أحدث المقالات
 
المقدّمة
من الموضوعات المندرجة تحت مقولة: حرية الكلمة والقلم، وتستحقّ البحث والدراسة، مسألة «منع الكتب والنشريات المضلّة»; فقد طرح العلماء المسلمون منذ قديم الأيام هذا الموضوع في الدراسات الفقهية، وهم الذين كانوا يرون أنفسهم مكلّفين بحفظ الإيمان وصيانة العقائد الإسلامية الصحيحة، في وظيفة هامة وأساسية.
ولم يسبق أن طُرح هذا البحث في المصادر الفقهية، وهو يقوم ـ فقط ـ على القواعد والعمومات; حيث تمكّن الفقهاء ـ باجتهاداتهم ـ من استخراج مجموعة أحكام تتصل بالموضوع، مثل حفظ كتب الضلال، وبيعها وشرائها، وتعليمها وتعلّمها، وطباعتها واستنساخها، وما إلى ذلك.
ومن البديهي أنه مع إقامة الدولة الإسلامية وبسط يدها، يصبح من الضروري إخراج هذه الأحكام، التي تعدّ أحكاماً اجتماعية هامة لحفظ المعتقدات الدينية والأحكام الإسلامية، من القالب الفتوائي لتدخل إطار القوانين والمقررات الإسلامية; من هنا لا بدّ من إعادة دراسة هذه القضية من جوانبها كافّة، حتى لا نسلب المجتمع مناخات البحث والفكر الجديد والتنمية العلمية والمعرفية، وبعبارة جامعة: الاجتهاد الحراكي الحيوي; بحجة الحفاظ على العقائد الصحيحة الإسلامية، الأمر الذي يؤدي ـ من الناحية الأخرى ـ إلى سلب أحد الحقوق الرئيسية من الناس، عنيتُ حق حرية الكلمة والفكر والتعبير، ما يفضي في نهاية المطاف إلى مفاسد عظيمة، كإيجاد حالة التنفّر من القوانين الإسلامية، واختفاء الأفكار والعقائد الباطلة، لتصبح خارجةً عن السيطرة، وبعيدة عن المتناول في النقد والإبطال.
انطلاقاً من ذلك كلّه، يغدو من المناسب جداً دراسة هذا الموضوع بشكل كامل، حيث يعدّ من أهم المباحث الرئيسة في حرية الكلمة والفكر والتعبير، وبنيةً
 
سابقة البحث
لابدّ من التفتيش عن انطلاقة موضوع كتب الضلال في كلام الشيخ المفيد في كتاب «المقنعة»، فقبل المفيد لا توجد أيّة إشارة لهذا الموضوع في أيٍّ من الكتب والمصادر الفقهية، ولا أثر لهذا العنوان فيها، وقد وضع الشيخ المفيد عنواني: «كتب الكفر» و«كتب الضلال» إلى جانب بعضهما، معتبراً أن أيَّ فعل اقتصادي يخدم حفظ هذه الكتب أو ترميمها أو استنساخها أمرٌ محرّمٌ.
يقول: «ولا يحلّ كتابة كتب الكفر وتجليده في الصحف، إلا لإثبات الحجج في فساده، والتكسّب بحفظ كتب الضلال وكتبه على غير ما ذكرناه حرامٌ»([1]).
وقد جرى الفقهاء بعد المفيد، مثل: الشيخ الطوسي([2])، وابن البراج([3])، وابن إدريس([4])، في كتبهم، على تأييد ما قاله الشيخ المفيد، لدى حديثهم عن عنوان «حرمة حفظ كتب الضلال أو الاستئجار لذلك».
ويقول سلار أيضاً في «المراسم»: «فأما المحرَّم… الأجر على كتب الكفر، إلا أن يراد به النقض»([5]).
إن ما تعطينا إياه نتيجة البحث والتنقيب في هذا الموضوع هو أن أول من نفى وجود أيّ خلاف في هذا الموضوع ـ تحريم حفظ كتب الضلال ـ بين الفقهاء هو العلامة الحلي في كتابي: «المنتهى»([6]) و «التذكرة»([7]).
وشيئاً فشيئاً أخذ عنوان «كتب الضلال» يتسع تدريجياً، إلى أن جاء في عبارة الشهيد في «الدروس» زيادة «الكتب المنسوخة وكتب البدعة»; حيث يقول: «يحرم نسخ الكتب المنسوخة وتعلّمها وتعليمها، وكتب أهل الضلال والبدع; إلا لحاجة من نقض أو حجة أو تقية»([8])، ويلاحظ في هذا النص أنّ الشهيد الأوّل لم يقتصر على وضع كتب الضلال إلى جانب الكتب المنسوخة وكتب البدع، وإنّما حرّم أيضاً تعليمها وتعلّمها، جاعلاً ومضيفاً التقية على موارد الاستثناء من هذه الحرمة.
وبعد الشهيد الأوّل جرى الفقهاء على جمل شبيهة بكلامه، مع اختلافات يسيرة في دائرة الموضوع، أو متعلَّقه، أو في موارد الاستثناء، مؤيِّدين ـ بدورهم ـ هذا الحكم في هذه المسألة.
أما الإمام الخميني فقد حرّم في «تحرير الوسيلة» تمام أنواع التصرف في هذه الكتب تقريباً، كحفظها واستنساخها ومطالعتها وتدريسها وتعلّمها، عندما لا يكون هناك غرض صحيح لذلك; كما اعتبر أن إتلاف القسم الذي يحتوي على شبهات ومغالطات يعجز غالب الناس عن حلّها ودفعها… واجبٌ، يقول: «يحرم حفظ كتب الضلال، ونسخها، وقراءتها، ودرسها، وتدريسها، إن لم يكن غرض صحيح في ذلك، خصوصاً ما اشتمل منها على شبهات ومغالطات عجزوا عن حلّها ودفعها، ولا يجوز لهم شراؤها وإمساكها وحفظها، بل يجب عليهم إتلافها»([9]).
والفقيه الوحيد ـ ذو المسلك الإخباري ـ الذي توقف في الحكم بالحرمة؛ انطلاقاً من عدم وجود دليل نصي على ذلك، وناقش في الحكم بالحرمة، حاملاً بعنف بعد ذلك على أساس علم أصول الفقه وجذره، هو المحدِّث البحراني في «الحدائق»([10])، وقد واجه البحراني بعد ذلك اعتراضات شديدة، إلى حدّ أن السيد العاملي، صاحب «مفتاح الكرامة»، اعتبر أن كلمات صاحب الحدائق في هذا الموضوع من مصاديق الضلال، حيث يقول: «ومن الضلال المحض، الذي يجب إتلافه على مذهب الشهيد الثاني، كلامُ صاحب الحدائق في المسألة في آخر عبارته، حيث افترى على أصحابنا وأساطين مذهبنا بأنهم اتبعوا في تدوين الأصول استحساناً»([11]).
 
تحديد موضوع البحث
من نتائج فقدان النص الصريح في ما يتعلّق بالحكم الفقهي لكتب الضلال تلك الاختلافات التي وقعت بين الفقهاء حول موضوع التحريم الموجود هنا، حيث وقع الاختلاف في تفسير كلمة «الضلال» في العنوان; فقد استخدمت في معاني عدة، منها:
1 ـ الضلالة مقابل الهداية; وعليه فالكتب الضالة هي تلك الكتب التي صنّفت لإضلال الناس، حتى لو اشتملت على مطالب وأفكار صحيحة حقّة.
2 ـ الضلال بمعنى الباطل في مقابل الحق; فأيّ كتاب يحتوي أموراً باطلة يُحسب من كتب الضلال، فإذا كان هناك كتاب يستوعب جملة أفكار، لكنها لا تقوم على استدلال صحيح، أو لا فائدة تعود منها، فإنه يعدّ من كتب الضلال، وهو مشمول للأحكام المترتبة على هذه الكتب، حتى لو لم يترتب في الخارج أيّ ضلال وإضلال بسبب هذه الكتاب؛ بحيث وقف القراء على جوانب الباطل فيه.
فإذا أخذنا بالمعنى الأوّل المتقدم ـ أي الضلال مقابل الهداية ـ سوف يطرح بحث آخر في هذه المسألة حينئذ، وهو أيٌّ من هذين النوعين للضلالة هو المراد هنا؟
النوع الأوّل: أن يكون هدف الكاتب هو إضلال الآخرين.
النوع الثاني: أن يقع الإضلال خارجاً على أرض الواقع، رغم أن غرض الكاتب لم يكن ذلك.
 
1 ـ كلمات الفقهاء في تبيين مفهوم «الضلال»
يقول السيد محمد جواد العاملي في «مفتاح الكرامة»: «… المدار على اختلاف الأغراض والمقاصد وترتب المصالح والمفاسد، فما وُضع أو حُفظ للاستدلال على تقوية الضلال الإسلامي أو الإيماني أو الضلال المخالف للحكم الشرعي الثابت بالدليل القطعي، يجب إتلافه من غير ضمان»، ثم ميّز بين الكتب التي تكتفي بذكر الأحكام دون استدلال ـ مثل كتب الفقه والحديث عند غير الشيعة ـ وتلك التي تكون من النوع المتقدِّم أعلاه، فالحكم يختلف فيهما، من هنا; يحكم بإتلاف المجموعة الأولى المتقدِّمة أعلاه وجوباً، فيما يكون حكم المجموعة الثانية هو حرمة حفظها واستنساخها([12]).
ويكتب المغفور له النراقي في بيان المراد من الكتب الضالة، فيقول: «المراد بالضلال ما خالف الحق، كما يخالف الضروري، أو بحسب علم المكلف خاصّة، وأما ما خالفه بحسب ظنّه فلا»([13]).
ويكتب الشيخ الأنصاري في «المكاسب» ـ بعد الإشارة إلى ضرورة تنقيح عنوان البحث ـ، فيقول: «فلابدّ من تنقيح هذا العنوان، وأن المراد بالضلال ما يكون باطلاً في نفسه، فالمراد الكتب المشتملة على المطالب الباطلة؛ أو أن المراد به مقابل الهداية، فيحتمل أن يراد بكتبه ما وضع لحصول الضلال، وأن يُراد ما أوجب الضلال وإن كانت مطالبها حقة، كبعض كتب العرفاء والحكماء»([14]).
أما صاحب الجواهر فوضع عنوان «الرشاد» مقابل عنوان الضلال، وبهذا أدخل في عنوان كتب الضلال تمام الكتب غير المفيدة([15]).
وكما لاحظنا فإن نظرية السيد جواد العاملي، والشيخ محمد حسن النجفي ـ فيما ينسبه إلى أستاذه كاشف الغطاء ـ من أنها التي «وضعت للاستدلال على تقوية الضلال»([16])، تستدعي إقحام دوافع الفرد نفسه من وراء تأليف الكتاب أو حفظه; لأن الدافع له تأثير خاص على بلورة مفهوم كتب الضلال.
أما على أساس نظرية الشيخ الأنصاري، والتركيز على تأثيرات الكتاب على المجتمع، فلا أهمية أساسية لدوافع الفرد، إنما المهم تلك الآثار الخارجية للفعل.
وأما على أساس نظرية صاحب الجواهر فالمهم هو طبيعة الشيء المكتوب، هل هو مفيد أم غير مفيد؟، بصرف النظر عن الدوافع والتأثيرات.
من هنا يبدو لنا ـ قبل أيّ حكم أو تقييم مسبقين ـ أنه من الضروري دراسة الأدلّة والمستندات بدقة، حتى نتمكن ـ عبرها ـ من تحديد الشروط والقيود اللاحقة للحكم هنا، أو دائرته ونطاقه، فتكون واضحةً أمامنا.
 
2 ـ دائرة الموضوع وسعته
تحديد دائرة البحث ونطاقه من الموضوعات الأساسية الأخرى هنا، والتي قد تحرّك مسير البحث أحياناً من المجال الخارج ـ ديني إلى النطاق الداخل ـ ديني، وأحياناً الى النطاق المذهبي الداخلي الخاص، والمقصود أنه بعد البحث في مورد الضلالة ومعناها الدقيق يتوجه السؤال التالي: إلى أيّ مدى يطال هذا المفهوم؟ وإلى أين يصل؟ فهل يختص بالكتب العقيدية، ولا يتخطى إطار أصول الأديان، أم أنه يستوعب الفرق والمذاهب والمدارس الكلامية أيضاً؟
إن دراسة حركة فتاوى الفقهاء وأدلتهم هنا تفضي إلى الاقتناع بعدم اختصاص هذا البحث بالنطاق الخارج ـ ديني، أي إطار ما هو خارج الأديان، ولاسيّما أن هناك مفردات وعناوين استند إليها بعضهم وردت في هذا الموضوع، مثل عنوان «البدعة» في كلمات الشهيد وسائر الفقهاء، فهذا كلّه يدعم فرضية عدم انحصار البحث بنطاق الخارج ـ ديني.
ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل تخطى بعض الفقهاء ـ مثل صاحب الجواهر([17]) وصاحب مفتاح الكرامة([18]) ـ هذه الدائرة، ليطال الموضوع عندهم الاختلافات الفقهية والاجتهادية، مستخدمين عبارة «الضلال» في حق بعض النظريات والآراء الفقهية لعلماء كبار، مثل: الشهيد الأوّل، وصاحب الحدائق.
من هذا كلّه يغدو من المناسب في سياق تحديد البحث، ومع الأخذ بالأدلّة والعمومات، وعدم الخروج عن دائرتها ومفاداتها، والأخذ بعين الاعتبار أيضاً البُعد التعليلي في هذا الموضوع، الذي يغلب عليه طابع الحيلولة دون تزلزل إيمان الناس وعقائد أفراد المجتمع… من هذا كلّه يجب الحذر الشديد كي لا يصل الاجتهاد القائم على أساس حيوية الفقه وحراكيته إلى طريق مسدود بجدار تهمة الضلالة والإضلال، وهو ما يؤدي بدوره إلى خسارة الكثير من الحلول المقدّمة لفكفكة معضلات المجتمع ومشكلاته، والتي طالما قدمها فقهاء كبار، مثل: المحقق الأردبيلي، والشهيد الأوّل، والميرزا الشيرازي، والإمام الخميني; بحجة عناوين الضلال، وأمثال ذلك، وهو ما يجرّ علينا ـ لو حصل ـ مفاسد أعظم، وضلالات أوسع، وسيؤدي ـ في ما يؤدي ـ إلى التنفر من الدين، والانزجار منه، والاصطدام بالمنغلقات في الكثير من القضايا الاجتماعية في الإسلام.
هذا كلّه سيبدّل حركة ترغيب الناس ودعوتها إلى الإسلام ـ وهي الحركة التي بذل رسول الله’ تمام وجوده في سبيلها ـ إلى حركة أخرى مخالفة لها; وذلك أنه بمرور الزمان، وظهور المستجدات والمستحدثات من المسائل، وتطوّر البشر في المجالات المادية المختلفة، إلى جانب الرشد العقلاني، والحاجة إلى آليات جديدة في مجال البحث الديني، تتولَّد ضرورة لإعادة النظر في بعض الأحكام التي غلب على أدلّتها توافق الفقهاء، دون وجود نصوص شرعية صحيحة، ومن الواضح أن عنوان البدعة، والضلال، والإضلال، والتأثير السلبي على عقائد الناس وإيمانهم، ونحوها من العناوين، ستشكل وسيلة للحيلولة دون البحث والتحقيق في هذا المجال.
متعلّق الحكم
البحث عن متعلّق الحكم أحد الأبحاث الأساسية في قضية «كتب الضلال»، بمعنى أنه بماذا تتعلّق الحرمة المذكورة في كلمات الفقهاء حول الكتب الضالة؟ وذلك أن الذي يظهر من كلمات الفقهاء ـ أصحاب الفتوى ـ يرتبط بشكل أكبر بمسألة حفظ كتب الضلال، مثل ما يظهر من الشيخ المفيد في «المقنعة»([19])، وابن البراج في «المهذب»([20])، والمحقق الحلي في «شرائع الإسلام»([21])، والعلامة الحلي في «تذكرة الفقهاء»([22])، والمرحوم النراقي في «مستند الشيعة»([23])، والمحقق الأردبيلي في «مجمع الفائدة»([24]).
وقد حكم أغلب هؤلاء الفقهاء بحرمة المعاملات المالية والإنتاج المالي عبر هذا الطريق، أما المسائل المهمة، مثل: تأليف هذا النوع من الكتب، ومطالعتها، ونشرها أو توزيعها، فنجد لها حضوراً أقلّ في كلمات الفقهاء، وربما لوضوح الحرمة لم يذكر بعض الفقهاء هذه الأمور.
لكن ـ مع ذلك كلّه ـ لا بدّ من البحث في عدة جوانب، هي على الترتيب: 1 ـ الإيجاد والتأليف. 2 ـ الحفظ والرعاية. 3 ـ المطالعة. 4 ـ النشر والتوزيع. 5 ـ التعليم والتدريس.
وحيث إن كلمات الفقهاء، على مستوى الأدلّة والشواهد، قد جاءت ضمن حديثهم عن مسألة الحفظ والرعاية للكتب الضالّة; لهذا لن نراعي الترتيب المتقدم للموضوعات، بل سنشرع في مسألة الحفظ ورعاية كتب الضلال أوّلاً.
 
المسألة الأولى: كتب الضلال; الحفظ والرعاية
أ ـ النظريات والآراء
هناك نظريات مختلفة في حفظ كتب الضلال; فبعض الفقهاء لا يرى ذلك حراماً، ويذكره بصراحة ووضوح، مستثنياً حالة ترتُّب الفساد على ذلك، فإذا ترتب الفساد حرم الحفظ، جاء في كتاب «المكاسب»: «وقد تحصّل من ذلك أن حفظ كتب الضلال لا يحرم، إلا من حيث ترتب مفسدة الضلالة قطعاً أو احتمالاً قريباً»([25])، بل بعضٌ آخر ـ كالمحقق الكركي ـ يرى وجود كثير من الفوائد المترتبة على حفظ كتب الضلال، حيث يقول: «والحقّ أن فوائده كثيرة»([26]).
ويمكن القول: إن أغلب الذين قبلوا بحرمة كتب الضلال لم يشكّوا في حرمة حفظها ورعايتها; فقد ادّعى العلامة الحلي في «منتهى المطلب» نفي الخلاف عن حرمة الحفظ; فقال: «ويحرم حفظ كتب الضلال ونسخها لغير النقض أو الحجة عليهم، بلا خلاف»([27])، ونفي الخلاف هذا في كلمات العلامة سرعان ما تحوّل تدريجياً فيما بعد إلى ادعاء الإجماع; حيث يقول صاحب «الرياض» في هذا المجال: «وعليه الإجماع عن ظاهر >المنتهى<»([28]).
 
ب ـ أدلّة القائلين بحرمة حفظ كتب الضلال، قراءة ونقد
1 ـ المستند القرآني
الآية الأولى: آية تجنب لهو الحديث
جرى التمسّك ـ في سياق أدلّة حرمة حفظ كتب الضلال ـ بالآية السادسة من سورة لقمان; حيث تقول: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْم وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان: 6].
فقد جاءت هذه الآية في كلمات الشيخ الأنصاري بوصفها دليلاً على الحرمة هنا، ولعلّه يمكن القول: إن عمدة الدليل، والدليل العمدة، على حرمة حفظ كتب الضلال هو هذه الآية الشريفة، مع الأخذ بعين الاعتبار شأن نزولها في ابن الحارث، الذي سعى للسفر إلى إيران في عهد النبي الأكرم’ لتهيئة كتب الأساطير، وإعادة إنتاجها في الوسط العربي في الجزيرة العربية، هادفاً بذلك الوقوف بوجه هداية القرآن الكريم([29]).
 
كيفية الاستدلال، وقفة نقدية
تقريب الاستدلال بهذه الآية الشريفة ـ بصورة إجمالية ـ هو أنها جعلت شراء لهو الحديث، والكلام الفارغ الخالي من الفائدة والأساس؛ لأجل الإضلال، موجباً لاستحقاق العذاب، والشراء هنا يعني مطلق السلطة والاستيلاء المنجر إلى الضلالة.
وفي نهاية المطاف أيّ كتاب مشتمل على موضوعات باطلة، ويكتب بهدف إضلال الآخرين، يستدعي عذاباً من هذا النوع، وحفظه حرام ومبغوض عند الله تعالى.
ولتشريح الاستدلال هنا نحتاج لتفسير وتحليل بعض المفردات الواردة في الآية الشريفة:
أ ـ «اشتراء»: وتعني الشراء، لكن لا شك أنه لا خصوصية للشراء هنا; لأن ملاك الذم هو مطلق السلطنة (الإضلال) التي تكون في جهة الضلال، والشاملة لكل نشاط يضع بين يدي الإنسان «لهو الحديث»، ولا أهمية ـ مع الغرض ـ لكيفية إدارة المضلّ لحركة الإضلال ووسائله.
ب ـ «لهو الحديث»: تعني هذه الكلمة ـ كما جاء في التفاسير ـ الكلام الباطل، والغناء أيضاً، والمقصود منها هنا ـ مع الأخذ بعين الاعتبار أسباب النزول ـ هو الأساطير والكلام الذي لا أساس له([30]).
ج ـ «ليُضلّ»: وهي مضارع باب الإفعال، وهي ظاهرة في حصول الإضلال عن قصد وإرادة مسبقين، بمعنى أن يشتري شيئاً أو يوفر كلاماً باطلاً بقصد إضلال الغير، واللام في {ليُضل} هي لام التعليل أو الغاية، وكلاهما يعنيان قصد الفاعل وإرادته.
وعليه; فإذا صنّف شخص كتاباً لا بهدف الإضلال، بل بقصد الهداية، حتى لو التبس الأمر عليه في التحديد الميداني للقضية، فهو جاهل قاصر، وليس مشمولاً لعنوان: «من يشتري لهو الحديث ليُضلّ»; وبهذا القيد تخرج عن شمول التعليل الموجود في الآية تمام الكتب الاستدلالية التي ألّفت لتحكيم وتوثيق النظريات والأسس، ولم يكن غرض المؤلف منها الإضلال.
بل إن ضرورة تحقق الإضلال ـ من جهة أخرى ـ ثابتة أيضاً هنا; إذ في غير هذه الحال لن يكون فعل الفاعل سوى تجرياً على المولى، الأمر الذي يدرجه في القبح الفاعلي، لا الفعلي.
د ـ «سبيل الله»: يرى العلامة الطباطبائي أن سياق الآية يستدعي أن يكون المراد من {سبيل الله} هو القرآن الكريم([31]).
وتعبير {سبيل الله} في هذه الآية، مع ملاحظة شأن النزول في مورد القرآن الكريم، يعني تلك الضلالة التي تواجه القرآن الكريم، وتقابل طريق الأنبياء والنبي الأكرم’ والإسلام، فهنا يجب مواجهة هذه الضلالة وإخراجها من حلبة الصراع; لأن تطهير العقول من صدأ الخرافات يظل أمراً ضرورياً للإرشاد إلى سبيل الله، برفع الحوائل التي يضعها المضلّون لمنع وصول إشعاعات النور القرآني وإشراقاته، وهذا هو ما تعطيه الآية الشريفة.
إن ما يستبطنه هذا القيد في الآية يتناسب مع تبريرات وتفسيرات حكم العقل بلزوم قلع مادة الفساد، مما سنبيّنه لاحقاً بعون الله.
هـ ـ «بغير علم»: توهّم بعضهم أن المقصود من {بغير علم} أن يصدر هذا الفعل من فاعله عن جهل، فتترتب عليه أحكام من يفعل الفعل عن علم، وقد غفل هذا البعض عن عدم إمكانية توجّه الخطاب للجاهل، أو أن الحرمة لا تكون منجزةً في مورده، ولا يقبل أن يرد عليه عنوان {عذاب مهين}; لأن تكليف الجاهل تكليفٌ بما لا يطاق، ومعاقبته لا يمكن الجمع بينها وبين قبح العقاب بلا بيان، وهذا كلام برهاني لا يقاومه أي نصّ أو ظهور يقدّم مفهوماً آخر، وكما يقال: «النص لا يقاوم البرهان».
من هنا فلا بدّ من البحث عن تفسير آخر; والذي يبدو لنا أن قيد {بغير علم} يعني بدون وعي، بل عن هوى وسفاهة، حيث يُقدِم الفاعل على إضلال الناس منطلقاً من سفاهته وهواه وميوله، بل إن هذا المعنى الذي قدّمناه أكثر انسجاماً مع ظاهر الآية.
و ـ «يتخذها هزواً»: المراد بهذه الكلمة السخرية بسبيل الله; بحيث يكون هدف الفاعل من {لهو الحديث} الإنقاص من مكانة القرآن المجيد، حتى يضعه إلى جانب كتب الأباطيل والأساطير والخرافات، ومثل هذا الشخص يستحق العذاب بلا نقاش، كما أن عمله هذا سيكون حراماً.
ونستنتج مما تقدم أن هناك شرطاً آخر ـ غير كون الهدف من الفعل إضلال الآخرين ـ، وهو أن يكون الغرض السخرية والاستهزاء بالقرآن الكريم، ومنهج النبي الأكرم’ في هداية البشر.
ز ـ «لهم عذاب مهين»: تعدّ هذه الجملة من القرائن الدالة على لزوم حصول القصد والدافع من الفاعل; فإن العقل عندما يرى في بعض الأفراد عدم وجود مسوّغ لمجازاتهم وإنزال العقاب بهم فإن موقفه هذا سيجعل هذه الفقرة في آخر الآية قرينةً وشاهداً على خروج هؤلاء عن دائرة الدلالة، حتى لو كانت الفقرات السابقة ـ بعمومها أو إطلاقها ـ تستوعب هؤلاء الأفراد، وهذا معناه أنه لو استظهر من بعض كلمات الآية الكريمة، مثل: {مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ}، شمول العذاب لكل من يشتري هذه الكتب، مهما كان هدفه وقصده، وسواء كان ذلك منه عن علم وإدراك لما يفعل أم لم يكن، إلاّ أن ملاحظة قاعدة قبح العقاب بلا بيان تعطينا حصراً للعذاب بمن يقدم على الفعل عن معرفة وقصد، فإذا لم يهدف بفعله هذا الإضلال والاستهزاء، وإنما أراد تقديم الفوائد من شرائه وبيعه وحفظه هذا النوع من الكتب، فمثل هذا الشخص لا يكون مشمولاً للإطلاق أو العموم المختزن في الآية الشريفة.
وبعد دراسة فقرات هذه الآية الشريفة، يظهر من مجموع ما تقدم أن القيود المذكورة في الآية، ومناسبات الحكم والموضوع، والمتفاهم العرفي منها، تدلّ بأجمعها على حرمة حفظ «لهو الحديث» بأنواعه، وكذلك تعليمه، وتعلّمه، ونشره، وهو كل كتاب باطل أعدّ لإضلال الناس.
وقد نقول: إنه لا خصوصية لعنوان «لهو الحديث»، لكن قيد {ليُضلّ} يعدّ غايةً وتعليلاً مسبباً لاستحقاق العذاب; من هنا فالكتب التي تتصف ـ فقط ـ بأنها من «لهو الحديث»، إلا أنها لم توضع في سياق الإضلال عن «سبيل الله»، لا يلحقها حكم الحرمة، تماماً كما يرى العلامة الحلي أن كتب الأمثال والحكايات، المشمولة لسبب نزول الآية، جائزةٌ، وليست بحرام; حيث يقول: «لا بأس بالأمثال والحكايات وما وقع وضعه على ألسُن العجمات»([32]).
يضاف إلى ذلك أن الكاتب يجب أن يكون قصده من وراء الكتاب إضلال الناس; إذ لو كان الملاك هو الوقوع الخارجي للإضلال، دون أيّ تدخل لغرض حافظ الكتاب; فإن الكثير من الكتب الفلسفية، المحتوية على مضامين عالية، ستندرج في دائرة كتب الضلال؛ إذ بعضها مضلّ فعلاً، بل قد ندخل القرآن الكريم ـ نعوذ بالله ـ في هذه الدائرة أيضاً; لأنه يوجب الضلالة لمن يواجه مشكلةً في فهمه; مع أن القرآن جاء لهداية الإنسان، قال تعالى: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2]، لكن في بعض الأحيان قد يكون القارئ أو السامع ضعيفاً في الفهم والاستيعاب، إلى جانب وجود مناخ محيط به، قد يلعبان ـ ضعف الفهم ووجود المناخ ـ دوراً في حرف فكره; فيما مؤلّف الكتاب يعتبرها جزءاً من أغراضه الرئيسة، وعلى سبيل المثال: استند بعضهم إلى قوله تعالى: {فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ…} [النساء:95] للحكم بجواز اغتيال بعض الشخصيات، مثل: شهداء المحراب؛ أو ما حصل في تاريخ الإسلام من التمسّك بآية: {إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِِ} [يوسف: 40] في مقابل القرآن الناطق: علي×، حيث قال× حول هذه الآية: «كلمة حق يراد بها الباطل»([33])، كما أنه تم الأخذ بآية: {رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الاَْرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً} [نوح: 26] للحكم بقتل شيعة علي×، بل وممارسة ذلك; لأن الخوارج كانوا يعتبرون أن أتباع الإمام علي× صاروا كفاراً بقبولهم التحكيم.
 
الآية الثانية: آية اجتناب قول الزور
قال سبحانه: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الاَْوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 30].
استند الشيخ الأنصاري([34])، والمحقق النجفي([35])، وغيرهما، إلى هذه الآية لإثبات حرمة كتب الضلال؛ وذلك باعتبار هذه الكتب من مصاديق قول الزور المأمورين بالاجتناب عنه. يقول صاحب الجواهر: <يستفاد حرمته أيضاً مما دلّ على وجوب اجتناب قول الزور>.
وحيث يرى الشيخ الأنصاري أن ترتب الإضلال خارجاً ركنٌ أساس في حرمة كتب الضلال، لم يرَ الاستدلال بهذه الآية الكريمة صحيحاً، وهي التي فسّرت بالقول الباطل، والعادات الخرافية التي كانت بين العرب في الجزيرة، كما يقرّ بذلك المفسّرون([36])، من هنا اعتبر الأنصاري أن التمسك بهذه الآية لإثبات الحرمة هنا تمسّـكٌ بدليل أخص من المدّعى؛ إذ حتى لو قبلنا بتفسير <الزور> بمعنى الباطل، وعنونة كتب الضلال بعنوان الباطل، إلا أن قول الزور عنوانٌ يشمل بعض الباطل، ولا يستوعب النصوص والمصنفات المكتوبة.
وإذا رأينا أن الاجتناب عن «القول الباطل» يستوعب الاجتناب عن «المكتوب الباطل»، فإنه مع ذلك يظل الأمر مختصاً بإنتاج أثر فكري باطل، أو قبوله والأخذ به، ولا يشمل حفظه ورعايته.
أما على نظرية صاحب <الجواهر> في تفسير الضلال فنحن ـ إضافة إلى الإشكالات المتقدمة ـ مضطرون لتوسعة دائرة الحرمة إلى حدّ لا يمكن لأيّ فقيه الالتزام به.
 
الآية الثالثة: آية الافتراء والكذب على الله تعالى
قال تعالى: {انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُبِيناً} [النساء: 50].
استدلّ صاحب الجواهر([37]) ـ في ما استدلّ به هنا ـ بهذه الآية الكريمة، لكن طريقة الاستدلال غير واضحة; ولعلّ المراد أن كتب الضلال من مصاديق «الافتراء على الله»، مما يعني أنه يجب اجتنابها.
وفي هذه الحال يرد عليه: إن هذه الآية ـ كسابقتها ـ في مقام الحديث عن إيجاد القول الزور والافتراء على الله، أي هي نهي عن إحداث الكذب عليه سبحانه، أما لو وقع هذا الكذب أو الافتراء فماذا نفعل معه؟ هل نحرقه بالنار أم نحفظه عندنا؟ فهذا ما يسكت عنه هذا الدليل.
 
الآية الرابعة: آية النهي عن النسبة إلى الله سبحانه
قال تبارك وتعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ} [البقرة: 79].
استدلّ بهذه الآية أيضاً صاحب <الجواهر>، منفرداً بذلك([38])، وكيفية الاستدلال هنا كحال الاستدلال بالآية السابقة، غير مبيَّن ولا واضح، ولعلّ مقصوده أن الوعيد، الذي جاء في الآية عذاباً لمن يكتب كتب الضلال، يدلّ على مبغوضية هذه الكتابات، الأمر الذي يؤدي ـ في نهاية المطاف ـ إلى تحريم حفظ هذه الكتب ورعايتها.
والجواب عن هذا الاستدلال واضح أيضاً; لأن العذاب المتوعّد به من نصيب الكاتب الذي يكتب كتب الضلال ناسباً إياها إلى الله تعالى، مثل كتب التوراة والإنجيل المحرّفة؛ فإن المحرّفين ينسبون كلماتهم إلى الله سبحانه، ووفقاً لذلك نكون قد اتبعنا ـ في تحليلنا ـ نظريةَ صاحب <الجواهر> نفسه في تفسير الضلال والضلالة.
أما في حالة عدم نسبة كاتب الكتاب هذا الكتاب إلى الله تعالى فإن الآية لم توضح حكمه، بل هي ساكتة عن هذا الموضوع، وبتعبير آخر مصطلح: ليست الآية في مقام البيان من هذه الناحية، وبهذا اتضح ـ أيضاً ـ عدم إمكانية الأخذ بنظرية صاحب <الجواهر> في تفسير الضلال.
 
الآية الخامسة: آية حرمة الإعانة على الإثم
قال عزّ من قائل: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الاِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
يعدّ النهي عن التعاون على الإثم أحد الأدلّة الأخرى التي استُند إليها لتحريم حفظ كتب الضلال، وذلك بتقريب أن معصية الإضلال تتحقق من خلال حفظ كتب الضلال، هذا معناه أن حفظها حرام.
وقد اعتمد صاحب الرياض على هذا الدليل، وقال: «مع أن فيه نوعُ إعانة على الإثم»([39]).
لكن صاحب «مستند الشيعة» اعتبر أن الاستناد إلى هذا الدليل استدلالٌ بما هو أخصّ من المدّعى، وقال: «والتمسك بحرمة المعاونة على الإثم غير مطرد»([40]).
والذي يبدو أن الإعانة الفعلية مربوطة بالقصد، ومختصة بما إذا أقدم الشخص على مساعدة آخر بهدف تحقق المعصية، وفي مورد حفظ كتب الضلال لا يتم التحريم إلا إذا حفظ الإنسان هذا الكتاب قاصداً من ذلك إضلال الآخرين، وفي غير هذه الحال ـ كما إذا حفظه لترسيخ أفكاره الشخصية، أو كَتَبَه لهداية الآخرين، وكان مخطئاً في فهمه، وقاصراً في اجتهاده ـ لا يكون مشمولاً للإعانة؛ حيث لا تحقُّق للإثم حينئذٍ، حتى يكون حفظ هذه الكتب إعانةً على الإثم والمعصية.
 
2 ـ مستند السنّة الشريفة
أ ـ رواية تحف العقول
«… وكل منهيّ عنه مما يتقرّب به لغير الله، أو يقوى به الكفر والشرك…»([41]).
استدل بهذه الرواية النراقي([42])، وصاحب <مفتاح الكرامة>([43])، وصاحب <الجواهر>([44])، والشيخ مرتضى الأنصاري([45]).
تبيّن هذه الرواية أمراً أساسياً وقاعدة عامة كلية، وهي أن أيَّ شيء يبعث على تقوية الكفر والشرك، أو على إضعاف الحقّ، فهو حرام، وحفظ كتب الضلال باعث على تقوية الكفر والشرك وإضعاف الحق، مما ينتج عنه حرمة حفظ هذه الكتب، بل إنّ الرواية نفسها تتحدث أيضاً عن حرمة الإمساك والحفظ.
ونكتفي ـ للجواب عن هذا الاستدلال بهذه الرواية ـ بما ذكره المحقق الإيرواني، حيث قال: «هذه الرواية مخدوشة بالإرسال، وعدم اعتناء أصحاب الجوامع بنقلها، مع بُعد عدم اطّلاعهم عليها، مع ما هي عليه ـ في متنها ـ من القلق والاضطراب، وقد اشتبهت في التشقيق والتقسيم كتب المصنِّفين، والاعتمادُ عليها ـ ما لم تُعضد بمعاضد خارجية ـ مشكلٌ»([46]).
 
ب ـ رواية عبد الملك بن أعين
يقول عبد الملك بن أعين: قلت لأبي عبد الله×: إني قد ابتليت بهذا العلم، فأريد الحاجة، فإذا نظرت في الطالع، ورأيت الطالع الشرّ، جلستُ ولم أذهب فيها، وإذا رأيت طالع الخير ذهبت في الحاجة، فقال لي: «تقضي؟» قلت: نعم، قال: «أحرق كتبك»([47]).
وقد استدلّ الشيخ الأنصاري بهذه الرواية([48]).
وآلية الاستدلال بهذه الرواية تقوم على أن أمر الإمام بإحراق الكتب الباعثة على ضلال السائل يدلّ على أنّ أيّ شيء يؤدي إلى الضلالة يجب إحراقه وإتلافه وإعدامه، ولا يجوز حفظه، ومع أن مورد الرواية هو علم النجوم، إلا أنها تسري إلى مورد بحثنا ـ وهو حفظ كتب الضلال ـ بتنقيح المناط وإلغاء الخصوصية.
ويمكن الجواب عن هذا الاستدلال بالقول:
أوّلاً: إن إثبات وجوب إتلاف الكتب قائم على مولوية أمر الإمام في الرواية، تماماً كما اعتبر الشيخ الأنصاري الحرمة هنا مبنيةً على مولوية الأمر بالإحراق، وأنه لا إرشادية في البين، وهذا أمرٌ صعب; لأن الإمام أراد بما قال أن يخلّص السائل من الحكم طبقاً للنجوم، وقد قال الأنصاري: «بناءً على أن الأمر للوجوب دون الإرشاد»([49]).
ولحن الرواية هنا يقوّي البُعد الإرشادي فيها; لأن السائل عندما عرض المشكلة، لخصها في ابتلائه بالحكم على أساس النجوم، والإمام كالطبيب يسأل مريضه عن أن قضاءه هذا وحكمه كان على أساس هذه الكتب أو هذا العلم أم لا، وعندما سمع الجواب الإيجابي من السائل أوصاه بحرق كتبه، وهذا هو اللحن الإرشادي الذي يستخدمه الطبيب في معالجة مرضاه، وليس لساناً مولوياً وأمرياً يصدر من العالي إلى من تحت يده، حتى يستنتج منه الوجوب.
ثانياً: لقد ذكر الإمام أنه إذا كان السائل يحكم على أساس هذه الكتب فليحرقها، وتفصيل الإمام معناه ـ مفهومياً ـ أنه لو لم يحكم على أساسها لم يكن حفظها ـ في حدّ نفسه ـ حراماً.
 
ج ـ رواية أبي عبيدة الحذّاء
«… من علّم باب ضلال كان عليه مثل أوزار من عمل به…»([50]).
وقد استدل المحقق النراقي بهذه الرواية([51]).
وطريقة الاستدلال بهذه الرواية واضحة، والأوضح منها الإشكال عليها; وذلك أن الحديث مرتبط بالتعليم والتدريس، ولا يشمل سوى أولئك الذين يروّجون الضلال عبر هذا الطريق. إذاً فترويج الضلالة الذي يستدعي متابعةً من الناس هو سبب الحرمة; لهذا لا يستفاد من هذه الرواية حرمة حفظ كتب الضلال; لأن حفظها يسبق تعليمها، وأحياناً يكون بعد التعليم والتدريس.
 
د ـ رواية الأمر بإلقاء التوراة
ينقل العلامة الحلي روايةً تقول: «خرج رسول الله’ ]علي×[ يوماً إلى المسجد وفي يد عمر شيء من التوراة، فأمره بإلقائها، وقال: لو كان موسى وعيسى‘ حيّين لما وسعهما إلا اتّباعي»([52]).
وتقريب الاستدلال بهذه الرواية أن أمر النبي’ بإلقاء بعض الكتب، مثل: التوراة والإنجيل، وتركها، إنما هو لعلّة عنصر الإضلال الموجود فيها، وهذا بنفسه دليلٌ على أن أيّ كتاب مُضِلّ لا بدّ من إلقائه بعيداً، ومن ثَمّ فحفظ هذه الكتب يكون حراماً.
لكن يفهم من هذه الرواية أنه إذا كانت التوراة والإنجيل سبباً لعدم اتباع النبي الأعظم، وموجبةً للانحراف عن سبيله، لزم رميها جانباً، وإلا فلا مانع منها.
والجدير ذكره أن عنوان التوراة والإنجيل ـ بوصفهما كتابين سماويين لشريعتين سابقتين منسوختين ـ يمنع عن إلغاء الخصوصية فيهما، ويحول دون تسرية الحكم إلى الموارد المشابهة.
علماً أن الرواية مرسلةٌ، لا سند لها.
 
3 ـ المرجع العقلي في نظرية التحريم
كانت الأدلّة العقلية من ضمن الأدلّة التي تمسّك بها الفقهاء في مجال تحريم حفظ كتب الضلال، أو وجوب إتلافها، حيث نجد ـ بشكل أو بآخر ـ ظهوراً لهذه الأدلّة في ثنايا كلمات أكثرهم، بل إن بعضهم ـ مثل المغفور له السيد أحمد الخوانساري& ـ اعتبر أن أهم الأدلّة هنا هو حكم العقل([53]).
لقد اعتُمد هنا على لزوم قلع مادة الفساد، ودفع الضرر المحتمل، ولزوم دفع المنكر، وقبح الإعانة على المعصية، بوصفها وجوهاً عقلية دالة على تحريم حفظ ونشر وتوزيع كتب الضلال، من هنا كان من الضروري دراسة هذه الأدلّة وكيفية الاستدلال بها، ثم إخضاعها للتقييم; لتحديد مدى صحتها من سقمها، بهدف إعادة قراءة موقعها في بحثنا هنا.
وبما أن أجوبة بعض هذه الوجوه، مثل: دليل قبح الإعانة على الإثم، قد تمّ التعرّض لها واتضحت في ما سبق من أبحاث سنركز على الأدلّة العقلية العمدة والرئيسة في هذا البحث؛ لتسجيل أجوبة عليها.
 
أ ـ دليل لزوم قلع مادّة الفساد
اعتبر أصحاب هذا الاستدلال أن كتب الضلال تمثل مادة الفساد؛ من حيث إفضاؤها إلى تضليل المجتمع، وعليه يمكن الاستناد إلى القاعدة الكلية العامة: «لزوم قلع مادة الفساد ودفع الظلم»، وتطبيقها على كتب الضلال; لإثبات وجوب إتلافها.
وقد كان السيد الخوئي من الذين ناقشوا الاستدلال بهذا البرهان العقلي; حيث قال: «فيرد عليه أنه لا دليل على وجوب دفع الظلم في جميع الموارد، وإلا لوجب على الله، وعلى الأنبياء والأوصياء، الممانعة عن الظلم تكويناً»([54]).
ولتوضيح ملاحظته نقول: بعد أن يدرك العقل قبح الظلم يغدو الاستدلال على وجوب إتلاف مادة الفساد؛ لإثبات حرمة حفظ أو وجوب إتلاف كتب الضلال، قائماً على مقدّمتين:
الصغرى: إن حفظ كتب الضلال (مادة الفساد) ظلمٌ.
الكبرى:إن دفع الظلم وقلعه واجب بحكم العقل.
ونتيجة ذلك: وجوب إتلاف كتب الضلال ودفع ظلمها.
والسيد الخوئي ناقش في كبرى الدليل هنا، معتبراً أن لازم الوجوب العقلي بدفع الظلم والفساد هو وجوب أن يمنع الله وأنبياؤه وأوصياؤه الظلم تكويناً; لأن الوجوب العقلي يشمل تمام العقلاء، ومن بينهم رئيس العقلاء، ومن التبعات الفاسدة واللوازم الباطلة لهذا الوجوب العقلي المدَّعى هو المنع التكويني ـ بمعنى الجبر وسلب قدرة الإنسان ـ، مع أن هذا العالم هو عالم الإرادة والاختيار الإنساني، والإنسان لن يسلب فيه الإرادة أبداً، قال تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان: 3].
والجواب الآخر هنا على هذا الاستدلال هو أننا حتى لو قبلنا حكم العقل بلزوم قلع مادة الفساد، وأن ترك ذلك قبيح، إلا أننا نقطع بأن هذا الحكم ليس نافذاً في تمام الموارد، وإنما هو على صلة بالفساد العام، الباعث على وقوع الخلل في النظام الحياتي وفي أركان المجتمع، مثل: العفة، والأمن العام، وعقائد المجتمع، أما في ما يخص بضعة كتب أو نشريات، لا تصل إلى مستوى البعد العام للمجتمع، فإنه لا يمكننا إصدار مثل هذا الحكم، نعم لو كان نشر مثل هذه الكتب واسعاً جداً لحقه الحكم المذكور، وهذا يعني أن هذا الحكم لا يلحق كتب الضلال بما هي في نفسها.
والدليل على ذلك أن العقل يميّز بين الفساد العام ـ ممّا أسلفناه ـ وغيره; فإنّ هذا النوع من القضايا من خصوصيات العقل التي لا بدّ أن يُسأل العقلُ نفسهُ عنها.
وإذا قبلنا بحكم العقل في أصل الموضوع هنا فإن كيفية مواجهة الظلم والفساد لا بدّ أن يُرجع فيها إلى العقل أيضاً كي يحدّدها لنا; وعليه فتفسيرُ دفع مادة الفساد بالإلغاء التكويني للأوراق والكتب والأغلفة تدخلٌ في شؤون الفهم العقلي للموضوع؛ إذ الجواب عن الشبهات بأساليب مختلفة، وإقامة الحجج والأدلّة، يعدّان ـ من وجهة نظر العقل ـ من أفضل أساليب مواجهة كتب الضلال، ومن ثَمّ دفع الظلم والفساد، وليس السبيل الوحيد للمواجهة منحصراً في إتلاف الكتب وإعدامها من الوجود.
 
ب ـ دليل لزوم دفع المنكر
برهان وجوب دفع المنكر كان ـ هو الآخر ـ أحد الأدلّة التي ذكرت لوجوب إتلاف كتب الضلال، أو حرمة حفظها.
ولا بدّ ـ في سياق عرض كيفية الاستدلال هنا ـ من القبول أوّلاً بأن كتب الضلال تعدّ من المنكر، وأن العقل يحكم بوجوب دفع المنكر، ومع ذلك فإنّ هذا الدليل يحتاج أيضاً إلى عدة مقدمات أخرى; إذ بدونها سيظلّ ناقصاً، وهي:
المقدمة الأولى: دفع المنكر واجب.
المقدمة الثانية: الرفع والدفع واحد، أو بحكم الواحد، عند العقل.
النتيجة: رفع المنكر واجب أيضاً.
لكن يجاب أوّلاً: كما يُلاحظ فإنه بعد إثبات المقدّمة الأولى (دفع المنكر واجب) لا بدّ من إثبات الادعاء القائل بأن العقل لا يرى امتيازاً بين رفع المنكر، الراجع إلى ما بعد وقوعه، ودفع المنكر، الراجع إلى ما قبل الوقوع، وأنه يرى الدفع كالرفع واجبين، مع أن الرفع يقع في مرحلة العمل، فيما يقع الثاني في مرحلة التصميم واتخاذ القرار، وعلى فرض وجود دليل في مورد الرفع على جواز التصرّف في ما يرجع إلى الآخرين (وقد أثبتنا ـ في موضعه ـ عدم وجود مثل هذا الدليل) إلا أنه لا يوجد أيّ دليل محكم في مورد التصميم واتخاذ القرار على نقض الحدود، وثبوت الحق في التصرُّف في أموال الآخرين (الأمر الذي ثبتت حرمتُه بأدلّة محكمة).
ثانياً: على فرض الإقرار بوجود وجوب عقلي على رفع المنكر إلا أن الشيء الجدير بالتأمل هنا هو أن كتب الضلال ليست منكراً في حد نفسها، وإنما هي مما يترتب عليه المنكر، فالكتاب وحفظه ليس منكراً، وإنما هو شيء يمكن توظيفه في السوء والمنكر، ولا يوجد عندنا دليل على لزوم دفع مثل هذه الأمور.
ثالثاً: إذا اعتقد شخص بمحتوى الكتاب، وعمل على أساس ذلك، وتلقاه بوصفه أمراً معروفاً، وليس منكراً، فلا دليل عندنا على معاقبة مثل هذا الشخص، ومن ثَمّ لا دليل على لزوم الدفع هنا، اللهم إلا في بعض الموارد التي علمنا فيها من مذاق الشارع أنه لا يرضى بوقوعها مطلقاً خارجاً، وهذا الأمر غير متوفِّر في تمام كتب الضلال، فالدليل هنا أخصّ من المدَّعى.
رابعاً: إن تمام الإشكالات التي عرضناها عند الحديث عن حكم العقل بلزوم قلع مادة الفساد تجري في هذا الدليل أيضاً، الذي يعدّ ـ بشكل من الأشكال ـ عين الدليل المتقدم، مثل: هل أن السبيل الحصري لرفع المنكر هو تحريم حفظ كتب الضلال، أو وجوب إتلافها وإفنائها؟!
 
4 ـ دليل الإجماع أو نفي الخلاف
كان العلامة الحلي في كتاب «منتهى المطلب» أوّل من ادّعى نفي الخلاف عن تحريم حفظ ورعاية كتب الضلال، وكذلك استنساخها، حيث قال: «ويحرم حفظ كتب الضلال ونسخها لغير النقض أو الحجة عليهم، بلا خلاف»([55]).
ويقول المحقّق الأردبيلي: «قد يكون إجماعياً أيضاً، يفهم عن <المنتهى>»([56])، ويبين صاحب <الرياض> بقوله: «وعليه الإجماع عن ظاهر <المنتهى>»([57])، أن كلام العلامة الحلي ظاهر في الإجماع، وبهذا عبّر صاحب <الرياض> عن ادعاء العلامة نفي الخلاف بالإجماع.
وفي مقابل هؤلاء خالف المحدِّث البحراني هذا الإجماع، منكراً ـ من الأساس ـ مثل هذه الأحكام التأسيسية، ومدّعياً أنّها استندت إلى بعض التعليلات غير الصائبة([58]).
ولا يمكن اعتبار كلام المحدث البحراني صحيحاً; لأن أساس الاجتهاد في هذه الأمور صحيح، وإلا لو كان المفترض الحكم طبقاً لوجود نص صريح فقط فإن عدد الأحكام الصادرة سيكون محدوداً على الأصابع، ولأدى ذلك إلى سدّ باب الاجتهاد.
 
وقفة نقدية مع دليل الاجماع
من هنا فالجواب عن الإجماع في مسألتنا يكون كالتالي:
أوّلا: لا إجماع ـ أساساً ـ في هذه المسألة، والتعبير الأوّل جاء بنفي الخلاف، وقد استنتج منه استنتاجاً وجود إجماع.
ثانياً: مع وجود مدارك محددة للفتاوى هنا فلا فائدة من هذا الإجماع، بل سيكون مدركياً لا قيمة له، وبدراسة مدارك الفتاوى لا نعود بحاجة إلى عقد بحث مستقل في الإجماع هنا، ولا معنى لذلك.
 
أدلّة أخرى على نظرية التحريم
تصادفنا في كتب الفقه ـ بشكل أو بآخر، هنا وهناك ـ بعض الأدلّة الأخرى التي استُند إليها، ونشير إليها هنا أيضاً.
 
1 ـ حفظ كتب الضلال دليل على الرضا بمحتوياتها
جاء هذا الدليل في كلمات المحقق الأردبيلي([59])، وصاحب <مفتاح الكرامة>([60])، حيث يقول الأردبيلي: «وأن حفظها ونسخها ينبئ عن الرضا بالعمل والاعتقاد بما فيه».
إلا أنه من الواضح أنه لا ملازمة بين الحفظ والرضا بالمحتوى أو العمل والاعتقاد بما فيه، فما أكثر الذين يكرهون مضمون كتابٍ ما إلا أنهم يحتفظون به في بيوتهم، ولذا فهذا الدليل خاص بحالة ما إذا حكى الحفظ عن الرضا; لسبب أو لآخر، وإلا فلا يمكن جعل مطلق الحفظ دليلاً على الرضا أبداً.
الشبهة الأخرى هنا حول حرمة الرضا بالعمل، فهل هذه الحرمة ثابتة، أم أنها تحكي فقط عن خبث الباطن والقبح الفاعلي، وما لم يصدر من الشخص هذا العمل فلا توجد حرمة تلحقه؟
 
2 ـ اشتمال كتب الضلال على البدعة
ذهب الشهيد في «الدروس»([61])، والمحقق الأردبيلي في «مجمع الفائدة»([62])، والمغفور له السيد جواد العاملي في «مفتاح الكرامة»([63])، بذكرهم العنوان أعلاه في بحث كتب الضلال، إلى أن هذه الكتب يجب دفعها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فضمن تعداده للأدلّة المحرِّمة في هذا البحث ذكر المحقق الأردبيلي «اشتمال كتب الضلال على البدعة» كواحد من هذه الأدلّة، فقال: «ولعلّ دليل التحريم… ، وأنها مشتملة على البدعة، ويجب رفعها من باب النهي عن المنكر».
ولكن يُجاب أوّلاً: جاء في تعريف البدعة أنها إحداث معتقد، أو عادة، أو ديانة، في مجال الدين، لم يرد به شيء في القرآن وسنة النبي والأئمة([64])، ويطلق السيد المرتضى عنوان <البدعة> على إنقاص أو زيادة أمر في الدين من طقوس أو…([65]).
ومع الأخذ بعين الاعتبار هذا التعريف يكون التمسك بدليل البدعة ووجوب رفعها تمسّكاً بالدليل الأخصّ من المدَّعى، لأن الكثير جداً من كتب الضلال ليس بدعةً، وكاتبها لا يكتبها بوصفه معارضاً للدين.
اللهم إلا أن يُخصّ هذا الدليل بكتب البدعة، ولا سيما أن الشهيد الأوّل في «الدروس» وضع كتب البدعة إلى جانب كتب الضلال، حيث قال: «يحرم نسخ الكتب المنسوخة، وتعلّمها، وكتب أهل الضلال والبدع، إلا لحاجة من نقض أو حجة أو تقية».
وإذا كان العطف هنا تفسيرياً، أي كان تفسيراً لكتب الضلال، فإن دليله هنا سيواجه مشكلةً، أما لو كان من باب ذكر الخاص بعد العام، وكان دليل التحريم ناظراً للبدعة، لا للضلال، فإن المشكلة سترتفع تلقائياً.
أما في ما يخصّ كلمات المحقق الأردبيلي، حيث قال: «… وأنها مشتملة على البدعة، ويجب رفعها من باب النهي عن المنكر» فيُناقش بأنه في حال اشتمال هذه الكتب على البدعة يجب أن نبحث في أنه إذا اشتمل كتاب على فكرة حرام هل حفظ هذا الكتاب بأكمله يكون حراماً أم أن المحرّم هو حفظ ذاك القسم الخاص بالبدعة؟
ثانياً: الذي نراه أن هناك فرقاً بين النهي عن المنكر من جهة ورفع المنكر وإنكاره من جهة أخرى، فالنهي هو الحيلولة ـ فقط ـ عن صدور المنكر من خلال الكلام واللسان، ولا يجوز التصرّف في أموال الآخرين وأنفسهم بحجة هذا العنوان إطلاقاً([66]).
وفي خاتمة المطاف نقول: كل ما قلناه في التعليق على قضية رفع المنكر سابقاً يجري هنا أيضاً.
 
3 ـ وجوب مجاهدة أهل الضلال
أحد الأدلّة التي استند إليها صاحب <الجواهر> فقط هنا هو دليل وجوب الجهاد مع أهل الضلال، حيث قال: «ويستفاد أيضاً مما دلّ على وجوب جهاد أهل الضلال وإضعافهم بكلّ ما يمكن»([67])، شارحاً طريقة الاستدلال بهذا الدليل بعد ذلك بالقول: «ضرورة معلومية كون المراد من ذلك تدمير مذهبهم بتدمير أهله، فبالأولى ما يقتضي قوّته».
ويجاب عن هذا الاستدلال بأن بحث الجهاد الابتدائي وفلسفته وكيفية ممارسته ـ مع الأخذ بعين الاعتبار مجموعة الشروط المأخوذة فيه، مثل: حضور الإمام المعصوم×، وتحصيل الإذن منه ـ ليس أمراً واضحاً بالنسبة إلينا نحن اليوم في عصر الغيبة فهل هدف الجهاد هو رفع الموانع أمام تبليغ الإسلام، أم رفع الظلم، أم كسر شوكة غير المسلم وإبادة المذاهب والأديان الأخرى؟ فتمام هذه الأمور فرضيات متعدّدة تجعل الدافع الرئيس للحرب في الإسلام غير واضح بالنسبة إلينا، بل تلقي عليه حالة من الإبهام والغموض، من هنا فالأولوية المذكورة في كلام المحقق النجفي غير واضحة، بل تواجه مشكلةً حقيقية.
ومع الغضّ عما تقدم إذا كان حفظ الكتب على علاقة مباشرة بتقوية الكفار وأهل الضلال، وقبلنا بذلك وبأنّ كل ما يقوّي أو يتصل بتقوية هؤلاء يجب منعه، فإن القبول بهذه النتيجة ليس بالأمر بالصعب، إلا أن هذا الارتباط غير واضح على إطلاقه، زماناً ومكاناً ومورداً وحالة، فليس هذا هو السبيل الوحيد في تمام الأمكنة والأزمنة للحيلولة دون تقوية الكفار وأهل الضلال، فما دام يمكن مواجهة أهل الضلال بالحجة والجدال والمناظرة؛ لإثبات بطلان أفكارهم، واستخدام المنهج المنطقي المانع عن إضلال المجتمع، فإن استخدام الأساليب المتقدمة يوهم فرض العقائد ومنع حرية العقيدة والبيان، وهو أمر غير جائز.
واللطيف أن صاحب <الجواهر> اعتبر في نهاية بحثه أن أكثر كتب المخالفين والملل الفاسدة تعدّ تالفةً بعد نقضها من قبل أصحابنا، وهذا معناه أنه اعتبر أن البحث والمناظرة والنقض والاحتجاج عليهم هو بمثابة إتلاف لأفكارهم، ولا يرى أن الإتلاف، الذي يعني إعدام الوجود المادي للكتب، واجباً([68]).
 
نتيجة البحث في حفظ كتب الضلال
توصلنا ـ بعد البحث في الأدلة المعروضة من جانب الفقهاء، وعدم كفايتها ـ إلى أن حفظ كتب الضلال ليس بحرام، إلا إذا كان حفظها موجباً، على نحو القطع واليقين أو على نحو الاحتمال القوي، لترتب الضلالة خارجاً، فهنا يُبنى على حكم العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل، ولا سيما في المحتمل جداً، ويحكم بحرمة حفظ كتب الضلال ورعايتها.
 
المسألة الثانية: مطالعة كتب الضلال
يصرّح صاحب <الجواهر> وغيره بأن مطالعة كتب الضلال حرام، ويضعها ـ إلى جانب تدريس هذه الكتب ـ متعلَّقاً للنهي، فيقول: «بل يحرم مطالعتها وتدريسها»([69]). لكن مع الالتفات إلى سعة عنوان «كتب الضلال» عند المحقق النجفي، بحيث تشمل كل كتاب غير مفيد، يجب حظر الكثير جداً من المكتبات العامة وصفوف الدراسة وما إلى ذلك.
إلا أنه يجب الانتباه إلى أنه عندما يكون معنى الضلال هو الانحراف عن المسير الذي جاء الأنبياء الإلهيون لهداية البشر إليه، كما قال تعالى: {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْم وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً} [لقمان: 6]، فإن المطالعة تصبح محظورةً عندما يُكتب الكتاب بهدف إضلال الناس، قاصداً مؤلِّفه ذلك، ويكون في الكتاب احتمال التأثير في عقائد الناس وأفكارها.
من هنا يذهب صاحب <الرياض> إلى أن الذي لا يطمئن بثباته، بل يحتمل أن يقع تحت تأثير كتب الضلال، لا يجوز له مراجعتها; لوجوب دفع الضرر المحتمل([70]).
ومع ذلك كلّه نجد بعض الآيات([71]) والروايات([72])، الآمرة بالبحث والتدبّر والتفكر والتأمّل والتفتيش، والمرغِّبة في ذلك، تبعث على مطالعة أيّ كتاب أو مصنّف، وتجيز مطالعته بهذا الغرض.
لكن يُجاب عن ذلك بأن الأمرَ بالتفكر والبحث لاختيار دين أو مذهب قائمٌ على أساس الاختيار، ومنعُ مطالعة كتب الضلال أمرٌ مرتبط بما بعد اختيار المعتقد، أي عندما يختار الإنسان معتقداته على أساسٍ واعٍ وحرّ فهنا يحكم العقل؛ من باب لزوم دفع الضرر المحتمل، ولا سيما في المحتملات الحائزة على أهمية خاصة، بحيث يكون الاحتمال الضعيف فيها منجزاً، يحكم العقل بلزوم الاجتناب عن كل ما يبعث على الضلالة والزيغ والوقوع في الهلكة.
 
المسألة الثالثة: تأليف كتب الضلال
يحرم تأليف وتدوين الكتب التي يترتب عليها الفساد والضلالة على نحو العلم، أو ضمن الحدّ المعتبر من الاحتمال، وهذه الحرمة تثبت طبقاً للأدلّة التالية:
الدليل الأوّل: جريان الأولوية القطعية، وذلك أن تأليف مثل هذه الكتب التي تفضي إلى تلاشي الإيمان، وهدم الاعتقادات، وتضعضع قيامة الدين، أكبر مفسدةً وخطراً في الشرع المقدس من بعض المقدمات التي منعت عنها الشريعة، تماماً كما جاء في بعض الروايات من تحريم زراعة ما يستخرج منه الخمر بقصد الحصول عليها([73])، أو صناعة المجسمات والأصنام للعبادة، وقد جاء في كلام صاحب <الجواهر> ما نصّه: «بل هي أولى حينئذ بالحرمة من هياكل العبادة المبتدعة»([74]).
الدليل الثاني: إن هذا العمل ـ التأليف والتصنيف ـ من المصاديق البارزة للإعانة على الإثم.
الدليل الثالث: إذا حكمنا بحرمة حفظ كتب الضلال; ففي كل مورد حكمنا فيه بذلك يصبح إيجاد هذه الكتب حراماً بطريق أولى، وإتلافُها واجباً; وذلك أنه إذا كان حفظ كتاب حراماً فإن إحداثه وإيجاده سيكون حراماً أيضاً، فعندما يكون تنظيف المسجد من النجاسة واجباً فإن تنجيس المسجد سيكون حراماً قطعاً، وعندما يكون النهي عن المنكر واجباً فإن إيجاد المنكر في المجتمع سيكون حراماً بطريق أولى.
الدليل الرابع: إن التأليف والتدوين من جانب من لا يعتقد بهذه الكتب يعدّ إغراءً بالجهل، وهو ما يحكم العقل بقبحه، كما يمنع عنه الشرع أيضاً.
ويتبين من ملاحظة ما تقدم بداهة الحكم بحرمة تأليف كتب الضلال، ولعلّه لوضوح هذا المطلب لم يبحث فيه الفقهاء، وركزوا دراساتهم على ما يخصّ كتب الضلال بعد تأليفها وتدوينها، كالحفظ ونحوه.
ولا يفوتنا أنه إذا لم يترتب إضلال على الكتب المؤلَّفة، ولو بسبب ضعف قلم مؤلِّفها، ووضوح بطلان مضمونها، فمن البعيد أن يُحكم بالحرمة حينئذ، ويكتفى في ذلك بجريان التجري والقبح الفاعلي، والذم واللوم في حقّ المؤلِّف فقط.
 
المسألة الرابعة: النشر والتوزيع
لا شك أن أحد الدوافع الرئيسة لحكم الفقهاء صريحاً بحرمة حفظ كتب الضلال ووجوب إتلافها، هو الحيلولة دون انتشار هذه الكتب وشياعها في المجتمع، ففي السابق كان الاستنساخ هو الوسيلة الوحيدة للنشر، من هنا حرّم الفقهاء أيّ نوع من التعامل الاقتصادي في هذا المجال، واعتبروا الناتج والربح منه غير شرعيّ أيضاً.
وفي هذا المضمار يشير صاحب «مفتاح الكرامة» لفتوى عدة من الفقهاء، فيقول: «قد صرّح في <السرائر> في موضع منها، <والشرايع>، <والنافع>، <والإرشاد>، <وشرحه>، <واللمعة>، <والتنقيح>، <وإيضاح النافع>، <وجامع المقاصد>، <والميسيّة>، <والمسالك>، <والروضة>، <ومجمع البرهان>، وغيرها، بحرمة حفظ كتب الضلال ونسخها»([75]).
وبملاحظة الأدلّة والمدارك المتوفرة نجد أن القدر الجامع والقاسم المشترك بينها جميعاً هو لزوم الحيلولة أمام ما يبعث على الضلال ويطيح بالمعتقدات; فإن حفظ الأصول العقائدية الدينية هو الهدف الأساس لإرسال الرسل، وإنزال الكتب الإلهية والسماوية، وقد بذلت في هذا السبيل طاقات وجهود تفوق حدّ القدرة والمكنة، وعانى أولياء الدين ورجاله والعلماء والفقهاء، من المرحوم الكليني إلى الإمام الخميني، الكثير من ألوان القهر والحرمان والسجن والتعذيب والإبعاد والنفي، وعليه فحرمة نشر هذه الأفكار التي تضعضع وتزيل عقائد الناس وإيمانهم أوضح من أن تحتاج إلى استدلال، ولا سيما من جانب أولئك العارفين والمطلعين على العنصر الإضلالي في الكتاب; إذ في ذلك إغراءٌ بالجهل أيضاً، وإضلال الآخرين من أكبر مصاديقه، ومع الأخذ بعين الاعتبار الآثار الناجمة عن نشر مثل ذلك في المجتمع والمفاسد المترتبة على ذلك كيف يمكن عدم الحكم بالحرمة، مع كون الشارع المقدس يبدي حساسيةً عالية في حالات تترتب عليها مفاسد أقلّ؟!
 
المسألة الخامسة: التعليم والتدريس
يقول المحقق النراقي حول حرمة تعليم كتب الضلال وتدريسها: «المعروف من مذهب الأصحاب، بلا خلاف بينهم»([76]).
ويمكن استنتاج هذا الأمر، قبل النراقي، من كلمات العلامة الحلي في «منتهى المطلب»، حيث قال: «ويحرم حفظ كتب الضلال ونسخها لغير النقض والحجة عليهم، بلا خلاف، وكذا يحرم نسخ التوراة والإنجيل وتعليمها، وأخذ الأجرة على ذكر كلمة; لأن في ذلك مساعدةً على الحق وتقوية الباطل، ولا خلاف فيه»([77]).
كما وضع المحقق النجفي ـ صاحب <الجواهر> ـ كلاًّ من المطالعة والتدريس إلى جانب بعضهما بعضاً في كونهما متعلَّقاً للحرمة([78]).
ولا شك أن تعليم كتب الضلال وتدريسها من مصاديق الإضلال; إذ لو لم نقبل العلاقة بين الحفظ والإضلال إلا أن الارتباط بين التعليم والإضلال أمرٌ لا يمكن إنكاره، وقد ورد في الرواية التصريح بذلك، عندما قالت: «من علّم باب ضلال…».
النتيجة النهائية
إنّ تمام الجهات، التي جعلها الفقهاء العظام متعلّقاً للحرمة في هذا البحث، مقيَّدةٌ ـ بشكل من الأشكال ـ بترتب الفساد، ولو شككنا في ترتب الفساد كان الأمر جائزاً في العناوين التي سبق بحثها.
ولو ترتب على حفظ كتب الضلال أو مطالعتها أو تعليمها أو تدريسها منفعة ومصلحة فمن الطبيعي أن تخرج عن الحرمة والنهي، وتصبح جائزةً حينئذ.
وقد ذكر المحقق السبزواري بعض منافع حفظ كتب الضلال، حين قال: «الظاهر أنه لو كان الغرض الاطلاع على المذاهب والآراء؛ ليكون على بصيرة في تميّز الصحيح من الفاسد، أو يكون الغرض منه الإعانة على التحقيق…، وغير ذلك من الأغراض الصحيحة، لم يكن عليه بأس»([79]).
ومن البديهي أنه عندما يدور حكمٌ مدار المصالح والمفاسد، بحيث يخضع لمجال التحوّل والتغيير والزيادة والنقصان، ويتأثر بالظروف الزمانية والمكانية، فلن يعود من الممكن حينئذٍ إصدار حكم قاطع ودائم، فلا بدّ هنا من دراسة المصالح والمفاسد في مورد الحفظ والرعاية، أو الإتلاف والإمحاء، أو التعليم والتدريس، كي يتخذ موقفٌ هنا أو هناك.
والذي يمكن الوصول إليه، طبقاً لمذاق الشارع، مع الأخذ بالآيات والروايات، ويحكم به أيضاً العقل السليم، أن الحكم في بحثنا هنا دون ملاحظة حالة إضلال المجتمع وسقوطه في مهلكة الانحراف حكم قبيح غير صائب، وأن هذا الحكم حينئذٍ سيكون واحداً في تمام الأزمنة والأمكنة والظروف والأحوال.
لكن كيف يمكن حماية المجتمع من الضلالة والزيغ؟ وما هي السبل لذلك؟ وكيف يمكن الحفاظ على عقائد الناس وعلى الأحكام الإلهية؟ هل يكون ذلك بحرق الكتب والمجلات وكسر الأقلام وقطع الألسن أم بترويج العقائد الحقة الصحيحة وخلق توازن في المناخ الثقافي العام للمجتمع، بحيث يقطع الطريق ـ عبر المنطق والاستدلال ـ على مروّجي العقائد الباطلة؟
يقول الشهيد الكبير السيد محمد حسين البهشتي: «إن إعمال القوّة والقهر للحيلولة دون النشريات التي تخوض مواجهةً فكرية مع الإسلام ليس أمراً ذا فائدة، بحسب التجربة العينية الميدانية، وطبقاً للدراسات التي قمنا بها، بل إن المنع عبر القوة يضرّ بالإسلام أيضاً»([80]).
إن رفع أرضية التلوث والانحراف في المجتمع وظيفة تتوافق مع العقل والنقل، ولا يمكن; بحجة حرية الإنسان في الاختيار، الاستسلام لإيجاد الفساد الأخلاقي والعقيدي في المجتمع.
إنّ وجوب محاربة الفساد وقلع جذوره في المجتمع لا يعني إعدام تمام أرضياته ومناخاته، فمثلاً: الانحرافات الجنسية يجب مواجهتها تارةً عبر تسهيل أمر الزواج وتوفير مقوّماته للجيل الصاعد؛ وأخرى من خلال مواجهة حاسمة مع مظاهر الفاحشة والبغاء؛ وثالثة عبر إعمال القوانين الدينية المتصلة بالحدود والتعزيرات.
هذا كلّه أمر واضح; لكن هل يعني هذا ـ وبحجة مواجهة الفساد ـ قتل كل زان وزانية، وإفناء وجود الزناة في المجتمع؟ أو قطع الأعضاء التناسلية للذكور والإناث للحيلولة دون حصول الزنا بين الناس؟
إذاً فالذي يجب أن يلتفت إليه مسبقاً ويعاد النظر فيه هو نوع وطريقة مواجهة العقائد المخالفة; لأن منع نشر وتوزيع ومطالعة الأعمال الفكرية والكتابية للآخرين لا يجوز أن يكون بحيث يوهم أن الإسلام يتوسَّل بأساليب العنف والقسوة، ولهذا يستخدم وسائل الإفناء المادي للأعمال الفكرية للآخرين؛ بسبب افتقاده المنطق والأدلة، وعجزه عن المواجهة الفكرية.



الهوامش



([1]) المقنعة: 90.
([2]) النهاية: 365.
([3]) المهذب 1: 365.
([4]) السرائر 2: 218.
([5]) المراسم العلوية: 172.
([6]) منتهى المطلب 2: 1013.
([7]) تذكرة الفقهاء 1: 582، ط ق.
([8]) الدروس الشرعية 2: 163.
([9]) تحرير الوسيلة 1: 498.
([10]) الحدائق الناضرة 18: 142.
([11]) مفتاح الكرامة 4: 63.
([12]) مفتاح الكرامة 4: 63.
([13]) مستند الشيعة 14: 157.
([14]) المكاسب المحرمة: 30.
([15]) جواهر الكلام 22: 58.
([16]) مفتاح الكرامة 4: 63; وجواهر الكلام 22: 58.
([17]) جواهر الكلام 11: 174.
([18]) مفتاح الكرامة 4: 62.
([19]) المقنعة: 90.
([20]) المهذب 1: 365.
([21]) شرائع الإسلام: 96.
([22]) تذكرة الفقهاء 1: 582.
([23]) مستند الشيعة 14: 157.
([24]) مجمع الفائدة والبرهان 8: 75.
([25]) المكاسب: 30.
([26]) جامع المقاصد 4: 26.
([27]) منتهى المطلب 2: 1013.
([28]) رياض المسائل 1: 503.
([29]) مجمع البيان 8: 76.
([30]) الميزان 16: 209.
([31]) المصدر نفسه: 208.
([32]) تذكرة الفقهاء 2: 305.
([33]) نهج البلاغة 4: 45.
([34]) المكاسب: 29.
([35]) جواهر الكلام 22: 57.
([36]) الميزان 1: 372.
([37]) جواهر الكلام 22: 57.
([38]) جواهر الكلام 22: 56.
([39]) رياض المسائل 1: 503.
([40]) مستند الشيعة 14: 157.
([41]) تحف العقول: 245; ووسائل الشيعة 17: 83، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، باب 2، ح 1.
([42]) مستند الشيعة 14: 157.
([43]) مفتاح الكرامة 4: 62.
([44]) جواهر الكلام 22: 58.
([45]) المكاسب: 29.
([46]) حاشية المكاسب 1: 17.
([47]) وسائل الشيعة 11: 37، كتاب الحج، أبواب آداب السفر، باب 14، ح 1.
([48]) المكاسب: 29.
([49]) المصدر نفسه.
([50]) وسائل الشيعة 16: 175، كتاب الأمر والنهي، أبواب الأمر والنهي، باب 16، ح 2.
([51]) مستند الشيعة 14: 157.
([52]) نهاية الإحكام 2: 471، والجدير ذكره أن الوارد في هذا الكتاب مكان: «خرج رسول الله»، «خرج علي×»; والظاهر أنه اشتباه من الناسخ، والشاهد على ذلك، نقل هذا الحديث بعينه في «تذكرة الفقهاء» عن النبي الأكرم’، بل إن متن الحديث دليل واضح على هذا الاشتباه أيضاً. فانظر: تذكرة الفقهاء 9: 39، مسألة: 234.
([53]) جامع المدارك 3: 21.
([54]) مصباح الفقاهة 1: 254.
([55]). منتهى المطلب 2: 1013.
([56]). مجمع الفائدة والبرهان 8: 76.
([57]). رياض المسائل 1: 503.
([58]). الحدائق الناضرة 1: 142.
([59]). مجمع الفائدة والبرهان 8: 75.
([60]). مفتاح الكرامة 4: 62.
([61]) الدروس الشرعية: 326.
([62]) مجمع الفائدة والبرهان 8: 75.
([63]) مفتاح الكرامة 4: 62.
([64]) دائرة المعارف >تشيّع< 3: 145.
([65]) المصدر نفسه، نقلاً عن الحدود والحقائق.
([66]) لمزيد من الاطلاع انظر: الفقه والحياة، بحث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
([67]) جواهر الكلام 22: 57.
([68]) جواهر الكلام 22: 59.
([69]) المصدر نفسه: 58.
([70]) رياض المسائل 1: 503.
([71]) {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 17 ـ 18].
([72]) «ولك حق المسألة» [نهج البلاغة، الخطبة: 162].
([73]) وسائل الشيعة 17: 224، 225، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، باب 55، ح 3، 4، 5.
([74]) جواهر الكلام 22: 56.
([75]) مفتاح الكرامة 4: 62.
([76]) مستند الشيعة 2: 346.
([77]) منتهى المطلب 2: 1013.
([78]) جواهر الكلام 22: 56.
([79]). كفاية الأحكام: 88.
([80]) مشروح مذاكرات مجلس بررسي نهائي قانون أساسي: 1729.
Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً