د. نضير الخزرجي
تعد محاولة قراءة أفكار الآخر أو عرض الأفكار عليه متعة إنسانية يشوبها شيء من التدخل في الخصوصيات طوعا أو كرها، فالإنسان بطبعه اجتماعي، واجتماعيته تفرض عليه أن يعرف ما يجول في خواطر الآخرين للتفاعل معها أو اتخاذ المواقف الخاصة إزاءها، وفي بعض الأحيان يشعر المرء أنه بحاجة إلى عرض أفكاره على الآخرين لحاجة ذاتية أو رغبة في إفهامهم بما يرغب إعلامهم به أو بتعبير أدق تثقيفهم على أفكار يؤمن بها.
وهذا الفن نوع من أنواع الحوار الذاتي والتحاور مع الآخر، فمن جانب يحاور ذاته ليخرج خباياها بإعمال العقل والمشاعر معاً تجاه قضية أو موضوع، ومن جانب ثاني يحاور الآخر بصورة غير مباشرة من خلال دفع الآخر إلى قراءة أفكاره بخصوص الموضوع أو القضية التي يعرضها ويترك له خيار التفكير بما يعرضه، وحتى لو لم يفكر القارئ بما قرأ فإن الموضوع يأخذ حيزاً في مساحة عقله ووجدانه ربما ظهرت على فلتات لسانه بشكل تلقائي أو عبر ممارسة عملية غير مقصودة.
ومثال هذا الفن في عالم التحاور هو "فن المقالة"، صحيح أن الكاتب يخط وغيره يقرأ، لكن القراءة بحد ذاتها تنطوي على محاورة خفية تظهر في الردود التي تتلقاها الصحيفة أو المجلة أو الكاتب مباشرة من وسائل الاتصال الحديثة، وبخاصة في مقالات الأعمدة اليومية أو الأسبوعية التي يحرص كاتبها على مخاطبة الآخر بشكل عام من خلال تناول الموضوعات اليومية التي لها علاقة مباشرة بحياة الناس، والكثير من المقالات اليومية إنما يستوحيها كاتب العمود من رسائل القراء، فالرسائل من حيث يعلم مرسلها أو لا يعلم تعتبر مادة الكاتب، لأن الرسالة فيها من الموضوعات ما تعتبر قضايا محورية تستحث الكاتب على الخوض فيها بما ألهمه الله من قوة اليراع، وهذا هو الحوار غير المباشر بين القارئ والكاتب الذي ينطوي على تثقيف مباشر بأفكار الكاتب أو ربما بأفكار صاحب الرسالة، من هنا نجد بعض الكتاب ومن باب الأمانة العلمية يشير إلى صاحب الفكرة الذي أوحى إليه الكتابة، كما نجد ذلك في بعض البرامج الدرامية التي تعرضها الشاشة الصغيرة حيث يشار إلى صاحب الفكرة وكثير منهم لا يجيد الكتابة الدرامية ولكن الفكرة المستوحاة من الواقع تجد لها كاتبا (سيناريست) يحولها إلى عمل درامي.
والكتابة في موضوع واحد وإن تعدد الكتَّاب واختلفت جنسياتهم ولغاتهم فإنها وبشكل عام تستنفذ الأغراض كافة، ولكن هناك موضوعات قليلة وهي قليلة جداً هي محور كتابة متجددة لأقلام متجددة في كل عصر ومصر، ولعل واحدة من هذه الموضوعات على ندرتها وقلتها هي "النهضة الحسينية" وواقعة الطف، فمنذ عام 61 للهجرة وحتى يومنا هذا وجد الكتاب وقبلهم الشعراء مادة يكتبون فيها وعنها، ولذلك فهناك ما لا يحصى من المقالات التي تحدث كتابها عن النهضة الحسينية وشهادة الإمام الحسين بن علي (ع) في كربلاء المقدسة على مر التاريخ وفي كل الأقطار، وهذه الإستمرارية في واقعها جزء من ديمومة الرسالة الحسينية الإصلاحية التي تنشدها الإنسانية لإصلاح واقعها في كل عصر ومصر، وهي تعبير عن رسالة الحياة القائمة على الصراع بين قوى الخير والشر، وهي ثنائية تلازم الإنسان حتى مماته.
من هنا يأتي الجزء الأول من كتاب "معجم المقالات الحسينية" لمؤلفها البحاثة الدكتور الشيخ محمد صادق الكرباسي، وهذا الكتاب الذي صدر عن المركز الحسيني للدراسات بلندن حديثا (2010 م) في 508 صفحات من القطع الوزيري هو باكورة باب لدائرة المعارف الحسينية من ستين باباً من نحو ستمائة مجلد، صدر منها حتى اليوم 63 مجلداً.
أدب المقالة
ليست المقالة علماً لكنها بالتأكيد أدب وفن وأسلوب في التعبير عن الذات وعن الآخر، ولذلك فهي قريبة من مشاعر الناس قبل عقولهم، تستظهر مكنونات الكاتب وتعبر في الوقت ذاته عن واقع الأمة، ولذلك فإن تعريفها يختلف قليلا أو كثيراً من أديب لآخر وبخاصة مع تعدد الأغراض والموضوعات التي تعرضها المقالة، فالأديب البريطاني آرثر كريستوفر بنسون (Arthur Christopher Benson) (1862– 1925 م) الذي طبع 70 مجلدا من مقالاته، يرى في مقالة له بعنوان (فن المقالة) (The Art of the Essayist) أن المقالة عبارة عن: (إحساس شخصي أو أثر في النفس أحدثه شيء غريب أو جميل أو مثير للإهتمام أو شائق أو يبعث الفكاهة والتسلية). ولذلك فمواصفات كاتب المقالة عنده هو: (الشخص الذي ينقل تعابير الحياة وينقدها بأسلوب خاص به وفق معطيات كما يراها من زاويته)، وهذا التفسير يأخذ الجانب الشخصي للكاتب بوصفه مراقباً لواقع الحال أو محللاً لواقع سابق يربطه مع الواقع الحالي مستشرفا للمستقبل.
ويرى الأديب البريطاني هنري بوكلي جارلتون (Henry Buckley Charlton) (1890– 1961 م) الذي اختص بأدب الشاعر البريطاني شكسبير أن: (المقالة في صميمها قصيدة وجدانية سيقت نثرا لتتسع لما لا يتسع له الشعر المنظوم).
فيما يعرفها الأديب الفلسطيني محمد يوسف نجم (1925- 2009 م) صاحب كتاب "فن المقالة" بأنها: (قطعة نثرية محدودة في الطول والموضوع تكتب بطريقة عفوية سريعة، خالية من التكليف والرهق، وشرطها الأول أن تكون تعبيراً صادقاً عن شخصية الكاتب).
فالمقالة إذن وفق هذه التعاريف إظهار وإشهار لرأي الكاتب حول حدث حصل في الماضي أو هو حاصل يكتب بأسلوب نثري، وفي الواقع أن هذا التعريف بشكل عام منطبق على مقالات الأعمدة والرأي وإلا فإن التعريف يضيق أو يتسع وفقا لأغراض المقالة وموضوعاتها، وحتى في مقالات الرأي فالكاتب في أحايين كثيرة ينقل نبض الشارع فتكون مقالته معبرة عن الواقع حتى وإن لم يتوافق معه كليا، فكاتب المقالة وبخاصة المقالة الصحفية إنما يتعرض لمشكلات قائمة قد تكون مشكلات اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو رياضية، فهو يكتب معبراً عن رأيه ورأي الشارع، فإن كتب ما يؤمن به كانت مقالته تثقيفية عامة للمجتمع وإن كتب نبض الشارع نقل رأي الشارع للمسؤولين فيكون حينئذ واسطة بين المجتمع وولاة الأمر أي أن الكاتب في هذه الحالة يمارس دور منظمات المجتمع المدني التي تمثل حلقة الوصل بين قطاعات الشعب والمسؤولين، وبهذا يكون الكاتب في هذه المرحلة من الكتابة على درجة كبيرة من الأهمية ولعل أنجح المقالات هي التي تعبر عن نبض الشارع بأسلوب بليغ وبعبارات أدبية جزيلة تناغي النفس وتشحذ العقل.
والمقالة وإن كان في تعريفها العام بخاصة المقالة الأدبية هي عبارة عن قطعة نثرية في مقابل القصيدة، وهي جزء من الأدب المنثور، لكن ذلك لا يمنع من وجود أبيات شعرية في داخل النص النثري، كما إن تضمين المتن النثري لنصوص منظومة لا تخرجه عن التعريف العام، بل أن أنجح المقالات ما كانت متضمنة لنصوص شعرية شاهدة تستوفي الغرض وأنجح منها بخاصة في المقالة المنثورة باللغة العربية ما كانت متضمنة لنصوص قدسية من آيات وأحاديث أو أمثال عربية نثرية أو شعرية، لأن النص المقدس أو الأثر ألصق بالنفس وأقرب إلى القلب تسوق القارئ أو المستمع إلى هدف المقالة وغايتها من أقرب الطرق وأقصرها وأوضحها.
ومن معاني المقالة القول أو الحديث، من ذلك ما ورد في خطبة الإمام الحسين (ع) يوم عاشوراء حيث وقف أمام الجيش الأموي وراح ينسب نفسه إلى أن قال: "أو لم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة؟ .." ثم يضيف عليه السلام: "سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري وأبا سعيد الخدري وسهل بن سعد الساعدي وزيد بن أرقم وأنس بن مالك يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لي ولأخي، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟!" (مقتل الحسين للمقرم: 228).
فن قديم متجدد
لا يوجد تأكيد جازم عمن ابتدع فن المقالة، إلا أن الدراسات الغربية بشكل عام تنسب هذا النوع من الأدب المنثور إلى الأديب الفرنسي ميشيل إيكيم مونتيني (Michel Eyquem de Montaigne) (1533– 1592 م) في كتابه (Essais) أي المحاولات (Attempts) الذي صدر عام 1585 م، وقيل أن أول من استعمل كلمة (Essayist) في الأدب الإنكليزي هو الأديب بنيامين جونسون (Benjamin Jonson) (1572– 1637 م) وبعض الكتاب الناطقين باللغة العربية الغائبين عن عيون الثقافة العربية يذهبون مذهب الغربيين في ذلك، إلا أن شخصيات أدبية عربية قديمة لها حضور في عالم المقالات كعبد الحميد بن يحيى الكاتب المتوفى سنة 132 هـ وعبد الله بن المقفع (105- 141 هـ) والجاحظ عمرو بن بحر (159-255 هـ) وأبي حيان علي بن محمد البغدادي التوحيدي (310- 414 هـ) وابن الجوزي عبد الرحمن بن علي (510- 592 هـ) وغيرهم وإن كانت مقالاتهم أخذت اسم "الرسائل" كما اخذ مقالات الغربيين اسم (Essay).
لكن الدكتور الكرباسي في "معجم المقالات الحسينية" له وجهة نظر أخرى فهو يعتقد: (إن فكرة المقالة جاءت مع فكرة الكتاب والتأليف، لأن الكتاب هو عبارة عن فصول عدة، وكل فصل هو مقال)، فكتابة المقالة قديمة من قدم الإنسان مع ملاحظة: (إن تاريخ الكتابة والكتاب يعود إلى عمر البشرية والفكرة جاءت من السماء من قبل الله جل وعلا حينما انزل الصحف على آدم (ع) وفي الإسلام بدأ بالقرآن، وقد بدأ بالتأليف لأول مرة في الرجال الإمام أمير المؤمنين –ع- ومن بين النساء فاطمة الزهراء –ع-)، وعليه كما يذهب المؤلف: (يمكن القول بأن تاريخ المقالة قديم بقدم الإنسان حين كان الله سبحانه وتعالى ينزل على أنبيائه جزءاً مترابطا يحمل فكرة لإيصالها إلى الناس فهذه مقالة لغوية وإن لم يصطلح عليها ولكنها تحمل الفكرة نفسها)
ولا يخفى أن المقالة متنوعة الأساليب، بيد أنه اشتهرت منها المقالة الأدبية لأنها تستحوذ على القلوب والمشاعر بما ترصعه من محسنات بديعية معنوية ولفظية، وقد عد الأديب البريطاني تشارلز لامب (Charles Lamb) (1775– 1834 م) من مشاهير كتاب المقالة الأدبية في الأدب الغربي، في حين عُدَّ مصطفى لطفي بن محمد لطفي المنفلوطي (1289- 1343 هـ) من مشاهير كتاب المقالة الأدبية في الأدب العربي، وبين هذا وذاك عدد غير قليل من رواد فن المقالة.
الصحافة جناح المقالة
اقترن فن المقالة بنشوء الصحافة، باعتبار أن الصحافة أول وسيلة إعلامية مقروءة تعتبر حاملا للمقالة وجناحها إلى القارئ، وبخاصة مع ظهور الطباعة الآلية التي بدأت أولا في ألمانيا سنة 1464 م أي بعد قرن من اشتهار الأديب الفرنسي مونتيني، ثم دخلت المطبعة العالم الإسلامي سنة 1490 م في استانبول، وفي العراق دخلت المطبعة الآلية أولا في مدينة كربلاء المقدسة بالعراق أوائل سنة 1856م.
ولا يعني الإشارة إلى الطباعة الآلية وظهور الصحافة ، أن الصحف لم تكن موجودة قبل هذا التاريخ، فالمجتمع البشري عرف الصحافة منذ الزمن الأول، فكان القائد الروماني يوليوس قيصر بن غيوس يوليوس (Caesar Gaius Julius) (100– 44 ق. م) كما يؤكد الكرباسي: (يصدر نشرة يومية ويعلقها في الأماكن العامة لتذيع على الناس أخبار الدولة) وهي أشبه اليوم بمجلة "الوقائع" الرسمية لكل بلد كما في مجلة "الوقائع العراقية"، كما أن: (أقدم صحيفة صدرت في بكين بالصين كانت في القرن الثامن الهجري -14 م-).
فالصحافة بشكل عام استوعبت المقالة، ولاسيما مقالة الرأي والعمود اليومي والأسبوعي المصطبغات بأفكار كاتبها، ولكن لا يعني هذا أن كل مقالة منشورة في الصحافة هي مقالة صحافية معنية بمتابعة قضايا الناس اليومية في مقابل المقالة الأدبية، لأنَّ الصحافة الورقية بشكل عام تتضمن بين طيات صفحاتها أغراضاً متنوعة، وبتعبير المؤلف: (لا يمكن أن يصنف كل ما ورد في الصحف بالمقالة الصحفية حيث أن الصحيفة ظرف للمقالة الأدبية والفلسفية والسياسية والعلمية وما إلى ذلك، ومن هنا تتصف الصحافة بجميع أقسامها بالفلسفية والسياسية والتاريخية وغيرها).
معايير نموذجية
لا تختلف مقالة عن أخرى من حيث المقدمة والمادة والخاتمة، فهذه الثلاثية ملازمة لكل مقالة، فليس من المستساغ الشروع بالمقالة من صلب مادتها دون تقديم لها كما أن الخاتمة هي بمقام النتيجة أو خلاصة المقال، فلكل عمل أو قول مقدمة، بل في بعض المقالات تعتبر المقدمة واجبة كوجوب الوضوء للصلاة وإلا كانت مقالة مبتورة غير مستوفية للشروط، ولكن بالتأكيد أن المقالة تختلف من حيث الموضوع والأغراض فهناك المقالة السياسية والمقالة الأدبية والمقالة العلمية والمقالة الإقتصادية وهلم جرا، ويختلف الأسلوب والصياغة من مقالة لأخرى فليس من المستحسن استعمال المحسنات اللفظية بكثرة في المقالة العلمية فهذا يخل بها كما يخل بالمقالة الأدبية جفافها من المحسنات اللفظية.
وهنا يضع الأديب الكرباسي مجموعة معايير يراها لازمة للمقالة والكلمة معا باعتبار أن الكلمة أو الخطبة كما يعتقد هي نمط من أنماط المقالة لوجود القاسم المشترك بينهما وهو: المادة والأسلوب والهدف، فالمقالة والكلمة لهما: مادة أي الموضوع والفكرة، ولهما أسلوب: هو القالب اللفظي الذي تصب فيه الفكرة لعرضها على القارئ أو المستمع، ولهما هدف: أي الغرض والاستنتاج، ولعل أهم المعايير:
أولا: العنوان: فاختيار العنوان الصائب المتضمن لفحوى المقال له أثر كبير في تقبل المقالة، فكما أن المكتوب يعرف من عنوانه فإن المقالة تعرف من عنوانها. ولكن في أحايين أخرى كما أعتقد أن الغموض في العنوان عامل جذب لقراءة المقال، ولكن ليس بغموض بعيد عن أصل الموضوع. على أن العناوين هي الأخرى تختلف باختلاف نوع المقالة من حيث استخدام السجع والمحسنات اللفظية والتلميح والتصريح وأمثال ذلك، وهذا يتطلب الدقة والحيطة بعدم استخدام العنوان ومقارباته في مقالات أخرى للكاتب نفسه، وتجنب استخدام عناوين كتاب آخرين لأن العنوان هو بمقام هوية المقالة والكاتب معاً، إلا إذا كان العنوان مثلاً شائعا أو شاع العنوان وصار مثلاً.
ثانيا: عدم الابتعاد كثيرا عند عرض المادة عن صلب الفكرة، حتى لا يضيع الغرض من المقالة وأهدافها ونتائجها.
ثالثا: لأن خير الكلام ما قلَّ ودل، فينبغي عدم إشباع المقالة إنشاءاً ما دامت الفكرة قد استنفذت أغراضها، فالنص النثري كالنص الشعري، ليست القوة في عدد أبيات القصيدة بقدر جزالة اللفظ وقوة الأسلوب والبلاغة وإيصال الرسالة من أقصر الطرق إبداعا.
رابعا: تعتبر الكتابة الملتزمة الهادفة والخطابة الملتزمة المسؤولة جزءا من رسالة الأنبياء ولأن الأنبياء كما أوضح النبي محمد (ص) في بيان أسلوب الدعوة: (إنا معاشر الأنبياء أُمرنا أن نكلِّم الناس على قدر عقولهم) (بحار الأنوار: 1/85) فإن الكاتب أو الخطيب ينبغي أن يعرف لمن يكتب أو يخطب، وعليهما أن يدركا كما قال الإمام جعفر الصادق أنه: (ما كلَّم رسول الله العباد بكنه عقله قط) (بحار الأنوار: 1/85).
خامسا: الإبتعاد عن الغموض والطلاسم في عرض الموضوع واستعمال المفردات، على أنَّ ذلك لا يتقاطع مع استخدام المحسنات البديعية.
سادسا: الابتعاد عن الأسماء المستعارة لأن المقالة تفقد جزءاً كبيرا من قيمتها، ويضعف الإعتماد عليها حتى وإن تضمنت أفكاراً راقية أو معلومات واقعية مائة في المائة. وهذه حقيقة لمسها الكثير من الأدباء والكتاب الذين كتبوا بأسماء مستعارة أيام المعارضة السياسية وبخاصة في البلدان التي تلجأ فيها السلطات الأمنية إلى اعتقال ذوي السياسي المهاجر، ولكن الأسوأ من ذلك بتقديري استمرار الكاتب الإعتماد على الإسم المستعار مع ارتفاع السبب، وقد علمتنا التجربة أن المقالة المذيلة باسم مستعار تكون في بعض الأحيان غير مسؤولة تضرب بحصاة عمياء هنا وهناك وكاتبها كحاطب ليل. وأسوأ من ذلك الذي يكتب باسم مستعار في بلد يضمن فيه الدستور حرية الرأي، ومعظم هؤلاء هم خارجون على قانون الكتابة الصائبة ولا يستطيعون الحراك تحت ضوء الحرية، ويستغلون أجواء الحرية لتلبيدها بغيوم التشويش والتشويه والألفاظ السوقية والشتائم والمعلومات المغلوطة.
ويرى الشيخ الكرباسي أن تقويم المقالة أو الخطبة يتطلب إيجاد مراكز تعليم لكتابة المقالة وامتهان الخطابة، لأن العفوية وإن كانت متصلة بالإبداع الذاتي لكنها لا تغني أبدا عن التعلم، ولذلك فإنَّ مدارس الثانوية في أميركا تفرض على الطالب تعلم فن كتابة المقالة، ومثل هذا قائم في عدد من البلدان العربية مثل العراق والجزائر حيث يتعلم الطلبة في سنوات متقدمة درس "الإنشاء" الذي يتضمن فن المقالة.
وسائل إعلام حاضنة
يقوم منهج "معجم المقالات الحسينية" على ذكر المقالات الخاصة بالنهضة الحسينية من قريب أو بعيد حسب الحروف الهجائية، ولأن المقالات من كل اللغات بالآلاف فإن المؤلف اعتمد من كل حرف مجموعة من المقالات موضحا في أسطر خمسة: عنوان المقالة، الكاتب، التاريخ، الناشر، والموضوع، فكانت 684 عنوان مقالة.
ولأن غرض الكتاب توثيق المقالة والكاتب والناشر، فإن المؤلف أفرد 58 صفحة لبيان تفاصيل 92 مطبوعة ورد ذكرها في المعجم، وهذه خدمة إعلامية كبيرة يقدمها الكتاب للمؤسسات الإعلامية وللباحثين في مجال الإعلام، لأن ترجمة المطبوعة من جريدة أو مجلة أو نشرة أو موقع الكتروني هو توثيق لهذه المطبوعة من حيث بداية التأسيس وحتى اليوم وأسماء رؤساء التحرير وتراجمهم، بخاصة وأن عدداً غير قليل من هذه المطبوعات توقف عن النشر منذ سنوات طوال.
وقد تضمن التوثيق المعرفي الوسائل الإعلامية التالية: آفاق حسينية (مجلة)، أبرار (جريدة)، أجوبة المسائل الدينية (مجلة، الأخلاق والآداب (مجلة)، إرشاد (مجلة)، الأضواء (مجلة)، الإمام الحسن العسكري (موقع)، الإمامين الحسنين (شبكة)، الإنتفاضة (جريدة)، الإيمان (مجلة)، پيام عمل (مجلة)، البديل الإسلامي (جريدة)، بشرى (مجلة)، تبيان (موقع)، تنظيم المكاتب (مجلة)، التوحيد (قم- مجلة)، الثقافة الإسلامية (مجلة)، الثورة الحسينية (نشرة)، الجديدة (مجلة)، جعفري (مجلة)، حوزة (مجلة)، حسينية جنتري (نشرة)، جنگ (جريدة)، خواجگان (مجلة)، الدار (جريدة)، درس عمل (مجلة)، دستك (مجلة)، ديوان العرب (مجلة الكترونية)، ذكريات المعصومين (مجلة)، الرأي الآخر (مجلة)، الرأي الآخر للدراسات (مركز)، رسالت (جريدة)، رسالة الإسلام (بغداد- مجلة)، رسالة الإسلام (القاهرة- مجلة)، رسالة الثقلين (مجلة)، رسالة الحسين (مجلة)، رسالة الشرق (مجلة)، رسالة عاشوراء (نشرة)، الركن الأخضر (موقع)، الزوراء الإعلامية (شبكة)، سلام (جريدة)، الشرق (بغداد- جريدة)، الشرق (الدوحة- جريدة)، الشرق الأوسط (جريدة)، الشمس (جريدة)، الشهيد (مجلة- جريدة)، الصباح الجديد (جريدة)، صدى عاشوراء (مجلة)، صوت الخليج (مجلة)، صوت العراق (جريدة)، صوت المبلغين (مجلة)، الطريق الإسلامي (مجلة)، طريق الحق (مجلة)، الطف (نشرة)، عاشوراء (لندن- جريدة)، عاشوراء (طهران- نشرة)، العالم (مجلة)، العدالة (جريدة)، العدل الإسلامي (مجلة)، العرب (جريدة)، العمل الإسلامي (جريدة)، الغدير (بيروت- مجلة)، الغدير (لاهور- مجلة)، فدك (مجلة)، الفرات (جريدة)، الفواني س (مجلة إلكترونية)، كار وكارگر (جريدة)، كربلاء الشهادة (نشرة)، الكلمة (مجلة)، لواء الإسلام (مجلة)، المؤتمر (جريدة)، المجلس الحسيني (بيان)، المدى (جريدة)، المرصد العراقي (شبكة)، مزن الثقافية (شبكة)، المعرفة (مجلة)، المنتظر (مجلة)، المنتقى (مجلة)، المنارة (جريدة)، المواقف (مجلة)، الموسم (مجلة)، الموقف الإسلامي (جريدة)، ميدل إيست أون لاين (صحيفة إلكترونية)، النبراس (مجلة)، النجف (مجلة)، النور (مجلة)، نور الإسلام (مجلة)، النور (مؤسسة ثقافية)، الهادي (مجلة)، همشهري (جريدة)، الوفاق الإسلامي (جريدة)، والوقت (جريدة).
عولمة إنسانية
ولأن أي جزء من أجزاء دائرة المعارف الحسينية لا يخلو من مقدمة لعلم من أعلام الإنسانية، فإن التايلندي البروفيسور تناپون تاناري ياچاي وهو بوذي مقيم في العاصمة بانكوك من طائفة مهاجارانا، اطلع على الجزء الأول من "معجم المقالات الحسينية" فوجد: "إن الحديث عن الإمام الحسين (ع) ليس بالسهل الميسر لأنه لم يكن كأحد الناس الذين يمارسون حياتهم العادية بل وحتى المتفوقين منهم، وذلك لأنه يمتلك مَلَكةً تضم كل الروحانيات والأخلاقيات التي تمثل نموذج الإنسانية بشكلها الكامل الذي يصعب الوصول إلى كنهه وأصله وإلى تحققه في عامة الناس، إنه يملك روحاً ملائكياً لا ينظر إلاَّ إلى الصلاح والإصلاح … ومن هنا جاءت عظمته وقدرته على الدخول في قلوب البشرية من أي دين أو مذهب، من حيث أن جميع الأديان والمذاهب في أصل عقيدتها وقبل أن يعمل المنحرفون على تغيير مسارها تدعو الى الخُلُق الرفيع وإلى تطبيق مفاهيم الإنسانية بأعلى مراتبها وتطبيق العدالة الإجتماعية على أرض الواقع لأنهم رسل السلام والعدالة، ومن هنا نجد أن مثل هذا الإمام العظيم لا يخص فئة دون أخرى من البشر، وكل الدارسين من الأديان والمذاهب يدركون هذه العظمة ويقدسونها بعيداً عن التحزب السياسي أو المذهبي أو العقيدي".
ووجد البروفيسور تناپون تاناري ياچاي أن معجم المقالات الحسينية: "يدلنا على أمرين هامين تتفرع عنهما أمور أخرى:
أولا: البعد الجغرافي والتاريخي للإمام الحسين (ع) حيث اخترق الحدود الجغرافية ولم يعترف بها بل دخل كل الأقطار حينما دخل القلوب بجميع انتماءاتها وعقائدها فكتب عنه كتّاب مختلفون كلاً بلغته الأمْ. كما أنّ البعد التاريخي ظاهر في ذلك فمنذ ظهرت الطباعة وإلى يومنا الحاضر فإن صفحات وسائل الإعلام خصصت جزءاً منها للتوجه الحسيني.
ثانيا: إنَّ جهد المؤلف يتضح من خلال عمله الدؤوب على بيان الواقع الشعبي البشري لهذا الإمام وبأسلوب لطيف قلّما تجده في الكتابات الأخرى، فالإنصاف العلمي والمعرفي يقتضي تعضيد هذا الكاتب، وتثمين هذا الكتاب الذي يمثّل سفراً قيِّماً بما يحتويه من مطالب متنوعة تكوّن دراسة كاملة عن سيرة هذا الإمام العظيم، ولكن بأقلام وأفكار مختلفة".
في الواقع أننا ندرك ومن خلال تعدد المصادر الإعلامية التي استوعبت المقالات الحسينية وبلغات متعددة على مر التاريخ أن الإنسانية توّاقة إلى رسل الصلاح والإصلاح وطيور الرحمة والسلام، وأن البشرية مهما شرَّقت بأفكارها وغرّبت فهي بحاجة الى مرفأ أمان ترسو فيه مراكبها.
• إعلامي وباحث وأكاديمي عراقي، الرأي الآخر للدراسات- لندن