أحدث المقالات

بقلم: أ. غريبي مراد(*)

 

 درجنا على سماع عنوان أصناف المجتمعات في أدبيات علم الاجتماع و الأنتروبولوجيا، حيث التقسيمات تتباين بحسب الأبعاد، قد يكون التصنيف سياسي أو اقتصادي أو ثقافي و إلا اثني أو طائفي، و الغرض من هذه التصنيفات في علم الاجتماع هو إدراك ما جدوائية عامل الاختلاف في تطور المجتمعات و تخلفها، و أيضا محاولة دراسة احتمالات الكوارث الاجتماعية و تسييرها بالنظر لكل تلك الأبعاد، كما اهتم علم إدارة الأزمات  بهذه التصنيفات لغرض بناء استراتيجيات تغييرية لمسارات المجتمعات، على أساس تركيز نظريات سياسية و اقتصادية و معاملات ثقافية محددة …هذه الثقافة نشهدها بغزارة في المجتمعات الغربية الحديثة المنفتحة على  الزمن العلمي الاستراتيجي، يعني تلك التي تتعامل مع التاريخ بمنطق العلم و الحركة و التقدم، في حين المجتمعات الجامدة و المستغرقة في التاريخ و المتفرجة على ما يحدث حولها، ليس لها من ذلك نصيب، لا أقول استضعافا و لكن استخفافا و ازدراءًا، حيث محل إعراب ذلك كله هو عقدة الضعف و النقص التي تعانيها هذه المجتمعات و التي تحتل المجتمعات العربية في ترتيبها درجة الامتياز…!

بصراحة: ليس هناك مبالغة فيما ذكرته، لأن تقارير التنمية البشرية منذ 2002 إلى غاية 2009 حول وضع البلدان العربية تثبت بالرقم و الصورة، أن الانحدار التنموي  الاجتماعي في العالم العربي خطير جدا، و بغض النظر عما يعتبر من بديهيات العرب ألا و هي العناوين الدارجة في دعاء المؤمن العربي اليومي:(الحكم الراشد و التنافس السياسي النزيه والمواطنة و رغيف الخبز الحلال)،نركز على تقنيات تطبيق نظريات الإصلاح و مدى اهتمام النخب الناقدة و الناقمة على الشعوب و الحكومات، هذه النخب التي درست العلوم السياسية و العلوم الاجتماعية و الإنسانية و الاقتصادية و تتشدق في المجالس العامة و الخاصة بأدبيات التنمية و الحوار والتسامح و التعايش و المواطنة و الحداثة و ما هنالك من تنظير خنق الشعوب قبل الحكومات التي لا تبالي بأصوات لا تحسن إلا الضجيج، ماذا قدمت للمجتمعات العربية من طنجة إلى مسقط،كل ما هنالك بعض البحوث التي غالبيتها ترجمة حرفية لكتابات و أفكار ماركس فيبر و هابرماس و هوبز وجون لوك، ناهيك عن الاستيراد الكمي الثقيل لمكسرات التفكير الاستراتيجي من المؤلفات الأمريكية و الألمانية و اليابانية…

بكلمة: هذه النخب غائبة و لا تؤدي الدور الرسالي، و أقل ما تبرر به تقاعسها أن الظروف و المعطيات لا تسمح، و لا يمكن إبداع أكثر مما هو راهن، و لعل الظاهرة الخطأ التي نشهدها في واقعنا العربي لدى ما يسمى النخب، أنها تعبد الفر دانية و التباهي الفلسفي و الفكري على شاكلة شعراء سوق عكاظ، حيث ينعدم الحراك المشترك و العمل المؤسساتي بين هؤولاء الكوادر التي هرمت بعد20سنة  دراسات عليا بالغرب ثم التحاق بمنصب أكاديمي أو سياسي أو استثمار تجاري، ماذا قدمت هذه العقول المشتتة و المتضاربة في اغلب الاحيان لهذه الأوطان سوى النقد بلا بديل و لا حركة و لا مبادرة…هذه الحقيقة التي نراها يوميا و عايشناها لسنين هي التي جعلت مجتمعاتنا تصنف من المجتمعات المقهورة و المتخلفة و المتأخرة مدنيا و حداثيا…

و ما تشهده الدول العربية في الوقت الراهن، يدعو للتساؤل: أين العقل العربي أمام التحدي الحداثي الجارف؟ هذا العقل هو كل الكوادر الخاملة، لأن الأنظمة لا تستبد و لا تستخف و لا تتاجر بشعوبها ما لم تجد استقالة لدى النخب، وعلى سبيل المثال لا الحصر: دولة الكويت الطامحة للتمدن السياسي و الاستقرار الاجتماعي و النهوض الاقتصادي، أين هي نخبها الواعية و لماذا لا تتوسل بمراكز بحث و دراسات خاصة لمواجهة زمر الاعتباط السياسي وتسير مخاطره مع إدارة الأزمات و حماية دفة التنمية ؟؟ ومن قبيل التفاؤل خيرًا نقول: رحم الله…نخبنا العربية… و الله من وراء القصد.

 

(*)كاتب و باحث إسلامي          

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً