ لِأَمْرِ اللَّهِ»([6]). ويضيف السيد محمد حسين فضل الله رحمه الله: «في هذه الآية يُتابع القرآن تأكيد الأساس الذي تنطلق منه الوحدة في أسلوب إيحائي يربط الهدف بالقاعدة، في مسار لا يترك مجالاً للانحراف أو الضلال… ثُمَّ في توجيه المجتمع المؤمن إلى أن يدخل في عملية مقارنةٍ بين الماضي والحاضر، فقد كان الماضي يحمل في داخله الحقد والعداوة والبغضاء، بينما يتحرّك الحاضر على أساس المحبة والإلفة والأخوّة… وكان ذلك الواقع المظلم خاضعاً لممارسات تقف به على مشارف النَّار، فأنقذه اللّه منها برحمته في ما أنزله من وحي، وما أطلقه من مفاهيم، وما وجّهه من تعاليم.

وقد ورد أنَّ «حبل الله» كناية عن كتاب اللّه الذي هو حبل ممدود من السَّماء إلى الأرض، ما يجعل من الدعوة إلى الاستمساك به انطلاقة للاعتصام بالإسلام كأساس للوحدة بعيداً عن كلّ الجهات الأخرى من عائلية وإقليمية وقومية. وفي ضوء ذلك، نعرف أنَّ وحدة المجتمع في الإسلام ليست مطلباً فارغاً من المضمون، كما يفعله المندفعون مع الشعارات التي تلتقي مع أيّ مضمون، لأنَّ القضية تتّخذ لنفسها صفة الإطار الذي يعيش مع أيّة صورة، أمّا الإسلام فهو الإطار والصورة معاً، فلا مجال معه لأي طرح آخر خارج حدود إطاره الطبيعي…([7]).

مما سبق: يطلب الله تعالى من المؤمنين الحرصُ على الاجتماع والحَذَر من التَّفرُّق؛ فمِن أكبر نِعَم الله على الأُمَّة أنْ يؤلِّف بين قلوبِها بالاجتماعِ وعدم الفُرْقة؛ فاجتماعُ الأُمَّة الإسلاميَّة عِصمةٌ لها، وفي التَّفرُّقِ زوالُ الوَحْدة التي هي مَعقِدُ العزَّة والقوَّة([8]).

الدليل الثاني

قال تعالى ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ﴾ (آل عمران: 105).

وجه الدلالة

في هذه الآية ينهى القرآن عن السير في خطّ التفرّق والاختلاف الذي يؤدّي إلى انهيار المجتمعات وابتعادها عن خطّ الاستقامة، من خلال ما يُحدثه من التمزّق الأخلاقي والسقوط الاجتماعي، الذي يفقد فيه المجتمع توازنه الفكري والعملي، فيسيطر عليه المترفون الذين يعملون على إضلال النَّاس وإسقاط قيمهم الروحيّة والأخلاقيّة والسياسيّة والاقتصاديّة لمصلحة امتيازاتهم الظالمة، أو يتولى أمره المستكبرون والكافرون الظالمون فيبتعدون به عن خطّه المستقيم وإيمانه القويـم: [ولا تكونوا كالذين تفرَّقوا واختلفوا] فلم يلتقوا على قاعدةٍ فكريةٍ واحدة على مستوى العقيدة والمفاهيم العامّة والتصوّر الشامل الدقيق للأشياء، بل أخذ كلّ واحد منهم بشيء من الأفكار المختلفة التي يُناقض بعضها بعضاً، ما يؤدّي إلى التنافر والتنازع والضلال، [من بعد ما جاءهم البيِّنات] فاختاروا الكفر على الإيمان بعد قيام الحجّة عليهم من اللّه سبحانه بالدلائل الواضحة والبيِّنات القويـة، [وأولئك لهم عذابٌ عظيمٌ] جزاء تمرّدهم على اللّه وانحرافهم عن خطِّه المستقيم([9]). فإذا التزمت الأمة جميعاً على العمل بدين الله ائتلفت واتفقت([10]) وعليه فالله يحذر ويَنْهَى هَذِهِ الْأُمَّةَ أَنْ تَكُونَ كَالْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ فِي تَفَرُّقِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ، وَتَرْكِهِمُ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ مَعَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ([11]).

الدليل الثالث

قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾ (الأنعام: 153).

وجه الدلالة

الله سبحانه يأمرنا باتباع النهج الرسالي والوحدة وينهانا عن التفرق فجاء التأكيد في هذه الآية على اتباع الصراط المستقيم، والابتعاد عن الطرق المنحرفة التي تبعد الإنسان عن سبيل الله([12]). يقول الشيخ الشعراوي في تفسيره: «والذين فرقوا دينهم نسوا أن الدين إنما جاء ليجمع لا ليفرق، والدين جاء ليوحد مصدر الأمر والنهي في الأفعال الأساسية فلا يحدث بيننا وبين بعضنا أي خلاف، بل الخلاف يكون في المباحات فقط؛ إن فعلتها فأهلاً وسهلاً، وإن لم تفعلها فأهلاً وسهلاً، ومالم يرد فيه افعل ولا تفعل؛ فهو مباح.

إذن الذين يفرقون في الدين إنما يناقضون منهج السماء الذي جاء ليجمع الناس على شيء واحد؛ لتتساند حركات الحياة في الناس ولا تتعاند، وإذا كان لك هوى، وهذا له هوى، وذلك له هوى فسوف تتعاند الطاقات، والمطلوب والمفروض أن الطاقات تتساند وتتعاضد»([13]). فهي لا تحوي مضمونا معيناً لفعل خاص من أفعال الإنسان، بل هي تشمل كل حياته، إنها دعوة لتحديد الطريق التي يسلكها على أساس الهدف الذي يستهدفه، فإذا كان الله، هو هدف وجوده، في ما يريد أن يبلغه من رضوانه، ويصل إليه من جنته، فإن هناك طريقا واحدا يصل به إلى هذا الهدف، لا يوجد غيره، ولا سبيل سواه، وهو الطريق المستقيم، الذي يبدأ من الإيمان بالله وينتهي بنيل رضاه.

أمّا إذا كان الهدف هو الشيطان، فهناك أكثر من طريق للأهواء والشهوات والأطماع، وهناك آلاف السبل الصغيرة والكبيرة، للشياطين الصغار والكبار، ولكنها سبل ملتوية ومتعرّجة تغرق الإنسان في متاهات الضياع([14]) فهذه الوصية جامعة لكل الشرع فيقول: ﴿هذا صراطي مستقيما فاتبعوه﴾، وصراط الله تعالى هو دينه الذي أرسل به رسله، ودين محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو آخر الأديان، فيجب على كل أحد من الناس أن يتبع هذا الدين وأن لا يتبع السبل فتفرق به عن سبيل الله ويضل ويهلك وقد حذر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التفرق واتباع السبل([15]).

الدليل الرابع

قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ﴾ (الأنعام: 159).

وجه الدلالة

الآية الكريمة تبين أن الذين يتبعون الأهواء ويختلفون ليفرقوا بين المسلمين، فهم بعيدون عن منهجك يا محمد، ولا يصح أن ينسبوا إلى دينك؛ لأن الإسلام جاء لإثبات القيم للوجود مثل الماء لإثبات حياة الوجود. ونعرف أن الماء لا يأخذ لوناً ولا طعماً ولا رائحة، فإن أخذ لوناً أو طعماً أو رائحة فهو يفقد قيمته كماء صاف. وكذلك الإسلام إن أخذ لوناً، وصار المسلمون طوائف؛ فهذا أمر يضر الدين، وعلينا أن نعلم أن الإسلام لون واحد([16]).

إذن الفكرة العامة للآية، هي التنديد بإثارة الخلاف والتفرقة في الدين الواحد، انطلاقا من المطامع والأهواء والشهوات، لأن النبيّ بريء من كل الناس الذين يتحركون في حياتهم انطلاقا من هذه الخلفيّات الذاتية التي يحاول أصحابها أن يستخدموا القضايا العامة في سبيل تحقيق المصالح الخاصة، بقطع النظر عن طبيعة هذه أو تلك. وربما كان المراد هو الإيحاء بأنّ هؤلاء ليسوا أصحاب دين ليلتقي معهم النبي في ما يمكن أن يتحقق فيه اللقاء من الدين الذي ينتمون إليه، لأنهم لو كانوا يؤمنون بدينهم، أو يحترمونه، لما عملوا على تحقيق الفرقة في داخله وإضعاف قوته المنطلقة من خط الوحدة الذي يحكمه، في عقيدته وشريعته.

وفي ضوء ذلك، يمكن أن نستوحي منها الفكرة الشاملة للمسلمين الذين يعملون لإخضاع الإسلام لمصالحهم وأغراضهم، وزرع الفتنة والخلاف في داخل تجمعاته، في محاولة كل طرف أن ينسب منهجه وطريقته إلى رسول الله، فيكون التأكيد موجها إلى أمثال هؤلاء([17]).

الدليل الخامس

قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (الأنفال: 46).

وجه الدلالة

فالله تعالى يأمر بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهي دعوة للوحدة، وذكر سبحانه وتعالى بعد الأمر بطاعته ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ـ النهي عن التنازع، والنهي عن التنازع يكون أولا بالنهي عن الخلاف، فإن الخلاف يؤدي إلى النزاع، والنزاع يؤدي إلى التنابذ والتدابر، وأن يكون كل فريق جمعا منفصلًا عن الآخر، ويكون بأْسُهم بينهم شديدًا، وإن الأثر الواضح للتنازع هو الفشل؛ ولذا قال تعالى: (فَتَفْشَلُوا) الفاء للسببية تدل على أن ما بعدها سبب لما قبلها، أي أنه بسبب ذلك التنازع يكون الفشل، والفشل هو العجز، بحيث كان النزاع كان العجز عن عمل جماعي؛ لأن العمل الجماعي يجب أن تتضافر فيه القوى، ويكون كل جزء من الجماعة متعاونا مع الجزء الآخر، فتتحد القوى، وتتلاقى نحو هدف معين يجمعها، وإنه وراء الفشل ذهاب القوة، ويطمع فيهم الطامعون… حذرهم الله تعالى من ثلاثة أمور أولها: مخالفة الله ورسوله بالعمل بغير أمر الله ونهيه، والثاني: من مخالفة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ القائد، ومخالفة كل قائد رشيد، والأمر الثالث: من التنازع، فإن الاختلاف مضيعة الجيوش، ومهلكة الأمم([18]) فالتنازع والنزاع يتحرك من ذاتية الفكر التي تنزع للاصطدام بفكر مماثل، وعندها تتلاعب الأهواء بالقضايا، فلا يبقى هناك مجال للّقاء على أرض مشتركة، وتكون النتيجة أن يتنازع كل الفرقاء القضية، فيحاول بعضهم أن ينحرف بها في اتجاه اليمين، في حين يحاول الآخرون أن ينحرفوا بها في اتجاه الشمال؛ ما يفقدها قوتها ومسارها الطبيعي، فتفقد ـ من خلال ذلك ـ شروط النجاح وعناصره، وتقف ـ في النهاية ـ عند حدود الفشل، وتذهب الريح القوية العاصفة التي تضرب قوى الأعداء في الفضاء، لأنها تتوزع هنا وهناك، فلا يبقى منها شيء إلا ما يشبه الهواء الخفيف الكسول الذي لا يمثل أية قوة في حركة العواصف… أمّا إذا التقت الأفكار عند فكر الرسالة، وتجمّعت الرياح عند حركة العاصفة، وتزاحمت الأقدام في الطريق الواحد نحو الهدف الواحد على أساس طاعة الله ورسوله، فهناك القوة كل القوة في ساحة الصراع([19]). ويقول الطباطبائي رحمه الله: «أي ولا تختلفوا بالنزاع فيما بينكم حتى يورث ذلكم ضعف إرادتكم وذهاب عزتكم ودولتكم أو غلبتكم فان اختلاف الآراء يخل بالوحدة ويوهن القوة»([20]).

الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والوحدة

الرسول صلى الله عليه وآله مبلغ عن الله سبحانه وتعالى، ومبين للقرآن العظيم، ولذا لا تناقض بين القرآن الكريم والسنة الشريفة؛ لأن السنة الشريفة مبينة وموضحة للقرآن الكريم، والقرآن الكريم أمر باتباع الرسول صلى الله عليه وآله وطاعته، وأن طاعة الرسول صلى الله عليه وآله طاعة لله سبحانه؛ لأنه صلى الله عليه وآله لا يبلغ إلا ما أمره به قال العلي العظيم: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ (المائدة: 92).

فطاعة الله وطاعة رسوله واحدة، فمن أطاع الله، فقد أطاع الرسول، ومن أطاع الرسول فقد أطاع الله. وذلك شامل للقيام بما أمر الله به ورسوله من الأعمال، والأقوال الظاهرة والباطنة، الواجبة والمستحبة، المتعلقة بحقوق الله وحقوق خلقه والانتهاء عما نهى الله ورسوله عنه كذلك([21]) فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمر بالوحدة وحذر ونهى من الفرقة والاختلاف والتشتت.

الدليل الأول

عن جابر بن عبد اللَّه قال: «كنَّا عند النبي ـ صلى اللَّه عليه وآله وسلم ـ فخطَّ خطًّا، وخطَّ خطَّين عن يمينه وخطَّ خطَّين عن يساره، ثمَّ وضع يده في الخط الأوسط فقال: «هذا سبيل اللَّه»، ثم تلا هذه الآية: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾»([22]).

وجه الدلالة

فالرسول صلى الله عليه وآله يبين أن طريق الحقّ واحدة وطريق الشيطان متعددة فطَريقُ اللهِ طَريقٌ مُسْتقيمٌ واضِحٌ لا اعْوِجاجَ فيه، وقد بيَّن الحَقُّ سُبحانَه مَعالِمَ الطَّريقِ للناسِ، وأوْضَحَ تَفاصيلَهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم، وحذَّر الناسَ من سُبُلِ الشَّياطينِ وطرقه، وفي هذا الحديثِ جانِبٌ من جَوانِبِ التَّعْليمِ النَّبويِّ، وأُسلوبٌ من أَساليبِه الفَريدةِ باسْتِخْدامِ الرَّمْزِ والرَّسْمِ التَّوضيحيِّ؛ لتَوْصيلِ المعاني إلى الأفْهامِ([23]).

الدليل الثاني

عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ، وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المَدِينَةُ حَرَمٌ، مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا، مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ، وَقَالَ: ذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ، وَلاَ عَدْلٌ، وَمَنْ تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ، وَلاَ عَدْلٌ « قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: « عَدْلٌ: فِدَاءٌ «([24]).

وجه الدلالة

إن ذمة المسلمين وعهدهم واحد وفيه تهديد لمن يخفر أي مسلم وفيه دلالة على وحدتهم ف (ذِمَّةُ المسلمينَ)، أي: عَهدُهم وأَمانُهم (واحدةٌ)، أي: إنَّها كالشَّيءِ الواحدِ لا يَختلفُ باختِلافِ المَراتبِ ولا يَجوزُ نَقضُها لتَفرُّدِ العاقدِ بِها وكأنَّ الَّذي يَنقُضُ ذمَّةَ نَفسِه وهيَ ما يُذمُّ الرَّجلُ عَلى إِضاعتِه مِن عهدٍ وأمانٍ كأنَّهم كالجَسدِ الواحدِ الَّذي إِذا اشتَكَى بعضُه اشتَكى كلُّه، (يَسعى بِها)، أي: يَتولَّاها ويَلي أَمرَها، (أَدناهُم)، أي: أَدنى المسلمينَ مَرتبةً.

والمعنى: أنَّ ذمَّةَ المُسلمينَ واحدةٌ، سواءٌ صَدرتْ مِن واحدٍ أو أكثرَ شَريفٍ أو وَضيعٍ، (فَمن أَخفَرَ مُسلمًا)، أي: مَن نَقَضَ أَمانَ مُسلمٍ فتَعرَّضَ لكافرٍ أَمَّنه مُسلمٌ فعَليه لعنةُ اللهِ والمَلائكةِ والنَّاسِ أَجمعينَ، لا يُقبلُ مِنه يومَ القيامةِ صرفٌ ولا عدلٌ([25]).

الدليل الثالث

عَنْ أَنَسٍ نَفْسِهِ وَلَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ, بَلْ قَدْ رَفَعَهُ النَّسَائِيُّ كَمَا سَيَأْتِي: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَصَلَّى صَلَاتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَهُوَ الْمُسْلِمُ, لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِ وَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ»([26]).

وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا, فَذَلِكُمُ الْمُسْلِمُ»([27]).

وجه الدلالة

الحديث الشريف بين ووضح ما يحرّم دم العبد وماله ولا يجوز لمن تمسك بهذه الصفات أن نقصيه ونتهمه ونحل دمه، ووجه الدلالة أن من يمتلك هذه الصفات فهو المسلم الذي يحرم دمه وماله([28]).

الدليل الرابع

عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَطَعَ يَدِي، ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ، فَقَالَ: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ أَأَقْتُلُهُ؟ قَالَ: « لَا» قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ قَطَعَ يَدِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقْتُلْهُ فَإِنَّكَ إِنْ قَتَلْتَهُ كَانَ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَكُنْتَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ: كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ»([29]).

وجه الدلالة

فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم بين وصحح للصحابي المقداد بن الأسود رضي الله عنه فقال له: أنت معصوم الدم، وكذلك هو بمنزلتك معصوم الدم بعد أن قال: (لا إله إلا الله) فأنت معصوم الدم لأنك مسلم، وهذا ـ أيضاً ـ بعد أن قال: (لا إله إلا الله) صار معصوم الدم، فصار بمنزلتك. وقوله: [(وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال)].

يعني: أنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته، بمعنى أنك تستحق القتل، إلا أن قتله كان من أجل الكفر وأنت قتلك من أجل القصاص([30]). ويضيف المناوي: «إن معناه فإنه معصوم الدم، يحرم قتله، بعد قوله لا إله إلا الله، كما كنت أنت قبل أن تقتله، وإنك بعد ما قتلته غير معصوم الدم ولا محرم القتل كما كان هو قبل قوله لا إله إلا الله لولا عذرك بالتأويل المسقط للقصاص عنك، وقيل معناه أنك مثله في مخالفة الحق وارتكاب الإثم، وإن اختلفت أنواع المخالفة والإثم([31]).

وبمثله ما روي عن أسامةَ بن زيدٍ ـ رضي الله عنه ـ قال: بعَثَنا رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أُناسٍ من جُهَينةَ، فأتيتُ على رجلٍ منهم فذهبتُ أَطعنهُ فقالَ: لا إله إلا الله فطعنتُهُ فقتلتُه، فجئتُ إلى النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخبرْتُهُ فقالَ: «أقَتَلْتَه وقد شهِدَ أنْ لا إلهَ إلا الله؟ « قلتُ: يا رسولَ الله! إنَّما فعلَ ذلكَ تعوُّذاً، قال: «فهلاَّ شَقَقْتَ عن قلبهِ»([32]).

فأسامةَ ادَّعى أمراً يجوز معه القتل، والنبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ نفاه لانتفاء سببه؛ لأن الاطلاعَ عليه إنما يمكن للباحث عن القلوب، ولا سبيلَ إليه للبشر، وهذا يدل على أن الحكمَ بالظاهر، وأما السرائرُ فتُوكَلُ الله تعالى([33]). من الحديثين الشريفين ترى حرص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على تصحيح الفكر والمفاهيم وتوحيدها والبعد عن الفرقة وتشتيت الأمة، فلا يصح العبث والفساد في أمة واحدة في الفكر والرسالة.

آل البيت عليهم السلام أهل الولاية والقيادة

آل البيت عليهم السلام هم قادة المسلمين وساداتهم ولا يقاس بهم أحد، فقد َكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِذَا سُئِلَ عَنْ عَلِيٍّ [وَأَهْلِ بَيْتِهِ]. قَالَ: أَهْلُ بَيْتٍ لا يُقَاسُ بِهِمْ أَحَدٌ([34]).

1ـ قال تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾

وجه الدلالة

فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم رائد الوحدة منذ فجر الرسالة اهتم بالوحدة واسس لها القواعد، ففي حديث الدار بيّن ووضّح من يبين ويوضح ويكو المرجع الرسالي للأمة. فلم يغبْ عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وجود القيادة التي تخلفه منذ بداية الدعوة.

فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هذه الآية على رسول الله(ص): ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾، دعاني رسول الله(ص) فَقَالَ لِي: يَا عَلِيُّ، إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُنْذِرَ عَشِيرَتِي الأَقْرَبِينَ، فَضِقْتُ بِذَلِكَ ذَرْعًا، وَعَرَفْتُ أَنِّي مَتَى أُبَادِيهِمْ بِهَذَا الأَمْرِ أَرَى مِنْهُمْ مَا أَكْرَهُ، فَصَمَتُّ عليه حتى جاءني جبرئيل فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ إِلا تَفْعَلْ مَا تُؤْمَرُ بِهِ يُعَذِّبْكَ رَبُّكَ، فَاصْنَعْ لَنَا صَاعًا من طعام، واجعل عليه رحل شَاةٍ، وَامْلأْ لَنَا عُسًّا مِنْ لَبَنٍ، ثُمَّ اجْمَعْ لِي بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَتَّى أُكَلِّمَهُمْ، وَأُبَلِّغَهُمْ مَا أُمِرْتُ بِهِ، فَفَعَلْتُ مَا أَمَرَنِي بِهِ ثُمَّ دَعَوْتُهُمْ لَهُ، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُونَ رَجُلا، يَزِيدُونَ رَجُلا أَوْ يَنْقُصُونَهُ، فِيهِمْ أَعْمَامُهُ: أَبُو طَالِبٍ وَحَمْزَةُ وَالْعَبَّاسُ وَأَبُو لَهَبٍ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ دَعَانِي بِالطَّعَامِ الَّذِي صَنَعْتُ لَهُمْ، فَجِئْتُ بِهِ، فَلَمَّا وَضَعْتُهُ تَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ(ص) حِذْيَةً مِنَ اللَّحْمِ، فَشَقَّهَا بِأَسْنَانِهِ، ثُمَّ أَلْقَاهَا فِي نَوَاحِي الصَّحْفَةِ ثُمَّ قَالَ: خُذُوا بِسْمِ اللَّهِ، فَأَكَلَ الْقَوْمُ حَتَّى مَا لَهُمْ بِشَيْءٍ حَاجَةٌ وَمَا أَرَى إِلا مَوْضِعَ أَيْدِيهِمْ، وَايْمُ اللَّهِ الَّذِي نَفْسُ عَلِيٍّ بِيَدِهِ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ لَيَأْكُلُ مَا قَدَّمْتُ لِجَمِيعِهِمْ ثُمَّ قَالَ: اسْقِ الْقَوْمَ، فَجِئْتُهُمْ بِذَلِكَ الْعُسِّ، فَشَرِبُوا مِنْهُ حَتَّى رُوُوا مِنْهُ جَمِيعًا، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ لَيَشْرَبُ مثله، فلما اراد رسول الله(ص) أَنْ يُكَلِّمَهُمْ بَدَرَهُ أَبُو لَهَبٍ إِلَى الْكَلامِ، فقال: لهدّما سَحَرَكُمْ صَاحِبُكُمْ! فَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ وَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ رَسُولُ الله ص، فَقَالَ: الْغَدَ يَا عَلِيُّ، إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ سَبَقَنِي إِلَى مَا قَدْ سَمِعْتَ مِنَ الْقَوْلِ، فَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ قَبْلَ أَنْ أُكَلِّمَهُمْ، فَعُدَّ لَنَا مِنَ الطَّعَامِ بِمِثْلِ مَا صَنَعْتَ، ثُمَّ اجْمَعْهُمْ إِلَيَّ.

قَالَ: فَفَعَلْتُ، ثُمَّ جَمَعْتُهُمْ ثُمَّ دَعَانِي بِالطَّعَامِ فَقَرَّبْتُهُ لَهُمْ، فَفَعَلَ كَمَا فَعَلَ بِالأَمْسِ، فَأَكَلُوا حَتَّى مَا لَهُمْ بِشَيْءٍ حَاجَةٌ ثُمَّ قَالَ: اسْقِهِمْ، فَجِئْتُهُمْ بِذَلِكَ الْعُسِّ، فَشَرِبُوا حَتَّى رُوُوا مِنْهُ جَمِيعًا، ثُمَّ تَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ص، فَقَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ شَابًّا فِي الْعَرَبِ جَاءَ قَوْمَهُ بِأَفْضَلَ مِمَّا قَدْ جِئْتُكُمْ بِهِ، إِنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَقَدْ أَمَرَنِي اللَّهُ تَعَالَى أَنْ أَدْعُوَكُمْ إِلَيْهِ، فَأَيُّكُمْ يُؤَازِرُنِي عَلَى هَذَا الأَمْرِ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَخِي وَوَصِيِّي وَخَلِيفَتِي فِيكُمْ؟ قَالَ: فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ عَنْهَا جَمِيعًا، وَقُلْتُ: وَإِنِّي لأَحْدَثُهُمْ سِنًّا، وَأَرْمَصُهُمْ عَيْنًا، وَأَعْظَمُهُمْ بَطْنًا، وَأَحْمَشُهُمْ سَاقًا، أَنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَكُونُ وَزِيرَكَ عَلَيْهِ فَأَخَذَ بِرَقَبَتِي، ثُمَّ قَالَ: ان هذا أخي ووصى وَخَلِيفَتِي فِيكُمْ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا] قَالَ: فَقَامَ الْقَوْمُ يَضْحَكُونَ، وَيَقُولُونَ لأَبِي طَالِبٍ: قَدْ أَمَرَكَ أَنْ تَسْمَعَ لابْنِكَ وَتُطِيعَ([35]).

يقول الأستاذ أحمد حسين يعقوب رحمه الله تعالى: «التلازم بين المنظومة الحقوقية وبين المرجعية والقيادة أن الأساس الأول لتحقيق الوحدة الإسلامية هو وجود مرجعية وقيادة سياسية تبلغ الرسالة الإلهية، وتبينها بيانا يفهمه العامة والخاصة، بياناً قائماً على الجزم واليقين، لا على الفرض والتخمين بحيث، يكون بيان هذه المرجعية هو عين المقصود الإلهي، المحدد بالمنظومة الحقوقية الإلهية، بدون زيادة ولا نقصان، وهي تقوم بدور المرجعية والقيادة السياسية معا، بحيث تكون هي المرجع لجميع أفراد الأمة الإسلامية، وهيئاتها وجماعاتها في كل ما يتعلق ببيان أحكام العقيدة، أو المنظومة الحقوقية الإلهية، وهي بنفس الوقت مرجع الراغبين بدخول الدين والانضمام إلى الأمة الإسلامية وفوق ذلك، هي التي تسوس الأمة وفق قواعد وأحكام المنظومة الحقوقية الإلهية، وتقود مسيرة الأمة، وترشد حركتها السياسية بحيث تبقى دائما ضمن إطار الشرعية والمشروعية الإلهية، والمرجعية والقيادة السياسية متلازمة بالضرورة مع المنظومة، ومترابطة معها ترابطا عضويا، فالمرجعية والقيادة السياسية تنهل من المنظومة الحقوقية الإلهية»([36]). وقد صرح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن علياً عليه السلام هو الخليفة من بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهذا حديث الدار من أصح الآثار([37]).

فلا بد من وجود قيادة رسالية بعده صلى الله عليه وآله وسلم تكون مرجعا للمسلمين، تبين ما بينه صلى الله عليه وآله وسلم.

وفي اليوم ذاته الذي أمر الله فيه نبيه أن يعلن أنباء النبوة والرسالة والكتاب أمره بإعلان نبأ ولاية العهد والإمامة من بعد النبي فسارت أنباء النبوة والرسالة والكتاب، وولاية العهد، والإمامة من بعد النبي معا. ولكن أنباء النبوة والرسالة والكتاب طفت على نبأ ولاية العهد والإمامة من بعد النبي، واستهان المشركون بهذا النبأ ولم يحملوه على محمل الجد، إذ استبعدوا تماما أن ينجح محمد بنشر دينه وإقناع الناس به فضلا عن بناء ملك؟ لذلك اعتبروا نبأ ولاية العهد والإمامة من بعد النبي ضربا من الخيال المفرط من هو ولي عهد النبي وإمام الأمة من بعده؟

أعلن النبي أن ولي عهده وإمام الأمة وقائدها ومرجعها ووصيه أو إمامها من بعده هو علي بن أبي طالب أعلن ذلك في الساعة التي أعلن فيها رسميا نبأ النبوة والرسالة والكتاب، وأمام بني هاشم في الاجتماع الذي عقده لغايات هذه الإعلانات الكبرى. إذ أخذ النبي برقبة علي وقال أمام الجمع كله (إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا) وهذا الحديث صحيح وقد صححه أبو جعفر الإسكافي وابن جرير الطبري كما ذكر ذلك السيوطي([38])، ورجاله كلهم ثقات باستثناء أبو مريم (عبد الغفار بن قاسم) المتهم بموالاة أهل بيت النبوة، وحسب موازين السلطة التاريخية وأشياعها فإن من يوالي أهل البيت ليس بثقة، ومع هذا فقد اثني بن عقدة على أبي مريم وأطراه وبالغ بمدحه كما في لسان الميزان ج 4 ص 43 وقد أرسل أئمة الحديث هذا الحديث إرسال المسلمات([39]).

2ـ قال تعالى: ﴿النَّبِيُّ أوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِن أنْفُسِهِمْ﴾ (الأحزاب: 6).

وجه الدلالة

الآية الكريمة تحدد معنى ولاية الأمر، فمعنى الولاية: يقول الراغب في مفرداته» والوَلَايَةُ: تَوَلِّي الأمرِ، وقيل: الوِلَايَةُ والوَلَايَةُ نحو: الدِّلَالة والدَّلَالة، وحقيقته: تَوَلِّي الأمرِ([40]).

فعن أبي هريرة (رض)، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ما مِنْ مُؤْمِنٍ إلا وأنا أوْلَى النَّاسِ بِهِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، اقْرَأُوا إنْ شِئْتُمْ (النَّبِيُّ أوْلَى بالمُؤْمِنينَ مِنْ أنْفُسهِمْ)([41]).

وعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ، فَقَالَ: «أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟ مَنْ كُنْتُ وَلَيُّهُ فَإِنَّ عَلِيًّا وَلَيُّهُ»». رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ([42]). وروى النسائي قال: «أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ مَيْمُونٍ أَبِي عَبْدِ اللهِ قَالَ: زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ؟» قَالُوا: بَلَى، نَحْنُ نَشْهَدُ لَأَنْتَ أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ قَالَ: «فَإِنِّي مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ، فَهَذَا مَوْلَاهُ» أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ»([43]).

وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى غَدِيرِ خُمٍّ فَأَمَرَ بِدَوْحٍ، فَكُسِحَ فِي يَوْمٍ مَا أَتَى عَلَيْنَا يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ حَرًّا مِنْهُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ نَبِيٌّ قَطُّ إِلَّا مَا عَاشَ نِصْفَ مَا عَاشَ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ، وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»، ثُمَّ قَامَ فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ أَوْلَى بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، «أَلَسْتُ أَوْلَى بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ؟ » قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ»([44]).

3ـ حديث الأمان

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النُّجُومُ أَمَانٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ مِنَ الْغَرَقِ، وَأَهْلُ بَيْتِي أَمَانٌ لِأُمَّتِي مِنَ الِاخْتِلَافِ، فَإِذَا خَالَفَتْهَا قَبِيلَةٌ مِنَ الْعَرَبِ اخْتَلَفُوا فَصَارُوا حِزْبَ إِبْلِيسَ»([45]).

وقد روى أبو نعيم «إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَرْكُونُ، ثَنَا خُلَيْدُ بْنُ دَعْلَجٍ أَظُنُّهُ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال النُّجُومُ أَمَانٌ لأَهْلِ الأَرْضِ مِنَ الْغَرَقِ وَأَهْلُ بَيْتِي أَمَانٌ لأُمَّتِي مِنَ الاَخْتِلاَفِ فَإِذَا خَالَفَتْهَا قَبِيلَةٌ اخْتَلَفُوا فَصَارُوا حِزْبَ إِبْلِيسَ»([46]).

وجه الدلالة

أَشَارَ صلى الله عَلَيْهِ وآله وَسلم إِلَى وجود ذَلِك الْمَعْنى فِي أهل بَيته وَإِنَّهُم أَمَان لأهل الأَرْض كَمَا كَانَ هُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمَانًا لَهُم.. في قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ الله ليعذبهم وَأَنت فيهم﴾ (الأنفال: 33)([47]).

4ـ حديث الثقلين

عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ: كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ـ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ـ أَوْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ـ وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ»([48]).

وفي رواية «إِنِّي تاركٌ فيكم الثَّقَلَيْن مِنْ بعدى: كتابُ اللَّه وعترتِي أَهْلُ بيْتِي، وإِنَّهُمَا لَنْ يتفرّقا حتَّى يرِدَا عليَّ الحوضَ». وعن أبي سعيد الخدري عن النبيّ ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ قال: «إني أُوشِكُ أن أُدْعَى فأجيبَ، وإنّي تاركٌ فيكم الثَّقَلَين: كتابَ اللَّه وعِتْرتي. كِتابَ اللَّه حبلًا ممدودًا من السماء إلى الأرض، وعِتْرتي أهلَ بيتي. وإنّ اللطيفَ أخبرَني أنّهما لن يتفرّقا حتى يَرِدا عليَّ الحوض، فانظُروا بم تخْلُفوني فيهما»([49]).

مما سبق نكتفي بهذه النصوص فهناك «نصوص نبوية ومراسيم تشريعية ثبتت ولاية العهد والإمامة من بعد النبي عملا بمبدأ التدرج بتعميم وترسيخ وتثبيت الحكم الشرعي، ونظراً لأهمية ولاية عهد النبي والإمامة من بعده فقد أعلن رسول الله خلال مرحلتي الدعوة والدولة الإسلامية سلسلة من الإعلانات أو المراسيم التشريعية تثبيت وترسيخ ولاية العهد أو الإمامة من بعد النبي، فقال لولي عهده أمام ملأ المسلمين وعامتهم: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)([50])؛ وأعلنه ولياً للمسلمين فقال له: (أنت وليي في الدنيا والآخرة)([51])؛ وقال لولي عهده أمامهم: (أنت ولي كل مؤمن من بعدي)([52])؛ وقال للمسلمين: (إن لعلي أكثر من الجارية إنه وليكم من بعدي)([53])؛ وجعل ولايته طريقاً إلى الجنة ومسلكاً إلى الهدى، وحاجزاً عن الضلالة فقال للمسلمين: (من يريد أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي فليتول عليّاً بن أبي طالب فإنه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة)([54])؛ وأعلن أمام المسلمين قائلاً: (اللهم من آمن بي وصدقني فليتولَّ علي بن بي طالب، فإن ولايته ولايتي، وولايتي ولاية الله([55])؛ وتأكيداً لحقِّ علي عليه السلام بالولاية والإمامة من بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم نزل قوله تعالى: ﴿إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون﴾ (المائدة: 55) وسبب نزول هذه الآية أن عليّاً بن أبي طالب عليهما السلام تصدق بخاتمه وهو راكع، فرآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدعا ربه بالدعاء الذي دعا به موسى (واجعل لي وزيراً من أهلي… وما أتم رسول الله دعاءه حتى هبط جبريل ومعه آية الولاية)([56])([57]).

آل البيت عليهم السلام عنوان الوحدة

إنَّ الوحدة الإسلاميَّة بين المسلمين أن ينصهر جميعهم في بوتقة واحدة، وأن يتحول الكل إلى وحدة واحدة، لأن المسلمين جميعهم يعبدون ربّا واحدا ويتبعون رسولا واحدا هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ويتوجهون إلى قبلة واحدة، والقرآن الذي يتلونه واحد، وبيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم واحد وإن اختلفت معايير الصحة وعدمها، وكل ذلك هو أساس للوحدة الإسلامية لكن السياسة والبعد عن الإسلام الرسالي والعودة للجاهلية كانا من أهم الأسس التي آثارها الذين يركزون على الطائفية والنزعة الجاهلية البغيضة التي تحول المسلمين إلى طوائف متناحرة متفرقة، لا لحبهم ودفاعهم عن الإسلام الرسالي، وإنما لممارسة التسلط والتعصب الجاهلي، وتمجيد الأشخاص ومخالفة النصوص؛ لأن هذه المقولة دعاية أشيعت لأجل التفرقة ومحاربة الوحدة الإسلامية.

لقد حاول أئمة آل البيت عليهم السلام أن يوحّدوا الأمّة الإسلاميَّة مستنيرين بالقرآن الكريم وبالبيان النبوي الشريف على صاحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم على الرغم من الظلم والعدوان الذي حصل بحقهم وإبعادهم عن موقعهم القيادي الرسالي في قيادة الأمة إلى بر الأمان، فدعوهم إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يثوروا معهم لمحاربة الظلم والظالمين والفسوق والفاسقين والناكثين والمارقين، فصمتوا عن حقهم الشرعي لأجل الحفاظ على الإسلام من الاندثار، ويوحدوا صفوفهم أمام عدوهم الحقيقي، وهم أهل النفاق ودعاة الجاهلية الجهلاء. كما ينبغي للقاصي والداني أن يعرف أن أئمة آل البيت عليهم السلام لم يأتوا بدين وفكر غير فكر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين (عليهم السلام)، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحديث رسول الله قول الله عز وجل»([58]). ويبين الإمام الباقر (عليه السلام): لو أننا حدثنا برأينا ضللنا كما ضل من كان قبلنا، ولكنا حدثنا ببينة من ربنا بينها لنبيه (صلى الله عليه وآله) فبينها لنا([59]). وعن جابر قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «يا جابر لو كنا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنا من الهالكين، ولكنا نفتيهم بآثار من رسول الله صلى الله عليه وآله وأصول علم عندنا، نتوارثها كابراً عن كابر، نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم»([60]). وعن أبان بن تغلب وقد عاتبه أحدهم على ولائه للإمام الباقر عليه السلام فقال: «كيف تلومونني في روايتي عن رجل ما سألته عن شيء إلا قال: قال رسول الله»([61]). أليس هذا دليل على الوحدة المنهجية والفكرية لهم، وسوف أعرض نماذج تطبيقية من نصوص أئمة أهل البيت في الحفاظ على الوحدة الإسلامية.

نماذج تطبيقية في نهج آل البيت عليهم السلام

1ـ الإمام علي عليه السلام

فالإمام علي عليه السلام غني عن التعريف فهو باختصار الإمام الهمام علي بن أبي طالب الهاشمي عليه السلام ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، أبو الحسن. أول الناس إسلاما في قول كثير من أهل العلم. ولد قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح، فربّي في حجر النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وسلّم ولم يفارقه، وشهد معه المشاهد إلا غزوة تبوك، فقال له بسبب تأخيره له بالمدينة: «ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى».

وزوّجه بنته فاطمة عليها السلام، وكان اللواء بيده في أكثر المشاهد، ولما آخى النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وسلّم بين أصحابه قال له: أنت أخي. مناقبة كثيرة حتى قال الإمام أحمد: لم ينقل لأحد من الصحابة ما نقل لعلي عليه السلام. وقال غيره: وكان سبب ذلك بغض بني أمية له، فكان كلّ من كان عنده علم من شيء من مناقبه من الصحابة يثبته، وكلما أرادوا إخماده وهدّدوا من حدث بمناقبه لا يزداد إلا انتشاراً([62]).

دور الإمام علي عليه السلام في تجسيد الوحدة

كان الإمام علي عليه السلام عنوان الوحدة وأساسها بعد أخيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الذي فقأ عين الفتنة وسوف نتناول عدة نصوص على دوره في الوحدة منها.

1ـ لما توفي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِعَلِيٍّ: مَا بَالُ هَذَا الأَمْرِ فِي أَقَلِّ حَيٍّ مِنْ قُرَيْشٍ! وَاللَّهِ لَئِنْ شِئْتَ لأَمْلأَنَّهَا عَلَيْهِ خَيْلاً وَرِجَالاً! قَالَ: [فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا أَبَا سُفْيَانَ، طَالَمَا عَادَيْتَ الإِسْلامَ وَأَهْلَهُ فَلَمْ تَضُرَّهُ بِذَاكَ شَيْئًا! إِنَّا وَجَدْنَا أَبَا بَكْرٍ لَهَا أَهْلاً.

حدثني محمد بْن عثمان الثقفي، قَالَ: حَدَّثَنَا أمية بْن خالد، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: لما استخلف أبو بكر قال ابو سفيان: ما لنا ولأبي فصيل، إنما هي بنو عبد مناف! قَالَ: فقيل لَهُ: إنه قد ولى ابنك، قَالَ: وصلته رحم! حُدِّثْتُ عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَوَانَةُ، قَالَ: لَمَّا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ، أَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ، وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَرَى عَجَاجَةً لا يُطْفِئُهَا إِلا دَمٌ! يَا آلَ عَبْدِ مَنَافٍ فِيمَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ أُمُورِكُمْ! أَيْنَ الْمُسْتَضْعَفَانِ! أَيْنَ الأَذَلانِ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ! [وَقَالَ: أَبَا حَسَنٍ! ابْسُطْ يَدَكَ حَتَّى أُبَايِعَكَ.

فَأَبَى عَلِيٌّ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ يَتَمَثَّلُ بِشِعْرِ الْمُتَلَمِّسِ:

وَلَنْ يُقِيمَ عَلَى خَسْفٍ يُرَادُ بِهِ… إِلا الأَذَلانِ عِيرُ الْحَيِّ وَالْوَتَدُ

هَذَا عَلَى الْخَسْفِ مَعْكُوسٌ بِرُمَّتِهِ… وَذَا يُشَجُّ فَلا يَبْكِي لَهُ أَحَدُ

قَالَ: فَزَجَرَهُ عَلِيٌّ، وَقَالَ: إِنَّكَ وَاللَّهِ مَا أَرَدْتَ بِهَذَا إِلا الْفِتْنَةَ، وَإِنَّكَ وَاللَّهِ طَالَمَا بَغَيْتَ الإِسْلامَ شَرًّا! لا حَاجَةَ لَنَا فِي نَصِيحَتِكَ]([63]).

ففي هذا الدليل والنص الواضح أن الإمام علي عليه السلام رفض ما جاء به وقاله ابو سفيان، وكان رده واضحا جدا بتقديم مصلحة الإسلام على مصلحته، بينما نرى أن أبا سفيان ما كان همه إلا الفتنة، وأنه سكت وغير رأيه مجرد تولية ابنه. فلقد زجره الإمام (عليه السلام) لأنّ موقف أبي سفيان مخالف لأهداف الإمام (عليه السلام) الكبرى في الحفاظ على الكيان والوجود الإسلامي; لأنّ الهدف من الخلافة هو تقرير مبادئ الإسلام([64]).

يقول خالد محمد خالد: «لقد كانت بصيرة الإمام من النفاذ والصدق بحيث أبصرت أبعاد المصير إذا استقر السلطان في أيدي الأمويين فلقد يهون الأمر، لو بدأ النكوص بمعاوية، وانتهى به.. غير أن «الإمام» كان يرى ببصيرته الصادقة أن الانحراف إذا بدأ، فلن يؤذن بانتهاء.

وكان يرى أن الأمويين إذا أفلحوا في تثبيت ملكهم المنشود، فسيتحول التراث الجليل الذي تركه الرسول إلى ملك عضوض ودنيا جامحة.. ومن ثم صار دحض هذه المحاولة التعسة واجب المؤمنين كافة.

وهذه كلمات أبي سفيان التي يجتر بها نوايا أسرته وقومه، لا تدع مجالا للشك في أطماعهم وما يبتغون.

فهو يوصي أهله وذويه قائلا: «لقد صار الأمر إليكم فلا تدعوه يفلت، وتلقفوه كالكرة.. فإنما هو الملك ولا أدري ما جنة ولا نار»»([65]).

2ـ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا بُويِعَ افْتَخَرَتْ تَيْمُ بْنُ مُرَّةَ. قَالَ: وَكَانَ عَامَّةُ الْمُهَاجِرِينَ وَجُلُّ الأَنْصَارِ لا يَشُكُّونَ أَنَّ عَلِيًّا هُوَ صَاحِبُ الأَمْرِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، فَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَخُصُوصًا يَا بَنِي تَيْمٍ، إِنَّكُمْ، إِنَّمَا أَخَذْتُمُ الْخِلافَةَ بِالنُّبُوَّةِ. وَنَحْنُ أَهْلُهَا دُونَكُمْ، وَلَوْ طَلَبْنَا هَذَا الأَمْرَ الَّذِي نَحْنُ أَهْلُهُ لَكَانَتْ كَرَاهَةُ النَّاسِ لَنَا أَعْظَمَ مِنْ كَرَاهَتِهِمْ لِغَيْرِنَا، حَسَدًا مِنْهُمْ لَنَا وَحِقْدًا عَلَيْنَا، وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ عِنْدَ صَاحِبِنَا عَهْدًا هُوَ يَنْتَهِي إِلَيْهِ.

وَقَالَ بَعْضُ وَلَدِ أَبِي لَهَبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ شِعْرًا:

مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ الأَمْرَ مُنْصَرِفٌ… عَنْ هَاشِمٍ ثُمَّ مِنْهَا عَنْ أَبِي حَسَنِ

أَلَيْسَ أَوَّلَ مَنْ صَلَّى لِقِبْلَتِكُمْ… وَأَعْلَمَ النَّاسِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ

وَأَقْرَبَ النَّاسِ عَهْدًا بِالنَّبِيِّ وَمَنْ… جِبْرِيلُ عَوْنٌ لَهُ فِي الْغُسْلِ وَالْكَفَنِ

مَا فِيهِ مَا فِيهِمُ لا يَمْتَرُونَ بِهِ… وَلَيْسَ فِي الْقَوْمِ مَا فِيهِ مِنَ الْحَسَنِ

مَاذَا الَّذِي رَدَّهُمْ عَنْهُ فَتَعْلَمُهُ… هَا إِنَّ ذَا غَبْنُنَا مِنْ أَعْظَمَ الْغَبَنِ

قَالَ الزُّبَيْرُ: فَبَعَثَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ فَنَهَاهُ وَأَمَرَهُ أَلا يَعُودَ، وَقَالَ: «سَلامَةُ الدِّينِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ غَيْرِهِ»([66]).

فنرى أن الإمام عليه السلام رفض كل موقف وممارسة تدعو إلى التباغض والتشتت والعداء وذلك حفاظا على وحدة المسلمين.

3ـ عن الإمام علي عليه السلام: «إن الله لما قبض نبيه، استأثرت علينا قريش بالأمر، ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة، فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين، وسفك دمائهم. والناس حديثو عهد بالإسلام، والدين يمخض مخض الوطب، يفسده أدنى وهن، ويعكسه أقل خلف. فولى الامر قوم لم يألوا في أمرهم اجتهاداً، ثم انتقلوا إلى دار الجزاء، والله ولى تمحيص سيئاتهم، والعفو عن هفواتهم»([67]). فكان توحيد الصف أهم من حقّه بالخلافة، وقد راعى المصلحة الإسلامية الكبرى في هذا الموقف([68]). فالإمام عليه السلام بنظرته الرسالية يصبر رغم كل البيان والاعتراف بحقه إلا أنه يقدم وحدة المسلمين وصون دمائهم على الخلافة.

4ـ في فترة حصار عثمان بن عفان (رض) حضرت الصلاة فقالوا له: يا أبا الحسن! تقدم فصل بالناس، فقال: لا أصلي بكم والإمام محصور ولكن أصلي وحدي، فصلى وحده وانصرف إلى منزله([69]). فقد رفض الإمام (عليه السلام) الصلاة بالمسلمين ـ وإن وجد المبرّر لها ـ ليحافظ على وحدة الصفّ الإسلامي ووحدة الخلافة، وليحافظ على حرمة وقدسية منصب الخلافة، وللحيلولة دون حدوث تصدّع في الجبهة الداخلية، ودون حدوث خلل واضطراب في العلاقات بين الصحابة وبين المسلمين عموماً.

وهكذا كانت سيرته (عليه السلام) في تعامله مع الأشخاص ومع المواقف ومع الأحداث، حيث كان منقاداً للمصلحة الإسلامية العليا، ولوحدة الكيان الإسلامي; ولهذا تعاون وتآزر مع معاصريه من أجل تحقيق الأهداف الإسلامية الكبرى، ولم يثنه عن ذلك أيّ عارض أو عائق، فقد جعل الفواصل بينه وبين الخلفاء في حدودها الضيّقة، وتعامل معها كفواصل جزئية من أجل أن يتوجّه الجميع نحو الأفق الأوسع الذي يجمعهم تحت راية واحدة ومصلحة واحدة([70]) هذا هو أمير المؤمنين عليه السلام الذي كان منهجه وطريقه «والله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلا على خاصة التماساً لأجر ذلك وفضله»([71]).

فشتان بين النظرة الرسالية لباب مدينة العلم ونفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغيره، فهذا أبو سفيان الذي طلب من الامام علي عليه السلام بقوله: «أن وَاللَّهِ لَئِنْ شِئْتَ لأَمْلأَنَّهَا عَلَيْهِ خَيْلاً وَرِجَالاً» يمرّ بقبر (حمزة عم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم) فيستعيد ذكرى الأيام الماضية ويقول (يا أبا عمارة إن الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيوف قد صار إلى غلمان بني أمية)!

وهو حتى من قديم، لم يكن يرى في الإسلام إلا ملكا.. فيوم فتح مكة، وقد صحبة العباس عم النبي إلى الرسول ليسلم، وينجو بحياته، نظر إلى الكتائب اللجبة العارمة تحمل رايات الإسلام، فإذا به ينظر إلى العباس) ويقول: «لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً).. فيجيبه (العباس) رضي الله عنه: (يا أبا سفيان.. إنها النبوة، لا الملك).

أجل، هذا هو الفارق الكبير بين تفكير بني هاشم وتفكير بني أمية.. فبنو هاشم يرون الدين على حقيقته، نبوة وهدى، نورا… وبنو أمية يرونه من خلال أمانيهم وأطماعهم. ملكاً، وتسلطاً، وسيادة!([72])، لا بل لقد تم اقصاء آل البيت عليهم السلام، وإبعادهم عن حقهم فلم يكن في عمال أبي بكر وعمر رضى الله عنهما أحد من بنى هاشم، فهذا وشبهه هو الذى حدّ أنياب بني أمية وفتح أبوابهم، وأنزع كأسهم، وقتل أمراءهم، حتى لقد وقف أبو سفيان بن حرب على قبر حمزة رضي الله عنه فقال: رحمك الله أبا عمارة، لقد قاتلتنا على مرّ صار إلينا.

وروى أن الأمر لما أفضى إلى عثمان بن عفان رضى الله عنه أتى أبو سفيان قبر حمزة رضى الله عنه فوكزه برجله ثم قال: يا حمزة، إن الأمر الذى كنت تقاتلنا عليه بالأمس قد ملكناه اليوم وكنا أحق به منهم([73]).

ولما آلت الخلافة للإمام عليه السلام دخل عليه قوم فقالوا: يا أمير المؤمنين لو أعطيت هذه الأموال وفضّلت بها هؤلاء الأشراف ومن تخاف فراقه، حتى إذا استتب لك ما تريد عدت إلى أفضل ما عوّدك الله تعالى من العدل في الرعية والقسم بالسوية، فقال: تأمرونني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه من أهل الإسلام؟ والله لا أفعل ذلك ما سمر ابنا سمير، وما آب في السماء نجم، لو كان هذا المال لي لسوّيت بينهم، وكيف وإنما هي أموالهم؟([74]) أليس العدل عنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنهما أساس للوحدة، ورفع الظلم.

2ـ الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام

توطئة

 الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام لا يختلفان في التكليف الرسالي، والدليل أن الإمام الحسين عليه السلام لم يعارض أو يعترض على قرار الإمام الحسن عليه السلام فيما اتخذ خلال فترة إمامته، فهما أبناء نهج واحد، وما يتقرر في عهد كل إمام إنما هي الظروف والمعطيات، وعلى ضوء ذلك يتصرف كل إمام من الأئمة، فيكون القرار على ضوء ذلك. والحسن والحسين عليهما السلام هما إمامان وسيدا شباب أهل الجنة بالنّص فعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة»([75]). فيرى بعض الذين لا يرون التكليف الرسالي للإمامين عليهما السلام على أنه لو كان الإمام الحسين عليه السلام مكان الإمام الحسن عليه السلام لرفض الصلح وحارب معاوية، وهذا يؤيده ابن قتيبة فقد روى «أنه لما قتل علي بن أبي طالب، ثار الناس إلى الحسن بن علي بالبيعة، فلما بايعوه قال لهم: تبايعون لي على السمع والطاعة، وتحاربون من حاربت، وتسالمون من سالمت، فلما سمعوا ذلك ارتابوا وأمسكوا أيديهم وقبض هو يده، فأتوا الحسين، فقالوا له: ابسط يدك نبايعك على ما بايعنا عليه أباك، وعلى حرب المحلين الضالين أهل الشام، فقال الحسين: معاذ الله أن أبايعكم ما كان الحسن حيا. قال: فانصرفوا إلى الحسن عليه السلام»([76]).

1ـ تعريف بالإمام الحسن عليه السلام

الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ، الإمام السيد، رَيْحَانَةِ رَسُوْلِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَسِبْطُهُ، وَسَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ, أَبُو مُحَمَّدٍ القُرَشِيُّ الهَاشِمِيُّ المَدَنِيُّ، الشَّهِيْدُ.

مَوْلِدُهُ: فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلاَثٍ مِنَ الهِجْرَةِ, وَقِيْلَ: فِي نِصْفِ رَمَضَانِهَا، «وعقَّ عَنْهُ جَدُّهُ بِكَبشٍ»([77]). وَحَفِظَ عَنْ جَدِّهِ أَحَادِيْثَ، وَعَنْ أَبِيْهِ وَأُمِّهِ، وَكَانَ يُشْبِهُ جَدَّهُ رَسُوْلَ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ([78]). وإن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحبه، وأوصى بحبه عليه السلام فقد روى البخاري ومسلم رحمهما الله في فضله قال حَدَّثَنا: حَجَّاجُ بْنُ المِنْهَالِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَدِيٌّ، قَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَالحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ»([79]). وعن زِرّ، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذان ابناي فمن أحبَّهما فقد أحبَّني»([80])، يعني الحسن والحسين عليهما السلام. وَعَنْ زُهَيْرِ بْنِ الْأَقْمَرِ قَالَ: بَيْنَمَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ـ رضي الله عنهما ـ يَخْطُبُ بَعْدَمَا قُتِلَ عَلِيٌّ , إِذْ قَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَزْدِ , آدَمُ طُوَالٌ , فَقَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وَاضِعَهُ فِي حَبْوَتِهِ يَقُولُ: «مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّهُ فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ»، وَلَوْلَا عَزْمَةُ رَسُولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ مَا حَدَّثْتُكُمْ([81]). وعن أنس بن مالك قال: كان الحسن بن علي أشبههم وجهاً برسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن سعيد بن عبد العزيز: قال: أن الحسن بن علي سمع رجلاً يسأل ربَّه عز وجل أن يرزقه عشرة آلاف. فانصرف الحسن فبعث بها إليه. وعن محمد بن علي قال: قال الحسن: إني لأستحيي من ربي عز وجل أن ألقاه ولم أمش إلى بيته. فمشى عشرين مرّة من المدينة على رجليه. وعن علي بن زيد قال: حجَّ الحسن خمس عشرةَ حجّةً ماشياً وإن النجائبَ لَتُقاد بين يديه. وخرَّج من ماله لله مرّتين، وقاسم الله عز وجلّ مالَه ثلاث مرار حتى إن كان ليُعطي نعلاً ويُمسك نعلاً… توفي عليه السلام بعد أن سقي السمّ قال عليه السلام: لقد ألقيتُ طائفةً من كبدي وإني قد سقيت السمّ مراراً، فلم أُسقَ مثل هذه المرّة، ثم دخلت عليه من الغد وهو يجود بنفسه والحسين عند رأسه، قال: يا أخي من تتهم؟ قال: لِمَ؟ لتقتله؟ قال: نعم. قال: إن يكن الذي أظن فالله أشدّ بأساً وأشدّ تنكيلاً، وإلا يكن فما أُحِبُّ أن يُقتل بي بريء… مرض الحسن بن علي عليهما السلام أربعين يوماً، وتوّفي لخمس ليالٍ خلون من ربيع الأول سنة خمسين، وقيل: سنة تسع وأربعين ودفن بالبقيع. سلام ربي عليه([82]). الإمام الحسن عليه السلام: كان أعبد الناس في زمانه، وأزهدهم وأفضلهم، وكان إذا حج حج ماشيا، وربما مشى حافيا، وكان إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر بكى، وإذا ذكر البعث والنشور بكى، وإذا ذكر الممر على الصراط بكى، وإذا ذكر العرض على الله تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها. وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربه عز وجل، وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم، ويسأل الله تعالى الجنة، ويعوذ به من النار، وكان لا يقرأ من كتاب الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا) إلا قال: لبيك اللهم لبيك، ولم ير في شيء من أحواله إلا ذاكراً لله سبحانه، وكان أصدق الناس لهجة، وأفصحهم منطقاً([83]).

وفي نهاية التعريف بالإمام عليه السلام هناك شبهة نرد عليها من الشيخ محمد جواد مغنية رحمه تعالى فقال: «وروى الرواة أن الإمام الحسن كان كثير الزواج، وليس هذا بغريب، فقد عد أهل السير لجده المصطفى أكثر من عشرين امرأة، واستشهد أبوه أمير المؤمنين، وعنده 22، ولكن الغريب أن تحاك حول زواجه الروايات التي لا أساس لها ولا أصل. لا لشيء إلا للنيل من مقامه الشريف، من ذلك أنه كان إذا رأى جمعاً من النسوة يقول لهن: من منكن تأخذ ابن بنت رسول الله؟ فيجبنه بصوت واحد: كلنا مطلقات ابن بنت رسول الله.

وأي عاقل يصدق مثل هذا على الإمام الزكي الذي له عقل جده محمد المصطفى، وأبيه علي المرتضى؟! أي عاقل يصدق أن الإمام الحسن كان يقف على قارعة الطريق، وينادي معلناً عن نفسه ورغبته في الزواج والنكاح؟ وأغرب من كل ذلك جواب النسوة كلنا مطلقات ابن بنت رسول الله. متى تزوج بهذه الكثرة الكثيرة؟! ومتى طلقهن؟! وكيف اجتمع مطلقاته كلهن في مجلس واحد؟! وكيف خفين عليه، ولم يعرف حتى ولا واحدة منهن، وبالأمس كن في بيته وعلى فراشه؟! حقّاً إن واضع هذه الأكذوبة قد بلغ الغاية من الجهل والرعونة، وأجهل منه من يصدق أمثال هذه الأكاذيب»([84]).

الإمام الحسن عليه السلام والوحدة

لقد سار الإمام الحسن كما جده وأبيه روحي لهم الفداء على نهج الوحدة ونشر الفكر الرسالي الصافي، وعليه فأهداف الإمام الحسن عليه السلام من خلافته هو المضي على طريق وحدة المسلمين، فوجدناه عليه السلام على بصيرة من ربه، قائداً ربانياً رسالياً فذّاً، تربى في مدرسة الرسالة وبيت الوحي‘ كان يرى أن الأمة آخذة في الانهيار بين يدي أبيه عليهما السلام وقد ظهرت بوادر استسلامها لموجة بني أمية! لكنه أراد أن يستغل مدة خلافته القصيرة، وبالأحرى ما تبقي لخلافة أبيه عليهما السلام، لتحقيق هدفين:

الأوّل: تركيز مشروع أبيه لإعادة العهد النبوي بكل ما يمكنه من قول وفعل.

والثاني: تقليل خسائر الانهيار وخسائر الصلح المفروض عليه إلى أقل حد ممكن، وضمان ما يمكن ضمانه من مصلحة الإسلام والأمة، مع علمه أن معاوية لا يفي لأحد بعهد ولا ذمة! فقد أنزل الله فيه وفي أسلافه: ﴿لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون﴾ (التوبة: 10)([85]).

الإمام الحسن عليه السلام والصلح

لقد كان الإمام الحسن عليه السلام شخصية رسالية عظيمة عكست التقوى وتقديم المصلحة العامة والزهد في الدنيا وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الذاتية الفردية، ولأنّ معاوية كان مستعدّاً لأن يُقدّم أي نوع من الامتيازات والتنازلات للدخول في السلم وتسلم السلطة، لدرجة أنّه أرسل صحيفة بيضاء مختومة إلى الإمام كتب فيها: أن اشترط في هذه الصحيفة ما شئت فهي لك([86]). روى البخاري وغيره من حديث أبي بكرة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه، وهو يُقبل على الناس مرّة وعليه أخرى، ويقول: «إن ابني هذا سيّد ولعل الله عز وجل أن يُصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين»([87]). كما أن الصلح جائز بين المسلمين وغيرهم، فمن باب أولى أن يكون بين أهل الإسلام.

بويع الإمام الحسن عليه السلام بيعة عامة، وبايعه الأمراء وكل الناس الذين كانوا مع والده الإمام علي عليه السلام، وباشر الإمام عليه السلام سلطته كخليفة، فرتب العمال وأمّر الأمراء وجند الجند وفرق العطايا، وزاد المقاتلة في العطاء مائة مائة، واكتسب بذلك رضاهم، وكان بوسعه أن يخوض حربا مع معاوية، وكانت شخصيته الفذة من الناحية السياسية والعسكرية والأخلاقية والدينية، كما كان معه قادة من قادة المسلمين المخلصين والشجعان كأمثال قيس بن سعد بن عبادة، وحاتم بن عدي الطائي وغيرهم رضي الله عنهم، وغيرهم من قادة المسلمين الذين لهم من القدرات القيادية الشيء الكثير، إلا أنه عليه السلام مال إلى السلم والصلح لحقن الدماء، وتوحيد الأمة([88]).

فقد روى المرتضى وصاحب الفصول المهمة من الإمامية: أنه لما انبرم الصلح بين الإمام الحسن عليه السلام وبين معاوية خطب فقال: إن معاوية نازعني حقا لي دونه، فنظرت الصلاح للأمة وقطع الفتنة، وقد كنتم بايعتموني على أن تسالموا من سالمني، وتحاربوا من حاربني، ورأيت أن حقن دماء المسلمين خير من سفكها، ولم أرد بذلك إلا صلاحكم([89]). فهذا هو الهدف من الصلح، وهذا هو ما أراده عليه السلام من إبرام الصلح. فقد أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِهِ وَمِنْ طَرِيقِ غَيْرِهِ بِسَنَدِهِمَا إِلَى الشَّعْبِيِّ قَالَ لَمَّا صَالَحَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ قُمْ فَتَكَلَّمْ فَقَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ أَكْيَسَ الْكَيْسِ التُّقَى وَإِنَّ أَعْجَزَ الْعَجْزِ الْفُجُورُ أَلَا وَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي اخْتَلَفْتُ فِيهِ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ حَقٌّ لِامْرِئٍ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنِّي أَوْ حَقٌّ لِي تَرَكْتُهُ لِإِرَادَةِ إِصْلَاحِ الْمُسْلِمِينَ وَحَقْنِ دِمَائِهِمْ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَنَزَلَ([90]). فالإمام عليه السلام أوضح هدفه الرسالي إرَادَةِ إِصْلَاحِ الْمُسْلِمِينَ وَحَقْنِ دِمَائِهِمْ. كما أن علة مصالحة الإمام الحسن عليه السلام لمعاوية علة مصالحة رسول الله صلى الله عليه وآله لبني ضمرة وبني أشجع ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية([91])، فقد روى الطبري رحمه الله في تاريخه «بَايَعَ أَهْلُ الْعِرَاقِ الْحَسَن بْنَ عَلِيٍّ بِالْخِلافَةِ، فَطَفِقَ يَشْتَرِطُ عَلَيْهِمُ الْحَسَنُ: إِنَّكُمْ سَامِعُونَ مُطِيعُونَ، تُسَالِمُونَ مَنْ سَالَمْتُ، وَتُحَارِبُونَ مَنْ حَارَبْتُ، فَارْتَابَ أَهْلُ الْعِرَاقِ فِي أَمْرِهِمْ حِينَ اشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ هَذَا الشَّرْطَ، وَقَالُوا: مَا هَذَا لَكُمْ بِصَاحِبٍ، وَمَا يُرِيدُ هَذَا الْقِتَالَ، فَلَمْ يَلْبَثِ الْحَسَنُ عليه السلام بَعْدَ مَا بَايَعُوهُ إِلا قَلِيلا حَتَّى طُعِنَ طَعْنَةً أَشْوَتْهُ، فَازْدَادَ لَهُمْ بُغْضًا، وَازْدَادَ مِنْهُمْ ذُعْرًا، فَكَاتَبَ مُعَاوِيَةَ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِشُرُوطٍ، قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتَنِي هَذَا فَأَنَا سَامِعٌ مُطِيعٌ، وَعَلَيْكَ أَنْ تَفِيَ لِي بِهِ وَوَقَعَتْ صَحِيفَةُ الْحَسَنِ فِي يَدِ مُعَاوِيَةَ، وَقَدْ أَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ قَبْلَ هَذَا إِلَى الْحَسَنِ بِصَحِيفَةٍ بَيْضَاءَ، مَخْتُومٌ عَلَى أَسْفَلِهَا، وَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنِ اشْتَرِطْ فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ الَّتِي خَتَمْتُ أَسْفَلَهَا مَا شِئْتَ فَهُوَ لَكَ.

فَلَمَّا أَتَتِ الْحَسَنَ اشْتَرَطَ أَضْعَافَ الشُّرُوطِ الَّتِي سَأَلَ مُعَاوِيَةَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَأَمْسَكَهَا عِنْدَهُ، وامسك معاويه صحيفه الحسن عليه السلام الَّتِي كَتَبَ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ مَا فِيهَا، فَلَمَّا التقى معاويه والحسن عليه السلام، سَأَلَهُ الْحَسَنُ أَنْ يُعْطِيَهُ الشُّرُوطَ الَّتِي شَرَطَ فِي السِّجِلِ الَّذِي خَتَمَ مُعَاوِيَةُ فِي أَسْفَلِهِ، فَأَبَى مُعَاوِيَةُ أَنْ يُعْطِيَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَكَ ما كنت كتبت الى او لا تَسْأَلُنِي أَنْ أُعْطِيَكَهُ، فَإِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكَ حِينَ جاءني كتابك قال الحسن عليه السلام: وانا قد اشْتَرَطْتُ حِينَ جَاءَنِي كِتَابُكَ، وَأَعْطَيْتَنِي الْعَهْدَ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا فِيهِ فَاخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ، فَلَمْ ينفذ للحسن عليه السلام مِنَ الشُّرُوطِ شَيْئًا([92]) ومن أهم الشروط «والّا يشتم عليّاً وهو يسمع»([93]). إن المتتبع لحياة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام بعد أبيه أمير المؤمنين علي عليه السلام و دوره الايجابي في تلك الفترة العصيبة التي عاشها المسلمون، في استنفار الجماهير، لنصرة الحق والذود عن الإسلام المحمدي الأصيل: يجد أن الإمام السبط عليه السلام قد صعق لواقع المسلمين، وأصيب بخيبة أمل، حين تكشف له الأمر بتشتت أفكار الناس، و إصابتها بالذهول والارتباك والوهن إثر دعوته للجهاد والتجهز للحرب وتحمل المسؤوليات. فقد برزت معالم ضعف الرصيد الإيماني للكثير من الناس، والانقياد المتذبذب لأمره، والخضوع للإشاعات الملفقة والدسائس التي كان يحيكها معاوية وأذنابه. كل تلك الأسباب وما سيتبعها قد دفعت الإمام السبط عليه السلام إلى وضع مصلحة الإسلام العليا فوق كل اعتبار، من دماء الناس وغيرها، بعد أن واجه الإمام السبط (عليه السلام) كل محاولات معاوية التي سبقت الحرب بنفس متعالية، لا تعرف إلا الحق ولا تطأطئ للباطل رأسا طرفة عين([94]).

بنود الصلح

ويمكن حصر نص الصلح في خمسة بنود:

البند الأوّل: تسليم الأمر ـ الخلافة ـ إلى معاوية على أن يعمل بكتاب الله وسنّة رسوله.

البند الثاني: أن تكون للحسن الخلافة من بعده، فإن حدث به حدث فلأخيه الحسين، وليس لمعاوية أن يعهد بها إلى أحد.

البند الثالث: أن يترك سبّ أمير المؤمنين والقنوت عليه في الصلاة، وأن لا يذكر علياً إلاّ بخير.

البند الرابع: استثناء ما في بيت مال الكوفة وهو خمسة ملايين درهم وتكون بحوزة الإمام الحسن، وأن يفضّل بني هاشم في العطاء والصلات على بني أُمية، وأن يفرّق في أولاد من قتل مع أمير المؤمنين يوم الجمل وصفين مليون درهم، وأن يجعل ذلك من خراج دار أبجرد.

البند الخامس: الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وأن يؤمن الأسود والأحمر، وأن يحتمل معاوية ما صدر من هفواتهم، وأن لا يتبع أحداً بما مضى، وأن لا يأخذ أهل العراق بأحنة وحقد، وعلى أمان أصحاب علي عليه السلام حيث كانوا، وأن لا ينال أحداً من شيعة علي بمكروه، وأنّ أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، وأن لا يتعقّب عليهم شيئاً ولا يتعرّض لأحد منهم بسوء، ويوصل إلى كلّ ذي حقّ حقّه، وعلى أن لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت الرسول غائلة سراً ولا جهراً، ولا يخيف أحداً منهم في أُفق من الآفاق. فكتب معاوية جميع ذلك بخطّه وختمه بخاتمه، وبذل عليه العهود المؤكّدة والأيمان المغلّظة، وأشهد على ذلك جميع رؤساء أهل الشام([95]).

نتائج الصلح

لكن ما هي نتائج هذا الصلح؟

1ـ لقد حقن الإمام الحسن عليه السلام بهذا الصلح دماء المسلمين.

2ـ الإمام الحسن عليه السلام يبين الهدف من الصلح، وأن له رسالة يريد أن يوصلها «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ هَدَاكُمْ بِأَوَّلِنَا، وَحَقَنَ دِمَاءَكُمْ بِآخِرِنَا، وَإِنَّ لِهَذَا الأَمْرِ مُدَّةٌ، وَالدُّنْيَا دُوَلٌ، وَإِنَّ الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ﴾ (الأنبياء: 111)»([96]).

3ـ فضح أهداف خروج معاوية على أمير المؤمنين عليه السلام، وهي الإمارة والسلطة وليس الطلب بدم عثمان(رض)، حيث يقول: «يا أهل الكوفة، أتراني، قاتلتُكم على الصلاة والزكاة والحج، وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وعلى رقابكم، وقد آتاني الله ذلك وأنتم كارهون، ألا إن كل مال أو دم أصيب في هذه الفتنة فمطلول»([97]).

3ـ بيان حقيقة معاوية، فلم يلتزم معاوية بالصلح وإنما نقض شروطه، فقد روى ابو الفرج فقال: «حدّثنا حسن بن الحسين، عن عمرو بن ثابت، عن أبي إسحاق، قال: سمعت معاوية بالنخيلة يقول: ألا إن كل شيء أعطيته الحسن بن علي تحت قدميَّ هاتين لا أفي به»([98]).

4ـ الإمام الحسن عليه السلام لم يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، «فعن حبيب بن أبي ثابت، قال: لما بويع معاوية خطب فذكر عليا، فنال منه، ونال من الحسن، فقام الحسين ليردّ عليه فأخذ الحسن بيده فأجلسه، ثم قام فقال: أيّها الذاكر عليا، أنا الحسن، وأبي علي، وأنت معاوية، وأبوك صخر، وأمي فاطمة، وأمك هند، وجدي رسول الله (ص)، وجدك حرب، وجدتي خديجة، وجدتك قتيلة، فلعن الله أخملنا ذكرا، وألأمنا حسبا، وشرنا قدما، وأقدمنا كفراً ونفاقاً. فقال طوائف من أهل المسجد: آمين. قال فضل: فقال يحيى بن معين: ونحن نقول: آمين. قال أبو عبيد: ونحن أيضا نقول: آمين. [قال أبو الفرج: وأنا أقول: آمين]»([99]).

5ـ لم يترك معاوية سب الإمام علي عليه السلام، فكان يسبه ويأمر بسبه، وهو ثابت بالصحيح، فقد روى ابن ماجه وغيره: «حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ سَابِطٍ وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ فِي بَعْضِ حَجَّاتِهِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدٌ، فَذَكَرُوا عَلِيّاً، فَنَالَ مِنْهُ، فَغَضِبَ سَعْدٌ، وَقَالَ: تَقُولُ هَذَا لِرَجُلٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ» وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي»، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ الْيَوْمَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ»»([100]).

الإمام الحسين عليه السلام

الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الهاشميّ، أبو عبد اللَّه سبط رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وريحانته، قال الزّبير وغيره: ولد في شعبان سنة أربع، قال جعفر بن محمّد عليهما السلام: لم يكن بين الحمل بالحسين بعد ولادة الحسن إلا طهر واحد. قلت: فإذا كان الحسن ولد في رمضان وولد الحسين في شعبان احتمل أن تكون ولدته لتسعة أشهر وقد حفظ الحسين أيضا عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم، وروى عنه، أخرج له أصحاب السنن أحاديث يسيرة. وفي الصّحيح عن ابن عمر حين سأله رجل عن دم البعوض: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم يقول: «هما ريحانتاي من الدّنيا»([101]) ـ يعني الحسن والحسين. (فماذا فُعل بريحاتي رسول الله صلى الله عليه وآله أحدهما مسموم والآخر مقتول ولا حولا ولا قوة إلا بالله)… وكانت إقامة الحسين عليه السلام بالمدينة إلى أن خرج مع أبيه إلى الكوفة فشهد معه الجمل ثم صفّين ثم قتال الخوارج، وبقي معه إلى أن قتل، ثم مع أخيه إلى أن سلّم الأمر إلى معاوية، فتحوّل مع أخيه إلى المدينة واستمر بها إلى أن مات معاوية، فخرج إلى مكة، ثم أتته كتب أهل العراق بأنهم بايعوه بعد موت معاوية فأرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب فأخذ بيعتهم، وأرسل إليهم فتوجّه، وكان من قصّة قتله ما كان… قتل الحسين عليه السلام يوم عاشوراء سنة إحدى وستين.. وقتل معه أصحابه وفيهم سبعة عشر شابّا من أهل بيته، ثم كان آخر ذلك أن قتل وأتي برأس ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى عبيد اللَّه فأرسله ومن بقي من أهل بيته إلى يزيد، ومنهم علي بن الحسين، وكان مريضاً، ومنهم عمته زينب، فلما قدموا على يزيد أدخلهم على عياله ثم جهزهم إلى المدينة.

وقد صحّ عن إبراهيم النخعي أنه كان يقول: لو كنت فيمن قاتل الحسين ثم أدخلت الجنّة لاستحييت أن انظر إلى وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم.

وقال حمّاد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمّار، عن ابن عباس: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم فيما يرى النائم نصف النهار أشعث أغبر، بيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبي وأمي يا رسول اللَّه! ما هذا قال: «هذا دم الحسين وأصحابه، لم أزل ألتقطه منذ اليوم، فكان ذلك اليوم الّذي قتل فيه».([102])… «أخذه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فوضع إحدى يديه تحت قفاه والأخرى تحت ذقنه فوضع فاه على فيه يقبله وقال: حسين منى وأنا من حسين، أحب اللَّه من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط»([103]). ويقول المقريزي: «وقد اشتد به العطش، وحزت رأسه، وانتهب متاعه، فوجد به ثلاثة وثلاثون طعنة، وأربع وثلاثون ضربة، ثم طرحت جثته ووطئها الفرسان بخيولها حتى رضوا ظهره وصدره، وقيل معه اثنان وسبعون رجلاً، منهم سبعة عشر من ولد فاطمة عليها السلام، وقتل ثلاثة وعشرون.

وحملت رأسه إلى عبيد اللَّه بن زياد، وكان قتله إحدى مصائب الإسلام، وكان فاضلا دينا كثير الصوم والصلاة والحج، حج خمسا وعشرين حجة ماشياً»([104]).

ونعود إلى من يقولون عنه صحيح العقيدة وما حصل في زمانه، وندع ابن حزم الأندلسي رحمه الله تعالى ليحدثنا عن ذلك فيقول: «بويع يزيد بن معاوية، إذ مات أبوه؛ يكنى أبا خالد. وامتنع من بيعته الحسين بن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن الزبير بن العوام. فأما الحسين عليه السلام والرحمة فنهض إلى الكوفة فقتل قبل دخولها. وهو ثالثة مصائب الإسلام بعد أمير المؤمنين عثمان، أو رابعها بعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وخرومه، لأن المسلمين استضيموا في قتله ظلماً علانية. وأما عبد الله بن الزبير فاستجار بمكة، فبقى هنالك إلى أن أغزى يزيد الجيوش إلى المدينة، حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى مكة، حرم الله تعالى، فقتل بقايا المهاجرين والأنصار يوم الحرة. وهي أيضاً أكبر مصائب الإسلام وخرومه، لأن أفاضل المسلمين وبقية الصحابة وخيار المسلمين من جلة التابعين قتلوا جهراً ظلماً في الحرب وصبراً. وجالت الخيل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وراثت وبالت في الروضة بين القبر والمنبر، ولم تصل جماعة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا كان فيه أحد، حاشا سعيد بن المسيب فإنه لم يفارق المسجد؛ ولولا شهادة عمرو بن عثمان ابن عفان، ومروان بن الحكم عند مجرم بن عقبة المري بأنه مجنون لقتله. وأكره الناس على أن يبايعوا يزيد بن معاوية على أنهم عبيد له، إن شاء باع، وإن شاؤوا أعتق؛ وذكر له بعضهم البيعة على حكم القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بقتله فضرب عنقه صبراً. وهتك مسرف أو مجرم الإسلام هتكاً، وأنهب المدينة ثلاثاً، واستخف بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومدت الأيدي إليهم وانتهبت دورهم؛ وانتقل هؤلاء إلى مكة شرفها الله تعالى، فحوصرت، ورمي البيت بحجارة المنجنيق، تولى ذلك الحصين بن نمير السكوني في جيوش أهل الشام، وذلك لأن مجرم بن عقبة المري، مات بعد وقعة الحرة بثلاث ليال، وولى مكانه الحصين بن نمير. وأخذ الله تعالى يزيد أخذ عزيز مقتدر، فمات بعد الحرة بأقل من ثلاثة أشهر وأزيد من شهرين. وانصرفت الجيوش عن مكة»([105]). لا أدري كيف لإنسان صحيح العقل سليم الطباع أن يحترم هذا الإجرام والعبثية بالإنسان والمقدسات!

ما بعد معاوية

معاوية باختصار خرج على إمام زمانه، وكان إمام للفئة الباغية بنص الحديث الشريف فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَجَعَلْنَا نَنْقُلُ لَبِنَةً لَبِنَةً، وَكَانَ عَمَّارٌ يَنْقُلُ لِبِنَتَيْنِ لِبِنَتَيْنِ». قَالَ: فَحَدَّثَنِي أَصْحَابِي وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّهُ قَالَ: «يَا بْنَ سُمَيَّةَ، تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ»([106]).

قال الحسن البصري: أفسد أمر الناس اثنان: عمرو بن العاص يوم أشار على معاوية برفع المصاحف فحملت، ونال من القراء، فحكم الخوارج، فلا يزال هذا التحكيم إلى يوم القيامة. والمغيرة بن شعبة، فإنه كان عامل معاوية على الكوفة فكتب إليه معاوية: إذا قرأت كتابي فأقبل معزولًا، فأبطأ عنه فلما ورد عليه قال: ما أبطأ بك؟ قال: أمر كنت أوطئه وأهيئه، قال وما هو: قال: البيعة ليزيد من بعدك قال: أو قد فعلت؟ قال: نعم، قال: ارجع إلى عملك، فلما خرج قال له أصحابه؟ ما وراءك؟ قال: وضعت رجل معاوية في غرز غي لا يزال فيه إلى يوم القيامة، قال الحسن: فمن أجل ذلك بايع هؤلاء لأبنائهم، ولولا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة([107]).

توفي معاوية وأرادها هرقلية ووراثة وإبعاد للأكْفِياء، وإسقاط وعدم الوفاء لشروط الإمام الحسن عليه السلام، ورّث معاوية الحكم لابنه يزيد. فمن هو يزيد (كان يزيد بْن مُعَاوِيَة أول من أظهر شرب الشراب والاستهتار بالغناء والصيد واتخاذ القيان والغلمان والتفكه بما يضحك منه المترفون من القرود والمعاقرة بالكلاب والديكة ثم جرى على يده قتل الحسين وقتل أهل الحرة ورمي البيت وإحراقه، وكان مع هذا صحيح العقيدة فيما يرى، ماضي العزيمة لا يهم بشيء إلا ركبه)([108]) ومما يدمي القلب ويضحك أن كل ما تقدم من الجرائم صحيح العقيدة فعن أي عقيدة تتكلمون. لقد اشترى معاوية ذمم كثير القوم فمثلا قام أبو خنيف فقال: يا أمير المؤمنين، إنا لا نطيق ألسنة مضر وخطبها، أنت يا أمير المؤمنين، فإن هلكت فيزيد بعدك، فمن أبى فهذا، وسل سيفه، فقال معاوية: أنت أخطب القوم وأكرمهم([109]).

أما الإمام الحسين عليه السلام فقد رفض هذا، وقدم نفسه دفاعا عن الإسلام الصحيح الرسالي، فكربلاء ميدان الحق والوحدة، إنه مشروع الحق والحقيقة ضد الرعاع والجاهلية وأصحاب المصالح الضيقة، وعباد الذات، كربلاء الوحدة والصرخة ضد أن الدين أفيون الشعوب، صرخة الرسالة وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، كانت نداء للروح والتفاني ليعم الخير والصلاح والعدل بدل الظلم والجاهلية والوثنية. كانت كربلاء يوم التضحية ورفع النور ضد الظلام، ولذا قال صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصف حفيده «حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ، أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا، حُسَيْنٌ سبط من الأسباط»([110]). فهل المقصود من هذا الحديث أن يخبر ويبين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن الإمام الحسين عليه السلام حفيده، فيكون كلاماً رقيقاً وهو من أُوتي جوامع الكلم، لكن الحديث الشريف يبين العلاقة الرساليّة بينهم، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم يبن لنا بأن خط وثورة الحسين عليه السلام ثورته لبيان دين الله الحق، الذي حمله صلى الله عليه وآله إلى عباد الله.. فمن آمن برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجب أن يكون مع هذا النهج، وهذا ما يتوافق مع قوله تعالى: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ (البقرة: 136).

لقد تربى الإمامان الحسن والحسين عليهما السلام في بيت الرسالة، بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي وفاطمة عليهما السلام فحين أشاروا عليه أن يستبقي معاوية بعض الوقت والياً على الشام ريثما تقر الأمور وتهدأ الفتنة، صاح في مثيريه قائلاً: «أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور؟ لا والله، لن يراني الله متخذ المضلين عضداً»!

هذا، هو الرجل الذي ربى (الحسن والحسين) اللذين خاضا معه، وخاضا من بعده معارك الحق، في سبيل أن يبقى الدين ديناً.

هذا هو الأب الذي أنجب أبطال كربلاء، الذين سنرى الآن من بطولتهم عجباً.

وهذا هو بيت آل النبي عليهم السلام، بين القرابين والشهداء!!([111]).

لقد أرادها معاوية ومن لفّ لفه هرقلية فقد روى الثعلبي: «كتب معاوية ـ إلى مروان حتّى يبايع الناس ليزيد، فقال عبد الرّحمن بن أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ : لقد جئتم بها هرقلية، أتبايعون لأبنائكم؟ فقال مروان: هذا الذي يقول الله تعالى فيه: ﴿وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا﴾ الآية، فسمعت عائشة ـ رضي الله عنها ـ بذلك فغضبت، وقالت: والله ما هو به، ولو شئت لسمّيته ولكن الله لعن أباك وأنت في صلبه، فأنت قصص من لعنة الله»([112]).

لقد كان بكاء الإمام الحسين عليه السلام يؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعن يزيد بن أبي زياد قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيت عائشة فمر على بيت فاطمة فسمع حسينا يبكي فقال ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني؟([113]). إذا كان بكاء الإمام عليه السلام يؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله فكيف بقتله؟

إخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقتله

1ـ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُجَيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَارَ مَعَ عَلِيٍّ، وَكَانَ صَاحِبَ مِطْهَرَتِهِ، فَلَمَّا حَاذَى نِينَوَى وَهُوَ مُنْطَلِقٌ إِلَى صِفِّينَ، فَنَادَى عَلِيٌّ: اصْبِرْ أَبَا عَبْدِ اللهِ، اصْبِرْ أَبَا عَبْدِ اللهِ، بِشَطِّ الْفُرَاتِ قُلْتُ: وَمَاذَا قَالَ؟، دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَعَيْنَاهُ تَفِيضَانِ، قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَغْضَبَكَ أَحَدٌ، مَا شَأْنُ عَيْنَيْكَ تَفِيضَانِ؟ قَالَ: «بَلْ قَامَ مِنْ عِنْدِي جِبْرِيلُ قَبْلُ، فَحَدَّثَنِي أَنَّ الْحُسَيْنَ يُقْتَلُ بِشَطِّ الْفُرَاتِ» قَالَ: فَقَالَ: «هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ أُشِمَّكَ مِنْ تُرْبَتِهِ؟» قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. فَمَدَّ يَدَهُ، فَقَبَضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ فَأَعْطَانِيهَا، فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ أَنْ فَاضَتَا([114]).

2ـ عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: اسْتَأْذَنَ مَلَكُ الْقَطْرِ رَبَّهُ أنْ يَزُورَ النَّبِيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فَأذِنَ لَهُ، فَكَانَ فِي يَوْمٍ أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : «احفظي عَلَيْنَا الْبَابَ، لا يَدْخُلْ عَلَيْنَا أَحَدٌ» فَبَيْنَا هِي عَلَى الْبَاب إِذْ دَخَلَ الْحُسَيْنُ بْن عَلِيٍّ، فَطَفَرَ، فَاقْتَحَمَ، فَفَتَحَ الْبَابَ، فَدَخَلَ، فَجَعَلَ يَتَوَثَّبُ عَلَى ظَهْرِ النَّبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يَتَلَثَّمة وُيقَبِّلهُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلَك: أَتُحِبُّهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ: أَمَا إِنَّ أمَّتَكَ سَتَقْتُلُهُ، إِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ الْمَكَانَ الَّذِي يقْتَلُ فِيهِ. قَالَ: «نعَمْ». فقَبْضَ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي يُقْتَل فِيهِ، فَأَرَاهُ إِيَّاهُ فَجَاءَ بِسَهْلَةٍ([115]) أَوْ تُرَابٍ أَحْمَرَ، فَأَخَذَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ فَجَعَلَتْهُ فِي ثَوبهِا. قَالَ ثَابِتٌ: كُنَّا نَقُولُ: إِنَّهَا كَرْبَلاءُ»([116]).

الإمام الحسين عليه السلام والوحدة

سار الإمام الحسين عليه السلام بسيرة من سبقه من سلفه الربانيين الرساليين، فلم يكن بدعا من نهج، وإنما مضى بسيرة الرسول وأخيه الإمام علي والإمام الحسن عليهم سلام الله جميعاً، لذا فقد أخبر وبين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «حسين مني وأنا من حسين، أحب اللَّه من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط»([117]).

حديث: «حسين مني وأنا من حسين…»

وجه الدلالة

فالحديث الشريف يبين أنهما كالشيء الواحد منهاجاً وفكراً، أي: بينهم من الاتحاد والاتصال ما يصح أن يقال كل منهما من الآخر، قال القاضي: كأنه صلى الله عليه وسلم علم بنور الوحي ما سيحدث بينه وبين القوم، فخصه بالذكر، وبيّن أنهما كالشيء الواحد في وجوب المحبة وحرمة التعرض والمحاربة، وأكد ذلك بقوله: (أحب الله) سبحانه وتعالى (من أحب حسينًا) فإن محبته محبة الرسول، ومحبة الرسول محبة الله([118]).

وَلِيَ يَزِيدُ فِي هِلَالِ رَجَبٍ سَنَةَ سِتِّينَ، وَأَمِيرُ الْمَدِينَةِ الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَمِيرُ الْكُوفَةَ النُّعْمَانُ بْنُ بشير، وأمير البصرة عبد اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ، وَأَمِيرُ مَكَّةَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَلَمْ يَكُنْ لِيَزِيدَ هِمَّةٌ حِينَ وَلِيَ إِلَّا بَيْعَةُ النَّفَرِ الَّذِينَ أَبَوْا عَلَى مُعَاوِيَةَ الْبَيْعَةَ لِيَزِيدَ، فَكَتَبَ إِلَى نَائِبِ الْمَدِينَةِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ يَزِيدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ أَكْرَمَهُ اللَّهُ وَاسْتَخْلَفَهُ وَخَوَّلَهُ وَمَكَّنَ لَهُ، فَعَاشَ بِقَدَرٍ وَمَاتَ بِأَجَلٍ، فَرَحِمَهُ اللَّهُ، فَقَدْ عَاشَ مَحْمُودًا وَمَاتَ بَرًّا تَقِيًّا وَالسَّلَامُ.

وَكَتَبَ إِلَيْهِ فِي صَحِيفَةٍ كَأَنَّهَا أُذُنُ الْفَأْرَةِ: أَمَّا بَعْدُ فَخُذْ حُسَيْنًا وَعَبْدَ الله بن عمرو عبد الله بن الزُّبَيْرِ بِالْبَيْعَةِ أَخْذًا شَدِيدًا لَيْسَتْ فِيهِ رُخْصَةٌ حَتَّى يُبَايِعُوا وَالسَّلَامُ. فَلَمَّا أَتَاهُ نَعْيُ مُعَاوِيَةَ فَظِعَ بِهِ وَكَبُرَ عَلَيْهِ، فَبَعَثَ إِلَى مَرْوَانَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ وَاسْتَشَارَهُ فِي أَمْرِ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ، فَقَالَ: أَرَى أَنْ تَدْعُوَهُمْ قَبْلَ أَنْ يعلموا بموت معاوية إلى البيعة، فان أبو ضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ. فَأَرْسَلَ مِنْ فَوْرِهِ عَبْدَ اللَّهِ ابن عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ إِلَى الْحُسَيْنِ وَابْنِ الزُّبَيْرِ ـ وَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ ـ فَقَالَ لَهُمَا: أَجِيبَا الْأَمِيرَ، فَقَالَا: انْصَرِفِ الْآنَ نَأْتِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ عَنْهُمَا قَالَ الْحُسَيْنُ لِابْنِ الزُّبَيْرِ: إِنِّي أَرَى طَاغِيَتَهُمْ قَدْ هَلَكَ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: وَأَنَا مَا أَظُنُّ غَيْرَهُ. قَالَ: ثُمَّ نَهَضَ حُسَيْنٌ فَأَخَذَ مَعَهُ مَوَالِيَهُ وَجَاءَ بَابَ الْأَمِيرِ فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ وَحْدَهُ، وَأَجْلَسَ مَوَالِيَهُ عَلَى الْبَابِ، وَقَالَ: إِنْ سَمِعْتُمْ أَمْرًا يُرِيبُكُمْ فَادْخُلُوا، فَسَلَّمَ وَجَلَسَ وَمَرْوَانُ عِنْدَهُ، فَنَاوَلَهُ الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ الْكِتَابَ وَنَعَى إِلَيْهِ مُعَاوِيَةَ، فَاسْتَرْجَعَ وَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ مُعَاوِيَةَ، وَعَظَّمَ لَكَ الْأَجْرَ، فَدَعَاهُ الْأَمِيرُ إِلَى الْبَيْعَةِ فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ: إِنَّ مِثْلِي لَا يُبَايِعُ سِرًّا، وَمَا أَرَاكَ تجتزي مِنِّي بِهَذَا، وَلَكِنْ إِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ دَعَوْتَنَا مَعَهُمْ فَكَانَ أَمْرًا وَاحِدًا، فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ ـ وَكَانَ يُحِبُّ الْعَافِيَةَ ـ فَانْصَرِفْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ حَتَّى تَأْتِيَنَا فِي جَمَاعَةِ النَّاسِ. فَقَالَ مَرْوَانُ لِلْوَلِيدِ: وَاللَّهِ لَئِنْ فَارَقَكَ وَلَمْ يُبَايِعِ السَّاعَةَ لَيَكْثُرَنَّ الْقَتْلُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ، فَاحْبِسْهُ وَلَا تُخْرِجْهُ حَتَّى يُبَايِعَ وَإِلَّا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، فَنَهَضَ الْحُسَيْنُ وقال: يا ابن الزَّرْقَاءِ أَنْتَ تَقْتُلُنِي؟ كَذَبْتَ وَاللَّهِ وَأَثِمْتَ. ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى دَارِهِ، فَقَالَ مَرْوَانُ لِلْوَلِيدِ: وَاللَّهِ لَا تَرَاهُ بَعْدَهَا أَبَدًا. فَقَالَ الْوَلِيدُ: وَاللَّهِ يَا مَرْوَانُ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَأَنِّي قَتَلْتُ الْحُسَيْنَ، سُبْحَانَ اللَّهِ! أَقْتُلُ حُسَيْنًا أَنْ قَالَ لَا أُبَايِعُ؟ َاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّ أَنَّ مَنْ يَقْتُلُ الْحُسَيْنَ يَكُونُ خَفِيفَ الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَبَعَثَ الْوَلِيدُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ وَمَاطَلَهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، ثُمَّ إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ رَكِبَ فِي مَوَالِيهِ وَاسْتَصْحَبَ مَعَهُ أَخَاهُ جَعْفَرًا وَسَارَ إِلَى مَكَّةَ عَلَى طَرِيقِ الْفُرْعِ، وَبَعَثَ الْوَلِيدُ خَلْفَ ابْنِ الزُّبَيْرِ الرِّجَالَ وَالْفُرْسَانَ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى رَدِّهِ، وَقَدْ قَالَ جَعْفَرٌ لِأَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُمَا سَائِرَانِ مُتَمَثِّلًا بِقَوْلِ صَبِرَةَ الْحَنْظَلِيِّ:

وَكُلُّ بَنِي أُمٍّ سَيُمْسُونَ لَيْلَةً… وَلَمْ يَبْقَ مِنْ أَعْقَابِهِمْ غَيْرُ وَاحِدِ

فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا أَرَدْتَ إِلَى هَذَا؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِهِ شَيْئًا يَسُوؤكَ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ إِنَّمَا جَرَى عَلَى لِسَانِكَ فَهُوَ أَكْرَهُ إِلَيَّ، قَالُوا وَتَطَيَّرَ بِهِ. وَأَمَّا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ فَإِنَّ الْوَلِيدَ تَشَاغَلَ عَنْهُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ وَجَعَلَ كُلَّمَا بَعَثَ إِلَيْهِ يَقُولُ حَتَّى تَنْظُرَ وَنَنْظُرَ، ثُمَّ جَمَعَ أَهْلَهُ وَبَنِيهِ وَرَكِبَ لَيْلَةَ الْأَحَدِ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، بَعْدَ خُرُوجِ ابْنِ الزُّبَيْرِ بِلَيْلَةٍ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عنه أحد من أهله سوى محمد بن الْحَنَفِيَّةِ([119]).

الإمام الحسين عليه السلام لا يبايع سراً، كما رد على ابن الزرقاء الذي طلب من الوليد بن عتبه ضرب عنق الإمام إن لم يبايع فرد عليه الإمام عليه السلام» ويلي عليك، يا ابن الزرقاء! أتأمر بضرب عنقي؟! كذبت والله! والله! لو رام ذلك أحد من الناس لسقيت الأرض من دمه قبل ذلك، وإن شئت ذلك فرم ضرب عنقي إن كنت صادقا!

ثم أقبل الحسين عليه السلام على الوليد بن عتبة وقال: أيها الأمير! إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحل الرحمة، وبنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق، شارب خمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع لمثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننتظر وتنتظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة.

وسمع من بالباب صوت الحسين عليه السلام فهموا بفتح الباب وإشهار السيوف، فخرج إليهم الحسين عليه السلام سريعاً فأمرهم بالانصراف إلى منازلهم، وأقبل الحسين عليه السلام إلى منزله، فقال مروان بن الحكم للوليد بن عتبة: عصيتني حتى أنفلت الحسين عليه السلام من يدك، أما والله! لا تقدر على مثلها أبدا، ووالله! ليخرجن عليك وعلى أمير المؤمنين، فاعلم ذلك.

فقال له الوليد بن عتبة: ويحك! أشرت علي بقتل الحسين عليه السلام! وفي قتله ذهاب ديني ودنياي، والله! ما أحب أن أملك الدنيا بأسرها وأني قتلت الحسين بن علي بن فاطمة الزهراء (عليهم السلام)، والله! ما أظن أحدا يلقى الله بقتل الحسين عليه السلام إلا وهو خفيف الميزان عند الله، لا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم. فسكت مروان([120]).

 الإمام الحسين علية السلام رفض أن يبايع يزيد الفاسق غير مؤهل للخلافة، فيبين عليه السلام أحقيتهم بقيادة الأمة فقال عليه السلام: «اما بعد أيها الناس فإنكم ان تتقوا وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله، ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الامر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان»([121]). ثُمَّ إِنَّ الْحُسَيْنَ عليه السلام خَطَبَهُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ قَالَ: «مَنْ رَأَى سُلْطَانًا جَائِرًا مُسْتَحِلًّا لِحُرَمِ اللَّهِ نَاكِثًا لِعَهْدِ اللَّهِ مُخَالِفًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَعْمَلُ فِي عِبَادِ اللَّهِ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ فَلَمْ يُغَيِّرْ مَا عَلَيْهِ بِفِعْلٍ وَلَا قَوْلٍ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ مُدْخَلُهُ».

أَلَا وَإِنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ لَزِمُوا طَاعَةَ الشَّيْطَانِ وَتَرَكُوا طَاعَةَ الرَّحْمَنِ وَأَظْهَرُوا الْفَسَادَ وَعَطَّلُوا الْحُدُودَ وَاسْتَأْثَرُوا بِالْفَيْءِ وَأَحَلُّوا حَرَامَ اللَّهِ وَحَرَّمُوا حَلَالَهُ، وَأَنَا أَحَقُّ مَنْ غَيَّرَ([122]).

فالإمام الحسين عليه السلام ينطلق من أسباب للثورة، بأن معاوية لم يلتزم بشروط الصلح، وإنما نقض هذه الشروط، كما أن يزيد شارب للخمر، فاسق، يزيد وما أدراك ما يزيد فقد روى الذهبي في تاريخه عن أَبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ: « أَوَّلُ مَنْ يُبَدِّلُ سُنَّتِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ يُقَالُ لَهُ يَزِيدُ». أَخْرَجَهُ الرُّويَانِيُّ فِي مُسْنَدِه، عَنْ بُنْدَارٍ، وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَوْفٍ وَلَيْسَ فِيهِ أَبُو مُسْلِمٍ. وَفِي «مسند أبي يعلى»: حدثنا الحكم بن موسى، قال: حدثنا الْوَلِيدُ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يَزَالُ أَمْرُ أُمَّتِي قَائِمًا بِالْقِسْطِ، حَتَّى يَكُونَ أَوَّلُ مَنْ يَثْلَمُهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ يُقَالَ لَهُ يَزِيدُ»([123]). ومن المفارقات العجيبة أن يبايع عبدالله بن عمر ليزيد شارب الخمر، ولا يبايع للإمام علي عليه السلام ويقول: « فَلا يَخْلَعَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَزِيدَ([124]) ولا أدري كيف يقيمون الناس، وعلى أي شيء يكون ذلك فمثلا عندما يروي ابن كثير المتناقضات فيقول: «وَقَدْ كَانَ يَزِيدُ فِيهِ خصَالٌ مَحْمُودَةٌ مِنَ الْكَرَمِ وَالْحِلْمِ وَالْفَصَاحَةِ وَالشِّعْرِ وَالشَّجَاعَةِ وَحُسْنِ الرَّأْيِ فِي الْمُلْكِ، وَكَانَ ذَا جَمَالٍ، حَسَنَ الْمُعَاشَرَةِ وَكَانَ فِيهِ أَيْضًا إِقْبَالٌ عَلَى الشَّهَوَاتِ وَتَرْكُ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ.

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثَنَا حَيْوَةُ، حَدَّثَنِي بَشِيرُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو الْخَوْلَانِيُّ، أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ قَيْسٍ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَكُونُ خَلْفٌ مِنْ بَعْدِ سِتِّينَ سَنَةً أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ، فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا، ثُمَّ يَكُونُ خَلْفٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ ثَلَاثَةٌ ; مُؤْمِنٌ وَمَنَافِقٌ وَفَاجِرٌ». …وَرَوَى الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ: لَسْتَ مِنَّا وَلَيْسَ خَالُكَ مِنَّا… يَا مُضَيِّعَ الصَّلَاةِ لِلشَّهَوَاتِ… قُلْتُ (أي ابن كثير): يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَكْثَرُ مَا نُقِمَ عَلَيْهِ فِي عَمَلِهِ شُرْبُ الْخَمْرِ وَإِتْيَانُ بَعْضِ الْفَوَاحِشِ([125]). لكن السؤال الذي يطرح نفسه:

1ـ هل ابن مرجانة يتصرف من عقله أو بأمر من سيده السكير؟

2ـ ماذا فعل السكير الفاسق برأس الإمام الحسين عليه السلام؟

3ـ ماذا فعل بالمدينة، وبقبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأين راثت الخيل؟

الإمام الحسين عليه السلام بين سبب وقوفه في وجه الظالمين، وقدم نفسه الشريفة وأهل بيته الكرام، وصحبه الغر شهداء دفاعاً عن المنهج الرسالي، فقال بعد أن ركز على فكرة الحق تركيزا خاصا: «…وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولى بالحق ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين…».

 إذن فالوصية مصاغة ومعدة لتكون بمثابة رسالة خاصة لكل واحد من أبناء الأمة تبين له وبمنتهى الإيجاز الغاية من خروج الإمام الحسين عليه السلام وهي بمثابة سؤال موجه لكل فرد من أفراد الأمة مفاده: هل تقبل هذا الحق، أو ترده على صاحبه، وهي بمثابة دعوة لكل من بلغ لينصر هذا الحق.

وهذه الوصية التي سمعت بها الأمة بالضرورة هي بمنزلة الحجة التي يقيمها الإمام الحسين عليه السلام على الأمة، ولم يتوقف الإمام الحسين عليه السلام عند الوصية بل كشف للأمة حقيقة الخليفة ونظامه، فأعلن أمام الأمة «أن الخليفة ومن والاه قوم لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد في الأرض، وأبطلوا الحدود، وشربوا الخمور، واستأثروا في أموال الفقراء والمساكين…»([126]). ويضيف الطبري: «أَلا وَإِنَّ هَؤُلاءِ قَدْ لَزِمُوا طَاعَةَ الشَّيْطَانِ، وَتَرَكُوا طَاعَةَ الرَّحْمَنِ، وَأَظْهَرُوا الْفَسَادَ، وَعَطَّلُوا الْحُدُودَ، وَاسْتَأْثَرُوا بِالْفَيْءِ، وَأَحَلُّوا حَرَامَ اللَّهِ، وَحَرَّمُوا حَلالَهُ…»([127]). وهذه سيرة الرسل الكرام عليهم السلام وأهدافهم. فالإمام الحسين عليه السلام لم تكن له مصلحة شخصية فيما يأمر أو ينهي عنه وإنما كانت غايته الإصلاح، كما قال الله تعالى على لسان شعيب عليه السلام: ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ (هود: 88). فثورة الإمام الحسين عليه السلام ثورة إصلاحية رسالية ضد الظلم والجاهلية، ضد الجور إلى العدل، ومن الباطل إلى الحق، ومن ظلم الأرض إلى عدل السماء.

وهنا لا بدّ من طرح سؤالٍ آخر، وهو: ما أسباب الثورة عند سيد الشهداء عليه السلام؟

إنه الأمر بالمعروف والتهي عن المنكر.

أليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أساسيات الرسالة؟! ألم يمضِ الرسول صلى الله عليه وآله على هذا النهج حتى قبض روحي له الفداء، ومن بعده سار أمير المؤمنين عليه السلام على ذلك. «دعا صلى الله عليه وآله وسلم إلى المعروف الأكبر وهو الإيمان بالله تعالى وتوحيده، ونهى عن المنكر الأكبر وهو الكفر والشرك، فخاطب العقول ثم القلوب ثم الإرادة، ليكون الولاء لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وليكون السلوك والممارسات الأخلاقية منسجمة مع ما أراده الله تعالى.

فدعا إلى البر والتقوى، وإلى الصدق والأمانة، وإلى العدل والرحمة، وحفظ العهد، ومطابقة القول للفعل.

ونهى عن الشر والعصيان، وعن الكذب والخيانة، وعن الظلم والاعتداء، وعن الخداع والغش، وعن سائر الموبقات.

ودعا إلى حسن العلاقات الاجتماعية ونهى عن التقاطع والتدابر.

وكان يدعو الكفار كما يدعو أهل الكتاب، وكان يذكر المسلمين بالفضائل والمكارم، وينهاهم عن الرذائل وسوء الافعال، ولم يتوقف عن ذلك في جميع مراحل حياته صلى الله عليه وآله وسلم، وفي جميع الظروف.. في مرحلة العهد المكي حينما كان مضطهدا ومطاردا من قبل المشركين، وفي مرحلة العهد المدني بعد تأسيسه للدولة الإسلامية.

وتابع أمير المؤمنين عليه السلام سيرته صلى الله عليه وآله وسلم في القيام بأداء مسؤولية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع مراحل حياته، إلى أن وصل إلى مرحلة المجابهة بالسيف على من ارتكبوا المنكر الأكبر وهو التمرد على الإمامة الحقة، وأرادوا شق عصا المسلمين، فأجاب عليه السلام من اعترض عليه في مواجهته العسكرية للبغاة في صفين:… ولقد أهمني هذا الامر وأسهرني، وضربت أنفه وعينيه، فلم أجد إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

إن الله تبارك وتعالى لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون، لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، فوجدت القتال أهون علي من معالجة الأغلال في جهنم… وسار الإمام الحسن المجتبى عليه السلام على ذلك، وقام بعقد الصلح مع معاوية الذي لم يلتزم بشروطه، وبقي الإمامان الحسن والحسين عليهما السلام على موقف واحد والتزام واحد بشروط الصلح… وتوفي الإمام الحسن عليه السلام، واستمر الإمام الحسين عليه السلام بمبادئ الصلح؛ حتى مات معاوية، ونقل السلطة إلى ابنه يزيد لتكون هرقلية، لكن الإمام الحسين عليه السلام رفض هذا الانتقال لما فيه من خطر على الإسلام والمسلمين.

 وحينما وجد الإمام الحسين عليه السلام أن المنكر قد استحوذ على الحاكم وعلى أجهزته الحكومية، وتفشى في الأمة، بتحريف المفاهيم وتغيير معالم الدين، وارتكاب الموبقات بشكل علني دون مراعاة للحرمات والمقدسات، قام بأداء مسؤوليته في أعلى مراتبها، وهي القيام بالسيف لأنه الأسلوب الأمثل للحفاظ على مفاهيم وقيم الرسالة الاسلامية.

وقد أعلن عن أهداف ثورته في وصيته الخالدة: …واني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب النجاح والصلاح في أمة جدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة أبي علي بن أبي طالب…

وفي جميع مراحل تحركه كان يدعو إلى أداء الواجب في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد خطب في جيش الحر بن يزيد الرياحي قائلا: أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير ما عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله»([128]).

فالإمام الحسين عليه السلام بين أهدافه، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم بين أن فكر ومنهج وطريق الحسين عليه السلام طريقي فقال روحي له الفداء: «حسين مني وأنا من حسين»، فنجده عليه السلام قد أعلن الأهداف من ثورته والتي تمثلت بما يأتي:

1ـ واني لم أخرج أشراً

2ـ ولا بطراً

3ـ ولا مفسداً ولا ظالماً.

4ـ إنما خرجت لطلب النجاح والصلاح في أمة جدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

5ـ أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر.

6ـ وأسير بسيرة جدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة أبي علي بن أبي طالب.

وأخيرا فإن الإمام الحسين عليه السلام كان عنوان للوحدة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال الإمام عليه السلام: «فلا يكن أفضل ما نلت من دنياك في نفسك بلوغ لذة أو شفاء غيظ، ولكن إطفاء باطل وإحياء حقّ، وليكن سرورك بما قدّمت، وأسفك على ما خلّفت، وهمّك فيما بعد الموت.»([129]). أليس إطفاء الباطل وإحياء الحق يعطي كل ذي حق حقه.

مما سبق نستنتج أن الإسلام يدعو للوحدة، ويأمر بها ويؤسس لها القواعد والاركان، ويمقت الفرقة وما يؤدي لها، وذلك لما يترتب على التفرقة من فساد عظيم، وشتات جسيم، والقرآن الكريم يدعو ويأمر بالوحدة فرضا، والاعتصام بحبل المتين قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ (آل عمران: 103)، وكذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأمر بها، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ (الأحزاب: 36)، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية»([130]). وسار أئمة أهل البيت عليهم السلام على هذا الخط والنهج الرسالي كما أمرهم الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن منهج آل البيت قائم على التمسك بالقرآن المجيد وسنة الرسول صلى الله عليه وآله وعدم الخروج عنهما… لذا سئل الإمام الصادق عليه السلام بأي شيء يفتي الإمام؟ فقال بالكتاب قلت: فما لم يكن في الكتاب؟ قال: في السنة قلت: فما لم يكن في الكتاب والسنة؟ قال: ليس شيء إلا في الكتاب والسنة قال: فكررت مرة أو مرتين، قال: يسدد ويوفق، فأما ما تظن فلا([131]).

النتائج العامة

1ـ قوله الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾، في الآية دليلٌ على أنَّ الأمْرَ بالشَّيء يَستلزِمُ النَّهيَ عن ضدِّه.

2ـ قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا﴾، فيه أنَّ الاختلافَ المنهيَّ عنه هو ما كان ناشئًا عن التَّفرُّق لا كلُّ اختلافٍ.

3ـ في قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا﴾ قُدِّم الافتراقُ على الاختلاف؛ للإيذانِ بأنَّ الاختلافَ عِلَّةُ التَّفرُّق، وهذا من المفادات الحاصلةِ من ترتيب الكلامِ وذِكْر الأشياء مع مُقارناتها.

4 ـ قول الله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ يُفيد أنَّ الإنسان لا يُؤاخَذ على تَرْك الحقِّ، أو اتِّباع الباطل إلَّا إذا بُيِّن له ذلك حتى يَتبيَّن، أو صار بحيث تَبيَّن له لو نظَر فيه، والجهلُ ليس بعُذْر بعدَ البيان.

5 ـ قوله سبحانه: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا﴾ فيه تمثيلُ حال التَّفرُّق في أبشعِ صُورِه المعروفةِ لديهم من مطالعة أحوالِ اليهود، وفيه إشارةٌ إلى أنَّ تَرْك الأمْر بالمعروف والنَّهي عن المُنكَر يُفضي إلى التَّفرُّق والاختلاف؛ إذ تَكثُر النَّزَعات والنَّزَغات، وتَنشقُّ الأُمَّة بذلك انشقاقًا شديدًا([132]).

6ـ موقف من يكره الدماء ويحب العافية ممثلا بالوليد بْنُ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وموقف حب الذات ولو بالدم وضرب العنق مثلا بمروان بن الحكم ابن الزرقاء، فقال له الوليد وكان يحب العافية: فانصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة الناس، فقال له مروان: والله لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتى تكثر القتلى بينكم، وبينه، احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه([133]).

7ـ الدور الرسالي لآل البيت عليهم السلام، ودورهم العميق في تجذير الوحدة ومحاربة الفرقة ولو كان ذلك على حساب حقهم، «لقد علمتم أني أحق الناس بها من غيري، ووالله لأسلمن ما سلمت امور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلا علي خاصة، التماسا لأجر ذلك وفضله، وزهدا فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجده»، فقدم الإمام علي عليه السلام مصلحة الإسلام والمسلمين على نفسه حفاظا على الوحدة.

8ـ تقديم النفس والولد حفاظاً على الإسلام والوحدة الإسلامية، وذلك أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر.

9ـ الصلح والوقوف بوجه الظالمين يعتريه أحكام شرعية، وليس هوى النفس، وإنما تراعى فيها المصلحة الكبرى للإسلام والمسلمين.

10ـ القرآن الكريم يأمرنا بالتمسك بالوحدة وينهى عن التفرق والاختلاف والعداوة ومحاربة بعضنا بعضا، وعليه فكل من يحمل الامة على التفرقة يكون على غير الخط الرسالي.

11ـ وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخاصة عند ظهور البدع والفسق والجهل. ومخالفة ما هو معلوم بالضرورة؛ لأن العلماء ورثة الأنبياء، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله([134]) وقال صلى الله عليه وآله: «إذا ظهرت البدع ولعن آخر هذه الأمة أولها فمن كان عنده علم فلينشره فإن كاتم العلم يومئذ ككاتم ما أنزل الله على محمد»([135]). فوظيفة الأنبياء والعلماء إذن إزالة هذه الأمور العارضة.

12ـ بيان للمشركين وفيه تعريفهم بأخص صفاتهم في دينهم وهو تفرقهم في دينهم وعودهم شيعة شيعة وحزبا حزبا يفرح ويسر كل شيعة وحزب بما عندهم من الدين… أن النهيّ عن تفرق الكلمة في الدين نهي في الحقيقة عن بناء الدين على أساس الهوى دون العقل، وربما احتمل كون الآية استئنافا من الكلام وهو لا يلائم السياق. وفى الآية التالية ذم للمشركين بما عندهم من صفة التفرق في الكلمة والتحزب في الدين([136]). قال تعالى: ﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ (الروم: 31 ـ 32).

13ـ لا بد للإنسان من خطٍّ يسير عليه من أجل الوصول إلى غايته المثلى في الحياة، ليؤكد معنى إنسانيته في عمق ذاته، فما هو هذا الخط؟ إنه خطّ الاستقامة والاعتدال الذي لا ينحرف ولا يميل ولا يزيغ، والذي يريده الله للإنسان أن يقبل عليه بوجهه، لا الوجه الظاهر المعروف، بل كيانه المشتمل على عقله وروحه في ما يتمثل به حقائق الأمور العامة. إنه دين الله الذي يجمع الخير كله، وينفتح على الحياة الحُرَّة الواسعة التي تلتقي عندها كل خطوط السعادة في الدنيا والآخرة. إنه توحيدُ الله الذي يعيش فيه الإنسان التصوّرَ الشامل الذي يتحرك في آفاقه الصدق، والعدل والإحسان، والقوّةُ المفتوحة على الرحمة، والسماح في خط التوازن بين المادة والروح، وانسجام الشخصية الفردية والاجتماعية، في ما يمثله هدى الله في ذلك كله([137]). قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (الروم: 30).

14ـ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يترك الامة دون بيان، وانما حدد لها المنهاج والطريق القويم فعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنَ الآخَرِ: كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ. وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ» لقد حَصْرُ التَّمَسُّكِ بِهِمَا فَلَا تَقِفُ الْحُجَّةُ عَلَى غَيْرِهِمَا.

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ أَنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ اخْتُصُّوا بِالشَّرَفِ وَالنَّسَبِ، وَأَنَّهُمْ أَهْلُ بَيْتِ الرِّسَالَةِ، وَمَعْدِنُ النُّبُوَّةِ، وَالْوُقُوفِ عَلَى أَسْبَابِ التَّنْزِيلِ وَمَعْرِفَةِ التَّأْوِيلِ وَأَفْعَالِ الرَّسُولِ وَأَقْوَالِهِ; لِكَثْرَةِ مُخَالَطَتِهِمْ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ عَنِ الْخَطَأِ… فَكَانَتْ أَقْوَالُهُمْ وَأَفْعَالُهُمْ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ، بَلْ قَوْلُ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ ضَرُورَةَ عِصْمَتِهِ عَنِ الْخَطَأِ كَمَا فِي أَقْوَالِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَفْعَالِهِ([138]).

 

الهوامش

([1]) معجم مقاييس اللغة المؤلف: أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (395هـ) المحقق: عبد السلام محمد هارون الناشر: دار الفكر عام النشر: 1399هـ 1979م، ج 6، ص90 ـ 91.

([2]) درة الغواص في أوهام الخواص المؤلف: القاسم بن علي بن محمد بن عثمان، أبو محمد الحريري البصري (516هـ) المحقق: عرفات مطرجي الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية ـ بيروت الطبعة: الأولى، 1418/1998هـ، ص 291.

([3]) المفردات في غريب القرآن المؤلف: أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى (502هـ) المحقق: صفوان عدنان الداودي الناشر: دار القلم، الدار الشامية ـ دمشق بيروت الطبعة الأولى، 1412هـ، ص 86.

([4]) الاعتصام بالإسلام، المؤلف: عمر العرباوي الحملاوي (1405هـ) الناشر: مطبعة اللغتين الطبعة: الأولى، 1402هـ ـ 1982 م، ص 257.

([5]) معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي المؤلف: محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي (510هـ) المحقق: حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر ـ عثمان جمعة ضميرية ـ سليمان مسلم الحرش الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع الطبعة: الرابعة، 1417هـ ـ 1997 م، ج 2، ص78.

([6]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن المؤلف: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (310هـ) تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات الإسلامية بدار هجر الدكتور عبد السند حسن يمامة الناشر: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان الطبعة: الأولى، 1422هـ ـ 2001م، ج 5، ص 643.

([7]) من وحي القرآن: السيد محمد حسين فضل الله….

([8]) يُنظر: (تفسير الرازي 8: 317)، (تفسير المنار، لمحمد رشيد رضا 4: 17 ـ 18، 22)، (تفسير ابن عثيمين ـ سورة آل عمران 1: 603). نقلاً عن:

https: //dorar. net/tafseer/3/34#tt16

([9]) من وحي القرآن: السيد محمد حسين فضل الله…. (105).

([10]) شرح العقيدة السفارينية ـ الدرة المضية في عقد أهل الفرقة المرضية المؤلف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (1421هـ) الناشر: دار الوطن للنشر، الرياض الطبعة: الأولى، 1426هـ، ص 693.

([11]) تفسير القرآن العظيم المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (774هـ) المحقق: سامي بن محمد سلامة الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع الطبعة: الثانية 1420هـ ـ 1999م، ج 2، ص 91.

([12]) ينظر من وحي القرآن، سورة الأنعام: 153.

([13]) تفسير الشعراوي ـ الخواطر المؤلف: محمد متولي الشعراوي (1418هـ) الناشر: مطابع أخبار اليوم، نشر عام 1997 م، ج 7، ص 4016.

([14]) من وحي القرآن، ج 9، ص ٣٧٧.

([15]) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين المؤلف: محمد بن صالح بن محمد العثيمين (1421هـ) جمع وترتيب: فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان الناشر: دار الوطن ـ دار الثريا، الطبعة الأخيرة، 1413هـ، ج 7، ص 308.

([16]) تفسير الشعراوي، ج 7، ص 4016.

([17]) من وحي القرآن، ج 9، ص 390.

([18]) ينظر زهرة التفاسير المؤلف: محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة (1394هـ) دار النشر: دار الفكر العربي، ج 6، ص 3150.

([19]) من وحي القرآن، ج 10، ص 394 ـ 395

([20]) تفسير الميزان، السيد الطباطبائي، ج ٩، ص ٩٥.

([21]) ـ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، المؤلف: عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (ت ١٣٧٦هـ)

المحقق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى ١٤٢٠هـ ـ ٢٠٠٠م، ص 243.

([22]) أخرجه ابن ماجه: سنن ابن ماجه، المقدمة حديث رقم [11]، (1:  6)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، (مرجع سابق)، وصححه الحاكم: المستدرك على الصحيحين: (2:  348، 349)، الحديث رقم: (3241/ 358)، بترتيب: مصطفى عبد القادر عطا، وقال الحاكم عنه: (حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)، (مرجع سابق). وانظر: الصحيح المسند في التفسير النبوي للقرآن الكريم لمؤلفه أبي محمد السيد إبراهيم بن أبو عمة، ص 31، الطبعة الأولى، 1410هـ ـ 1990م، عن دار الصحابة للتراث، طنطا.

([23]) ينظر الدرر السنية الموسوعة الحديثية https: //dorar. net/hadith/sharh/92789

([24]) صحيح البخاري، ح 1870؛ وصحيح مسلم، ح 3306 و3307.

([25]) ينظر الدرر السنية الحديثية https: //dorar. net/hadith/sharh/20550

([26]) رواه البخاري موقوفاً عن أنس 1: 497، ومرفوعا 1: 496 و497» قريباً من لفظه، والنسائي 8:  109 في الإيمان، باب على ما يقاتل الناس، و7: 75 و76، نقلاً عن معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول المؤلف: حافظ بن أحمد بن علي الحكمي (1377هـ) المحقق: عمر بن محمود أبو عمر الناشر: دار ابن القيم ـ الدمام الطبعة: الأولى، 1410هـ ـ 1990 م، ج 2، ص 609.

([27]) رواه النسائي 8: 109 في الإيمان، باب على ما يقاتل المشركون, والترمذي 5: 4، ح 2608، في الإيمان، باب ما جاء في قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أمرت بقتالهم حتى يقولوا: لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة»، ورفعه البخاري كذلك في الصلاة، باب فضل استقبال القبلة 1: 496، ح 391، نقلاً عن كتاب معارج القبول بشرح سلم الوصول، ج 2، ص 610.

([28]) ينظر إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري المؤلف: أحمد بن محمد بن أبى بكر بن عبد الملك القسطلاني القتيبي المصري، أبو العباس، شهاب الدين (923هـ) الناشر: المطبعة الكبرى الأميرية، مصر الطبعة السابعة، 1323هـ، ج 1، ص 411.

([29]) إسناده صحيح على شرط البخاري، ورجاله الشيخين غير عبد الرحمن بن إبراهيم ـ وهو الملقب بدحيم ـ فمن رجال البخاري الوليد: هو ابن مسلم.

واخرجه الطبراني20: 595، من طريق إسحاق بن موسى الأنصاري، عن الوليد بن مسلم، بهذا الإسناد

وأخرجه مسلم 5: 156في الإيمان: باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال: لا إله إلا الله، عن إسحاق بن موسى الأنصاري، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عن عبيد الله بن عدين عن المقداد.

وأخرجه أحمد 6: 3 و4 و5 ـ 6 و6، والبخاري، 4019 في المغازي، باب رقم 2، و6865 في الديات: باب قول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ﴾، ومسلم 95 و155 و156 و57، وأبو داود، 2644، في الجهاد: باب على مايقاتل المشركين، والنسائي في الكبرى كما في «التحفة» 8: 503، والطبراني 20: 583 و584 و585 و586 و587 و588 و589 و590  و591 و592 و593 و594 نقلاً عن الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان المؤلف: محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (354هـ) ترتيب: الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي (739هـ) حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه: شعيب الأرنؤوط الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت الطبعة: الأولى، 1408هـ ـ 1988 م، ج 11، ص55.

([30]) شرح سنن أبي داود المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر مصدر الكتاب: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية http: //www. islamweb. net [الكتاب مرقم آليا، ورقم الجزء هو رقم الدرس ـ 598 درسا]، ج 255، ص 14.

([31]) كَشْفُ المنَاهِجِ وَالتَّنَاقِيحِ في تَخْريِجِ أحَادِيثِ المَصَابِيحِ المؤلف: محمد بن إبراهيم بن إسحاق السلمي المُنَاوِي ثم القاهري، الشافعيّ، صدر الدين، أبو المعالي (803هـ) دِرَاسَة وتحقيق: د. مُحمَّد إِسْحَاق مُحَمَّد إبْرَاهِيم تقديم: الشيخ صالح بن محمد اللحيدان الناشر: الدار العربية للموسوعات، بيروت ـ لبنان الطبعة: الأولى، 1425هـ ـ 2004 م، ج 3، ص 167.

([32]) أخرجه البخاري (6872)، ومسلم (96)، والنسائي (8594).

([33]) شرح مصابيح السنة للإمام البغوي المؤلف: محمَّدُ بنُ عزِّ الدِّينِ عبدِ اللطيف بنِ عبد العزيز بن أمين الدِّين بنِ فِرِشْتَا، الرُّوميُّ الكَرمانيّ، الحنفيُّ، المشهور ب ـ ابن المَلَك (854هـ) تحقيق ودراسة: لجنة مختصة من المحققين بإشراف: نور الدين طالب الناشر: إدارة الثقافة الإسلامية الطبعة: الأولى، 1433هـ ـ 2012 م، ج 4، ص 121.

([34]) التبصرة لابن الجوزي: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (ت ٥٩٧هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، الطبعة: الأولى، ١٤٠٦هـ ـ ١٩٨٦م، ص 458.

([35]) كتاب تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، تاريخ الطبري وصلة، ج 2، ص 319 ـ 321. دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة المؤلف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (ت ٤٥٨هـ)، المحقق: د. عبد المعطي قلعجي، الناشر: دار الكتب العلمية، دار الريان للتراث، الطبعة الأولى، ١٤٠٨هـ ـ ١٩٨٨م، ج 2، ص 180. ومعنى «لهدّما»: كلمة تعجب. وما أجلده. نقلاً عن دلائل النبوة.

([36]) الخطط السياسية لتوحيد الأمة الإسلامية ـ أحمد حسين يعقوب، ص ١٨.

([37]) ينظر المرجع السابق، ص 225، باختصار.

([38]) في جامع الجوامع، ج 6، ص 396.

([39]) راجع تاريخ دمشق لابن عساكر، ج 2، ص 257 و772؛ والرياض النضرة للطبري، ج 2، ص 243؛ وشرح النهج، ج 3، ص 251 (ثم ضرب النبي بيده على يد علي كناية عن المبايعة)، راجع تاريخ دمشق لابن عساكر، ج 2، ص 464، ح 984 و997؛ وتاريخ الخلفاء للسيوطي، ومقتل الخوارزمي، ج 1، ص 43 والاستيعاب لابن عبد البر بهامش الإصابة لابن حجر، ج 3، ص 38؛ والميزان للذهبي والجامع الصغير للسيوطي، ومنتخب الكنز بهامش مسند أحمد، ج 5، ص 30؛ وشرح النهج لابن أبي الحديد، ج 7، ص 219، نقلاً عن المواجهة مع رسول الله ـ أحمد حسين يعقوب، ص ٤٥٨.

([40]) المفردات في غريب القرآن، أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى (ت ٥٠٢هـ)، المحقق: صفوان عدنان الداودي، الناشر: دار القلم، الدار الشامية ـ دمشق بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٢هـ، ص 885.

([41]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، أبو جعفر، محمد بن جرير الطبري (٢٢٤ ـ ٣١٠هـ)، توزيع: دار التربية والتراث ـ مكة المكرمة، ج 20، ص 209.

([42]) كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: نور الدين الهيثمي، حديث رقم (١٤٦٢٦). كتاب السنة لابن أبي عاصم ومعها ظلال الجنة للألباني، ابن أبي عاصم، حديث رقم (١٣٦٧).

([43]) كتاب السنن الكبرى، النسائي (٨٤١٥).

([44]) المستدرك على الصحيحين: للحاكم، حديث رقم (٦٢٧٢)، هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. [التعليق ـ من تلخيص الذهبي] ٦٢٧٢ ـ صحيح.

([45]) كتاب المستدرك على الصحيحين للحاكم (٤٧١٥) قال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.

([46]) الكتاب: أحاديث مسندة في أبواب القضاء ـ مخطوط: أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني (٤٣٠هـ)، حديث 11، ص 4.هـ. هذا حديث صحيح.

([47]) الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة: أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري، شهاب الدين شيخ الإسلام، أبو العباس (ت ٩٧٤هـ)، المحقق: عبد الرحمن بن عبد الله التركي ـ كامل محمد الخراط، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ لبنان، الطبعة: الأولى، ١٤١٧هـ ـ ١٩٩٧م، ج 2، ص 445. وَجَاء من طرق عديدة يُقَوي بَعْضهَا بَعْضًا (إِنَّمَا مثل أهل بَيْتِي فِيكُم كَمثل سفينة نوح من ركبهَا نجا) وَفِي رِوَايَة مُسلم (وَمن تخلف عَنْهَا غرق) وَفِي رِوَايَة (هلك وَإِنَّمَا مثل أهل بَيْتِي فِيكُم مثل بَاب حطة فِي بني إِسْرَائِيل من دخله غفر لَهُ) وَفِي رِوَايَة (غفر لَهُ الذُّنُوب) من الكتاب ذاته.

([48]) جامع المسانيد: ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي (ت ٥٩٧هـ)، تحقيق: الدكتور علي حسين البواب، الناشر: مكتبة الرشد ـ الرياض، الطبعة: الأولى، ١٤٢٦هـ ـ ٢٠٠٥، حديث رقم (١٧٤٧). قال المحقق المسند ٥:  ١٨١، ومن طريق شريك في الكبير ٥: ١٥٣، ١٥٤ (٤٩٢١ ـ ٤٩٢٣) ونسبه الهيثميّ في المجمع ١: ١٧٥ للطبراني وقال: رجاله ثقات. وفي ٩: ١٦٥ لأحمد وقال: إسناده جيّد. وقد ساق الألباني الحديث في الصحيحة ٤: ٣٥٨ مع عدد من أحاديث الباب، وقال عنه: حسن في الشواهد والمتابعات. وروى الإمام أحمد الحديث في مسند أبي سعيد ١٧/ ١٦٩ (١١١٠٤).

([49]) جمع الجوامع المعروف بـ «الجامع الكبير» جلال الدين السيوطي (٨٤٩ ـ ٩١١هـ)، المحقق: مختار إبراهيم الهائج ـ عبد الحميد محمد ندا ـ حسن عيسى عبد الظاهر، الناشر: الأزهر الشريف، القاهرة ـ جمهورية مصر العربية، الطبعة: الثانية، ١٤٢٦هـ ـ ٢٠٠٥ م (٣٥٨٥/ ٨٠٧٤) ج 3، ص 89. الحديث بروايته في مجمع الزوائد مع مغايرة بسيطة في اللفظ، باب في فضل أهل البيت ـ رضي اللَّه عنه ـ ٩ ـ ١٦٣ وقال الهيثمي في رواية زيد بن ثابت: رواه أحمد وإسناده جيد. جامع المسانيد: ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي (٥٩٧هـ)، تحقيق: الدكتور علي حسين البواب، الناشر: مكتبة الرشد ـ الرياض الطبعة الأولى، ١٤٢٦هـ ـ ٢٠٠٥، رقم الحديث (٢٠٨٧). قال المحقق في الحاشية المسند ١٧: ٢١١ (١١١٣١). ومسند أبي يعلى ٢: ٢٩٧ (١٠٢١) من طريق محمد بن طلحة، والترمذي ٥: ٦٢٢ (٣٧٨٨) من طريق الأعمش، قال الترمذي: حسن غريب. ومال محقّق المسند إلى تصحيح الحديث بشواهده، وتضعبف سنده. وأطال الشيخ ناصر في الكلام عن الحديث وطرقه ورواياته بما لا مزيد عليه ـ الصحيحة ٤: ٣٥٥ ـ ٣٦١ (١٧٦١).

([50]) (ت) ٣٧٣٠ ، (حم) ٢٧١٢٦ ، صَحِيح الْجَامِع: ١٤٨٤ ، ظلال الجنة: ١١٨٨.

([51]) كتاب المستدرك على الصحيحين للحاكم ـ ط العلمية، أبو عبد الله الحاكم (4655) قال الحاكم «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ «.

([52]) السنن الكبرى ـ النسائي (٨٤٢٠).

([53]) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ بِاخْتِصَارٍ، وَفِيهِ الْأَجْلَحُ الْكِنْدِيُّ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ وَضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِ أَحْمَدَ رِجَالُ الصَّحِيحِ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَفِيهِ جَمَاعَةٌ لَمْ أَعْرِفْهُمْ، وَحُسَيْنٌ الْأَشْقَرُ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ. نقلا عن كتاب مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، نور الدين الهيثمي، ج 9، ص 128.

([54]) الراشدين لأبي نعيم الأصبهاني، أبو نعيم الأصبهاني، ص 91، حديث رقم (89).

([55]) مجمع الزوائد في (كتاب المناقب) في باب من كنت مولاه فعلى مولاه، ج ٩، ص ١٠٨، ١٠٩. وجمع الجوامع المعروف بـ «الجامع الكبير»، الجلال السيوطي، ج 8، ص 336.

([56]) ينظر تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، ج 3، ص 126.

([57]) المواجهة مع رسول الله ـ أحمد حسين يعقوب ـ الصفحة 19 ـ 20.

([58]) الكافي ١: ٥٣، ح ١٤: عن حماد بن عثمان وغيره؛ روضة الواعظين: ٢٣٣ وفيه «حديث جدي حديث أمير المؤمنين». نقلاً عن أهل البيت في الكتاب والسنة، محمد الريشهري، ص ١٨٨.

([59]) إعلام الورى: ٢٩٤، الاختصاص: ٢٨١ نحوه كلاهما عن الفضيل بن يسار. نقلاً عن أهل البيت في الكتاب والسنة ـ محمد الريشهري، ص ١٨٨.

([60]) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج ٢، ص ١٧٢.

([61]) أكرمتني السماء، مروان خليفات، الطبعة الثانية، 1421هـ، 2000، ص 87.

([62]) العسقلاني (852هـ)، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت الطبعة الأولى، 1415هـ، ج 4، ص 464 ـ 465.

([63]) تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري المؤلف: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (310هـ) (صلة تاريخ الطبري لعريب بن سعد القرطبي، المتوفى: 369هـ) الناشر: دار التراث ـ بيروت، الطبعة الثانية، 1387هـ، ج 3، ص  209. البيتان: للمتلمِّس الضُّبَعيّ في ديوانه، ص ٢٠٨، نقلاً عن دُرَرُ الفَرائدِ المُسْتَحْسَنَة في شرحِ مَنْظومةِ ابنِ الشِّحْنةِ (في علوم المعاني والبيان والبديع)، المؤلف: ابن عَبْدِ الحَقِّ العُمَرِيّ الطَّرَابُلْسِيّ (ت نحو ١٠٢٤هـ)، تحقيق ودراسة: الدكتور سُلَيمان حُسَين العُمَيرات، الناشر: دار ابن حزم، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى، ١٤٣٩هـ ـ ٢٠١٨م، ص 421.

([64]) https: //www. haydarya. com/maktaba ـ moktasah/15/book ـ 90/01. html

([65]) أبناء الرسول في كربلاء ـ خالد محمد خالد ـ الصفحة ٢٨. وينظر رسائل المقريزي، المقريزي، ص35.

([66]) الأخبار للزبير بن بكار المؤلف: الزبير بن بكار بن عبد الله القرشي الأسدي المكي (256هـ) تحقيق: سامي مكي العاني الناشر: عالم الكتب ـ بيروت الطبعة: الثانية، 1416هـ ـ 1996م الموفقيات، ص220 ـ 221.

([67]) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد لابن أبي الحديد بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم الجزء الأول دار احياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاه، ج ١ ـ الصفحة ٣٠٨

([68]) https: //www. haydarya. com/maktaba ـ moktasah/15/book ـ 90/01. html

([69]) الغدير ـ الشيخ الأميني، ج ٩، ص ٢٣٨.

https: //www. haydarya. com/maktaba ـ moktasah/15/book ـ 90/01. html

([70]) https: //www. haydarya. com/maktaba ـ moktasah/15/book ـ 90/01. html

([71]) نهج البلاغة، تحقيق صبحي صالح، ص ١٠٢.

([72]) أبناء الرسول في كربلاء، خالد محمد خالد، ص ٢٩.

([73]) رسائل المقريزي، المقريزي، ص 57.

([74]) التذكرة الحمدونية: محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن حمدون، أبو المعالي، بهاء الدين البغدادي (٥٦٢هـ)، الناشر: دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٧هـ، ج 1، ص 100.

([75]) أخرجه الترمذي في المناقب، حديث ٣٧٦٨. وقال: هذا حديث حسن صحيح.

([76]) الإمامة والسياسة تأليف الإمام الفقيه أبي محمد عبد الله بن مسلم ابن قتيبة الدينوري المتولد سنة 213 والمتوفى سنة 276ه‍ رحمه الله وهو المعروف بتاريخ الخلفاء تحقيق الدكتور طه محمد الزيني الأستاذ بالأزهر الجزء الأول الناشر مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع، ج ١، ص ٣.

([77]) صحيح: ورد من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ أنَّ رَسُوْلَ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عقَّ عن الحسن والحسين كبشًا كبشًا». أخرجه أبو داود 2841، والنسائي 7:  166، والطحاوي في المشكل 1: 457، والطبراني 11838.

([78]) سير أعلام النبلاء المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (748هـ) الناشر: دار الحديث ـ القاهرة، الطبعة: 1427هـ ـ 2006م، ج 4، ص 326 ـ 327.

([79]) البخاري: 3749. مسلم: 58 ـ 2422. (ت) ٣٧٨٣ [قال الألباني]: صحيح.

([80]) حسن: أخرجه البزار في مسنده حديث ٢٦٢٣. والترمذي بمعناه حديث ٣٧٦٩. وقال: هذا حديث حسن غريب. نقلا عن كتاب صفة الصفوة، ج 1، ص 301.

([81]) (حم) ٢٣١٥٥، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح. نقلا عن كتاب الجامع الصحيح للسنن والمسانيد [صهيب عبد الجبار]. ج 15، ص 496.

([82]) صفة الصفوة: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (ت ٥٩٧هـ) تحقيق: أحمد بن علي

الناشر: دار الحديث، القاهرة ـ مصر، الطبعة: ١٤٢١هـ ـ ٢٠٠٠م، ج 1، ص 299 ـ 301.

([83]) الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 140.

([84]) الشيعة في الميزان، محمد جواد مغنية، دار الشروق بيروت، ص 172 ـ 182.

([85]) جواهر التاريخ، الشيخ علي الكوراني العاملي، ج ٣، ص ١٠.

([86]) https: //www. almaaref. org/maarefdetails. php?id=13092&subcatid=1442&cid=171&supcat=33

([87]) أخرجه البخاري في الصلح حديث ٢٧٠٤. باب ٩. قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن رضي الله عنه: «إن ابني هذا سيد…».

([88]) ينظر الحسن بن علي بن أبي طالب، علي الصلابي، مكتبة الإيمان ـ المنصورة، ص 405.

([89]) صب العذاب على من سب الأصحاب، أبو المعالي محمود شكري بن عبد الله بن محمد بن أبي الثناء الألوسي (ت ١٣٤٢هـ)، دراسة وتحقيق: عبد الله البخاري، الناشر: أضواء السلف، الرياض، الطبعة: الأولى، ١٤١٧هـ ـ ١٩٩٧م، ص 437 ـ 438.

([90]) فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، ١٣٧٩

رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب عليه تعليقات العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، ج 13، ص 63.

([91]) ينظر جواهر التاريخ ـ الشيخ علي الكوراني العاملي، ج ٢، ص ٢٠٨.

([92])تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (ت ٣١٠هـ) الناشر: دار التراث ـ بيروت، الطبعة الثانية ـ ١٣٨٧هـ، ج 5، ص 162 ـ 163.

([93]) ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر: عبد الرحمن بن محمد بن محمد، ابن خلدون أبو زيد، ولي الدين الحضرمي الإشبيلي (٨٠٨هـ) المحقق: خليل شحادة، الناشر: دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، ١٤٠٨هـ ـ ١٩٨٨م، ج 2، ص 648.

([94]) رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ، السيد لطيف القزويني، ص ١٠٩.

([95]) https: //www. almaaref. org/maarefdetails. php?id=13092&subcatid=1442&cid=171&supcat=33.

([96]) الطبري، ج 5، ص 163.

([97]) المصنف في الأحاديث والآثار: أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي العبسي (ت ٢٣٥هـ)، تقديم وضبط: كمال يوسف الحوت، الناشر: (دار التاج ـ لبنان)، (مكتبة الرشد ـ الرياض)، الطبعة: الأولى، ١٤٠٩هـ ـ ١٩٨٩م، ج 6، ص 178، حديث رقم (٣٠٥٥٦) جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة المؤلف: أحمد زكي صفوت الناشر: المكتبة العلمية بيروت ـ لبنان، ص 14. الجزء المتمم لطبقات ابن سعد [الطبقة الرابعة من الصحابة ممن أسلم عند فتح مكة وما بعد ذلك]: أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالولاء، البصري، البغدادي المعروف بابن سعد (٢٣٠هـ)، تحقيق ودراسة: الدكتور/ عبد العزيز عبد الله السلومي، الناشر: مكتبة الصديق ـ الطائف، المملكة العربية السعودية، عام النشر: ١٤١٦هـ، ص 117.

([98]) مقاتل الطالبيين، ص 77.

([99]) المرجع السابق، ص 78.

([100]) سنن ابن ماجه: ابن ماجة أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، وماجة اسم أبيه يزيد (٢٧٣هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي

دار إحياء الكتب العربية ـ فيصل عيسى البابي الحلبي حديث رقم 121، [شرح محمد فؤاد عبد الباقي] [ش (فنال منه) أي نال معاوية من علي ووقع فيه وسبه]. [حكم الألباني] صحيح، ج 1، ص 45. ورواه ابن أبي شيبة في المصنف، (٣٢٠٧٨)، ورواه (ت) ٣٧٢٤، (م) ٣٢ ـ (٢٤٠٤).

([101]) أخرجه البخاري في الصحيح ٥:  ٣٣، ٨:  ٨ وأحمد في المسند ٢:  ٨٥، ٩٣، والطبراني في الكبير ٣: ١٣٧، وابن أبي شيبة ١٢: ١٠٠، وأبو نعيم في الحلية ٥: ٧١، ٧: ٣٦٥، والمتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم ٣٤٢٥٦، ٣٧٧١٩.

([102]) ينظر الإصابة في تمييز الصحابة، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (٨٥٢هـ) تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض، دار الكتب العلمية ـ بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٥هـ، ج 2، ص 67 ـ 72. باختصار. وينظر العوالم، الإمام الحسين عليه السلام، الشيخ عبد الله البحراني، ط 1، ص ٧.

([103]) المستدرك ٣: ١٩٤ ـ ١٩٥، كتاب معرفة الصحابة، أول فضائل أبى عبد اللَّه الحسين بن عليّ الشهيد رضى اللَّه عنهما، ابن فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم ٤٨٢٠ / ٤١٨) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي في (التلخيص): صحيح. ويقول المقريزي في إمتاع الأسماع، ج 6، ص 18 «الأسباط: ولد يعقوب ـ وهو إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام ـ وكانوا اثنى عشر رجلا، وفي الحديث المرفوع: الحسن والحسين سبطاي من هذه الأمة، والقبائل في العرب كالأسباط في بنى إسرائيل، فكان الأسباط قبائل الأنبياء، فلذلك سمى الحسن والحسين: السبطان، لأن أولادهما قبيلتا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من أجل أنهما ولد فاطمة الزهراء بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. قال ابن سيده: والسبط ولد الابن والابنة، ومنه الحسن والحسين سبطا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، والسبط من اليهود كالقبيلة من العرب، وهم الذين يرجعون إلى أب واحد سمى سبطا ليفرق بين ولد إسماعيل وولد إسحاق عليهما السلام، وجمعه أسباط».

([104]) إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع: أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي (٨٤٥هـ)، المحقق: محمد عبد الحميد النميسي، دار الكتب العلمية ـ بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٢٠هـ ـ ١٩٩٩م، ج 5، ص 364.

([105]) جوامع السيرة وخمس رسائل أخرى لابن حزم: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (ت ٤٥٦هـ)، المحقق: إحسان عباس، الناشر: دار المعارف، مصر، الطبعة الأولى، ١٩٠٠م، ص 357 ـ 358.

([106]) رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ. وهو من فرق الأمة وشتتهها، وما نحن عليه الآن إلا نتاج من ذلك، فأصبحت الأمة شيعا متفرقة نقلا عن مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي (٨٠٧هـ) المحقق: حسام الدين القدسي، الناشر: مكتبة القدسي، القاهرة، عام النشر: ١٤١٤هـ ـ ١٩٩٤م، حديث رقم (١٥٦١٥).

([107]) تاريخ الخلفاء: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (٩١١هـ)، المحقق: حمدي الدمرداش، الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز، الطبعة الأولى، ١٤٢٥هـ ـ ٢٠٠٤م، ص 156.

([108]) جمل من أنساب الأشراف: أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البَلَاذُري (٢٧٩هـ)، تحقيق: سهيل زكار ورياض الزركلي، الناشر: دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٧هـ ـ ١٩٩٦م، ج 5، ص 286.

([109]) الإمامة والسياسة، ابن قتيبة الدينوري، تحقيق الزيني، ج ١، ص ١٤٨.

([110]) أخرجه أحمد في المسند ٤: ١٧٢، وفي الفضائل، ١٣٦١، والطبراني ٢٢: ٧٠٢، والحاكم ٣: ١٧٧، والمزي في تهذيب الكمال ١٠: ٤٢٦ ـ ٤٢٧ من طريق عفان، بهذا الإسناد، وصحح الحاكم إسناده، ووافقه الذهبي.

([111]) أبناء الرسول في كربلاء، خالد محمد خالد، ص ٢٣.

([112]) الكشف والبيان عن تفسير القرآن: الثعلبي، ج 24، ص 87 ـ 88. مختصر تاريخ دمشق، ابن منظور، ج 14، ص 283 ـ 284.

([113]) أخرجه الطبراني برقم ٢٨٤٧ والهيثمي في مجمع الزوائد ٩: ٢٠١ والذهبي في سير الأعلام ٢٨٤ ٤ ٣

([114]) مسند أحمد، (648)؛ وأخرجه البزار (٨٨٤)، وأبو يعلى (٣٦٣)، والطبراني (٢٨١١) وابن أبي شيبة وأبي يعلى، حسين أسد (٣٦٣)، وحكم حسين سليم أسد: إسناده حسن.

([115]) السهلة: الرمل الخشن وليس بالدقيق الناعم.

([116]) موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، نور الدين الهيثمي، حسين أسد، إسناده حسن (2241).

([117]) المستدرك ٣:  ١٩٤ ـ ١٩٥، كتاب معرفة الصحابة، أول فضائل أبى عبد اللَّه الحسين بن عليّ الشهيد رضى اللَّه عنهما، ابن فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث رقم (٤٨٢٠ / ٤١٨) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي في (التلخيص): صحيح.

([118]) شرح سنن ابن ماجة المسمى «مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه» و«القول المكتفى على سنن المصطفى» محمد الأمين بن عبد الله بن يوسف بن حسن الأُرمي العَلًوي الأثيوبي الهَرَري الكري البُوَيطي، مراجعة لجنة من العلماء برئاسة: الأستاذ الدكتور هاشم محمد علي حسين مهدي، الناشر: دار المنهاج، المملكة العربية السعودية ـ جدة، ج 2، ص 57، الطبعة الأولى، ١٤٣٩هـ ـ ٢٠١٨م.

([119]) البداية والنهاية: ابن كثير، ج 8، ص 146 ـ 147.

([120]) موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام، لجنة الحديث في معهد باقر العلوم عليه السلام، ص ٣٤٥.

([121]) مقتل الحسين عليه السلام، أبو مخنف الأزدي، ص ٨٤. تاريخ الطبري، ج 5، ص 402.

([122]) الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج 3، ص 159.

([123]) تاريخ الإسلام، الذهبي، ج 2، ص 731.

([124]) تاريخ الإسلام، الذهبي، ج 2، ص 731.

([125]) ينظر البداية والنهاية، ابن كثير، ج 11، ص 646 ـ 650. سنرد مما ذكره ابن حزم «وأما عبد الله بن الزبير فاستجار بمكة، فبقى هنالك إلى أن أغزى يزيد الجيوش إلى المدينة، حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى مكة، حرم الله تعالى، فقتل بقايا المهاجرين والأنصار يوم الحرة. وهي أيضاً أكبر مصائب الإسلام وخرومه، لأن أفاضل المسلمين وبقية الصحابة وخيار المسلمين من جلة التابعين قتلوا جهراً ظلماً في الحرب وصبراً. وجالت الخيل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وراثت وبالت في الروضة بين القبر والمنبر، ولم تصل جماعة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا كان فيه أحد، حاشا سعيد بن المسيب فإنه لم يفارق المسجد؛ ولولا شهادة عمرو بن عثمان ابن عفان، ومروان بن الحكم عند مجرم بن عقبة المري بأنه مجنون لقتله. وأكره الناس على أن يبايعوا يزيد بن معاوية على أنهم عبيد له، إن شاء باع، وإن شاؤوا أعتق؛ وذكر له بعضهم البيعة على حكم القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بقتله فضرب عنقه صبراً. وهتك مسرف أو مجرم الإسلام هتكاً، وأنهب المدينة ثلاثاً، واستخف بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومدت الأيدي إليهم وانتهبت دورهم؛ وانتقل هؤلاء إلى مكة شرفها الله تعالى، فحوصرت، ورمي البيت بحجارة المنجنيق، تولى ذلك الحصين بن نمير السكوني في جيوش أهل الشام، وذلك لأن مجرم بن عقبة المري، مات بعد وقعة الحرة بثلاث ليال، وولى مكانه الحصين بن نمير. وأخذ الله تعالى يزيد أخذ عزيز مقتدر، فمات بعد الحرة بأقل من ثلاثة أشهر وأزيد من شهرين. وانصرفت الجيوش عن مكة. (ابن حزم، جوامع السيرة لابن حزم، ص 357 ـ 358). ماذا نقول؟

([126]) ينظر كربلاء، الثورة والمأساة، أحمد حسين يعقوب، ص ١٦١ ـ 160. وقد رُوي عن أبى سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال: مَنْ قال حين يخرج إلى الصَّلاة اللَّهمَّ إنِّي أسألك بحقِّ السَّائلين عليك وبحقِّ ممشاي فإني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا رياء ولا سمعةً، خرجت اتِّقاء سخطك وابتغاء مرضاتك…). الأشر والبطر بمعنى وهو الافتخار والطغيان وكفران النعمة وعدم شكرها؛ وقيل الأشر أشد البطر والله أعلم… راجع: الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، الساعاتي، أحمد بن عبد الرحمن، ج 2، ص 213.

([127]) تاريخ الطبري، ج 5، ص 403.

([128]) ينظر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تأليف مركز الرسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 1 سلسلة المعارف الاسلامية، ص 25 ـ 27.

([129]) التذكرة الحمدونية، ج 1، ص 100.

([130]) رواه النسائي، ح ٨٣٨.

([131]) بصائر الدرجات: ٣٨٨، الحديث ٥، الباب ٦، باب في الأئمة عليهم السلام أنهم يوفقون ويسددون….؛ البحار ٢: ١٧٥، الباب ٢٣، باب أنهم ع عندهم مواد العلم وأصوله، الحديث ١٥. وفي بصائر الدرجات: حماد بن عيسى.

([132]) يُنظر: تفسير ابن عاشور 4: 32؛ قواعد التفسير، للسبت 2: ؛ تفسير المنار، لمحمد رشيد رضا 4: 40 ـ 41)، و تفسير ابن عاشور 4: 43، نقلاً عن: https: //dorar. net/tafseer/3/34#tt16

([133]) مقتل الحسين عليه السلام، أبو مخنف الأزدي، ص ٦.

([134]) الكافي ١: ٥٤، ح ٢.

([135]) كنـز العمال: ٩٠٣.

([136]) تفسير الميزان، السيد الطباطبائي، ج ١٦، ص ١٨٢.

([137]) http: //arabic. bayynat. org/HtmlSecondary. aspx?id=508

([138]) الإحكام في أصول الأحكام، المؤلف: علي بن محمد الآمدي، علق عليه: عبد الرزاق عفيفي، الناشر: المكتب الإسلامي، (دمشق ـ بيروت)، الطبعة الثانية، ١٤٠٢هـ، ج 1، ص 246 ـ 247.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً