د. الشيخ عصري الباني([1])
الخلاصة
نتناول في هذه المقالة مقطع يعتبر من المقاطع المهمة في سيرة أئمة أهل البيت(ع) بشكل عام وحياة الإمام موسى بن جعفر(ع) ألا وهي الفترة التي عاشها الإمام موسى بن جعفر(ع) متردداً بين سجون هارون العباسي، والذي دعانا الى تناول هذا الموضوع البعض من أصحاب الأغراض الخاصة أو الجهلة الذين يصورون الإمام موسى بن جعفر(ع) على أنه كان مسجوناً في طامورة لا يفعل شيئاً إلا البكاء والدعاء والسجود…مع أننا إذا دققنا في سيرته في هذه الفترة سنجد أنه كان يؤثر في جميع الناس وانه بدل السجن والإقامة الجبرية إلى أداة للتبليغ والإرشاد والوعظ والهداية إلى أن توفاه الباري تعالى شهيداً مظلوماً مسموماً بعد أن أدى ما عليه فكان التشيع عند رحيله مؤسسة يحسب له الطغاة ألف حساب وهو ما أدى بعد ذلك إلى أن يجبر المأمون العباسي الإمام الرضا(ع) على تولي منصب ولاية العهد وتزويج ابنته من الإمام الجواد(ع) وذلك لعلمه بقوة المؤسسة الشيعية التي بناها الإمام موسى بن جعفر(ع) خلال فترة إمامته من سنة 148هـ إلى سنة 183هـ، أي لمدة خمسة وثلاثين سنة ومنها مرحلة السجن. ولم نتناول فيها كل ما جرى في تلك الفترة بل اقتصرنا على البحث حول الأعمال التي كان يقوم بها الإمام(ع) لخدمة الإسلام وتبيين مفاهيمه العالية.
الكلمات الأساسية
1ـ السياسة: فعل السائس الذي يسوس الدواب سياسة، يقوم عليها ويروضها. والوالي يسوس الرعية وأمرهم([2]). والسياسة: القيام على الشيء بما يصلحه([3]).
2ـ موسى الكاظم: موسى بن جعفر الصادق بن محمد الباقر، أبو الحسن: سابع الأئمة الاثني عشر، عند الإمامية. ولد سنة 128هـ ، وكان من سادات بني هاشم، ومن أعبد أهل زمانه، وأحد كبار العلماء الأجواد. ولد في الأبواء (قرب المدينة) وسكن المدينة، فأقدمه المهدي العباسي إلى بغداد، ثم رده إلى المدينة. وبلغ الرشيد أن الناس يبايعون للكاظم فيها، فلما حج مر بها ( سنة 179هـ) فاحتمله معه إلى البصرة وحبسه عند واليها عيسى بن جعفر، سنة واحدة، ثم نقله إلى بغداد فتوفى فيها سجيناً سنة 183هـ([4]).
3ـ السجن: المحبس، والسجن: الحبس. والسجن البيت الذي يحبس فيه السجين([5]).
4ـ هارون العبّاسي: هارون بن محمد بن أبي جعفر العباسي، أبو جعفر: خامس حكام الدولة العباسية، ولد بالري سنة 149هـ، لما كان أبوه أميراً عليها وعلى خراسان. ونشأ في بغداد. وولاه أبوه غزو الروم في القسطنطينية، استولى على الحكم بعد أن قتلت أمه أخاه الهادي (سنة 170هـ)، ولايته 23 سنة وشهران وأيام. توفي في “سناباذ” من قرى طوس سنة 193هـ، وبها قبره([6]).
تمهيد
عادة ما يقال: إن السجن هو قبر الأحياء، ولكن هذه الحالة لا تنطبق على سجناء المبدأ، والعقيدة، والدين، بل إن هؤلاء يجعلون من كل ظرف، وزمان، ومكان مهما كان صعباً منبراً للتبليغ، والإرشاد، والهداية، ومحاربة الطواغيت.
فهذا يوسف الصديق(ع) وهو في سجن فرعون يستغل ذلك الظرف الصعب ليبلغ رسالة ربه وهو ما أشار إليه قولـه تعالى: (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ أَمَرَ أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)([7]).
فقد كانا عبدين من عبيد الملك حكيا الرؤيا ليوسف(ع) فاحدهما رأى انه يعصر عنباً ليتخذ خمراً وقد سمى العنب خمراً باعتبار ما يؤول إليه. والآخر رأى الطير تنهش الخبز من على رأسه، وعلّلا سؤالهما التأويل بأنهما يعتقدونه من المحسنين لما يشاهدون فيه من سيماهم، من جهة أن الناس يعتقدون بأن المحسنين الأبرار ذوو قلوب طاهرة ونفوس زاكية فهم ينتقلون إلى روابط الأمور وجريان الحوادث انتقالاً أحسن وأقرب إلى الرشد من انتقال غيرهم.
وقد اغتنم(ع) الفرصة في بثّ ما عنده من أسرار التوحيد والدعوة إلى ربه سبحانه الذي علمه ذلك فأخبرهما أنه عليم بذلك بتعليم من ربه خبير بتأويل الأحاديث وتوسل بذلك إلى الكشف عن سر التوحيد ونفى الشركاء ثم أول رؤياهما.
فقال: لا يأتيكما طعام وأنتما في السجن إلا نبأتكما بحقيقته ليكون ذلك آية لصدقه فيما يدعوهما إليه من دين التوحيد. وعلل ذلك بتركه ملة المشركين وإتباعه ملة آبائه إبراهيم إسحاق ويعقوب أي رفضه دين الشرك وأخذه بدين التوحيد. والذي يقصه الله سبحانه من قول يوسف(ع) واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب هو أول ما أنبأ في مصر نسبه وأنه من أهل بيت إبراهيم وإسحاق ويعقوب(ع).
ثم بين(ع) الحجة على تعينه تعالى للعبادة إذا فرض تردد الأمر بينه وبين سائر الأرباب التي تدعى من دون الله لا لبيان أنه تعالى هو الحق الموجود دون غيره من الأرباب أو أنه تعالى هو الإله الذي تنتهى إليه الأشياء بدءاً وعوداً دونها أو غير ذلك فإن الشيء إنما يسمى خيراً من جهة طلبه وتعيينه بالأخذ به.
وقابل الأرباب المتفرقين بذكر الله ـ عز اسمه ـ ووصفه بالواحد القهار، أي إنه تعالى واحد لكن لا واحد عددي إذا أضيف إليه آخر صار اثنين بل واحد لا يمكن أن يفرض قباله ذات ألا وهي موجودة به لا بنفسها ولا أن يفرض قباله صفة له إلا وهي عينه وإلا صارت باطلة كل ذلك لأنه بحث غير محدود بحدّ ولا منته إلى نهاية.
وقد أكد كون هذه الأسماء ليس وراءها مسميات بقوله أنتم وآباؤكم فإنه في معنى الحصر أي لم يضع هذه الأسامي أحد غيركم بل أنتم وآباؤكم وضعتموها، ثم أكده ثانياً بقوله: ما أنزل الله بها من سلطان والسلطان هو البرهان لتسلطه على العقول، أي ما أنزل الله بهذه الأسماء أو بهذه التسمية من برهان يدلّ على أن لها مسميات وراءها وحينئذ كان يثبت لها الألوهية أي المعبودية فصحت عبادتكم لها.
ثم أشار إلى توحيد الله ونفى الشريك عنه وأن دين التوحيد وحده هو القوي على إدارة المجتمع وسوقه إلى منزل السعادة والدين المحكم غير المتزلزل الذي فيه الرشد من غير غيّ والحقية من غير بطلان ولكن أكثر الناس لأُنْسهم بالحس والمحسوس وانهماكهم في زخارف الدنيا الفانية حرموا سلامة القلب واستقامة العقل لا يعلمون ذلك وإنما يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة معرضون.
ومن هذا المنطلق فطبيعي أن يستغل وليّ الله الأعظم موسى بن جعفر(ع) في عصره هذا الظرف الذي فرض عليه لتحقيق الأهداف الإلهية، وتتمثل في أمور:
1ـ إحياء الروح المعنوية في الأمة
والتي كانت قد انطمست، وكادت أن تنتهي في المسلمين في مقابل الفسق، والفجور، والقبائح ما ظهر منها، وما بطن والسبب في ذلك أن سياسة العباسيين كانت تريد الهاء الأمة بهذه الأمور حتى لا ينتبهوا إلى ما يجري من حولهم من فساد وظلم، فجعل الإمام(ع) يوجه الأمة إلى المعنويات، وكان المنهج الأبرز هو المنهج العملي، وهو ما تشير له صحيحة([8]) ابن أبي يعفور قال: قال أبو عبد الله(ع): (كونوا دعاةً للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير، فإن ذلك داعية)([9]).
أي داعية للناس على الاقتداء بكم إذ مشاهدة الخير في الغير يدعو الطالب القابل المستعد إلى الاقتداء به وهو مجرب، والتاء للمبالغة كما في كافية لا للتأنيث باعتبار المذكورات لأن ذلك إشارة إلى المذكور.
وينقل لنا التاريخ صوراً من عمل الإمام موسى بن جعفر(ع) في السجن كانت تثير في المجتمع حالات الصحوة بشكل عجيب، بل كانت تؤثر حتى في هارون نفسه، وحاشيته، وأزلامه، ونتعرض هنا لبعض هذه الروايات:
أـ عن الثوباني قال: كانت لأبي الحسن موسى بن جعفر(ع) بضع عشرة سنة كل يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس إلى وقت الزوال قال: فكان هارون ربما صعد سطحاً يشرف منه على الحبس الذي حبس فيه أبا الحسن(ع) فكان يرى أبا الحسن(ع) ساجداً فقال للربيع([10]): ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع؟ قال: يا أمير المؤمنين ما ذاك بثوب وإنما هو موسى بن جعفر، لـه كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال قال الربيع: فقال لي هارون: أما إن هذا من رهبان([11]) بني هاشم، قلت: فما لك فقد ضيقت عليه في الحبس!؟ قال: هيهات لا بُدَّ من ذلك([12]).
أقول: أفضل ما يمكن أن يقال كتعليق على هذا الخبر هو قولهم:
شهد الأنام لـه حتى العدا *** والفضل ما شهدت به الأعداء
فتلألأت أنواره لذوي النهى *** وتزحزحت عن غيها الظلمـاء
ب ـ عن أحمد بن عبد الله القروي، عن أبيه قال: دخلت على الفضل بن الربيع([13])، وهو جالس على سطح فقال لي: ادن مني فدنوت حتى حاذيته ثم قال لي: أشرف إلى البيت في الدار، فأشرفت فقال: ما ترى في البيت؟ قلت: ثوباً مطروحاً فقال: انظر حسناً، فتأملت، ونظرت، فتيقنت، فقلت: رجل ساجد، فقال لي: تعرفه؟ قلت: لا قال: هذا مولاك قلت: ومن مولاي؟! فقال: تتجاهل علي؟!، فقلت: ما أتجاهل، ولكني لا أعرف لي مولى. فقال: هذا أبو الحسن موسى بن جعفر إني أتفقده الليل والنهار، فلم أجده في وقت من الأوقات إلا على الحال التي أخبرك بها إنه يصلي الفجر، فيعقب ساعة في دبر صلاته، إلى أن تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة، فلا يزال ساجداً حتى تزول الشمس، وقد وكل مَنْ يترصّد([14]) لـه الزوال([15])، فلست أدري متى يقول الغلام قد زالت الشمس إذ يثب، فيبتدئ بالصلاة، من غير أن يجدِّد وضوءاً، فأعلم أنه لم ينم في سجوده، ولا أغفى. فلا يزال كذلك إلى أن يفرغ من صلاة العصر، فإذا صلى العصر سجد سجدة، فلا يزال ساجداً إلى أن تغيب الشمس، فإذا غابت الشمس وثب من سجدته، فصلى المغرب من غير أن يحدث حدثاً، ولا يزال في صلاته، وتعقيبه إلى أن يصلي العتمة، فإذا صلى العتمة أفطر على شوي يؤتى به، ثم يجدد الوضوء، ثم يسجد ثم يرفع رأسه، فينام نومةً خفيفة، ثم يقوم فيجدِّد الوضوء، ثم يقوم فلا يزال يصلي في جوف الليل، حتى يطلع الفجر، فلست أدري متى يقول الغلام: إن الفجر قد طلع إذ قد وثب هو لصلاة الفجر، فهذا دأبه([16]) منذ حول إلي. فقلت: اتق الله، ولا تحدثن في أمره حدثاً يكون منه زوال النعمة، فقد تعلم أنه لم يفعل أحد بأحد منهم سوء إلا كانت نعمته زائلة، فقال: قد أرسلوا إلي في غير مرة يأمرونني بقتله، فلم أجبهم إلى ذلك، وأعلمتهم أني لا أفعل ذلك ولو قتلوني ما أجبتهم إلى ما سألوني([17]).
أقول: على القول بتشيع الربيع ـ كما هو الأقوى عندي ـ فواضح، وأما مع عدم القول بتشيعه، فلا أستطيع التعبير عن مدى التأثير الذي تركه الإمام(ع) على هذا الرجل بحيث إنه يضحي بنفسه لكي لا يصل للإمام(ع) سوء من خلاله.
ج ـ جاء عن الفضل أنه قال: كنت أحجب الرشيد، فأقبل عليّ يوماً غضباناً، وبيده سيف يقلّبه. فقال لي: يا فضل بقرابتي من رسول الله(ص) لئن لم تأتني بابن عمي لآخذن الذي فيه عيناك. فقلت: بمن أجيئك؟ فقال: بهذا الحجازي([18]). قلت: وأيّ الحجازيين؟ قال: موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. قال الفضل: فخفت من الله ـ عزّ وجلّ ـ إن جئت به إليه، ثم فكرت في النقمة، فقلت لـه: أفعل. فقال: ائتني بسوطَين وحصارَين([19]) وجلاّدين([20]). قال: فأتيته بذلك ومضيت الى منزل أبي إبراهيم موسى بن جعفر(ع) فأتيت إلى خربة فيها كوخ من جرائد النخل فإذا أنا بغلام أسود. فقلت لـه: استأذن لي على مولاك يرحمك الله. فقال لي: لج ليس له حاجب ولا بوّاب. فولجت إليه، فإذا أنا بغلام أسود بيده مقص يأخذ اللحم من جبينه وعرنين أنفه من كثرة سجوده. فقلت لـه: السلام عليك يا بن رسول الله، أجب الرشيد. فقال: ما للرشيد وما لي؟ أما تشغله نعمته عنّي؟ ثم قام مسرعاً، وهو يقول: لولا أني سمعت في خبر عن جدي رسول الله(ص): إنّ طاعة السلطان للتقية واجبة إذن ما جئت. فقلت لـه: استعد للعقوبة يا أبا ابراهيم رحمك الله، فقال(ع): أليس معي مَنْ يملك الدنيا والآخرة، ولن يقدر اليوم على سوء لي إن شاء الله. قال الفضل بن الربيع: فرأيته وقد أدار يده يلوح بها على رأسه ثلاث مرات. فدخلت على الرشيد، فإذا هو كأنه امرأة ثكلى([21]) قائم حيران فلمّا رآني قال لي: يا فضل. فقلت: لبيك. فقال: جئتني بابن عمّي؟ قلت: نعم. قال: لا تكون أزعجته؟ فقلت: لا. قال: لا تكون أعلمته أني عليه غضبان؟ فإني قد هيّجت على نفسي ما لم أرده، أئذن لـه بالدخول. فأذنت لـه. فلمّا رآه وثب إليه قائماً وعانقه وقال لـه: مرحباً بابن عمي وأخي ووارث نعمتي، ثم أجلسه على مِخَدّة([22]) وقال لـه: ما الذي قطعك عن زيارتنا؟ فقال(ع): سعة ملكك وحبّك للدنيا. فقال: ائتوني بحقة([23]) الغالية([24]) فأُتي بها فغلفه([25]) بيده، ثم أمر أن يحمل بين يديه خلع وبدرتان دنانير. قال الفضل: فتبعته(ع) فقلت لـه: ما الذي قلت حتى كُفيت أمر الرشيد؟ فقال: دعاء جدي عليّ بن أبي طالب(ع) كان إذا دعا به، ما برز الى عسكر إلاّ هزمه، ولا إلى فارس إلاّ قهره، وهو دعاء كفاية البلاء. قلت: وما هو؟ قال: قل: اللهم بك أساور، وبك أُحاول (وبك أحاور)، وبك أصول، وبك أنتصر، وبك أموت، وبك أحيا، أسلمت نفسي إليك، وفوّضت أمري إليك، لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم. اللهم إنك خلقتني ورزقتني وسترتني، وعن العباد بلطف ما خوّلتني أغنيتني، وإذا هويت رددتني، وإذا عثرت قوّمتني، وإذا مرضت شفيتني، وإذا دعوت أجبتني يا سيدي ارْضَ عني فقد أرضيتني([26]).
أقول: أين هذا الكوخ من القصور، والبذخ، والفساد، والإفساد الذي يقوم به بنو العباس، والناس عندما ترى هذه الأمور تثير في أذهانهم العديد من الأسئلة، وتوصلهم إلى نتائج مهمة، ولو لم يكن لهذا الأمر تأثير لما كان هارون يغضب كل هذا الغضب، من حيث إن الأخبار تصله عن التأثير الذي يتركه الإمام موسى بن جعفر(ع) في الأوساط العامة مما يجعله يتصرف بالطريقة التي بينتها الرواية، وأيضا التأثير في الربيع والذي يجعله ينقل هذه التفاصيل للناس ولو لم يكن متأثراً بها لكان اختصر بقولـه فأتيت به.
د ـ حبس أبو الحسن موسى بن جعفر عند السندي شاهك([27])، فسألته أخته أن تتولى حبسه، وكانت تتدين، ففعل، فكانت تلي خدمته، فحكي لنا أنها قالت: كان إذا صلى العتمة حمد الله، ومجده، ودعاه، فلم يزل كذلك حتى يزول الليل، فإذا زال الليل قام يصلي حتى يصلي الصبح، ثم يذكر قليلاً حتى تطلع الشمس، ثم يقعد إلى ارتفاع الضحى، ثم يتهيأ، ويستاك([28])، ويأكل، ثم يرقد إلى قبل الزوال، ثم يتوضأ، ويصلي حتى يصلي العصر، ثم يذكر في القبلة حتى يصلي المغرب، ثم يصلي ما بين المغرب، والعتمة، فكان هذا دأبه، فكانت أخت السندي إذا نظرت إليه قالت: خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل، وكان عبداً صالحاً([29]).
أقول: وهذا الأمر أدى إلى جعل من أوكلوا به من سجانيه على التملص بذرائع متعددة من هذه المسؤولية، بل وصلت إلى حد التصريح كما ينقل عن عيسى بن جعفر أنه كتب إلى الرشيد يقول لـه: قد طال أمر موسى بن جعفر ومقامه في حبسي، وقد اختبرت حاله، ووضعت من يسمع منه ما يقول في دعائه، فما دعا عليك، ولا عليّ، وما ذكرنا بسوء، وما يدعو لنفسه إلا بالمغفرة، والرحمة وإنْ أنفذت إليّ مَنْ يتسلّمه مني، وإلاّ خليتُ سبيله فأنني متحرّج من حبسه([30]).
وتكرر الموقف عينه مع الفضل بن يحيى البرمكي([31]) عند تسلمه الإمام(ع) من الفضل بن الربيع، فتسلمه منه، وجعله في بعض حجر دوره، ووضع عليه الرصد فكان(ع)مشغولاً بالعبادة يحيى الليل كله صلاة، وقراءة القرآن، ودعاء، واجتهاداً، ويصوم النهار في أكثر الأيام، ولا يصرف وجهه من المحراب، فوسع عليه الفضل بن يحيى، وأكرمه، فاتصل ذلك بالرشيد، وهو في الرقة([32]) فكتب إليه ينكر توسيعه على موسى(ع)، ويأمره بقتله، فتوقف عن ذلك، ولم يقدم إليه، فاغتاظ الرشيد لذلك، ودعا مسرور الخادم، فقال لـه: اخرج على البريد في هذا الوقت إلى بغداد، وادخل من فورك على موسى بن جعفر، فإنْ وجدته في دعةٍ ورفاهية فأوصل هذا الكتاب إلى العباس بن محمد([33])، ومُرْه بامتثال ما فيه، وسلم إليه كتاباً آخر إلى السندي بن شاهك يأمره فيه بطاعة العباس بن محمد، فقدم مسرور، فنزل دار الفضل بن يحيى لا يدري أحدٌ ما يريد، ثم دخل على موسى(ع)، فوجده على ما بلغ الرشيد، فمضى من فوره إلى العباس بن محمد، والسندي بن شاهك، وأوصل الكتابين إليهما، فلم يلبث الناس أن خرج الرسول يركض إلى الفضل بن يحيى، فخرج مدهوشاً([34]) حتى دخل على العباس بن محمد، فدعا العباس بسياط، وعقابين([35]) وأمر بالفضل، فجرّده، وضربه السندي بين يديه مئة سوط، وخرج متغير اللون خلاف ما دخل، وجعل يسلم على الناس يميناً وشمالاً، وكتب مسرور بالخبر إلى الرشيد، فأمر بتسليم موسى إلى السندي بن شاهك، وجلس الرشيد مجلساً حافلاً، وقال: أيها الناس أن الفضل بن يحيى قد عصاني، وخالف طاعتي فرأيت أن ألعنه، فالعنوه، فلعنه الناس من كل ناحية حتّى ارتجّ البيت والدار بلعنه، وبلغ يحيى بن خالد([36]) الخبر، فركب إلى الرشيد، فدخل من غير الباب الذي يدخل منه الناس حتى جاءه من خلفه، وهو لا يشعر به ثم قال لـه: التفت إليّ يا أمير المؤمنين، فأصغى إليه فزعاً، فقال: إن الفضل حدث، وأنا أكفيك ما تريد، فانطلق، وجهه، وسرّ، فأقبل على الناس، وقال: إن الفضل كان قد عصى في شيء فلعنته، وقد تاب، وأناب إلى طاعتي، فتولوه، فقالوا: نحن أولياء مَنْ واليت، وأعداء مَنْ عاديت، وقد توليناه، ثم خرج يحيى بن خالد على البريد([37]) حتى وافى([38]) بغداد، فماج([39]) الناس، فأرجفوا([40]) بكل شيء، وأظهر أنه ورد لتعديل السواد([41])، والنظر في أمر العمال، وتشاغل ببعض ذلك أياماً، ثم دعا السندي فأمره بأمره فامتثله([42]).
2ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وهو الأمر الذي فيه حياة الأمم، وبتركه تموت، وتنتهي، وقد قامت السلطة بقبر هذا الواجب المهم لكي لا يتهدد سلطانها، ومصالحها، ومن يجرؤ على هذا الأمر فله الويل والثبور، وأما الإمام موسى بن جعفر(ع) وبالرغم من سجنه، ووضعه تحت المراقبة المشددة، فقد كان يقوم، ويؤكد على هذا الأمر، ونذكر لذلك مثالين:
أـ ما حدث بينه(ع) وبين بشر الحافي([43]) لأنه(ع) اجتاز على داره ببغداد، فسمع الملاهي، وأصوات الغناء، والقصب تخرج من تلك الدار، فخرجت جارية، وبيدها قمامة([44]) البقل([45])، فرمت بها في الدرب، فقال لها: يا جارية، صاحب هذه الدار حرّ أم عبد؟ فقالت: بل حر، فقال: صدقت، لو كان عبداً خاف من مولاه! فلما دخلت قال مولاها، وهو على مائدة السكر: ما أبطأك علينا؟ فقالت: حدثني رجل بكذا وكذا، فخرج حافياً حتى لقي مولانا الكاظم(ع) فتاب على يده([46]).
ومنذ ذلك اليوم اجتنب السيئات، وصار من جملة الزهاد والعرفاء. ويُقال: إنه لقب بالحافي لأنّه ركض وراء الإمام موسى بن جعفر(ع) حافياً، وتاب وهو على هذه الصورة. ويظهر أنّه قد أخلص لله في التوبة حتّى كان ممّن فاق أهل عصره في الورع والزهد، وتفرّد بوفور العقل وأنواع الفضل، ولا جرم أنّ من أخلص لله كان كذلك. واستفاضة الحكمة من قلبه على لسانه.
ب ـ عن علي بن سويد([47]) قال: كتبت إلى أبي الحسن موسى(ع)، وهو في الحبس كتاباً أسأله عن حاله، وعن مسائل كثيرة، فاحتبس الجواب علي أشهراً ثم أجابني بجواب هذه نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله العلي العظيم الذي بعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين، وبعظمته، ونوره عاداه الجاهلون، وبعظمته، ونوره ابتغى من في السماوات ومن في الأرض إليه الوسيلة بالأعمال المختلفة، والأديان المتضادة، فمصيب، ومخطئ، وضال، ومهتدي، وسميع، وأصم، وبصير، وأعمى حيران، فالحمد لله الذي عرف، ووصف دينه محمد(ص) أما بعد، فإنك أمرؤ أنزلك الله من آل محمد بمنزلة خاصة، وحفظ مودة ما استرعاك من دينه وما ألهمك من رشدك، وبصرك من أمر دينك بتفضيلك إياهم، وبردك الأمور إليهم، كتبت تسألني عن أمور كنت منها في تقية، ومن كتمانها في سعة، فلما انقضى سلطان الجبابرة، وجاء سلطان ذي السلطان العظيم بفراق الدنيا المذمومة إلى أهلها العتاة على خالقهم رأيت أن أفسر لك ما سألتني عنه مخافة أن يدخل الحيرة على ضعفاء شيعتنا من قبل جهالتهم، فاتق الله عز ذكره، وخص بذلك الأمر أهله، واحذر أن تكون سبب بلية على الأوصياء، أو حارشاً عليهم بإفشاء ما استودعتك، وإظهار ما استكتمتك، ولن تفعل إن شاء الله، إن أول ما أنهى إليك أني أنعي إليك نفسي في ليالي هذه غير جازع، ولا نادم، ولا شاكّ فيما هو كائن مما قد قضى الله عزّ وجلّ وحتم، فاستمسك بعروة الدين، آل محمد، والعروة الوثقى الوصي بعد الوصي، والمسالمة لهم، والرضا بما قالوا، ولا تلتمس دين من ليس من شيعتك، ولا تحبن دينهم، فإنهم الخائنون الذين خانوا الله، ورسوله، وخانوا أماناتهم، وتدري ما خانوا أماناتهم ائتمنوا على كتاب الله فحرفوه وبدلوه ودلوا على ولاة الامر منهم فانصرفوا عنهم فأذاقهم الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون.
أقول: قد أشار الإمام(ع) هنا إلى مجموعة من المفاهيم:
أـ قوله(ع): (فلما انقضى سلطان الجبابرة) من حيث إن الاخلاق الرذيلة ترسخت في نفوسهم الشريرة مما يؤدي إلى أن تكون أفعالهم أفعال شيطانية، فيفسدون في الأرض، ويذلون أهل الحق، ويقتلون أولياء الله، وجنودهم جنود الشيطان وأولياؤه، والمراد بانقضاء سلطانهم انتهاء قدرتهم لأن قدرتهم على أذى الناس وهتك حرمتهم متصورة على الأحياء منهم، وأما إذا جاء الموت وهو المراد بقولـه: (وجاء سلطان ذي السلطان العظيم..)، فقد انقضى سلطانهم، وبطلت قدرتهم عليه لأنه خرج عن ملكه.
ب ـ قولـه(ع): (مخافة أن تدخل الحيرة على ضعفاء شيعتنا) فقد قصد الجهال كما صرح به، وأما الأقوياء معنزيا، فيعلمون أن الأرض لا تخلو من حجة بعده(ع) فلا تدخل الحيرة عليهم.
ج ـ قولـه(ع): (فاتق الله جل ذكره..) أمر أوّلاً بالاتقاء عما يوجب عقوبة الله تعالى لأنه المقصود الأصلي من كل أحد، والمحرك لـه إلى حفظ نفسه في جميع حركاته، وسكناته، وأقواله، وأفعاله عما لا يليق بالأحرار، وأمر ثانياً بأن يخص بذلك الأمر، وهو أمر الخلافة أهله، وهذا يحتمل وجوه:
أحدهما: أن يعتقد الإمامة بعده لأهلها لا غير أهلها.
ثانيها: أن يظهرها لمن يقبل منه لا لغيره.
ثالثها: أمره بالحذر عن أن يظهرها للمعاندين فإن إظهارها لهم سبب للبلية على الأوصياء.
د ـ قولـه(ع): (فاستمسك بعروة الدين آل محمد) بدل عن العروة والعروة الوثقى الوصي بعد الوصي من آل محمد، وقد شبه آل محمد، والوصي منهم بالعروة في أن التمسك بهم حامل للدين شارب من زلاله، ووصفه بالوثقى على سبيل التوشيح للتنبيه على أحكامها، وصحة الائتمان بها حيث لا يعتريها القصم، والكسر والقطع. والمسالمة لهم عطف على العروة، والمراد الانقياد لهم في جميع الأمور، وعدم مخالفتهم في شيء منها.
هـ ـ قولـه(ع) (والرضا بما قالوا) لما كانت بعض الأمور المتقدمة قد يتحقق مع الكراهة نبه بقولـه هنا على أنه ينبغي أن يكون ذلك مقروناً بالرضا أو أن لم يعرف وجه الصحة أو ثقل ذلك على النفس.
و ـ قولـه(ع): (ولا تلتمس دين من ليس من شيعتك) نهى عن طلب دينهم على وجه الأخذ، والعمل به، وأما طلبه للعلم بمواضع فساده، ومواقع شبهاتهم لمناظرتهم، وكسرهم عند الحاجة، فالظاهر أنه جائز بل قد يكون واجباً كفائياً كما صرح به بعض الأصحاب.
ز ـ قولـه(ع): (ولا تحبن دينهم…) لما كان عدم التمسك بدينهم غير مستلزم لعدم محبته نهى بعده عن محبته، وعلل بأنهم خائنون، وفعلهم خيانة، ودينهم باطل ولا يجوز محبة الباطل كما لا يجوز التمسك به.
ح ـ قولـه(ع): (وتدري ما خانوا أماناتهم) التي وضعهم الله تعالى عندهم وائتمنهم عليها، وقد بين وجوه خيانتهم للأمانة من خلال أمور:
1ـ قولـه(ع): (أيتمنوا على كتاب الله لفظاً ومعنى فحرفوه) الايتمان: أمنته على الشي وائتمنته عليه فهو أمين يعني اتخذهم الرسول أميناً على كتابه وأمرهم بحفظه فبدلوه أصلاً وحكماً فغيروا معانيه وحدوده وبدلوا أصوله وأحكامه.
2ـ قولـه(ع): (ودلوا على ولاة الأمر منهم) أي دلهم الرسول على ولاة الأمر من آل محمد في مواضع عديدة فانصرفوا عنهم تكذيباً لهم ولمن نصبهم وحباً للدنيا ورياستها، وهذا نوع آخر من الخيانة.
3ـ قولـه(ع): (فأذاقهم الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) فهم لم يكتفوا بغصب حقوق أولياء الله تعالى، بل عمدوا إلى قتلهم، والاعتداء عليهم، ومحاصرتهم.
فالإمام موسى بن جعفر(ع) مع أنه موجود في ذلك السجن، وفي حالة من الحصار، والتضييق التي يعانيها إلا انه يهتم كثيراً بموضوع الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والذي من أهم مصاديقه هو الركون إلى الظلمة، ومساعدتهم ومعونتهم.
3ـ ظهور المعجزات على يديه الشريفتين
في داخل السجن، وظهور المعجز يؤدّي إلى هداية الناس، وكشف الغشاوة عن عيونهم، وقد ذكرت الروايات عدة نماذج من هذا الأمر منها:
أـ عن علي بن يقطين([48]) قال: استدعى الرشيد رجلاً يبطل به أمر أبي الحسن موسى بن جعفر(ع) ويقطعه ويخجله في المجلس، فانتدب لـه رجل معزم، فلما احضرت المائدة عمل ناموساً([49]) على الخبز، فكان كلما رام خادم أبي الحسن(ع) تناول رغيف من الخبز طار من بين يديه، واستفزّ هارون الفرح والضحك لذلك، فلم يلبث أبو الحسن(ع) أن رفع رأسه إلى أسد مصوَّر على بعض الستور، فقال لـه: يا أسد الله خُذْ عدوّ الله قال: فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع، فافترست ذلك المعزم، فخرّ هارون وندماؤه على وجوههم مغشيّاً عليهم، وطارت عقولهم خوفاً من هول ما رأوه، فلما أفاقوا من ذلك بعد حين، قال هارون لأبي الحسن(ع): أسألك بحقي عليك لما سألت الصورة أن تردّ الرجل، فقال: إنْ كانت عصا موسى ردَّتْ ما ابتلعته من حبال القوم وعصيّهم، فإن هذه الصورة تردّ ما ابتلعته من هذا الرجل، فكان ذلك أعمل الأشياء في إفاقة نفسه([50]).
ب ـ عن عمر بن واقد قال: إن هارون الرشيد لما ضاق صدره مما كان يظهر لـه من فضل موسى بن جعفر(ع)، وما كان يبلغه عنه من قول الشيعة بإمامته، واختلافهم في السرّ إليه بالليل والنهار خشيه على نفسه، وملكه، ففكر في قتله بالسمّ، فدعا برطب، فأكل منه ثم أخذ صينية، فوضع فيها عشرين رطبة، وأخذ سلكاً فعركه في السم، وأدخله في سم الخياط، وأخذ رطبة من ذلك الرطب، فأقبل يردد إليها ذلك السم بذلك الخيط، حتى علم أنه قد حصل السم فيها، فاستكثر منه، ثم ردها في ذلك الرطب، وقال لخادم لـه: احمل هذه الصينية إلى موسى بن جعفر، وقل لـه: إن أمير المؤمنين أكل من هذا الرطب، وتنغص لك به، وهو يقسم عليك بحقه لما أكلتها عن آخر رطبة، فإني اخترتها لك بيدي، ولا تتركه يبقي منها شيئاً، ولا يطعم منها أحداً. فأتاه بها الخادم، وأبلغه الرسالة، فقال لـه: ائتني بخلال، فناوله خلالاً، وقام بإزائه، وهو يأكل من الرطب، وكانت للرشيد كلبة تعزّ عليه، فجذبت نفسها، وخرجت تجرّ سلاسلها من ذهب وجوهر حتى حاذت موسى بن جعفر(ع)، فبادر بالخلال إلى الرطبة المسمومة، ورمى بها إلى الكلبة، فأكلتها، فلم تلبث أن ضربت بنفسها الأرض، وعوت، وتهرت قطعة قطعة، واستوفى(ع) باقي الرطب، وحمل الغلام الصينية حتى صار بها إلى الرشيد. فقال لـه: قد أكل الرطب عن آخره؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين قال: فكيف رأيته؟ قال: ما أنكرت منه شيئاً يا أمير المؤمنين قال: ثم ورد عليه خبر الكلبة، وأنها قد تهرت([51])، وماتت، فقلق الرشيد لذلك قلقاً شديداً، واستعظمه، ووقف على الكلبة، فوجدها متهرّئة بالسم فأحضر الخادم ودعا لـه بسيفٍ ونطع، وقال لـه: لتصدقني عن خبر الرطب، أو لأقتلنك، فقال: يا أمير المؤمنين إني حملت الرطب إلى موسى بن جعفر، وأبلغته سلامك، وقمت بازائه، فطلب مني خلالاً، فدفعته إليه، فأقبل يغرز في الرطبة بعد الرطبة، ويأكلها حتّى مرّت الكلبة، فغرز الخلال في رطبةٍ من ذلك الرطب، فرمى بها، فأكلتها الكلبة، وأكل هو باقي الرطب، فكان ما ترى يا أمير المؤمنين، فقال الرشيد: ما ربحنا من موسى إلا أنا أطعمناه جيد الرطب، وضيعنا سمّنا، وقتل كلبتنا. ما في موسى حيلة([52]).
ج ـ الخبر المتقدّم عن علي بن سويد قال: كتبت إلى أبي الحسن موسى(ع) وهو في الحبس كتاباً أسأله عن حاله وعن مسائل كثيرة فاحتبس الجواب عليّ أشهراً ثم أجابني بجواب هذه نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم… إن أول ما أنهى إليك أني أنعي إليك نفسي في ليالي هذه غير جازع، ولا نادم، ولا شاكّ فيما هو كائن مما قد قضى الله عزّ وجلّ وحتم…([53]).
أقول: هنا ينبغي الإشارة الى مجموعة من الأمور وردت في هذا النصّ الشريف وهي:
1ـ قوله(ع): (أني أنعى إليك نفسي) نعيت الميت نعياً من باب نفع أخبرت بموته فهو منعى والفاعل نعى على فعيل يقال جاء نعيته بكسر العين وشد الباء وهو الذي يخبر بموته ([54]).
2ـ قولـه(ع): (غير جازع ولا نادم ولا شاك)، فقد نفى أوّلاً عن نفسه القدسية الجزع لأن الجزع وهو ضد الصبر وهو ينشأ عن أمور ثلاثة:
أـ الضعف عن حمله ما نزل به.
ب ـ شدة الخوف عما يرد عليه بعد الموت.
ج ـ شدة الحرص في الدنيا وخوف فواتها.
ونفسه(ع) الطاهرة منزّهة عن جميع ذلك.
ثم نفى عنه نفسه طروء الندامة لأنها تنشأ عن أمور:
أـ عن فعل ما لا ينبغي فعله.
ب ـ عن ترك ما لا ينبغي تركه.
وذاته المقدّسة منزهة عنهما.
ونفى ثالثاً عنها الشك؛ لأن الشك من لوازم الجهل وهو(ع) معدن العلم والأسرار ومنبع الحكمة وكان عالماً بما كان، وما يكون، وما هو كاين إلى يوم القيامة([55]).
ج ـ عن بشار قال: حدثني شيخ من أهل قطيعة الربيع من العامة ممن كان يقبل قولـه قال: قال لي: قد رأيت بعض من يقرون بفضله من أهل هذا البيت فما رأيت مثله قط في نسكه وفضله قال: قلت: من؟ وكيف رأيته؟ قال: جمعنا أيام السندي بن شاهك ثمانين رجلاً من الوجوه ممن ينسب إلى الخير، فأدخلنا على موسى بن جعفر، فقال لنا السندي: يا هؤلاء انظروا إلى هذا الرجل هل حدث به حدث؟ فإن الناس يزعمون أنه قد فعل مكروه به، ويكثرون في ذلك، وهذا منزله، وفرشه موسع عليه غير مضيق، ولم يرد به أمير المؤمنين سوءاً، وإنما ينتظره أن يقدم، فيناظره أمير المؤمنين، وها هو ذا صحيح، موسع عليه في جميع أمره، فاسألوه. قال: ونحن ليس لنا همّ إلا النظر إلى الرجل، وإلى فضله وسمته، فقال: أما ما ذكر من التوسعة وما أشبه ذلك فهو على ما ذكر غير أني أخبركم أيها النفر أني قد سقيت السم في تسع تمرات، وإني أخضرّ غداً، وبعد غدٍ أموت. قال: فنظرت إلى السندي بن شاهك يرتعد، ويضطرب مثل السعفة، قال الحسن: وكان هذا الشيخ من خيار العامة شيخ صديق، مقبول القول، ثقة ثقة جداً عند الناس([56]).
د ـ إن هارون الرشيد أنفذ إلى موسى بن جعفر جارية خصيفة([57])، لها جمال ووضاءة لتخدمه في السجن فقال قل له: (بل أنتم بهديتكم تفرحون)([58]) لا حاجة لي في هذه، ولا في أمثالها، قال: فاستطار هارون غضباً، وقال: ارجع إليه، وقل لـه: ليس برضاك حبسناك، ولا برضاك أخذناك، واترك الجارية عنده، وانصرف، قال: فمضى، ورجع، ثم قام هارون عن مجلسه، وأنفذ الخادم إليه ليستفحص عن حالها، فرآها ساجدة لربها لا ترفع رأسها تقول: قدوس سبحانك سبحانك. فقال هارون: سحرها، والله موسى بن جعفر بسحره، عليَّ بها، فأتي بها، وهي ترعد شاخصة نحو السماء بصرها فقال: ما شأنك؟ قالت: شأني الشأن البديع إني كنت عنده واقفة، وهو قائم يصلي ليله ونهاره، فلما انصرف عن صلاته بوجهه، وهو يسبح الله ويقدسه قلت: يا سيدي هل لك حاجة أعطيكها؟ قال: وما حاجتي إليك؟ قلت: إني أدخلت عليك لحوائجك قال: فما بال هؤلاء؟ قالت: فالتفت فإذا روضة مزهرة لا أبلغ آخرها من أولها بنظري، ولا أولها من آخرها، فيها مجالس مفروشة بالوشي، والديباج، وعليها وصفاء ووصايف لم أرَ مثل وجوههم حسناً، ولا مثل لباسهم لباساً، عليهم الحرير الأخضر، والأكاليل، والدر، والياقوت، وفي أيديهم الأباريق، والمناديل، ومن كلّ الطعام، فخررت ساجدة حتى أقامني هذا الخادم، فرأيت نفسي حيث كنت. قال: فقال هارون: يا خبيثة، لعلك سجدت، فنمت فرأيت هذا في منامك؟ قالت: لا والله يا سيدي إلا قبل سجودي رأيت، فسجدت من أجل ذلك، فقال الرشيد: اقبض هذه الخبيثة إليك، فلا يسمع هذا منها أحد، فأقبلت في الصلاة، فإذا قيل لها في ذلك قالت: هكذا رأيت العبد الصالح(ع)، فسئلت عن قولها قالت: إني لما عاينت من الأمر نادتني الجواري: يا فلانة، ابعدي عن العبد الصالح، حتى ندخل عليه، فنحن لـه دونك، فما زالت كذلك حتى ماتت، وذلك قبل موت موسى بأيام يسيرة([59]).
الهوامش
([1]) أستاذ التاريخ في مدرسة الإمام الخميني للدراسات العليا في قم المقدّسة، وعضو الهيئة العلمية في مركز دراسات جامعة المصطفى(ص) العالمية.
([2]) كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي 7: 336، تحقيق: الدكتور مهدى المخزومي والدكتور إبراهيم السامرائي، مؤسسة دار الهجرة، الطبعة الثانية، إيران، 1409هـ.
([3]) النهاية في غريب الحديث، مجد الدين أبو السعادات المبارك الاجزري 2: 421، الطبعة الرابعة، مؤسسة إسماعيليان، قم المقدسة، 1364هـ.ش.
([4]) الأعلام، الزركلي 7: 321، دار العلم الملايين، بيروت، 1979م.
([8]) محمد بن يحيى (إمامي ثقة)، عن أحمد بن محمد (إمامي ثقة)، عن الحجال (إمامي ثقة)، عن العلاء (إمامي ثقة)، عن ابن أبي يعفور (إمامي ثقة).
([9]) الأصُول الستّة عَشَرْ من الأصول الأولية في الروايات وأحاديث أهل البيت(ع) : 151، دار الشبستري للمطبوعات، قم المقدسة ـ إيران.
([10]) الربيع بن يونس بن محمد بن أبي فروة كيسان، من موالي بني العباس، أبو الفضل: وزير، من العقلاء الموصوفين بالحزم. ولد سنة 111هـ، اتخذه المنصور العباسي حاجباً ثمّ استوزره. وكان مهيباً، محسناً إدارة الشؤون. عاش إلى خلافة المهدي (العباسي) وحظي عنده، ثم صرفة الهادي عن الوزارة وأقره على دواوين الأزمة، فلم يزل عليها إلى أن توفي سنة 169هـ. وإليه تنسب (قطيعة الربيع) ببغداد وهي محلة كبيرة أقطعه إياها المنصور. الأعلام 3: 15.
([11]) الراهب: واحد رهبان النصارى، ومصدره الرهبة والرهبانية. والترهب: التعبد. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، إسماعيل بن حماد الجوهري 1: 140، المحقق: أحمد عبد الغفور عطار، 1990م.
([12]) عيون أخبار الرضا، أبو جعفر الصدوق محمد بن علي بن الحسين بابويه القمي 2: 89، صحّحه وقدم له وعلق عليه: العلامة الشيخ حسين الأعلمي، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان.
