أحدث المقالات

د. الشيخ كامران أويسي(*)

الشيخ عيسى محسني(**)

مقدّمةٌ

لقد منَّ الله تعالى على هذه الأمّة بأن جعل فيهم نبيّاً يهديهم ويرشدهم إلى السعادة والفلاح، وقد قام هذا النبي العظيم| طيلة 23 سنة بدعوة الناس إلى التوحيد والأخلاق الحَسَنة والتسامح والأخوة فيما بينهم، وتحمّل الصعوبات الشاقّة لتحقيق هذا الهدف إلى أن استطاع أن ينقذ الناس من ذلك المستنقع المهلك الذي كانوا فيه، ويزيح آثار الشرك والكفر فيما بينهم. ولا شَكَّ أنّ النبي| أدرى من أيّ شخصٍ آخر أنّ حفظ هذه الجهود التي قام بها طيلة هذه السنوات يحتِّم عليه أن يخلِّف مَنْ يليق بمقام قيادة الأمة من بعده، وقد قام في أخريات حياته، في غدير خمّ، بعدما جاءه الخطاب الإلهي: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏﴾، بهذه المهمّة، فجعل مَنْ هو أعلم الناس وأعدلهم وأقضاهم و… خليفةً وقائداً وزعيماً على الأمّة، وقال: «مَنْ كنت مولاه فعليٌّ مولاه»، وبذلك قد أكمل الله دينه للناس، وأتمّ النعمة لهم.

وقد استدلّ الشيعة على ذلك بأدلّةٍ متعدِّدة، ومنها: الآية 67 من سورة المائدة، المشهورة عندهم بآية التبليغ، إلاّ أنّ بعض علماء السنّة خالفوهم في ذلك، وذكروا معاني أخرى في تفسير الآية. وسوف نستعرض في هذه الدراسة أوّلاً: مستند الشيعة من الأدلة على نزول الآية في خلافة وإمامة عليٍّ×؛ وثانياً: أقوال العلماء السنّة في الآية، وأدلّتهم عليها؛ ومناقشة كلٍّ منها.

1ـ شأن النزول عند الإماميّة، والأدلة عليه

يعتقد الإمامية أنّ الآية نزلت في عليٍّ×، في غدير خمّ، في السنة العاشرة، وذلك حينما أنهى النبيّ| والمسلمون مناسك حجّهم، وكان عددهم مائة ألف أو يزيدون، وفي أثناء طريقهم إلى المدينة عند غدير خمّ نزل جبرئيل على النبيّ| بهذه الآية، وقال له: يا محمد، إنّ الله يقرئك السلام، ويقول: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏﴾ في عليٍّ، ﴿وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ‏﴾ (المائدة: 67)([1]).

وقد استدلّوا على قولهم بدليلين:

أـ رواياتٌ كثيرة في مصادر المسلمين

الأحاديث التي استدلّ بها الشيعة على مدَّعاهم كثيرةٌ ومتواترة، وقد رواها علماء العامّة والخاصّة، ومنها:

1ـ ما رواه أبو جعفر الكليني، بسنده الصحيح، عن زرارة، عن الإمام الباقر× قال: أمر الله‏ عزَّ وجلَّ‏ رسوله|‏ بولاية عليٍّ، وأنزل عليه: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾، وفرض ولاية أولي الأمر، فلم يدروا ما هي؟ فأمر الله محمداً| أن يفسِّر لهم الولاية، كما فسَّر لهم الصلاة والزكاة والصوم والحجّ، فلما أتاه ذلك من الله ضاق بذلك صدر رسول الله|، وتخوَّف أن يرتدّوا عن دينهم، وأن يكذِّبوه، فضاق صدره، وراجع ربَّه عزَّ وجلَّ، فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليه: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ﴾، فصدع بأمر الله تعالى ذكره، فقام بولاية عليٍّ× يوم غدير خمّ، فنادى: الصلاة جامعةٌ، وأمر الناس أن يبلِّغ الشاهد الغائب.‏ قال عمر بن أذنية: قالوا جميعاً، غير أبي الجارود: وقال أبو جعفر×: وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى، وكانت الولاية آخر الفرائض، فأنزل الله عزَّ وجلَّ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾، قال أبو جعفر×: يقول الله عزَّ وجلَّ: لا أنزل عليكم بعد هذه فريضة، قد أكملت لكم الفرائض([2]).

2ـ وروى العياشي أيضاً، في تفسيره، بإسناده عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر× قال: ‏ لما نزل جبرئيل× على رسول الله| في حجّة الوداع بإعلان أمر عليّ بن أبي طالب× ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ إلى آخر الآية، قال: فمكث النبيّ| ثلاثاً حتّى أتى الجحفة، فلم يأخذ بيده فَرَقاً من الناس، فلما نزل الجحفة يوم الغدير، في مكانٍ يُقال له: مهيعة، فنادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فقال النبيّ|: مَنْ أولى بكم من أنفسكم؟ قال: فجهروا فقالوا: الله ورسوله، ثمّ قال لهم الثانية، فقالوا: الله ورسوله، ثمّ قال لهم الثالثة، فقالوا: الله ورسوله، فأخذ بيد عليٍّ× فقال: مَنْ كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللهمّ والِ مَنْ والاه، وعادِ مَنْ عاداه، وانصر مَنْ نصره، واخذل مَنْ خذله؛ فإنه مني وأنا منه، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنه لا نبيَّ بعدي([3]) ‏.

وغيرها من الروايات التي لايسَعُ المقام لذكرها([4]).

و أمّا الروايات التي وردت عن طريق العامّة فهي كثيرةٌ نشير إلى بعضها:

1ـ روى ابن جرير الطبري، في كتاب الولاية، بإسناده عن زيد بن أرقم قال: لمّا نزل النبيّﷺ بغدير خُمّ في رجوعه من حجّة الوداع، وكان في وقت الضحى وحرٍّ شديد، أمر بالدوحات فقُمَّت، ونادى: الصلاة جامعةٌ، فاجتمعنا، فخطب خطبةً بالغة، ثمّ قال: «إن الله تعالى أنزل إليَّ: ﴿بَلِّغْ مَا أنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏﴾، وقد أمرني جبرئيل عن ربِّي أن أقوم في هذا المشهد، وأُعْلِمَ كلَّ أبيضٍ وأسود أنَّ عليَّ بن أبي طالب أخي ووصيّي وخليفتي والإمام بعدي، فسألتُ جبرئيل أن يستعفيَ لي ربِّي؛ لعلمي بقلّة المتَّقين، وكثرة المُؤْذين لي، واللائمين لكثرة ملازمتي لعليٍّ، وشدّة إقبالي عليه، حتّى سمَّوْني أُذُناً، فقال تعالى: ﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ويَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ﴾، ولو شئتُ أن أسمِّيهم وأدلّ عليهم لفعلتُ، ولكنّي بسترهم قد تكرَّمتُ، فلم يرْضَ الله إلاّ بتبليغي فيه، فاعلموا معاشرَ الناس ذلك؛ فإنّ الله قد نصبه لكم وليّاً وإماماً، وفرض طاعته على كلّ أحدٍ، ماضٍ حكمُه، جائزٌ قوله، ملعونٌ مَنْ خالفه، مرحومٌ مَنْ صدّقه، اسمعوا وأطيعوا؛ فإن الله مولاكم، وعليٌّ إمامكم، ثمّ الإمامة في ولدي من صلبه إلى ‏القيامة([5]).

2ـ وروى الحافظ ابن مردويه بإسناده عن ابن عبّاس قال: لمّا أمر اللهُ رسولَه| أن يقوم بعليٍّ، فيقول له ما قال، فقال: «يا ربِّ إن قومي حديثو عهدٍ بجاهليّة»، ثمّ مضى بحجِّه، فلمّا أقبل راجعاً نزل بغدير خُمّ، أنزل الله عليه: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ… الآية﴾، فأخذ بعَضُد عليٍّ، ثمّ خرج إلى الناس، فقال: «أيُّها الناس، ألستُ أَوْلى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: اللهمّ مَنْ كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللهمّ والِ مَنْ والاه، وعادِ مَنْ عاداه، وأَعِنْ مَنْ أعانه، واخذُلْ مَنْ خذله، وانصُرْ مَنْ نصره، وأحبَّ مَنْ أحبَّه، وأبغِضْ مَنْ أبغضه([6]).

وغيرها من الروايات المعتبرة المرويّة عن الصحابة والتابعين([7]).

فهذه جملةٌ من الأحاديث التي دلّت على أن قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ…﴾ نزل في إمامة وخلافة عليّ×، وخصوصاً إذا لاحَظْنا فقرة «ألستُ أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: اللهمّ مَنْ كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللهمّ والِ مَنْ والاه، وعادِ مَنْ عاداه…»، فعندها يكون الأمر أوضح.

وبه أيضاً يظهر عدم صحّة تلك الأخبار والأحاديث الضعيفة وأخبار الآحاد التي فسَّرت الرسالة الإلهية ـ التي أمر الله تعالى نبيَّه| بتبليغها ـ بأمور وقضايا بعيدة عن المعنى الذي تضمَّنته الآية الكريمة، كالجهاد، وأهل الكتاب، والمشركين، وغيرها. وسيتّضح ذلك في ذكر الإشكالات التي تَرِدُ على أقوال الجمهور.

ب ـ السياق القرآنيّ المحيط بالآية

إنّ أهمّ ما استند إليه علماء العامة في حمل الآية الكريمة وتفسيرها في أهل الكتاب هو وضعها في سياق الآيات التي تكلَّمت عن اليهود والنصارى، قال الرازي: «واعلم أن هذه الروايات وإنْ كثرت إلاّ أن الأَوْلى حمله على أنه تعالى آمنه من مكر اليهود والنصارى، وأمره بإظهار التبليغ من غير مبالاةٍ منه بهم؛ وذلك لأن ما قبل هذه الآية بكثيرٍ وما بعدها بكثيرٍ لما كان كلاماً مع اليهود والنصارى امتنع إلقاء هذه الآية الواحدة في البين على وجهٍ تكون أجنبيّةً عمّا قبلها وما بعدها»([8]).

ولكنْ يجب أن نعلم أنّ السياق يعتبر قرينةً متى ما كان الكلام متسلسلاً ومتتالياً، لا متفرِّقاً، كما هو في ترتيب الآيات القرآنية، فقد رتَّب الرسول الأكرم| الآيات القرآنية على غير نزولها، كما سيتَّضح لك لاحقاً. وهكذا الآية 67 من سورة المائدة؛ فإنّ زمن نزولها يختلف عن الآيات التي قبلها وبعدها، فقد نزلت في أخريات حياة النبيّ|؛ وأمّا الآيات السابقة على هذه الآية واللاحقة لها فقد نزلت في أوّل الهجرة، في الوقت الذي كانت تتوافد عليه اليهود، وتظهر له الحبّ والإيمان كذباً وزوراً، قال تعالى ﴿وَإِذَا جاؤُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُون * … * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ﴾ (المائدة: 61 ـ 66)، وهكذا آية: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ (المائدة: 68).

بل إنّنا نعتقد أنّ سياق الآية يتفق تماماً مع ما ذهبت إليه الإمامية من أنّها نزلت في خلافة وولاية عليّ×؛ وذلك إذا لاحظنا الآيات 66 و68 من السورة نفسها، فسنجد أنّ الله تعالى فرض على أهل الكتاب أن يقيموا أمرين: الأوّل: التوراة والإنجيل؛ الثاني: ما أنزل إليهم.

وبذلك يظهر أنّ قوله تعالى: «ما أُنزل إليهم» غير الكتب السماوية «التوراة والإنجيل»؛ أوّلاً: لضرورة وجود الاختلاف بين المعطوف والمعطوف عليه إذا لم يكن المعطوف مبيناً ولا مخصِّصاً للمعطوف عليه.

وثانياً: لو كان «ما أُنزل إليهم» هو كلّ ما جاء في هذه الكتب السماوية للزم من ذلك التكرار.

كما لا يمكن أيضاً أن يكون المقصود من «ما أُنزل إليهم» بعض الأحكام الفقهية ـ كما قيل ـ، كالجهاد والحجّ وغيرهما؛ لأنّ جميعَ قوانين وأحكام الديانة اليهودية والنصرانية وتشريعاتهم السماوية، بما فيها الجهاد والحجّ، موجودةٌ في كتبهم النازلة، فلو كان المقصود من «ما أُنزل إليهم» هذه الأحكام الجزئية للزم التكرار منها.

وبناءً على ما تقدَّم نستطيع؛ بدلالة السياق، أن ندَّعي أنّ ما أراده الله سبحانه من قوله: ﴿مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ في الآية 67 من سورة المائدة أمراً غير القرآن الكريم، بل هو أمرٌ مهمّ آخر يعادل ويساوي القرآن الكريم، وأنّه سبحانه أمر نبيَّه أن يدعوا الناس إليه، وحذَّره من التهاون في تبليغه.

وبذلك يظهر لك عدم صحّة ما قيل في تفسير قوله: ﴿مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ من أنّ المقصود بها هو بيان جميع الأحكام الدينية أو الجهاد أو الحجّ أو غيرها؛ لأنّ جميع هذه الأحكام تعتبر جزءاً من القرآن الكريم، وقد تبين؛ بدلالة السياق، أنّه لا بُدَّ أن يكون ﴿مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ موضوعاً خارجاً عن إطار القرآن، مساوٍ له في الشرف والمنزلة والعظمة.

ولكنْ ما هو الأمر الذي يعادل القرآن ويساويه في الشرف والمنزلة والعظمة؟

في الواقع إذا راجعنا الأحاديث الشريفة التي قالها رسول الله| في عترته وأهل بيته الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، وأعني بالذات حديث الثقلين ـ المشهور، بل المتواتر عند الشيعة والسنّة ـ، لوجَدْنا جواب هذا السؤال، حيث نرى أنّه| جعل أهل بيته صلوات الله عليهم عِدْلاً للقرآن، فقال فيهم: «إنّي أوشك أن أُدعى فأجيب، وإنّي‏ تاركٌ‏ فيكم‏ الثِّقْلَين‏: كتاب الله حبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض؛ وعترتي أهل بيتي، وإنّ اللطيف الخبير أخبرني أنهما لم يفترقا حتّى يَرِدا عليَّ الحوض، فانظروا بما تخلفوني فيهما»([9])، فجعل| الهداية رَهْنَ التمسُّك والإيمان بهما معاً، وقال: إنّهما لن يفترقا حتّى يَرِدَا عليه الحوض. ولو دقَّقنا أيضاً على إصراره| وتأكيده المبالغ على أنّ الهداية لا تتحقَّق إلاّ بالتمسُّك بالأمرَيْن معاً يتَّضح لنا أنّ ما أراده الله تعالى من قوله ﴿مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ هو تبليغ أمر الخلافة والوصاية بعد النبيّ|، وأنّ الأخذ بالقرآن دون العترة لا يجدي الإنسان نَفْعاً.

فكما أنّ الأكل من نعم الله تعالى وخيراته في قوله: ﴿لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ مشروطٌ بإقامة أمرين: الأوّل: كتابي التوراة والإنجيل؛ والثاني: وما أُنزل إليهم من ربِّهم، ولا يكفي إقامة التوراة والإنجيل وحدها في هداية اليهود والنصارى، ولا إنزال الرحمة عليهم، بل رُبَما يؤدّي ذلك إلى كفرهم وطغيانهم، وقد أشارت الآيات القرآنية إلى أن أكثر هؤلاء الذين انتهى بهم الأمر إلى الكفر والطغيان هم الذين كانوا يؤمنون بالتوراة والإنجيل ويعملون بها، دون ﴿مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾، قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى‏ شَيْ‏ءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ (المائدة: 68).

وهكذا الحديث بالنسبة إلى قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ‏ بَلِّغْ‏ مَا أُنْزِلَ‏ إِلَيْكَ‏ مِنْ‏ رَبِّكَ‏ وَإِنْ‏ لَمْ‏ تَفْعَلْ‏ فَمَا بَلَّغْتَ‏ رِسَالَتَهُ‏ وَاللهُ‏ يَعْصِمُكَ‏ مِنَ‏ النَّاسِ‏ إِنَ‏ اللهَ‏ لاَ يَهْدِي‏ الْقَوْمَ‏ الْكَافِرِينَ‏﴾ (المائدة: 67)، فإنّ عدم قبول ما أنزل على الرسول|، وهو التمسُّك بالعترة الطاهرة ـ كما في حديث الثقلين ـ وعلى رأسهم عليّ×، يؤدّي بالإنسان إلى الضلالة والكفر، حتّى لو آمن بالقرآن الكريم بحَسَب الظاهر، وقد أُشير في ذيل الآية الكريمة إلى ذلك في قوله: ﴿إِنَّ اللهَ‏ لاَ يَهْدِي‏ الْقَوْمَ‏ الْكَافِرِينَ﴾، ومعنى الكفر هنا هو إنكار وعدم قبول ما أُنزل إلى الرسول|، وهو ولاية العترة الطاهرة وفي مقدّمتهم عليّ×، ولا يُراد به الكفر المطلق، الذي يعنى به عدم الإيمان بالله ورسله وملائكته و…([10]).

إشكالاتٌ وإيرادات على قول الإماميّة

لقد أورد بعض علماء العامّة إشكالات على تفسير الإمامية للآية، نذكر بعضها:

1ـ تكذيب ابن تيميّة للروايات التفسيريّة

لقد اتَّهم ابن تيميّة الحرّاني الشيعة بالفِرْية والكذب في ما ادَّعوه من نزول الآية في عليٍّ×، وقال بعد نقله كلام العلاّمة الحلّي ما نصّه: «وقولُه: اتّفقوا على نزولها في عليٍّ أعظمُ كذباً ممّا قاله في تلك الآية، فلم يقُلْ لا هذا ولا ذاك أحدٌ من العلماء الذين يدرون ما يقولون. وأمّا ما يرويه أبو نعيم في‏ الحلية أو في‏ فضائل الخلفاء والنقّاش والثعلبي والواحدي ونحوهم في‏ التفسير فقد اتّفق أهل المعرفة على أنّ في ما يروونه كثيراً من الكذب الموضوع. واتّفقوا على أنّ هذا الحديث المذكور الذي رواه الثعلبي في‏ تفسيره‏ هو من الموضوع…. ولكنّ المقصود هنا أنّا نذكر قاعدة فنقول: المنقولات فيها كثير من الصدق وكثير من الكذب، والمرجع في التمييز بين هذا وهذا إلى أهل علم الحديث…؛ فلكلّ علمٍ رجالٌ يعرفون به، والعلماء بالحديث أجلّ هؤلاء قدراً، وأعظمهم صدقاً، وأعلاهم منزلة، وأكثر ديناً، وهم من أعظم الناس صدقاً وأمانةً وعلماً وخبرةً في ما يذكرونه من الجرح والتعديل…. فالأصل في النقل أن يُرْجَع فيه إلى أئمّة النقل وعلمائه… ومجرّد عَزْوه إلى رواية الثعلبي ونحوه ليس دليلاً على صحّته باتّفاق أهل العلم بالنقل؛ لهذا لم يَرْوِه أحدٌ من علماء الحديث في شي‏ءٍ من كتبهم»([11]).

وفي الجواب عن ذلك نقول: نعم، رُبَما لا يمكن لنا إثبات ما صرَّح به العلاّمة الحلّي من وجود اتّفاق بين الفِرَق الإسلاميّة على نزول الآية في عليٍّ×؛ لوجود رواياتٍ أيضاً تصرِّح أنّ الآية نزلت في غير عليٍّ×، ولكنْ يجب أن نعلم أنّ ما يدَّعيه ابن تيميّة من أنّ هذه الأحاديث كلها موضوعةٌ، وأنّ الكثير ممّا نقله أبو نعيم والثعلبي والنقّاش والواحدي في كتبهم موضوعٌ لا يعتمد عليه، ما هو إلاّ فِرْيةٌ على هؤلاء الأعلام؛ وذلك لوجوه:

الأوّل: لم تكن الروايات التي وردت في نزول الآية في علي× منحصرةً بما نقله أبو نعيم أو الثعلبي، بل تضافَرَتْ طرق وأسانيد تلك الروايات من كتب العامّة([12])، وقد أشَرْنا إلى بعضها في ما تقدّم.

الثاني: هَبْ أنّ الكثير من الروايات التي وردت في نزول الآية في عليّ× قد نقلها أبو نعيم والثعلبي والواحدي، ولكن كيف يدّعي ابن تيمية أنّها ضعيفةٌ وموضوعةٌ والحال أنّه قد ثبتَتْ صحّة أسانيدها على ضوء كلمات علماء الرجال والحديث([13]).

الثالث: لم يعتمد العلاّمة على روايات العامة ـ أبو نعيم والثعلبي ـ فحَسْب، بل هناك روايات صحيحة ومتواترة وردَتْ من طرق الشيعة تصرِّح أنّ الآية نزلت في عليّ×، فما تصوَّره ابن تيمية الحرّاني من أنّ تضعيف روايات أبي نعيم والثعلبي والواحدي يسقط أدلّة الشيعة هو تصوُّرٌ خاطئ، وإنّما اعتمد العلاّمة على تلك الروايات لإلزام الخَصْم وإقناعهم، لا غير.

2ـ نقاش الآلوسي في الصدور والدلالة

لقد شنّ الآلوسي أيضاً هجمةً شرسة على الشيعة وما ذهبوا إليه من نزول الآية في عليّ×، وأنكر صحة الأحاديث المروية في ذلك، وفي طليعتها حديث الغدير، وبذل جهداً مضاعفاً لصرف الحديث عن المعنى الذي أريد منه؛ فقد جاء في كلامه: «زعمت الشيعة أن المراد بـ ﴿مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ خلافة عليٍّ كرَّم الله تعالى وجهه… وخبر الغدير عمدة أدلّتهم على خلافة الأمير كرَّم الله تعالى وجهه… وأنت تعلم أن أخبار الغدير التي فيها الأمر بالاستخلاف غير صحيحة عند أهل السنّة، ولا مسلَّمة لديهم أصلاً([14]).

ولا يخفى أنّ أوّل الغلط في هذا الاستدلال جعلهم المولى بمعنى الأَوْلى، وقد أنكر ذلك أهل العربية قاطبةً، بل قالوا: لم يجى‏ء مفعل بمعنى أفعل أصلاً([15]).

وذكرﷺ (في قوله: مَن كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه) المحبّة والعداوة، فقد نبّه على أن المقصود إيجاب محبّته كرَّم الله تعالى وجهه، والتحذير من عداوته وبغضه، لا التصرُّف وعدمه([16]).

والظاهر حينئذٍ اجتماع الولايتين في زمانٍ واحد، ولا يتصوّر الاجتماع على تقدير أن يكون المراد أولوية التصرّف، بخلاف ما إذا كان المراد المحبّة»([17]).

ويجب قبل كلّ شيء أن نعلم أنّ الآلوسي لم يأتِ بهذه الشبهات من عنده، وإنّما أخذها من أسلافه، فهو ليس إلاّ رجلٌ مقلِّدٌ لمَنْ تقدَّم عليه.

وعلى أيّ حالٍ فقد أشار في كلامه هذا إلى جملة من الشبهات والإشكالات، نذكرها على التوالي:

الأوّل: إنّ أخبار الغدير غير صحيحة عند أهل السنّة، ولم تكن مسلَّمةً عندهم.

الثاني: إنّ الوليّ في حديث النبيّ| ليس معناه الأَوْلى بالتصرُّف، وقد أنكر أهل العربية قاطبةً أن يكون المولى بمعنى الأَوْلى بالتصرُّف، بل قالوا: لم يجى‏ء مفعل بمعنى أفعل أصلاً.

الثالث: وإذا لم يكن المولى بمعنى الأَوْلى بالتصرُّف فيجب أن يكون بمعنى المحبّة، وهو كذلك، وقد استند إلى بعض القرائن لدعم هذا المعنى للمولى.

الرابع: يلزم كون المولى بمعنى الأَوْلى بالتصرُّف اجتماع الولايتين ـ ولاية النبيّ| وولاية عليّ× ـ في زمانٍ واحد، ومن المعلوم أنّه لا تجتمع ولايتان في زمنٍ واحد.

وفي الجواب عن الإشكال الأوّل نقول: إنّ طرق وأسانيد حديث الغدير عند أهل السنّة كثيرةٌ ومعتبرة، وقد قال فيها الذهبي: إن «مَنْ كنت مولاه فعليٌّ مولاه متواترٌ يتيقَّن أن رسول اللهﷺ قاله»([18]). وقد اعتنى بحديث الغدير كبار علماء السنّة، حتى أفردوا فيه كتباً مستقلّة، كابن جرير الطبري، فقد جمع في حديث الغدير مجلدين، أورد فيهما سائر طرقه وألفاظه. وهذا يدلّنا على أنّ ما قاله الآلوسي غير صحيح؛ فإنّ لحديث أهمّيةً بالغةً عند أهل السنّة.

وأمّا جواب الإشكال الثاني: لقد حاول الآلوسي في هذه الشبهة أن يوهم القارئ أنّه لم يقُلْ أحدٌ من اللغويين أنّ كلمة المولى جاءت بمعنى الأَوْلى بالتصرُّف، والحال أنّه قد صرح عشرات اللغويين أنّ من جملة معاني المولى هو الأَوْلى بالتصرُّف، وسنذكر في ما يلي كلمات بعض أعلام اللغويين والمفسِّرين من أهل السنّة، الذين صرَّحوا بذلك:

قال الفخر الرازي، في تفسير قوله تعالى: ﴿هِيَ مَوْلاكُمْ وبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾: قال الكلبي: يعني أَوْلى بكم. وهو قول الزجّاج والفرّاء وأبي عبيدة…»([19]).

وقال أبو حيّان الأندلسي، في تفسير قوله تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾: قال الكلبي: أَوْلى بنا من أنفسنا في الموت والحياة. وقيل: مالكنا وسيِّدنا، فلهذا يتصرَّف كيف شاء([20]).

وقال الرازي أيضاً: إنّ أبا عبيدة قال في قوله تعالى: ﴿مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ﴾: معناه: هي أَوْلى بكم([21])؛ وذكر هذا أيضاً: الأخفش والزجّاج وعلي بن‏ عيسى:

فغدَتْ كلا الفرجين تحسب أنّه *** مولى المخافة خلفها وأمامها

قال الجوهري ـ والجوهري هو صاحب كتاب الصحاح، وقد وصف السيوطي كتابه الصحاح بقوله: «فهو (الصحاح) في كتب اللغة نظير صحيح البخاري في كتب الحديث([22]) ـ في شرح هذا البيت (قول لبيد): يريد: إنّه أَوْلى موضع أن يكون فيه الخوف([23]).

وقال البغوي، في تفسير الآية: ﴿مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ﴾: يعني صاحبكم وأَوْلى بكم؛ لما أسلَفْتُم من الذنوب([24]).

وقال الزمخشري، في تفسيرها: قيل: هي أَوْلى بكم([25]).

وقال أيضاً، في أساس البلاغة، في مادّة «ولي»: ومولاي: سيدي وعبدي، ومولى من الولاية: ناصر، وهو أَوْلى به([26]).

وقال، في تفسير الآية: ﴿وَاللهُ مَوْلاَكُمْ﴾: أي متولّي أموركم، وقيل: أَوْلى بكم من أنفسكم، ونصيحته أنفع لكم من نصائحكم لأنفسكم»([27]).

وقال النيسابوري: قيل: المراد أنّها تتولّى أموركم كما تولّيتم في الدنيا أعمال أهل النار. وقيل: أراد هي أَوْلى بكم([28]).

وقال القاضي البيضاوي، في تفسير آية: ﴿هِيَ مَوْلاَكُمْ﴾: يعني هي أَوْلى بكم([29]).

هذه أقوال أئمّة التفسير واللغة من العامة، وأمّا كبار المتكلِّمين من علمائهم فقد اعترفوا بمجيء المولى بمعنى الأَوْلى بالتصرُّف؛ فقد جاء في شرح المقاصد وفي شرح المواقف ـ وهما من أشهر كتبهم العقائدية ـ ما نصّه: «ولفظ (المولى) قد يُراد به: المعتق، والحليف، والجار، وابن‏ العم، والناصر، والأَوْلى بالتصرُّف([30]).

وبهذا تعرف عدم صحّة قول الآلوسي، وتدليسه على القارئ، عندما يقول: قد أنكر أهل العربية قاطبةً أنّ يكون المولى بمعنى الأَوْلى بالتصرُّف، بل قالوا: لم يجى‏ء مفعل بمعنى أفعل أصلاً؛ فقد لاحَظْنا أنّ الكثير من علماء اللغة والتفسير والكلام قد صرَّحوا بمجيء المولى بمعنى الأَوْلى بالتصرُّف.

جواب الإشكال الثالث: لقد ادّعى الآلوسي أنّ ما أراده النبيّ الأكرم| من قوله: «مَنْ كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه» هو المحبة ـ بعد أن أبطل بزعمه الخاطئ أن يكون معنى المولى هو الأَوْلى بالتصرُّف ـ، وقال: إنّ معنى قوله: «ألستُ أَوْلى بكم من أنفسكم» يعني «ألستُ أحبّ لكم من أنفسكم».

ولكنْ يُلاحَظ عليه:

أوّلاً: قد جاء في بعض الروايات أنّ النبي| ضمّ في دعائه كلمة «أحبّ من أحبّه» إلى «والِ مَنْ والاه»؛ فقد روى أبو العبّاس ابن عقدة عن الحسن بن عليّ بن عفّان العامري، عن عبيدالله بن موسى، عن فطر، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ذي مرّ وسعيد بن وهب، وعن زيد بن يثيع، قالوا: «سمعنا عليّاً يقول في الرحبة: فذكر نحوه، فقام ثلاثة عشر رجلاً فشهدوا أنّ رسول الله| قال: مَنْ كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهمّ والِ مَنْ والاه وعادِ مَنْ عاداه، وأحبّ مَنْ أحبّه، وأبغِضْ مَنْ أبغضه، وانصُرْ مَنْ نصره، واخذل مَنْ خذله»([31]). وهو قرينةٌ على أنّ المولى في الحديث ليس بمعنى المحبّة، وإلاّ لكان عطف الشيء على نفسه.

ثانياً: إنّه قد ورد في بعض ألفاظ الحديث كلمة: «بعدي»، مع تهنئة عمر بن الخطّاب. قال ابن كثير: «قال عبد الرزّاق: أنبأنا معمر، عن عليّ بن زيد بن جدعان، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب قال: نزلنا مع رسول الله| عند غدير خمّ، فبعث منادياً ينادي، فلمّا اجتمعنا قال: ألستُ أَوْلى بكم من أنفسكم؟! قلنا: بلى يا رسول الله! قال: ألستُ؟ ألستُ؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: مَنْ كنت مولاه فإنّ عليّاً بعدي مولاه، اللهمّ والِ مَنْ ولاه، وعادِ مَنْ عاداه، فقال عمر بن الخطّاب: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب، أصبحْتَ اليوم وليَّ كلِّ مؤمنٍ»([32]).

فلو كان النبيّ| يريد «المحبّة» لما كان وجهٌ لتقييد كلامه بقوله: «بعدي»، ولما صحَّ لعمر أن يقول: «أصبحْتَ اليوم…».

ثالثاً: من الأدلة التي دلّت على أن المقصود من المولى في حديث الغدير هو الأَوْلى بالتصرُّف مناشدة الإمام× صحابة النبيّ| في ذلك، وقد روى هذه المناشدة مجموعةٌ من الرواة، ونقلتها كتب السِّيَر والحديث. ومن تلك المناشدات ما نقله ابن الأثير عن أبي زينب بن عوف الأنصاري: روى الأصبغ بن نباتة قال: «نشد على الناس مَنْ سمع رسول اللهﷺ يقول يوم غدير خمّ ما قال إلاّ قام، فقام بضعة عشر، فيهم: أبو أيوب الأنصاري وأبو زينب، فقالوا: نشهد أنّا سمعنا رسول اللهﷺ وأخذ بيدك يوم غدير خمّ، فرفعها، فقال: ألستُم تشهدون أني قد بلَّغْتُ ونصحْتُ؟ قال: ألا إنّ الله عزَّ وجلَّ وليّي، وأنا وليّ المؤمنين، فمَنْ كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللهم والِ مَنْ والاه، وعادِ مَنْ عاداه، وأحبّ مَنْ أحبّه، وأعِنْ مَنْ أعانه، وابغض مَنْ أبغضه»([33])، فقال عليٌّ لأنس بن مالك والبراء بن عازب: ما منعكما أن تقوما فتشهدا؛ فقد سمعتما كما سمع القوم؟ فقال: اللهمّ إنْ كانا كتماها معاندةً فابْتَلِهما، فأمّا البراء فعمي، فكان يسأل عن منزله، فيقول: كيف يرشد مَنْ أدركته الدعوة؟ وأمّا أنس فقد برصت قدماه، وقيل: لما استشهد عليّ× قول النبيّﷺ: مَنْ كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه اعتذر بالنسيان فقال: اللهم إنْ كان كاذباً فاضربه ببياضٍ لا تواريه العمامة، فبرص وجهه، فسدل بعد ذلك برقعاً على وجهه([34]).

فلو كان المولى الذي سمعه هؤلاء من النبيّ| بمعنى المحبّ لما امتنع أنس والبراء وغيرهما أن يصرِّحوا ويشهدوا بذلك، ولقاموا وقالوا: نعم، إنّ رسول الله| أمرنا بمحبتك، وأن لا نبغضك، وإنّما فهموا من كلمة المولى معنى الولاية والقيادة، ولمّا كانت قيادة وإمامة الإمام تعارض مصالحهم أبَوْا أن يشهدوا له بذلك.

رابعاً: أنّ تذكير الناس بمحبّة عليٍّ× لايحتاج إلى تلك المقدّمات الكثيرة، من إلقاء خطبةٍ في تلك الصحراء القاحلة، وتحت تلك الحرارة المحرقة، ولا يحتاج إلى إيقاف تلك الجموع الغفيرة التي أتعبها طول الطريق، وفيهم الشيخ والشيخة والطفل، ولا إلى أخذ تلك الاعترافات والمواثيق المؤكَّدة.

كما أنّ مجرد المحبّة ليس لها تلك الأهمّية، بحيث تتّخذ الآية ذلك الأسلوب الشديد في مخاطبة الرسول|، وتقول له: ﴿وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ‏﴾؛ فإنّ المحبة بين المؤمنين تعتبر من أوّليات التعاليم الإسلامية، وقد أكَّد عليها الدين الإسلامي منذ ظهوره في الجزيرة العربية.

مضافاً إلى أنّ النبي| كان قد أكَّد مراراً، وفي مواقف كثيرة، على محبّة عليٍّ×، ولم يكن الموضوع أمراً جديداً بالنسبة إلى الناس، كما أنّها لم تكن من الأمور التي تثير قلق رسول الله| وتخوُّفه حتّى يطمئنه الله تعالى بشأنه.

ولا نريد أن نستقصي الأدلّة على تعين المعنى الذي أراده النبي| في قوله: «مَنْ كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه»، وأنّ معنى المولى هو الأَوْلى بالتصرُّف؛ فقد ذكروا في محلّه أدلّةً كثيرة على ذلك، ويكفي ما ذكرناه في المقام.

جواب الإشكال الرابع: أمّا قوله: إذا أخذنا المولى بمعنى الأَوْلى بالتصرُّف يلزم منه أن تجتمع ولايتان: ولاية للنبيّ|؛ وولاية لعليّ×، في زمانٍ واحد، فهو إيهامٌ للقارئ؛ إذ ليس في اجتماع الولايتين أيّ محذورٍ، وقد اجتمعت ولاية ونبوّة موسى وأخيه هارون في زمنٍ واحد، قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى‏ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً * وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيّاً * وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً﴾ (مريم: 51 ـ 53)، فنرى أنّ نبوة وولاية الأخوين قد اجتمعت في زمنٍ واحد، ولم يكن أيّ مانعٍ من ذلك. نعم المحذور في اجتماع التصرُّفين إذا كان أحدهما على خلاف الثاني، ولم تكن ولاية الإمام عليّ× كذلك، بل حتّى لو قلنا: إنّه× كان له حقّ التصرّف في زمن النبيّ| فهو لم يخالف النبيّ| قيد أنملةٍ.

ثم يجب أن نعلم أنّ هذه الواقعة قد حصلَتْ في أواخر عمر النبيّ|، كما نبّه على ذلك بقوله: «وإنّي أوشك أن أُدْعَى فأجيب»، ولم يقصد إعلان وليّين أو حاكمين على الناس، بل كان في صدد تعيين الخليفة؛ ليكمل مسيرته من بعده([35]).

وهكذا تندفع الإشكالات والشبهات الثلاثة، التي أوردها الآلوسي وغيره ممَّنْ سبقه من العلماء، والتي ردَّ عليها علماؤنا في مختلف الأدوار.

3ـ شبهة لزوم التكفير

رُبَما يُقال: إنّ الآية لو كانت تشير إلى خلافة وولاية علي×، وتنصيبه إماماً للناس، فما معنى الفقرة الأخيرة التي تهدِّد المتخلِّفين عن ذلك بالكفر والضلالة؟ وهل يلزم من عدم قبول إمامة عليٍّ× الكفر بالله تعالى؟ وهل يقول الشيعة بكفر جميع أهل السنّة؛ لعدم قبولهم إمامة عليٍّ×؟

وللجواب عن هذه الشبهة نقول: جاء الكفر في اللغة وفي الآيات القرآنية بمعنى الإنكار والمخالفة والردّ وعدم الاعتناء، وله مراتب من حيث المردود؛ فتارةً يكون إنكاراً وردّاً لله تعالى وللرسول| ولليوم الآخر، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً﴾.

وقد يكون إنكاراً ومخالفةً لبعض أحكام الله تعالى، كما قال تعالى ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ([36]).

وقد يكون الكفر بمعنى إنكار الخلافة والإمامة التي قام بتبليغها النبيّ الأكرم| في غدير خمّ([37])، ولا يلزم من إنكارها إنكار المبدأ والرسالة والمعاد. نعم، إذا كان المخالف والمنكر على يقينٍ من أنّ ما يقوله الإماميّة هو الصادر من رسول الله|، وأراد بمخالفته لأمر الأمامة والولاية الردّ على الله تعالى ورسوله|، فلا شَكَّ أنّ مثل هذا يحكم عليه بالكفر والإلحاد. ولكنّ الكثير من أهل السنّة لم يثبت لديهم ما ثبت للإمامية، وأنّ هذه الأحاديث صادرةٌ من رسول الله| قَطْعاً، وعلى هذا الأساس فلا يحكم الشيعة بكفر أهل السنّة، وأنّهم منكرون للمبدأ والمعاد.

2ـ أقوال أهل السنّة في شؤون نزولها

اختلفَتْ كلمة العامّة في تفسير الآية وبيان المعنى المقصود منها؛ فذهب جمهورهم إلى أنّ الآية لم تهدف موضوعاً محدّداً ومعيّناً، بل أمرَتْ النبيّ| أن يقوم بتبليغ كلّ ما أُنزل إليه من ربِّه ولا يخشى أيَّ أحدٍ في ذلك؛ فإنّ الله تعالى عاصمه وحافظه([38]).

ويرى بعضٌ آخر منهم أنّ الآية تهدف موضوعاً محدّداً ومعيّناً، ولكنْ اختلفوا في ذلك المعنى المحدَّد، وما أراده الله تعالى بقوله: ﴿مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾، وسنذكر هاهنا الأقوال المتعدِّدة التي ذكروها، مع مناقشة كلٍّ منها.

أـ تبليغ كلّ الرسالة الإلهيّة

ذهب جمهور علماء العامّة إلى أنّ ما أُمر النبيّ| بتبليغه هو جميع ما أنزله الله عليه، وقد قام| بهذا الواجب بأحسن ما يمكن، فبلَّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمّة، ثمّ استشهدوا على ذلك بما ورد عن عائشة حيث قالت: مَنْ حدَّثك أن محمداً كتم شيئاً ممّا أنزل الله عليه فقد كذب، وهو يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ([39]).

ردٌّ ونقد

أوّلاً: لو كان المقصود من ﴿مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ مجموع الدين للزم أن يكون قوله تعالى: ﴿بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ لَغْواً وعبثاً؛ لأنّ الكلام حينئذٍ يكون كقول القائل: «يا أيها الرسول بلِّغ الدين فإن لم تبلِّغ الدين فما بلَّغْتَ الدين»، وحاشا لله تعالى أن يتكلَّم بمثل هذا الكلام اللَّغْو، والخالي عن أيّ فائدةٍ([40]).

ثانياً: لو صحّ قول القائل: إنّ ما أراده الله تعالى من قوله: ﴿مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ﴾ مجموع الدين وأصله لكان الأنسب صدور ذلك في أوّل بعثة النبي|؛ ليكون النبي| على علمٍ من أنّه لايجوز له إخفاء أيّ شيءٍ نزل عليه، مهما بلغت محاولة الكفّار والمشركين لمنعه من تبليغ الرسالة، وقد ثبت أنّ الآية نزلت في أواخر عمر النبي|، وذلك بما تقدَّم من الأحاديث الكثيرة والمتواترة من أنّ تبليغ ﴿مَا أُنْزِلَ﴾ قد تحقَّق في حجّة الوداع.

أضِفْ إلى ذلك أنّ الكثير من الأحكام والقوانين في أوّل البعثة لم تشرَّعْ بعد، فلا يصحّ أن يخاطبه الله تعالى بقوله: إنْ لم تبلِّغ هذه الرسالة بأجمعها وبكلّ تفاصيلها، كيف، وهي لم يكتمل منها عشر معشارها؟!

ثالثاً: إنّ الله تعالى أمر نبيَّه| في أول البعثة، في الفترة المكّية ـ قبل نزول آية التبليغ ـ، بإبلاغ كلّ ما يُؤْمَر به وينزل عليه، قال تعالى: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ‏﴾ (الحجر: 94 ـ 95)، والآيتان نزلتا في جماعةٍ من المشركين الذين كانوا يمارسون نوعاً من الاستهزاء بالنبيّ|، فكان| كلّما صدع بالدعوة والتبليغ أخذوا يستهزئون به، ويقلِّدونه بأفعال سخيفة؛ حتّى يتفرَّق الناس من حوله. فجاءت الآيتان لتشدّا من عزمه| في تبليغ الرسالة؛ حتى لا تضعف إرادته أمام ما يواجهه من استهزاءٍ وتهديدٍ من تلك الجماعة المشركة، وقد أخبره سبحانه وتعالى أنّه سيكفيه ويحميه من شرِّهم.

وعلى هذا الأساس، فاذا كان الأمر الإلهي قد صدر في أوّل البعثة بتبليغ كلّ ما ينزل عليه، وأن لا يخشى أحداً؛ لأنّه وعده الباري تعالى أن يحفظه ويحميه من المشركين، فلا معنى أن يأمره سبحانه وتعالى مرّةً ثانيةً بتبليغ جميع ما أُنزل عليه، وأن لا يخشى أحداً من الناس، ويعده بالحفظ والحماية من شرّ الأشرار وكيد الكفّار؛ لما يلزم من ذلك التكرار واللَّغْوية، وعليه فلا ينبغي حمل ﴿مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ على أصل الدين ومجموعه.

ب ـ أهل الكتاب (اليهود والنصارى)

ذكر بعض علماء العامّة وَجْهاً آخر لنزول آية التبليغ، فقالوا: إنّ الآية نزلت في اليهود والنصارى عندما كانوا يستهزئون بالدين الإسلامي، وكان النبيّ| يتخذ أسلوب الصمت تجاههم، فلمّا نزلت آية التبليغ كسر ذلك الصمت، وقام بتبليغ ما أنزله الله فيهم. وقد استدلّ أصحاب هذا الرأي على ذلك بقرينة سياق الآيات النازلة قبل وبعد هذه الآية، فقد جاء فيها الحديث مفصَّلاً عن اليهود والأعمال المنكرة التي كانوا يمارسونها، واستشهدوا أيضاً برواية مقاتل بن سليمان، حيث روى أن النبيﷺ دعا اليهود إلى الإسلام، فأكثر الدعاء، فجعلوا يستهزئون ويقولون: «أتريد يا محمد أن نتَّخذك حناناً، كما اتَّخذت النصارى عيسى بن مريم حناناً، فلما رأى النبيﷺ ذلك سكت عنهم، فحرض الله تعالى نبيّهﷺ على الدعاء إلى دينه، لا يمنعه تكذيبهم إيّاه واستهزاؤهم به عن الدعاء، فقال:  ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏ (يعنى من اليهود فلا تقتل) إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ﴾»([41]).

تامُّلٌ واستبعاد

وفي الجواب نقول: لا يمكن قبول هذا القول؛ وذلك لعدّة وجوه:

الأوّل: إنّ سياق الآية يأبى أن تكون مرتبطةً بما قبلها وما بعدها؛ وذلك لما جاء فيها من قوله: ﴿وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾، فقد وعد الله نبيه| بالحفظ والعصمة من الأخطار والتهديدات الموجَّهة إليه، ومَنْ قرأ التاريخ الإسلامي سيعلم أن اليهود لم يكن لهم آنذاك أيّ شوكةٍ وقدرةٍ يهدِّدون بها النبيّ الأكرم|، بل لم يكن لهم دَوْرٌ وأثرٌ كبير في المدينة، فقد اضطرّوا بعد فشلهم في معركة خيبر أن يهاجروا من المدينة ويتركوها، فلم يبقَ منهم فيها إلاّ الأعداد القليلة، الذين كانوا يدفعون للمسلمين الجِزْية وهم أذلاّء، ومع ذلك فكيف يُقال: إن النبيّ| كان يخشى اليهود؟! والحال أنّ الله تعالى وعده بالحفظ والحماية من مؤامراتهم([42]).

الثاني: إن الآيات القرآنية لم تنزل على ترتيبها الفعلي الموجود في القرآن، بل كانت تنزل على النبيّ الأكرم| حَسْب المناسبات والظروف التي كانت تحيط بالنبيّ| والمسلمين، وكان النبيّ| يأمر بعض أصحابه بوضع الآيات النازلة في موضعها الخاصّ، ولهذا نجد بعض الآيات المكّية دخلت في سور مدنية، وبالعكس. ويؤيِّد ذلك ما رواه أبو داوود، في سننه، عن عثمان أنّه قال: «كان النبي| تنزل عليه الآيات، فيدعو بعض مَنْ كان يكتب له، ويقول له: «ضَعْ هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا»، وتنزل عليه الآية والآيتان فيقول مثل ذلك‏»([43]). وعليه فكيف يستدلّ بسياق الآيات على نزول الآية في اليهود؟!

أضِفْ إلى ذلك أنّ من شروط الأخذ بقرينة السياق في كشف المعنى المراد هو عدم وجود دليلٍ وقرينةٍ على خلافه، فلو قام دليلٌ أو قرينةٌ على خلاف قرينة السياق فحينئذٍ نرفع اليد عن قرينة السياق. وهذا ما اتَّفق عليه المسلمون كافّةً، فقالوا: إنّ الأدلة ترجَّح على السياق، فإذا حصل تعارض بين السياق والدليل تركوا مدلول السياق واستسلموا لحكم الدليل([44]). وفي ما يرتبط بآية التبليغ توجد أحاديث متواترة وقطعية على أنّ الآية نزلت في عليٍّ×، وقد أشَرْنا في ما تقدَّم إلى بعض تلك الأحاديث.

الثالث: إنّ الآية لا تحتوي تكليفاً شاقّاً ينحرج اليهود من أدائه، ولا قولاً حادّاً بحيث يمنع النبي| من تبليغه، ويؤمنه الله بالعصمة منهم، كيف، وقد تقدَّم ما هو أشدّ وأشقّ من ذلك على اليهود؟! كقوله تعالى: ﴿وَقَالَتِ‏ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ‏ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ‏ أَيْدِيهِمْ‏ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا﴾ (المائدة: 64)، وقوله سبحانه: ﴿وَقَالَتِ‏ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ‏ اللهِ‏ وَقَالَتِ‏ النَّصَارَى‏ الْمَسِيحُ‏ ابْنُ‏ اللهِ ذَلِكَ‏ قَوْلُهُمْ‏ بِأَفْوَاهِهِمْ‏ يُضَاهِئُونَ‏ قَوْلَ‏ الَّذِينَ‏ كَفَرُوا مِنْ‏ قَبْلُ‏ قَاتَلَهُمُ‏ اللهُ‏ أَنَّى‏ يُؤْفَكُونَ﴾ (التوبة: 30)، بل أكثر من ذلك فقد أمر الله نبيَّه| بتبليغ التوحيد ونفي الشرك وتسفيه وتدمير آلهة الكفّار والمشركين، وهو أشدّ بطشاً وأسفك للدماء من دعوة اليهود وتحذيرهم، ومع ذلك فلم يَخْشَ النبيّ| من تبليغ ما أمر به، ولم يهدِّده الله تعالى في أمر تبليغهم، ولم يعِدْه بالحفظ والحماية.

وبهذا يتّضح أنّ الآية الكريمة لا تشارك الآيات السابقة عليها واللاحقة لها في السياق، بل هي آيةٌ مفردة ومستقلّة، نزلت في غدير خمّ، ولكنْ وُضعَتْ بين الآيات التي تحدَّثَتْ عن اليهود؛ حتّى لا تصل إليها يدُ التحريف والتغيير.

ج ـ بيان حكم الرَّجْم والقصاص

ذكر بعض مفسِّري العامة([45]) أنّ الآية نزلت في بيان حكم الرجم والقصاص.

فقد جاء وفدٌ من اليهود إلى النبيّ الأكرم يسألونه عن حكم الزنى بالمحصنة، وكانت التوراة قد حكمَتْ فيه بالرجم، إلاّ أنّهم كانوا يبحثون عن طريق للهروب من هذا الحكم الإلهي، فلمّا سألوا النبيّ| عن ذلك حكم لهم بالرجم. فقد أخرج ابن مردويه، بهذا الصدد، عن البراء بن عازب قال: مرّ على رسول اللهﷺ يهوديّ محمّم قد جلد، فسألهم: ما شأن هذا؟ قالوا: زنى، فسأل رسول اللهﷺ اليهود: ما تجدون حدّ الزاني في كتابكم؟ قالوا: نجد حدّه التحميم والجلد، فسألهم: أيُّكم أعلم؟ فوركوا ذلك إلى رجلٍ منهم، قالوا: فلان، فأرسل إليه فسأله، قال: نجد التحميم والجلد، فناشده رسول اللهﷺ: ما تجدون حدَّ الزاني في كتابكم؟ قال: نجد الرجم، ولكنّه كثر في عظمائنا فامتنعوا منهم بقومهم، ووقع الرجم على ضعفائنا، فقلنا نضع شيئاً يصلح بينهم؛ حتّى يستووا فيه، فجعلنا التحميم والجلد، فقال النبيّﷺ: اللهمّ إنّي أوّل مَنْ أحيا أمرك إذ أماتوه، فأمر به فرُجِم، قال: ووقع اليهود بذلك الرجل الذي أخبر النبيّﷺ، وشتموه، وقالوا: لو كنّا نعلم أنك تقول هذا ما قلنا: إنك أعلمنا، قال: ثم جعلوا بعد ذلك يسألون النبيّﷺ: ما تجد في ما أنزل إليك حدّ الزاني؟ فأنزل الله ﴿وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللهِ([46]).

كما تأمره| أيضاً ببيان حكم القصاص، الذي حاول اليهود الهروب منه أيضاً؛ فقد جاء في تفسير الطبري، في تفسير قوله: ﴿لاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾، قال: رجلٌ من اليهود قتل رجلاً من أهل دينه، فقالوا لحلفائهم من المسلمين: سَلُوا محمداًﷺ، فإنْ كان يقضي بالدية اختصَمْنا إليه، وإنْ كان يقضي بالقتل لم نأتِه.

فقالوا: إنّ الآية ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ نزلَتْ لتأمر النبيّ الأكرم| بتبليغ هذين الحكمين، وأن لا يخشى اليهود في ذلك، فإنّ الله قد عصمه من مَكْرهم وكَيْدهم([47]).

تساؤلٌ وتعليق

الأوّل: إنّ الآيات الكريمة المتقدِّمة (المائدة: 41 فما بعدها) قد تطرّقَتْ إلى موضوع الرجم، وقد بيَّنه الرسول الأكرم| ـ كما جاء في الرواية المتقدّمة ـ بشكلٍ مفصَّل، من دون أن يطرأ عليه خوفٌ، أو يخشى أحداً من اليهود، وعندها لا داعي أن يأمره الله تعالى بتبليغ هذا الحكم مرّةً ثانية. وهكذا الأمر في القصاص فإنّه يعتبر من التشريعات والأحكام الأولى التي نزلت على النبيّ|، وقد قام النبيّ في ذلك الوقت ببيان وشرح حكم القصاص، وتصحيح الآراء الباطلة التي كانت عند العرب حول هذا الحكم، وقد جاء ذكره في القرآن الكريم في الآيتين 178 و179 من سورة البقرة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى‏ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى‏ بِالأُنْثَى‏ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْ‏ءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى‏ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ([48]). وإذا كان النبي| قد بين حكم القصاص في أوائل الهجرة النبويّة فلا داعي أن يأمره الله للمرّة الثانية أن يقوم بتبليغه بين الناس.

الثاني: نحن نسأل أصحاب هذا الرأي: هل يعقل أن يكون لحكمٍ فرعيّ وفقهيّ، كحكم القصاص أو الرجم، تلك الأهمّية البالغة عند الله تعالى، بحيث يجعل تبليغه للناس يعادل ويساوي تبليغ الرسالة بكاملها، وإنْ لم يبلّغه كأنّما لم يبلِّغ شيئاً من الرسالة؟! وهل كان بيان حكم القصاص أو الرجم يشكِّل تهديداً لحياة النبيّ الأكرم|، حتّى خاف النبيّ| أن يقوم بتبليغه في أوّل الأمر، فضمن الله تعالى له الحفظ والعصمة، ومن ثمّ قام النبيّ| بتبليغ ما أُمر به؟!

د ـ حكم الجهاد

فقد جاء في كلمات بعضهم: إنّ الآية نزلت لترغيب المنافقين إلى الجهاد، فقد كان المنافقون يكرهون الجهاد، و يمتنعون من المشاركة في غزوات النبيّ|، وهو لم يحثّهم عليه، ولهذا نزلت الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾، تأمر النبي| أن يحثّ المنافقين على الجهاد، ولا يتهاون في ذلك، ولا يخشى أحداً منهم([49]).

مقارباتٌ مختلفة

أوّلاً: تقدَّم أنّ آخر ما نزل على النبيّ| هو سورة المائدة، وأنّ آية التبليغ نزلت في أواخر عمر النبيّ|([50])؛ وأمّا الجهاد فقد دعا الله تعالى إليه منذ هاجر المسلمون إلى المدينة، واستقرَّتْ لهم الحكومة، وقد وعد المجاهدين منهم بالرحمة والمغفرة، فقال ﴿إِنَّ‏ الَّذِينَ‏ آمَنُوا وَالَّذِينَ‏ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي‏ سَبِيلِ‏ اللهِ‏ أُولَئِكَ‏ يَرْجُونَ‏ رَحْمَةَ‏ اللهِ‏ وَاللهُ‏ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾‏ (البقرة: 218)، كما أنّه تعالى هدَّد المتخلِّفين المتقاعدين، الذين تمسَّكوا بأعذار واهية للإعراض عن الجهاد، بنار جهنَّم، فقال: ﴿فَرِحَ‏ الْمُخَلَّفُونَ‏ بِمَقْعَدِهِمْ‏ خِلاَفَ‏ رَسُولِ‏ اللهِ‏ وَكَرِهُوا أَنْ‏ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ‏ وَأَنْفُسِهِمْ‏ فِي‏ سَبِيلِ‏ اللهِ‏ وَقَالُوا لاَ تَنْفِرُوا فِي‏ الْحَرِّ قُلْ‏ نَارُ جَهَنَّمَ‏ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ‏﴾ (التوبة: 81).

إذن هذه الآيات، وغيرها من آيات الجهاد([51])، لم تنزِلْ في أواخر حياة النبيّ|، بل نزلت طيلة الفترة التي أقامها النبيّ| في المدينة، من يوم الهجرة إلى يوم فتح مكّة، بل إلى ما بعد فتح مكّة، عندما دخل في حربٍ مع الروم وبعض القبائل العربية في غزوات حنين و الطائف وتبوك، وقد قام النبيّ| على طيلة هذه السنوات الممتدّة بتحريض المسلمين ـ بمَنْ فيهم المنافقون المتستِّرون بينهم ـ وترغيبهم في الجهاد، وبيان جميع أحكامه، حتّى أصبحت أهمّيته واضحةً لدى جميع المسلمين، وقد ذكر لنا التاريخ الاسلامي قصصاً كثيرة عن الشباب والشيوخ المتشوِّقين إلى الجهاد، الذين كانوا يطلبون الرخصة من النبيّ| للجهاد والتضحية في سبيل الله تعالى.

ولذلك لا يعقل أن يتطرَّق القرآن الكريم مرّةً أخرى، وبعد تلك الآيات الكثيرة والمتكرِّرة التي نزلت في الحثّ على الجهاد، إلى موضوع الجهاد، ويعده بالحفظ والعصمة من أيّ خطرٍ محتَمَلٍ يتوجَّه إليه([52]).

ثانياً: لا شَكَّ أنّ الجهاد والقتال مع الأعداء يُعَدّ من الأحكام المهمّة التي تضمن لنا العزّة والكرامة، وتحفظ لنا الأرض والأوطان، وتستر لنا الأعراض و…. ولكنْ على رغم من ذلك كلّه يبقى حكماً فقهياً فرعياً، تتقدَّمه الأصول والمبادئ والأسس الإسلامية، وعليه فهو لا يستحقّ أن يكون بمثابة جميع التعاليم والمفاهيم الدينية، بحيث لو لم يقُمْ النبيّ| بتبليغه للناس لما كان له تبليغٌ أبداً، ولذهبت جهوده الجبّارة طيلة 23 سنة هباءً، ومن الواضح أنّ هذا القول لا يقبله أيُّ عاقلٍ منصفٍ، فضلاً عن المسلم.

ثالثاً: إنّ الخطر والتهديد المتوقَّع من تبليغ آيات التوحيد ونفي الشرك وعبادة الأصنام أكثر بكثيرٍ ممّا هو متوقَّع من تبليغ آيات الجهاد، وقد قام النبيّ الأكرم| في تلك الفترة، التي شاعَتْ فيها عبادة الأصنام وتنزيه الآلهة الصناعية، بمواجهة المشركين وتسفيه آلهتهم؛ حتّى أرادوا اغتياله، ولكنه لم يتوقَّف عن مهمته التي ألقاها الله تعالى عليه، ولم يدخله خوفٌ أو رعبٌ، ولم يعِدْه الله سبحانه وتعالى بالعصمة، فلو كان ينبغي دخول الخشية والخوف في قلبه من أجل تبليغ أمرٍ من الدين لكان الأَوْلى أن تدخله في تلك الفترة التي كان يعيشها في مكّة بين ألدّ الناس وأشدّهم خصومةً، وهو يواجههم بتسفيه آلهتهم، ويدعوهم إلى كلمة التوحيد. كما أنّ الله تعالى لم يضمن له في تلك الفترة العصمة والحماية. ومن هنا يتّضح لنا أنّ ما أراده الله تعالى من «ما أُنزل إليك» ليس الجهاد؛ إذ ليس فيه ما يستحقّ أن يخشى من تبليغه، أو يعِدَه الله بالحفظ والعصمة([53]).

هـ ـ محاولة أعرابيٍّ اغتيال النبيّ(صلى الله عليه وآله)

ذكر بعضهم أنّ الآية نزلت إثر حادثةٍ كانت في غزوة بني أنمار، المعروفة بذات الرقاع، وأن شخصاً جاء إلى النبيّ|؛ بقصد اغتياله، وطلب منه أن يعطيه سيفه ليراه، فأعطاه النبيّ| إياه بكلّ سهولةٍ؛ فقد روى ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله قال: لمّا غزا رسول اللهﷺ بني أنمار نزل ذات الرقاع بأعلى نخلٍ، فبينا هو جالس على رأس بئرٍ قد دلّى رجلَيْه، فقال غورث به الحرث: لأقتلنّ محمداً، فقال له أصحابه: كيف تقتله؟ قال: أقول له: أعطني سيفك، فإذا أعطانيه قتلته به، فأتاه، فقال: يا محمد، أعطني سيفك أشمّه، فأعطاه إيّاه، فرعدَتْ يده، فقال رسول اللهﷺ: حال الله بينك وبين ما تريد، فأنزل الله ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ([54]).

 

دراسةٌ وتحقيق

أوّلاً: يجب أن نعلم أن غزوة ذات الرقاع أو بني أنمار كانت في السنة الرابعة من الهجرة، وهو تاريخٌ يسبق نزول سورة المائدة بستّ سنوات؛ لأنّه تقدَّم أنّ سورة المائدة، وهذه الآية بالذات، هي من آخر ما نزل من القرآن على النبيّ|([55]).

ثانياً: إنّ رواية ابن أبي حاتم ـ بالإضافة إلى تعارضها مع كثيرٍ من روايات العامة، ومع ما نقله أبو هريرة في تفسير الآية ـ قد ضعَّفها بعض العلماء، ومنهم: الترمذي، كما نقل عنه ابن كثير؛ فإنّه قال، بعد نقل حديث ابن أبي حاتم: «وهذا حديثٌ غريب»([56]).

ثالثاً: إنّ ما جاء في الرواية لا ينسجم مع محتوي آية التبليغ، فأيُّ علاقةٍ بين قصّة ذلك الإعرابي مع ما أنزله الله تعالى على الرسول|؟! فقد ضمن الله تعالى لرسوله أن يعصمه من شرّ الناس، وأن لا يخشى أحداً في تبليغ ما أنزل إليه، وليس في قصّة الأعرابي ما يوجب الخوف والخشية له، وما يستحقّ العصمة والحفظ من الله تعالى. وهل إبلاغ ما جرى بين النبيّ| وبين ذاك الأعرابي إلى الناس يساوي الرسالة، ويعادل كلّ ما تحمَّله النبيّ| في مدّة 23 سنة؟!

رابعاً: أنّ مؤامرة اغتيال النبيّ| على يد ذلك الأعرابي ليست أمراً جديداً حتّى يَعِدَه الله تعالى بالحفظ والعصمة، فقد تآمر الكفّار واليهود والمنافقون على مرّ التاريخ، منذ ولادته إلى وفاته، وقد ورد في قصّة الراهب النصراني محاولة اليهود اغتيال النبيّ|، وما قام به المنافقون في العقبة في طريق عودته من تبوك، وقد فشلوا في تلك المحاولة أيضاً، أو ما اعترف به زعماء قريش من محاولة اغتياله| في حنين، وأيضاً ما قامت به قريش في ليلة الهجرة، المعروفة بليلة المبيت، التي نام فيها عليٌّ× في فراشه، وغيرها من الأحداث الخطيرة التي مرَّتْ على النبي|، فلو كان المقصود من قوله تعالى: ﴿وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ حفظه وإنقاذه من ذلك الأعرابيّ لكان الأَوْلى أن يخبر عن حفظه وحمايته في تلك الوقائع المُهْلِكة التي مرَّتْ عليه|.

و ـ حراسة الله للنبيّ(صلى الله عليه وآله)

من الأقوال المشهورة عند العامة في تفسير هذه الآية هي أنّ الآية نزلت قبل الهجرة، في مكّة، عندما كان يحرسه عمُّه من المشركين، ويدفع عنه ما يصل إليه منهم. ولكنْ بعدما نزلت الآية، وأخبرَتْه أنّ الله تعالى تعهَّد بحفظه وحراسته من أيّ مكروهٍ يتوجَّه إليه، ألغى حراسة عمِّه. وقد استندوا في ذلك إلى بعض الروايات المرويّة في صحاحهم ومسانيدهم، وهي على نوعين: بعضها تنصّ على أنّ تلك الحراسة كانت من قبل عمّه العباس بن عبد المطَّلب؛ وبعضها الآخر تروي أنّها كانت لأبي طالب. فقد رُوي عن ابن عباس أنّه قال: سُئل رسول اللهﷺ: أيّ آيةٍ أنزلت من السماء أشدّ عليك؟ فقال: كنتُ بمِنَى أيام موسم، واجتمع مشركو العرب وأفناء الناس في الموسم، فنزل عليَّ جبريل، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ قال: فقُمْتُ عند العقبة، فناديتُ: يا أيّها الناس، مَنْ ينصرني على أن أبلغ رسالة ربّي ولكم الجنّة؟ أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله، وأنا رسول الله إليكم، تفلحوا وتنجحوا، ولكم الجنّة، قال: فما بقي رجلٌ ولا امرأةٌ ولا صبيٌّ إلاّ يرمون عليَّ بالتراب والحجارة، ويبصقون في وجهي، ويقولون: كذّاب صابئ، فعرض عليَّ عارضٌ، فقال: يا محمد، إنْ كنتَ رسول الله فقد آن لك أن تدعو عليهم كما دعا نوحٌ على قومه بالهلاك، فقال النبيّﷺ: اللهمّ اهْدِ قومي؛ فإنهم لا يعلمون، وانصرني عليهم أن يجيبوني إلى طاعتك، فجاء العباس عمّه، فأنقذه منهم، وطردهم عنه([57]).

تعارضٌ وتهافت

إنّ علائم وبوادر الوَضْع والجَعْل ظاهرةٌ على هذه الرواية؛ فإنّها تريد إثبات فضيلةٍ للعباس بأنّه كان يحرس النبيّ| في مكّة، بَدَل أبي طالب، وأنه هو الذي عصم الله به رسوله|، كما يظهر ذلك من تعليق الأعمش عليها، حيث قال: «فبذلك تفتخر بنو العباس، يقولون: فيهم نزلَتْ ﴿إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾. هوى النبيﷺ أبا طالب، وشاء الله عبّاس بن عبد المطَّلب»([58]).

أضِفْ إلى ذلك أنّ حراسة العبّاس للنبي|، وإنقاذه له من المشركين، لا تدلّ على إيمانه برسول الله|، فهو لم يؤمن برسول الله في أوّل البعثة، وقد كان في بدر في صفّ المشركين يقاتل المسلمين. جاء في قصّة بدر أنّه أخذ رسول الله| كفّاً من ترابٍ فرماه إليهم ـ يعني إلى المشركين ـ، وقال: شاهَتْ الوجوه، فلم يبْقَ منهم أحدٌ إلاّ اشتغل بفَرْك عينَيْه؛ وقتل الله من المشركين سبعين رجلاً، وأسر منهم سبعين رجلاً، منهم: العبّاس‏ بن‏ عبد المطَّلب،‏ فقال له رسول الله|: اِفْدِ نفسك، فقال: ما لي مالٌ، قال: فأين المال الذي وضعْتَه عند أمّ الفضل بمكّة، وليس معكما أحدٌ، فقلتَ لها: إن أُصبْتُ في سفري هذا فهذا المال لبنيّ الفضل وعبد الله وقثم؟ فقال: إن هذا شي‏ءٌ ما علم به غيري وغير أمّ الفضل، ثم ذكر أنه أسلم([59]).

ثانياً: إنّ الرواية خبرُ واحدٍ، وهي تعارض الأخبار الأخرى، بل تعارض ظاهر الآية الكريمة؛ إذ نرى أنّ الآية ذكرَتْ أنّ الذي عصم النبيّ| هو الله تعالى: ﴿وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾، بينما نجد في الرواية تأكيداً مبالغاً على أنّ الذي عصم النبيّ الأكرم| هو العبّاس بن عبد المطَّلب. وهذا يشهد على أنّها موضوعةٌ.

ثالثاً: تقدَّم أنّ الآية نزلت في المدينة، في أواخر حياة النبيّ|، وعلى هذا الأساس فهي لا تنسجم مع ما رُوي من حراسة العبّاس أو أبي طالب في تلك الفترة التي عاشها النبي في مكّة في كنف وحراسة عمّه أبي طالب×، ولذلك حاول بعض علماء العامة أن يدّعي أنّ الآية نزلت مرتين: مرّةً في بدء البعثة عند حراسته؛ والمرة الثانية في أواخر حياته([60]). إلاّ أنّ هذه المحاولة لا تجدي في المقام نفعاً؛ لأنّ الله تعالى قد ضمن في هذه الآية لنبيِّه الحماية والعصمة، فلو كانت الآية نازلةً في أول البعثة لما احتاج النبيّ الأكرم في المدينة إلى مَنْ يحميه، ولأخبرهم أنّ الله تعالى وعده في مكّة بالحفظ والعصمة، فلا داعي أن يحموه من الأعداء؛ وبعبارةٍ أخرى: لانتفَتْ الحاجة إلى إنزال الآية مرّةً ثانية في المدينة. ولهذا فالقول بنزول الآية مرّتين غير صائبٍ.

ز ـ الحماية من كفّار قريش

ذكر بعض مفسِّري العامة، كالزمخشري والرازي، تفسيراً آخر لهذه الآية، فقالوا: إنّه| كان يهاب المشركين في تبليغ الرسالة، ويخشى أن يصل إليه منهم سوءٌ، فأنزل الله تعالى هذه الآية يطمئنه، ويعده بالحفظ والعصمة والحماية، ويحذِّره من التسامح في تبليغ الرسالة الإلهية؛ خشيةً وخوفاً من قريش والمشركين([61]).

نقضٌ ورفض

 أوّلاً: إنّ الرسول الأكرم| ـ كما أشارت الآية الكريمة ـ كان مأموراً بتبليغ رسالةٍ مهمّة تعادل جميع الأحكام والقوانين التي جاء بها طيلة 23 سنة من حياته الرسالية، ويجب أن نعلم أنّ أكثر التشريعات والقوانين التي شُرِّعَتْ من قِبَل الله تعالى قد كانت في الفترة المدنية، أي في الوقت الذي هاجر فيه النبيّ| إلى المدينة، حيث أُتيحَتْ له الفرصة لنشر وتبليغ الدين والرسالة الإلهية، أمّا الفترة المكّية التي عاش فيها في مكّة المكرَّمة، وبين يدَيْ قريش، فهو لم يسنّ فيها قوانين وتشريعات كثيرة، ما عدا بعض الأصول المرتبطة بالمبدأ والمعاد، فلم يكن الدين في تلك الفترة كاملاً، ولم يبلِّغ الرسول| شيئاً كثيراً من الدين، حتّى يصحّ قوله تعالى فيه: ﴿وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾، وهذا بخلاف الفترة التي عاشها في المدينة، التي اكتملَتْ فيها القوانين والتشريعات الإسلامية، فلا بأس حينئذٍ أن يخاطبه تعالى بهذا الخطاب، ويقول له: ﴿وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ﴾.

ثانياً: لقد وعد الله تعالى في هذه الآية رسوله| بالحفظ والعصمة والحماية، فقال: ﴿واللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾، فلو قلنا: إنّ الآية نزلت في قريش، وفي الفترة التي عاشها النبي| في مكّة، لكان قوله تعالى: ﴿وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ غيرَ صادقٍ ـ و العياذ بالله ـ؛ إذ كيف يكون عاصماً له وقد قامَتْ قريش بتعذيبه وإيذائه بشتّى الأنواع طوال 13 سنة عاشها بينهم، حتى قال|: «ما أُوذي نبيٌّ كما أُوذيت»، وهذا بخلاف ما إذا قلنا: إنّ الآية نزلت في المدينة، وفي أواخر حياته|، حيث تخلَّص فيها من شرّ قريش وغيرهم، وذلك لما وعده الله تعالى: ﴿وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ([62]).

ثالثاً: من القرائن التي تجعلنا نقطع بأنّ الآية لم تكن مكّيةً أنّ السياق والأسلوب الخطابيّ الذي استُخدم في هذه الآية الكريمة يختلف تماماً مع سياق وأساليب الآيات المكّية، حيث نلاحظ أنّ الأسلوب الخطابي في الآيات المكّية فيه نوعٌ من اللين والنعومة، فهي عندما تأمر النبيّ|، أو تنهاه عن شيءٍ تستخدم أسلوب الرقّة والرخاوة، كقوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ‏ رَبِّكَ‏ الَّذِي‏ خَلَقَ﴾، فنجد أن الآية عندما تأمر النبيّ| بالقراءة تعطف عليه بالخلقة، وترقِّق من شدّة الأمر المذكور في الخطاب. أمّا في آية التبليغ فنلاحظ أنّ الخطاب فيه نوعٌ من الشدّة والغلظة، بحيث يميِّزه عن الخطابات التي ذُكرَتْ في الآيات المكّية.

فهذه الإشكالات والتساؤلات وغيرها تجعلنا نطمئنّ إلى أنّ الآية لم تنزل في مكّة، وفي قريش، بل هي تنسجم في السياق والمعنى مع الآيات المدنية.

وأمّا من منطلق الروايات فقد ثبت بالأحاديث الكثيرة والمستفيضة ـ بل المتواترة عند الشيعة ـ أنّ الآية مدنيّةٌ، نزلت في أواخر حياة النبيّ|.

النتيجة

بعد هذه الدراسة المختصرة للآية الكريمة، وبيان الأقوال فيها، وما استُدلّ به لتلك الأقوال، وبيان المناقشات والإشكالات والشُّبُهات، اتَّضح جليّاً أنّ القول الحقّ، والذي يقتضيه الطبع السليم والفهم المستقيم، بعيداً عن الأهواء والرَّغَبات، وطبقاً لما تقتضيه الموازين العلمية، هو نزول الآية الكريمة في ولاية أمير المؤمنين عليّ×، وأنّه الخليفة بعد رسول الله|؛ وهشاشة الأقوال الأخرى.

ولا يخفى أنّنا عالجنا في هذه الرسالة أمراً خطيراً وفي غاية الأهمّية، كما يكاد يكون ذلك صريحاً في الآية الكريمة: ﴿وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ﴾. ولو أنّ المسلمين امتثلوا أمره سبحانه وتعالى في ولاية أمير المؤمنين× لساد السلام والوئام الكرة الأرضيّة، ولعاشَتْ البشرية حياةً طيِّبة، وضمنَتْ سعادتها في الدنيا والآخرة.

الهوامش

(*) أستاذٌ مساعِدٌ في قسم علوم القرآن والحديث، وعضو الهيئة العلميّة، في جامعة المعارف الإسلاميّة في قم. من إيران.

(**) باحثٌ في الحوزة العلميّة، وحائزٌ على الماجستير في علوم القرآن والحديث في جامعة المعارف الإسلاميّة في قم. من إيران.

([1]) عبد الحسين الأميني، الغدير في الكتاب والسنّة والأدب 1: 423، مركز الغدير، قم، 1416هـ.

([2]) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي 1: 289، الدار الإسلامية، طهران، 1362هـ.ش.

([3]) محمد بن مسعود العياشي، تفسير العياشي 1: 332، المطبعة العلمية، طهران، 1380هـ.

([4]) راجع المصادر التالية: فرات بن إبراهيم الكوفي، تفسير فرات الكوفي: 129، مؤسسة الطبع والنشر الإسلامي، طهران، 1410هـ؛ عليّ بن إبراهيم القمّي، تفسير القمّي 1: 171، دار الكتب، قم، 1404هـ؛ الصدوق، الأمالي: 355، كتابچي، طهران، 1376هـ.ش؛ الصدوق، التوحيد: 256، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1398هـ.ش؛ الصدوق، عيون أخبار الرضا 2: 130، نشر جهان، طهران، 1378هـ.ش؛ محمد بن محمد (المفيد)، الإرشاد في معرفة حجج الله العباد 1: 175، مؤتمر الشيخ المفيد، قم، 1413هـ؛ علي بن الحسين (المرتضى)، الأمالي 1: 311، دار الفكر العربي، القاهرة، 1998م؛ محمد بن أحمد النيشابوري، روضة الواعظين 1: 90، منشورات الشريف الرضي، قم، 1375هـ.ش؛ محمد (ابن شهرآشوب)، مناقب آل أبي طالب 3: 21، منشورات العلاّمة، قم، 1379هـ.ش؛ علي بن عيسى الإربلي، كشف الغمّة في معرفة الأئمّة 1: 237، منشورات بني هاشم، تبريز، 1381هـ.

([5]) جلال الدين السيوطي، الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 2: 298، مكتبة المرعشي النجفي، قم، 1404هـ.

([6]) المصدر نفسه.

([7]) لمعرفة المزيد من الروايات راجِعْ المصادر التالية: السيوطي، الدرّ المنثور 3: 117؛ سليمان بن إبراهيم القندوزي، ينابيع المودة لذوي القربى 1: 119، دار الأسوة، قم، 1416هـ؛ أحمد (ابن مردويه)، مناقب علي بن أبي طالب وما نزل من القرآن في عليّ: 239، دار الحديث، قم، 1422هـ؛ علي بن الحسن (ابن عساكر)، تاريخ مدينة دمشق 2: 85، دار الفكر، بيروت، 1415هـ؛ عبيد الله بن أحمد الحسكاني، شواهد التنـزيل 1: 119، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، طهران، 1411هـ؛ حسن بن محمد النيشابوري، تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان 6: 194، دار الكتب العلمية، بيروت، 1416هـ؛ أحمد بن إبراهيم الثعلبي، الكشف والبيان عن تفسير القرآن 4: 92، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1422هـ؛ علي بن أحمد الواحدي، أسباب نزول القرآن: 204، دار الكتب العلمية، بيروت، 1411هـ.

([8]) فخر الدين محمد بن عمر الرازي، مفاتيح الغيب 12: 401، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1420هـ.

([9]) الصدوق، معاني الأخبار 1: 235؛ مسند أحمد بن حنبل 3: 17؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين 3: 109.

([10]) عبد الله جوادي الآملي، التسنيم في تفسير القرآن 23: 288، منشورات الإسراء، قم، 1390هـ.ش؛ حامد ضياء فر، شرح وتوضيح مفهوم آية التبليغ على أساس مدلول السياق: 23، 1397هـ.ش.

([11]) منهاج السُنّة 7: 33.

([12]) علي الميلاني، تشديد المراجعات وتنفيد المكابرات 2: 260، مركز الحقائق الإسلامية، قم، 1427هـ.

([13]) المصدر نفسه.

([14]) محمود الآلوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم 3: 360، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415هـ.

([15]) المصدر السابق 3: 361.

([16]) المصدر نفسه.

([17]) المصدر السابق 3: 362.

([18]) المصدر السابق 3: 361.

([19]) الرازي، مفاتيح الغيب 29: 459.

([20]) أبو حيّان الأندلسي، البحر المحيط في التفسير 5: 433.

([21]) الرازي، مفاتيح الغيب 29: 459

([22]) السيوطي، المزهر في اللغة 1: 101، نقلاً عن: نفحات الأزهار.

([23]) إسماعيل بن حماد الجوهري، الصحاح 6: 29، دار الكتب للملايين، بيروت.

([24]) حسين بن مسعود البغوي، معالم التنـزيل في تفسير القرآن 5: 30، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1420هـ.

([25]) محمود الزمخشري، الكشّاف عن حقائق غوامض التنـزيل 4: 476، دار الكتب العربي، بيروت، 1407هـ.

([26]) محمود الزمخشري، أساس البلاغة: 689، دار صادر، بيروت، 1979م.

([27]) الزمخشري، الكشّاف عن حقائق غوامض التنـزيل 4: 565.

([28]) النيشابوري، تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان 6: 256.

([29]) عبد الله بن عمر البيضاوي، أنوار التنـزيل وأسرار التأويل 5: 187، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1418هـ.

([30]) سعد الدين التفتازاني، شرح المقاصد 5: 273، منشورات الشريف الرضي، قم، 1409هـ؛ مير سيد شريف الإيجي، شرح المواقف 8: 361، منشورات الشريف الرضي، قم، 1425هـ.

([31]) عز الدين ابن الأثير، أسد الغابة في معرفة الصحابة 5: 131، دار الفكر، بيروت، 1409هـ؛ إسماعيل بن عمر (ابن كثير)، البداية والنهاية 5: 210، دار الفكر، بيروت، 1407هـ.

([32]) البداية والنهاية (المخطوط) 7: 349.

([33]) ابن كثير، البداية والنهاية 3: 366؛ أحمد بن علي (ابن حجر العسقلاني)، الإصابة في تمييز الصحابة 7: 136، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415هـ.

([34]) مير حامد حسين، نفحات الأزهار وعبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار 7: 194، مكتبة أمير المؤمنين×، إصفهان، 1366هـ.ش.

([35]) ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنـْزَل 4: 99، مدرسة الإمام عليّ بن أبي طالب×، قم، 1421هـ.

([36]) حسن مصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن 10: 81، مؤسسة ترجمة ونشر الكتاب، طهران، 1360هـ.ش.

([37]) مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنـْزَل 4: 99.

([38]) فتح الله نجّار زادگان، دراسة تطبيقية لآيات الولاية على ضوء المدرستين: 243، منشورات سبحان، قم، 1390هـ.ش.

([39]) وهبة الزحيلي، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج 6: 261، دار المعرفة، بيروت، 1418هـ؛ محمد بن جرير الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن 6: 198، دار المعرفة، بيروت، 1412هـ؛ الزمخشري، الكشّاف 1: 658.

([40]) محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 6: 44، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1417هـ.

([41]) مقاتل بن سليمان البلخي، تفسير مقاتل بن سليمان 1: 492، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1423هـ.

وقد ذكر هذا القول بعض مفسِّري العامة، منهم: الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن 6: 198؛ الرازي، مفاتيح الغيب 12: 400؛ البغوي، معالم التنـزيل في تفسير القرآن 2: 68؛ الثعلبي، الكشف والبيان عن تفسير القرآن 4: 91.

([42]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 6: 43.

([43]) سنن أبي داوود 1: 354.

([44]) السيد عبد الحسين شرف الدين، المراجعات: 239.

([45]) الرازي، مفاتيح الغيب 11: 62؛ الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن 6: 161؛ البغوي، معالم التنـزيل في تفسير القرآن 2: 5.

([46]) السيوطي، الدرّ المنثور 2: 285.

([47]) المصدر السابق 2: 281.

([48]) الفضل بن الحسن الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 1: 479، انتشارات ناصر خسرو، طهران، 1372هـ.

([49]) الرازي، مفاتيح الغيب 12: 401.

([50]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 5: 44

([51]) راجِعْ الآيات التالية: التحريم: 9؛ الأنفال: 65؛ النساء: 95؛ محمد: 31؛ التوبة: 12 و24.

([52]) فتح الله نجّار زادگان، مقالة (دراسة آراء الفريقين حول آية التبليغ)، مركز تحقيق الحكمة والفلسفة الإسلامية، 1383ش، الرقم 8.

([53]) الطباطائي، الميزان في تفسير القرآن 6: 43.

([54]) السيوطي، الدرّ المنثور 2: 299؛ الآلوسي، تفسير روح المعاني 4: ۲۹۰؛ الشوكاني، فتح القدير 2: 61.

([55]) عبد الملك (ابن هشام)، السيرة النبوية 3: 225، دار المعرفة، بيروت.

([56]) إسماعيل بن عمر (ابن كثير)، تفسير القرآن العظيم 3: 139، دار الكتب العلمية، بيروت، 1419هـ.

([57]) السيوطي، الدرّ المنثور 2: 298؛ الآلوسي، تفسير روح المعاني 3: 364.

([58]) السيوطي، الدرّ المنثور 2: 298.

([59]) الفضل بن الحسن الطبرسي، إعلام الورى بأعلام الهدى 1: 104، الدار الإسلامية، طهران، 1390هـ.ش؛ محمد بن الحسن الحُرّ العاملي، إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات 1: 390، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1425هـ.

([60]) الآلوسي، تفسير روح المعاني 3: 364.

([61]) الرازي، مفاتيح الغيب 12: 401؛ الزمخشري، الكشّاف 1: 659؛ الطبري، جامع البيان 6: 199.

([62]) فتح الله نجّار زادگان، مقالة (دراسة آراء الفريقين حول آية التبليغ)، مركز تحقيق الحكمة والفلسفة الإسلامية، 1383ش، الرقم 8.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email