([13]) الفضل بن الربيع بن يونس، أبو العباس: وزير أديب حازم. ولد سنة 138هـ، كان أبوه وزيراً للمنصور العباسي. واستحجبه المنصور لما ولى أباه الوزارة، فلما آل الامر إلى الرشيد واستوزر البرامكة كان صاحب الترجمة من كبار خصومهم، حتى ضربهم الرشيد تلك الضربة، قال صاحب غربال الزمان: وكانت نكبتهم على يديه. وولي الوزارة إلى أن مات الرشيد. قال أبو نواس: “إن دهرا لم يرع عهدا لحيى غير راع ذمام آل ربيع” واستخلف الأمين، فأقره في وزارته، فعمل على مقاومة المأمون. ولما ظفر المأمون استتر الفضل (سنة 196هـ)، ثم عفا عنه المأمون وأهمله بقية حياته. وتوفي بطوس سنة 208هـ. وهو من أحفاد أبي فروة “كيسان” مولى عثمان بن عفان. الأعلام 5: 148.
([14]) تاج العروس من جواهر القاموس، محمد مرتضى الزبيدي 4: 456، مكتبة الحياة، بيروت.
([15]) زالت الشمس، وهذا وقت الزوال وذلك أنهم كانوا يقدرون أن الشمس تستقر في كبد السماء ثم تزول وذلك لما يظن من بطء حركتها. الفروق اللغوية، الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد أبو هلال العسكري: 77، المحقق: محمد إبراهيم سليم.
([16]) ودأب الرجل في عمله إذا جد. معجم مقاييس اللغة، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا 2: 321، تحقيق وضبط: عبد السلام محمد هارون (رئيس قسم الدراسات النحوية بكلية دار العلوم سابقاً وعضو المجمع اللغوي)، الجزء الأول، مكتب الإعلام الإسلامي، جمادي الآخرة 1404هـ.
([17]) عيون أخبار الرضا 2: 99؛ الأمالي، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي: 211، الطبعة الأولى، مؤسسة البعثة، قم المقدسة، 1417هـ.
([18]) الحجاز: مكة والمدينة والطائف ومخاليفها، لأنها حجزت بين نجد وتهامة، أو بين نجد والسراة، أو لأنها احتجزت بالحرار الخنس، حرة بني سليم وواقم وليلى وشوران والنار. القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروز آبادي الهوريني 2: 172، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1406هـ.
([19]) الحصار: المحبس. تاج العروس 6: 284.
([20]) الجلاد: من يضرب بالسياط. تاج العروس 4: 397.
([21]) الثكل: فقد الولد. وامرأة ثاكل وثكلى. النهاية في غريب الحديث 1: 217.
([22]) المخدة، كالوسادة، والمخدة بالكسر، لأنها توضع تحت الخد. القاموس المحيط 1: 345؛ الصحاح 2: 468.
([23]) الحقة: الوعاء المسمى حقّاً. إكمال الأعلام بتثليث الكلام، محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني 1: 156، تحقيق: سعد بن حمدان الغامدي، جامعة أم القرى، 1404هـ ـ 1984م، مكة المكرمة ـ المملكة السعودية.
([24]) الغالية من الطيب… تقول منه: تغليت بالغالية. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، إسماعيل بن حماد الجوهري 6: 2448، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الرابعة، 1407هـ ـ 1987م.
([25]) غلفه بالغالية لطخه وطيبه بها. معجم الأفعال المتعدية بحرف، موسى بن محمد بن الملياني الأحمدي 1: 156.
([26]) عيون أخبار الرضا 1: 76.
([27]) السندي بن شاهك الأمير أبو منصور مولى أبي جعفر المنصور ولي إمرة دمشق للرشيد ثم وليها بعد المائتين وكان ذميم الخلق سلليا كاسمه قال الجاحظ: كان لا يستحلف المكاري ولا الفلاح ولا الملاح ولا الحائك بل يجعل القول قول المدعي وتوفي ببغداد سنة أربع ومائتين ويروى أنه هدم سور دمشق وقد ضرب رجلاً طويل اللحية فجعل يقول العفو يا بن عم رسول الله فقال ويلك أهاشمي أنا فقال يا سيدي تريد لحية وعقلاً. الوافي بالوفيات، الصفدي 15: 296، تحقيق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، 1420هـ ـ 2000م، بيروت، دار إحياء التراث.
([28]) السواك ما يدلك به الفم من العيدان. لسان العرب، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الإفريقي المصري 10: 446، الطبعة الأولى، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ.
([29]) تاريخ بغداد أو مدينة السلام، أحمد بن علي البغدادي 13: 33، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت، 1997م؛ تهذيب الكمال في أسماء الرجال، جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزي 29: 50، حققه: الدكتور بشار عواد معروف، الطبعة الرابعة، 1406هـ، مؤسسة الرسالة؛ سير أعلام النبلاء، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي 6: 273، الطبعة التاسعة، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1413هـ.
([30]) الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، محمد بن محمد بن النعمان العكبري، تحقيق: مؤسسة آل البيت(عم) لتحقيق التراث، قم المقدسة، الأصول الستة عشر 2: 24؛ مناقب آل أبي طالب، محمد بن علي المازندراني 3: 440، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، 1376هـ؛ كشف الغمة في معرفة الأئمة، علي بن عيسى بن أبي الفتح الإربلي 3: 25، الطبعة الثانية، 1405هـ، دار الأضواء، بيروت؛ روضة الواعظين، محمد الفتال النيسابوري: 219، منشورات الشريف الرضي، قم المقدسة.
([31]) الفضل بن يحيى (147هـ ـ 193هـ) الفضل بن يحيى بن خالد البرمكي: وزير الرشيد العباسي، وأخوه في الرضاع: كان من أجود الناس. استوزره الرشيد مدة قصيرة، ثم ولاه خراسان سنة 178هـ فحسنت فيها سيرته، وأقام إلى أن فتك الرشيد بالبرامكة (سنة 187هـ) وكان الفضل عنده ببغداد، فقبض عليه وعلى أبيه يحيى، وأخذهما معه إلى الرقة فسجنهما وأجرى عليهما الرزق، واستصفى أموالهما وأموال البرامكة كافة. وتوفي الفضل في سجنه بالرقة. قال ابن الأثير: كان الفضل من محاسن الدنيا لم ير في العالم مثله. الأعلام 5: 152.
([32]) الرقة: بفتح أوله وثانيه وتشديده… مدينة مشهورة على الفرات، بينها وبين حران ثلاثة أيام، معدودة في بلاد الجزيرة لأنها من جانب الفرات الشرقي. معجم البلدان، الشيخ الإمام شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي 3: 59، الجزء الأول، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، 1399هـ ـ 1979م.
([33]) العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، أبو الفضل الهاشمي: أمير. ولد سنة 121 هو أخو المنصور والسفاح. ولاه المنصور دمشق وبلاد الشام كلها. وولي إمارة الجزيرة في أيام الرشيد. وأرسله المنصور لغزو الروم في ستين ألفا. وحج بالناس مرات. ومات ببغداد سنة 186هـ. كان من أجود الناس رأيا. وإليه تنسب (العباسية) محلة بالجانب الغربي من بغداد، دفن فيها. وكان الرشيد يحبه ويجله. ويزعم أهله أن الرشيد سمه. الأعلام 3: 265.
([34]) دهش الرجل بالكسر يدهش دهشاً: تحير. الصحاح 3: 1006.
([35]) العقب: العصب الذي تعمل منه الأوتار، الواحدة عقبة، وخلاف ما بينه وبين العصب أن العصب يضرب إلى صفرة والعقب يضرب إلى بياض وهو أصلبها وأمتنها. كتاب العين 1: 178.
([36]) يحيى بن خالد بن برمك، أبو الفضل: الوزير السري الجواد، سيد بني برمك وأفضلهم. ولد سنة 120هـ، وهو مؤدب الرشيد العباسي ومعلمه ومربيه. رضع الرشيد من زوجة يحيى مع ابنها الفضل، فكان يدعوه: يا أبي! وأمره المهدي (سنة 163) وقد بلغ الرشيد الرابعة عشرة من عمره، أن يلازمه، ويكون كاتباً لـه، وأكرمه بمئة ألف درهم، وقال: هي معونة لك على السفر مع هارون. ولما ولي هارون الخلافة دفع خاتمه إلى يحيى، وقلده أمره، فبدأ يعلو شأنه. واشتهر يحيى بجوده وحسن سياسته. واستمر إلى أن نكب الرشيد البرامكة فقبض عليه وسجنه في “الرقة” إلى أن مات سنة 190هـ. الأعلام 8: 144.
([37]) البريد: الرسول المبرد على دواب البريد، (وإبراده إرساله ). كتاب العين 8: 29.
([38]) وافى فلان: أتى. مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي: 373، ضبطه وصححه: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى، 1415هـ ـ 1994م.
([39]) ماج الناس: دخل بعضهم في بعض. كتاب العين 6: 195.
([40]) ارجفوا خاضوا فى الفتنة والاخبار السيئة. المحكم والمحيط الأعظم، أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي 7: 393، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، 2000م، بيروت.
([41]) السواد: ما حوالي الكوفة من القرى والرساتيق، وقد يقال: كورة كذا، وسوادها لما حوالي مدينتها وقصبتها وفسطاطها من رساتيقها وقراها. كتاب العين 7: 283.
([42]) روضة الواعظين: 219؛ مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الإصفهاني: 335، الطبعة الثانية، مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر، قم ـ إيران، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها في النجف، 1385هـ؛ الإرشاد 2: 242؛ الغيبة، محمد بن الحسن الطوسي: 30، الطبعة الأولى، تحقيق: الشيخ عباد الله الطهراني والشيخ علي أحمد ناصح، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم المقدسة، 1411هـ؛ مناقب آل أبي طالب 3: 440؛ كشف الغمة 3: 26.
([43]) بشر بن الحارث بن علي بن عبد الرحمن المروزي، أبو نصر، المعروف بالحافي: من كبار الصالحين. ولد في بغداد سنة 150هـ، وسكن فيها، لـه في الزهد والورع أخبار، وهو من ثقات رجال الحديث، توفي في بغداد 227هـ. قال المأمون: لم يبقَ في هذه الكورة أحد يستحيى منه غير هذا الشيخ بشر بن الحارث. الأعلام 2: 54.
([44]) قممت البيت: كنسته. والقمامة: الكناسة، والجمع قمام. الصحاح 5: 2015.
([45]) البقل من النبات ما ليس بشجر دق ولا جل، وحقيقة رسمه أنه ما لم تبق له أرومة على الشتاء بعدما يرعى، وقال أبو حنيفة: ما كان منه ينبت في بزره ولا ينبت في أرومة ثابتة فاسمه البقل، وقيل: كل نابتة في أول ما تنبت فهو البقل، واحدته بقلة. لسان العرب 11: 60.
([46]) منهاج السنة النبوية، ابن تيمية 4: 15، طبعة بولاق؛ منهاج الكرامة في معرفة الإمامة، الحسن بن يوسف بن المطهَّر المعروف بـ العلامة الحلي: 59، تحقيق: الأستاذ عبد الرحيم مبارك، مؤسسة عاشوراء للتحقيقات والبحوث الإسلامية، مشهد، 1379.
([47]) علي بن سويد السائي، ينسب إلى قرية قريبة من المدينة يقال لها: الساية. روى عن أبي الحسن موسى، ثقة. معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة، السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي 13: 56، الطبعة الخامسة طبعة منقحة ومزيدة، 1413هـ ـ 1992م.
([48]) علي بن يقطين بن موسى، أبو الحسن مولى بني أسد: ولد بالكوفة في سنة أربع وعشرين ومائة، وكان أبوه من وجوه دعاة الامامية، فطلبه مروان بن محمد فهرب واستتر وهربت به أمه وبأخيه عبيد بن يقطين ـ وكان ولد بعد علي بسنتين ـ إلى المدينة، وكانت له وصلة بعيال جعفر بن محمد الصادق فأتت منـزله بابنيها فاستدنى جعفر علياً وأقعده على حجره ومسح على رأسه فلما ظهر بنو العباس ظهر يقطين، وعادت أم علي بعلي وعبيد، فلم يزل يقطين في خدمة أبي العباس وأبي الجعفر، ومع ذلك يرى رأى ابن أبي طالب ويقول بإمامتهم وكذلك ولده وكان يحمل الأموال إلى جعفر الصادق والالطاف، ثم وصل خبره إلى المنصور والمهدي فلم يكيداه، ولما نقل المهدي إلى الرصافة صبر في حجر يقطين فنشأ المهدي وعلي بن يقطين كأنهما أخوان، فلما أفضت الخلافة إلى المهدي استوزر علي ابن يقطين وقدمه وجعله على ديوان الزمام وديوان البسر والخاتم، فلم يزل في يده حتى توفى المهدي وأفضى الأمر إلى الهادي فأقره على وزارته ولم يشرك معه أحدا من أمره إلى أن توفى الهادي، وصار الامر إلى الرشيد فأقره شهرا ثم صرفه بيحيى بن خالد البرمكي. وفي سنة اثنتين وثمانين ومائة مات علي بن يقطين بن موسى الكوفي مولى بني أسد ويكنى أبا الحسن ببغداد، وهو ابن سبع وخمسين سنة، وأبوه يومئذ حي. وصلى عليه ولي العهد محمد بن الرشيد، وتوفي أبوه بعده في سنة خمس وثمانين ومائة، ولعلي بن يقطين كتاب ما سأل عنه الصادق من أمور الملاحم، وكتاب مناظرته للشاك بحضرة جعفر. ذيل تاريخ بغداد، محب الدين أبي عبد الله محمد بن محمود ابن الحسن بن هبة الله بن محاسن المعروف بابن النجار البغدادي 4: 202 ـ 204، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان.
([49]) الناموس: المكر والخداع، يقال فلان صاحب ناموس ونواميس ومنه نواميس الحكماء. تاج العروس 4: 265.
([50]) عيون أخبار الرضا 2: 90؛ أمالي الشيخ الطوسي: 212؛ روضة الواعظين: 215؛ مناقب آل أبي طالب 3: 417.
([51]) الهرت: شقك شيئاً توسعه بذلك. كتاب العين 4: 33.
([52]) عيون أخبار الرضا 2: 94.
([53]) الكافي، ابو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي 8: 129، الطبعة الثالثة، دار الكتب الإسلامية ـ آخوندي، تهران، 1388هـ؛ قرب الإسناد، الشيخ الجليل أبو العباس عبد الله بن جعفر الحميري: 333، الطبعة الأولى، 1413هـ، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت(ع) لإحياء التراث، قم.
([54]) شرح شافية ابن الحاجب، رضي الدين محمد بن الحسن الأسترآباذي النحوي 4: 34، مع شرح شواهده: للعالم الجليل عبد القادر البغدادي صاحب خزانة الأدب، حققهما وضبط غريبهما، وشرح مبهمهما: الأساتذة محمد نور الحسن ومحمد الزفزاف ومحمد محيي عبد الحميد، القسم الأول، الجزء الأول، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان.
([56]) قرب الإسناد: 334؛ أمالي الشيخ الصدوق: 213؛ روضة الواعظين: 217.